صفو العقل والارتقائية المعرفية

إنضم
30/12/2011
المشاركات
80
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المغرب / الرباط
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله
وآله وصحبه والتابعين باحسان وكافة المرسلين
وعباده الصالحين .

قال تعالى ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) الآية ،

حجب الله تعالى الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه بآياته المودعة بعنايته وحكمته الجلية لتتحقق رؤية العلم ظاهرا في ملكه وقدرته تعظيما لعزته وعلوه فيستشعر العبد الموقن كنه أبعاد موغلة فيستكين .
والعبادة لا تتزكى الا بالعلم والفكر والتأمل وكلما ارتقى العلم أصبح مشاهدة ونورا ، والعبد المخلوق شاهد بقلبه عظمة ما يحيط به والقلب مجازا هو العقل المبصر
الذي يفقه الحقائق وما القلب والروح والنفس والعقل الا تجانس واحد لمظهر واحد لغاية واحدة وادراك واحد وهي المحل الأرفع الخالي من كل الشوائب ، والابصار هو :
الاستنارة الداخلية ومثله كالشمعة التي تضيء الأعماق ، فكلما كان ابصارك قويا ازداد وهج نور الشمعة فأنار في صفاء .
والعبد الموقن يرى وفق الأبعاد المحكمة والمرسومة بعناية ربانية واذا قوي ابصاره العقلي فانه يرى وراء هذه الأبعاد ويتذوق دون أن يعرف كنه هذه المعادلة الباهرة فكلما ارتقى بمعرفته عرف وعلم وشاهد برؤية العلم .
ومن ميزة العقل التصديق وهذا يحمل في حذ ذاته معاني جليلة من الطهر والصفاء، وليس لها أي تفسير في المصطلحات المادية سوى أنها نور يرقى لكمال معرفي ومشاهدة واعية وتحقق وعلم وهذا الادراك المعرفي هو اللب المميز في الانسان في صفاءه ونوره .
والمعرفة القلبية هي المعرفة العقلية في سموها وارتقاءها ومعادلة باهرة لا تخطئ في تمييزها بين الحق والباطل .
وبالعقل صار الانسان خليفة الله في الأرض ، وهو القيمة الحقيقية للانسان فالعبد يعتريه احساس عميق بوجوده في مكان حقيقي مفارقا في الحقيقة كل أشكال عمليات الدماغ الذي يحق له أن ينقل الصور كيفما يشاء ، اذن فالعقل مطلقا -في سموه- هو الأقرب الى الحقائق الملكوتية وله استقلالية خاصة ومخالفة لكل ما يحمل صبغة مادية وهو جوهر متميز عن الدماغ وحقيقته غير مادية .
ويبقى السؤال المثير الذي يثير جدالا قويا في الأوساط العلمية والذي لم تجب عنه الحضارات المتعاقبة هل التفكير عملية مادية بحثة
لا علاقة للروح بها من قريب أو بعيد ؟ يبقى هذا السؤال بلا مقدمات وبحاجة الى تمحيص أدق لأنه بمجرد ذكرنا التفكير يتبادر الى أذهاننا العقل ونطاقه فيطرح السؤال العميق ما حقيقة وماهية العقل ؟ .
فأبحاث العالم الكندي بنفيلد المتخصص في جراحة الدماغ بينت تجاربه الملموسة بعد أبحاث مضنية أن العقل لا يفسر الدماغ و هو جوهر مستقل عن الدماغ ، وأن حقيقته غير مادية ، ولقد انطلق هذا العالم في أبحاثه من أسس مادية بحثة فوصل الى هذه النتيجة .
أما أصحاب النظريات الحسية في الغرب فيقولون أن العقل مادي بالذات وهو مادة في ادراكه ووعيه للوقائع كافة ، وأقوال هؤلاء بحاجة الى اثباث وبرهان لأنه رغم تطور العلوم بفروعها المختلفة فهي لم تكشف عن حقيقة المادة في أدق جزيئاتها .
وكذلك فهم وادراك حقيقة كنه المادة هو نفسه بحاجة الى اثباث وبرهان عملي ذاتي .
فاذا كانت الصور المدركة بخصائصها الهندسية عبر الحواس تأخذ في أذهاننا أشكالا معينة يبقى السؤال المطروح هل هذه الأشكال قائمة في عضو مادي أو في صورة ميتافيزقية مجردة عن المادة ؟ خصوصا اذا علمنا أن الذرات بعوالمها المطلقة اللا متناهية هي في حركية وتجدد مستمرين ومعها خلايا الانسان وذلك في أقل من أجزاء من المليون في الثانية باسترسال دائم .
وكل مظاهر الكون بخصائصه الفريدة والمرتبطة بالمادة يستقرأها العقل بقرائنها وقياساتها وأبعادها المختلفة بتجدد دائم غير منقطع فيميز ويوازن ويحكم ويدرك .
وكما بين العلم أن الخط الفاصل للوجود المادي هو الكواركات وبعد هذه النقطة الفاصلة لا يمكن التعبير عن كل الأشياء الموجودة الا باعتبارها أنها طاقة ، ويبقى التصور النظري بعد هذه الحدود بحاجة الى اثباث ، لكن المثير حقا هو هذه الظواهر اللا محدودة والمتغيرة وهي في حقيقتها تفاعلات عميقة تحدث في محيط الذرة ومجالاتها فتجعل مواصفات معينة ودقيقة ولولاها ما رأينا هذه النظم المودعة في الكون بهذه الدقة وهذه المواصفات التي لا تنتهي الى حد .
والعقل مطلقا -في سموه - كما ذكرت له المحل الأرفع الخالي من كل الشوائب والارهاصات متتبع لهذه المجريات يعتريه احساس عميق بوجوده الحقيقي في مكان حقيقي وهذا يدل على أنه القيمة الحقيقية في الوجود بغض النظر عن عمليات الدماغ بكل أجزاءه وصوره
وهذه القيمة الحقيقية لا تفارقه في كل المراحل الارتقائية المعرفية
وهي ليست مجرد مكتسبة بل ضرورية ولازمة لأنها لا تهدم .
ولا يعكر صفو العقل الا أوهام الحواس والخيالات لذا فالمعرفة القلبية هي المعرفة العقلية في سموها وارتقاءها بتصفية نوازعها وهي معادلة برهانية ايجابية لا تخطئ في تمييزها بين الحق والباطل ولها فاعلية مؤثرة
في معرفة ارتقائية .
 
