مقال في هذا المنتدى الكريم أثار جدلاً لا يزال قائماً. وهو بعنوان:(الإعجاز العددي يبحث عنه المسيحيون أيضا في إنجيلهم). ولا يهمني هنا أن نقبل فكرة الإعجاز العددي أو نرفضها، وإنما تقلقني منهجية البعض في الاستدلال سلباً أو إيجاباً. ويصبح الأمر مستحقاً للاهتمام عندما نجد أن هذه المنهجية عند بعض الفضلاء من أهل العلم الذين يستمع إليهم الناس ليأخذوا عنهم.
في مداخلة لبعض الأخوة على العنوان المشاششر إليه وجدت روابط لمحاضرة للشيخ الفاضل خالد بن عثمان السبت في موقع طريق الإسلام مؤرخة عام 2004م، ولقاء عبر المذياع بتاريخ 2008م ولا تختلف المحاضرة عن اللقاء في شيء كثير. وقد دهشت مستغرباً للمنهجية التي التي ينتهجها الشيخ الفاضل، ووجدت من المناسب أن أكتب هذه الملاحظات لعلمي أن هذا المنهج له حضور عند بعض أهل العلم. وقد رأيت للفائدة أن أكرر هذا المقال في المداخلات على العنوان المطروح.
1. يستفيض الشيخ الكريم في الكلام عن اهتمام السلف بالقرآن الكريم وإحصاء كلماته وحروفه ونقطه وآياته وأجزائه وأعشاره والمتصل من كلماته والمنفصل.....ثم يصدمك بتساؤله مستغرباً أن يتفننوا كل هذا التفنن في العد والاحصاء والاستقصاء ثم هم لم يصلوا إلى النتائج التي يزعمها القائلين بالإعجاز العددي، نعم أحصوا مثل هذا الإحصاء ولم يصلوا؟!!!! وهو بهذا يستدل على بطلان الزعم بوجود الإعجاز العددي.
أفهم أن يكون الصحابة خير أمة، وأفهم أن يسبقوا في فهم العربية، وأفهم أن يسبقوا في فهم الأحكام الشرعية... ولكن ما علاقتهم بالإحصاء العددي وعلم الرياضيات. ولعل البعض بهذا القول يزعم لهم عصمة أئمة الشيعة، بل لعلهم يحيطون ــ والعياذ بالله ــ بكل شيء علما.
2. أصحاب القول بالإعجاز العددي يقولون بأن القرآن الكريم 114 سورة، ولكن هذا عند الشيخ أمر مختلف فيه فكيف يستندون إلى أمر مختلف فيه في بحوثهم؟! رحماك يا الله، هل يصل بنا الأمر من أجل دحض فكرة ما أن ننقض على بدهيات المسلمين؟!! والعلماء يقولون أجمع من يعتد بإجماعهم على أن سور القرآن 114 سورة. ولم يقولوا:"يعتد بإجماعهم" إلا لعلمهم بوجود أقوال لا يعتد بها.
3. يستعرض الشيخ أمثلة ليبين لنا سخف وتهافت القول بالإعجاز العددي فيختار الأمثلة المتهافتة ولعله لم يجد غيرها، ومنها أمثلة من كتاب الدكتور عبد الرزاق نوفل رحمه الله، وما درى أن هذه بدايات غير ناضجة كانت قبل سنوات طويلة وأن الأمر الآن يختلف، كما هو الأمر في كل العلم تبدأ غير ناضجة.
4. يتحدث الشيخ طويلاً عن الكلمات المتصلة(بئسما) والمنفصلة (بئس ما) وضرورة معرفة ذلك والتزامه وعلى الرغم من ذلك يجعل هذا الأمر في سياق رده على القائلين بالإعجاز العددي الذي يستندون في بحوثهم على الرسم العثماني!!!
5. يصرح بأن فلان من الناس اعتمد في بحثه العددي على المصحف الإمام ثم يقول الشيخ:" لا يصلح الاعتماد عليه" لماذا يا شيخنا؟! أقول كما يقول: لأن هناك عدة قراءات تؤدي إلى اختلاف في رسم الكلمات والحروف. وهنا نقول: القراءة التي اعتمدها المصحف الإمام الذي ذكرته هل هي متواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فإن كان الجواب هي كذلك. نقول: ألا يكفينا هذا لإجراء البحوث؟! وما ضرورة أن يكون بحثنا الآن في كل القراءات؟!! وإذا أقررنا بأن القراءات تختلف في المعنى أحياناً فما المانع أن تختلف وجوه الإعجاز العددي؟ هل قمت ببحوثكم في باقي القراءات ثم أصدرتم حكمكم بخلو المصاحف من إعجاز عددي متعدد الجوانب أم ماذا؟!!
