د. محمد مشرح
New member
- إنضم
- 19/09/2004
- المشاركات
- 85
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
صفوة الأمة بعد الأنبياء تتمة 28 والحلقة29
25- إشادة النبي صلى الله عليه وسلم بإيمان الصديق والفاروق ؛ ومما يدل على ذلك النص الآتي :
( بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا فقال أعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله قال فأتى اهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها ألا أن الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف إنا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن بن الأعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الأكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف .
هذه شهادة من لا ينطق عن الهوى شهادة للعمرين لا تزنها مثاقيل الجبال من الذهب والفظة بل لا نزنها الدنيا بما تتضمنه من متاع الحياة ؛ شهادة يفخر بها العمران وأهل الحق الذين ينظرون إلى الأمور بمنظار الحق الواضح الذي لا يقف أمام رؤيته هوى ولا جهل ، ولا حسد ولا ولا ... ولا شيء من معكرات الرؤية فالحمد لله على نعمته نسأل الله ألا يسلبنا هذه النعمة ...
26- سابقة الإنسان المشرقة ينبغي أن تحسب له ، وهو مبدأ إسلامي ثابت في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام . والنصوص في هذا معلومة . والصحابة رضوان الله عليهم سابقتهم معلومة أشاد بها الله تعالى في كتابه وأشاد بها نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته . والقرآن الكريم لم يمدح أحدا ثم انتكس ، أو بدل أو غير ، والذي علم الله أنه سيهلك على مجانبة الصواب ذكره بالاسم ... وهي[فضل السبق] سنة معمول بها حتى في القوانين التي لا تستند إلى وحي في تقدير صاحب السابقة ؛ وإن حدث له شيء ؛ فليس هناك أحد معصوم من الخطأ . أفيليق بالمسلم أن يعترض على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم فيما قد قُرر في الكتاب المعصوم ، والسنة المطهرة ، والسيرة العطرة ، وينقض قواعد ومبادئ أعظم ثبوتا من الجبال الرواسي ...! ويتجهم بوجهه تجاه كل الأعراف والمسلمات ...
ومن الأدلة على اعتبار السابقة مبدأ وقاعدة ثابتة قول الله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )
وهي شهادة من الله للصحابة الكرام والبشارة لهم بالجنة والذين اتبعوهم من صغار الصحابة ومن سار على النهج إلى يوم الدين .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري في عدد من الروايات حيث قال رحمه الله تعالى :
(حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمعته منه مرتين قال أخبرني حسن بن محمد قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله فقال رسول الله يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )
وحدثني محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء سمعته يقول بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير فقال ائتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا الكتاب قالت لم يعطني فقلنا لتخرجن أو لأجردنك فأخرجت من حجزتها فأرسل إلى حاطب فقال لا تعجل والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حبا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن اتخذ عندهم يدا فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق فقال ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرأه )
وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إلى قوله فقد ضل سواء السبيل )
و حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال حدثني الحسن بن محمد بن علي أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فذهبنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي فقال النبي ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي إنه قد صدقكم فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال عمرو ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )
27-ومن مزايا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوة إيمانه التي ترجح في الميزان على إيمان الأمة ، وهي مسألة كالمشاهدة في الحياة العملية التطبيقية للصديق ؛ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن لحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم .والأمثلة الواضحة الصحيحة تشهد على صحة قوة إيمان الصديق أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما في حياته عليه الصلاة والسلام فقد صدقه وآمن به من أول لحظة ، لم يتلكأ عليه رضوان الله تعالى؛ في أي موقف من المواقف ، وصبيحة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم صدقه وآمن بما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : إن قال ذلك فقد صدق ! فلما قيل له في ذلك ؟ قال : إني لأصدقه بأكبر من ذلك ؛ إني لأصدقه بخبر السماء ، وكذلك في صلح الحديبية رأينا كيف كان موقفه إزاء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وكان رأيه يتوافق مع رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسواها من المواقف ؛ فلم تسجل لنا النصوص أي موقف يناقض هذا ... وأما بعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى فإن مواقف الصديق الصلبة في المدلهمات العظام تجلت بقوة إيمانه ، وفهمه الصحيح والدقيق للإسلام والإيمان ومتطلباتهما فوقف تلك المواقف المشرفة وواجه الفتن حتى خرج بالأمة –بفضل من الله تعالى إلى بر الآمان وقاد السفينة والأمواج هوج فخرج بها سالمة معافاه تدق أبواب فارس والروم بل وصلت إليها وبدأت الدولتان تتهاوي قواها تباعا حيث واصل من حيث وانتهى الفاروق وكذا ذو النورين وأبو السبطين رضي الله عن الجميع . وبنى للأمة أسسا على ضوء بناء النبي صلى الله عليه وسلم كانت منطلقا لها تسير في في مشارق الأرض ومغاربها على ضوئها . فمن ذا الذي يفعل كأبي بكر الصديق صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورفيقه في الغار ، وملازمه في جميع غزواته وجهاده وفي الحرب والسلم ، وحامل دفة الدولة الإسلامية بعده عليه الصلاة والسلام في وقت حرج إلى الغاية ...
أولائك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع .
28- كفته راجحة بعد النبي صلى الله عليه وسلم والنصان الآتيان يشيران إلى ذلك كما يشيران إلى عقد الخلفاء وسير الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتحددان الخلافة الراشدة بثلاثين عاما . قال الحاكم في المستدرك :
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا حميد بن عياش الرملي ثنا المؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال أيكم رأى الليلة رؤيا قال فصلى ذات يوم فقال أيكم رأى رؤيا فقال رجل أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي به من السماء فوضعت في كفة ووضع أبو بكر من كفة أخرى فرجحت بأبي بكر فرفعت وترك أبو بكر مكانه فجيىء بعمر بن الخطاب فوضع في الكفة الأخرى فرجح به أبو بكر فرفع أبو بكر وجيىء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال خلافة النبوة ثلاثون عاما ثم تكون ملك قال سعيد بن جمهان فقال لي سفينة أمسك سنتي أبي بكر وعشر عمر واثنتي عشرة عثمان وست علي رضي الله عنهم أجمعين وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهدي بن رستم ثنا موسى بن هارون البردي ثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله قال أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر رضي الله عنه نيط برسول الله ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند النبي قلنا الرجل الصالح النبي وأما ما ذكر من نوط بعضهم بعضا فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه ولعاقبة هذا الحديث إسناد صحيح عن أبي هريرة ولم يخرجاه .
