صفوة الأمة بعد الأنبياء 12

إنضم
19/09/2004
المشاركات
85
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الحلقة الثانية عشر

خوخة أبي بكر دلائل وإيضاحات

[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]

بالإضافة إلى عدد من الدلالات الكثيرة ؛ التي ذُكر بعضها في الحلقات السابقة ؛ والتي تدل على مكانة الصديق ، ومنزلته من النبي صلى الله عليه وسلم في عمر الإسلام منذ أن بزغ فجره بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى أن كانت التهيئة للقاء الحبيب لربه سبحانه وتعالى ...وفي هذه الحلقة نستعرض دلالة أخرى على مكانة الصديق عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فهاهو الحبيب الذي لا يمكن أن ينسى معروف أحد ؛لم ينس معروف أبي بكر وحاشاه أن ينسى فمن يرقى إلى درجته صلى الله عليه وسلم في ميادين الوفاء والمعروف إلى من أسداه كما هو شأنه في جميع الصفات الحميدة ؛ يضرب فيها أروع مثل وأوفى مكيال ؛ هاهو يذكر ذلك لصاحبه مكانته في آخر لحظة له في هذه الحياة وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لقي الله تعالى وهو راض عن صاحبه الصديق ... وقد سد كل خوخة توصل إلى بيته عليه الصلاة والسلام ، غير خوخة الصديق رضي الله عنه مما يدل على علو منزلته ومرتبته وفي هذا وأمثاله إشارة إلى استحقاقه لتولي الخلافة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم...

قال الإمام البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت يعلى بن حكيم عن عكرمة عن بن عباس قال خرج رسول الله e في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر )[1]

وقال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال حدثني مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عبيد يعني بن حنين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله e جلس على المنبر فقال إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا له وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله e عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله e هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به وقال رسول الله e إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر )[2]

قال النووي: قوله e عبد خيره الله بين ان يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى ابو بكر وبكى وقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا هكذا هو في جميع النسخ فبكى ابو بكر وبكى معناه بكى كثيرا ثم بكى والمراد بزهرة الدنيا نعيمها وأعراضها وحدودها وشبهها بزهرة الروض وقوله فديناك دليل لجواز التفدية وقد سبق بيانه مرات وكان ابو بكر رضي الله عنه علم ان النبي e هو العبد المخير فبكى حزنا على فراقه وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائما وإنما قال e إن عبدا وابهمه لينظر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق قوله e إن آمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر قال العلماء معناه أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه أذى مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله e في قبول ذلك وفي غيره قوله e ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام وفي رواية لكن أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا قال القاضي قيل أصل الخلة الافتقار والانقطاع فخليل الله المنقطع إليه وقيل لقصره حاجته على الله تعالى وقيل الخلة الاختصاص وقيل الاصطفاء وسمي إبراهيم خليلا لأنه والى في الله تعالى وعادى فيه وقيل سمي به لأنه تخلق بخلال حسنة وأخلاق كريمة وخلة الله تعالى له نصره وجعله إماما لمن بعده وقال بن فورك الخلة صفاء المودة بتخلل الإسرار وقيل أصلها المحبة ومعناه الإسعاف والألطاف وقيل الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله ومعنى الحديث أن حب الله تعالى لم يبق في قلبه موضعا لغيره قال القاضي وجاء في أحاديث انه e قال ألا وأنا حبيب الله فاختلف المتكلمون هل المحبة ارفع من الخلة أم الخلة ارفع أم هما سواء فقالت طائفة هما بمعنى فلا يكون الحبيب إلا خليلا ولا يكون الخليل إلا حبيبا وقيل الحبيب ارفع لأنها صفة نبينا e وقيل الخليل ارفع وقد ثبتت خلة نبينا e لله تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره واثبت محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وابنيها وغيرهم ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير ألطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه هذه مباديها وأما غايتها فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث الصحيح فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره إلى آخره هذا كلام القاضي وأما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم سمعت خليلي e فلا يخالف هذا لان الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي e قوله e لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر الخوخة بفتح الخاء وهي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين ونحوه وفيه فضيلة

وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه وفيه أن المساجد تصان عن تطرق الناس اليها...)[3]

وقال ابن حجر (وبين حديث بن عباس أيضا أن ذلك كان في مرض موته e وذلك لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فلذلك استثنى خوخته بخلاف غيره وقد قيل إن ذلك من جملة الإشارات إلى استخلافه كما سيأتي أيضا ...[4]



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - صحيح البخاري 1/ 178رقم 455 .

[2] -المرجع السابق 3/ 1417رقم 3691. . ومسلم 1/1854 رقم 2382.

[3] - سرح النووي على مسلم 15/ 150-152.

[4] - الفتح 1/ 559.
 
عودة
أعلى