6. يقول الشيخ بأن الرسم العثماني ليس بتوقيفي وكذلك ترتيب السور. ونحن نقول: لماذا الجزم هكذا، أما كان يجدر بنا أن نقول للناس إن جمهور العلماء يذهبون إلى القول بأن الرسم توقيفي وكذلك جمهور العلماء، وأن هؤلاء يعتمدون قول الجمهور؟! وإذا كنا لا نوافق الجمهور في أقوالهم فلنقل للناس إننا نخالف الجمهور لأن أدلتهم لا تثبت التوقيف في الرسم والترتيب. ونقول جدلاً: لنفترض أن أصحاب بحوث الإعجاز العددي استطاعوا أن يقيموا الحجة على المخالفين ألا يصلح ذلك مرجحاً عند الاختلاف لامتناع الصدفة؟!
7. يضرب الشيخ مثالاً على تهافت حساب الكلمات فيتساءل كيف يحسبون كلمة مثل (تعملونها) كلمة واحدة؟!! والعجيب أنه هو نفسه الذي تحدث في المقام نفسه عن الكلمات المفصولة والموصولة مثل بئسما وبئسما. ونحن نقول للشيخ الفاضل أنهم يحسبون الكلمات كما ترسم في المصحف وكما تكتبها أنت عند الطباعة مستخدماً الآلة الكاتبة. أو كما تكتبها بخط يدك. ألا يكفي أن تكون قاعدة مضطردة ينتج عنها نتائج تقول نظرية الاحتمالات التي ندرّسها للطلبة في مادة الرياضيات بعدم امكانية حصولها صدفة؟!
8. يلوم الشيخ السبت الدكتور عبد الرزاق نوفل كيف يحصي لفظة الملائكة وتكررها في القرآن 88 مرة ولا يحصي معها لفظة جبريل ولفظة شديد القوى ولفظة الصافات!!!! ما هذا ياشيخنا الكريم؟!! إننا ندرك ونقدّر صدقك وحرصك ولكن لا بد من منهجية سوية بعيداً عن كل ما يدعو إليه التحامل.
9. الشيخ يقول إن لفظة (بسم) أربعة حروف!!!! وأصحاب البحوث العددية يصيحون ليل نهار قائلين إننا نتعامل مع الرسم!!! ألا يستحقون منا الاحترام فنخاطبهم بما يفيد ويصحح النهج!!!
10. القرآن كتاب هداية وليس كتاب أعداد. هذا ما يقوله الكثيرون ومنهم الشيخ يقول:" نترك المعنى ونشتغل بعد الحروف!!!". ونحن بدورنا نقول: كل من يشتغل بعلوم الإعجاز يحيد عن الجادة لأن القرآن كتاب هداية وعمل!!! ماذا يبقى من الهداية والعمل إذا لم تقم الحجة ويوضح البرهان؟!! بل إن هذا أشرف علم، لأن ما سواه يستند إليه.
الأخ العزيز الشيخ بسام جرار وفقه الله
أسأل الله أن يوفقكم لكل خير ، وأن يتقبل منكم ما تقومون به من جهود علمية ودعوية في سبيل خدمة القرآن الكريم . وأنا أثمن جهودكم وأدعو لكم بالتوفيق وإن كنت لا أشارك مباشرة في كثير من الحوارات حول الإعجاز العددي . وأقدر كذلك ما يقوم به الأستاذ عبدالله جلغوم من جهود .
والدكتور خالد السبت وغيره من طلبة العلم الذين يعترضون على كثير من أمور المنهج والنتائج التي يتوصل إليها في موضوع الإعجاز العددي يهدفون إلى ضبط المنهج الذي تصرخون الآن للالتزام به . وليس لديهم - كما أنه ليس لديكم- نية سيئة في إبطال الحق أو الدفاع عن الباطل .
ولذلك فإنه يجب على من يتحمس الآن للإعجاز العددي أن يذكر الأصول المنهجية التي نتفق جميعأً على صحتها ، ثم بعد ذلك ننظر في التفاصيل ، وإلا فلن يؤدي الحوار العلمي الآن أو فيما بعدُ إلى نتيجة حقيقية تضيف للعلم شيئاً ، وسيبقى كل من الفريقين متشبثاً برأيه الذي يعتقد صوابه .
لقد اجتهد الصحابة- رضي الله عنهم - في ترتيب سور القرآن وآياته على النحو الذي علموه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم -عن جبريل عليه السلام . وقد وفقهم الله سبحانه مصداقا لقوله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " .
فما معنى : اجتهد الصحابة ؟
المعنى هو : لقد بذل الصحابة أقصى الجهد والاستطاعة للمحافظة على الترتيب الذي علمهم إياه رسول الله- صلى الله عليه وسلم – الذي أخذه بدوره عن جبريل عليه السلام .. وليس المعنى أنهم جاءوا بترتيب من عندهم واجتهادهم الشخصي ..
ولو كان الأمر كما يفهمه البعض من أن الترتيب اجتهادي ، فما قيمة تلك الروايات الكثيرة التي تقول أن جبريل عليه السلام كان يعين للرسول صلى الله عليه وسلم موقع السورة وموقع الآية في سورتها ؟ أم أن تلك الروايات باطلة ؟
وبالتالي فترتيب سور القرآن الكريم هو ترتيب توقيفي ، تؤيده آراء سابقة ، ولاحقة ، وتؤكده مئات الحقائق الرياضية في واقع المصحف اليوم .
إلا أن بعض مشايخنا ، وعلى رأسهم الدكتور خالد السبت – وينتصر له تلاميذ ومريدون - يرى غير ذلك :
يرى أن ترتيب سور القرآن هو اجتهادي محض ، ويستدل على ذلك بتعدد مصاحف الصحابة ، وبالاختلاف في المعوذتين ، وهل هما من القرآن ، وبالاختلاف في سورتي الفيل وقريش ، هل هما سورتان أم سورة واحدة..
( وهي مسائل أعتقد أن العلماء المسلمين قد انتهوا من التداول فيها ، فوجود المعوذتين في المصحف المتداول بين أيدينا تعني أنهما من سور القرآن . ووجود سورتين واحدة اسمها سورة الفيل وأخرى اسمها سورة قريش تعني أنهما سورتان . ووجود 114 سورة في القرآن الذي نتداوله تعني استبعاد العدد 112 وغيره .. إلا أن يكون المسلمون قد أجمعوا على الباطل ) .
ولو صحّ شيء مما يتسلح به هؤلاء من المزاعم ( التي أكل الزمان عليها وشرب ) في مواجهة الإعجاز العددي ، فهذا يعني أننا لسنا على يقين- حتى يومنا هذا - من عدد سور القرآن ، ولسنا على يقين من ترتيبه هل هو توقيفي أم اجتهادي ، وما الحكمة منه ، ولسنا على يقين حتى من أسماء سوره .. ( ولا أدري بعد كل هذا ، لماذا نلوم خصوم القرآن حينما يرددون ما يقوله بعضنا من أن المعوذتين ليستا من القرآن مثلا ، أما آن لنا أن نتوقف عن اجترار تلك الروايات التي لا فائدة منها سوى إثارة الشبهات ) .
وإذا كان ترتيب سور القرآن هو اجتهادي محض ، فإن التفكير في الخروج على هذا الترتيب بترتيب آخر معاصر أكثر عقلانية ومنطقية بالنسبة لنا ، يصبح أمرا مقبولا لا اعتراض عليه ، سوى الدعوة إلى احترام الموروث ، والذي لن يبدو مسوغا معقولا ، فليس احترام الموروث سببا كاف يحول بيننا وبين ما نراه أكثر مناسبة لنا ، ويلزمنا بالتوقف عند زمن الصحابة . وليس في الشرع ما يمنع هذا التفكير ، فالله لم يأمرنا أن نلتزم بما اجتهد الصحابة عليه .. وإذا كانت لهم مسوغات في ترتيب سور القرآن على صورة ما ، فنحن لنا مبرراتنا أيضا للبحث عن شكل آخر لهذا الترتيب ، ويكفي أن نراه أكثر ملاءمة لعصرنا . ولنا أن نفكر بأي شكل نراه مناسبا .( وهو ما فكر فيه المستشرقون ) .
ولو حدث ذلك وأصبح كل جيل يرى له الحق في إجراء التغيير الذي يراه مناسبا لعصره ، فهذا سيضعنا في مواجهة مع العديد من الأسئلة ، وأولها هل تعهد الله بحفظ القرآن مرتب السور والآيات أم من غير ترتيب ، بالطبع ستكون الإجابة من غير ترتيب بدليل أن مسألة الترتيب قد تركت للصحابة واجتهادهم الشخصي ، واستمرار التغيير في ترتيب القرآن فيما بعد . وما الحكمة أن الله سبحانه قد ترك ترتيب سور كتابه " المعجزة والرسالة الخالدة للناس كافة " للبشر ؟ .
ولذلك : فنحن نرى أن ترتيب سور القرآن وآياته هو ترتيب توقيفي من عند الله ، لم يتغير فيه شيء ، وستبقى الأجيال محافظة على هذا الترتيب لأنه توقيفي ما كان إلا بالوحي ، وليس لأن الصحابة قد رتبوه كذلك، اجتهادا شخصيا منهم ليس له أصل معلوم لديهم .
