محمد محمود إبراهيم عطية
Member
يختلف ليل رمضان عن ليل غيره من الأيام ، في الصحيحين من حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " ؛ فهذا الفضل إنما هو خاص بليل رمضان ؛ ولهذا السبب ارتبط ليل رمضان بصلاة التراويح ، وهي قيام رمضان ؛ والتراويح جمع تَرْوِيحة ، وهي المرة الواحدة من الراحة ، كالتسليمة من السَّلام ؛ والتَّرْويحةُ في شهر رمضان : سميِّت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أَربع ركعات لأنهم كانوا يطيلون القراءة .
وصلاة التراويح سنة مؤكدة ، ثبتت عن النبي e قولا وفعلا ، فهي سنة للرجال والنساء ؛ وقد رغب النبي e في قيام رمضان بقوله : " ومَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " متفق عليه ، ولذلك فللتراويح فضيلة ومزية على غيرها من صلاة الليل ، إذ جعل لها فضل المغفرة للذنوب المتقدمة .
ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ، وهي من النوافل التي تشرع لها الجماعة في رمضان ؛ وكان النبي e أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد ، ثم تركها مخافة أن تفرض على أمته , ففي الصحيحين عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِي اللَّهم عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ ، فَكَثُرَ النَّاسُ ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ e فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : " قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ " قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ .
وروى أحمد وأهل السنن عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ : صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ e فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ ، وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْنَا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ! فَقَالَ : " إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنَ الشَّهْرِ ، وَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الْفَلَاحَ ، قُلْتُ لَهُ : وَمَا الْفَلَاحُ ؟ قَالَ : السُّحُورُ .
فهذان الحديثان فيهما بيان واضح في أن النبي e جمَّع بالصحابة في صلاة التراويح ، وأن السبب في أنه لم يداوم على ذلك مخافة أن تفرض فيقصر فيها بعض الأمة ، وهذا من حرصه e على أمته ؛ وفيهما أيضا أنه e كان يطيل في هذه الصلاة ؛ وأن من صلى مع الإمام التروايح حتى يسلم الإمام من آخر صلاته فإنه يكتب له ثواب قيام هذه الليلة .
وقد كان النبي e يصلي قيام الليل في رمضان وفي غير رمضان جميعًا بصفة واحدة ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها : كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ e فِي رَمَضَانَ قَالَتْ : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا .
فالسنة أن يصلي الإمام بالمسلمين صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ، يسلم بعد كل ركعتين ؛ هذا هو الأفضل ، فإن صلى عشرين جاز ذلك والأمر واسع ، وقد قال به الأئمة الأربعة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في مجموع الفتاوى : 22 / 272 ، 273 : كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي e فيه عددًا معينًا ، بل كان هو e لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة ، لكن كان يطيل الركعات ، فلما جمعهم عمر على أبى بن كعب كان يصلى بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث ، وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات ، لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ؛ ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث ، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث ؛ وهذا كله سائغ ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن ، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين : فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي e يصلى لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل ، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل ، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين ، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين ، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ، ولا يكره شيء من ذلك ، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره ، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبى e لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ ، فإذا كانت هذه السعة في نفس عدد القيام فكيف الظن بزيادة القيام لأجل دعاء القنوت أو تركه ، كل ذلك سائغ حسن ، وقد ينشط الرجل فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة ، وقد لا ينشط فيكون الأفضل في حقه تخفيفها. انتهى كلامه رحمه الله .
والأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف ، سواء أصلى إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة أو ثلاثًا وعشرين أو أقل أو أكثر ، حتى يكتب له قيام ليله ، لحديث أبي ذر t المتقدم أن النبي e قال : " إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " .