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاكم الله خيرا على هذا المجهود المبارك.

فضيلة الدكتور عمر الريسوني ما رأيكم إن قلت:

أظن أن المهم هو الطريق العلمي في تحليل أو في تناول العقل لأن ليس هناك حاجة لتناول شيء، إن كان العقل شيئا أو جوهرا أو ذاتا كما قال القدماء من الفلاسفة الهيلينيين و نقل عنهم ذلك الفلاسفة الباطنيين المنتسبين للاسلام، أو نشاط نستخدمه أو نعمل به كالعقل هنا تناولا ميتافيزيكيا (غيبيا)، و محاولة رفع المادية عن العقل أو عن حقيقيته دون الاشارة الى ما يقصد هنا بالمادة محاولة تؤدى الى اللاوضوح. أظن هناك تعاريف ثلاثة للمادة تعريفين فلسفين احدهم ميتافيزيكي و الآخر اظطراري ثم مفهوم علمي:
~ تصور ميتافيزيكي ذو طابع وجودوي ontological.
~ تصور اضطراي دفع اليه تقدم في إنجازات العلم التجريبي و خلاصته أن المادة ما له وجود في الخارج مستقل عن الذهن او الوعي.
~ تصور علمي ذو طابع معرفي epistemological.
و الفرق على ما أظن دائما بين المفهوم الفلسفي و المفهوم العلمي هو أن الفهم الفلسفي دوغمائي منغلق و يؤسس -غالبا- للمذهبية (إيديولوجية) بينما المفهوم العلمي مفتوح يؤسس للنظر. عليه ربما التجريبية عند الحسيين غير التجريبية في العلم ففي الأولى "الحس مصدر المعرفة" بديهية (دوغمائية لا ضرورية) و في العلم "الحس مصدر المعرفة" نظرية و تنفتح لتستشكل الحس نفسه لتبحث لا بتجريدات كما هو في الفلسفة و إنما بمعلومات و نماذج مبنية عليها: ما الحس؟ ما وراء الحس؟ ما وراء وراء الحس ... إلخ ..؟ إن هذا الطريق المفتوح، كما أفهم، يجعل الطريقة العلمية غير متناسقة مع إدعاء "الحس المصدر الوحيد للمعرفة" كما هو الحال عند متطرفي الحسيين، الوضعيين منهم خصوصا، فما هو بديهي كلي نهائي في الفلسفة يعتبر مسلمة (وقتية) في العلم بل حتى العقلانية في الفلسفة بمذاهبها المتعددة غير عقلانية الطريقة العلمية التي تمتاز بإعتبار معرفة الحقيقة نسبية لا على أساس فرض تجريدي بل على أساس تاريخي للعلم، و الحقيقة نفسها بحكم الغريرزة و المنطق و اللغة مطلقة، و تقوم على "يتوقع" و "يأمل" و "يفتح باب قبول الرفض مبدئيا" و هناك أشياء أخرى كثيرة جدا سيطول الكلام عنها في الفرق بين الاتجاهين.