وإن من حق القرآن على العلماء أن يقولوا كلمتهم في هذه المسألة دون خوف أو محاباة أو مجاملة للأشخاص ، وإلا فإننا سنورث هذه المسألة وأمثالها إلى الأجيال القادمة ، وهم سيورثونها للقادمين بعدهم ، ولكننا لا ندري إلى أين ستنتهي بها الأمور .
واما عن الإعجاز العددي - وبصراحة - فليس ما يزعجني أن يرفض أحد ما الإعجاز العددي ، يزعجني ويقتلني أن يطرح أحدنا جملة من الحقائق العددية الملموسة والتي تقشعر لها أبدان المؤمنين المخلصين ، فيخرج رافض الإعجاز العددي مستدلا على أن تلك الحقائق باطلة لأن العلماء مختلفون في عدد سور القرآن !!!
طيب : وما تفسير تلك الحقائق ؟
( طبعا هذا يعني أننا حتى الآن لم نصل إلى حل لذلك الاختلاف ، ولا أدري كيف يمكننا أن نقنع غيرنا بأن عدد سور القرآن هو 114 ، لأنهم سيقولون لنا ما يقوله اكابرنا ) ..
إعجاز الترتيب في سورة البقرة ، في سورة مريم ، في سورة المدثر ، في سورة القلم ، في سورة الطارق ، في سورة الرحمن ، في سورة الفاتحة ، و .... كل واحدة من هذه السور فيها دليل على أن ترتيب سور القرآن هو من عند الله ، سواء قال القدماء بذلك أو لم يقولوا .. يكفي القرآن شاهدا وناطقا .
فهل من ناطق بكلمة حق ؟
مع فائق التحية للأخوين الكريمين عبدالرحمن الشهري ، وأبو عمرو البيراوي .
أنا لست من المتحمسين الآن للإعجاز العددي بمعطياته الحالية وبمعالجاته الراهنة ولكني مؤمن بأن كلام الله منضبط وفيه من النظام ما ليس في غيره من سائر أنواع الكلام ولهذا يمكنني أن أقول بهذا النوع من الإعجاز بصورة منهجية ليقيني أن كلام الله متفرد في كل جانب من جوانبه وفي كل بعد من أبعاده ، ولكن دلالات العدد عندي أهم من العدد في نفسه ، وعلماؤنا الأقدمون كانت لهم إحصاءاتهم التي بينوا دلالاتها وأظهروا معانيها ولم يكن الحساب مرادا لنفسه ولا مقصودا لذاته
وقد كان الصوت الراجح في تفسير الحروف المقطعة في افتتاح بعض السور لأولئك العلماء الذي قاموا بإحصاء العدد وإبراز دلالاته ؛ حين كان للعلماء الآخرين في هذه الحروف أقوال أخرى كثيرة جدا ؛ منها : أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها ولا يعلم تأويلها إلا هو ، أو أنها إشارات ورموز ، وقيل : إن كل حرف منها مأخوذ من أسماء الله تعالى ، وقيل أنها : اسم الله الأعظم ، وقيل إن هذه الحروف أسماء لسور القرآن ، وقيل : إنها فواتح يفتتح بها القرآن ، وقيل : إنها تنبيهات ، كما هي الحال في أدوات التنبيه والنداء ، وقيل : إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه ، فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه ، ويكون تعجبهم سبباً لاستماعهم ، واستماعهم سبباً لاستماع ما بعده ، فترق القلوب وتلين الأفئدة .
وقد ذكر العلماء الذين عولوا على الحساب وإحصاء الحروف أن هذه الحروف تشير إلى إعجاز القرآن ، فهذا القرآن الذي يتلوه عليكم محمد صلى الله عليه وسلم من جنس كلامكم وسنخ حروفكم ؛ إذ أن هذه الحروف يرد بعدها غالبا ذكر (القرآن) أو (الكتاب) معظماً مفخماً ، والإشارة إلى إعجازه وكماله وحسن نظمه وتأليفه .
