صدر حديثا : كتابي (وربك فكبر) .. تقديم أ.د. عبد الحي الفرماوي

هاني درغام

New member
إنضم
28/12/2009
المشاركات
377
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
صدر حديثا – بفضل الله وكرمه – كتابي وربك فكبر (آية الكرسي .. سياحة في رحاب الكمال والجلال) .. والكتاب قدم له الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي
وهو يقع في 144 صفحة مقاس 17×24 وهو من مطبوعات دار طيبة – حلوان - القاهرة
والكتاب عبارة عن سياحة إيمانية على مرابع الأنس وساحات الجلال وحدائق الثناء ورياض التسبيح والتهليل ... سياحة في رحاب العظمة والجلال والكبرياء .. سياحة في رحاب آية الكرسي .. وما أدراك ما آية الكرسي ؟!
وهو ينقسم إلي فصلين :
الفصل الأول : آية الكرسي .. ثناء .. تعظيم .. اجلال
وفيه شرح لكل جملة من آية الكرسي مع بيان الآثار الإيمانية والسلوكية لها .
الفصل الثاني : واسجد واقترب
وفيه خلاصة التدبر والتفكر في آية الكرسي .. وأنها وسيله إلي معرفة الله عزوجل بجلاله وعظمته وكبريائه وسلطانه ومن ثم الخُضوع والإستسلام والإنقياد التام والمطلق له ومحبته سبحانه وتعالي والإنس به والشوق إلي لقائه ..
ثم يأتي ختام الكتاب بعنوان وأثمرت الكلمات وفيها : تطبيقات سريعة وصور عملية لتعظيم الله عزوجل وهو الهدف الرئيس من الكتاب كما يتضح من عنوانه (وربك فكبر)
أسأل الله تعالي أن يتقبل مني هذا الكتاب وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل
كما أرجوه عزوجل أن ييسر لإخواني الإطلاع علي هذا الكتاب وأن يمدونني بملاحظاتهم وتوجيهاتهم .. والله ولي التوفيق .
لمشاهدة غلاف الكتاب انظر الرابط التالي :
www13.0zz0.com/2012/01/29/20/840094002.jpg


 
تقديم الكتاب :
أ. د. عبدالحي الفرماوي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم بجامعتي أم القرى بمكة المكرمة – والأزهر الشريف بالقاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه .
وبعد :
فبروح شفافة، ونفس نقية، وأسلوب رقراق، كتب هذا البحث..
الذي جاء مترعا بحب من أهدي إليه، مكتسبًا بالمهابة والخشوع والجلال لمن كتب عن آية كرسيه سبحانه وتعالى.
وحينما أرسل إلي هذا البحث القيم لأقدم له : أشفقت علي صاحبه من أن يقع فيما يقع فيه الكثيرون الذين يتعرضون للكتابة عموما عن القضايا العقائدية، وخصوصا عن الذات العلية، وبالأخص في هذه الآية الجليلة القدر، العظيمة الشأن، الرفيعة المنزلة، التي لها حلاوة، وعليها طلاوة، والتي تنزل على القلب بردا وسلاما، والتي يسعد بها الفؤاد، وتأنس لها النفوس.
إلا أنه – وبعد البدء بالقراءة - وجدت الباحث قد وصل ابتداءً إلى أن هذه الآية الكريمة، العظيمة، سيدة آي القرآن ، احتوت على : توحيد الربوبية والألوهية، والخلق والتكوين، والذات والصفات والأسماء...!!
فشجعني ذلك على إتمام قراءة البحث...
فوصلت – بعد إتمام قراءته - إلى أنه: كتب بقلم العاشق للذات الإلهية، المتعبد لربه في محراب هذه الآية، الهامس في أسلوبه، المناجي لمعبوده، الداعي للتحلي بنور وهدايات هذه الآية العظيمة...
وقد جاء بحثه خاليا من الحشو بقضايا العقيدة، وفلسفات المتفلسفين، نقيًا من الشوائب التي يقع في مثلها الباحثون.
بل إنك لا تملك نفسك حينما تبدأ في قراءته إلا وتشدك : عفة لفظه، وجودة سبكه، وروعة معانيه، وإشراقات أنواره، وأنسام فيوضاته، حتى إنك لتجد حلاوة الإيمان في قلبك، وسرعة الامتثال في حياتك طعمًا طيبًا وشرابًا سائغًا، بل تجد لك فيه طريقا للجنة ممهدًا.
جزى الله كاتبه خيرا ، ونفعه ونفع به ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
هذا .. وبالله التوفيق .
ملحوظة : عدد صفحات الكتاب 128 صفحة وليس 144
غلاف الكتاب :

2789alsh3er.jpg
 
أخي الكريم د.هاني درغام
نبارك لك هذا الإنجاز المبارك, ونسأل الله أن يبلغ نفعه القاصي والداني, وأن يجعله فاتحة خير للمزيد والمزيد من الكتب الرائعة من أخوات (قلب موصول بالله) و (رمضان..واه لريح الجنة).
نفع الله بك وبارك في عملك ووقتك وعمرك وأهلك ومالك وولدك.
 