إذا نفينا المادية مطلقا عن العقل فهذا يعني فصل (منطقي) تام و كما يظهر المنفصلين انفصالا تاما لا تقوم أي علاقة بينهما لكن الواقع أن موادا مثل الخمر و هو مادة يؤثر في العقل و أظن أن الأمر الذي إستنتجتم من خلاله أن العقل شيء غير المادة هو قولكم "وما القلب والروح والنفس والعقل الا تجانس واحد لمظهر واحد"، إذن كيف يكون العقل مادة و هو متجانس مع الروح في مظهر واحد؟ هذا التساؤل يتفترض شيئين يحتاجان إلى إثبات: علاقة الروح بالعقل و وضع المادة أمام الروح بالمعنى الذي يوحي المادة لاروح و الروح لامادة .. الخ ..

أما الأمثلة المضروبة فهي تؤكد على إنفتاحية العلم و تطوره لا على عجز العلم الآني و الحتمي الأبدي بل حتى في القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى لا ينفي إمكانية معرفة الروح، فما بال العقل، و لكن ينفي إمكانية معرفة الكثير حول الروح و شتان بين النفيين. التساؤل الجميل من أين للعقل تصور أشياء تكبره و تتجاوز حدوده الفيزيكية، إفتراضا أنه ذات فيزيكية، لا نحله على ما أظن بتفسير العقل تفسير ميتافيزيكي فبرامج خرائط جوجل مثلا ترد فهي تصور الأرض بقاراتها و محيطاتها و ما عليها و ما خارج الأرض على شيب صغير تحمله في جيبك إن شئت. و ما كنت أعنيه في البداية هو أن الطريقة العلمية تجعلنا نتعامل مع العقل أو التعقل على أنه واقع ثم تناوله معرفيا كذلك بدون البحث في جواهر ذات الأشياء أي تناوله على أنه ظاهره و واقع الذي هو مجموعة من العلاقات القائمة بين الظواهر، فما هو هذا العقل؟

ظاهر الخبر الوحيى أن العقل نشاط و هو نشاط قلبي غير غيبي، و المحققين من علماء المسلمين ذهبوا على ما أظن إلى القول بأنه نشاط قلبي دماغي فجمعوا بين تعريفه كظاهرة و محله و لم يزيدوا على ذلك البحث في جوهره، و الله أعلم.

و بدون الكلام عن الحسيين في الغرب فهم تشعبوا لفرق أكثر من تفرق الهيلينيين قديما في هذه المسائل و المهم هو التمسك بظاهر الخبر و الانفتاح على الانجازات العلمية و لا كرامة لكلام و لا فلسفة.

و الذي أنا أعتقده هو ان العقل مجموعة من الخطوات الحجاجية و التبريرية لإثبات ما يمكن نسميه "معرفة" و أظن أن ظاهر الخبر الوحيي يساند هذا فالله سبحانه وتعالى يذكر حجة هي تبرر الايمان و يقول للكافرين أفلا تعقلون أفلا تتذكرون و هكذا، و هو الأخلاق الحميدة و التنظيم المحكم، و الله تعالى أعلم.

هناك سؤال إستشكالي يهم في نقد تصورات وجودية مثلا إذا تكلم مادي ميتافيزيكي أو باطني ميتافيزيكي ينفي اي شيء خارج المادة أو اللامادة فكيف يتصور العقل اللاوجود أو كيف يتصور هذا العقل المادة؟ الجواب لا يهم في حد ذاته قدر ما يهم عدم التناسق فيه يظهر تخبط معتقادتهم. يمكن يتكلم المرء فلسفيا يقول نحن نركب نعرف اشياء فنركب منها ما لاوجود له الا في الذهن، نعرف كتاب و نعرف طين فنركب (كتاب طيني) لكن اللاوجود ليس من هذا الجنس كون الكتاب الطيني يمكن يختزل.​