وقد ذكر الله تعالى الحروف الهجائية التي تتركب منها الألفاظ في أوائل السور تحديا للبشر بأن يركبوها وينظموها فيأتوا بمثل القرآن؛ يقول ابن كثير: ( ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ؛ هذا مع أنه مرّكب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها ؛ وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره والمبرد والمحققون ، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا ووزره الزمحشري في كشافه ونصره أتم نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية)
ويوضح الإمام القرطبي رحمه الله هذا الإحصاء بقوله : ( إن الحروف المذكورة في أوائل السور هي حروف المعجم التي استغنى بذكر ما ذكر منها عن بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين … ومجموع هذه الحروف (المذكورة) أربعة عشر حرفاً … يجمعها قولك ( نص حكيم قاطع له سر ) وهي نصف الحروف عدداً ؛ والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف ؛ وهذه الحروف الأربعة عشر على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة … ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبدي لا معنى له بالكلية - فقد أخطأ خطأ كبيراً)
. وقال القاضي أبو بكر (إنما جاءت على نصف حروف المعجم كأنه قيل : من زعم أن القرآن ليس بآية فليأخذ الشطر الباقي ويركب عليه لفظا معارضة للقرآن ، وقد علم ذلك بعض أرباب الحقائق)
ولمثل ذلك الإحصاء عند العلماء نماذج عديدة ولكن هولاء العلماء يوضحون الدلالة ويبينون المعنى ويظهرون المقصود ؛ إذ لا يكفي في الإعجاز أن تنصب له قولا مجملا أو دليلا مبهما . وعندما نقول أن عدد الشئ الفلاني في القرآن كذا فإنه يجب أن نقول إن مقصود الله تعالى منه كذا ويعضدده كذا والدليل كذا وكذا
أنا لست من المتحمسين الآن للإعجاز العددي بمعطياته الحالية وبمعالجاته الراهنة ولكني مؤمن بأن كلام الله منضبط وفيه من النظام ما ليس في غيره من سائر أنواع الكلام
هو ما ذكرته أخي الفاضل ، فالإعجاز العددي هو السبيل لفهم هذا النظام ، وإثبات أن كتاب الله الكريم كتاب منظم بعيد عن الفوضى التي يراها البعض . كيف نرد على من يزعم أن الآية رقم 31 في سورة المدثر هي مما أضيف إلى القرآن بحجة طولها الزائد غير المنسجم مع باقي الآيات ؟
ما الرد على من يزعم أن التفاوت بين أعداد الآيات في سور القرآن لا يخضع إلى أي اعتبار ، وأنه شكل من الفوضى ؟
ما الرد على من يزعم زيادة الآيتين 128 و 129 في سورة التوبة ؟
لا يمكن الرد على هذه المسائل وأمثالها بمقالة في البلاغة ، الرد هنا هو من مهمات الإعجاز العددي .. لقد ادخر القرآن في ترتيبه الرد على كل ما يثار حوله من شبهات وافتراءات في نظامه العددي ... أما اكتشاف هذا النظام فيحتاج إلى جهود المخلصين ومحبي القرآن ، وتعاون الجميع وليس تبادل التهم .
كلامك صحيح أخي عبد الله جلغوم وأنا ذكرت أنه لابد من توضيح الدلالة وبيان المقصود وأقصد بالمعنى والمقصود والدلالة ليس الدلالة البلاغية وحدها بل أقصد الهدف والمراد والغاية .
وقولي "أنا لست من المتحمسين الآن للإعجاز العددي بمعطياته الحالية وبمعالجاته الراهنة" ليس معناه إنكار هذا الجانب ولا يعني أنني ضد الاتجاه ، وسياقي يوضح ذلك وقد ذكرت إيماني بانضباط كلام الله ، وهذا كله يوضح المعنى الذي أقصده
وعدم حماسي الآن لعدم نضوج هذا الجانب وربما ينقلب عدم حماسي تماما إذا أقنعتني النماذج
ولكن أخي أرجو للفائدة توضيح ما ذكرته في الآية رقم 31 من سورة المدثر والآيتين 128 و 129 من سورة التوبة
الزعم بأن الآيتين من سورتي التوبة ليستا من القرآن يعود لرشاد خليفة ، في دراسته المنحرفة المعروفة ، وهناك من يتبى هذا الزعم حتى الان . وقد وصلني بحث من بعضهم يؤكد هذا الزعم من مدة ، يطالبني بإثبات بطلان هذا الزعم .
فأما الآية 31 سورة المدثر ، فمن المعلوم أنها الآية المثيرة للجدل بطولها الزائد ، فعدد كلماتها هو 57 كلمة ، وهو عدد رآه باحث من غير المسلمين ومن المعروفين بعدائهم للقرآن ، دليل على أنها مما زيد على القرآن ..
أين المشكلة هنا : خصوم القرآن أو المفترون عليه ، يستخدمون العدد 19 والعلاقات التي يبنونها عليه في محاولة اثبات تحريف القرآن . الرد على هؤلاء يجب أن يكون باستخدام الأسلحة نفسها التي يستخدمونها ( العدد القرآني ) وبالذات العدد 19 ..
ولا يكفي في مواجهة هؤلاء ، أن يزعم أحدنا أن عدد حروف البسملة 20 وليس 19 ، يحسب أنه بذلك سيهدم الإعجاز العددي من جذوره .. بالعكس إنه يزيد المفترين قوة ، لأن القاريء حينما يذهب إلى المصحف سيجد أن عدد حروف البسملة هو 19 ..
