صحيح السنة لا يعارض القطعي من القرآن (مباحثات في مسائل العمل والجزاء)

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
إنضم
26/02/2009
المشاركات
1,878
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
كتب نسيم بسالم
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=24681&page=2
"جزاكُم الله خَيرا أساتِذَتي الكِرام (الغامدي، الأيوبي والحسني) على التَّفاعُل والتَّشارُك وبارَك في أوقاتِكُم...
بعيدا إخواني عَن حيثيَّات التَّدوين وحِفظ الرِّجال، وتَوثيق النُّصوص؛ وتَزكية الرِّجال؛ أُريدُ أن أنقُلكَم إلى واقِع المُسلمين لنَختبر الضَّمير العَقدي الذي يَحملُونَه في جَوانِحِهم ونتلمَّس أثَر ذَلك في سُلوكِهم؛ بكُلِّ نزاهَة وموضُوعيَّة.
ألا تَرون أساتذتي الأكارِم أنَّ كثيرا مِن العُصاة (المُسلمين) سادِرين في غيِّهم؛ مُنغمسين في شَهواتِهم إلى الأذقان؛ لا يُفكِّرُون بالتَّوبة في قبيل ولا دَبير! لو اقتَربت مِن أحدهم وحَاوَلت أن تَتباحَث مَع أحدِهِم في سرِّ إصرارِه ذَاك وعَدم مُبالاتِه بمصيرِه الأَبدي لوَجدتَ أنَّ قائِمة عَريضة من المُنجيات مُتجذِّرَة في مخيالِه لا تَبرَحُه! ثمَّ ذَهبَت تعِظُه بحُرقَة ولَهفَة فتذكَّرتَ بأسف أنَّ المُشكِلَة ليسَت في ذلِك العاصي؛ فما هُو إلا مُقلِّد مُتَّبع! إنَّما هيَ في تِلك الرِّوايات التي يتَّخذُها مُتَّكأ لتَبرير مَعاصيه ثمَّ التَّمني على الله الأَماني!
أُخاطبُ فيكُم عُقولَكم التي فَطركُم الله عَليها (وأنتم النُّبهاء الفُطناء) كيفَ ننتَظر مِن عاص أن يستَقيم ويرُدَّ المَظالِم ويَحالل المَخلُوقين ويرعوي وينكفُّ عَن رُعوناتِه؛ ونَحنُ نقُول لَه في خُطبنا ومساجِدنا: إنَّك ستدخُل الجنَّة وإن زَنيتَ وإن سَرقت! المُهم قُل: لا إله إلا الله! وحتَّى إن ذَهبتَ إلى ربِّك عاصيا فاسِقا فإنَّك محظُوظ لأنَّك ولدتَ في خَير الأُمم؛ فسيُدفَع لكَ يهُودي أو نصراني ويُقال لَك: هذا فِكاكُك من النَّار! وتُحمَل ذُنوبُك وتُلقى على اليَهُودِ والنَّصارى! وحتَّى إن غُبِنتَ ولَم يُفعَل بِك ذَلك فإنَّ شفاعة الرَّسُول صل1 تنتظرك؛ إن لَم تكُن في المَحشَر فعلى بابِ الجنَّة؛ وإنَّه سيسجُد تحتَ (العَرش) ويقُول أمَّتي أُمَّتي؛ فيأمُر الله أن يُخرِج مِن النَّار مَن كانَ في قلبِه مِثقال ذَرَّة من إيمان! وحتَّى إن دَخلتَ النَّار فستخرُجُ مِنها بَعد حين وتُغمَس في نَهر الحَياة ثمَّ تذهب إلى الجنَّة مُعززا مُكرَّما حتى يغبِطَك أهلُ الجنَّة!!! ثمُّ تُحشَر لَه بَعد ذَلك سلسلَة طويلة من روايات فضائِل الأعمال؛ بحيثُ لا تَدعُ لَديه شكا أنَّه مع الصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين بمُجرَّد أن يقُول :سبحان الله وبِحمده هكذا لقلقة لِسان؛ أو يصُوم العشر الأوائِل من ذي الحجَّة أو يحضُر الجُمعة مَع الإمام!
بربّكُم ماذا نقُول للنَّاس بِهذه الرِّوايات؟! ولماذا نستَغربُ إذن أن نَجد إنسانا يُؤسس قنوات للرَّقص والفَساد والغناء الماجِن؛ ثمَّ يُؤسس قناة أُخرى (إسلاميَّة)، ويقُول بكلِّ بُرودَة دَم: حسنات هذه تَذهب بِسيئات تِلك!! أو نَجدُ إنسانا يتعوَّد على سَرقة أحذية المُصلين ولمّا يُسأل عَن جريرَتِه تِلك يقُول بُكل وقاحة وجُرأة على الله تعالى: إنَّ أجر الجَماعَة سبع وعشرون؛ وإن السرقة سيئة واحدة؛ فلا زال باقيا لي ست وعشرون حسنة! فأنا ممتن على الله فَوق هذا بتلك الست والعِشرون! كيفَ نلُوم أمثال هؤلاء ورواياتُنا المُقدَّسة هي التي تُمهِّد لذَلك الفَساد والطُّغيان! وهَل تَنفَع تِلك التأويلات المُتمحَّلة البَعيدة التي قامَ بها بعض شُرَّاح الروايات في نَزع تِلك التصورات الإبليسية من الأذهان؟! والله ما ذَكرتُه غيض مِن فيض وإلا فإنَّ الخَطب أعظَم!
وبعد هذا أسألُكم: هَل تَجدُون شيئا مِن هذا في القُرآن الكَريم المُعجِز؟! هَل تَجدُون مِهادا لأمنية مِن الأُمنيات؟! كلا وألف كلا! والله لَن تَجدُوا في القُرآن الكريم في طُولِه وعرضه إلا طريقا واحدا للنَّجاة... إنَّه التَّوبة النَّصُوح ومَوت الإنسان بِقلب سليم وعمل خالِص ليس فيه ذرَّة من تَخليط! والأدلة على ذَلك أكثَر من أن تُحصى انظُروها في هذا الكُتيِّب:
http://www.4shared.com/document/hBpk...__online.html?
أكتَف بنصَّين فقَط؛ تدبَّروا فيهِما وانظُروا هَل تَجدُون فيهما إلا صَرامة وحَزما، وانظُروا بَعد ذَلك محلَّ تلك الروايات مِن الإعراب؟!
يقُول تعالى في شأن آكلي أموال النَّاس بالباطِل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء : 29]. وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً )[النساء : 30]... هل الخطاب هُنا للكُفار كما يحلو لأصحاب الأهواء أن يؤولوا آيات العَذاب والخُلود؟!
ويقُول تعالى في سُورة الفُرقان: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان : 68]. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً )[الفرقان : 69]. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [الفرقان : 70]... ونفس الشّيء يُقال هُنا في هذه الآية؛ وهَل يتعلَّق الأمر هُنا باستِحلال تِلك المَعاصي (كما يُؤولون) أم باقترافِها؟!
لَعمر الحق إن السُّنة الحَقيقيَّة للرِّسُول صل1 المُوافقة للكتاب والمُنسَجمة مع كُلياتِه على الرَّأس والعَين؛ ولا يَخالنَّ أحد أني مِن القُرآنيين المُتطرِّفين فقَد ناقَشتُهم في ضَلالِهم طَويلا؛ ولكنِّي ضدَّ تلك الروايات التي تُشوِّه - بحق- كتاب الله تَعالى، وتُشوِّه صُورة الإسلام النَّاصِع الذي كانَ النبي صل1 يبلِّغُه للعالمين.
أسأل الله لأمَّة الإسلام الفَرج والخُروج مِن هذا المُستنقَع لفضاء القُرآن المُنير؛ إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
محبكم: نسيم من الجزائر "
 