29-أمانته وخوفه من الله تعالى فيما ولي عليه حيث دعى إلى مراقبة سيره في قيادة الأمة دعوة صادقة بفقه وفهم ؛ في تسديده فيما أصاب ، وتقويمه فيما أخطأ فإن ذلك أساس كل حكم صالح نافع للراعي والرعية ...
30- وثمة ملحظ في الخطبة في ورعه من أخذ الأجرة على انشغاله بالخلافة عن كفاية بيته وولده فقد أوصى بردها إلى بيت المال . رضي الله عنه وعن جميع الصحابه الكرام ...
فمن مثل أبي بكر الصديق بعد الأنبياء يوم أن كان مسئولا عليه ، ويوم أن أصبح مسئولا وخليفة ورضي الله عنه في الأولين والآخرين .
لقد كان ذا عقل راجح ، وأعتذر من قصور تعبيري عن أعظم شخصية بعد الأنبياء سائلا الله تعالى أن يعفو عني فيما قصرت وأن يحفظ مكانة هذا القائد العظيم في نفوس المسلمين ، وأن يخرس ألسنا تنال منه ، وقلوبا مريضة تحمل الحقد عليه ... وأختم بأبيات ذكرت الصديق في ثناياها
للأديب موسى بن بهيج الأندلسي على لسان أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهم حيث قال :
مَنْ ذا يُفاخِرُني وينْكِرُ صُحبتـي""ومُحَمَّدٌ فـي حِجْـره رَبَّانـي؟
وأذختُ عن أبوي ديـنَ محمـدٍ""وهُما على الإسلامِ مُصطَحِبانـيِ
وأبي أقـامَ الدِّيـن بَعْـدَ مُحمـدٍ""فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِنانـي
والفَخرُ فخري والخلافةُ في أبي""حَسبي بهـذا مَفْخَـراً وكَفانـي
وأنا ابْنَةُ الصِّديقِ صاحبِ أحمـدٍ""وحَبيبهِ فـي السِّـرِّ والإعـلانِ
نصـرَ النبـيَّ بمالـهِ وفِعالـه""وخُروجهِ مَعَـهُ مـن الأوطـانِ
ثانيه في الغارِِ الذي سَدَّ الكُـوَى""بِردائـهِ أكـرِم بِـهِ مـنْ ثـانِ
وجفا الغِنى حتى تَخلـل بالعبـا""زُهـداُ وأذعن أيَّمـا إذعـانِ
وتخللتْ مَعَـهُ ملائكـةُ السمـا""وأتتهُ بُشـرى الـهِ بالرضـوانِ
وهو الذي لم يخشَ لَومـةً لائـمٍ""في قتلِ أهلِ البَغْـيِ والعُـدوانِ
قتلَ الأُلى مَنَعوا الزكاة بكُفْرهـم"" وأذل أهـلَ الكُفـر والطُّغيـانِ
سَبقَ الصَّحابةَ والقَرابـةَ للهدى""هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ
واللهِ ما استبَقُوا لنيـلِ فضيلـةٍ""مَثلَ استباقِ الخيل يـومَ رهـانِ
إلا وطارَ أبـي إلـي عليائِهـا""فمكانُـه منهـا أجـلُّ مـكـانِ
ويـلٌ لِعبـدٍ خـانَ آلَ مُحمـدٍ"" بعَـداوةِ الأزواجِ والأخـتـانِ
طُُوبى لمن والى جماعةَ صحبـهِ""ويكون مِـن أحبابـه الحسنـانِ
بينَ الصحابـةِ والقرابـةِ أُلْفَـةٌ"" لا تستحيلُ بنزغَـةِ الشيطـانِ
هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلاً""هل يستوي كَفٌ بغيـر بَنـانِ؟
حصرتْ صُدورُ الكافرين بوالدي""وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ مـن الأضغـانِ
حُبُّ البتولِ وبعلها لـم يختلِـفْ""مِن مِلَّـة الإسـلامِ فيـه اثنـانِ
أكـرم بأربعـةٍ أئمـةِ شرعنـا""فهُـمُ لبيـتِ الديـنِ كالأركـانِ
نُسجتْ مودتهم سدىٍ في لُحمـةٍ""فبناؤهـا مـن أثبـتِ البُنيـانِ
اللهُ ألـفَ بـيـن وُدِّ قلوبـهـم""ليغيـظَ كُـلَّ مُنافـق طـعـانِ
رُحماء بينهمُ صفـت أخلاقُهُـمْ""وخلـت قُلُوبهـمُ مـن الشنـآن
فدُخولهـم بيـن الأحبـة كُلفـةٌ""وسبابهم سبـبٌ إلـي الحرمـان
جمع الإلهُ المسلمين علـى أبـي""واستُبدلوا مـن خوفهـم بأمـان
وإذا أراد اللهُ نُصـرة عـبـده""من ذا يُطيقُ لـهُ علـى خـذلانِ
من حبني فليجتنب مـن سبنـي""إن كانَ صان محبتي ورعانـي
وإذا محبي قـد ألـظَّ بمُبغضـي""فكلاهما في البُغـض مُستويـانِ
إنـي لطيبـةُ خُلقـتُ لطـيـب""ونساءُ أحمـدَ أطيـبُ النِّسـوان
إني لأمُ المؤمنيـن فمـن أبـى""حُبي فسوف يبُـوءُ بالخسـران
اللهُ حببـنـي لِقـلـبِ نبـيـه""وإلي الصراطِ المستقيـمِ هدانـي
واللهُ يُكـرمُ مـن أراد كرامتـي""ويُهين ربي مـن أراد هوانـي
والله أسألُـهُ زيــادة فضـلـه""وحَمِدْتُـهُ شمـراً لِمـا أولانـي
يا من يلوذُ بأهل بيـت مُحمـد"" يرجو بذلك رحمـةَ الرحمـان
صل أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُـدْ""عنَّـا فتُسلـب حُلـت الإيمـان
إني لصادقـة المقـالِ كريمـةٌ""أي والـذي ذلـتْ لـه الثقـلانِ
خُذها إليكَ فإنما هـي روضـةٌ""محفوفـة بالـروح والريحـان
صلَّى الإلهُ علـى النبـي وآلـه""فبهـمْ تُشـمُّ أزهـرُ البُسـتـانِ
في الحلقة الآتية –إن شاء الله – بداية الحديث عن الفاروق رضي الله عنه .