فمن يصدق ؟
المشكلة الأخرى : إن الباحث في الاعجاز العددي لدينا - مهما كان صادقا ، ومهما كان جادا ، ومهما كان مبدعا ، يجد نفسه في مواجهة خصمين ، لا يقل الصديق منهما في عداوته عن العدو ...
غلب على ظنِّي أنَّك هو وفقكما الله لأن أغلب - إن لم تكن كل- مشاركاتك نسخ لمقالاته للملتقى لحاجة ولغير حاجة، ودفاع عن أفكاره، ونحن نرغب منكم تكرماً التخفيف من هذا .
1. إنه من دواعي سرورنا وجود ملتقى جاد يجمع بين أهل الهمة والاهتمام. ونشكر لكم ــ جميع القائمين ــ هذا العمل المبارك. ونسأل الله تعالى أن يبارك لكم في علمكم وعملكم.
2. لقد شاركت حتى الآن بما يزيد عن 170 مشاركة منها فقط 10 مقالات للشيخ جرار منقولة عن صفحة مركز نون، وهي في التفسير. وقد لاحظت ندرة التعقيب على هذه المقالات رغم جدتها ومفاجآتها، ولهذا دلالات إيجابية.
3. لاحظت أيضاً أنكم حفظكم الله قد نقلتم مقالاً للشيخ عندما رأيتم فيه حلاً لإشكال في التفسير، وهذا يحمد لكم. كما أنني لاحظت أن الأخ أبو البراء مهدي قد نقل عشر مقالات للشيخ.
4. بما أن هذا الملتقى هو من أفضل المنتديات المختصة في التفسير أرى أنه من المفيد والمهم جداً التعرف على كتابات الشيخ في التفسير. وكان القصد أن يطلع أهل الاختصاص على مثل هذه الكتابات النادرة.
5. على الرغم من اهتمام الشيخ بالإعجاز العددي إلا أنني وجدت أن التفسير أهم، لذلك تلاحظون أنني لم أنقل في الإعجاز العددي إلا مرة وفي مداخلة.
6. لكم علينا أن لا ننقل بعد اليوم عن الشيخ شيئاً، وأن نبقى مصاحبين لكم ما رضيتم هذه الصحبة.
نحن - كما بينت سابقا – أخي عبد الله جلغوم لسنا ضد الفكرة من أساسها ؛ بل نحن نرفض كل استدلال غير منضبط ولا مقبول سواء كان في الإعجاز العلمي أو البلاغي أو العددي أو التفسير عموما ، وأقول ذلك حتى لا أُفهم فهما تعميميا ؛ فخلافي إذا وقع مع بعض الناس في الإعجاز العددي ليس على القضية في أصلها وإنما في طريقة المعالجة داخل المسألة المطروحة نفسها.
ومعلوم أن هذا النوع من الإحصاء العددي ليس جديدا من حيث الفكرة فقد قام المسلمون منذ أزمان بعيدة بإحصاء حروف القرآن وكلماته وسوره ونحو ذلك، ولكن كنا نرجو الآن أن تخرج الدراسات الحديثة فيه - والتي بدأت منذ السبعينيات - باكتشافات مقبولة من داخل القرآن ، ولاشك أن الأسرار القرآنية تُكتشف اكتشافا بطول التأمل وعمق التدبر ولا تبتكر ابتكارا ؛ بمعنى أنه : من الضرورة بمكان أن تكون النتائج تؤيدها أدلة من داخل القرآن نفسه ولا تفرض عليه بعض الأمور من خارجه ؛ أي : لا بد أن يكون المعنى قد تأتي استنباطه من القرآن بطرق الاستنباط المعقولة ولا يكون هذا المعنى قد ابتكر في ذهن صاحب الفكرة ابتكارا فحسب
هذا ، ولكني قد لاحظت بعض الأمور غير المقبولة في بعض دراسات الإعجاز العددي منها الآتي :
1- يكون هنالك أحيانا بعض التكلف والتمحل حتى في أصل هذا الإحصاء ؛ فتستبعد أمور من أصل الموضوع وهي منه ولا ندري لماذا استبعدت ، وأحيانا تستجلب أمور أخرى بعيدة ليكتمل العدد الذي في ذهن صاحب الفكرة ، وبهذا يجهض صاحب الفكرة فكرته من أساسها
2- أحيانا يربط الإحصاء بإحصاء آخر ولا ندري ما وجه مناسبته له
3- أحيانا يكون الإحصاء سليما والاستقصاء مكتملا ولكن عندما يؤول هذا الإحصاء إلى معنى يظهر التكلف في الربط بين المعنى والعدد وهذا كثير جدا " وأكثر ما يخطئ الناس في التأويل " فيحمّل القرآن حينئذ من المعاني مالا يحتمله .
