د. محمد مشرح
New member
- إنضم
- 19/09/2004
- المشاركات
- 85
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
الحلقة السادسة والعشرون
طاعة مشروطة على أي حال
إتباعا لموضوع الحلقة السابقة- الطاعة – فإن الصديق رضي الله عنه – وهو في أعلى هرم المسئولية وفي أول خطبة له يستهل بها خلافته ويحدد منطلقات سياسته_يقول : إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فسدد وني، وإن أسأت فقوموني .أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم .
الضعيف فيكم عندي قوي حتى آخذ الحق له ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه !
وقد أورد البيهقي هذه الخطبة في السنن الكبرى فقال :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن طاهر بن يحيى حدثني أبي ثنا محمد بن أبي خالد الفراء ثنا أبي ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال إن أكيس الكيس التقوى وأحمق الحمق الفجور ألا وإن الصدق عندي الأمانة والكذب الخيانة ألا وان القوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق والضعيف عندي قوي حتى آخذ له الحق ألا واني قد وليت عليكم ولست بأخيركم قال الحسن هو والله خيرهم غير مدافع ولكن المؤمن يهضم نفسه ثم قال ولوددت أنه كفاني هذا الأمر أحدكم قال الحسن صدق والله وإن أنتم أردتموني على ما كان الله يقيم نبيه من الوحي ما ذلك عندي إنما أنا بشر فراعوني فلما أصبح غدا إلى السوق فقال له عمر رضي الله عنه أين تريد قال السوق قال قد جاءك ما يشغلك عن السوق قال سبحان الله يشغلني عن عيالي قال تفرض بالمعروف قال ويح عمر إني أخاف أن لا يسعني أن آكل من هذا المال شيئا قال فانفق في سنتين وبعض أخرى ثمانية آلاف درهم فلما حضره الموت قال قد كنت قلت لعمر إني أخاف أن لا يسعني أن آكل من هذا المال شيئا فغلبني فإذا أنا مت فخدوا من مالي ثمانية آلاف درهم وردوها في بيت المال قال فلما أتى بها عمر رضي الله عنه قال رحم الله أبا بكر لقد اتعب من بعده تعبا شديدا[1]
وهذه الخطبة تحدد سياسة الصديق في قيادة الدولة بثلاثة أركان ؛ هي :
1- مفهوم الطاعة عند الصديق ؛ فهي طاعة مرتبطة بطاعة الله تعالى ، وليست طاعة مطلقة ، فإن الطاعة المطلقة للخليفة أو المسئول أيا كانت مكانته مدخل عظيم للظلم والغرور والاستهانة بالكليات الخمس ، وسد باب المراقبة الذاتية والتقويم المستمر الحي من الأمة ونسيان حق الله تعالى الذي هو صمام الأمان ، وطالما عانت الأمم من هذه الأخطار التي تطال الحاكم والمحكوم والمسئول والمسئول عليه .
2-التواضع فالصديق رضي الله عنه يحدد في خطبته أنه ليس خير الناس _ وإن كان كذلك- وهذا مدخل نفسي مهم لسد باب الغرور ؛ والذي يصم الآذان عن قبول النقد والنصيحة ممن هو مسئول عنهم ، ومن جانب آخر ؛ فإن الأمة يدفعها ذلك إلى التقويم والنصيحة ...
3- الدعوة إلى مراقبة سيره في قيادة الأمة دعوة صادقة بفقه وفهم ؛ فإن ماكان من سداد منه فليسدد ، وما كان منها غير ذلك فليقوم ... وهذه الأركان الثلاثة هي أساس كل حكم صالح نافع للراعي والرعية ...
وثمة ملحض في الخطبة في ورعه من أخذ الأجرة على انشغاله بالخلافة عن كفاية بيته وولده فقد أوصى بردها إلى بيت المال . رضي الله عنه وعن جميع الصحابه الكرام ...
فمن مثل أبي بكر الصديق بعد الأنبياء يوم أن كان مسئولا عليه ، ويوم أن أصبح مسئولا وخليفة ورضي الله عنه في الأولين والآخرين .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] -سنن البيهقي الكبرى 6/353 رقم 12788.
