د. محمد مشرح
New member
- إنضم
- 19/09/2004
- المشاركات
- 85
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات إلى الكم الذي تستطيع عليه ؛ لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...
[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]
( إيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك) النبي صلى الله عليه وسلم
الحلقة الواحدة والثلاثون
قوة برحمة وحكمة تساوي قيادة راشدة
المنهج المبني على كتاب الله وسنة نبيه ، وما انبثق منهما يساوي قيادة وإدارة راشدة ،
لقد كان الفاروق رضي الله عنه يتمتع بهذا ؛ ولقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ، فالحديث الذي معنا يوضح صفة القوة بخوف الشيطان منه وكذلك النساء ، هذه القوة لو كانت خالية من الرحمة والحكمة والمنهج الراشد لما كانت قيادته موفقة لكن ثمة صفات الحكمة والعلم بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسياسة الناس بهما ، وكونه مهيأ لأن يصلح أن يكون محدثا لولا أنه لانبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم . هذه الصفات مهمة لمن يقود الناس قوة وحزم ، ورحمة وحكمة وتحرٍ للحق من دوحتي الوحي ، وما تفرع عنهما ... وبدون هذا تكون القيادة والإدارة غير موفقة ولا مسددة ... يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى :
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن صالح عن بن شهاب أخبرني عبد الحميد أن محمد بن سعد أخبره أن أباه قال حدثني عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن أبي شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك .[1]
قوله استأذن عمر على رسول الله e وعنده نسوة من قريش هن من أزواجه ويحتمل أن يكون معهن من غيرهن لكن قرينة قوله يستكثرنه يؤيد الأول والمراد أنهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن وزعم الداودي أن المراد أنهن يكثرن الكلام عنده وهو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم انهن يطلبن النفقة قوله عالية بالرفع على الصفة وبالنصب على الحال وقوله أصواتهن على صوته قال بن التين يحتمل أن يكون ذلك قبل نزول النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك طبعهن انتهى وقال غيره يحتمل أن يكون الرفع حصل من مجموعهن لا أن كل واحدة منهن كان صوتها أرفع من صوته وفيه نظر .قيل ويحتمل أن يكون فيهن جهيرة أو النهي خاص بالرجال وقيل في حقهن للتنزيه أو كن في حال المخاصمة فلم يتعمدن أو وثقن بعفوه ويحتمل في الخلوة ما لا يحتمل في غيرها. قوله أضحك الله سنك لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن قوله أتهبنني من الهيبة أي توقرنني . ..
قوله أيها يا بن الخطاب قال أهل اللغة أيها بالفتح والتنوين معناها لاتبتدئنا بحديث وبغير تنوين كف من حديث عهدناه وايه بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين زدنا مما حدثتنا ووقع في روايتنا بالنصب والتنوين وحكى بن التين انه وقع له بغير تنوين وقال معناه كف عن لومهن وقال الطيبي الأمر بتوقير رسول الله e مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه فكان قوله e ايه استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه ولذلك عقبه بقوله والذي نفسي بيده الخ فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله والله اعلم .
قوله فجا أي طريقا واسعا وقوله قط تاكيد للنفي قوله إلا سلك فجا غير فجك ؛ فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي ان الشيطان لا سبيل له عليه لا إن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته فان قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ أن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه وهذا دال على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف . والحق المحض وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه . وقال عياض يحتمل ان يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان والأول أولى انتهى [2]
يقول أحد المختصين في علم الإدارة عن بعض سمات إدارة عمر [3] (تعد إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه للمنجزات الكبيرة التي حققها بروعة وعظمة المواقف -رغم إقبال الدنيا بفتنتها من مال وجاه، وزيادة رقعة الأرض، وكثرة الوافدين إلى دين الله تبارك وتعالى- نموذجا للدراسة والتنقيب والبحث.