الرد

الرد

الحمد لله والصلاة على رسول الله ، وبعد:
لنعلم جميعا أن دين الله جاء ليناسب الطبيعة البشرية التي جبلت على أن تخطيء وتصيب ، وهذا هو المحور الذي يدور عليه الابتلاء الذي وجدت الحياة من أجله ، قال تبارك وتعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)) [الملك : 1 ، 2]
وقال تعالى:
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) [الأحزاب : 72]
وفي الحديث الصحيح:" كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ "
ولقد جاءت الشريعة مناسبة لهذه الطبيعة البشرية ففتحت أمامها باب التوبة مهما وقعت فيه من الذنوب والمعاصي ، قال تبارك وتعالى:
( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرحيم ) (الزمر53)
وقال تبارك وتعالى:
(وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [الأنعام : 54]
وعلى أساس هذه الطبيعة البشرية جاءت الشريعة لترقى بالإنسان إلى أفضل ما يمكن أن يكون عليه ، ولم تأت لتخلق مجتمعا ملائكيا ، وعلى هذا الأساس جاءت البيعة من المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم متوافقة مع النصوص القرآنية ، فقد جاء في الصحيح:
" أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك"
إن نصوص القرآن والسنة جاءت لتفتح أمام الإنسان باب الأمل في كل لحظة من لحظات الحياة وتقوده إلى سبيل النجاة ، وهذا هو السبيل الصحيح لقيادة الإنسان ليستقيم ويقلع عن ظلمه وجهله.
وعلى ضوء ذلك نفهم النصوص الصحيحة التي جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي ربما أشكلت على أخينا نسيم وردها ظنا منه أنها تخالف القطعيات من القرآن وأنها السبب في انحراف سلوكيات كثير من المسلمين.
وتعالوا نأخذ ما أورده أخونا نسيم نصا نصا:
النص الأول:
روى البخاري رحمه الله تعالى من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال :
"أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ "
وإذا تأملنا هذا الحديث الشريف نجد أنه متطابق تماما مع قطعيات القرآن ، فهو أولا دعوة إلى لزوم التوحيد الذي جاءت به الرسول ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ حتى الممات ، ومن لزم التوحيد فهو في الغالب سيلزم الأخلاق الفاضلة ولهذا نجد أن القرآن يقرن بينهما دائما ، قال تعالى:
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)) الفرقان
هذا هو الأصل الإيمان بالله والاستقامة على دين الله ، كما هو نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثم اسْتَقِمْ" رواه مسلم من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي.
وهذا الأصل هو الذي يكفل لصاحبه النجاة المطلقة كما هو نص كتاب الله:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)) فصلت
ولكن هل نتوقع أن يكون كل الناس على هذه الشاكلة ؟
الجواب قطعا لا ، وهذه ما تقرره نصوص الكتاب والسنة ، فهناك من سيجانب هذه الاستقامة في أمر أو أكثر ، فهناك من يزني ، وهناك من يسرق ، وهناك من يظلم ، وهناك من يرابي ، وهناك وهناك ....
فلو قلنا لمن زنى أو سرق أو أكل الربا أو ظلم إنك لن تدخل الجنة أبدا ولا أمل لك فيها فإننا بهذا نكرس الانحراف العقدي ومن ثم السلوكي في حياة الإنسان.
وهنا نلاحظ اتفاق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع قطعيات القرآن في المسائل المذكورة وغيرها ، قال تعالى في حق مرتكبي الفاحشة:
(وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)) النساء
وقال في حق مرتكب السرقة:
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)) المائدة
وقال في حق آكل الربا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)) البقرة
وغيرها من النصوص الكثير.
ولعل قائلا يقول هذه في حق التائبين ، فما حكم الذين يموتون من غير توبة ؟
فنقول إن الله تعالى يقول:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء(48)
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) النساء(116)
وهكذا نرى توافق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أي وجه حملته متوافق تماما مع قطعيات القرآن.
وليس في هذا تبرير أو فتح لأبواب التمادي في الغواية كما يظن البعض ، فقد حذرت الشريعة من هذه الانحرافات السلوكية ورتبت عليها العقوبات الدنيوية ، وحذرت من عواقبها الوخيمة في الدار الآخرة ، وبهذا قطعت كل السبل على المستهترين أو المتحججين على معاصيهم بمثل هذه النصوص.