أما إذا خلا هذا النوع من مثل هذه الأمور فلا عذر لنا في عدم قبوله ، فأصحاب الأفكار السائغة في ذلك يراعون تلك الأمور حتى لا تجهض أفكارهم ، وقليل ما هم
أما عن الآية المدثر ؛ فيمكن الرد على رشاد خليفة بدون طريقته الحسابية؛ وذلك كالآتي :
- الاستناد على طول آية المدثر الرد عليه أمر بديهي ؛ إذ لها نظائر من القرآن كثيرة فآيات القرآن ليست متساوية الكلمات أو الحروف ، وآية الدين مثلا في سورة البقرة تحتل صفحة كاملة وهي حوالي" 129" كلمة بينما هنالك آية في السورة نفسها فيها كلمة واحدة "الم" وقوله " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ" سبع كلمات ومثل ذلك في القرآن كثير ؛ إذ أن آياته ليست كشطري البيت الشعري متساوية المساحة والإيقاعات والأوزان
- هذه الآية شديدة الارتباط بما قبلها وهو أنه تعالى لما ذكر "سقر" وأن خزنتها تسعة عشر بـ"لا تمييز " فتن بهذا العدد الكفار واستهزؤوا وقالوا إنه قليل فجاءت هذه الآية "وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً" أي أنهم ملائكة غلاظ شداد وليسوا هم من جنس المعذبين فيرقوا لهم بل هم أقوى الخلق ، وقد تكرر عليكم أيها الكفار ذكرهم وعلمتم أوصافهم وأنهم ليسوا كالبشر بل الواحد منهم يصيح صيحة واحدة فيهلك مدينة كاملة كما وقع لثمود ، ثم قال "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ" أي هم كثير جدا ولو شاء لجعلهم على النار بعدد لا يحصى ، وقد قسم الله تعالى أحوال الناس إزاء ذلك :فالكفار لجهالتهم بذلك ينكرونه أما أهل الكتاب لما عندهم من العلم فيتيقنون بأنه الحق لتمام المطابقة لما عندهم أما المؤمنون فيزدادون إيمانا وأما الذي في قلوبهم مرض فيتحيرون
- هذه الآية شديدة الارتباط بما بعدها أيضا وهو قوله تعالى "وما هي إِلاّ ذِكرَى للبشر" وهذا متصل بوصف سقر ، أي : ما سقر وصفتها إلاّ تذكرة للبشر ؛ لينزجروا.ثم أقسم الله تعالى قسما شديدا ثم قال عن سقر "إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ" أي البلايا العظام
فهل يمكن بعد هذا الارتباط أن يقال إن تلك الآية ليست من السورة ؟!.وإذا وجد مع ذلك دليل عددي مقبول فنعما هو ولا إشكال .
أما آيات التوبة " لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" فهي شديد الارتباط بما قبلها فقد تحدثت الآيات قبلها عن القتال
وبينت أحوال الناس إزاءه ؛ فمنهم من وفقه الله تعالى وهم المؤمنون الصادقون ، ولما كان المنافقون يكرهون ذلك وكان انصرافهم دالاً على الكراهة - عرّفهم أن الأمر كان يقتضي توفر دواعيهم على محبة هذا الداعي والبعد عما يفعلونه به من الانصراف عنه ؛ ولهذا قال : " لقد جاءكم رسول" ولما كان الرسول يجب إكرامه والوقوف في خدمته لأجل مرسله - شرع يذكر لهم من أوصافه ما يقتضي لهم مزيد إكرامه فقال : "من أنفسكم " وذلك أقرب إلى الألفة وأسرع إلى فهم الحجة وأبعد من اللجاجة وقوله "عزيز " أي شديد جداً عليه ما عنتم ، والعنت : لحاق الأذى الذي يضيق الصدر به "حريص " أي بليغ الحرص على نفعكم : "بالمؤمنين رءوف رحيم " أي شديد الرحمة لمن له منه عاطفة وصلة ، وهو اللائق بشريف منصبه وعظيم خلقه ، وقد خص الله المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به ، فالمنة عليهم أعظم.
