ماهر الفحل
New member
- إنضم
- 25/10/2005
- المشاركات
- 450
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
لا شك أن من أحسن كتب مصطلح الحديث كِتابَ الحافظ أبي عَمْرو عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَانِ الشهرزوري ( ت 643 ه ) المسمى "مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيث" ، قَالَ الحافظ ابن حَجَر : (( هذب فنونه وأملاه شيئاً بعد شيء ، فلهذا لَمْ يحصل ترتيبه عَلَى الوضع المتناسب ، واعتنى بتصانيف الخَطِيب المتفرقة فجمع شتات مقاصدها وضم إليها من غيرها نخب فوائدها ، فاجتمع فِي كتابه مَا تفرق فِي غيره ، فلهذا عكف النَّاس عَلَيْهِ ، وساروا بسيره ، فلا يحصى كم ناظم لَهُ ومُخْتَصَر ومستدرك عَلَيْهِ ومقتصر ومعارض لَهُ ومنتصر)) (( نزهة النَّظَرِ : 46-51 )) .
وكَانَ من أحسن تِلْكَ الكتب التي اعتنت بكتاب ابن الصلاح كِتَابُ الحافظ العراقي " شرح التبصرة والتذكرة " ، إذ نظم الحافظ العراقي كِتَاب ابن الصلاح بألفية من الشعر سماها : " التبصرة والتذكرة " ثُمَّ شَرح الألفية بكتابه : " شَرْح التبصرة والتذكرة " . ومنذ ظهور ذَلِكَ الكتاب النفيس اهتم العلماء بهذَا النظم والشرح .
ومن أولئك الذين اعتنوا بـ"شرح التبصرة والتذكرة " الحافظ ابن حَجَر العسقلاني ، وكتاب النكت الوفية ، إنما هُوَ من نتاج ابن حَجَر ، جمعه ورتبه تلميذه النجيب البقاعي وأضاف عَلَيْهِ ؛ حَتَّى خرج بحلة طيبة نافعة ؛ إذ صرّح البقاعيُّ نفسُهُ فِي أول مقدمته فَقَالَ : (( قيّدتُ فِيهَا مَا استفدته من تحقيق تلميذه ، شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر أبي الفضل شِهَابِ الدِّين أحمد بن عَلَيِّ بن حَجَر الكناني العسقلاني ، ثُمَّ المصري الشَّافِعِيّ قاضي القضاة بالديار المصرية أيام سماعي لبحثها عَلَيْهِ ، بارك الله فِي حياته وأدام عموم النفع ببركاته سميتها "النكت الوفية بما فِي شَرْح الألفية" ، واعلم أنَّ مَا كَانَ فيها من بحثي صدرته فِي الغالب بقلت ، وختمته بقولي : والله أعلم …)) (ويظهر لمن يطالع الكتاب أن ما صدره بـ ( قلت ) ، وختمه بـ ( الله أعلم ) لا يمثل عُشر الكتاب ) . ومن يطالع الكتاب لأول وهلة يجد أن مَا لَمْ يصدره بـ : (( قُلْتُ )) أكثر بكثير مِمَّا صدره بـ (( قلت )). مِمَّا يدلنا عَلَى أنَّ غالب الكتاب منقولٌ عَنْ لسان الحافظ ابن حَجَر زيادة عَلَى النصوص الكثيرة التي صرح فِيهَا بالنقل عَنْهُ .
ولأهمية هَذَا الكتاب ونفاسته ومعرفتي بقيمته العلمية من خلال تحقيقينا
" لشرح التبصرة والتذكرة " أردت إخراج هَذَا الكتاب من حيز المخطوط إِلىَ
عالم المطبوعات ، وقد منّ الله عَلَيَّ بأن وقفت عَلَى أربع نسخ خطيّة من الكتاب . إحداهما نسخة نفيسة مقروءة عَلَى المؤلف ، وعليها خطه فِي مواضع كثيرة من حواشي المخطوط ، وقد كتبها الشيخ العالم شِهَاب الدِّين أحمد بن مُحَمَّد بن عُمَرَ الحمصي سنة (880ه ) وغيرها من النسخ الخطية التي تم الحديث عنها في مقدمة الكتاب ، وفي هذه العجالة نماذج من فوائد الكتاب تفصح عن مضمونه ، والله ولي التوفيق .