من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات إلى الكم الذي تستطيع عليه ؛ لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...
[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]
(ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره )
( إن يكن من أمتي محدث –ملهم-فعمر )
الحلقة التاسعة والعشرون
هنيئا قصرالجنة أبا حفص
المقصود من الكتابة هنا إبراز مكانة الصحابة الكرام في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ؛ عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا فلن أعرض للناحية التاريخية السردية فليعذرني القارئ في هذا فهذا له مكانه المخصص له ... وفي هذه الحلقة التي تعتبر الأولى فيما يتعلق بأمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه أبدأها من الجنة حيث القصر المنيف المعد له ، وهي بشارة له من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه القصة مروية في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى فما ذا عسى أن يقال عن مبشر بالجنة من أصدق من وطئ الثرى ، وأفضل من أظلته السماء ؛ من النبي صلى الله عليه وسلم ، ألا يجزيه الله بالجنة وهو الكريم سبحانه ... هذا الرجل الذي أعجز الكتبة أن يحيطوا بسيرته وأعماله العظيمة ، لقد كتب الكثير عن أمير المؤمنين عمر ومن الكتابات رسائل ماجستير ودكتوراه فلم يغطوا إلا جوانب من سيرته العملية رضي الله عنه ... كُتب عنه في المجالات السياسية ، والاقتصادية ، وفي المجالات العسكرية و... فلم يُوفى حقه رضي الله عنه ... إنني أشبه الذي يحاول التطاول على جانب الفاروق كالقزم الذي لا يتجاوز طوله بضع سنتيمترات وهو يريد أن يمسك الشمس ويحجبها بيده المكسحة المشلولة ! عليك أن تتملى هذا المشهد في المشبه والمشبه به ليظهر لك الأمر . ولله الأمر من قبل ومن بعد (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) .
يقول الإمام البخاري في صحيحة رحمه الله تعالى :
حدثنا حجاج بن منهال حدثنا عبد العزيز بن الماجشون حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت من هذا فقال هذا بلال ورأيت قصرا بفنائه جارية فقلت لمن هذا فقالوا لعمر فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال عمر بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار )
جمع هذا الحديث العظيم ثلاثة من الصحابة الكرام المبشرين بالجنة ، وكلهم من كبار الصحابة الذين لهم سابقة وفضل ، ومواقف عظيمة ليست بخافية على المطلع بل على أي من المسلمين سابقا ولاحقا ، ومن لا يعرف بلالا مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب المواقف التي تدل على ثبات كالجبال الرواسي . ومن لا يعرف أم سليم أم أنس ابن مالك صاحبة الموقف العظيمة أليست من جعلت الإسلام مهر زواجها بأبي طلحة ؛ فأسلم وتزوجها ... أما الفاروق فهو أعظم من أن يخفى على أحد من المسلمين ومن غيرهم ...
يقول ابن حجر في الفتح : (قوله حدثنا عبد العزيز بن الماجشون كذا لأبي ذر وسقط لفظ بن من رواية غيره وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني والماجشون لقب جده وتلقب به أولاده قوله: حدثنا محمد بن المنكدر هكذا رواه الأكثر عن بن الماجشون ورواه صالح بن مالك عنه عن حميد عن أنس أخرجه البغوي في فوائده فلعل لعبد العزيز فيه شيخين ؛ ويؤيده اقتصاره في حديث حميد على قصة القصر فقط وقد أخرجه الترمذي والنسائي وبن حبان من وجه آخر عن حميد كذلك . قوله رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة هي أم سليم ؛ والرميصاء بالتصغير صفة لها لرمص كان بعينها . واسمها سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك وقيل هو اسمها ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وقيل هو اسم أختها أم حرام . وقال أبو داود هو اسم أخت أم سليم من الرضاعة .وجوز بن التين أن يكون المراد امرأة أخرى لأبي طلحة . وقوله رأيتني بضم المثناة والضمير من المتكلم ؛ وهو من خصائص افعال القلوب . قوله وسمعت خشفة بفتح المعجمتين والفاء أي حركة وزنا ومعنى . ووقع لأحمد : سمعت خشفا يعني صوتا . قال أبو عبيد الخشفة الصوت ليس بالشديد . قيل وأصله صوت دبيب الحية . ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم . قوله فقلت من هذا فقال هذا بلال . وهذا قد تقدم في صلاة الليل من حديث أبي هريرة مطولا .وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق به، وتقدم بعض الكلام عليه في صفة الجنة ؛ حيث أورد هناك من حديث أبي هريرة قوله ورأيت قصرا بفنائه جارية في حديث أبي هريرة الذي بعده تتوضأ إلى جانب قصر ، وفي حديث أنس عند الترمذي قصر من ذهب والفناء بكسر الفاء وتخفيف النون مع المد جانب الدار . قوله فقلت لمن هذا فقال في رواية الكشميهني فقالوا والظاهر أن المخاطب له بذلك جبريل أو غيره من الملائكة ، وقد افرد هذه القصة في النكاح وفي التعبير من وجه آخر عن بن المنكدر . قوله فذكرت غيرتك في الرواية التي في النكاح فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك . ووقع في رواية بن عيينة عن بن المنكدر وعمرو بن دينار جميعا عن جابر في هذه القصة الأخيرة دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا يسمع فيه ضوضاء فقلت لمن هذا فقيل لعمر ، والضوضاء بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو وبالمد ، ووقع في حديث أبي هريرة أن عمر بكى . ويأتي في النكاح بلفظ فبكى عمر وهو في المجلس . وقوله بابي وأمي أي أفديك بهما . وقوله أعليك أغار معدود من القلب ؛ والأصل أعليها أغار منك قال ابن بطال فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه ، قال وبكاء عمر يحتمل أن يكون سرورا ، ويحتمل أن يكون تشوقا أو خشوعا ، ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة فقال عمر وهل رفعني الله إلا بك ؟ وهل هداني الله الا بك ؟ رويناه في فوائد عبد العزيز الحربي من هذا الوجه . وهي زيادة غريبة . الحديث الثاني حديث أبي هريرة في المعنى ذكره مقتصرا على قصة رؤيا المرأة إلى جانب القصر وزاد فيه قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبرا وفيه ما كان عليه النبي من مراعاة الصحبة . وفيه فضيلة ظاهرة لعمر وقوله فيه تتوضأ يحتمل أن يكون على ظاهره ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة لأن الرؤيا وقعت في زمن التكليف والجنة وان كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار بل ظاهر.