أما إذا عدنا لآية سورة المدثر والرقم 19 تجد بعض أصحاب الإعجاز العددي يقولون : هو تحد للكفار وبعضهم يربطون ذلك بالبسملة المكونة من 19 حرفا ويقول بعضهم إن سورة الفاتحة بدون البسملة هو 6 وإذا ضرب هذا العدد في الرقم 19 كان الناتج هو 114 وهو عدد سور القرآن وأن عدد آيات سورة الناس هو 6 فلو ضرب كذلك في 19 لكان الناتج 114 . أي أن أول القرآن وآخره يحدد عدد سوره
وهذا عجيب! ما علاقة ذلك بالبسملة وما المسوغ لهذا الربط
وما مسوغ عملية الضرب من أساسها
ويقول بعضهم إن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . إقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم " وهذه الآيات الخمس مكونة من 19 كلمة . وإن آخر ما نزل من القرآن هو قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " (3 المائدة ) وعدد حروف العبارة " ورضيت لكم الإسلام دينا " يبلغ 19 حرفا.
فلماذا عبارة " ورضيت لكم الإسلام دينا " دون بقية الآية
وكذلك قوله تعالى " الدين عند الله الإسلام " يبلغ 19 حرفا وهي الآية 19 من سورة آل عمران مع إغفال كلمة "إن" بل وبقية الآية
ويذهب بعضهم إلى أن لفظ السميع تكرر 19 مرة والحكيم تكرر 38 مرة ويساوي 19× 2 و الرحمن 57 مرة ويساوي 19 × 3 و الرحيم تكرر 114 مرة ويساوي 19 × 6 .
ما دلالة كل تلك العمليات فلو كانت الحكيم مكان الرحيم أو السميع أو العكس هل كانت الدلالة تختلف ؟
.وبعضهم يحاول اكتشاف الغيبيات المستقبلية من خلال هذه الأعمال الحسابية
فحددوا بذلك سنة زوال دولة إسرائيل بل وحددوا سنة القيامة نفسها
وحدد بعضهم حوادث 11 سبتمبر من داخل سورة التوبة فحددوا اليوم والشهر بل وأرقام الرحلات الجوية
فإذا هذه من معطيات الإعجاز العددي فقل لي أي عاقل من الممكن أن يثق في محاولات كل الناس الذين يقولون في القرآن ما يشاءون كأنما القرآن عندهم نوعا من الطلاسم والألغاز والتنجيم ونحوه
فكل هذه الأمور فضلا عن أن رشاد خليفة - صاحب تلك الدعوى التي تحاول الرد عليها – هو المؤسس لهذا الاتجاه قد أدعى بأنه رسول – كل تلك الأمور قد تركت انطباعاً سيئاً حول هذا النوع من الدراسات
فالواجب الواجب الآن هو تحديد الضوابط والمعايير في تلك الدراسات وهو أمر يقع على عاتقكم وإلا ازور الناس عنه وكرهوا الخوض فيه بل واتهموا عقول المتحدثين فيه
أخي الفاضل د. جمال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوافقك الرأي تماما ، فإن ما ذكرته من أمثلة ( وأغلبها لعبد الرزاق نوفل )لا تمثل الإعجاز العددي ولذلك فلا يجوز الحكم على الإعجاز العددي من خلالها . كما أن الانحراف في استخدام العدد 19 ، ليس مبررا لرفض الإعجاز العددي المبني على هذا العدد .. وفي اعتقادي أن الانحراف والافتراء سبب لدراسة الاعجاز العددي ، وليس سببا للتنكر له ، فالواجب في هذه الحالة على المخلصين ومحبي القرآن الدفاع عنه وإظهار الحقيقة للناس وكشف زيف وخداع الاخرين .
وعلى أي حال ، فالدراسات في هذا الوجه من الإعجاز مازالت في بداياتها ، وإنني على ثقة أن المستقبل سيشهد تقدما في هذه الدراسات ، على نحو يبني جسورا من الثقة بين مؤيدي الاعجاز العددي ومعارضيه والخائفين من عواقبه .
المشكلة الأخرى : إن الباحث في الاعجاز العددي لدينا - مهما كان صادقا ، ومهما كان جادا ، ومهما كان مبدعا ، يجد نفسه في مواجهة خصمين ، لا يقل الصديق منهما في عداوته عن العدو ...
أخي الفاضل عبد الله جلغوم: ليس القضية قضية عداوة. ويجب ألا يفهم اعتراض الأصدقاء على أنه عداوة. معاذ الله.
وإنما هو اختلاف على اجتهاد لم يظهر للمخالفين أنه يشكل ظاهرة قرآنية أو إعجازا قرآنيا.
وحسبك أن ترى في هذه الاعتراضات جانبا إيجابيا يتمثل في إعطائك (ومن يشاطرك الرأي) حافزا قويا لبذل جهد أكبر في بيان بحوثكم، أرجو أن يكون مأجورا ما دام صادقا لله وخدمة لقرآنه الكريم.
ولا تلوموا إخوانكم إن لم يظهر لهم بعدُ جدوى عملكم هذا . وهذا شأن أي باحث يأتي بجديد في أي تخصص علمي. والبقاء للأصوب في نهاية المطاف.