د. هاني درغام مبارك لك صدور هذا الكتاب وأسأل الله تعالى أن يجعله في موازين حسناتك
سؤال لو تكرمت: هل الكتاب موجود بالمكتبات؟؟
 
د. هاني درغام مبارك لك صدور هذا الكتاب وأسأل الله تعالى أن يجعله في موازين حسناتك
سؤال لو تكرمت: هل الكتاب موجود بالمكتبات؟؟
أخي الفاضل : الكتاب صدر منذ أيام قليلة ولا أعلم في أي المكتبات تحديدا سيكون متوفرا ولكن يمكنك الإتصال بدار طيبة التي طبعت الكتاب للإستعلام عن أقرب مكتبة لكم ت 29733266 أو 0101390293 شاكرا لكم إهتمامكم بكتابي .. راجيا من الله عزوجل أن ييسر لكم الحصول عليه .. آملا أن تمدني بملاحظاتكم وتوجيهاتكم بعد قراءتكم للكتاب بإذن الله .
أخي الكريم د.هاني درغام
نبارك لك هذا الإنجاز المبارك, ونسأل الله أن يبلغ نفعه القاصي والداني, وأن يجعله فاتحة خير للمزيد والمزيد من الكتب الرائعة من أخوات (قلب موصول بالله) و (رمضان..واه لريح الجنة).
نفع الله بك وبارك في عملك ووقتك وعمرك وأهلك ومالك وولدك.
أختي الفاضلة يسعدني ويشرفني دوما تشجيعكم سائلاً الله تعالي أن أكون عند حسن ظنكم ..راجيا من الله عزوجل أن يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل .
 
الهدف من هذا الكتاب
إن الهدف الرئيس من هذا الكتاب هو أن يتعرف الإنسان علي ربه وأن يزداد في قلبه المهابة والخشية والتعظيم لله عزوجل لينطلق المرء بعدها متوجها إلي ربه بقلبه وعقله وروحه وجوارحه وكيانه مستجيبا لدعوته (ففروا إلي الله) ليرتقي في مراتب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ويجتهد في التقرب إليه بما يحب ويجتنب ما يكرهه جل وعلا ويبغضه .. فلا يمكن أن تصل العبادة إلى أعلى كمالها إلا بتعظيم الله عزوجل واجلاله ... فكلّما كان العبد أكثر تعظيماً لله كلّما كان أقرب للتوحيد والإخلاص، وأبعد عن الشرك صغيره وكبيره وخفيّه وعلانيّه
والمفتاح الرئيسي لغرس عظمة الله في القلوب هو التأمل والتفكر..
التفكر في أسماء الله الحسني وصفاته العليا ..
التفكر في آيات الله في الأنفس والآفاق ..
التفكر في نعم الله الظاهرة والباطنة .. الخاصة والعامة
وإن من أعظم صور التأمل والتفكر هو تدبر أسماء الله تعالي وصفاته وأفعاله
إن صفات الله تعالى وأسماءه الحسنى لها فى نفس المؤمن إشراقة روحية يحس بها من صفا بالإيمان قلبه ، وزكت بنور أسماء الله وصفاته نفسه ، وتلذذ بالمعرفة بربه شعوره الداخلى ووجدانه ..
إن من يطالع كتاب الله بتدبر وتأمل فإنه يري صفحات هذا الكتاب وقد إمتلأت بالحديث عن الله وصفاته وأفعاله .. وهذا ماقرره الإمام بن القيم رحمه الله ( تأمل خطاب القرآن تجد مَلِكًا له الملك كله، وله الحمد كله، أزمّة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، ومردّها إليه، مستويًا على سرير ملكه، لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته، عالمًا بما في نفوس عبيده، مطلعًا على أسرارهم وعلانيتهم، منفردا بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدّر ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.. فتأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجّد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، فيذكّرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذرهم من نقمه، ويذكّرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه) [1]
ولعلنا- بفضل الله - نقف في هذا الكتاب مع آية من كتاب الله .. وأي آية ؟! إنها أعظم آية في كتاب الله ... إنها آية جمعت مظاهر العظمة كلها .. إنها آية الكرسي .. ندندن حولها .. نعيش في ظلالها .. نستضيء بأنوارها .. نتنسم عبيرها .. نسترشد بهديها , لعلها تؤتى فى النفوس ثمارها .. وعندها يتوجه المؤمن إلي الله وحده .. فله حبه .. ومنه خوفه .. وإليه رجاؤه وعليه توكله واعتماده ..
· شعاره ...( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام 162-163)
· هتافه ... (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)(طه84)
· مناجاته ...
(فطرت حياتي على الفقر لـك وفكري وقلبي على العلم بـك
ونفسي على حب ما قد وهبت وروحي على الأنس في حضرتِك
لذلك يا رب آمــنت بـك خضوعاً وحباً وأسلمت لــك
رضيتك ربا فأذللت قلبا وروحا ولبا إلى عزتك
وأخضعت نفسي وفكري وحسي ووجهي ورأسي إلى قدرتك
وسلمت أمري بجهري وسري وخيري وشري إلى حكمتك
ومحياي ربي وغفران ذنبي وموتي وبعثي إلى رحمتك)[2]
[1]الفوائد ص36
[2] من ديوان آمنت بالله .. الشيخ عبدالرحمن حبنكة
 

لماذا آية الكرسي ؟​
· كلما تكاتفت عليّ سحب الهموم وأحاطت بي الأحزان والغموم وغلبتني الوساوس والظنون .. تأملت في آية الكرسي فوقع بصري علي قوله تعالي (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فأحسست بها تهز قلبي وتزلزل كياني وتحطم أحزاني وكأنها تخاطبني : ربك عزوجل يتولي إمدادك ورعايتك ويتولي حفظك ونصرتك ويمسح آلامك ومتاعبك .. فإذا هزتك الأزمان، وطوقتك الحوادث، وحلت بك الكربات، فقل لقلبك : أتدري في كنف من أنت ؟ .. أنت في كنف وحمي الركن الذي لا يضام ، والقوة التي لا تُرام ، والعزة التي لا تُغلب .. حسبك (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

