د. محمد مشرح
New member
- إنضم
- 19/09/2004
- المشاركات
- 85
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
صفوة الأمة بعد الأنبياء 37
الحلقة السابعة والثلاثون
الخليفة الملهم
حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر زاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي e لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر[1]
وله عن أبي هريرة كذا قال أصحاب إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة وخالفهم بن وهب فقال عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن عائشة قال أبو مسعود لا اعلم أحدا تابع بن وهب على هذا والمعروف عن إبراهيم بن سعد أنه عن أبي هريرة لا عن عائشة وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن إبراهيم بن سعد يعني كما ذكره المصنف معلقا هنا وقال محمد بن عجلان عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة أخرجه مسلم والترمذي والنسائي قال أبو مسعود وهو مشهور عن بن عجلان فكان أبا سلمة سمعه من عائشة ومن أبي هريرة جميعا قلت وله أصل من حديث عائشة أخرجه بن سعد من طريق بن أبي عتيق عنها وأخرجه من حديث خفاف بن إيماء انه كان يصلي مع عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول اشهد انك مكلم قوله محدثون بفتح الدال جمع محدث واختلف في تاويله فقيل ملهم قاله الأكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به وبهذا جزم أبو احمد العسكري وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي وآخرون ويؤيده ماثبت في الرواية المعلقة ويحتمل رده إلى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وان لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الالهام وفسره بن التين بالتفرس ووقع في مسند الحميدي عقب حديث عائشة المحدث الملهم بالصواب الذي يلقي على فيه وعند مسلم من رواية بن وهب ملهمون وهي الإصابة بغير نبوة وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب بن عيينة محدثون يعني مفهمون وفي رواية الإسماعيلي قال إبراهيم يعني بن سعد راويه قوله محدث أي يلقي في روعه انتهى ويؤيده حديث ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه أخرجه الترمذي من حديث بن عمر وأحمد من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث بلال وأخرجه في الأوسط من حديث معاوية وفي حديث أبي ذر عند احمد وأبي داود يقول به بدل قوله وقلبه وصححه الحاكم وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمر نفسه قوله زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد هو بن إبراهيم المذكور وفي روايته زيادتان إحداهما بيان كونهم من بني إسرائيل والثانية تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره فإنه قال بدلها يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء قوله منهم أحد في رواية الكشميهني من أحد ورواية زكريا وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما وقوله وان يك في أمتي قيل لم يورد هذا القول مورد الترديد فان أمته أفضل الأمم وإذا ثبت ان ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى وانما أورده مورد التاكيد كما يقول الرجل ان يكن لي صديق فإنه فلان يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء ونحوه قول الاجير ان كنت عملت لك فوفني حقي وكلاهما عالم بالعمل لكن مراد القائل ان تأخيرك حقي عمل من عنده شك في كوني عملت وقيل الحكمة فيه ان وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي واحتمل عنده e ان لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغنائها بالقران عن حدوث نبي ... وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وان كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ فلعله كان كذلك إلا أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله اعلم .