قوله تتوضأ إلى جانب قصر إنها تتوضأ خارجة منه ، أو هو على غير الحقيقة ، ورؤيا المنام لا تحمل دائما على الحقيقة. بل تحتمل التأويل؛ فيكون معنى كونها تتوضأ أنها تحافظ في الدنيا على العبادة ، أو المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء لأجل الوضاءة على مدلوله اللغوي ، وفيه بعد . وأغرب بن قتيبة وتبعه الخطابي فزعم أن قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ وإنما الصواب امرأة شوهاء ولم يستند في هذه الدعوى إلا إلى استبعاد أن يقع في الجنة وضوء ؛ لأنه لا عمل فيها وعدم الاطلاع على المراد من الخبر لا يقتضي تغليط الحفاظ ثم اخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة في تفسير الشوهاء فقيل هي الحسناء ، ونقله عن أبي عبيدة وإنما تكون حسناء إذا وصفت بها الفرس قال الجوهري فرس شوهاء صفة محمودة والشوهاء الواسعة الفم وهو مستحسن في الخيل والشوهاء من النساء القبيحة كما جزم به بن الأعرابي وغيره ، وقد تعقب القرطبي كلام الخطابي لكن نسبه إلى بن قتيبة فقط قال بن قتيبة بدل تتوضأ شوهاء ثم نقل إن الشوهاء تطلق على القبيحة والحسناء قال القرطبي والوضوء هنا لطلب زيادة الحسن لا للنظافة لان الجنة منزهة عن الأوساخ والأقذار وقد ترجم عليه البخاري في كتاب التعبير باب الوضوء في المنام فبطل ما تخيله الخطابي وفي الحديث فضيلة الرميصاء ... وبلال رضي الله عن الجميع ...
___________
- الفتح 7/27-28
- سورة التوبة الآية 100 .
- أنظر : زبدة التفسير مختصر فتح القدير للإمام الشوكاني 285-286 .
- صحيح البخاري 3/1095 رقم 2845 .
- المرجع السابق 3/ 1120 رقم 2915 .
- المرجع السابق 4/ 1557 رقم 4025
- المرجع السابق : 4/ 1855. 4608 .
- المستدرك على الصحيحين 3/75 . رقم 4438 .
- المرجع السابق الصفحة نفسها . رقم 4439
- هذه الأبيات منقولة من أحد المواقع ذهب عني اسمه .
- صحيح البخاري 3/1346. رقم 3476 .
- الفتح 7/ 44- 46 بتصرف يسير .
25- إشادة النبي صلى الله عليه وسلم بإيمان الصديق والفاروق ؛ ومما يدل على ذلك النص الآتي :
( بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب الحديث لم اقف على اسم هذا الراعي وقد اورد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل وهو مشعر بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام وقد وقع كلام الذئب لبعض الصحابة في نحو هذه القصة فروى أبو نعيم في الدلائل من طريق ربيعة بن أوس عن أنيس بن عمرو عن اهبان بن أوس قال كنت في غنم لي فشد الذئب على شاة منها فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني وقال من لها يوم تشتغل عنها تمنعني رزقا رزقنيه الله تعالى فصفقت بيدي وقلت والله ما رأيت شيئا أعجب من هذا فقال أعجب من هذا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات يدعو إلى الله قال فأتى اهبان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره واسلم فيحتمل ان يكون اهبان لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كان أبو بكر وعمر حاضرين ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأبو بكر وعمر غائبين فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فاني أومن بذلك وأبو بكر وعمر وقد تقدمت هذه الزيادة في هذه القصة من وجه آخر عن أبي سلمة في المزارعة وفيه قال أبو سلمة وما هما يومئذ في القوم أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما وقوة يقينهما وهذا أليق بدخوله في مناقبهما قوله يوم السبع قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها ألا أن الرواية بالضم وقال الحربي هو بالضم والسكون وجزم بان المراد به الحيوان المعروف وقال بن العربي هو بالإسكان والضم تصحيف كذا قال وقال بن الجوزي هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم وعلى هذا أي الضم فالمعنى إذا اخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذ غيري أي انك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته وأتخلف إنا لا راعي لها حينئذ غيري وقيل إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن فتصير الغنم هملا فتنهبها السباع فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها وأما بالسكون فاختلف في المراد به فقيل هو اسم الموضع الذي يقع فيه الحشر يوم القيامة وهذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن بن الأعرابي ويؤيده انه وقع في بعض طرقه عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة يوم القيامة وقد تعقب هذا بان الذئب حينئذ لا يكون راعيا للغنم ولا تعلق له بها وقيل هو اسم يوم عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه باللهو واللعب فيغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب من الغنم وانما قال ليس لها راع غيري مبالغة في تمكنه منها وهذا نقله الإسماعيلي عن أبي عبيدة وقيل هو من سبعت الرجل إذا ذعرته أي من لها يوم الفزع أو من اسبعته إذا اهملته أي من لها يوم الاهمال قال الأصمعي السبع الهمل واسبع الرجل اغنامه إذا تركها تصنع ما تشاء ورجح هذا القول النووي وقيل يوم الأكل يقال سبع الذئب الشاة إذا اكلها وحكى صاحب المطالع انه روي بسكون التحتانية اخر الحروف وفسره بيوم الضياع يقال اسبعت وأضيعت بمعنى وهذا نقله بن دحية عن إسماعيل القاضي عن علي بن المديني عن معمر بن المثنى وقيل المراد بيوم السبع يوم الشدة كما روي عن بن عباس انه سئل عن مسألة فقال اجرأ من سبع يريد انها من المسائل الشداد التي يشتد فيها الخطب على المفتي والله اعلم قوله وبينما رجل يسوق بقرة تقدم الكلام عليه في المزارعة ووقع عند بن حبان من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة في اخره في القصتين فقال الناس امنا بما امن به رسول الله وفي الحديث جواز التعجب من خوارق العادات وتفاوت الناس في المعارف .