· كلما هممت بمعصية أوغلبتني شهوة أوغرتني نفسي الأمارة بالسوء فأوقعتني في شباك الهوي .. طالعت قول ربي في آية الكرسي (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ) فإضطرب فؤادي وارتجفت أوصالي وتزلزلت جوارحي .. ويحك يانفس .. أتدرين من يراقبك ؟ من يطّلع علي ظاهرك وباطنك ؟ إنه الله عزوجل (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر19) يا الله ! حتى خائنة الأعين ! الخائنة التي يظن الإنسان أنه وحده الذي يحسها ويعرفها، وألا أحد في الوجود كله يراها أو يفهمها ؟ إنه لشعور رهيب أن تحس فجأة بأنك موضوع تحت المراقبة .. المراقبة الدقيقة التي لا تترك صغيرة من عملك ولا كبيرة إلا أحصتها وسجلتها عليك .
· كلما ضعفت في مواجهة الشدائد والأزمات وكدت أنهار أمام الخطوب والملمات .. فضاقت عليّ السبل ، وبارت الحيل، وتقطعت الحبال، وضاق الحال .. إذ بآية الكرسي توقظني من غفلتي وكأنها تعاتبني : هل نسيت الملك عزوجل الذي (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) ؟ أما علمت أن الملك سبحانه (يسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ) ( الرحمن 29) .. فهلا رفعت إليه شكواك ؟! هلا قصدت باب مولاك ؟! .. ويحك .. أنسيت ما خولك وأعطاك ؟ أما خلقك فسواك ؟ .. أما ألهمك الإسلام وهداك ؟ .. أما قربك بفضله وأدناك ؟ .. أما بِره في طرفة عين يغشاك ؟​

· كلما ردد لساني قوله تعالي (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) .. سارع قلبي وجوارحي بالسجود لله عزوجل .. ألا ما أروع السجود لعظمته .. فهو أقصى درجات العبودية، وأجل مظاهر التذلل، وأصدق دلائل الإذعان، أجمل رسائل الحب وأعذب مناظر الخشوع وأفضل أثواب الافتقار وهو انطراح للجبار، وتذلل للقهار .. إلهي .. سجد لك قلبي وخشعت جوارحي وهتف لساني معلنا أن العظمة لله ، والكبرياء لله ، والاستعلاء لله ، والقوة لله ، والجبروت لله ، والملك لله ، والعبودية لله .
فحقيق بآية احتوت على هذه الأسماء والصفات والمعاني الجليلة أن تكون أعظم آية في كتاب الله ويحق لمن قرأها بتدبر وتفهم أن يمتلئ من اليقين والعرفان والإيمان .
 
من مقدمة الكتاب :
إن الإنسان لا ينال درجة القرب من الله عزوجل إلا بعد أن يصطبغ بذل العبودية ولا يتأتي له ذلك إلا من خلال إيمانه بالله والتمسك بأوامره والإنتهاء عن نواهيه ولا يتأتي له هذا إلا بعد التفكر والتأمل في أسماء الله الحسني وصفاته العلي
فالأسماء والصفات هي الوسائل التي تعرف الله بها إلي خلقه .. وهي النوافذ التي يطل منه القلب علي الله مباشرة .. وهي التي تحرك الوجدان وتفتح أمام الروح آفاقاً فسيحة تشاهد فيها أنوار الله وجلاله .. وهي الروح التي يسير بها السالكون إلى الله تعالى وهي حاديْهم في سيرهم ومحركُ عزيمتهم إذا فتروا ومثير همهم إذا قصروا ..
وهذه المعرفة هي غذاء القلوب وبها تزكو النفوس وتطمئن القلوب وتنشط لطاعة الله بذكره ومحبته وعبادته وتعظيمه وتكبيره وحمده وشكره .
فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف وفيه أرغب وله أحب وإليه أقرب وجد من هذه الحلاوة فى قلبه ما لا يمكن التعبير عنه ولا يعرف إلا بالذوق والوجد .. ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبا لغيره ولا أنسابه وكلما ازداد له حبا ازداد له عبودية وذلا وخضوعا ورقاّ له وحرية عن رق غيره .. فكلما أدام العبدُ النظر في أسماء الله والتأمل في صفاته ازدادت محبته لربه وإقباله على طاعته وتحققت له لذة عبادته فأنس بربه واشتاق إلى لقائه ..
فعلى قدر المعرفةِ يكون تعظيم الربّ تعالى في القلب وأعرف النّاس به أشدّهم لله تعظيمًا وإجلالاً .
 
بفضل الله توجد نسخ من الكتاب عند أخي الفاضل الأستاذ محمد إبراهيم صاحب المكتبة العصرية في درب الأتراك .
أرجو من إخواني الأفاضل ممن يتيسر له الحصول علي الكتاب أن يمدونني بتوجيهاتهم وملاحظاتهم فأنا أحوج ما أكون إلي نصائحكم
وجزاكم الله خيرا كثيرا
 
(لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)
ومن كمال حياته وقيوميته أنه (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) لأن السِّنَةَ والنوم إنما يعرضان للمخلوق الذي يجري عليه الضعف والعجز والانحلال ولا يعرضان لذي العظمة والكبرياء والجلال .. فالله عزوجل لا يعتريه نوم ولا يغلبه نعاس لأنه قائم بتدبير أمور خلقه آناء الليل وأطراف النهار.. وهذه الجملة مؤكدة لما قبلها مقررة لمعنى الحياة والقيومية الدائمة الكاملة .. فهو سبحانه شهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافية .
( فالسهو والنوم صفات بشرية يتنزه الله عنها كما أنه يتنزه عن كل أفعال وحركات البشر.. فالسهو والنوم يكون لمن يحل عليه التعب واللغوب وتظهر عليه أمارات الإرهاق .. أو لمن لا يجد وسيلة لمعالجة أموره إذا عجز عنها .. ولكن الله سبحانه وتعالي منزه عن هذا كله وعن هذه الصفات التي هي لخلقه)[1]
(والنوم نقص من حيث الكمال الذاتي لأن الإنسان الذي ينام معناه أن بدنه يتعب فيحتاج إلى نوم يستريح به مما مضى ويستجد به النشاط لم يستقبل ولهذا فإن أهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم وأبدانهم ولا يلحقهم مرض ولا نحوه) [2]
لذا جاء في الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قام فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأربع كلمات فقال : (إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام .. يخفض القسط ويرفعه .. يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل .. حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) [3]
فسبحان الله ما أعظمه ؟ كيف يعصيه المخلوق الضعيف وهو بهذه القدرة والعظمة ؟!
لذا( فالله ليس بحاجة إلي الراحة والنوم .. فالنوم منشأ التعب والإجهاد .. ثم أي سهوة أو سنة أو غفوة أو نوم يقع من الله سبحانه وتعالي – وحاشا لله ذلك – فلو أنه حدث فإن السماوات والأرض وحتي الجنة والنار تهوي علي غير قرار ولم يعد شيئا يسمي كونا أو وجودا أو حياة .. فأنت كإنسان حينما تنام تفقد الأهلية في مراقبة ما كنت تستطيع أن تراقبه وأنت بحالة اليقظة فإن كنت قائداً لسفينة فإنك تستطيع أن تقودها وأنت في حال اليقظة .. ولكن هل تستطيع وأنت في حال النوم ؟! وحتي لو كنت تقودها وأنت في حال اليقظة ثم سهوت لثوان فربما تضيع السفينة ومن عليها وتهوي في قرارلا عودة منه
فكيف بمن يملك زمام السماوات السبع والأراضين السبع وما بينهما وما فوقهما وأمر الجنة وأمر النار وأمر مالا نعلم .. فكيف يسهو وكيف ينام ؟) [4]
وما أجمل ما قاله الأستاذ سيد قطب رحمه الله في ظلال هذه الآية : (وهذا توكيد لقيامه سبحانه على كل شيء وقيام كل شيء به ولكنه توكيد في صورة تعبيرية تقرب للإدراك البشري صورة القيام الدائم في الوقت الذي تعبر فيه هذه الصورةعن الحقيقة الواقعة من مخالفة الله سبحانه لكل شيء .. (ليس كمثله شيء) وهي تتضمن نفي السنة الخفيفة أوالنوم المستغرق وتنزهه سبحانه عنهما إطلاقا .. وحقيقةالقيام على هذا الوجود بكلياته وجزئياته في كل وقت وفي كل حالة .. حقيقة هائلةحين يحاول الإنسان تصورها وحين يسبح بخياله المحدود مع ما لا يحصيه عد من الذرات والخلايا والخلائق والأشياء والأحداث في هذا الكون الهائل ويتصور بقدرما يملك قيام الله سبحانه عليها وتعلقها في قيامها بالله وتدبيره .. إنه أمر .. أمر لا يتصوره الإدراك الإنساني وما يتصوره منه وهو يسير هائل يديرالرؤوس ويحير العقول وتطمئن به القلوب)[5]
أخي في الله ...
إن التأمل في قوله تعالي (لا تأخذه سنة ولا نوم(يسكب في القلب السكينة والطمأنينة ... كما يبعث في القلب الرهبة والخشية أما من حيث السكينة والطمأنينة .. فهي رسالة واضحة من الله عزوجل إلي عباده محتواها (أتريدون تطميناً من إله لمألوه .. ومن معبود لعابد .. ومن خالق لمخلوق أكثر من أنه يقول للعابد المخلوق: ( نم أنت ملء جفونك واسترح لأن ربك لا ينام ) ماذا تريد أكثر من هذا؟ هو سبحانه يعلم أنه خلقك وأنك تحتاج إلى النوم وأثناء نومك فهناك أجهزة في جسمك تعمل .. أإذا نمت وقف قلبك؟ .. أإذا نمت انقطع نفسك ؟ .. أإذا نمت وقفت معدتك من حركتها الدودية التي تهضم؟ .. أإذا نمت توقفت أمعاؤك عن امتصاص المادة الغذائية؟ .. لا، بل كل شيء في دولابك يقوم بعمله.. فمن الذي يُشرف على هذه العمليات لو كان ربك نائما ؟
