صحةُ العقيدةِ وزيادةُ العلم

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قوله تعالى:{ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) }

قال ابن كثير رحمه الله:
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَعْلِيمِ اللَّهِ إِيَّايَ؛ لِأَنِّي اجْتَنَبْتُ مِلَّةَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَرْجُونَ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا فِي الْمَعَادِ. {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} يَقُولُ: هَجَرْتُ طَرِيقَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَسَلَكْتُ طَرِيقَ هَؤُلَاءِ الْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهَكَذَا يَكُونُ حَالُ مِنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْهُدَى، وَاتَّبَعَ الْمُرْسَلِينَ، وَأَعْرَضَ عَنْ طَرِيقِ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ يَهْدِي قَلْبَهُ وَيُعَلِّمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، وَيَجْعَلُهُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فِي الْخَيْرِ، وَدَاعِيًا إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ.

قال في فتح القدير :
ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي نَالَهُ مِنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ وَالْعُلُومِ الْجَمَّةِ هُوَ بِسَبَبِ تَرْكِ الْمِلَّةِ الَّتِي لَا يُؤْمِنُ أَهْلُهَا بِاللَّهِ وَلَا بِالْآخِرَةِ وَاتِّبَاعِهِ لِمِلَّةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ آبَائِهِ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ يَتَضَمَّنُ التَّعْلِيلَ لِمَا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِالتَّرْكِ هُوَ عَدَمُ التَّلَبُّسِ بِذَلِكَ مِنَ الْأَصْلِ، لَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ تَلَبَّسَ بِهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَا كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَصَلُّبِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَتَهَالُكِهِمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ أَيْ: هُمْ مُخْتَصُّونَ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ لِإِفْرَاطِهِمْ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ.
 
قال في التحرير والتنوير :
وَقَوْلُهُ: مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِيذَانٌ بِأَنَّهُ عَلَّمَهُ عُلُومًا أُخْرَى، وَهِيَ عُلُومُ الشَّرِيعَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالِاقْتِصَادِ وَالْأَمَانَةِ كَمَا قَالَ: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [سُورَة يُوسُف: 55] .
وَزَادَ فِي الِاسْتِينَافِ الْبَيَانِيِّ جُمْلَةَ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَّمَهُ التَّأْوِيلَ وَعُلُومًا أُخْرَى مِمَّا يُثِيرُ السُّؤَالَ عَنْ وَسِيلَةِ حُصُولِ هَذَا الْعِلْمِ، فَأَخْبَرَ بِأَنَّ سَبَبَ عِنَايَةِ اللَّهِ بِهِ أَنَّهُ انْفَرَدَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَرَكَ مِلَّةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَرَادَ الله اخْتِيَاره لديهم، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْجُمْلَةِ تَعْلِيلًا.
وَالتَّرْكُ: عَدَمُ الْأَخْذِ لِلشَّيْءِ مَعَ إِمْكَانِهِ. أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ مِلَّةَ الْقِبْطِ مَعَ حُلُولِهِ بَيْنَهُمْ، وَكَوْنُ مَوْلَاهُ مُتَدَيِّنًا بِهَا.
وَذَكَرَ آبَاءَهُ تَعْلِيمًا بِفَضْلِهِمْ، وَإِظْهَارًا لِسَابِقِيَّةِ الصَّلَاحِ فِيهِ، وَأَنَّهُ مُتَسَلْسِلٌ مِنْ آبَائِهِ، وَقَدْ عَقَلَهُ مِنْ أَوَّلِ نَشْأَتِهِ ثُمَّ تَأَيَّدَ بِمَا عَلَّمَهُ رَبُّهُ فَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ الشَّرَفُ الْعِظَامِيُّ وَالشَّرَفُ الْعِصَامِيُّ. وَلذَلِك
قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَكْرَمِ النَّاسِ: «يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بن إِبْرَاهِيم نبيء ابْن نبيء ابْن نبيء ابْن نبيء»
. وَمِثْلَ هَذِهِ السلسلة فِي النبوءة لَمْ يَجْتَمِعْ لِأَحَدٍ غَيْرَ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالنُّبُوءَةِ أَكْمَلَهَا وَهُوَ الرِّسَالَةُ، أَوْ إِذَا كَانَ إِخْوَةُ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- غَيْرَ أَنْبِيَاءٍ عَلَى رَأْيِ فَرِيقٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَأَرَادَ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ آبَائِهِ اتِّبَاعَهَا فِي أُصُولِهَا قَبْلَ أَن يعْطى النبوءة إِذَا كَانَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَى آبَائِهِ مِنْ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا وَالِاقْتِصَادِ أَوْ أَنَّ نُبُوءَتَهُ كَانَتْ بِوَحْيٍ مِثْلَ مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَى آبَائِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً- إِلَى قَوْلِهِ- أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [سُورَة الشورى: 13] .
وَذِكْرُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الْحَقِّ يَزِيدُ دَلِيلَ الْحَقِّ تَمَكُّنًا، وَذِكْرُ ضِدِّهِمْ فِي الْبَاطِلِ لِقَصْدِ عَدَمِ الْحُجَّةِ بِهِمْ بِمُجَرَّدِهِمْ. كَمَا فِي قَوْلِهِ الْآتِي: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ [سُورَة يُوسُف: 40] .
 
قال السعدي رحمه الله :

ثم قال: { ذَلِكُمَا } التعبير الذي سأعبره لكما { مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي } أي: هذا من علم الله علمنيه وأحسن إليَّ به، وذلك { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه، يكون لمن لم يدخل فيه أصلا.
فلا يقال: إن يوسف كان من قبل، على غير ملة إبراهيم.

قال أبو السعود رحمه الله :
فكأنه قيل : لماذا علمك ربُّك تلك العلومَ البديعة؟ فقيل : لأني تركت ملة الكفرةِ أي دينَهم الذي اجتمعوا عليه من الشرك وعبادةِ الأوثان ، والمراد بتركها الامتناعُ عنها رأساً .
 
عودة
أعلى