هذه شهادة من لا ينطق عن الهوى شهادة للعمرين لا تزنها مثاقيل الجبال من الذهب والفظة بل لا نزنها الدنيا بما تتضمنه من متاع الحياة ؛ شهادة يفخر بها العمران وأهل الحق الذين ينظرون إلى الأمور بمنظار الحق الواضح الذي لا يقف أمام رؤيته هوى ولا جهل ، ولا حسد ولا ولا ... ولا شيء من معكرات الرؤية فالحمد لله على نعمته نسأل الله ألا يسلبنا هذه النعمة ...
26- سابقة الإنسان المشرقة ينبغي أن تحسب له ، وهو مبدأ إسلامي ثابت في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام . والنصوص في هذا معلومة . والصحابة رضوان الله عليهم سابقتهم معلومة أشاد بها الله تعالى في كتابه وأشاد بها نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته . والقرآن الكريم لم يمدح أحدا ثم انتكس ، أو بدل أو غير ، والذي علم الله أنه سيهلك على مجانبة الصواب ذكره بالاسم ... وهي[فضل السبق] سنة معمول بها حتى في القوانين التي لا تستند إلى وحي في تقدير صاحب السابقة ؛ وإن حدث له شيء ؛ فليس هناك أحد معصوم من الخطأ . أفيليق بالمسلم أن يعترض على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم فيما قد قُرر في الكتاب المعصوم ، والسنة المطهرة ، والسيرة العطرة ، وينقض قواعد ومبادئ أعظم ثبوتا من الجبال الرواسي ...! ويتجهم بوجهه تجاه كل الأعراف والمسلمات ...
ومن الأدلة على اعتبار السابقة مبدأ وقاعدة ثابتة قول الله تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )
وهي شهادة من الله للصحابة الكرام والبشارة لهم بالجنة والذين اتبعوهم من صغار الصحابة ومن سار على النهج إلى يوم الدين .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري في عدد من الروايات حيث قال رحمه الله تعالى :
(حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمعته منه مرتين قال أخبرني حسن بن محمد قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله فقال رسول الله يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )
وحدثني محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء سمعته يقول بعثني النبي صلى الله عليه وسلم والزبير فقال ائتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا الكتاب قالت لم يعطني فقلنا لتخرجن أو لأجردنك فأخرجت من حجزتها فأرسل إلى حاطب فقال لا تعجل والله ما كفرت ولا ازددت للإسلام إلا حبا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن اتخذ عندهم يدا فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق فقال ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فهذا الذي جرأه )
وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال أخبرني الحسن بن محمد أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إلى قوله فقد ضل سواء السبيل )
و حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال حدثني الحسن بن محمد بن علي أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي يقول سمعت عليا رضي الله عنه يقول بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فذهبنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي فقال النبي ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي إنه قد صدقكم فقال عمر دعني يا رسول الله فأضرب عنقه فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال عمرو ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )
27-ومن مزايا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوة إيمانه التي ترجح في الميزان على إيمان الأمة ، وهي مسألة كالمشاهدة في الحياة العملية التطبيقية للصديق ؛ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن لحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم .والأمثلة الواضحة الصحيحة تشهد على صحة قوة إيمان الصديق أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما في حياته عليه الصلاة والسلام فقد صدقه وآمن به من أول لحظة ، لم يتلكأ عليه رضوان الله تعالى؛ في أي موقف من المواقف ، وصبيحة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم صدقه وآمن بما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : إن قال ذلك فقد صدق ! فلما قيل له في ذلك ؟ قال : إني لأصدقه بأكبر من ذلك ؛ إني لأصدقه بخبر السماء ، وكذلك في صلح الحديبية رأينا كيف كان موقفه إزاء ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وكان رأيه يتوافق مع رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسواها من المواقف ؛ فلم تسجل لنا النصوص أي موقف يناقض هذا ... وأما بعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى فإن مواقف الصديق الصلبة في المدلهمات العظام تجلت بقوة إيمانه ، وفهمه الصحيح والدقيق للإسلام والإيمان ومتطلباتهما فوقف تلك المواقف المشرفة وواجه الفتن حتى خرج بالأمة –بفضل من الله تعالى إلى بر الآمان وقاد السفينة والأمواج هوج فخرج بها سالمة معافاه تدق أبواب فارس والروم بل وصلت إليها وبدأت الدولتان تتهاوي قواها تباعا حيث واصل من حيث وانتهى الفاروق وكذا ذو النورين وأبو السبطين رضي الله عن الجميع . وبنى للأمة أسسا على ضوء بناء النبي صلى الله عليه وسلم كانت منطلقا لها تسير في في مشارق الأرض ومغاربها على ضوئها . فمن ذا الذي يفعل كأبي بكر الصديق صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورفيقه في الغار ، وملازمه في جميع غزواته وجهاده وفي الحرب والسلم ، وحامل دفة الدولة الإسلامية بعده عليه الصلاة والسلام في وقت حرج إلى الغاية ...