إذن فأنت تنام وهو لا ينام .. وبالله هل هذه عبودية تُذلنا أو تُعزنا ؟ .. إنها عبودية تُعزنا فالذي نعبده يقول: ناموا أنتم؛ لأنني لا تأخذني سنة ولا نوم) [6]
أما من حيث الرهبة والخشية .. فإن معرفة العبد أن الله لا تأخذة سنة ولا نوم يثمر في القلب مراقبة الله - عز وجل في السر والعلن .. في الليل والنهار.. في الخلوة والجلوة .. لأنه سبحانه مع عبده لا تخفى عليه خافية .. يسمع كلامنا ويرى مكاننا ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. فإذا ما تيقن العبد من رقابة الله تعالي عليه (أورثه ذلك التقوى وراقب نفسه أن لا يراها حيث نهاها ولا يفتقدها حيث أمرها .. وتأتيه المغريات والشهوات التي تدير الرؤوس يسوقها شياطين الجن والإنس كي يدخلوا العباد في متاهات الباطل وظلمات الفساد .. فتأتي رقابة الله التي استقرت في قلب العبد فكانت حماية ووقاية .. علم العبد أن الله رقيب عليه عالم به وعلم أن الملائكة الكرام الكاتبين الذين يرقبون أعماله وأقواله ويطلعون عليه ويدونون كل ما يصدر عنه ) [7]
إن الإنسان( ليرجف ويضطرب ويفقد توازنه وتماسكه حين يشعر أن السلطان في الأرض يتتبعه بجواسيسه وعيونه ويراقبه في حركته وسكونه وسلطان الأرض مهما تكن عيونه لا يراقب إلاالحركة الظاهرة وهو يحتمي منه إذا آوى إلى داره وإذا أغلق عليه بابه أوإذا أغلق فمه ! أما قبضة الجبار فهي مسلطة عليه أينما حل وأينما سار وأما رقابة الله فهي مسلطة على الضمائر والأسرار . . فكيف ؟ .. كيف بهذا الإنسان في هذه القبضةوتحت هذه الرقابة ؟! )[8]
فيا ويل الغافلين .. ويا ويح المفرطين .. فالعجب كل العجب ممن يخشى من رقابة البشر الذين ينعسون وينامون وينسون ويغفلون ولا يخشى من رقابة الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (النساء108)
وهكذا إذا علم المسلم عظمة رقابة الله المطلقة راقب الله في تصرفاته وعباداته ومعاملاته وسائر أحواله وفي ذلك صلاح دنياه وآخرته وبلوغه أعلى درجات الإيمان وهو الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
(إنه عالم واسع يفيض بالحب، ويفيض بالتقوى، ويفيض بالأمل، ويفيض بالرهبة، ويفيض بالنور .. الإنسان في مواجهة مولاه بنفسه جميعاً .. بكل جوارحها وكل خلجاتها .. بظاهرها وباطنها .. بدقائقها ولطائفها .. بأسرارها وما هو أخفى من الأسرار وكلها مكشوفة لله .. يا الله! إنها الرهبة والقشعريرة تملأ النفوس ... عين الله البصيرة النافذة إلى كل شيء في هذا الوجود إلى كل نأمة وكل خاطرة وكل فكرة وكل شعور.. إنها تراك وترقبك سواء كنت متيقظاً لهذه المراقبة أم غافلاً عنها وسواء أعددت نفسك لها أم كنت من المعرضين.وإنه لخير لك أن ترى الله كما يراك.. خير لك أن تتوجه إلى حيث ترقبك العين البصيرة النافذة فتأمن المفاجأة !
إنها الرهبة في الحالين .. الرهبة في حضرة المولى العزيز العليم القوي الجبار.. ولكنها الرهبة والأمل هنا والرهبة والذعر هناك!
الرهبة والأمل وأنت متوجه إلى الله مخلص له قلبك عامل على رضاه
والرهبة والذعر حين تتوجه بعيداً عنه وهو من ورائك محيط ! فخير لك إذن أن تعبد الله كأنك تراه !.. وحين تتوجه إليه بنفسك جميعاً.. ظاهرها وباطنها.. وسرها ونجواها .. وحين تتوجه إليه وفي نفسك شعور التقوى الخاشعة والرهبة العميقة .. فلا شك أنك ستنظف نفسك وتحرص على نظافتها) [9]
[1]آيات الله في خلق الكون ونشأة الحياة في السماء الدنيا والسموات السبع ص 242 .. د. ماهر الصوفي
[2] تفسير آية الكرسي .. الشيخ ابن العثيمين رحمه الله
[3] رواه مسلم (179) .. سبحات : جمع سُبحة وهي ما يفيض عن الذات الجميلة من لآلي النور ونوابض الحسن وأشعة الجمال .. وهذا دليل عَلَى عظمة الله عَزَّ وَجَلَّ، وعلى أنه لا يستطيع البشر أن يتخيلوا ولا أن يدركوا كنه ذاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو كما قَالَ(وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طه110)
[4]آيات الله في خلق الكون ونشأة الحياة في السماء الدنيا والسموات السبع ص 243
[5] في ظلال القرآن ج1 ص 287
[6]تفسير الشعراوي ج2 ص 1097
[7]أسماء الله الحسني الهادية إلي الله والمعرفة به ص 171.. د. عمر الأشقر
[8]في ظلال القرآن ج6 ص3362
[9] قبسات من الرسول لمحمد قطب ص83- 85 بتصرف
 