وربما اتسم معظم ما كُتب عن الفاروق بأنه كان تاريخيا مهتما بالسرد دون التحليل، وحين النظر إلى هذا التاريخ بمنظار الإدارة ومبادئها وعلومها وفنونها، نجد الفاروق يستند في إدارته إلى مجموعة من الأسس.. فلنتأملها.
1 - الوضوح والدقة:
الإدارة ليست سلطة يتولاها شخص يصبح بموجبها الآمر الناهي، وليست وسيلة بناء مجد شخصي وتحقيق غرض ذاتي، إنما هي مسئولية ينوء بحملها من لهم قوة وعزم... هكذا يفهمها عمر رضي الله عنه، حيث يقول في أول خطبة "أيها الناس، إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم ما توليت ذلك منكم، ولكفى عمرَ انتظار موافقة الحساب...".
ويضيف: "ولن يغيّر الذي وليت من خلافتكم من خُلقي شيئا إن شاء الله، إنما العظمة له وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي وأتقدم". ويقول: "أنا مسئول عن أمانتي، لا أكِلُه إلى أحد إلا الأمناء وأهل النصح منكم، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله".
ومن التحليل الأولي لكلمات عمر يتضح:
1 - الكفاءة والقدرة من العناصر الملازمة لمن يتحمل المسئولية.
2 - تحقيق الأهداف منسجمة مع الجهد واتجاهات العمل لدى المسئولين.
3 - التعاون والمشورة من عوامل تحقيق الأهداف.
4 - العمل تكليف وليس تشريفا وبذلك لا يؤدي لتغير أخلاق المسئول.
5 - توزيع الصلاحيات لا يعفي من تحمل المسئوليات.
.. هذه المبادئ الإدارية لم يطلقها عمر شعارا بل واقعا حيا التزم بها في كافة جوانب سنوات خلافته الراشدة.
2 - تحديد الأهداف والتزامه بتحقيقها:
والأهداف مؤشرات تضيء الطريق أمام تحمل المسئولية، وتساعد على تحقيقها بأقل وقت وجهد وتكاليف.. وتلك حقيقة يدركها عمر منذ اليوم الأول؛ لذا حدد أهداف إدارته، فيقول في أول خطبة له: "ولكم عليَّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم عليَّ ألا أجتبي شيئا من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله وأسد ثغوركم، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في المهالك ولا أجمركم في ثغوركم، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم؛ فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم".
.. يقرر الفاروق عمر رضي الله عنه أهداف الدولة التي يلتزم بها ويحددها بشكل دقيق: عدم إرهاق كاهل الأمة ماليا، وحسن تصريف الأموال، والعمل على تحسين مستوى المعيشة، وحماية الدولة من الاعتداء الخارجي، وتحقيق الاطمئنان النفسي، والرعاية الاجتماعية. وقد كان عمر خير من التزم بتحقيق هذه الأهداف على الوجه الأكمل.
3 - شروط نجاح العمل:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم لغد، والأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقوا الله عز وجل...". هذه القواعد الثلاثة الهامة التي أقرها عمر رضي الله عنه التزمها في كافة أعبائه الإدارية، فما أجل عملا إلى غير وقته، وحزم كل أمره حتى اعتقد البعض مركزية القيادة في منهج عمر.
والأمانة كانت العنصر الأساسي في مراحل إدارته للدولة، فكانت خشية الله نصب عينيه، فالتزم التقوى في رعيته.
4 - تحديد الأسلوب الملائم لكل فرد:
من العوامل المساعدة على اتخاذ القرار المناسب فهم خصائص الأفراد والجماعات الذين يشملهم القرار، وفي ممارسة الفاروق لهذا الأساس في إدارته اعتماد معيارين للتمييز بين الأفراد:
أ - الأسبقية في اعتناق الإسلام وممارسة شعائره.
ب - السمات الخاصة بالإنسان.
وقد ورد عنه في ذلك قوله: "لي رأي في هذا المال: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه". وقد فضّل في العطاء بني هاشم والذين حضروا بدرا.. وقد فضل أسامة بن زيد في العطاء على ولده عبد الله لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة وأبيه.