أولائك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع .
28- كفته راجحة بعد النبي صلى الله عليه وسلم والنصان الآتيان يشيران إلى ذلك كما يشيران إلى عقد الخلفاء وسير الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتحددان الخلافة الراشدة بثلاثين عاما . قال الحاكم في المستدرك :
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا حميد بن عياش الرملي ثنا المؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال أيكم رأى الليلة رؤيا قال فصلى ذات يوم فقال أيكم رأى رؤيا فقال رجل أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي به من السماء فوضعت في كفة ووضع أبو بكر من كفة أخرى فرجحت بأبي بكر فرفعت وترك أبو بكر مكانه فجيىء بعمر بن الخطاب فوضع في الكفة الأخرى فرجح به أبو بكر فرفع أبو بكر وجيىء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال خلافة النبوة ثلاثون عاما ثم تكون ملك قال سعيد بن جمهان فقال لي سفينة أمسك سنتي أبي بكر وعشر عمر واثنتي عشرة عثمان وست علي رضي الله عنهم أجمعين وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهدي بن رستم ثنا موسى بن هارون البردي ثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن عمرو بن أبان بن عثمان بن عفان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله قال أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر رضي الله عنه نيط برسول الله ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند النبي قلنا الرجل الصالح النبي وأما ما ذكر من نوط بعضهم بعضا فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه ولعاقبة هذا الحديث إسناد صحيح عن أبي هريرة ولم يخرجاه .
29-أمانته وخوفه من الله تعالى فيما ولي عليه حيث دعى إلى مراقبة سيره في قيادة الأمة دعوة صادقة بفقه وفهم ؛ في تسديده فيما أصاب ، وتقويمه فيما أخطأ فإن ذلك أساس كل حكم صالح نافع للراعي والرعية ...
30- وثمة ملحظ في الخطبة في ورعه من أخذ الأجرة على انشغاله بالخلافة عن كفاية بيته وولده فقد أوصى بردها إلى بيت المال . رضي الله عنه وعن جميع الصحابه الكرام ...
فمن مثل أبي بكر الصديق بعد الأنبياء يوم أن كان مسئولا عليه ، ويوم أن أصبح مسئولا وخليفة ورضي الله عنه في الأولين والآخرين .
لقد كان ذا عقل راجح ، وأعتذر من قصور تعبيري عن أعظم شخصية بعد الأنبياء سائلا الله تعالى أن يعفو عني فيما قصرت وأن يحفظ مكانة هذا القائد العظيم في نفوس المسلمين ، وأن يخرس ألسنا تنال منه ، وقلوبا مريضة تحمل الحقد عليه ... وأختم بأبيات ذكرت الصديق في ثناياها
للأديب موسى بن بهيج الأندلسي على لسان أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهم حيث قال :
مَنْ ذا يُفاخِرُني وينْكِرُ صُحبتـي""ومُحَمَّدٌ فـي حِجْـره رَبَّانـي؟
وأذختُ عن أبوي ديـنَ محمـدٍ""وهُما على الإسلامِ مُصطَحِبانـيِ
وأبي أقـامَ الدِّيـن بَعْـدَ مُحمـدٍ""فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِنانـي
والفَخرُ فخري والخلافةُ في أبي""حَسبي بهـذا مَفْخَـراً وكَفانـي
وأنا ابْنَةُ الصِّديقِ صاحبِ أحمـدٍ""وحَبيبهِ فـي السِّـرِّ والإعـلانِ
نصـرَ النبـيَّ بمالـهِ وفِعالـه""وخُروجهِ مَعَـهُ مـن الأوطـانِ
ثانيه في الغارِِ الذي سَدَّ الكُـوَى""بِردائـهِ أكـرِم بِـهِ مـنْ ثـانِ
وجفا الغِنى حتى تَخلـل بالعبـا""زُهـداُ وأذعن أيَّمـا إذعـانِ
وتخللتْ مَعَـهُ ملائكـةُ السمـا""وأتتهُ بُشـرى الـهِ بالرضـوانِ
وهو الذي لم يخشَ لَومـةً لائـمٍ""في قتلِ أهلِ البَغْـيِ والعُـدوانِ
قتلَ الأُلى مَنَعوا الزكاة بكُفْرهـم"" وأذل أهـلَ الكُفـر والطُّغيـانِ
سَبقَ الصَّحابةَ والقَرابـةَ للهدى""هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ
واللهِ ما استبَقُوا لنيـلِ فضيلـةٍ""مَثلَ استباقِ الخيل يـومَ رهـانِ
إلا وطارَ أبـي إلـي عليائِهـا""فمكانُـه منهـا أجـلُّ مـكـانِ
ويـلٌ لِعبـدٍ خـانَ آلَ مُحمـدٍ"" بعَـداوةِ الأزواجِ والأخـتـانِ
طُُوبى لمن والى جماعةَ صحبـهِ""ويكون مِـن أحبابـه الحسنـانِ
بينَ الصحابـةِ والقرابـةِ أُلْفَـةٌ"" لا تستحيلُ بنزغَـةِ الشيطـانِ
هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلاً""هل يستوي كَفٌ بغيـر بَنـانِ؟
حصرتْ صُدورُ الكافرين بوالدي""وقُلوبُهُمْ مُلِئَتْ مـن الأضغـانِ
حُبُّ البتولِ وبعلها لـم يختلِـفْ""مِن مِلَّـة الإسـلامِ فيـه اثنـانِ
أكـرم بأربعـةٍ أئمـةِ شرعنـا""فهُـمُ لبيـتِ الديـنِ كالأركـانِ
نُسجتْ مودتهم سدىٍ في لُحمـةٍ""فبناؤهـا مـن أثبـتِ البُنيـانِ
اللهُ ألـفَ بـيـن وُدِّ قلوبـهـم""ليغيـظَ كُـلَّ مُنافـق طـعـانِ