وأما خيرية هذه الأمة فهي ثابتة بكتاب الله تعالى في قوله:
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران (110)
وهذه الخيرية لا تعني أنها أمة من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، كلا ، بل هي أمة تخطيء وتصيب ، وتسيء وتحسن ، وتذنب وتستغفر ، فقد يحدث فيها ترك المعروف ولكنها تأمر بها إذا ظهر تركه ، وقد يحدث فيها ارتكاب المنكر فتنهى عنه إذا ظهر فعله ، وهذه هي خيريتها بخلاف أهل الكتاب قبلها:
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)) المائدة
وأما ارتكاب المعاصي والفسق والإصرار عليها وأمل النجاة مع ذلك بحجة الانتماء إلى هذه الأمة ، فلم يدل عليه كتاب ولا سنة ولا يقول به المسلم الذي يعرف دينه على الوجه الصحيح فضلا عن العالم الذي حمل أمانة بيان العلم ودعوة الناس إلى الخير ، ولا يلزم من هذا رد النصوص الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كحديث فكاك المسلم ، وحمل أوزار المسلمين على اليهود والنصارى.
فأولئك حملوا أوزارهم وأوزارا مع أوزارهم من باب العقوبة التي هي من نجس عملهم حيث سعوا في إضلال البشرية ، وتأمل قول الله تعالى:
(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) النحل (25)
وتأمل معه قول الله تعالى:
(وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)) آل عمران.
وقوله تعالى:
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) آل عمران (99)
وقوله تعالى:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)) العنكبوت
وأما الشفاعة فإن المعترض على ما ورد فيها من صحيح السنة فهو يعترض على قطعيات القرآن ، قال تعالى:
(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)) طه
وقال تعالى:
(وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) سبأ(23)
وقال تعالى:
(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) النجم (26)
إذا الشفاعة ثابتة بنص القرآن ، فما هي هذه الشفاعة ؟ ولمن ؟
هذا ما تجيب عليه السنة التي نطق بها من نزل على قلبه القرآن.
والعجيب أن يتعجب من أن يخرج من النار أناس دخلوا النار بذنوبهم ثم يدخلون الجنة !!!
أليس هذا من الاعتراض على قطعيات القرآن الواردة في أسماء الله وصفاته وأفعاله !!!؟
أما فضائل الأعمال والأجور العظيمة على العمل اليسر ، فهي موافقة لقطعي القرآن ، ولا يفهم منها ترك الواجبات والفرائض ، وإنما هي باب فضل من الله يُسهِّل الترقي في درجات الصلاح في الدنيا ، ودرجات الثواب في الآخرة ، ومن فهم غير ذلك فقد أوتي من سوء فهم ، لا من عدم صحة النصوص ، قال تعالى :
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء (40)
وقال صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ" رواه البخاري رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ولنأخذ على سبيل المثال قول الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)) الأحزاب
فهذا نص يحث على كثرة ذكرا الله تعالى وتأتي السنة لتدعم هذه النص وتبين فضل هذه العبادة وعظمتها ومنزلتها:
جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الصحيح أيضا قال صلى الله عليه وسلم:
"الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"
وفي الصحيح أيضا يقول صلى الله عليه وسلم:
"لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ" رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
فهذا الذكر وهو عبادة سهلة ميسرة لا تكلف المسلم إلا أن يحرك لسانه ، فإذا واطأ قلبه لسانه كان سبيله إلى أعظم المنازل ، وهذا متوافق مع قطعيات القرآن ، قال تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم :
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت(45)
والمعنى الأصح الذي ذكره المفسرون من معاني الآية الكريمة هو:
أن الغرض من إقامة الصلاة هو أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وأكبر من هذا الغرض هو ذكر الله تعالى ، الذي هو عبادة الملائكة المقربين وحملة العرش ، بل عبادة الكون كله ، قال تعالى:
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) غافر (7)
وقال تعالى:
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) الإسراء(44)
وأعود و أؤكد أن هذه العبادات اليسيرة التي رتب الله عليها الأجور العظيمة يجب أن يأتي قبلها ومعها الفرائض والواجبات ، هذا ما يؤكده السنة الصحيحة في قوله صلى الله عليه وسلم :
"إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" روه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ويؤكده القرآن قال تعالى:
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب (35)
وختاما أقول للأخ الفاضل نسيم لقد أوتيت من سوء فهمك لنصوص الكتاب والسنة ، وكذلك فهمك للواقع ، فالمنحرفون في سلوكهم والذين يأخذون بعض الكتاب ويتركون بعضه ليبرروا فسادهم واتباع شهواتهم ليسوا حجة لتكذيب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

 
جزاك الله خيراً أبا سعد وهذا ما كنت أود أن أقوله. وليعلم أخي الفاضل أن الجنة مراتب فمن عمل وجد واجتهد فإنه يصيب الفردوس الأعلى وماذا يضرك من أولئك العصاة ؟ إنهم ينطقون بكلمة التوحيد وهي ليست قليلة على الله تعالى بل هي أحب الأعمال الى الله. انظر أخي الى من يعبد البقر والحجر والفرج والفأر وغير ذلك من مخلوقات ضعيفة مهانة . وانظر الى من يقول لا إله إلا الله على ما عنده من معاصي. فأيهما أفضل عند الله؟ وهل يوجد اصلاً مقارنة على قبح أعماله وأولئك المضلين.؟؟؟ اسأل الله العافية أخي الفاضل ودع عنك أمر العصاة وادع لهم بالهداية والمغفرة وحسن الختام ولا تشغل نفسك بما هو لله تعالى فهو أرحم الراحمين. اللهم ارحمنا والطف بنا واعف عنا وأدخلنا الجنة بسلام. وأشكر لك غيرتك على دين الله وهذا لعمري نيّة حسنة مجزي عليها بإذن الله تعالى والعاقبة للمتقين.
 
