د. محمد مشرح
New member
- إنضم
- 19/09/2004
- المشاركات
- 85
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
الحلقة الثامنة عشرة
إنه في النار ومدلولها
[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]
في هذه الحلقة إشارة إلى فضل الصحابة جميعا وعلى رأسهم الصديق والفاروق وذوالنورين وأبو السبطين رضي الله عنهم أجمعين ؛ حيث انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو عنهم راض ولو كان فيهم شيئ لبينه كما بين حال هذا الذي ظهر للناس شدته وتفانيه في ميدان المعركة وأعجبوا به فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار .
وهذا الحديث الذي بنيت الحلقة عليه رواه الإمام البخاري فقال :
(حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم أنا صاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)[1]
قال في الفتح مبينا اسم الرجل وهل هو الذي ذكر في أحد أم غيره أم أن القصة متحدة والرجل مختلف يرجى من القاري أن يصبر على قراءة كلام بن حجر وإن طال فإنه مفيد وبخاصة لطالب العلم :
(قوله التقى هو والمشركون في رواية بن أبي حازم الآتية بعد قليل في بعض مغازيه ولم أقف على تعيين كونها خيبر لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه إتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته قم يا بلال فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولهذا جنح بن التين إلى التعدد ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة وأما الأولى فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وان كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت لكن جزم بن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد قال واسم الرجل قزمان الظفري وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم ثم صار إلى السيف ففعل العجائب فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول الموت أحسن من الفرار فمر به قتادة بن النعمان فقال له هنيئا لك بالشهادة قال والله إني ما قاتلت على دين وإنما قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه قلت وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح وليس فيه تسميته وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على البخاري وأظنه لم يلتفت إليها لأن في بعض طرقه عن أبي حازم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهره يقتضي أنها غير أحد لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره لأن الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد بن عشرة أو إحدى عشرة على أنه قد حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من ذلك أن يقول غزونا إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا قوله فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم قوله وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذاالكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكان يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف ويعكر عليه ما تقدم قوله شاذة ولا فاذة الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة والهاء فيهما للمبالغة والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله وقيل المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر وقيل الشاذ الخارج والفاذ المنفرد وقيل هما بمعنى وقيل الثاني اتباع قوله فقال أي قائل وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ فقيل ووقع هنا للكشميهني فقلت فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك قوله ما أجزأ بالهمزة أي ما أغنى قوله فقال إنه من أهل النار في رواية بن أبي حازم المذكورة فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني قال قلنا يا رسول الله فلان بجزيء في القتال قال هو في النار قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن قال ذلك أخباث النفاق قال فكنا نتحفظ عليه في القتال قوله فقال رجل من القوم أنا صاحبه في رواية بن أبي حازم لأتبعنه وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه قوله فجرح جرحا شديدا زاد في حديث أكثم فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان قال هو في النار قوله فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه في رواية بن أبي حازم فوضع نصاب سيفه في الأرض وفي حديث أكثم أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره فأتيت النبي e فقلت اشهد أنك رسول الله قوله وهو من أهل الجنة زاد في حديث أكثم تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء الله تعالى الحديث السابع حديث أبي هريرة قوله شهدنا خيبر أراد جيشها من المسلمين لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت رسول الله e وهو بخيبر بعد ما افتتحها فقلت يا رسول الله اسهم لي وسيأتي البحث في ذلك في حديث آخر لأبي هريرة آخر هذا الباب قوله فلما حضر القتال بالرفع والنصب قوله فقال لرجل ممن معه أي عن رجل واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا ويحتمل أن يكون بمعنى في أي في شانه أي سببه ومنه قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة قوله فكاد بعض الناس يرتاب في رواية معمر في الجهاد فكاد بعض الناس أن يرتاب ففيه دخول أن على خبر كاد وهو جائز مع قلته قوله قم يا فلان هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب القدر قوله ان الله يؤيد في رواية الكشميهني ليؤيد قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة وكسرها قوله بالرجل الفاجر يحتمل أن تكون اللام للعهد والمراد به قزمان المذكور ويحتمل أن تكون للجنس قوله تابعه معمر أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الإسناد وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري قوله وقال شبيب أي بن سعيد عن يونس أي بن يزيد عن بن شهاب أي الزهري بهذا الإسناد قوله شهدنا حنينا يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة حنين ورواية شبيب هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث وأوردها الذهلي في الزهريات ويعقوب بن سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه وأحمد من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه غير هذا وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الإسناد لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة قوله وقال بن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي e يعني وافق شبيبا في لفظ حنين وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث وطريق بن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها تعيين الغزوة قوله وتابعه صالح يعني بن كيسان عن الزهري وهذه المتابعة ذكرها البخاري في تاريخه قال قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ان بعض من شهد مع النبي e قال إن النبي e قال لرجل معه هذا من أهل النار الحديث فظهر أن المراد بالمتابعة أن صالحا تابع رواية بن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن ولا في الإسناد وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد [2]
وعلى أي حال فإن سياق كلام ابن حجر حول الحديث للتدليل على جهد العلماء الربانيين في خدمة السنة سندا ومتنا ، وإلا فإن سياق الحديث في دروسنا وحلقاتنا لبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أبان اللثام عمن هلك ويهلك على غير النهج ممن صاحبه ، إما بعينه أو وصفه . والذين سكت عنهم ناجون حتى ولو لم يرد في حقهم مدح ولا ثناء فكيف بمن أثنى عليهم ومدحهم ولحق بالرفيق الأعلى وهو عنهم راض وعلى رأسهم الصديق وكبار الصحابة والذين حفظ الله بهم الإسلام فبلغوا به مشارق الأرض ومغاربها .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - صحيح البخاري 3/ 1061رقم 2970
[2] - الفتح 7/ 472
إنه في النار ومدلولها
[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]
في هذه الحلقة إشارة إلى فضل الصحابة جميعا وعلى رأسهم الصديق والفاروق وذوالنورين وأبو السبطين رضي الله عنهم أجمعين ؛ حيث انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو عنهم راض ولو كان فيهم شيئ لبينه كما بين حال هذا الذي ظهر للناس شدته وتفانيه في ميدان المعركة وأعجبوا به فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار .
وهذا الحديث الذي بنيت الحلقة عليه رواه الإمام البخاري فقال :
(حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار فقال رجل من القوم أنا صاحبه قال فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)[1]
قال في الفتح مبينا اسم الرجل وهل هو الذي ذكر في أحد أم غيره أم أن القصة متحدة والرجل مختلف يرجى من القاري أن يصبر على قراءة كلام بن حجر وإن طال فإنه مفيد وبخاصة لطالب العلم :
(قوله التقى هو والمشركون في رواية بن أبي حازم الآتية بعد قليل في بعض مغازيه ولم أقف على تعيين كونها خيبر لكنه مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع القصة التي في حديث أبي هريرة وقد صرح في حديث أبي هريرة أن ذلك كان بخيبر وفيه نظر فإن في سياق سهل أن الرجل الذي قتل نفسه إتكأ على حد سيفه حتى خرج من ظهره وفي سياق أبي هريرة أنه استخرج أسهما من كنانته فنحر بها نفسه وأيضا ففي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما أخبروه بقصته إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي حديث أبي هريرة أنه قال لهم لما أخبروه بقصته قم يا بلال فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولهذا جنح بن التين إلى التعدد ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة وأما الأولى فيحتمل أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وان كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالا للموت لكن جزم بن الجوزي في مشكله بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد قال واسم الرجل قزمان الظفري وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء فخرج حتى صار في الصف الأول فكان أول من رمى بسهم ثم صار إلى السيف ففعل العجائب فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول الموت أحسن من الفرار فمر به قتادة بن النعمان فقال له هنيئا لك بالشهادة قال والله إني ما قاتلت على دين وإنما قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه قلت وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف نعم أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرحمن القاضي عن أبي حازم حديث الباب وأوله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما رأينا مثل ما أبلى فلان لقد فر الناس وما فر وما ترك للمشركين شاذة ولا فاذة الحديث بطوله على نحو ما في الصحيح وليس فيه تسميته وسعيد مختلف فيه وما أظن روايته خفيت على البخاري وأظنه لم يلتفت إليها لأن في بعض طرقه عن أبي حازم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهره يقتضي أنها غير أحد لأن سهلا ما كان حينئذ ممن يطلق على نفسه ذلك لصغره لأن الصحيح أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين فيكون في أحد بن عشرة أو إحدى عشرة على أنه قد حفظ أشياء من أمر أحد مثل غسل فاطمة جراحة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من ذلك أن يقول غزونا إلا أن يحمل على المجاز كما سيأتي لأبي هريرة لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبا قوله فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم قوله وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل وقع في كلام جماعة ممن تكلم على هذاالكتاب أن اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بضم المعجمة والفاء نسبة إلى بني ظفر بطن من الأنصار وكان يكنى أبا الغيداق بمعجمة مفتوحة وتحتانية ساكنة وآخره قاف ويعكر عليه ما تقدم قوله شاذة ولا فاذة الشاذة بتشديد المعجمة ما انفرد عن الجماعة وبالفاء مثله ما لم يختلط بهم ثم هما صفة لمحذوف أي نسمة والهاء فيهما للمبالغة والمعنى أنه لا يلقى شيئا إلا قتله وقيل المراد بالشاذ والفاذ ما كبر وصغر وقيل الشاذ الخارج والفاذ المنفرد وقيل هما بمعنى وقيل الثاني اتباع قوله فقال أي قائل وتقدم في الجهاد بلفظ فقالوا ويأتي بعد قليل من طريق أخرى بلفظ فقيل ووقع هنا للكشميهني فقلت فإن كانت محفوظة عرف اسم قائل ذلك قوله ما أجزأ بالهمزة أي ما أغنى قوله فقال إنه من أهل النار في رواية بن أبي حازم المذكورة فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار وفي حديث أكثم