1- تضمن الكتاب تعاريف مهمة مثل تعريف الحديث الحسن لغيره : 1 / 76 : (( فإنَّ الحسنَ لغيرهِ هو مالهُ سندانِ فأكثرُ ، كلُ ضعيفٍ متماسكٍ فهوَ موصوفٌ بالضعفِ قبلَ معرفةِ ما يعضدهُ مطلقاً ، وبعد ذَلِكَ باعتبارِ كل سَندٍ على انفرادهِ ، وبالحسنِ باعتبارِ المجموعِ )) .
2- التحرير لمسائل شائكة 1 / 94-96 : (( قولهُ : ( الأستاذ أبو منصورٍ التميمي ) (شرح التبصرة والتذكرة 1/ 107 ) أنهُ أجلُّ الأسانيدِ هذا مُسَلَّمٌ ، لكنْ لا ينهضُ دليلاً على الأصحيةِ ؛ لأنها أخصُّ ، والأجليةُ تكونُ مِنْ / 15ب / جهاتٍ عديدةٍ ، والشافعيُّ -رحمهُ اللهُ-–وإنْ كانَ قد حازَ الكمالَ في شروطِ الصحةِ، وزادَ على ذَلِكَ بما آتاهُ اللهُ تعالى منَ العلمِ الذي لا يجارى فيهِ ، والفطنةِ التي كأنها الكشفُ ، لكنْ غيرهُ يشاركهُ في الضبطِ الذي هوَ محطُّ الصحةِ ، ويزيدُ بكثرةِ ممارسةِ حديثِ مالكٍ ، فقالَ يحيى بنُ معينٍ : (( أثبتُ الناسِ في مالكٍ
القعنبيُّ )) (تقريب التهذيب 3620 )، أي : باعتبارِ قدرٍ زائدٍ على كمالِ الضبطِ وهو طولُ الملازمة لهُ ، وكثرةُ الممارسةِ لحديثهِ ، فالشافعيُّ –-رحمهُ اللهُ- أخذَ عن مالكٍ في أوائلِ عمرهِ ، وكانتْ قراءتهُ عليهِ مِنْ أوائلِ قراءتهِ للحديثِ ، ولمْ يلازمهُ ملازمةَ القعنبيِّ وابنِ
وهبٍ ، ولا قريباً منها .
قلتُ : فقولُ البلقينيِّ في كتابهِ " محاسنِ الاصطلاحِ " : (( لا يقالُ : فالقعنبيُّ –وابنُ وهبٍ لهما القعددُ في الروايةِ عن مالكٍ ؛ لأنا نقولُ : وأينَ تقعُ رتبتهما مِنْ رتبة الإمام الشافعيِّ )) ، فيهِ نظرٌ ؛ لما علمتَ من أَنَّ الترجيحَ فيهما إنما هوَ باعتبارِ طولِ الملازمةِ ، وكثرةِ الممارسةِ ، وهذا لا ينقصُ مِنْ مقدارِ الشافعيِّ . وأما زيادةُ إتقانِ الشافعيِّ فلا يشك فيها مَنْ لهُ علمٌ بأخبارِ الناسِ ، فقدْ كانَ أكابرُ المحدّثينَ يأتونهُ، فيذاكرونهُ بأحاديثَ أشكلتْ عليهم ، فيبينُ لهم ما أشكلَ، ويوقفهم على عللٍ غامضةٍ ، فيقومونَ وهم يتعجبونَ منهُ ، كما هوَ مشهورٌ في ترجمتهِ ، وقالَ الإمامُ أحمدُ : (( سمعتُ " الموطأَ " منَ الشّافعيِّ )) ، وذَلِكَ بعدَ سماعهِ لهُ مِنْ عبدِ الرحمانِ بنِ مهدي ، ووجود الرواةِ لهُ عنْ مالكٍ بكثرةٍ ، وقالَ : (( سمعتهُ منهُ لأنيِّ رأيتهُ فيهِ ثبتاً ، فعللَ إعادتهُ لسماعهِ وتخصيصها بالشافعي بأمرٍ يرجعُ إلى الثبتِ )) فتعليله بذلكَ أقلُ ما يفهمُ منهُ : أَنَّ الشّافعيَّ مساوٍ لابنِ مهديٍّ في الثبتِ في حديثِ مالكٍ إنْ لم نقلْ : إنَّهُ يقتضي زيادتهُ عليهِ في الثبتِ ، إذ لو كانَ مساوياً
/ 16 أ / لكانتِ الإعادةُ تحصيلاً للحاصلِ ، وقولُ أحمدَ : (( رأيتهُ فيهِ ثبتاً )) وَرَدَ على سؤالٍ ، فلا يكونُ لتقييدهِ بقيد مفهوماً .