؟؟؟

بارك الله عليكم
 
وهذا اللب لغته تختلف اذ يتذوق المعاني الغير المحسوسة

وهذا اللب لغته تختلف اذ يتذوق المعاني الغير المحسوسة

الحمد لله رب العالمين​

أخي الكريم شايب زاوششتي​

شكرا على مداخلتك القيمة التي ستثري نقاشا بين كل الاخوة
الكرام في هذا المنتدى الطيب بأهله ، وأستعين بالله وأقول :
عندما نتأمل الخطاب القرآني نجده خطابا محكما وهو خطاب يتدبره
أولوا الألباب ، ولب الشيء كما تعرف أخي الكريم هو جوهره
وقلبه وأسمى شيء فيه ، وتلك المعاني التي نجدها في كل أجزاء الكون
المخلوق نفقهها بهذا اللب ، وهي معاني غير محسوسة نتذوقها ونفقهها
ولا رسم لها ، لذا فالموجد المدبر الحكيم الذي له الخلق والأمر ضرب
الأمثلة الكثيرة لنوره وهي هداه وبراهينه الساطعة التي تغمر القلوب
وهذا اللب لغته تختلف عما كل ما نعرفه لأنه هو الذي يضيء في
نفس الانسان تلك الاشراقات فتنشرح الصدور وتشرق الضمائر
بما فقهه اللب والقلب من أنوار العرفان واليقين وهذه المعاني هي
حقيقية يعمر بها هذا الوجود ونفقه هذه المعاني بقلوبنا وهي تجسد
الطهر والسمو ونتذوقها من غير أن نفهم تفاصيلها التي لا تمت بصلة
بعالم الحس ، وهذا الانتقال لهو ارتقاء معرفي لذا نجد في المثل الذي ضرب
الله تعالى لنوره بقوله تعالى ( مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح
في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة
لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ) الآية ،
فهذه الآية الكريمة مثل يقرب به تعالى للادراك البشري الضعيف
المحدود صورة غير المحدود ، ويرسم نموذجا مصغرا يتأمله الحس
حين يعجز ويقصر عن تأمل الأصل فهو يصور للعقل نوره تعالى
الغير المحدود والغير المتناهي الذي لا يمكن أن توفي به عبارة
أو يدل عليه بشيء كسائر صفات كماله وأسماءه
ونعوته انما يقرب به الى عقول وأفهام الخلق والا فلا يفي
بها وصف ولا تحيط بها لغة فنوره كعلمه وكرأفته
ورحمته ولطفه وحكمته وككلامه الذي وصفه تعالى في كتابه
(ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده
سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) الآية ،
وكما قلت لك
ففي هذا المثل أخي الكريم شايب ايحاء بحالة القلب أو اللب وقد لفه ظلام الشك
فهو متردد خائف ثم لا يلبث نور الهدايات واليقين أن يشرق عليه فيجد الراحة
والأمن والاستقرار والسكينة فهو كمن يخبط في الظلام على غير هدى حتى
اذا آوى الى بيته وجد هذا المصباح في المشكاة فوجد الأمن الى قلبه سبيل
فانظر أخي الى هذه المعاني التي ترقى بها مشاعر العبد المحسوسة الى ما هو أرقى
فيشعر بالسرور والسعادة الحقيقية يغمر قلبه ، فهذا المصباح جدير أن يبدد ظلمة
الليل ، ونور الهدايات جدير أن يبدد ظلمات الشك ويشيع اليقين والعلم الذي
لا يتحول في القلب ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى
( يكاد زيتها يضيء ) الآية ، هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن ، كما
يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسسه النار فاذا مسته النار زاد ضوءه
، كذلك قلب المؤمن يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فاذا جاءه
العلم زاده هدى على هدى ونورا على نور ( يهدي الله لنوره من يشاء
ويضرب الله الأمثال للناس ) الآية فيفقهوا هذه المعاني التي لا تمت بصلة
الى عالم الحس ويرتقوا بذلك في هذه المعرفة الارتقائية وهي زيتونة (لا شرقية ) الآية
تصيبها الشمس اذا أشرقت ، ولا تصيبها اذا غربت ، و(لا غربية) الآية ، تصيبها
الشمس اذا غربت ولا تصيبها اذا أشرقت ، بل هي شجرة في منكشف
من الأرض لا يواريها عن الشمس شيء ، فهي ضاحية طول النهار ، وذلك
أصفى وأنفع لزيتها حتى أنها تكاد تضيء ولو لم تمسسها نار .
وهذا النور هو الضوء الكاشف لما صح من المعاني وظهر مجازا فقيل :
كلام له نور وهو غير محسوس ، أو قيل فلان نور البلد أو شمسها
وعلى هذا التأويل يعرف أولوا الألباب بليغ طهر المعاني في قوله تعالى
(الله نور السموات والأرض ) الآية .​
 
التعديل الأخير:
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين و على آله
بارك الله فيكم أستاذنا الريسوني.