وقد تحقق في الفاروق ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم فنفع الله به الإسلام كثيرا واستحدث أمورا تعد بمثابة السبق على عصره وما يمكن أن يكون إضاءات للساسة اليوم منها طريقة الاستخلاف عن طريق الانتخاب من بين كوكبة مرضية عند عقلاء الأمة وإزاحة ابنه منها وما نتج عن ذلك من أساليب الانتخاب والاختيار ما يوصف بأنه غاية في الروعة والإبداع بفضل من الله ثم بحكمة عمر وحدة فراسته في اختياره لأولئك النفر الذين كانوا على مستوى المسئولية ... وهنا وصف لأسلوب الانتخاب والاختيار انقله للقارئ كما هو بعنوان أول انتخابات للرئاسة في الإسلام ** "يعد اختيار الحاكم أو الخليفة أو رئيس الدولة من الأمور الهامة التي تؤثر في مستقبل وحياة الناس، وتمثل الطريقة التي يصل بها الحاكم إلى الرئاسة مسألة هامة؛ لأنها بمثابة الشرعية التي تخول له الوصول إلى سدة الحكم، وتسيير شئون العامة. وقد شهد التاريخ الإسلامي تجربة رائعة في انتخاب الحاكم أو الخليفة حينما لا يكون هناك إجماع على شخصية بعينها، وهي الطريقة التي وصل بها سيدنا عثمان بن عفان إلى الحكم، وهي طريقة ابتدعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أجرى الله الحق على لسانه وقلبه كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد استشهد عمر رضي الله عنه وهو يؤم الناس في صلاة الصبح، حينما طعنه أبو لؤلؤة الخبيث عدة طعنات يملؤها الحقد على الإسلام والمسلمين، إلا أن عمر وهو على مشارف الموت لم يترك الأمة تموج بالاختلافات والاضطرابات التي لا تتحملها أمة تنتشر جيوشها على مشارف حدود الدولة الإسلامية تواجه الأعداء المتربصين، وترفع لواء الجهاد في سبيل الله، فاقترح على المسلمين بإلهام من الله أن تجرى انتخابات بينهم ليتحدد من هو الخليفة الراشد الثالث في تاريخ المسلمين.
من يخوض الانتخابات؟
لم يكن من الممكن أن يترك الباب مفتوحا أمام كل من يريد التقدم بالترشح للخلافة من غير ضوابط تحول دون أن يصل إلى هذا المقام من هو دون المسئولية، أو دون رضا الناس واقتناعهم به، فكان أن اتجه فكر عمر بن الخطاب صوب العشرة المبشرين بالجنة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، الذين يعرف كل الناس قدرهم، وقد تقلد أمور المسلمين منهم اثنان (أبو بكر وعمر)، ورحل أبو عبيدة بن الجراح، وقال عمر لو أن أبا عبيدة حي لوليته أمور المسلمين، ولو سألني ربي يوم القيامة لقلت إني سمعت نبيك يقول: (لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) وقد وليت عليهم أمينهم، وبقي من العشرة سبعة عثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعيد بن زيد.
وقد حدد عمر رضي الله عنه من هؤلاء السبعة ستة ليخوضوا الانتخابات بعد أن استبعد منهم سعيد بن زيد زوج أخته فاطمة بنت الخطاب بسبب قرابته له، ورفض أن يرشح لهذا المنصب أحدا من أقاربه بمن فيهم عبد الله بن عمر الذي يشهد له المسلمون جميعا بالتقوى والورع والفقه، قائلا: بحسب آل الخطاب أن يحاسب منهم واحد.
الرئيس المؤقت
أمر عمر بن الخطاب أن يصلي صهيب الرومي رضي الله عنه بالمسلمين، أثناء الفترة الانتقالية التي تجرى فيها الانتخابات، وهو اختيار حكيم موفق من عمر لأنه ليس لصهيب مطمع في الخلافة، فهو ليس عربيا ولا قرشيا، ولئلا يكون صلاة أحد الستة المرشحين للخلافة بالمسلمين ترشيحا منه بالخلافة، أو نوعا من أنواع الترجيح له.
مدة الانتخابات
حدد عمر بن الخطاب فترة الانتخابات بثلاثة أيام، وقال لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير، وهي فترة ليست بالقصيرة لأنه لو زادت على ذلك فمعنى هذا أن شقة الخلاف ستتسع، ولو نقصت عن ذلك فربما لن تكون كافية لأخذ آراء جموع المسلمين في الخليفة القادم.
مراقبة الانتخابات
لضمان الحيدة وانضباط الأمور ومنع الفوضى، أمر عمر خمسين رجلا من الأنصار ليراقبوا سير الانتخابات، وجعل عليهم الصحابي الجليل أبا طلحة الأنصاري والصحابي الجليل المقداد بن الأسود، وقال كما ذكر الطبري في تاريخه: يا أبا طلحة إن الله عز وجل أعز الإسلام بكم فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال مثل ذلك للمقداد.