قالَ البلقينيُّ : (( وأبو حنيفةَ وإنْ روى عنْ –مالكٍ -كما ذكرهُ الدارقطني- فلمْ تشتهرْ روايتهُ عنهُ ، كاشتهارِ روايةِ الشافعيِّ )) (محاسن الاصطلاح : 86 ) انتهى .
وأبو منصورٍ التميميُّ البغداديُّ القائلُ هذا كانَ منَ الجامعينَ لفنونِ العلمِ منَ الفقهِ ، والأصولِ ، والأدبِ ، والنحو ، والحسابِ ، وغيرها ، ماتَ سنة سبعٍ وعشرينَ وأربعِ مئةٍ .
3 – تضمن الكتاب تنبيهات مهمة 1 / 99 : (( قولهُ : ( بالحديثِ ) أهلُ الحديثِ يطلقونَ على السندِ وحدهُ حديثاً )) .
4- تضمن الكتاب إحصائيات مهمة 1 / 108 : (( إنَّ مَنْ أفردَ الصحيحَ بالتصنيفِ قومٌ قليلٌ ، كالشيخينِ ، ومنِ استخرجَ على كتابيهما ، أو استدركَ ، وكابنِ خزيمةَ ؛ إذْ صَنفَ في الصحيحِ ، وابنِ حبانَ وأبي عوانةَ ، فالجميعُ لا يبلغونَ عشرينَ ، فمصنفاتهمْ يسيرةٌ بالنسبةِ إلى أسانيدِ صحابي ممنْ ذكرَ ، فإنَّ الأسانيدَ إلى كلٍّ منهمْ كثيرةٌ ، فلأجلِ حسنِ هذا الترتيبِ خالفَ ترتيب ابنِ
الصلاحِ ، وقدمَ هذا على مسألةِ إمكانِ التصحيحِ في /20أ / هذهِ الأعصارِ )) .
5- إشارته إلى أحاديث ضعيفة مع عدم تعليله إياها ، من ذلك قوله في 1 / 125 : ((قالَ بعضُ أصحابنا : منها حديثُ المرأةِ التي شربتْ بولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهي أم أيمنَ -رضي الله عنها- )) .
6- نقله درر ونفائس كنقله عن الشافعي 1 / 126 : ((حتى ذُكِرَ عنِ الشافعيِّ أنَّهُ قالَ : مَن ادّعى أَنَّ السُنّةَ اجتمعتْ كلها عندَ رجلٍ واحدٍ فسقَ ، ومن قالَ : إنَّ شيئاً منها فاتَ الأمةَ فَسَقَ )) .