طاعة مشروطة على أي حال
إتباعا لموضوع الحلقة السابقة- الطاعة – فإن الصديق رضي الله عنه – وهو في أعلى هرم المسئولية وفي أول خطبة له يستهل بها خلافته ويحدد منطلقات سياسته_يقول : إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فسدد وني، وإن أسأت فقوموني .أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم .
الضعيف فيكم عندي قوي حتى آخذ الحق له ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه !
وقد أورد البيهقي هذه الخطبة في السنن الكبرى فقال :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن طاهر بن يحيى حدثني أبي ثنا محمد بن أبي خالد الفراء ثنا أبي ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال إن أكيس الكيس التقوى وأحمق الحمق الفجور ألا وإن الصدق عندي الأمانة والكذب الخيانة ألا وان القوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق والضعيف عندي قوي حتى آخذ له الحق ألا واني قد وليت عليكم ولست بأخيركم قال الحسن هو والله خيرهم غير مدافع ولكن المؤمن يهضم نفسه ثم قال ولوددت أنه كفاني هذا الأمر أحدكم قال الحسن صدق والله وإن أنتم أردتموني على ما كان الله يقيم نبيه من الوحي ما ذلك عندي إنما أنا بشر فراعوني فلما أصبح غدا إلى السوق فقال له عمر رضي الله عنه أين تريد قال السوق قال قد جاءك ما يشغلك عن السوق قال سبحان الله يشغلني عن عيالي قال تفرض بالمعروف قال ويح عمر إني أخاف أن لا يسعني أن آكل من هذا المال شيئا قال فانفق في سنتين وبعض أخرى ثمانية آلاف درهم فلما حضره الموت قال قد كنت قلت لعمر إني أخاف أن لا يسعني أن آكل من هذا المال شيئا فغلبني فإذا أنا مت فخدوا من مالي ثمانية آلاف درهم وردوها في بيت المال قال فلما أتى بها عمر رضي الله عنه قال رحم الله أبا بكر لقد اتعب من بعده تعبا شديدا[1]
وهذه الخطبة تحدد سياسة الصديق في قيادة الدولة بثلاثة أركان ؛ هي :
1- مفهوم الطاعة عند الصديق ؛ فهي طاعة مرتبطة بطاعة الله تعالى ، وليست طاعة مطلقة ، فإن الطاعة المطلقة للخليفة أو المسئول أيا كانت مكانته مدخل عظيم للظلم والغرور والاستهانة بالكليات الخمس ، وسد باب المراقبة الذاتية والتقويم المستمر الحي من الأمة ونسيان حق الله تعالى الذي هو صمام الأمان ، وطالما عانت الأمم من هذه الأخطار التي تطال الحاكم والمحكوم والمسئول والمسئول عليه .
2-التواضع فالصديق رضي الله عنه يحدد في خطبته أنه ليس خير الناس _ وإن كان كذلك- وهذا مدخل نفسي مهم لسد باب الغرور ؛ والذي يصم الآذان عن قبول النقد والنصيحة ممن هو مسئول عنهم ، ومن جانب آخر ؛ فإن الأمة يدفعها ذلك إلى التقويم والنصيحة ...
3- الدعوة إلى مراقبة سيره في قيادة الأمة دعوة صادقة بفقه وفهم ؛ فإن ماكان من سداد منه فليسدد ، وما كان منها غير ذلك فليقوم ... وهذه الأركان الثلاثة هي أساس كل حكم صالح نافع للراعي والرعية ...
وثمة ملحض في الخطبة في ورعه من أخذ الأجرة على انشغاله بالخلافة عن كفاية بيته وولده فقد أوصى بردها إلى بيت المال . رضي الله عنه وعن جميع الصحابه الكرام ...
فمن مثل أبي بكر الصديق بعد الأنبياء يوم أن كان مسئولا عليه ، ويوم أن أصبح مسئولا وخليفة ورضي الله عنه في الأولين والآخرين .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] -سنن البيهقي الكبرى 6/353 رقم 12788.