طريقة الانتخابات واختيار الخليفة
أمر عمر أن يجتمع هؤلاء الستة في أحد البيوت ومعهم عبد الله بن عمر، مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، فإذا اختاروا واحدا منهم رضوه، وإن اختار خمسة أو أربعة واحدا كان هو الخليفة، وإن تساوت الأصوات (ثلاثة أصوات لكل مرشح)، يأتي دور عبد الله بن عمر ليرجح أحد المرشحين، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر يختاروا الذي اختاره عبد الرحمن بن عوف، وقال عنه عمر بأنه مسدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا له، على أن يجتهدوا خلال الأيام الثلاثة في الاستماع إلى آراء المسلمين ويقومون بما يمكن تسميته باستطلاع الآراء ومشاورة جموع المسلمين، وإلا لكان يوم واحد كفيلا بأن تنجز مهمة اختيار الخليفة فيه.
هذا ما أوصى به عمر إلى المسلمين فكيف تمت أمور الانتخابات التي أوصلت عثمان إلى الحكم؟
مكان الاجتماع
اجتمع الرهط في بيت عائشة رضي الله عنها وقيل في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية، وتداولوا الأمر فيما بينهم للنظر في أخطر قضية للمسلمين بعد وفاة عمر رضي الله عنه.
الجولة الأولى من الانتخابات
في بداية الاجتماع قال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة لتضيق دائرة الانتخابات بين الثلاثة بدلا من ستة، فقال الزبير جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فأصبح المرشحون للخلافة ثلاثة (عثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف).
اختيار رئيس يدير عملية الانتخابات
وحينئذ رأى عبد الرحمن بن عوف أن يكون لعملية الانتخابات هذه رئيسا يكون الأمر إليه، ولكن من يكون هذا الأمير، هل يكون بالانتخاب هو الآخر؟ إنه على أية حال لا بد أن يكون واحدا من الستة الذين هم أهل الحل والعقد وأهل الشورى، فهدى الله عبد الرحمن بن عوف الذي وصفه عمر بأنه مسدد رشيد إلى قوله كما ذكر الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لكل من عثمان وعلي: أيكما يتبرأ من هذا الأمر (يتنازل عنه) فنجعله إليه (فيكون مشرفا على عملية الانتخابات) والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه، فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن بن عوف: أفتجعلونه إلي ولله علي ألا آلو عن أفضلكما؟ قالا نعم. ثم أخذ عبد الرحمن رأي الثلاثة الذين تنازلوا عن الخلافة فيمن يختارون: عثمان أم عليا، فاختار طلحة وسعد عليا، فبان له أغلبية مصغرة في مجلس الانتخابات الجزئي، ثم أخذ عبد الرحمن على عاتقه مهمة التعرف على آراء الناس، فجعل يخالط الناس في المدينة من صحابة وأمراء الجنود، وأعراب وافدين على المدينة، وشملت مشاوراته النساء في خدورهن والصبيان والعبيد في المدينة فرأى أن معظم المسلمين يقدمون عثمان ومنهم من كان يشير بعلي رضي الله عنهما، حتى أسفرت أول عملية انتخابات عن فوز عثمان بالخلافة.
إعلان النتائج
اجتمع المسلمون جميعا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد مهيب، في صلاة الفجر ينتظرون البيان الذي يحدد الخليفة القادم، وسيكون المعلن هو عبد الرحمن بن عوف الذي لم ينم في الأيام الثلاثة إلا قليلا، فلبس العمامة التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل الشورى جالسون عند المنبر، والناس كلهم آذان مصغية. يروي البخاري في صحيحه: "فلما صلى الناس الصبح، واجتمع هؤلاء الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: يا علي إني قد نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعل على نفسك سبيلا، فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون". وكان علي أول من بايع عثمان بعد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين.
________________________________________
** لرضا عبد الواجد أمين مدرس مساعد الصحافة والإعلام بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر نقلا عن إسلام أون لاين .
[1] - البخاري 3/ 1349رقم 3486.