7- بيانه فوائد المستخرجات كقوله في 1 / 150- 151 : (( ........ كما قدَّمنا عن أبي عوانةَ . قالَ : وقد أبلغتُ الفوائدَ إلى عشرٍ أو أكثرَ ، فمنها : أنْ يكونَ مصنِّفُ الصحيحِ رَوَى عن مختلطٍ ولم يُبَيّنْ هل سماعُ ذلكَ الحديثِ منه في هذهِ الروايةِ قبلَ الاختلاط ، أو بعده ؟ فيبينهُ المستخرجُ ، إما تصريحاً ، أو بأنْ يرويهُ عنهُ مِنْ طريقِ منْ لم يسمعْ منهُ إلا قبلَ الاختلاطِ ، ومنها : أَن يُروَى في "الصحيحِ" عن مدلسٍ بالعنعنةِ ، فيرويهِ المستخرِجُ بالتصريحِ بالسماعِ فهاتانِ فائدتانِ جليلتانِ ، وإنْ كنا لا نتوقفُ في صحةِ ما رُوِيَ في الصحيحِ مِنْ ذلكَ ، غيرَ مبينٍ ، ونقولُ : لو لم يطّلعْ مصنِّفهُ مِن البخاريِّ ، أو مسلمٍ أنهُ روى عنهُ قبلَ الاختلاطِ ، وأَنَّ المدلسَ سمعَ ، لم يخرجاهَ ، فقد سألَ السبكيُّ المزيَّ : هل وُجِدَ لكلِ ما روياهُ بالعنعنةِ طرقٌ مصرحٌ فيها بالتحديثِ ؟ فقالَ : كثير مِنْ ذلكَ لم يوجدْ ، وما يسعنا إلا تحسينُ الظنِ . ومنها : أَنْ يروى عن مبهمٍ كأن يقولا : حدثنا فلانٌ ، أو رجلٌ ، أو فلانٌ وغيرهُ ، أو غيرُ واحدٍ ، أو نحو ذلكَ ، فيعينهُ المستخرجُ .
ومنها : أَن يرويَ عن مهملٍ نحوَ حدثنا محمدٌ / 35 ب / مِنْ غيرِ ذكرِ ما يميزهُ عن غيرهِ منَ المحمدينَ ، ويكونُ في مشايخِ مَنْ رواهُ كذلكَ ، مَن يشاركهُ في الاسمِ ، فيميزهُ المستخرجُ .
ثم نَقلَ شيخُنا عن الحافظِ شمسِ الدينِ بنِ ناصرِ الدينِ أنَّهُ نيّفَ بالفوائدِ عن الخمسَ عشرَةَ ، فأفكرَ ملياً ، ثم قالَ : عندي ما يزيدُ على ذلكَ بكثيرٍ ، وهوَ أَنَّ كلَّ علةٍ أُعلَ بها حديثٌ في أحدِ الصحيحينِ ، جاءت روايةُ المستخرجِ سالمةً
منها ، فهي مِنْ فوائدِ المستخرجِ ، وذَلِكَ كثيرٌ جداً ، واللهُ الموفقُ .
8- بيانه طبقات أصحاب الزهري 1 / 158-159 : ((قالَ شيخنا : / 38ب/ (( كلامهُ أبسطُ مِنْ هذا ، وهوَ أنَّهُ عمد إلى الزهري لكثرةِ أصحابه ، فجعلهم خمسَ طبقاتٍ :
الأُولى : مَنْ طالت ملازمتهُ لهُ ، بل ما انفكَّ عنهُ حتى كانَ يُزَامله على الراحلةِ في السفرِ، وَيلازمهُ في الحضر مع الإتقانِ التامِّ .
الثانيةُ : مَنْ هم دونَ هؤلاءِ في الإتقانِ، وَالملازمةِ .
الثالثة : مَنْ لم يلازم أَصلاً ، أَو إلا يسيراً مع إتقانٍ ، وَلكنهُ دونَ إتقانِ منْ قبلهُ .
الرابعةُ : مَنْ يطلقُ عليهِ اسمُ الصدقِ ، ولم يَسلمْ مِنْ غوائلِ الجرحِ .
الخامسةُ : الضعفاءُ .