ولم يكن هذا التفضيل في مجال المال فحسب بل كان في مجال الشورى والرأي ومجال الاستقبالات وقضاء الحاجات. وقد ذكر عمر رضي الله عنه في قيادته للعرب قوله: "إنما مثل العرب مثل جمل أَنِف اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقوده، فأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق". وقد التزم عمر هذا المنهج أولا مع ولاته فحملهم على الحق، فكان لا يتردد في التحقيق معهم ومعاقبة المسيء.
ولم يكن الفاروق متساهلا في الحق حتى في المواقف البسيطة؛ لأن الخطأ البسيط يولد خطأ كبيرا، والتاريخ حافل بالروايات حول بأس عمر وشدته في سبيل إقرار الحق، ولعل منها حادثة جبلة بن الأيهم، وهي دليل صادق على ذلك، كما كان يميز بين الأفراد في مواقفهم الخاصة وتاريخهم الفردي.
5 - إدراك دور القدوة:
من أبرز مشاكل الإدارة المعاصرة غياب النموذج أو القدوة.. وقد كان اهتمام الفاروق بتطبيق القدوة الصالحة والنموذج الأمثل لذلك يقول: "الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله فإن رتع الإمام رتعوا".
ثم حدد علاقته بخزينة الدولة وهي أكثر الجوانب حساسية في العمل الإداري فقال: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلتها من مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف".
وقد التزم ذلك بدقة متناهية فلا ينال من بيت مال المسلمين زيادة عن راتبه إلا إقراضا، وقد ساعده ذلك على إلزام ولاته بهذا المنهج القويم.
ولم يكن يمارس هذا المنهج في المال فحسب بل في كافة شئون الحياة، وليس أدل على ذلك من حادية السمن في عام الرمادة.. وقد كان نموذجا لأهله في ذلك فقرر القاعدة الذهبية "من استعمل رجلا لمودة أو قرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".
6 - نشر الوعي بين الجمهور حول الأهداف والصلاحيات:
لكي يحدث التفاعل في العملية الإدارية لا بد أن تحقق درجة من الوعي لدى الجمهور.. ويتحقق ذلك الوعي بالمعرفة الواضحة بأهداف المؤسسة والتحديد الدقيق لصلاحيات بمسئوليات أعضاء الهيئة الإدارية؛ تحسبا لاستغلال عدم وضوح رؤية الجمهور بالاستغلال السيئ للصلاحيات والمسئوليات.
ولقد أدرك الفاروق عمر رضي الله عنه أهمية هذا الأساس.. ورغم محدودية وسائل الإعلام في عهد الراشد فإن العزيمة والصدق والأمانة ساهمت في نشر الوعي المطلوب.
فقال: "أيها الناس إني ما أرسل إليكم عمالا ليضربوكم ولا ليأخذوا أموالكم، وإنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فُعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه...". ثم خاطب الولاة قائلا: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم".
كما قال أيضا: "أيما عامل لي ظلم أحدا فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته". وكذلك توضيحه للجمهور أسباب عزله لخالد بن الوليد عن قيادة الجيش تجنبا للفتنة كان يصب في ذات المنهج القويم. ولم تقتصر هذه التوعية على مجال دون آخر بل توعية لكافة المجالات المالية والعسكرية والاجتماعية.
تلك هي أهم الأسس التي قامت عليها إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه كان ينفذها رضي الله عنه كمن يقرأ من كتاب فغرس المفاهيم الأولى للإدارة الحقة القائمة على الأمانة والمسئولية والتقوى والقوة معا. وحيث إن الإدارة عمل متواصل يبدأ بتحديد الهدف وينتهي بتحقيقه؛ فقد كان الفاروق خير من مارس الإدارة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - البخاري 3/ 1347. رقم 3480 .