يقول الله تعالى في سورة الأعراف آية 179 {لهم قلوب لا يفقهون بها} و يقول سبحانه في سورة الحج آية 46 {فتكون لهم قلوب يعقلون بها} فمن هنا أفهم أن العقل غير محله فهو وظائف عملية يقوم بها المحل، و البصر غير الأعين، و السمع غير الأذن. ممكن إنسان سليم الأذنين لكن لا يسمع لأنه غافل، و كذلك يكون سليم القلب لكن لا يعقل لأنه لا يشعر أو لا يفقه أو لا يعلم أو لا يتفكر أو لا يتذكر أو لا يتدبر أو لا يتوقع (بمعنى لا يوازن الاحتمالات و لا يرجح) أو لا ينظر أو لا يسمع أو لا يرى أو لا يجاهد.

أظن أن العقل الذي تقصده سيدنا الكريم و الذي أفهم أنك تربطه بجانب غيبي و الهدى و النور هو ذلك الجانب من العقل الذي يغيب عندما لا يجاهد المؤمن ({والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}) أو على الأقل لا يكون قبل هذا الجهاد، و لا أظن أنه يمكن حصر العقل في هذا الجانب العرفاني، كما لا أظن أنه يمكن حصره في الجانب التفكري و هذا الأخير لا يمكن حصره في الطريقة الحجاجية الحتمية الطبعانية دون الطريقة الحجاجية التجويزية.
 
و كذلك يكون سليم القلب لكن لا يعقل لأنه (1)لا يشعر أو (2)لا يفقه أو (3)لا يعلم أو (4)لا يتفكر أو (5)لا يتذكر أو (6)لا يتدبر أو (7)لا يتوقع (بمعنى لا يوازن الاحتمالات و لا يرجح) أو (8)لا ينظر أو (9)لا يسمع أو (10)لا يرى أو لا يجاهد.
1: {ألا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}
2: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَفْقَهُونَ}
3: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}
4: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً}
5: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}
6: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
7: {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}
8: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}
9: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ}
10: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً}

و السؤال الذي نحتاج التفكر فيه: هل العقل إلى جانب التفكر و الأساليب الحجاجية الأخرى و الإستشعار و غير ذلك أيضا عواطف؟ من ينفي ذلك أو يرتاب فيه إنما ينشأ عنده تصور أن العواطف سلبية، و لكن أليست هناك عواطف إيجابية؟

النقل (Testimony) -أو السمع أو الخبر- كمظهر من مظاهر العقل أيضا سلبي و إيجابي و الدليل على ذلك {قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} في السلبية ثم الواقع أننا لا نستطيع أن نفعل شيء أو نقوم بأدنى خطوة دون سمع في الإيجابية .. منها يظهر أن الوضعيين الذين نفوا دور السمع في المعرفة و اكتفوا القول بالتجريب ليسوا مسفسطة فقط بل خياليين إلى أبعد حد. إذن ألا تكون العواطف من جنس السمع في هذه المقارنة؟


بارك الله بكم
 
ان هذه المعرفة تعلو وتصفو بأنوارها بما أودع الله من أسرار مترابطة

ان هذه المعرفة تعلو وتصفو بأنوارها بما أودع الله من أسرار مترابطة

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
ومن تبعهم باحسان وكافة المرسلين
أخي الكريم شايب زاوشثتي

تتبعت ردودك أخي الكريم
ومما استوقفني قولك :

أظن أن العقل الذي تقصده سيدنا الكريم و الذي أفهم أنك تربطه بجانب غيبي و الهدى و النور هو ذلك الجانب من العقل الذي يغيب عندما لا يجاهد المؤمن ({والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}) أو على الأقل لا يكون قبل هذا الجهاد، و لا أظن أنه يمكن حصر العقل في هذا الجانب العرفاني، كما لا أظن أنه يمكن حصره في الجانب التفكري و هذا الأخير لا يمكن حصره في الطريقة الحجاجية الحتمية الطبعانية دون الطريقة الحجاجية التجويزية.

فاعلم أخي الكريم أن هذه المعرفة تعلو وتصفو بأنوارها
بما أودع الله من أسرار مترابطة تبلغ الى الأسمى والأصفى
في ملكوت يحمل طهرا وقدسية
فاذا تأملنا مثلا عملية السمع عبر أدواتها العقلية فسنجد