جَزاك الله خَيرا أستاذَنا الغامِدي على اهتِمامِك بالمَوضُوع، وأُحيي فيكَ (وفي الإخوة الكِرام في المُلتقى) الأَدب الجَم في الحِوار، وعَدم التَّعالي على الآخَر المُخالِف؛ وهَذا ما لَم أجِده في الكَثيرين الذينَ لا تَسمَع مِنهم إلا صَخبا وعَويلا!
أشكُرُ لكَ تَوجيهَك لِبعض الرِّوايات التي أورَدتُها في مُداخَلتي؛ وقَد أحسَنت في تَوجيه روايَة أبي ذَر؛ إلا أنّ المُشكِلَة لا تَزال قائِمة بالنِّسبَة لإلقائِها بِعواهِنها على العَوام مِن غَير أن يكُون لَهم تشبُّع بِمُحَكمات القُرآن وقَوانينِه؛ والوَاقِع أصدَق دَليل على كَما يقُولون؛ فكثير مِن العُصاة يُلوّحُون بِهذه الرِّوايَة ويتَّخِذُونَها تُكَأة وأريكَة للمَزيد مِن المَعاصي والآثام؛ فلَو كانَ النَّاس كُلُّهم على شاكِلة الغامِدي وأضرابه مِن الإخوة الأفاضِل لنِمتُ قريرَ العَين؛ ولَكن القَضيَّة التي أُراهِن عَليها أنَّ الإنسانَ إذا انطَلقَ في التَّعامُل مَع الرِّوايات مِن غير قاعِدة قُرآنيَّة مَتينَة فإنَّه سيشتَط بعيدا ولا غَرو!
إلا أنَّك أوتيتَ أستاذَنا كَما أوتِي الكَثيرين مِن قضيَّة "المَشيئة" التي هِي مَربَط الفَرس في هَذا المَوضُوع... فهِي كما قُلتُ في مداخَلة سابِقة غَير مَفتُوحَة على مَصراعَيها لنتَّخذها مشجبا نُعلِّق عليها الآمال (كَما هُو حالُ كَثير مِن العُصاة)؛ بل هِي مُقيَّدة مَضبُوطَة في كُلِّ مَوارِدِها في كِتاب الله عزَّ وجل؛ وليسَ يَعني كَلامي هَذا أن نَحكُم على مَن عهدنا مِنه الفِسق والفُجور في الدُّنيا بِدخوله النَّار! كلا! بل الحُكم على الحالَة، وأما الأعيان فمردُّ مصيرِهم إلى الله الذي يَعلَم خائنة الأعين وما تُخفي الصُّدور!
فنقُول كقاعِدة: كلُّ مَن ماتَ ولَم يتُب تَوبَة نصُوحا مِن جَميع ذُنوبِه وخطاياه؛ فهُو خالِد في النَّار لا يَقبَل الله مِن صَرفا ولا عَدلا!هذا ما يقُوله القُرآن باستِقراءِ آياتِه؛ وهذا ما تقُوله السُّنة الصَّحيحة.
فالنبي صل1 يقُول: (لا يدخُل الجنَّة قاطِع رَحِم)، ويقُول: (لا يدخُل الجنَّة قتَّات)، ويقُول: (لا يدخُل الجنَّة نمَّام)، ويقُول: (لا يدخُل الجنَّة مَن كانَ في قَلبِه مِثقال ذرَّة مِن كبر)... فكَيفَ نُوجِّه هذه الأَحاديث في المُستحل؛ وهِي ظاهِرة الدَّلالة في المُقتَرف مَع مُوافَقتها لرُوح القُرآن؟!
أبدأ من قولك :
"فنقُول كقاعِدة: كلُّ مَن ماتَ ولَم يتُب تَوبَة نصُوحا مِن جَميع ذُنوبِه وخطاياه؛ فهُو خالِد في النَّار لا يَقبَل الله مِن صَرفا ولا عَدلا!هذا ما يقُوله القُرآن باستِقراءِ آياتِه؛ وهذا ما تقُوله السُّنة الصَّحيحة."
أقول هذه القاعدة ليست صحيحة ، وليس هناك نص من القرآن ولا من السنة يقول إن من مات ولم يتب من جميع ذنوبه وخطاياه فهو خالد مخلد في النار.
وحتى نحقق هذه المسألة الخطيرة والتي أودت بكثير من الناس إلى الخروج عن الخط الصحيح للإسلام وقواعده الثابتة تعالوا نقرر بعض الأمور:
أولاً: إن الأصل هو الاستقامة على دين الله تعالى بجانبيه العقدي والشرعي ، وهذا هو الذي تكفل الله له بالنجاة والسعادة التامة ، قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)) فصلت
وقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)) الأحقاف
ثانياً: إن الله تعالى عدله مطلق ، لا يظلم مثقال ذرة ، قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) النساء من الآية (40)
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس (44)
(وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف من الآية(49)
ثالثاً: إن من عدل الله تعالى محاسبة الناس بأعمالهم ، قال تعالى:
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء (47)
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة (8)
رابعاً: إن النجاة والخسارة متوقفة على رجحان أحد طرفي المعادلة " الحسنات والسيئات" على الآخر ، قال تعالى:
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)) الأعراف
وقال تعالى:
(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)) المؤمنون
وقال تعالى:
(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)) القارعة
خامساً: أن نصوص القرآن دلت بشكل قطعي أن لا نجاة مع الكفر والشرك ، قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)) الأحزاب
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة (39)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)) البقرة
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) البينة(6)
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)) المائدة
(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41))
وعليه فإن الأعمال الصالحة لا تنفع صاحبها مع الكفر والشرك ، لأنه لم يأت معها بشرط القبول وهو الإيمان والتوحيد ، قال تعالى:
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) الفرقان (23)
وبناء على هذا نقول:
سادساً: إن الذي تتوقف نجاته في الآخرة على رجحان حسناته على سيئاته هو المؤمن ، الذي يأتي مع العمل الصالح بشرطه وهو الإيمان ، كما قال تعالى:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) النساء (124)
وقال تعالى:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) طه (112)
وقال تعالى:
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) الأنبياء (94)
ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التمادي في السيئات حتى لا يقع المسلم في ورطة الإفلاس يوم القيامة ، كما هو في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" رواه مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
سابعاً: إذا تقرر هذا فنقول إن الله تعالى مع عدله المطلق فإنه يعامل المؤمنين برحمته فيجازيهم بحسناتهم مضاعفة ويتجاوز عن سيئاتهم ، وهذا بنص القرآن ، قال تعالى:
(أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) الأحقاف (16)
وفي آية أخرى نجد أن تكفير السيئات مشروط باجتناب الكبائر ، قال تعالى:
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) النساء (31)
ولو ذهبنا نبحث عن الكبائر التي نهينا عنها في القرآن فإنا لن نجد نصا يحدد هذه الكبائر بدقة ، ولكن يمكن الاستدلال عليها من خلال النصوص التي تشير إلى أن بعض الأعمال تمنع مرتكبها من أن يدخل ضمن هؤلاء الذين وعدهم الله بالمدخل الكريم ، ومن ذلك :
· الشرك:
قال تعالى:
(إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) المائدة من الآية(72)
· السحر:
قال تعالى:
(وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) طه من الآية (69)
· أكل الربا:
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة(275)
· أكل مال اليتيم:
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)النساء (10)
· قتل النفس المؤمنة:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء (93)
· التولي يوم الزحف:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)) الأنفال
· قذف المحصنات المؤمنات:
(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور(23)
وهذه الأعمال السبعة قد حذرت منها السنة النبوية الشريفة حيث قال صاحبها صلى الله عليه وسلم:
"اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصِنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وإذا سأل سائل فقال:
ما حكم من يرتكب بعض هذه الأفعال ؟
فإنا نجيبه بما في القرآن الكريم.
فإن قال: هل لمن يرتكب هذه الأعمال أو بعضها من توبة ؟
فإنا نجيبه بما قال الله تبارك وتعالى:
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)) الفرقان
فإن قال : هل يمكن أن يغفر الله لمن مات ولم يتب منها أو من بعضها ؟
فنقول له ما قال الله :
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء(48)
وهذا نص واضح في أن ما دون الشرك تحت مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
ومن هنا يمكن النظر فما جاء من نصوص مشابهة من السنة من خلال هذا المنظور ، كقوله صلى الله عليه وسلم:
"لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ" رواه البخاري ومسلم من حديث حذيفة.
والقتات هو الذي ينقل الحديث على وجه الإفساد.
وكقوله صلى الله عليه وسلم:
"لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ" رواه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود.
وكقوله صلى الله عليه وسلم:
" لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ" رواه البخاري ومسلم من حديث جبير بن مطعم.
وكقوله صلى الله عليه وسلم:
" لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
وكقوله صلى الله عليه وسلم:
"لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ" رواه أبو داود من حديث عقبة بن عامر.
وكقوله صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا" رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر.
وكقوله صلى الله عليه وسلم:
"صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا" رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
وكقوله صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رواه أبو داود من حديث أبي هريرة.
وغيرها الكثير من أحاديث الوعيد نقول فيها كالذي قلناه في آيات الوعيد ، من ارتكب شيئا منها فهو تحت طائلة الوعيد الوارد فيها، وإن تاب تاب الله عليه ، وإن مات وهو لم يتب فهو تحت المشيئة بنص القرآن.:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء(48)
وبهذا يتضح أن القرآن والسنة الصحيحة يسيران في خط متوازي يصدق بعضها بعضا ، وبهذا تتفق النصوص ، ولا نضرب بعضها ببعض ، ولا نرد السنة الصحيحة بزعم مخالفتها لقطعيات القرآن.
هذا والله أعلم.
وسيتبع إن شاء الله تعالى الرد على بقية الموضوع.
 