رُحماء بينهمُ صفـت أخلاقُهُـمْ""وخلـت قُلُوبهـمُ مـن الشنـآن
فدُخولهـم بيـن الأحبـة كُلفـةٌ""وسبابهم سبـبٌ إلـي الحرمـان
جمع الإلهُ المسلمين علـى أبـي""واستُبدلوا مـن خوفهـم بأمـان
وإذا أراد اللهُ نُصـرة عـبـده""من ذا يُطيقُ لـهُ علـى خـذلانِ
من حبني فليجتنب مـن سبنـي""إن كانَ صان محبتي ورعانـي
وإذا محبي قـد ألـظَّ بمُبغضـي""فكلاهما في البُغـض مُستويـانِ
إنـي لطيبـةُ خُلقـتُ لطـيـب""ونساءُ أحمـدَ أطيـبُ النِّسـوان
إني لأمُ المؤمنيـن فمـن أبـى""حُبي فسوف يبُـوءُ بالخسـران
اللهُ حببـنـي لِقـلـبِ نبـيـه""وإلي الصراطِ المستقيـمِ هدانـي
واللهُ يُكـرمُ مـن أراد كرامتـي""ويُهين ربي مـن أراد هوانـي
والله أسألُـهُ زيــادة فضـلـه""وحَمِدْتُـهُ شمـراً لِمـا أولانـي
يا من يلوذُ بأهل بيـت مُحمـد"" يرجو بذلك رحمـةَ الرحمـان
صل أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُـدْ""عنَّـا فتُسلـب حُلـت الإيمـان
إني لصادقـة المقـالِ كريمـةٌ""أي والـذي ذلـتْ لـه الثقـلانِ
خُذها إليكَ فإنما هـي روضـةٌ""محفوفـة بالـروح والريحـان
صلَّى الإلهُ علـى النبـي وآلـه""فبهـمْ تُشـمُّ أزهـرُ البُسـتـانِ
في الحلقة الآتية –إن شاء الله – بداية الحديث عن الفاروق رضي الله عنه .
من فضلك شارك في إرسال هذه الحلقات إلى الكم الذي تستطيع عليه ؛ لتنال أجر الذب عن الصحابة والعلماء الربانيين ؛ ولن يضيع عند الله شيء ما دامت النية خالصة له سبحانه ...
[الصحابة والعلماء هم حملة ديننا إلى أن تقوم الساعة ، من حاول النيل منهم فهو يسهم في هدم الدين ، و ذلك دليل على أنه يمارس ما يمارسه بدون روية ولا تفكير ، ،ويهرف بما لا يعرف ، وتخفى عليه غاية ونتيجة ممارسته ، أو أنه مغرض وعدو لهذا الدين العظيم وإلا فما فائدة النيل من أولئك العظماء الأفذاذ المصلحين ، الذين ضحوا بالغالي والرخيص من أجل هذا الدين حتى أوصلوه ويوصلوه إلينا نقيا صافيا ]
(ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره )
( إن يكن من أمتي محدث –ملهم-فعمر )
الحلقة التاسعة والعشرون
هنيئا قصرالجنة أبا حفص
المقصود من الكتابة هنا إبراز مكانة الصحابة الكرام في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ؛ عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا فلن أعرض للناحية التاريخية السردية فليعذرني القارئ في هذا فهذا له مكانه المخصص له ... وفي هذه الحلقة التي تعتبر الأولى فيما يتعلق بأمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه أبدأها من الجنة حيث القصر المنيف المعد له ، وهي بشارة له من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه القصة مروية في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى فما ذا عسى أن يقال عن مبشر بالجنة من أصدق من وطئ الثرى ، وأفضل من أظلته السماء ؛ من النبي صلى الله عليه وسلم ، ألا يجزيه الله بالجنة وهو الكريم سبحانه ... هذا الرجل الذي أعجز الكتبة أن يحيطوا بسيرته وأعماله العظيمة ، لقد كتب الكثير عن أمير المؤمنين عمر ومن الكتابات رسائل ماجستير ودكتوراه فلم يغطوا إلا جوانب من سيرته العملية رضي الله عنه ... كُتب عنه في المجالات السياسية ، والاقتصادية ، وفي المجالات العسكرية و... فلم يُوفى حقه رضي الله عنه ... إنني أشبه الذي يحاول التطاول على جانب الفاروق كالقزم الذي لا يتجاوز طوله بضع سنتيمترات وهو يريد أن يمسك الشمس ويحجبها بيده المكسحة المشلولة ! عليك أن تتملى هذا المشهد في المشبه والمشبه به ليظهر لك الأمر . ولله الأمر من قبل ومن بعد (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) .
يقول الإمام البخاري في صحيحة رحمه الله تعالى :
حدثنا حجاج بن منهال حدثنا عبد العزيز بن الماجشون حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت من هذا فقال هذا بلال ورأيت قصرا بفنائه جارية فقلت لمن هذا فقالوا لعمر فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فقال عمر بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار )
جمع هذا الحديث العظيم ثلاثة من الصحابة الكرام المبشرين بالجنة ، وكلهم من كبار الصحابة الذين لهم سابقة وفضل ، ومواقف عظيمة ليست بخافية على المطلع بل على أي من المسلمين سابقا ولاحقا ، ومن لا يعرف بلالا مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب المواقف التي تدل على ثبات كالجبال الرواسي . ومن لا يعرف أم سليم أم أنس ابن مالك صاحبة الموقف العظيمة أليست من جعلت الإسلام مهر زواجها بأبي طلحة ؛ فأسلم وتزوجها ... أما الفاروق فهو أعظم من أن يخفى على أحد من المسلمين ومن غيرهم ...