أن الأُذُن: هو العضو الحسي الذي يُمكّننا من السمع، والذي هو أحد أهم الحواس
وللأذن وظيفة أخرى بالإضافة للسمع وهي حفظ التوازن، فهي تحتوي على أعضاء خاصة تستجيب لحركات الرأس فتعطي الدماغ معلومات عن أي تغيير في وضع الرأس، فيقوم الدماغ ببعث رسائل إلى مختلف العضلات التي تحفظ الرأس والجسم ثابتين،كما في حال الوقوف، أو الجلوس، أو السير، أو أي حركة أخرى.
ولكثير من المخلوقات آذان مشابهة لآذان الإنسان، ويملك بعضها حاسة سمع قوية جدًا، والسمع مهم أيضًا لأمان وبقاء العديد من الحيوانات، فالأصوات تحذرها من اقتراب الأعداء أو أي خطر آخر، كما يقوم بعضها بالغناء أو الهسهسة أو الدندنة أو إصدار أصوات أخرى للتفاهم فيما بينها.
وكل شيء يتحرك يحدث صوتًا، والصوت يتكون من اهتزازات لجزيئات الهواء التي تنتقل في موجات، ثم تدخل هذه الموجات إلى الأذن، حيث تتحول إلى إشارات عصبية تُرسل إلى الدماغ الذي يقوم بدوره بترجمة هذه الموجات إلى أصوات.
ولقد فرّق كتاب الله تعالى بين السماع والاستماع والإصغاء والإنصات بطريقة بليغة ودقيقة ومناسبة للموقف:
فالسمع يكون بقصد ومن دون قصد، ومثاله في كتاب الله العزيز قوله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) القصص: 55
والاستماع يكون بقصد من أجل الاستفادة، قال الله تعالى ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) الأحقاف: 29
والإصغاء: حيث التركيز وتفاعل القلب والمشاعر، قال تعالى( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) التحريم: 4
والإنصات هو ترك الأشغال والسكوت والتفرغ للاستماع، (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف: 204
فعن أبي موسى الأشعري قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبّروا وإذا قرأ فأنصتوا". أخرجه مسلم في صحيحه ورواه أهل السنن.
وكما ذكر كتاب الله تعالى أن السمع في الآخرة هو من وسائل التنعيم والتكريم للمؤمنين وأن الحرمان منه من أنواع العذاب المعدة للكافرين.
فلما كان المؤمن هو المستفيد بسمعه في الدنيا وهبه الله أفضل السماع بالآخرة فقال تعالى:
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً) الواقعة: 25-26
ولما عطّل الكافرُ سَمَعَه بالدنيا حرمه الله السمع في الآخرة، قال تعالى
(لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ) الأنبياء: 100
ويعد السمع أهم وسيلة من وسائل التعلم والإدراك، قال الله تعالى:
(وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل: 78
ومن العجيب في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قال فيها: لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً.
وقد برهنت الاكتشافات الطبية أن السمع أهم من البصر
فقد يحتاج البصر إلى النور فنحن لا نستطيع أن نرى في الظلام.
بينما الأذن تمكننا من السمع بشكل لا شعوري ،أي أننا نسمع في الليل والنهار وفي النوم واليقظة، لأن الأذن لا تنام.



قال تعالى :



-فقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا- الآية


وتدل على أن ما يستولي على القلب ويتفقهه هو في علم الله تعالى علما حقا
قال الامام القشيري : سألت الأستاذ أبا علي الدقاق غير مرة طلب رخصة في السماع فكان يجيبني بما يمنع عنه ثم بعد
طول المعاودة قال لي ان المشايخ قالوا ما جمع قلبك الى الله سبحانه وتعالى فلا بأس به
فالسماع الحقيقي ما لا ينقطع
وقد يكون السماع بالطبع كاستلذاذ الصوت الطيب أو سماع بالحال بتأمل ما يرد على العبد كذكر اشتياق أو فرح
وصال أو خوف فراق
والسماع بالحق هو سمع يصفو بالعلم والتوحيد وهو سماع حقيقي لا ينقطع وتلزمه مجاهدة ، فسماع الحق أن يصغى قلبك
ويستلذ للذكر وتسبيحات مخلوقاته في ملكوته
قال أبو عثمان المغربي من ادعى السماع بصدق ولم يستمع الى صرير الباب وصوت الطيور وتصفيق الرياح وصوت الرعود
فهو مفتر مدع وذلك لأن الباعث للسماع عند الصادقين شهودهم أن كل شيء ورد عليهم انما ورد عليهم من حضرة الله تعالى
 
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
أخي الكريم
إن القران الكريم كتاب هداية , أودع الله عز وجل في كل حرف منه آيه , إذا تأملها عقل المؤمن أو مست قلبه زادته إيمانا مع إيمانه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)