[2] - الفتح 7/47-48 بتصرف
[3] - د. محمد إبراهيم المدهون : إسلام أون لاين
[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]
( إيها يابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك) النبي صلى الله عليه وسلم
الحلقة الواحدة والثلاثون
قوة برحمة وحكمة تساوي قيادة راشدة
المنهج المبني على كتاب الله وسنة نبيه ، وما انبثق منهما يساوي قيادة وإدارة راشدة ،
لقد كان الفاروق رضي الله عنه يتمتع بهذا ؛ ولقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ، فالحديث الذي معنا يوضح صفة القوة بخوف الشيطان منه وكذلك النساء ، هذه القوة لو كانت خالية من الرحمة والحكمة والمنهج الراشد لما كانت قيادته موفقة لكن ثمة صفات الحكمة والعلم بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسياسة الناس بهما ، وكونه مهيأ لأن يصلح أن يكون محدثا لولا أنه لانبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم . هذه الصفات مهمة لمن يقود الناس قوة وحزم ، ورحمة وحكمة وتحرٍ للحق من دوحتي الوحي ، وما تفرع عنهما ... وبدون هذا تكون القيادة والإدارة غير موفقة ولا مسددة ... يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى :
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن صالح عن بن شهاب أخبرني عبد الحميد أن محمد بن سعد أخبره أن أباه قال حدثني عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن أبي شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا بن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك .[1]
قوله استأذن عمر على رسول الله e وعنده نسوة من قريش هن من أزواجه ويحتمل أن يكون معهن من غيرهن لكن قرينة قوله يستكثرنه يؤيد الأول والمراد أنهن يطلبن منه أكثر مما يعطيهن وزعم الداودي أن المراد أنهن يكثرن الكلام عنده وهو مردود بما وقع التصريح به في حديث جابر عند مسلم انهن يطلبن النفقة قوله عالية بالرفع على الصفة وبالنصب على الحال وقوله أصواتهن على صوته قال بن التين يحتمل أن يكون ذلك قبل نزول النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك طبعهن انتهى وقال غيره يحتمل أن يكون الرفع حصل من مجموعهن لا أن كل واحدة منهن كان صوتها أرفع من صوته وفيه نظر .قيل ويحتمل أن يكون فيهن جهيرة أو النهي خاص بالرجال وقيل في حقهن للتنزيه أو كن في حال المخاصمة فلم يتعمدن أو وثقن بعفوه ويحتمل في الخلوة ما لا يحتمل في غيرها. قوله أضحك الله سنك لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك بل لازمه وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن قوله أتهبنني من الهيبة أي توقرنني . ..
قوله أيها يا بن الخطاب قال أهل اللغة أيها بالفتح والتنوين معناها لاتبتدئنا بحديث وبغير تنوين كف من حديث عهدناه وايه بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين زدنا مما حدثتنا ووقع في روايتنا بالنصب والتنوين وحكى بن التين انه وقع له بغير تنوين وقال معناه كف عن لومهن وقال الطيبي الأمر بتوقير رسول الله e مطلوب لذاته تحمد الزيادة منه فكان قوله e ايه استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه ولذلك عقبه بقوله والذي نفسي بيده الخ فإنه يشعر بأنه رضي مقالته وحمد فعاله والله اعلم .
قوله فجا أي طريقا واسعا وقوله قط تاكيد للنفي قوله إلا سلك فجا غير فجك ؛ فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي ان الشيطان لا سبيل له عليه لا إن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته فان قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولى أن لا يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ أن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه وهذا دال على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف . والحق المحض وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه . وقال عياض يحتمل ان يكون ذاك على سبيل ضرب المثل وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان والأول أولى انتهى [2]
يقول أحد المختصين في علم الإدارة عن بعض سمات إدارة عمر [3] (تعد إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه للمنجزات الكبيرة التي حققها بروعة وعظمة المواقف -رغم إقبال الدنيا بفتنتها من مال وجاه، وزيادة رقعة الأرض، وكثرة الوافدين إلى دين الله تبارك وتعالى- نموذجا للدراسة والتنقيب والبحث.