وقد كان السلف الصالح يطيلون صلاة التراويح جدًا ، فقد روى مالك عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ t قَالَ : أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، قَالَ : وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ؛ وهذا خلاف ما عليه كثير من الناس اليوم ، حيث يصلون التراويح بسرعة عظيمة ، لا يأتون فيها بواجب الطمأنينة ، التي هي ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها ، فيُخِلُّون بهذا الركن ، ويتعبون من خلفهم من الضعفاء والمرضى وكبار السن ، يجنون على أنفسهم ويجنون على غيرهم . وقد ذكر العلماء أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يسن ؛ فكيف بسرعة تمنعهم فعل ما يجب ؟ نسأل الله السلامة.
وههنا تنبيه لابد منه وهو : إذا أرادت المرأة أن تخرج إلى المسجد لصلاة فريضة أو نافلة فلا تمنع من ذلك إذا أمنت الفتنة منها وبها ، لقول النبي e : " لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَاللهِ " متفق عليه من حديث ابن عمر. ولأن هذا من عمل السلف الصالح y ، لكن يجب أن تخرج متسترة متحجبة ، غير متبرجة ولا متطيبة ، ولا رافعة صوتا ، ولا مبدية زينة ، لقوله تعالى : ] وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [ ( النور : 31 ) ، أي : لكن ما ظهر منها فلا يمكن إخفاؤه ، وذلك الجلباب والعباءة ونحوهما ، وروى أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجة عَنْ أَبِي مُوسَى t عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ : " إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ كَذَا وَكَذَا " قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا ، وفي رواية الترمذي : يَعْنِي : زَانِيَةً . وروى أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أنه لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيبِ يَنْفَحُ وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ ، فَقَالَ : يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ جِئْتِ مِنَ الْمَسْجِدِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : وَلَهُ تَطَيَّبْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ e يَقُولُ : " لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ " ؛ وعند أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ " ؛ كل ذلك حفاظًا على المرأة ذاتها ، وعلى المجتمع من الفتنة بها ؛ فإن كان ذلك في زمن الطهر والعفاف والحشمة ، فلا ريب أنه في زماننا أولى ؛ فلتتقي الله المرأة المسلمة ، ولا تخرج لحاجة ولا لصلاة متطيبة متعطرة ، وهي تعلم أنها لابد أن تمر برجال وأنهم بلا ريب سيشموا منها ريحها .. وفق الله نساءنا لطاعته ؛ وهدانا والمسلمين سواء السبيل .. آمين .
وصلاة التراويح سنة مؤكدة ، ثبتت عن النبي e قولا وفعلا ، فهي سنة للرجال والنساء ؛ وقد رغب النبي e في قيام رمضان بقوله : " ومَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " متفق عليه ، ولذلك فللتراويح فضيلة ومزية على غيرها من صلاة الليل ، إذ جعل لها فضل المغفرة للذنوب المتقدمة .
ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ، وهي من النوافل التي تشرع لها الجماعة في رمضان ؛ وكان النبي e أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد ، ثم تركها مخافة أن تفرض على أمته , ففي الصحيحين عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِي اللَّهم عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ ، فَكَثُرَ النَّاسُ ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ e فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : " قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ " قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ .
وروى أحمد وأهل السنن عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ : صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ e فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ ، وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ ، فَقُلْنَا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ! فَقَالَ : " إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنَ الشَّهْرِ ، وَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الْفَلَاحَ ، قُلْتُ لَهُ : وَمَا الْفَلَاحُ ؟ قَالَ : السُّحُورُ .
فهذان الحديثان فيهما بيان واضح في أن النبي e جمَّع بالصحابة في صلاة التراويح ، وأن السبب في أنه لم يداوم على ذلك مخافة أن تفرض فيقصر فيها بعض الأمة ، وهذا من حرصه e على أمته ؛ وفيهما أيضا أنه e كان يطيل في هذه الصلاة ؛ وأن من صلى مع الإمام التروايح حتى يسلم الإمام من آخر صلاته فإنه يكتب له ثواب قيام هذه الليلة .
وقد كان النبي e يصلي قيام الليل في رمضان وفي غير رمضان جميعًا بصفة واحدة ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها : كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ e فِي رَمَضَانَ قَالَتْ : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا .
فالسنة أن يصلي الإمام بالمسلمين صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ، يسلم بعد كل ركعتين ؛ هذا هو الأفضل ، فإن صلى عشرين جاز ذلك والأمر واسع ، وقد قال به الأئمة الأربعة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في مجموع الفتاوى : 22 / 272 ، 273 : كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي e فيه عددًا معينًا ، بل كان هو e لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة ، لكن كان يطيل الركعات ، فلما جمعهم عمر على أبى بن كعب كان يصلى بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث ، وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات ، لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة ؛ ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث ، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث ؛ وهذا كله سائغ ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن ، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين : فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي e يصلى لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل ، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل ، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين ، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين ، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ، ولا يكره شيء من ذلك ، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره ، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبى e لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ ، فإذا كانت هذه السعة في نفس عدد القيام فكيف الظن بزيادة القيام لأجل دعاء القنوت أو تركه ، كل ذلك سائغ حسن ، وقد ينشط الرجل فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة ، وقد لا ينشط فيكون الأفضل في حقه تخفيفها. انتهى كلامه رحمه الله .
والأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف ، سواء أصلى إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة أو ثلاثًا وعشرين أو أقل أو أكثر ، حتى يكتب له قيام ليله ، لحديث أبي ذر t المتقدم أن النبي e قال : " إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " .
وقد كان السلف الصالح يطيلون صلاة التراويح جدًا ، فقد روى مالك عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ t قَالَ : أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، قَالَ : وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ؛ وهذا خلاف ما عليه كثير من الناس اليوم ، حيث يصلون التراويح بسرعة عظيمة ، لا يأتون فيها بواجب الطمأنينة ، التي هي ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها ، فيُخِلُّون بهذا الركن ، ويتعبون من خلفهم من الضعفاء والمرضى وكبار السن ، يجنون على أنفسهم ويجنون على غيرهم . وقد ذكر العلماء أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يسن ؛ فكيف بسرعة تمنعهم فعل ما يجب ؟ نسأل الله السلامة.
وههنا تنبيه لابد منه وهو : إذا أرادت المرأة أن تخرج إلى المسجد لصلاة فريضة أو نافلة فلا تمنع من ذلك إذا أمنت الفتنة منها وبها ، لقول النبي e : " لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَاللهِ " متفق عليه من حديث ابن عمر. ولأن هذا من عمل السلف الصالح y ، لكن يجب أن تخرج متسترة متحجبة ، غير متبرجة ولا متطيبة ، ولا رافعة صوتا ، ولا مبدية زينة ، لقوله تعالى : ] وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [ ( النور : 31 ) ، أي : لكن ما ظهر منها فلا يمكن إخفاؤه ، وذلك الجلباب والعباءة ونحوهما ، وروى أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجة عَنْ أَبِي مُوسَى t عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ : " إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ كَذَا وَكَذَا " قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا ، وفي رواية الترمذي : يَعْنِي : زَانِيَةً . وروى أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أنه لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيبِ يَنْفَحُ وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ ، فَقَالَ : يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ جِئْتِ مِنَ الْمَسْجِدِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : وَلَهُ تَطَيَّبْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ e يَقُولُ : " لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ " ؛ وعند أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ " ؛ كل ذلك حفاظًا على المرأة ذاتها ، وعلى المجتمع من الفتنة بها ؛ فإن كان ذلك في زمن الطهر والعفاف والحشمة ، فلا ريب أنه في زماننا أولى ؛ فلتتقي الله المرأة المسلمة ، ولا تخرج لحاجة ولا لصلاة متطيبة متعطرة ، وهي تعلم أنها لابد أن تمر برجال وأنهم بلا ريب سيشموا منها ريحها .. وفق الله نساءنا لطاعته ؛ وهدانا والمسلمين سواء السبيل .. آمين .