بن أبي الجون الخزاعي عند الطبراني قال قلنا يا رسول الله فلان بجزيء في القتال قال هو في النار قلنا يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن قال ذلك أخباث النفاق قال فكنا نتحفظ عليه في القتال قوله فقال رجل من القوم أنا صاحبه في رواية بن أبي حازم لأتبعنه وهذا الرجل هو أكثم بن أبي الجون كما سيظهر من سياق حديثه قوله فجرح جرحا شديدا زاد في حديث أكثم فقلنا يا رسول الله قد استشهد فلان قال هو في النار قوله فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه في رواية بن أبي حازم فوضع نصاب سيفه في الأرض وفي حديث أكثم أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره فأتيت النبي e فقلت اشهد أنك رسول الله قوله وهو من أهل الجنة زاد في حديث أكثم تدركه الشقاوة والسعادة عند خروج نفسه فيختم له بها وسيأتي شرح الكلام الأخير في كتاب القدر إن شاء الله تعالى الحديث السابع حديث أبي هريرة قوله شهدنا خيبر أراد جيشها من المسلمين لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها لكن مضى في الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت رسول الله e وهو بخيبر بعد ما افتتحها فقلت يا رسول الله اسهم لي وسيأتي البحث في ذلك في حديث آخر لأبي هريرة آخر هذا الباب قوله فلما حضر القتال بالرفع والنصب قوله فقال لرجل ممن معه أي عن رجل واللام قد تأتي بمعنى عن مثل قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا ويحتمل أن يكون بمعنى في أي في شانه أي سببه ومنه قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة قوله فكاد بعض الناس يرتاب في رواية معمر في الجهاد فكاد بعض الناس أن يرتاب ففيه دخول أن على خبر كاد وهو جائز مع قلته قوله قم يا فلان هو بلال كما وقع مفسرا في كتاب القدر قوله ان الله يؤيد في رواية الكشميهني ليؤيد قال النووي يجوز في أن فتح الهمزة وكسرها قوله بالرجل الفاجر يحتمل أن تكون اللام للعهد والمراد به قزمان المذكور ويحتمل أن تكون للجنس قوله تابعه معمر أي تابع شعيبا عن الزهري أي بهذا الإسناد وهو موصول عند المصنف في آخر الجهاد مقرونا برواية شعيب عن الزهري قوله وقال شبيب أي بن سعيد عن يونس أي بن يزيد عن بن شهاب أي الزهري بهذا الإسناد قوله شهدنا حنينا يريد أن يونس خالف معمرا وشعيبا فذكر بدل خيبر لفظة حنين ورواية شبيب هذه وصلها النسائي مقتصرا على طرف من الحديث وأوردها الذهلي في الزهريات ويعقوب بن سفيان في تاريخه كلاهما عن أحمد بن شبيب عن أبيه بتمامه وأحمد من شيوخ البخاري وقد أخرج عنه غير هذا وقد وافق يونس معمرا وشعيبا في الإسناد لكن زاد فيه مع سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وساق الحديث عنهما عن أبي هريرة قوله وقال بن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن النبي e يعني وافق شبيبا في لفظ حنين وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث وطريق بن المبارك هذه وصلها في الجهاد ولم أر فيها تعيين الغزوة قوله وتابعه صالح يعني بن كيسان عن الزهري وهذه المتابعة ذكرها البخاري في تاريخه قال قال لي عبد العزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ان بعض من شهد مع النبي e قال إن النبي e قال لرجل معه هذا من أهل النار الحديث فظهر أن المراد بالمتابعة أن صالحا تابع رواية بن المبارك عن يونس في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن ولا في الإسناد وقد رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد [2]
وعلى أي حال فإن سياق كلام ابن حجر حول الحديث للتدليل على جهد العلماء الربانيين في خدمة السنة سندا ومتنا ، وإلا فإن سياق الحديث في دروسنا وحلقاتنا لبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أبان اللثام عمن هلك ويهلك على غير النهج ممن صاحبه ، إما بعينه أو وصفه . والذين سكت عنهم ناجون حتى ولو لم يرد في حقهم مدح ولا ثناء فكيف بمن أثنى عليهم ومدحهم ولحق بالرفيق الأعلى وهو عنهم راض وعلى رأسهم الصديق وكبار الصحابة والذين حفظ الله بهم الإسلام فبلغوا به مشارق الأرض ومغاربها .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - صحيح البخاري 3/ 1061رقم 2970
[2] - الفتح 7/ 472