الحلقة السابعة والثلاثون
الخليفة الملهم
حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر زاد زكرياء بن أبي زائدة عن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي e لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر[1]
وله عن أبي هريرة كذا قال أصحاب إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة وخالفهم بن وهب فقال عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن عائشة قال أبو مسعود لا اعلم أحدا تابع بن وهب على هذا والمعروف عن إبراهيم بن سعد أنه عن أبي هريرة لا عن عائشة وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن إبراهيم بن سعد يعني كما ذكره المصنف معلقا هنا وقال محمد بن عجلان عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة أخرجه مسلم والترمذي والنسائي قال أبو مسعود وهو مشهور عن بن عجلان فكان أبا سلمة سمعه من عائشة ومن أبي هريرة جميعا قلت وله أصل من حديث عائشة أخرجه بن سعد من طريق بن أبي عتيق عنها وأخرجه من حديث خفاف بن إيماء انه كان يصلي مع عبد الرحمن بن عوف فإذا خطب عمر سمعه يقول اشهد انك مكلم قوله محدثون بفتح الدال جمع محدث واختلف في تاويله فقيل ملهم قاله الأكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به وبهذا جزم أبو احمد العسكري وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي وآخرون ويؤيده ماثبت في الرواية المعلقة ويحتمل رده إلى المعنى الأول أي تكلمه في نفسه وان لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الالهام وفسره بن التين بالتفرس ووقع في مسند الحميدي عقب حديث عائشة المحدث الملهم بالصواب الذي يلقي على فيه وعند مسلم من رواية بن وهب ملهمون وهي الإصابة بغير نبوة وفي رواية الترمذي عن بعض أصحاب بن عيينة محدثون يعني مفهمون وفي رواية الإسماعيلي قال إبراهيم يعني بن سعد راويه قوله محدث أي يلقي في روعه انتهى ويؤيده حديث ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه أخرجه الترمذي من حديث بن عمر وأحمد من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث بلال وأخرجه في الأوسط من حديث معاوية وفي حديث أبي ذر عند احمد وأبي داود يقول به بدل قوله وقلبه وصححه الحاكم وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمر نفسه قوله زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد هو بن إبراهيم المذكور وفي روايته زيادتان إحداهما بيان كونهم من بني إسرائيل والثانية تفسير المراد بالمحدث في رواية غيره فإنه قال بدلها يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء قوله منهم أحد في رواية الكشميهني من أحد ورواية زكريا وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما وقوله وان يك في أمتي قيل لم يورد هذا القول مورد الترديد فان أمته أفضل الأمم وإذا ثبت ان ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى وانما أورده مورد التاكيد كما يقول الرجل ان يكن لي صديق فإنه فلان يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء ونحوه قول الاجير ان كنت عملت لك فوفني حقي وكلاهما عالم بالعمل لكن مراد القائل ان تأخيرك حقي عمل من عنده شك في كوني عملت وقيل الحكمة فيه ان وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي واحتمل عنده e ان لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغنائها بالقران عن حدوث نبي ... وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصديق والجواب عنه تخصيص أبي بكر من عموم قوله عرض علي الناس فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر وان كون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ فلعله كان كذلك إلا أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها والله اعلم .
