محمد محمود إبراهيم عطية
Member
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : وَكَثِيرًا مَا تَعْرِضُ لِلْمُؤْمِنِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ النِّفَاقِ ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ ؛ وَقَدْ يَرِدُ عَلَى قَلْبِهِ بَعْضُ مَا يُوجِبُ النِّفَاقَ ، وَيَدْفَعُهُ اللَّهُ عَنْهُ . وَالْمُؤْمِنُ يُبْتَلَى بِوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ ، وَبِوَسَاوِسِ الْكُفْرِ الَّتِي يَضِيقُ بِهَا صَدْرُهُ ؛ كَمَا قَالَتْ الصَّحَابَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ أَحَدَنَا لَيَجِدُ فِي نَفْسِهِ مَا لَئِنْ يَخِرُّ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ! فَقَالَ : " ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ " ، وَفِي رِوَايَةٍ : مَا يَتَعَاظَمُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ! قَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إلَى الْوَسْوَسَةِ " أَيْ : حُصُولِ هَذَا الْوَسْوَاسِ مَعَ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ الْعَظِيمَةِ لَهُ ، وَدَفْعِهِ عَنْ الْقَلْبِ ، هُوَ مِنْ صَرِيحِ الْإِيمَانِ ؛ كَالْمُجَاهِدِ الَّذِي جَاءَهُ الْعَدُوُّ فَدَافَعَهُ حَتَّى غَلَبَهُ ، فَهَذَا أَعْظَمُ الْجِهَادِ ؛ وَالصَّرِيحُ : الْخَالِصُ ، كَاللَّبَنِ الصَّرِيحِ ؛ وَإِنَّمَا صَارَ صَرِيحًا لَمَّا كَرِهُوا تِلْكَ الْوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِيَّةَ وَدَفَعُوهَا ، فَخَلَصَ الْإِيمَانُ ، فَصَارَ صَرِيحًا . وَلَا بُدَّ لِعَامَّةِ الْخَلْقِ مِنْ هَذِهِ الْوَسَاوِسِ ؛ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجِيبُهَا ، فَيَصِيرُ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ غَمَرَ قَلْبَهُ الشَّهَوَاتُ وَالذُّنُوبُ ، فَلَا يُحِسُّ بِهَا ، إلَّا إذَا طَلَبَ الدِّينَ ؛ فَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ مُؤْمِنًا ، وَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ مُنَافِقًا ؛ وَلِهَذَا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِنْ الْوَسَاوِسِ فِي الصَّلَاةِ مَا لَا يَعْرِضُ لَهُمْ إذَا لَمْ يُصَلُّوا ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكْثُرُ تَعَرُّضُهُ لِلْعَبْدِ إذَا أَرَادَ الْإِنَابَةَ إلَى رَبِّهِ ، وَالتَّقَرُّبَ إلَيْهِ ، وَالِاتِّصَالَ بِهِ ؛ فَلِهَذَا يَعْرِضُ لِلْمُصَلِّينَ مَا لَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِمْ ، وَيَعْرِضُ لِخَاصَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْعَامَّةِ ، وَلِهَذَا يُوجَدُ عِنْدَ طُلَّابِ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ مِنْ الْوَسَاوِسِ وَالشُّبُهَاتِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ شَرْعَ اللَّهِ وَمِنْهَاجَهُ ، بَلْ هُوَ مُقْبِلٌ عَلَى هَوَاهُ ، فِي غَفْلَةٍ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ ؛ وَهَذَا مَطْلُوبُ الشَّيْطَانِ ، بِخِلَافِ الْمُتَوَجِّهِينَ إلَى رَبِّهِمْ بِالْعِلْمِ ؛ فَإِنَّهُ عَدُوُّهُمْ يَطْلُبُ صَدَّهُمْ عَنْ اللَّهِ .... ( مجموع الفتاوى : 7 / 282 ) .