يقول ابن حجر في الفتح : (قوله حدثنا عبد العزيز بن الماجشون كذا لأبي ذر وسقط لفظ بن من رواية غيره وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني والماجشون لقب جده وتلقب به أولاده قوله: حدثنا محمد بن المنكدر هكذا رواه الأكثر عن بن الماجشون ورواه صالح بن مالك عنه عن حميد عن أنس أخرجه البغوي في فوائده فلعل لعبد العزيز فيه شيخين ؛ ويؤيده اقتصاره في حديث حميد على قصة القصر فقط وقد أخرجه الترمذي والنسائي وبن حبان من وجه آخر عن حميد كذلك . قوله رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة هي أم سليم ؛ والرميصاء بالتصغير صفة لها لرمص كان بعينها . واسمها سهلة وقيل رميلة وقيل غير ذلك وقيل هو اسمها ويقال فيه بالغين المعجمة بدل الراء وقيل هو اسم أختها أم حرام . وقال أبو داود هو اسم أخت أم سليم من الرضاعة .وجوز بن التين أن يكون المراد امرأة أخرى لأبي طلحة . وقوله رأيتني بضم المثناة والضمير من المتكلم ؛ وهو من خصائص افعال القلوب . قوله وسمعت خشفة بفتح المعجمتين والفاء أي حركة وزنا ومعنى . ووقع لأحمد : سمعت خشفا يعني صوتا . قال أبو عبيد الخشفة الصوت ليس بالشديد . قيل وأصله صوت دبيب الحية . ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم . قوله فقلت من هذا فقال هذا بلال . وهذا قد تقدم في صلاة الليل من حديث أبي هريرة مطولا .وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق به، وتقدم بعض الكلام عليه في صفة الجنة ؛ حيث أورد هناك من حديث أبي هريرة قوله ورأيت قصرا بفنائه جارية في حديث أبي هريرة الذي بعده تتوضأ إلى جانب قصر ، وفي حديث أنس عند الترمذي قصر من ذهب والفناء بكسر الفاء وتخفيف النون مع المد جانب الدار . قوله فقلت لمن هذا فقال في رواية الكشميهني فقالوا والظاهر أن المخاطب له بذلك جبريل أو غيره من الملائكة ، وقد افرد هذه القصة في النكاح وفي التعبير من وجه آخر عن بن المنكدر . قوله فذكرت غيرتك في الرواية التي في النكاح فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك . ووقع في رواية بن عيينة عن بن المنكدر وعمرو بن دينار جميعا عن جابر في هذه القصة الأخيرة دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا يسمع فيه ضوضاء فقلت لمن هذا فقيل لعمر ، والضوضاء بمعجمتين مفتوحتين بينهما واو وبالمد ، ووقع في حديث أبي هريرة أن عمر بكى . ويأتي في النكاح بلفظ فبكى عمر وهو في المجلس . وقوله بابي وأمي أي أفديك بهما . وقوله أعليك أغار معدود من القلب ؛ والأصل أعليها أغار منك قال ابن بطال فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه ، قال وبكاء عمر يحتمل أن يكون سرورا ، ويحتمل أن يكون تشوقا أو خشوعا ، ووقع في رواية أبي بكر بن عياش عن حميد من الزيادة فقال عمر وهل رفعني الله إلا بك ؟ وهل هداني الله الا بك ؟ رويناه في فوائد عبد العزيز الحربي من هذا الوجه . وهي زيادة غريبة . الحديث الثاني حديث أبي هريرة في المعنى ذكره مقتصرا على قصة رؤيا المرأة إلى جانب القصر وزاد فيه قالوا لعمر فذكرت غيرته فوليت مدبرا وفيه ما كان عليه النبي من مراعاة الصحبة . وفيه فضيلة ظاهرة لعمر وقوله فيه تتوضأ يحتمل أن يكون على ظاهره ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة لأن الرؤيا وقعت في زمن التكليف والجنة وان كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار بل ظاهر.
قوله تتوضأ إلى جانب قصر إنها تتوضأ خارجة منه ، أو هو على غير الحقيقة ، ورؤيا المنام لا تحمل دائما على الحقيقة. بل تحتمل التأويل؛ فيكون معنى كونها تتوضأ أنها تحافظ في الدنيا على العبادة ، أو المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء لأجل الوضاءة على مدلوله اللغوي ، وفيه بعد . وأغرب بن قتيبة وتبعه الخطابي فزعم أن قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ وإنما الصواب امرأة شوهاء ولم يستند في هذه الدعوى إلا إلى استبعاد أن يقع في الجنة وضوء ؛ لأنه لا عمل فيها وعدم الاطلاع على المراد من الخبر لا يقتضي تغليط الحفاظ ثم اخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة في تفسير الشوهاء فقيل هي الحسناء ، ونقله عن أبي عبيدة وإنما تكون حسناء إذا وصفت بها الفرس قال الجوهري فرس شوهاء صفة محمودة والشوهاء الواسعة الفم وهو مستحسن في الخيل والشوهاء من النساء القبيحة كما جزم به بن الأعرابي وغيره ، وقد تعقب القرطبي كلام الخطابي لكن نسبه إلى بن قتيبة فقط قال بن قتيبة بدل تتوضأ شوهاء ثم نقل إن الشوهاء تطلق على القبيحة والحسناء قال القرطبي والوضوء هنا لطلب زيادة الحسن لا للنظافة لان الجنة منزهة عن الأوساخ والأقذار وقد ترجم عليه البخاري في كتاب التعبير باب الوضوء في المنام فبطل ما تخيله الخطابي وفي الحديث فضيلة الرميصاء ... وبلال رضي الله عن الجميع ...
___________
- الفتح 7/27-28
- سورة التوبة الآية 100 .
- أنظر : زبدة التفسير مختصر فتح القدير للإمام الشوكاني 285-286 .
- صحيح البخاري 3/1095 رقم 2845 .
- المرجع السابق 3/ 1120 رقم 2915 .
- المرجع السابق 4/ 1557 رقم 4025
- المرجع السابق : 4/ 1855. 4608 .
- المستدرك على الصحيحين 3/75 . رقم 4438 .
- المرجع السابق الصفحة نفسها . رقم 4439
- هذه الأبيات منقولة من أحد المواقع ذهب عني اسمه .
- صحيح البخاري 3/1346. رقم 3476 .
- الفتح 7/ 44- 46 بتصرف يسير .