وقد تحقق في الفاروق ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم فنفع الله به الإسلام كثيرا واستحدث أمورا تعد بمثابة السبق على عصره وما يمكن أن يكون إضاءات للساسة اليوم منها طريقة الاستخلاف عن طريق الانتخاب من بين كوكبة مرضية عند عقلاء الأمة وإزاحة ابنه منها وما نتج عن ذلك من أساليب الانتخاب والاختيار ما يوصف بأنه غاية في الروعة والإبداع بفضل من الله ثم بحكمة عمر وحدة فراسته في اختياره لأولئك النفر الذين كانوا على مستوى المسئولية ... وهنا وصف لأسلوب الانتخاب والاختيار انقله للقارئ كما هو بعنوان أول انتخابات للرئاسة في الإسلام ** "يعد اختيار الحاكم أو الخليفة أو رئيس الدولة من الأمور الهامة التي تؤثر في مستقبل وحياة الناس، وتمثل الطريقة التي يصل بها الحاكم إلى الرئاسة مسألة هامة؛ لأنها بمثابة الشرعية التي تخول له الوصول إلى سدة الحكم، وتسيير شئون العامة. وقد شهد التاريخ الإسلامي تجربة رائعة في انتخاب الحاكم أو الخليفة حينما لا يكون هناك إجماع على شخصية بعينها، وهي الطريقة التي وصل بها سيدنا عثمان بن عفان إلى الحكم، وهي طريقة ابتدعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أجرى الله الحق على لسانه وقلبه كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد استشهد عمر رضي الله عنه وهو يؤم الناس في صلاة الصبح، حينما طعنه أبو لؤلؤة الخبيث عدة طعنات يملؤها الحقد على الإسلام والمسلمين، إلا أن عمر وهو على مشارف الموت لم يترك الأمة تموج بالاختلافات والاضطرابات التي لا تتحملها أمة تنتشر جيوشها على مشارف حدود الدولة الإسلامية تواجه الأعداء المتربصين، وترفع لواء الجهاد في سبيل الله، فاقترح على المسلمين بإلهام من الله أن تجرى انتخابات بينهم ليتحدد من هو الخليفة الراشد الثالث في تاريخ المسلمين.
من يخوض الانتخابات؟
لم يكن من الممكن أن يترك الباب مفتوحا أمام كل من يريد التقدم بالترشح للخلافة من غير ضوابط تحول دون أن يصل إلى هذا المقام من هو دون المسئولية، أو دون رضا الناس واقتناعهم به، فكان أن اتجه فكر عمر بن الخطاب صوب العشرة المبشرين بالجنة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، الذين يعرف كل الناس قدرهم، وقد تقلد أمور المسلمين منهم اثنان (أبو بكر وعمر)، ورحل أبو عبيدة بن الجراح، وقال عمر لو أن أبا عبيدة حي لوليته أمور المسلمين، ولو سألني ربي يوم القيامة لقلت إني سمعت نبيك يقول: (لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) وقد وليت عليهم أمينهم، وبقي من العشرة سبعة عثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعيد بن زيد.
وقد حدد عمر رضي الله عنه من هؤلاء السبعة ستة ليخوضوا الانتخابات بعد أن استبعد منهم سعيد بن زيد زوج أخته فاطمة بنت الخطاب بسبب قرابته له، ورفض أن يرشح لهذا المنصب أحدا من أقاربه بمن فيهم عبد الله بن عمر الذي يشهد له المسلمون جميعا بالتقوى والورع والفقه، قائلا: بحسب آل الخطاب أن يحاسب منهم واحد.
الرئيس المؤقت
أمر عمر بن الخطاب أن يصلي صهيب الرومي رضي الله عنه بالمسلمين، أثناء الفترة الانتقالية التي تجرى فيها الانتخابات، وهو اختيار حكيم موفق من عمر لأنه ليس لصهيب مطمع في الخلافة، فهو ليس عربيا ولا قرشيا، ولئلا يكون صلاة أحد الستة المرشحين للخلافة بالمسلمين ترشيحا منه بالخلافة، أو نوعا من أنواع الترجيح له.
مدة الانتخابات
حدد عمر بن الخطاب فترة الانتخابات بثلاثة أيام، وقال لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير، وهي فترة ليست بالقصيرة لأنه لو زادت على ذلك فمعنى هذا أن شقة الخلاف ستتسع، ولو نقصت عن ذلك فربما لن تكون كافية لأخذ آراء جموع المسلمين في الخليفة القادم.
مراقبة الانتخابات
لضمان الحيدة وانضباط الأمور ومنع الفوضى، أمر عمر خمسين رجلا من الأنصار ليراقبوا سير الانتخابات، وجعل عليهم الصحابي الجليل أبا طلحة الأنصاري والصحابي الجليل المقداد بن الأسود، وقال كما ذكر الطبري في تاريخه: يا أبا طلحة إن الله عز وجل أعز الإسلام بكم فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال مثل ذلك للمقداد.