واسجد واقترب
إنَّ لذَّة الحياةِ، وروعةَ الأنسِ، وراحةَ النَّفس - هي في عبوديةِ الإنسان لربِّه. وللعبوديَّة ركنانِ أساسان: كمالُ الذُّلِّ والخضوع، مع كمال المحبَّةِ لله - تعالى. وسأتحدَّث معك بمشيئة الله - أخي القارئ - عن هذينِ الرُّكنينِ : كمال الذل والخضوع: إنَّ شعورَ الإنسانِ بفقرِه إلى المولى - عزَّ وجلَّ - وانطراحَه على عتبةِ السُّجودِ لله - جلَّ جلالُه - أقصى درجاتِ العبوديَّةِ، وأجلُّ مظاهرِ التذلُّلِ، وأصدقُ دلائلِ الإذعانِ. "إنَّ السجودَ - بمفهومِه العامِّ - يعني خضوعَ الإنسانِ لربِّه، ونبذَ مَن عداه، والانكبابَ بين يديهِ وحده؛ فمنه يأخذُ منهجَه، ويستمدُّ قِيَمَه، ثم ينطلقُ في محرابِ الحياةِ ساجدًا خاشعًا لله - جلَّ جلالُه - لا يرفعُ وجهَه إلى غيرِ الله، ولا ينصرف قلبُه عن الله، وبذلك يتَّفقُ مع نواميس الكونِ، ومع الفطرةِ البشريَّة، فكلُّ ذرَّاتِ الكون ساجدةٌ لله - جلَّ جلالُه -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل: 48، 49]"[1]. وهكذا؛ فالخضوعُ لله، والاستسلامُ له، والتذلُّلُ بين يديه، والافتقارُ إليه - هو حقيقةُ العبوديةِ؛ لذا كان "السجودُ لله أعظم هيئاتِ العبوديةِ، وأقرب ما يكونُ العبد من ربِّه وهو ساجدٌ؛ لأنَّ السُّجودَ إذعانٌ بالعبودية، واعترافٌ بالألوهيَّةِ، وخضوعٌ تامٌّ للمهيمنِ، ومنابذةٌ للشَّيطانِ، وتحرُّرٌ من الهوى، وانطلاقٌ من قيودِ الدُّنيا، وعتقٌ من عبوديَّةِ الطَّاغوتِ، والسجودُ للهِ هيئةٌ خاشعةٌ تُثيرُ في النَّفس حديثًا لا ينتهي من المحبَّةِ للجليلِ، والتمسكن للأحدِ الصَّمد، والاستسلام للملِك السَّلاَمِ: ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾ [النجم: 62]"[2]. وهذا ما توصَّل إليه ابنُ عطاء الله - رحمه الله - فصاغها لك في حِكمةٍ رائعةٍ: "تحقَّقْ بأوصافِك يمدَّك بأوصافِه؛ تحقَّقْ بذُلِّك يمدَّك بعزِّه، تحقَّقْ بفقرِك يمدَّك بغناه، تحقَّقْ بضعفِك يمدَّك بحَوْلِه وقوَّتِه". لله درُّ ابنِ عطاء الله: "ما أعظمَ أنْ يكونَ الضَّعيفُ مرتبطًا بالله القويِّ! ما أعظمَ أن يكونَ العبدُ العاجزُ مرتبطًا بالله - سبحانه وتعالى - الذي لا منتهى لكمالِه! ما أعظم أنْ يخضع الفقيرُ المعدِمُ للغنيِّ القاهر - سبحانه وتعالى! إنَّه حينئذٍ يتحول إلى صورةٍ أخرى، وإلى معنًى آخرَ في هذه الحياة، إنَّه يرتبط حينئذٍ بالسَّماءِ، يرتبط بنورِ الوحيِ، يرتبطُ بنفخةِ الله - عزَّ وجل - التي نفخها في خِلْقة آدمَ أوَّل ما خُلِقَ، عندما جعل خلقَه قبضةً من طينٍ ونفخةً من رُوحٍ، عندما أراد الله - عز وجل - أن يجعل لهذه الرُّوحِ غذاءَها المرتبطَ بخالقِها - سبحانه وتعالى" [3].
أخي في الله: "لا تتنكَّرْ لهُويَّتِك، قدِّم نفسَك إلى اللهِ على أساسِها، وقِفْ على بابِه مسترحِمًا، تقرَّبْ إليه بذُلِّكَ الذي أنت مصدرُه، يمدَّكَ بعزِّه الذي هو مصدره، تقرَّبْ إليه بعجزِك الذي هو شأنُك، يمدَّكَ بقوَّتِه التي هي مِنْ وصفِه وشأنِه، تقرَّبْ إليه بضعفِك الذي منه خُلِقْتَ وإليه تعودُ، يمدَّك بحَوْلِه الذي قام به ملكوتُ السَّموات والأرضِ"[4]. ألَم تسمع قولَه - تعالى -: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]. "إنَّ العزَّةَ كلَّها لله، وليس شيءٌ منها عند أحد سواه، فمن كان يريد العزَّةَ فليطلُبْها من مصدرِها الذي ليس لها مصدرٌ غيره، ليطلُبْها عند الله، فهو واجدُها هناك، وليس بواجدِها عند أحدٍ، ولا في أيِّ كنَفٍ، ولا بأي سبب ﴿ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾، والعزَّةُ الصَّحيحةُ حقيقةٌ تستقرُّ في القلب قبل أن يكونَ لها مظهرٌ في دنيا النَّاسِ، حقيقةٌ تستقرُّ في القلب فيستعلي بها على كلِّ أسباب الذِّلَّةِ والانحناءِ لغير اللهِ، حقيقةٌ يستعلي بها على نفسِه أوَّلَ ما يستعلي، يستعلي بها على شهواتِه المذلَّةِ، ورغائبِه القاهرةِ، ومخاوفِه ومطامعِه من النَّاسِ وغير الناس، ومتى استعلى على هذه، فلن يملِكَ أحدٌ وسيلةً لإذلالِه وإخضاعِه؛ فإنما تُذِلُّ النَّاسَ شهواتُهم ورغباتُهم، ومخاوفُهم ومطامعُهم، ومن استعلى عليها، فقد استعلى على كلِّ وضعٍ، وعلى كلِّ شيءٍ، وعلى كل إنسانٍ، وهذه هي العزَّةُ الحقيقية ذاتُ القوَّةِ والاستعلاء والسُّلطان! إنَّ العزَّةَ ليست عنادًا جامحًا يستكبرُ على الحقِّ ويتشامخ بالباطلِ، وليست طغيانًا فاجرًا يضرب في عتوٍّ وتجبُّرٍ وإصرارٍ، وليست اندفاعًا باغيًا يخضع للنَّزوةِ، ويَذِلُّ للشَّهوةِ، وليست قوةً عمياءَ تبطِشُ بلا حقٍّ ولا عدلٍ ولا صلاحٍ، كلا! إنَّما العزَّةُ استعلاءٌ على شهوةِ النَّفس، واستعلاءٌ على القيدِ والذُّلِّ، واستعلاءٌ على الخضوع الخانع لغيرِ اللهِ، ثم هي خضوعٌ لله، وخشوعٌ وخشية لله، وتقوى ومراقبةٌ لله في السَّرَّاء والضرَّاء. ومن هذا الخضوعِ للهِ ترتفعُ الجِبَاهُ، ومن هذه الخشيةِ لله تصمُدُ لكل ما يأباه، ومِن هذه المراقبة لله لا تُعنَى إلا برضاه"[5]. فوا حسرتاه!