الأخ الفاضل نسيم
كون الميزان حسيا أو معنويا لا يغير في الموضوع ، فالقرآن ينص على أن الناجي هو من رجحت سيئاته على حسناته ، والخاسر هو من رجحت سيئاته على حسناته ، هذه واحدة .
الثانية : ليس فيما أوردتَه من الآيات ما ينفي الميزان الحسي ، فلا أدري كيف تنفي ما تحتمله الآيات من غير دليل واضح.
الثالثة: ألا يمكن القول أن نصب الموازين الحسية أبلغ في إقامة العدل وإظهاره للخلق ، كما هي حال الكتب :
(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)).
رابعا: الموازين التي أودعها الله تعالى في الكون لحفظ نظامه، لا تنفي الموازين الحسية التي تقوم عليها حياة الناس في كثير من شؤون حياتهم.
خامساً: تصرف البعض على خلاف ما تدل عليه النصوص ليس حجة في رد النصوص وإبطال العقائد الثابتة بدليل صحيح صريح.
أما تفسيرك للشرك والمشرك فهو طامة كبرى ، لم يقل به أحد من أهل العلم المعتبرين ، ولو كان الأمر كما تقول ، لما سلم لأحد عمل مهما كان ، لأن لا أحد يخلو من معصية وإذا كانت المعصية شرك فالشرك يحبط العمل ، فمتى تثب مع هذا لأحد حسنة أو عمل صالح؟
إن الله وصف عباده المتقين الذين أعد الله لهم الجنة التي عرضها السماوات والأرض بأجمل الأوصاف فقال :
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران(134)
وقال بعدها:
( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران(135)
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
 
أورد الأخ الفاضل نسيم مجموعة من الأحاديث زاعما أنها غير معقولة ومنافية لعدل الله تبارك وتعالى ولهذا فهي لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي :
الحديث الأول:
عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله يقول «إنكم وفيتم سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله» سنن ابن ماجه والدارمي ، وحسنه الألباني.
وأقول: ما هو المستنكر في الحديث ، أهو تفضيل الله تعالى لهذه الأمة على الأمم السابقة ؟
إذا كان هو هذا فقد سبق وقلت لأخينا نسيم ، إن هذا متوافق مع القرآن تماما ، قال تبارك وتعالى:
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة من الآية ( 143)
وقال تعالى:
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران (110)
وهذه الوسطية والخيرية هي منة من الله وتوفيق منه وليس حقا ذاتيا خارجا عن عطاء الله تعالى.
الحديث الثاني:
أمتي هذه أمة مرحومةٌ، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل» أخرجه أبو داود وأحمد والحاكم وصححه الألباني.
أقول هذا الحديث عارضه غيره من الأحاديث الصحيحة في أن بعض هذه الأمة تدخل النار بذنوب ارتكبوها ويمكثون فيها ما شاء الله أن يمكثوا ثم يخرجون منها ، وقد تكلم أهل العلم في هذا الحديث ، ولا ترد السنة الصحيحة الثابتة بمثل هذا.
الحديث الثالث:
عن أبي بردة يحدث عن أبيه أبي موسى رضي الله عنه عن النبي قال «لا يموت رجل مسلم؛ إلا أدخل الله مكانه النار يهوديًّا أو نصرانيًّا» مسلم.
وما هو المانع في ذلك ؟ فاليهودي والنصراني إنما استحق النار بعمله ، وقد صح أن ما من عبد إلا وله منزله في النار ومنزله في الجنة ، فإذا عمل بعمل أهل الجنة دخلها ، وخلفه في النار من استحق دخولها من اليهود والنصارى.
الحديث الرابع:
جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي أن لا يهلكها بِسَنةٍ عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال يا محمد، إني إذا قضيت قضاء؛ فإنه لا يُرَدّ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسَنَةٍ عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها» مسلم.
وما أدرى أي شيء منع أخانا الفاضل نسيم من قبول هذا الحديث ؟
هذا الحديث من أعظم الشواهد على صحة السنة النبوية الشريفة ، لأن الواقع يصدقه.
الحديث الخامس:
جاء في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رسول الله قال «إنما مثَلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً، فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود على قيراط قيراط، ثم عملت النصارى على قيراط قيراط، ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا نحن أكثر عملاً وأقل عطاءً؟ قال هل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟ قالوا لا قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء» البخاري.
وأنا أسأل أين المشكل في هذا ؟
الظلم يتصور لو أن الله قال اعملوا كلكم من كذا إلى كذا ولكم كذا ، فعملوا كلهم بنفس المقدار والجهد والإخلاص ثم فاوت بينهم في الأجر.
أما وقد جعل لك أمة شرعة ومنهاجا فالأمر مختلف ، ولا يظلم ربك أحدا.
الحديث السادس:
عن ‏ ‏أبي بردة ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال:( ‏يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على ‏ ‏اليهود ‏ ‏والنصارى)‏.
أقول:
الله من صفاته أنه هو الغفور ، ولا شك أن هذه الذنوب دون الشرك وربما كانت من الصغائر ، والله قد أخبر أنه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء.
أما وضعها على اليهود والنصارى فليس ظلما لهم وإنما هو جزء من العذاب الذي استحقوه بسوء قصدهم وعملهم ، ألا ترى ما يصنعون من الكفر والفساد في الأرض والصد عن سبيل الله وإشعال الفتن والحروب في هذه الحياة الدنيا ؟ إذا هو بما كسبت أيديهم ، قال تعالى:
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)) آل عمران.
إنها موازين العدل التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة ، وإذا كان عقلك يعجز عن تتبع أذى هؤلاء وإفسادهم في الأرض وما يلحقونه من الأذى بعباد الله المؤمنين بل بالبشرية جمعاء ، فإن الله يحصي عليهم أنفاسهم وخطرات نفوسهم.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

 
أمَّا مَسألة (أحاديث الفَضائِل) فلَم أتحدَّث عمَّا كانَ مِنها ثوابا صِرفا كَما تفضَّلتُم أستاذَنا؛ فذاكَ رُبَّما لَه أصل مِن آيات مُضاعَفة الأجُور والحَسنات (وإن كانَ الإشكال لا زالَ قائِما في قضيَّة التَّحديد والتَّشخيص للثَّواب)... وإنَّما حَديثي عَن الرِّوايات التي فيها تَكفير لجبال السَّيئات بمُجرَّد أعمال بسيطَة (أذكار مُعيَّنة، صَلوات مخصوصة، صيام بعض الأيام) كيفَ تُوجِّهها على ضَوء كِتاب الله عزَّ وجل؟!

أولا: لماذا التشكيك عندك هو الأصل أخانا الفاضل ، ما الذي يضيرك من تحديد أو تشخيص الثواب ؟ أليس الله واسعا عليما ؟ أليس الله غنيا حميدا ؟ أليس الله على كل شيء قدير ؟ أليس فضل الله عظيما ؟
أما بالنسبة لتكفير السيئات بالأعمال "البسيطة" اليسيرة ، فليس هناك أيسر من التوبة والإقلاع عن الذنب ومع هذا يكفر الله بها السيئات ويبدلها إلى حسنات.
ولو أنك تذكر بعض الأمثلة التي ترى أنها مشكلة لعلنا نتدارسها وننظر فيها لعل الله أن ينفع بذلك ويهدينا فيها وفي غيرها إلى الحق والصواب.