فالبخاريُّ يخرجُ حديثَ الطبقةِ الأولى ، وعن أعيانِ الطبقةِ الثانيةِ ، وإنْ أخرجَ عنِ الثالثةِ فيقلُّ جداً ، ويتلابقُ فيهِ بحيثُ إنَّهُ لا يسوقهُ مساقَ الكتابِ بحدثنا ، وأخبرَنا ، بل يقولُ : روى فلانٌ ، وقالَ فلانٌ ، وتابعهُ فلانٌ ، ونحوَ ذَلِكَ ، قالَ : وهذا مما رُجِّحَ بهِ البخاريُّ على مسلمٍ ؛ فإنَّ مسلماً يخرجُ حديثَ الطبقةِ الأولى إنْ وجدَ ، ثمَّ حديث الثانيةِ كاملاً ، ثمَّ عن أعيانِ الثالثةِ ، ثمَّ يقلُّ جداً عن الرابعةِ ، ويؤخرُ حديثهمْ ، فيجعلهُ على وجهِ المتابعةِ ، لكنهُ يسوقُ الكلَّ مساقاً واحداً بحدّثنا وأخبرنا ، فلا يميزه إلا عارفٌ بالفنِ بأمورٍ خارجيةٍ . قالَ : وأيضاً فإنَّ البخاريَّ إذا أخرجَ عن منْ تكلمَ في حديثهِ أقلّ جداً مما يخرجُ عنهُ ، وأكثرهم منْ مشايخهِ ، أو مَن قَرُبَ منهم ، فيغلبُ على الظنِّ أنَّهُ أطلعَ على صحةِ ذَلِكَ الخبرِ الذي يخرجهُ عن أحدهم بأمورٍ خارجيةٍ / 39 أ / ومسلمٌ بخلافِ ذَلِكَ ، قالَ : ويأتي في كلامِ الحازميِّ أيضاً ما تقدمَ في كلامِ ابنِ طاهرٍ مِنْ أَنَّ هذا الذي قررهُ هوَ الأصلُ ، وقد يخرجانِ عنهُ لمصلحةٍ يرَيانها )) .
9- 1 / 165 : (( إنَّ الراوي قد يكونُ ضعيفاً في راوٍ ثقة في غيرهِ )) .
9م- النقل عن الشرح الكبير نصوص نفيسة 1 / 166- 167 : ((قلتُ : قوله : ( وقد بينتُ المثليةَ في " الشرحِ الكبيرِ " ) عبارتهُ فيهِ :
(( ثمَّ ما المرادُ بالمثلية عندهما ، أو عندَ غيرهما ، فقد يكونُ بعضُ منْ لم يخرج عنهُ في
" الصحيحِ" مثل منْ خرجَ عنهُ فيهِ ، أو أعلى منهُ عند غيرِ الشيخينِ ، ولا يكونُ الأمرُ عندهما على ذلكَ ، فالظاهرُ أنَّ المعتبرَ وجودُ المثليةِ عندهما ، ثم المثليةُ عندهما تعرفُ إمّا بتنصيصِهما على أَنَّ فلاناً مثلُ فلانٍ ، أو أرفعُ منهُ ، وقَلَّ ما يوجدُ
ذلكَ ، وإمّا بالألفاظِ الدالةِ على مراتبِ التعديلِ ، كأنْ يقولا في بعضِ مَنِ احتجا بهِ : ثقةٌ ، أو ثبتٌ ، أو صدوقٌ ، أو لا بأسَ بهِ ، أو غير ذلكَ مِنْ ألفاظِ التوثيقِ ، ثمَّ وجدنا عنهما أنهما قالا ذلكَ أو أعلى منهُ في بعضِ منْ لم يحتجا بهِ في كتابيهما ، فيستدلُ بذلكَ على أنَّهُ عندهما في رتبةِ من احتجا بهِ ؛ لأنَّ مراتبَ الرواةِ معيارُ معرفتها ألفاظُ التعديلِ والجرحِ . ولكنْ هنا أمرٌ فيهِ غموضٌ لا بدَّ مِنَ الإشارةِ إليهِ ، وذلكَ أنهم لا يكتفونَ في التصحيحِ بمجردِ حالِ الراوي في العدالةِ والاتصالِ ، مِنْ غيرِ نظرٍ إلى غيرهِ ، بل ينظرونَ في حاله معَ منْ رَوَى عنه ، في كثرةِ ملازمتهِ له ، أو قلتها ، أو كونه مِنْ بلدهِ ممارساً لحديثهِ ، أو غريباً منْ بلدِ منْ أخذَ عنهُ ، وهذهِ أمورٌ تظهرُ بتصفّحِ كلامهم ، وعملهم في ذلكَ ، واللهُ تعالى أعلمُ )) .