كم من بشَرٍ تخدعُهم قوَّةُ الحُكْمِ والسُّلطان، فيحسَبونها القوَّةَ القادرة التي تعمل في هذه الأرضِ، فيتوجَّهون إليها بمخاوفِهم ورغائبِهم ويخشَوْنَها، ويفزعون منها، ويترضَّوْنَها؛ ليكفُّوا عن أنفسِهم أذاها، أو يضمنوا لأنفسهم حِماها! كم من بشرٍ تخدعُهم قوَّةُ المالِ، يحسَبونها القوةَ المسيطِرةَ على أقدار النَّاسِ، وأقدار الحياةِ، ويتقدَّمون إليها في رغَبٍ وفي رهَبٍ، ويسعون للحصول عليها؛ ليستطيلوا بها ويتسلَّطوا على الرِّقابِ كما يحسبون! كم من بشرٍ تخدعُهم قوَّةُ العلمِ، يحسَبونها أصلَ القوَّة، وأصلَ المالِ، وأصلَ سائرِ القُوَى التي يصول بها مَن يملِكُها ويجولُ، ويتقدَّمون إليها خاشعين كأنهم عبَّادٌ في المحاريب! كم من بشرٍ ينسَون أنَّ قوةَ الله وحدها هي القوةُ، وولايةَ الله وحدها هي الولاية، وما عداها فهو واهنٌ ضئيلٌ هزيلٌ كخيوط العنكبوتِ ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾ [العنكبوت: 41].
أخي في الله: خبِّرْني بربِّك، كيف كان حالُ فرعون الذي اعتزَّ بمُلْكِه وسلطانِه، واغترَّ بقوَّتِه وجبروتِه؟ ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 40]. ما الذي حلَّ بقارونَ الذي غرَّه غِناه الواسعُ، وسلطانُه الباذخ؟ هل حصَّنته عزَّتُه وقوَّتُه؟! كلا؛ ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].
كمال المحبة: إنَّ محبَّةَ اللهِ - عز وجل - والأُنسَ به نعيمُ النُّفوس، وحياةُ الأرواح، ونورُ العقول، وعِمارة الباطنِ، فليس عند القلوب السَّليمةِ، والأرواح الطيِّبةِ، والعقول الذَّكية - أحلى ولا ألذَّ ولا أطيبَ ولا أسَرَّ ولا أنعمَ من محبَّتِه، والحلاوةُ التي يجدها المؤمنُ في قلبِه بذلك فوق كلِّ حلاوةٍ، والنَّعيمُ الذي يحصل له أتمُّ مِنْ كلِّ نعيمٍ، واللَّذةُ التي تنالُه أعلى من كلِّ لذَّةٍ، وهي "المنزلة التي فيها تنافَسَ المتنافسون، وإليها شخَصَ العاملون، وإلى عَلَمِها شمَّرَ السابقون، وعليها تفانى المحبُّون، وبِرَوحِ نسيمها تروَّحَ العابدون، فهي قُوتُ القلوبِ، وغذاء الأرواح، وقرَّةُ العيون، وهي الحياةُ التي مَن حُرِمَها فهو في جملةِ الأموات، والنُّور الذي مَن فقَدَه فهو في بحارِ الظُّلماتِ، والشفاءُ الذي مَن عُدِمَه حلَّتْ بقلبه جميعُ الأسقام، واللَّذَّة التي مَن لَم يظفرْ بها فعيشُه كلُّه همومٌ وآلام، تاللهِ لقد ذهب أهلُها بشرف الدنيا والآخرة؛ إذ لهم من معرفةِ محبوبِهم أوفرُ نصيبٍ" [6].
ومحبَّةُ الله - عز وجل - يجب أن تتقدَّم على محبَّةِ النَّفسِ والأهل والولد والدنيا جميعًا، فلا يذوق طعمَ الإيمان إلا مَن أحبَّ اللهَ - عز وجل - الحبَّ كلَّه، وأحبَّ فيه، وأبغض فيه، وهذا معنى قولِه - عليه الصلاة والسلام -: (ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكفر وهذ هو حالُ عِبَادِ الرَّحمن، كما وصفهم الشيخ السَّعديُّ - رحمه الله تعالى -: "وعِبادُ الرَّحمن يألَهونَه ويعبدونه ويبذُلون له مقدورَهم بالتألُّهِ القلبيِّ والرُّوحيِّ والقوليِّ والفعليِّ، بحسَبِ مقاماتِهم ومراتبِهم، فيعرفون من نعوتِه وأوصافه ما تتَّسعُ قواهم لمعرفتِه، ويحبُّونه من كلِّ قلوبِهم محبةً تتضاءل جميعُ المحابِّ لها، فلا يعارِضُ هذه المحبَّةَ في قلوبِهم محبَّةُ الأولادِ والوالدين، وجميع محبوبات النُّفوس، بل خواصُّهم جعلوا كلَّ محبوباتِ النُّفوس الدِّينية والدُّنيوية تبَعًا لهذه المحبَّةِ، فلمَّا تمَّت محبَّةُ الله في قلوبِهم، أحبُّوا ما أحبَّه