 
أيها الأحبة ..
نور الله بصائرنا وبصائركم وهدانا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.
أرى الحديث هنا تشعب وتنوعت مساربه، ولو استطرد بهذه الطريقة لاحتجنا إلى سرد كتب العقائد جميعا!

لذا أرجو أن يكون الحديث بالضوابط التالية:
- تحديد الإشكالات بدقة، فلسنا بصدد سرد معتقد أهل السنة أو غيرهم، بل المجال مفتوح لذكر إشكالات محددة في مسائل محددة، بحسب ما تسمح به سياسة الملتقى، أما الحديث العام وتأصيل المسائل وتصويرها الكلي فيرجع فيه إلى الكتابات المتخصصة في العقائد، وكما تعلمون أن الملتقى هنا ليس محلا لها، وهذا ما طلبته في الموضوع السابق وأشرت فيه على أخي نسيم بمراجع محددة وهو ما أعيد طلبه هنا.
- لا يتم الخروج من نقطةٍ ما إلى بعد استكمال الحديث فيها، أما القفز من نقطة إلى أخرى فإنه يفسد الحوار ويضيع الفائدة على الجميع.

أرجو من الجميع التكرم بالتزام هذا حتى يستمر الحوار وتتم الفائدة ..
بارك الله فيكم ووفقكم لكل خير.
 
الأخ الفاضل محمد
أشكرك على حرصك على استمرار الحوار
ولكن الذي أراه أن الحوار لا يزال في نقطة محددة ويسير في خط واحد
فالإشكالات التي أوردها أخونا نسيم ربم ترد على الكثيرين
وأنا أرى أن الموضوع مفيد جدا وهو يعرض الفهوم التي ربما تعرض في بعض الآيات وعليه فالنقاش لا يزال في إطار التفسير ولم يخرج عنه.
وكون الموضوع قد أشبع بحثا من قبل العلماء فهذا لا يمنع النقاش فيه وإلا لقلنا ذلك في كل المواضيع والعلوم وأقفلت المنتديات وأغلقت المعاهد والجامعات.
 
يقول الأخ الفاضل نسيم:
" أستاذي الغامدي تحيَّة من عِند الله مبارَكة طيِّبَة...
أجيبُك على بَعض أسئلتك على العاجِل وأُرجئ الباقي إلى يَوم غَد (بحول الله) لأنِّي في عَجلَة مِن أمري.
أمَّا قوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) [آل عمران : 30]... فإنَّ الآيَة لا تُناقِض ما ذَكرتُ بل تُؤيِّدُه؛ ومَفهُومُها أنَّ كلَّ نَفس صالِحة أو طالِحة؛ شرِّيرَة أو خيِّرَة ستُعرَض عليها صَحائِف أعمالُها يَوم القِيامَة لا تُغادِر صَغيرَة أو كَبيرة؛ فإن تمحَّضَت أعمالُ الخَير استحقّ صاحِبُها دُخول الجنَّة؛ وإن كانَ ثمَّة مِن سُوء فيودُّ صاحِبُه أن لَو كانَ بينَه وبينَه أمدا بَعيدا؛ لأنَّه سيُرديه لا مَحالة في النِّيران والعِياذُ بالله تَعالى؛ وأمَّا مَصير عَملِه الصَّالِح فإنَّ الله سيُقدِم عَليه ويجعله هباء مَنثورا؛ فالله أغنى الشُّركاءِ عَن الشِّرك؛ لا يَقبَل إلا العَمل الخالِص.
يقُول تعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً [الفرقان : 22]. وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً )[الفرقان : 23]."

هذا من أعجب ما رأيت من الفهم.
ولكن هكذا إذا سيطرت فكرة على الذهن ثم ذهبنا نستدل لها ، فإنا نرى العجب.
واختصر ردي عليك في التالي:
أنت جعلت كل معصية صغيرة كانت أو كبيرة شركا ، فما هو الأمر الذي يغفره الله تعالى في قوله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) النساء (48)؟؟؟؟؟؟
وإذا كان لا يدخل الجنة إلا من يأتي يوم القيامة بصحيفة ليس فيها إلا الخير، فما معنى قول خليل الله إبراهيم:
(وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) الشعراء (82)؟؟؟
ثم لماذا تأخذ الآيات التي هي واضحة في حق المنكرين للبعث واليوم الآخر وتنزلها على المؤمنين ، كقول الله تعالى:
(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)) الفرقان
لقد كنت أجد لك العذر في بعض ما طرحت لأنها مواضع قد تشكل ، لكن مثل طرحك هذا يدل على أنك تتعسف في الاستدلال بشكل غريب ، أسال الله لي ولك الهداية.

ثم تقول:
"ويقُول: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر : 3].
ويقُول على لسان الرَّسُول (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ [الزمر : 11]. وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ [الزمر : 12]. قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الزمر : 13]... فهذا رسُول الأُمَّة يَخافُ مِن مَغبَّة عِصيانِ ربِّه رُغم سَبق قَدمِه في الجِهاد ونُصرَة الدِّين؛ فما مَحلُّ الروايات المَنسُوبَة إليه مِن الإعراب إذَن؛ والتي تَفتح ألف جِسر وجِسر للنَّجاة، ولو جاءَ العاصي بِذُنوب أمثال جبال تِهامة؟! "

ألم أقلك إن الفكرة مسيطرة على تفكيرك أخي الكريم !
الله قال "ألا لله الدين الخالص" أي : الدين الخالص من الشرك ، وهذا ما تدل عليه الذي أخذت بعضها وتركت البعض الآخر ، قال تعالى:
(أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) الزمر(3)
وكذلك فعلت مع الآيات التي أٌمر الرسول صلى الله عليه أن يقولها مخالفا لطريق المشركين:
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15))

ثم انظر كيف سويت بين المؤمنين بالله واليوم الآخر ، وبين الكافرين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر :
"ولكنَّ الله بِعَدله المُطلَق طَبعا يُوفِّي لأولئِك الجاحِدين العُصاة أعمالَهم في الدُّنيا حتَّى لا يَجدُوا في الآخِرة إلاَّ النَّار وبيسَ القَرار!
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ [هود : 15]. أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [هود : 16].
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ) [الأحقاف : 20]... ورُبَّما سَنعرِضُ لمفهوم "الكُفر" في القُرآن الكَريم؛ فإنَّه مِن المُصطَلحات التي أُلبِسَت مُسوحا نشازا تُغايرُ المَفهوم الرَّباني في القُرآن الكَريم؛ شأنها شأن كَثير غَيرَها والله المُستعان!"
!!!!!!!!!!
أسال الله لي ولك الهداية.