وربما اتسم معظم ما كُتب عن الفاروق بأنه كان تاريخيا مهتما بالسرد دون التحليل، وحين النظر إلى هذا التاريخ بمنظار الإدارة ومبادئها وعلومها وفنونها، نجد الفاروق يستند في إدارته إلى مجموعة من الأسس.. فلنتأملها.
1 - الوضوح والدقة:
الإدارة ليست سلطة يتولاها شخص يصبح بموجبها الآمر الناهي، وليست وسيلة بناء مجد شخصي وتحقيق غرض ذاتي، إنما هي مسئولية ينوء بحملها من لهم قوة وعزم... هكذا يفهمها عمر رضي الله عنه، حيث يقول في أول خطبة "أيها الناس، إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم ما توليت ذلك منكم، ولكفى عمرَ انتظار موافقة الحساب...".
ويضيف: "ولن يغيّر الذي وليت من خلافتكم من خُلقي شيئا إن شاء الله، إنما العظمة له وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي وأتقدم". ويقول: "أنا مسئول عن أمانتي، لا أكِلُه إلى أحد إلا الأمناء وأهل النصح منكم، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله".
ومن التحليل الأولي لكلمات عمر يتضح:
1 - الكفاءة والقدرة من العناصر الملازمة لمن يتحمل المسئولية.
2 - تحقيق الأهداف منسجمة مع الجهد واتجاهات العمل لدى المسئولين.
3 - التعاون والمشورة من عوامل تحقيق الأهداف.
4 - العمل تكليف وليس تشريفا وبذلك لا يؤدي لتغير أخلاق المسئول.
5 - توزيع الصلاحيات لا يعفي من تحمل المسئوليات.
.. هذه المبادئ الإدارية لم يطلقها عمر شعارا بل واقعا حيا التزم بها في كافة جوانب سنوات خلافته الراشدة.
2 - تحديد الأهداف والتزامه بتحقيقها:
والأهداف مؤشرات تضيء الطريق أمام تحمل المسئولية، وتساعد على تحقيقها بأقل وقت وجهد وتكاليف.. وتلك حقيقة يدركها عمر منذ اليوم الأول؛ لذا حدد أهداف إدارته، فيقول في أول خطبة له: "ولكم عليَّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم عليَّ ألا أجتبي شيئا من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله وأسد ثغوركم، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في المهالك ولا أجمركم في ثغوركم، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم؛ فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم".
.. يقرر الفاروق عمر رضي الله عنه أهداف الدولة التي يلتزم بها ويحددها بشكل دقيق: عدم إرهاق كاهل الأمة ماليا، وحسن تصريف الأموال، والعمل على تحسين مستوى المعيشة، وحماية الدولة من الاعتداء الخارجي، وتحقيق الاطمئنان النفسي، والرعاية الاجتماعية. وقد كان عمر خير من التزم بتحقيق هذه الأهداف على الوجه الأكمل.
3 - شروط نجاح العمل:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم لغد، والأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقوا الله عز وجل...". هذه القواعد الثلاثة الهامة التي أقرها عمر رضي الله عنه التزمها في كافة أعبائه الإدارية، فما أجل عملا إلى غير وقته، وحزم كل أمره حتى اعتقد البعض مركزية القيادة في منهج عمر.
والأمانة كانت العنصر الأساسي في مراحل إدارته للدولة، فكانت خشية الله نصب عينيه، فالتزم التقوى في رعيته.
4 - تحديد الأسلوب الملائم لكل فرد:
من العوامل المساعدة على اتخاذ القرار المناسب فهم خصائص الأفراد والجماعات الذين يشملهم القرار، وفي ممارسة الفاروق لهذا الأساس في إدارته اعتماد معيارين للتمييز بين الأفراد:
أ - الأسبقية في اعتناق الإسلام وممارسة شعائره.
ب - السمات الخاصة بالإنسان.
وقد ورد عنه في ذلك قوله: "لي رأي في هذا المال: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه". وقد فضّل في العطاء بني هاشم والذين حضروا بدرا.. وقد فضل أسامة بن زيد في العطاء على ولده عبد الله لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة وأبيه.