10- تنبيهات مهمة 1 / 169 : (( وتختصُ الكتبُ الستةُ المشهورةُ كأبي داودَ مثلاً بأنا لا نحتاجُ فيها إلى إسنادٍ خاصٍ منا إلى مصنفيها، فإنّهُ تواترَ عندنا أنَّ هذا الكتابَ تصنيفُ أبي داودَ مثلاً حتى لو أنكرَ ذلكَ منكرٌ، حصلَ لطلابِ هذا الفنِ منَ الاستخفافِ بعقلهِ ، ما يحصلُ لو قالَ : لم يكنْ في الأرضِ بلدٌ تسمى بغداد ، وعنِ الإمامِ نجمِ الدينِ الزاهديِّ من أئمةِ الحنفيةِ - أنّهُ قالَ في " القِنيةِ " : (( إنّ الكتبَ المشهورة لا يُحتاجُ فيها إلى إسنادٍ خاصٍ ، بل يقطعُ بنسبتها إلى من اشتهرت /43ب/ عنهُ )) .
11 - تفسيره مصطلحات مهمة كتفسير صالح لأبي داود قال في 1/ 188 : (( ........ وخفيَ عليهم أنَّهُ يريدُ بـ ( صالحٍ ) أعمَّ منَ الصلاحيةِ للاعتبارِ ، أو الاحتجاجِ، وأشدُّ من هذا أنْ يكونَ إنما سكتَ عليهِ في الموضعِ الذي نقلوهُ منهُ ؛ لتبيينهِ حاله في موضعٍ آخرَ ، ووراءَ ذلكَ كله أنَّهُ يحتجُ بالضعيفِ إذا لم يجد في البابِ غيرَهُ على طريقةِ الإمامِ أحمدَ ، فإنَّ ذلكَ عندهُ أولى من رأي الرجالِ. )) . وأعاد نحوه في 257 من الجزء المذكور .
12- 1فرائد الفوائد والعوائد / 237 : ((أَنَّ العَدالةَ تَثبت إمَّا بالتَنصيصِ عَليهَا ، كالمصَرحِ بتوثِيقهِم ، وهم كَثيرونَ، أو بتَخرِيجِ / 65ب / مَن التَزمَ الصَحةَ في كتَابٍ لَه ، فَالعدالةُ أيضَاً تَثبتُ بذلِكَ، وَكذلكَ الضَبطُ والإتقَانُ دَرجاتُه متَفاوتةٌ ، فلا يُشتَرطُ أعلى وُجوهِ الضَبطِ كَمالكٍ وَشعبةَ ، بلِ المرادُ بالضَبطِ أَنْ لا يكونَ مُغفَلاً كثِيرَ الغَلطِ ، وذلِكَ بأنْ يعتبرَ حَديثُه بحَديثِ أَهلِ الضَبطِ والإتقَانِ ، فَإنْ وافقَهم غَالباً فَهوَ ضَابطٌ )) .
13- قواعد في العلل1/ 251 : (( ومنَ القواعدِ أَنَّ الراويينِ إذا اختلفا قُدّمَ الذي ذكرَ قصةً في حديثهِ ؛ لأنَّ ذِكرَها مظنةٌ لزيادةِ ضبطهِ )) .
14- مناهج المحدثين 1/ 277 : (( إنَّ إسحاقَ بنَ راهويهِ يخرجُّ أمثلَ ما وردَ عن ذلكَ الصحابيِّ )) .