 
سلام الله عليكَ أُستاذَنا الغامِدي ورحمة من الله وبركاتُه...
بداية أُريدُ أن أسألك عن هذه الآية الكَريمة: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً )[النساء : 48]... أينَ الحَديثُ هُنا عَن يَوم القيامَة حتَّى تُلزِمني بِه في كُلِّ مرَّة؟!
الآيَة واضِحة جدا تقُول: إنَّ الله لا يَغفِر مَع الإصرار الذي هُو وَليد الإشراك بالشَّيطان (كَما بيَّنتُ في المُداخَلة السَّابِقة)، ولَكن إن تحرَّر الإنسانُ مِن قَبضَته بالذِّكر طَبعا ونَوى التَّوبَة فإنَّ الله سيَغفِر له كُلَّ ما اقتَرفَت يَداه بالِغا ما بلَغ.
فهذه الآية هِي تأكيد لآيَة سُورة الزُّمر التي يقُول الله تعالى فيها: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر : 53]. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ [الزمر : 54]. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر : 55].
ألا تَرى رِئيَ العَين هُنا أستاذَنا العَزيز أنَّ القضيَّة مَقرُونة بالتَّوبة النَّصُوح فقط وفقَط! (وأنيبوا إلى ربكم، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم).
أُضيفُ إليكَ آيتين مِن بين الآيات الكَثيرة جدا في القُرآن الكَريم التي تُبيِّن أن لا نَجاة للإنسان في الآخِرة إلا بالتَّوبة النَّصُوح.
يقُول تعالى في سُورة الأنعام: (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[الأنعام : 54].
أستَجدي فيكَ عقلَك الحَصيف أستاذي الكَريم؛ هَل تَرى في الآية رائِحة لأمنية مِن الأماني المَبثُوثَة في الرِّوايات؟! وهَل تقُول لي: هذه الآية في حقِّ مُنكري البَعث؟!
واضح أنَّ رَحمَة الله بالإنسان أن فتَح لَه بابَ التَّوبَة ولو شاءَ لأوصَده؛ فكانَ مَن يقَع في أوَّل مَعصية مِن المغضُوب عَليهم والضَّالين؛ ولكن الله مِن رَحمته بالإنسان يَفتَح له باب التَّوبة؛ فإن أنابَ فذاكَ وإلا أذَاقَه مِن العَذاب الأَدنى دُون العَذاب الأكبَر علَّه يتُوبُ ويَرجِع؛ فإن انتَهت فُرصُه وآسَف خالِقَه انتَقَم مِنه وأذَاقَه عذابا نُكُرا قَبل أن يُردي به في النيران يَوم القِيامَة نعُوذُ بالله مِنها!
يقُول تعالى في آيَة أُخرى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم)ِ [غافر : 7].
هَل المَغفِرة هُنا مَفتُوحة على مِصراعَيها أم أنَّها مُقيَّدَة بالتَّوبَة؟!
يقُول الله تَعالى في سُورة الحُجُرات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)َ[الحجرات : 11].
هل الآيَة تتحدَّثُ هُنا مَع مُشرِكي قُريش أم مَع أُناس مُسلمين؟! والسؤال ما جَزاءُ الظالمين المَذكُور في الآية؟! لنتدبر هذه الآيات:
(إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ) [المائدة : 29]... (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأعراف : 41].
(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )[الأعراف : 44].
(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً )[مريم : 72].
إذن مَن ماتَ مُصرا عَلى إحدَى هذه المَعاصي المَذكُورة في الآية ولَم يتُب ما مصيرُه بنص هذه الآيات البيِّنات؟! وهَل استَثنى الله تعالى مَثلا فقال: إلا أن تَرجَح حسناتُه على سيِّئاته؟!
- آية أُخرى في سُورة الفُرقان أدعُو كُلَّ ذي عَقل مُتحرِّر غير مُكبَّل بأغلال الرِّوايات وأقوال الرِّجال أن يتدبَّره يقُول فيها الباري عزَّ وجل:(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان : 68]. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان : 69]. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً )[مريم : 60].
هَل المَعاصي المَذكُورة هُنا في هذه الآيَة هِي مَعاصي جُحود لِوحدانيَّة الله تَعالى وأسمائِه وصِفاتِه (كما يُعرِّفُون الشِّرك)؟! أم أنَّها معاصي جَوارِح ارتَكبَها أُناس يدَّعُون الإسلام شَكلا ومَظهَرا (ولكنَّهُم مُشرِكُون في بَواطِنهم شِركا حفيا)؟؟!!!
وهَل هُنالِك مَخرج مِنها غَير التَّوبَة النَّصُوح؟! أين فضائِل الأعمال؟ أين الرُّجحان والميزان؟ أين الشَّفاعَة؟ أين دَعوَة الوالِدين؟!
ليتَ شِعري كَيف يُسارِع أبونا آدَم إلى التَّوبة النَّصُوح (بمُجرَّد أكله مِن الشَّجرة) مُتضرعا لربِّه هُو وزَوجُه: ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف : 23].
وكيفَ يَهرَع أبونا نُوح لاستِغفارِ ربِّه قائِلا نَفس عِبارَة أبيه آدم :(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ )[هود : 47]... بَعدَ أن أخطَأ في طَلب النَّجاة لابنِه الشَّارد! ولمَ لَم يقُل: إنَّ هذه المَعصيَة لا تُساوي شَيئا أمامَ جُهدِ ألف سَنة إلا خَمسين عاما!
ثمَّ يأتي (مُسلموا الرِّوايات لا البيِّنات) ويقُولون لَنا: لا تَقلقُوا على مَصيرِكم الأَبدي؛ ننصحُكم فقَط بأن تدعُوا عَقبَكم صَدقَة جارِية (كعين ماء أو مكتبة أو مَسجِد) وستكُون نَجاتُكم بَعدَ ذَلك مَضمُونة بالفائِض!!
أينَ نحنُ مِن أبينا الخَليل إبراهيم "عليه السَّلام" الذي كانَ يبني الكَعبَة (وأي فضيلَة أعظَمُ مِنها؟) ومَع ذَلك كان لا يفتأ هُو وولدُه يقُولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة : 127]. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة : 128].
الخَليل (عليه السَّلام) يتُوب؛ ورواياتُنا تقُول: اجتَنب الشِّرك (بمفهُومها طَبعا) ولا عَليكَ بعدَ ذَلك فأنتَ على أسوأ الأحوال في "المشيئة!!!!!!!!" يُمكِن أن يُغفَر لك!
إنَّ المُشكِلة كُلُّ المُشكِلة أخانا الغامِدي إنَّما هي في ضَبط المُصطَلحات ضَبطا قُرآنيا صِرفا لا تاريخيا! فكثير مِن النَّاس يتصوَّرون أنّ المُشرِك هُو مَن يعبُد الحَجر والشَّجر ويتَّخِذُ لله أندادا ظاهريَّة (كهُبَل واللات والعُزَّى)، ويُفرِّعُون على هَذا طَبعا أنَّ كُلَّ الآيات التي تتحدَّث عن الشِّرك والكُفر لا تَعنيهِم في شَيء!
أقُول لَهُم: ما ذَكرتُم شِرك لا يُنكَر ولَكن هَل نَحصِرُه في هَذا فقَط؟! ما بالُ ذَلك الحاكِم الذي يُقرُّ بشهادَة الإسلام (زورا وبُهتانا طَبعا) ويقتُل الأبرياءَ مِن شَعبِه ويختَلس الأموال ويَنهَب الثَّروات ويسُوم الأنامَ سُوءَ العَذاب؟! هَل تَشفَع فيه تِلك اللَّقلقَة الفارِغة: أنا مُسلم أومن بالله وملائكته وكُتبه ورُسلِه وأؤدِّي الفَرائِض وأُصلِّي الخَمس ثمَّ إنَّه يَفعَل الأفاعيل التي لَم تخطُر ببالِ إبليسَ نَفسُه؛ ليُدخِله الله الجنَّة بشفاعَة الرِّسُول صل1 الذي يأمُره ربُّه أن يُخرِج مِن الجنَّة من قالَ يَوما: "لا إله إلا الله"!! أيُّ مَنطِق هذا وبأيِّ مَنهَج تحكُمون؟!
حتّى تتَّضِح الصُّورة أكثَر؛ لنُقارِن حالَة هذا الحاكِم الجائِر (على سبيل المِثال طَبعا) مَع إنسان بُوذي نشأ مُسالِما في بلدَته؛ نافع لِقَومه أضافَ للتَّقدُّم العِلمي أشياءَ وأشياءَ؛ فمَع التَّسليم بِضلالِه وشِركِه؛ هَل يُمكِن أن يكُبَّه الله في النَّار ويَدع ذَلك الحاكِم الذي لا ننسى أنَّه أنشأ مستشفيات وجمعيَّات خيريَّة، ودور للأيتام، وأنفَق مِن حُرِّ مالِه لضحايا الزَّلازِل والفيضانات، وووو!
الأَزمة هِي أزمَة مُصطلحات ومَفاهيم لَم تُضبَط كَما يَشاءُ الله تَعالى؛ وإنِّي أُرسِلُ رسالَة في هذا المُلتقى الطَّيب لإعادَة نَظر جِذريَّة في مَفاهيم: الكُفر، الشرك، النفاق، الإيمان، التوبة، التقوى، الإخلاص... وما شاكَلها؛ وأرجُوكُم مِن قَلبي أن تَدعُوا الروايات جَانبا إلى حين وكَذا أقوال الرِّجال جَميعِهم (إلا للاستِعانَة لا للتَّقديس) فسنَصِل بإذن الله تَعالى إلى نَتائج باهِرة، وسنفُكُّ الكَثير مِن الغُموض الذي يَكتَنف مَنظُومتَنا العَقديَّة والفِكريَّة.
سأعُود إليكَ بإذن الله تعالى أستاذي الغامِدي، وأُفصِّل موضُوع الشَّفاعَة في القُرآن الكَريم. وجزاكم الله خيرا


