د. محمد مشرح
New member
- إنضم
- 19/09/2004
- المشاركات
- 85
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
الحلقة الخامسة عشرة
البقرة والذئب المتكلمان ومدلولهما
[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]
هذه الحلقة تشير إلى منقبة عظيمة للصديق والفاروق ؛ قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى :
حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي e قال بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت لم أخلق لهذا خلقت للحراثة قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعي فقال الذئب من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم [1]
[و]حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث قال الناس سبحان الله قال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.[2]
(قوله e آمنت بذلك وهو حيث تعجب الناس من ذلك ويأتي هناك أيضا الكلام على اختلافهم في قوله يوم السبع وهل هي بضم الموحدة أو إسكانها وما معناها قال بن بطال في هذا الحديث حجة على من منع أكل الخيل مستدلا بقوله تعالى لتركبوها فإنه لو كان ذلك دالا على منع أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر لقوله في هذا الحديث إنما خلقت للحرث وقد اتفقوا على جواز أكلها فدل على أن المراد بالعموم المستفاد من جهة الامتنان في قوله لتركبوها والمستفاد من صيغة إنما في قوله إنما خلقت للحرث عموم مخصوص [3]
[و]قوله بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا فقال أعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله قال فأتى اهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها ألا أن الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف إنا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن بن الأعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الأكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله e وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف .[4]
هذه شهادة من لا ينطق عن الهوى شهادة للعمرين لا تزنها مثاقيل الجبال من الذهب والفظة بل لا نزنها الدنيا بما تتضمنه من متاع الحياة ؛ شهادة يفخر بها العمران وأهل الحق الذين ينظرون إلى الأمور بمنظار الحق الواضح الذي لا يقف أمام رؤيته هوى ولا جهل ، ولا حسد ولا ولا ... ولا شيء من معكرات الرؤية فالحمد لله على نعمته نسأل الله ألا يسلبنا هذه النعمة ...
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - صحيح البخاري 2/818رقم 2199
[2] - المرجع نفسه رقم الحديث 3464.
[3] - الفتح 5/8 .
[4] - الفتح 7/27-28
البقرة والذئب المتكلمان ومدلولهما
[الصحابة والعلماء الربانيون هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا وقد أفضى من مات إلى ما قدم والله يتولى أمره ]
هذه الحلقة تشير إلى منقبة عظيمة للصديق والفاروق ؛ قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى :
حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي e قال بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت لم أخلق لهذا خلقت للحراثة قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعي فقال الذئب من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري قال آمنت به أنا وأبو بكر وعمر قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم [1]
[و]حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث قال الناس سبحان الله قال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.[2]
(قوله e آمنت بذلك وهو حيث تعجب الناس من ذلك ويأتي هناك أيضا الكلام على اختلافهم في قوله يوم السبع وهل هي بضم الموحدة أو إسكانها وما معناها قال بن بطال في هذا الحديث حجة على من منع أكل الخيل مستدلا بقوله تعالى لتركبوها فإنه لو كان ذلك دالا على منع أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر لقوله في هذا الحديث إنما خلقت للحرث وقد اتفقوا على جواز أكلها فدل على أن المراد بالعموم المستفاد من جهة الامتنان في قوله لتركبوها والمستفاد من صيغة إنما في قوله إنما خلقت للحرث عموم مخصوص [3]
[و]قوله بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا فقال أعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله قال فأتى اهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها ألا أن الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف إنا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن بن الأعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الأكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله e وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف .[4]
هذه شهادة من لا ينطق عن الهوى شهادة للعمرين لا تزنها مثاقيل الجبال من الذهب والفظة بل لا نزنها الدنيا بما تتضمنه من متاع الحياة ؛ شهادة يفخر بها العمران وأهل الحق الذين ينظرون إلى الأمور بمنظار الحق الواضح الذي لا يقف أمام رؤيته هوى ولا جهل ، ولا حسد ولا ولا ... ولا شيء من معكرات الرؤية فالحمد لله على نعمته نسأل الله ألا يسلبنا هذه النعمة ...
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - صحيح البخاري 2/818رقم 2199
[2] - المرجع نفسه رقم الحديث 3464.
[3] - الفتح 5/8 .
[4] - الفتح 7/27-28