15 - كلامه عن بعض المصنفات فيما يتعلق بتصنيفها 1/ 281 :/ ((قوله : ( ويقالُ : إنهُ أولُ مسندٍ صنِّفَ ) الذي حمل قائلَ هذا القولِ عليهِ تقدّمُ عصر أبي / 80 ب / داودَ على أعصارِ منْ صنَّفَ المسانيدَ ، وظَنَّ أنَّهُ هوَ الذي صنَّفهُ ، وليسَ كذلكَ ، فإنَّهُ ليسَ مِنْ تصنيفِ أبي داودَ ، وإنَّما هوَ جمعُ بعض الحفّاظِ الخراسانيينَ ، جمعَ فيهِ ما رواهُ يونسُ بنُ حبيبَ خاصةً عنْ أبي داودَ ، ولأبي داودَ منَ الأحاديثِ التي لم تدخلْ هذا المسندَ قدره أو أكثر ، بلْ قدْ شذَّ عنهُ كثيرٌ منْ روايةِ يونسَ ، عنْ أبي داودَ ، قالَ : وشبيهٌ بهذا " مسندُ الشافعيِّ " فإنَّهُ ليسَ تصنيفهُ ، وإنما لَقَطَهُ بعضُ الحفّاظِ النيسابوريينَ منْ مسموعِ الأصمِّ منَ " الأمِّ " وسمعهُ عليهِ ، فإنَّهُ كانَ سمعَ " الأمَّ "، أو غالبها على الربيعِ ، عن الشافعيِّ ،
وعَمَّرَ، فكانَ آخرُ مَنْ رَوَى عنهُ ، وحصلَ لهُ صممٌ ، فكانَ في السماعِ عليهِ
مشقةٌ. )) .
16- نكت نادرة 1/ 298 : (( إنَّ الضبطَ / 87 ب / الذي في راوي الحسنِ مشترطٌ فيهِ القصورُ ، والذي في راوي الصحيحِ مشترطٌ فيهِ التمامُ )) .
17- احتواؤه على أشعار كثير .
18- 1/355 اجتهاده في قضايا مهمة كقوله في 1/ 355 : (( إنَّ القولَ السَديدَ في أصلِ المسألةِ : أنَّ ما يأتي عن الصَحابةِ مِمّا لا مجالَ للرأي فيهِ ، إنْ كانَ حُكماً مِنَ الأحكامِ فهوَ مرفوعٌ ؛ لأنَّ الأحكامَ لا تؤخذُ إلا بالاجتهادِ ، أو بقولِ مَن لهُ الشرعُ ، وقد فَرضنا أنَّهُ ممَّا لا يُجتهدُ فيهِ ، فانحصر في أنَّهُ مِن قولهِ صلى الله عليه وسلم .
وإنْ لم يَكنْ مِن الأحكامِ ، فَإنْ كانَ ذلِكَ الصَحابي لم يأخذ عنِ الإسرائيلياتِ فكذلك ؛ لأنَّ ما لا مجالَ للرأي فيهِ ، لا بدَّ للصحابي فيهِ مِن مُوقِّفٍ ، فيكونُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، إذ / 108 ب / المسألةُ مفروضةٌ فيمَن لم يأخذ عن أهلِ الكِتابِ ، وإلا فموقوفٌ ؛ لاحتمال أنْ يكونَ سَمعهُ مِن أهلِ الكتابِ ، وما يَرِد عن أهلِ الكتابِ ينحصِرُ في ثلاثةِ أقسامِ :
أنْ يكونَ شرعُنا قَد جَاءَ بتصديقهِ ، فالعمل بشَرعِنا حينئذٍ ، أو بتكذيبهِ ، فلا يَحلُّ نقلهُ مَسكوتاً عنهُ ، أو يكونَ شَرعُنا سَاكتاً عنهُ ، فهذا هوَ الذِي نقلهُ بعضُ الصَحابةِ عن أهلِ الكِتابِ ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ صِدقاً ، وَيحتملُ أيضاً أنْ يكونَ قَد بدّلَ ، فيكذبُ )) .