إذن جزاء الظالمين هُو النار وبيس القَرار!
إذا لم تكن آية النساء عن يوم القيامة ، فإنه لن يغفر لأحد كان مشركا ثم أقلع عن شركه ، وأزيد عليه أنه لن يغفر لأحد ارتكب معصية لأنه مشرك في نظرك ، والله قال " إن الله لا يغفر أن يشرك به".
وبهذا أنت تناقض نفسك وتتعبها في سرد ما يخالف قولك في آية النساء.
أسأل الله لي ولك الهداية.

 
مع الأسف الشديد أقول إنك تخلط وتحشد الآيات وتستشهد بها في غير مواضعها،وتفسر القرآن وفق هواك حتى يسند مذهبك.
والأمر واضح بين محسوم قد بينته نصوص القرآن وكلام سيد ولد آدم صل1الثابت بالطرق الصحيحة التي لا يشك في ثبوتها عاقل
فقد جاء في الصحيح:
" أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك"

 
أيها الفاضل نسيم
أقدر فيك جهدك ومثابرتك وقدرتك على الصياغة التي قد تلبس الحق بالباطل عند غير المدقق ، ولكن الثغرات عندك منذ البداية قاتلة.
على أي حال ، اختصارا للموضوع أقول:
الاستقامة على الحق هو الأصل ، والذنب حاصل ، والتوبة واجبة ، وهذا لا جدال فيه.
ولكنك تخلط بين أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين هذا ظاهر في كل كتاباتك ، وهذا منهج مخالف للكتاب والسنة والخط الصحيح الذي سارت عليه هذا الأمة ، ومن شذ شذ في النار.
تدندن حول المنهج الروائي ، وكأنك على مذهب يتلقى الوحي مباشرة من السماء !!
وحتى اختصر لك الجواب حتى يتضح لك الخلل في منهجك:
أنت ترجع إلى المنهج الروائي حين يسفعك ، وترفضه حين لا يكون كذلك ، وهذا منهج مرفوض بنص الكتاب.
إن الذي نقل لك أن النبي صل1 كان يستغفر في اليوم والليلة مئة مرة ، وهو الذي نقل لك حديث البيعة الصحيح الصريح والذي هو فصل في المسألة:
" أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك"

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
 
يا نسيم :
وفقني الله وإياك لما اختلف فيه من الحق.
أخي الفاضل لا يثبت كل ما تقول أمام المنطق العلمي:
أولاً: لأنه لا يصلح أن تستند إلى هذا القرآن بمعزل عن خلفيته التاريخية ، والخلفية التاريخية للقرآن هي الروايات التي تنكرها ، أو تؤمن ببعضها وتكفر بالبعض الآخر.
ثانياً: إن القرآن قد أمرنا أن نتبع سبيل المؤمنين ، في قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء (115). ونحن نرى أن هؤلاء الذين نقلوا لنا الروايات التي ترفضها ، هم أولى الناس باتباع سبيل المؤمنين وأصدق الناس في تمسكهم بها ، فكل المعطيات العلمية والعقلية تشهد بذلك. وإذا كنت لا ترى الأمر كذلك فأخبرنا من هم المؤمنون الذين أمرنا القرآن باتباع سبيلهم ؟
ثالثاً: إن إجماع المسلمين لا يكتسب مشروعيته من الكثرة ، وإنما مشروعيته مكتسبة من الدليل الشرعي الذي يشهد بأنه إجماع حق معصوم. بخلاف إجماع الصينين الذي ذكرت ، أو اليهود والنصارى ، الذي لا يشهد له عقل ولا كتاب ولا أثارة من علم.
رابعاً: لو أنك رجعت إلى جميع الآيات التي استشهدت بها ، ثم تأملت في سياقها لتبين لك فعلا أنك تخلط بين المؤمنين الموحدين ، وبين الكفار المشركين.
هذا ما تيسر الآن ، ولي وقفة أخرى إن شاء الله تعالى.
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
عودة
أعلى