 
بسم الله الرحمان الرحيم والحمد لله رب العالمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرا أستاذنا الريسوني،
العرفان المرتبط بالغيب والنور والاشراق والهدى وغيرها من المضامين الميتافيزيكية هو أيضا جانب من العقل لكن السؤال و الجدل القائم حوله عند أهل النظر هل هذا العقل يمكن أن يعبر عن معرفة؟ طرح هذا السؤال يتضمن على الأقل الإعتراف بالعرفان على أنه ظاهرة ثم يستلزم من السؤال معرفة هذا العرفان بجانب عقلي آخر و هذا ما يطرح مبادرة الجدل. أظن أن العرفان ممكن تعريفه من خلال كونه ظاهرة وهو عبارة عن مسلك يتجاوز الغموضية ليرتاح عند وجود وراءظاهري ووراءغموضي يشترك عنده جميع العرفانيين في جميع الممارسات، دون الدخول في مضامينه وقيمه لأن العرفان على عكس الجوانب الأخرى للعقل مسألة شخصية لا تتجاوز حدود الذات التي تمارس به من أجل التعبير عن مضامينه وقيمته بظواهر العقل الأخرى كالسمع وما يتبع هذا السمع ويرتبط أو يقوم به كاللغة تعبيرا خاليا من اللاوضوح و قابل للتناقل بين الذوات الواعية قصد التواصل في وحول نتائجه.

الكلام عن العقل على أنه متعدد الجوانب أو متعدد الأشكال مثله مثل ظاهرة الدين أي تعريفه من زوايا متعددة:
- عمل (يتحقق في الخارج كالقوانين، المعاملات، الأخلاقيات، الشعائر إلخ)
- تجربة (تتحقق في الداخل كالعرفان، الشعور والإحساس، العواطف إلخ)
- قناعة (الدوغما أي العقائد و الإيمان أي النظر)
- العناية (التماسك و التجانس عن طريق إلباس الأشياء المعاني)
يجعلنا نتعامل مع ممارسات الناس معاملة واقعية منفتحة تفتح الطريق لدراسة متجددة علمية كبديل للتصورات المجردة الميتافيزكية و الوجودية التي كانت تعتبر العقل كذات أو جوهر الأمر الذي يجعلك تعتقد أن كل إنسان عنده نفس الذات سيصل لنفس المعارف و من خلال هذا التصور يتم عولمته وكونيته في حين أن الأمر ليس كذلك ونحن ندري أن الناس التي تعقل أي تسمع تمارس نفس العمل (أداء شعيرة ما مثلا) لكنها لا تمارسها جميعا من نفس المنطلق أي لأنها نقلت و من ثمت عقلت أي سمعت بل تجد من يحصر العمل في هذا الجانب و تجد من يضيف إليه تبريرات أخرى و كل ذلك درجات. التصور القديم بدأ، معرفيا، ينفصل عن تجريداته كلما تسائل الباحث عن أعمال الناس وكيف تتعامل مع الظواهر حتى وصل الحال بالبعض إلى تجسيم العقل في قالب "علمي طبيعي" وهذا حصر لا يقل إحتباسا عن التصور القديم، إلا أنه إنتقل بالتصور من الجوهرية إلى الواقعية أي من الذات إلى العمل، لأن العلم أو العقل كطريقة تعامل مع الظواهر عام يمارسه جميع الناس و خاص يمارسه أهل الآلات والقياس، لكنه في ظاهره عقل واحد يتعدد من زاوية الآلة التي تتعامل بها مع الظاهرة سواء كانت معيشية عامة، طبيعية، نفسية أو إجتماعية تاريخية.

تجسيم العقل وتحديده كان ردة فعل في سياق سياسي وإجتماعي له ظروفه الخاصة والتي كانت ردة فعل على جانب (و هو السمع هنا) من جوانب العقل طغى من جهة و من جهة ثانية متضارب في ذاته وهو النقل المسيحي الكنسي. و بدون تعميم ذلك لأن كانط إيمانويل، و هو إلى جانب ديكارت يعتبر أب الفلسفة الحديثة، أعطى معنى علويا (غيبيا) للعقل فجعله (ما لا يقوم العلم الطبيعي و لا المعارف الأخرى إلا به). أما اليوم و تحت تأثير الوضعية المنطقية أصبحت الدوغما أو العقيدة بشكل كبير أن العقل عملية إحتجاجية لتبرير المفاهيم و الأفكار بطريقة منطقية. هذا التصور لا يمكن فهمه بشكل أوضح إلا بتناول العقل من تلك الزوايا المتعددة حيث يتم، في العقل كطريقة للوصول إلى قناعة، الفصل بين التفكير العلمي science، المادي materialism، الطبيعي naturalism و العلماوي scientism، ثم كيف يمكن توليد معنى الشيء أو قيمته بتلك القناعة، و أخيرا كيف نوظف اللغة في التواصل حول الممارسات.