ولم يكن هذا التفضيل في مجال المال فحسب بل كان في مجال الشورى والرأي ومجال الاستقبالات وقضاء الحاجات. وقد ذكر عمر رضي الله عنه في قيادته للعرب قوله: "إنما مثل العرب مثل جمل أَنِف اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقوده، فأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق". وقد التزم عمر هذا المنهج أولا مع ولاته فحملهم على الحق، فكان لا يتردد في التحقيق معهم ومعاقبة المسيء.
ولم يكن الفاروق متساهلا في الحق حتى في المواقف البسيطة؛ لأن الخطأ البسيط يولد خطأ كبيرا، والتاريخ حافل بالروايات حول بأس عمر وشدته في سبيل إقرار الحق، ولعل منها حادثة جبلة بن الأيهم، وهي دليل صادق على ذلك، كما كان يميز بين الأفراد في مواقفهم الخاصة وتاريخهم الفردي.
5 - إدراك دور القدوة:
من أبرز مشاكل الإدارة المعاصرة غياب النموذج أو القدوة.. وقد كان اهتمام الفاروق بتطبيق القدوة الصالحة والنموذج الأمثل لذلك يقول: "الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله فإن رتع الإمام رتعوا".
ثم حدد علاقته بخزينة الدولة وهي أكثر الجوانب حساسية في العمل الإداري فقال: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلتها من مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف".
وقد التزم ذلك بدقة متناهية فلا ينال من بيت مال المسلمين زيادة عن راتبه إلا إقراضا، وقد ساعده ذلك على إلزام ولاته بهذا المنهج القويم.
ولم يكن يمارس هذا المنهج في المال فحسب بل في كافة شئون الحياة، وليس أدل على ذلك من حادية السمن في عام الرمادة.. وقد كان نموذجا لأهله في ذلك فقرر القاعدة الذهبية "من استعمل رجلا لمودة أو قرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".
6 - نشر الوعي بين الجمهور حول الأهداف والصلاحيات:
لكي يحدث التفاعل في العملية الإدارية لا بد أن تحقق درجة من الوعي لدى الجمهور.. ويتحقق ذلك الوعي بالمعرفة الواضحة بأهداف المؤسسة والتحديد الدقيق لصلاحيات بمسئوليات أعضاء الهيئة الإدارية؛ تحسبا لاستغلال عدم وضوح رؤية الجمهور بالاستغلال السيئ للصلاحيات والمسئوليات.
ولقد أدرك الفاروق عمر رضي الله عنه أهمية هذا الأساس.. ورغم محدودية وسائل الإعلام في عهد الراشد فإن العزيمة والصدق والأمانة ساهمت في نشر الوعي المطلوب.
فقال: "أيها الناس إني ما أرسل إليكم عمالا ليضربوكم ولا ليأخذوا أموالكم، وإنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فُعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه...". ثم خاطب الولاة قائلا: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم".
كما قال أيضا: "أيما عامل لي ظلم أحدا فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته". وكذلك توضيحه للجمهور أسباب عزله لخالد بن الوليد عن قيادة الجيش تجنبا للفتنة كان يصب في ذات المنهج القويم. ولم تقتصر هذه التوعية على مجال دون آخر بل توعية لكافة المجالات المالية والعسكرية والاجتماعية.
تلك هي أهم الأسس التي قامت عليها إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه كان ينفذها رضي الله عنه كمن يقرأ من كتاب فغرس المفاهيم الأولى للإدارة الحقة القائمة على الأمانة والمسئولية والتقوى والقوة معا. وحيث إن الإدارة عمل متواصل يبدأ بتحديد الهدف وينتهي بتحقيقه؛ فقد كان الفاروق خير من مارس الإدارة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - البخاري 3/ 1347. رقم 3480 .
[2] - الفتح 7/47-48 بتصرف
[3] - د. محمد إبراهيم المدهون : إسلام أون لاين