طريقة الانتخابات واختيار الخليفة
أمر عمر أن يجتمع هؤلاء الستة في أحد البيوت ومعهم عبد الله بن عمر، مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، فإذا اختاروا واحدا منهم رضوه، وإن اختار خمسة أو أربعة واحدا كان هو الخليفة، وإن تساوت الأصوات (ثلاثة أصوات لكل مرشح)، يأتي دور عبد الله بن عمر ليرجح أحد المرشحين، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر يختاروا الذي اختاره عبد الرحمن بن عوف، وقال عنه عمر بأنه مسدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا له، على أن يجتهدوا خلال الأيام الثلاثة في الاستماع إلى آراء المسلمين ويقومون بما يمكن تسميته باستطلاع الآراء ومشاورة جموع المسلمين، وإلا لكان يوم واحد كفيلا بأن تنجز مهمة اختيار الخليفة فيه.
هذا ما أوصى به عمر إلى المسلمين فكيف تمت أمور الانتخابات التي أوصلت عثمان إلى الحكم؟
مكان الاجتماع
اجتمع الرهط في بيت عائشة رضي الله عنها وقيل في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية، وتداولوا الأمر فيما بينهم للنظر في أخطر قضية للمسلمين بعد وفاة عمر رضي الله عنه.
الجولة الأولى من الانتخابات
في بداية الاجتماع قال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة لتضيق دائرة الانتخابات بين الثلاثة بدلا من ستة، فقال الزبير جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فأصبح المرشحون للخلافة ثلاثة (عثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف).
اختيار رئيس يدير عملية الانتخابات
وحينئذ رأى عبد الرحمن بن عوف أن يكون لعملية الانتخابات هذه رئيسا يكون الأمر إليه، ولكن من يكون هذا الأمير، هل يكون بالانتخاب هو الآخر؟ إنه على أية حال لا بد أن يكون واحدا من الستة الذين هم أهل الحل والعقد وأهل الشورى، فهدى الله عبد الرحمن بن عوف الذي وصفه عمر بأنه مسدد رشيد إلى قوله كما ذكر الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لكل من عثمان وعلي: أيكما يتبرأ من هذا الأمر (يتنازل عنه) فنجعله إليه (فيكون مشرفا على عملية الانتخابات) والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه، فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن بن عوف: أفتجعلونه إلي ولله علي ألا آلو عن أفضلكما؟ قالا نعم. ثم أخذ عبد الرحمن رأي الثلاثة الذين تنازلوا عن الخلافة فيمن يختارون: عثمان أم عليا، فاختار طلحة وسعد عليا، فبان له أغلبية مصغرة في مجلس الانتخابات الجزئي، ثم أخذ عبد الرحمن على عاتقه مهمة التعرف على آراء الناس، فجعل يخالط الناس في المدينة من صحابة وأمراء الجنود، وأعراب وافدين على المدينة، وشملت مشاوراته النساء في خدورهن والصبيان والعبيد في المدينة فرأى أن معظم المسلمين يقدمون عثمان ومنهم من كان يشير بعلي رضي الله عنهما، حتى أسفرت أول عملية انتخابات عن فوز عثمان بالخلافة.
إعلان النتائج
اجتمع المسلمون جميعا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد مهيب، في صلاة الفجر ينتظرون البيان الذي يحدد الخليفة القادم، وسيكون المعلن هو عبد الرحمن بن عوف الذي لم ينم في الأيام الثلاثة إلا قليلا، فلبس العمامة التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل الشورى جالسون عند المنبر، والناس كلهم آذان مصغية. يروي البخاري في صحيحه: "فلما صلى الناس الصبح، واجتمع هؤلاء الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: يا علي إني قد نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعل على نفسك سبيلا، فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون". وكان علي أول من بايع عثمان بعد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين.
________________________________________
** لرضا عبد الواجد أمين مدرس مساعد الصحافة والإعلام بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر نقلا عن إسلام أون لاين .
[1] - البخاري 3/ 1349رقم 3486.