من أشخاصٍ وأعمالٍ وأزمنةٍ وأمكنةٍ، فصارت محبَّتُهم وكراهيتُهم تبعًا لإلَهِهم وسيِّدِهم ومحبوبهم، ولَمَّا تَمَّت محبَّةُ الله في قلوبهم، التي هي أصلُ التألُّهِ والتعبُّدِ، أنابوا إليه، فطلبوا قُربَه ورضوانَه، وتوسَّلوا إلى ذلك، وإلى ثوابِه بالجدِّ والاجتهادِ في فعلِ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه، وفي ترك جميعِ ما نهى اللهُ عنه ورسولُه، وبهذا صاروا محبِّين محبوبين له، وبذلك تحقَّقتْ عبوديتُهم وألوهيتُهم لربِّهم، وبذلك استحقُّوا أن يكونوا عبادَه حقًّا، وأن يُضيفَهم إليه بوصف الرَّحمةِ؛ حيث قال: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ﴾ [الفرقان: 63]، ثم ذكر أوصافَهم الجميلةَ التي إنما نالوها برحمتِه، وتبوَّؤوا منازلَها برحمتِه، وجازاهم بمحبَّتِه وقُربِه ورضوانِه وثوابِه وكرامتِه برحمتِه"[8].
أخي في الله: "إنَّ كلَّ مَن تحبُّه من الخَلْقِ ويحبُّك إنما يريدُك لنفسِه ولغرضِه منك، واللهُ - تعالى - يريدُك لك، فكيف لا يستحي العبد من ربٍّ بهذه المنزلة، وهو معرِضٌ مشغولٌ بحبِّ غيرِه، إنَّ كلَّ مَن تعاملُه من الخلق إن لَم يربحْ منك، لَمْ يعاملك، ولا بدَّ له من نوعٍ من أنواع الرِّبحِ، أما الله - تعالى - فيعاملُك لتربحَ أنت أعظمَ الرِّبحِ وأعلاه، فالدرهمُ بعشرةِ أمثالِه، إلى سبعمائة ضعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرة، والسيِّئةُ بواحدة، وهي أسرعُ شيءٍ مَحْوًا"[9].
فوالله إنه "من أعجبِ الأشياء أن تعرفَه ثم لا تحبه، وأنْ تسمعَ داعيَه ثم تتأخَّر عن الإجابةِ، وأن تعرفَ قدر الرِّبح في معاملتِه ثم تُعامِل غيره، وأن تعرف قدرَ غضبِه ثم تتعرَّض له، وأن تذوقَ ألَمَ الوحشة في معصيتهِ ثم لا تطلب الأُنسَ بطاعته، وأن تذوقَ عصرةَ القلبِ عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاق إلى انشراحِ الصَّدرِ بذِكْره ومناجاته، وأن تذوق العذابَ عند تعلُّقِ القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيمِ الإقبال عليه والإنابة إليه، وأعجبُ من هذا علمُك أنك لا بدَّ لك منه، وأنَّك أحوجُ شيءٍ إليه وأنت عنه معرِضٌ، وفيما يُبعِدُك عنه راغبٌ"[10].
إخواني في الله: "أليس المحبُّ يتمنَّى الخَلوة مع حبيبِه، فأين قلوبُنا من الخلوةِ بالله؟! أوَليس المحبُّ يضحِّي من أجلِ حبيبِه؟! فأين تضحيَتُنا من أجل الله؟ ومن أجل إعلاءِ كلمتِه ودينِه؟! ثم أليس المحبُّ يسعى في رضا حبيبِه، ويتحمَّلُ من أجل رضاه ما قد يشقُّ على نفسِه؟ فهل نحن نراقبُ مواضعَ رضا مولانا وحبيبِنا لنسرعَ إليها؟ وهل نراقب مواضعَ سخطِه لنفرَّ إليه منها؟ ونرتمي في ساحات رحمتِه ونُنزل به حاجاتِنا؟ ونشكو إليه بثَّنا وأحزانَنا وضعفَنا؟ ونطرق على بابه لعلَّه يتكرَّمُ ويفتحُ لنا نحن المذنبين المقصِّرين المشفقين المساكين؟!"[11].
[1] كيف يبرمج القرآن الحياة، عبد المجيد الغيلي ص 41. [2] العظمة، ص 246. [3] من مقال: لذة المناجاة وحلاوة العبادة، د. علي بن عمر باحدح. [4] الحكم العطائية شرح وتحليل ج 3 ص419، د. محمد البوطي. [5] في ظلال القرآن ج 5 ص 2930-2931 باختصار. [6] مدارج السالكين ج 3 ص 6. [7] متفق عليه: البخاري (16) - مسلم (43). [8] فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق ص 21-22، الشيخ عبدالرحمن السعدي. [9] الداء والدواء، الإمام ابن القيم - رحمه الله. [10] الفوائد ص 50. [11] من مقال: أين الله في قلوبنا؟ د. علاء السيوفي.



 
عودة
أعلى