وهذا المسلك اتبعه رواد المدارس الهرمنتيكية و الظاهرية و البرغماتية الذين وسّعوا في تعريف العقل بما وصلوا إليه من لاتناسق عند الوضعيين من جهة و تجارب الناس و معايشهم من جهة أخرى، وهو توسع أقرب لظواهر آيات القرآن المقدس.

حياكم الله
 
فالمبصر للحق يهديه قلبه للايمان

فالمبصر للحق يهديه قلبه للايمان

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله
وآله وصحابته وكافة المرسلين وعباده الصالحين

أخي الكريم شايب زاوشثتي قرأت ردك الأخير وقبلها أشار الينا الأخ الكريم
علي أحمد بعجالة على أن كتاب الله كتاب هداية وهو محق فيما قاله ، فأجل علم أخذ
عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معرفة الله تعالى وعلم ذاته وصفاته وأفعاله
وذلك علم ليست له وسائل وآلات ومعلومات أولية وتجارب عند البشر ولا يتناوله
القياس ولا يفيد فيه الذكاء والفطنة وذلك بسبب بعده عن كل ما عرفه البشر وألفه
وجربه في عالم الحس والمادة وهو يعد أجل علم تتوقف عليه سعادة البشر وأساس
العقائد والأخلاق والأعمال والمدنية ، وهذا العلم يعرف الانسان نفسه ومحيطه ويفك
لغز الكون ويكشف عن سر الحياة ويضع منهاج يحدد الغايات في ثقة وبصيرة ووضوح ويقين
وأقول للأخ الكريم شايب أن حضارات مرت على الأرض عرفت بذكاءها المفرط والقريحة
الوقادة والفلسفة العميقة وانتهت الى وثنيات تغلغلت في فكرهم وفلسفتهم توارثوها جيلا بعد
جيل فكانت فلسفتهم عبارة عن وثنيات جامعة بين العلم والدين ، فلا نستغرب من الأمم التي
أفلست رغم ثروتها الدينية منذ القديم وضيعت الهدى والنور ، ولم يبق معهم نور يهديهم أو دليل
يرشدهم أو معلومات أولية تخرجهم من الظلمات الى النور ، لذا أخي الكريم شايب فالمبصر للحق
يهديه قلبه للايمان كما ذكرتم في ردكم القيم الأخير بقولك
-وهو توسع أقرب لظواهر آيات القرآن المقدس- فيمن كان سعيهم الحق والعدل فكان حري
أن يجري على ألسنتهم الانصاف ولا يركنوا الى الضلالة والعمى ، لذا فهذا البعد الارتقائي المعرفي هو الوسط
بين الفكر الجامد والجاحد المؤول الذي يصرف الكلم عن مواضعه ، وكذلك فهذا العرفان يجمع بين المعقول
والمنقول والشريعة والحكمة
، قال تعالى
( الله الذي خلقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ، سبحانه
وتعالى عما يشركون ) الآية ، ففي كتاب الله العزيز أخي الكريم شايب من آيات ما يقرب به تعالى
للادراك البشري الضعيف المحدود ليتأمله الحس حين يعجز ويقصر عن تأمل الأصل ، فلما يذكر
الله تعالى في كتابه من كلمات قدرته فهي لا توفيها أوصاف ولا عبارة ولا تحيط بها لغة ليغرس في
نفوسنا عبادة ايمانية نقية طاهرة وخالصة لله التي بها يكون صلاح الخليقة لذلك فهذا الكتاب هو هدى ورحمة للناس جميعا ، فالحبيب
رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة الله تعالى للعالمين وهو عائد من الطائف نافضا كفيه من الناس
عائذا بوجه ربه بدعائه ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا
والآخرة ) فهذا دعاء رسول كريم الى مولاه تقشعر منه الأبدان والقلوب التي أعمرها الله محبته
ورضوانه ، فالأصل هو في معرفة قدر من تعبد فهو سبحانه رحمة بخلقه لا يكلف عباده الا ما في وسعهم من التصورات والتكاليف ، قال تعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) الآية ،
فقد شرعتها الشرائع السماوية ودعت اليها الأديان في عصورها وجاءت به الشريعة الاسلامية
على نحو أكمل ، وعنى بها النبي صلى الله عليه وسلم عناية وشغفا يفوقان الوصف وجاءت العشرات من الآيات ومئات الأحاديث النبوية ترغب فيها وتنوه شأنها وتشيد بذكر فضائلها
وتحرض على التنافس فيها وتثني على المعتنين بها وتندد بالمقصرين فيها .
 
عودة
أعلى