19- مرويات الصحابة عن التابعين قال في 1/366 : (( ........ كمراسِيلِ الصَحابةِ ؛ لأنَّ روايةَ الصَحابةِ إمَّا أنْ تكونَ عَن النَبي صلى الله عليه وسلم ، أو عَن صَحابيٍّ آخرَ ، وَالكلُّ مقبولٌ ، واحتمالُ كونِ الصَحابيِ الذي أدركَ وَسَمعَ ، يروي عَن التابعينَ بَعيدٌ جِداً ، على أنَّ ذلِكَ استُقرئ فَلم يَبلُغ
/ 113 أ / عشرةَ أحاديثَ )) .
وأعاد نحوه في 1/ 390فقال : ((قولُهُ : ( إذ قَد سَمعَ جماعةٌ مِن الصَحابةِ مِن بعضِ التَابعينَ ) استقرئ ما وقعَ مِن روايةِ الصَحابةِ عَن التابعينَ ، فلَم يوجدْ فيهِ حكمٌ مِن الأحكامِ ، وإنما ذَلِكَ مجردُ قَصصٍ وأخبارٍ ، هَكذا حَفظتُ مِن شيخِنا ، وقالَ شيخُهُ المصنِّفُ : إنَّ ذَلِكَ إنَّما / 121ب / هوَ بحسبِ الأكثرِ )) .
20- حده لقضايا مهمة كحده للصحابي الكبير والصغير ؛ إذ قال في 1 / 370 : ((والكَبيرُ مَن رأى أكابِرَ الصَحابةِ ، والصَغيرُ مَن لَم ير إلاّ أصاغرَهُم ، لا كَما يُفهمُهُ كَلامُهُ )) .
21- الأصالة في الاجتهاد والترجيح كقوله في السند الذي فيه مبهم كما في 1 / 386 : (( وَهَذا هُوَ التحقيقُ ، أنَّ هَذا ليسَ مُرسلاً ولا منقطعاً ؛ لأنهُ لا ينطبقُ عليهِ تَعريفُ واحدٍ منهما ، بل هوَ مُتصِلٌ ، في إسنادهِ راوٍ مبهمٌ )) .
22- النقل من كتب عزيزة كنقله من شرح الرسالة للشافعي كما قال في 1/410 : ((قالَ الإمامُ أبو بكرٍ الصيرفي في شرحهِ : (( لأنَّ فلاناً ، عن فلانٍ إذا لقيهُ فهوَ على السماعِ حتى يُعرفَ خلافهُ ، وليسَ الناسُ على أنَّ عليهم ديوناً حتى يُعلمَ خلافه ، فالشهادةُ تختصُ بأنْ يحتاطَ فيها من هذا الوجهِ )) .
23- ذكره لقواعد مهمة كقوله في 1/413 : (( إنَّ الشخصَ قد يُكثِرُ النقلَ عن شخصٍ ، فيُعرفُ بالروايةِ عنهُ ، ولا يكونُ اجتمعَ بهِ أصلاً ، أو يكونُ اجتمعَ بهِ ، ولم يسمعْ منهُ شيئاً )) .
23- تعريف لقضايا لطيفة كما عرف اختلاف الرفع والوقف فقال في 1/426 : (( مثلَ أنْ يرويَ مالكٌ ، عن نافعٍ ، عنِ ابنِ عمرَ ، عن عمرَ حديثاً موقوفاً عليهِ ، فيرويهِ غيرُ مالكٍ ، عن نافعٍ ، عنِ ابنِ عمرَ ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم / 134ب / فيرفعَهُ ، ولا يذكرُ عمرَ )) .
24- ذكره دقائق مهمة كما قال في 1/ 428 : (( أنَّ ابنَ القطانِ أولُ من اخترعَ اسمَ التسويةِ ، ولم يسمِّها تدليساً ، ولا أدخلها في أنواعهِ )) .
ثم قال في 1/453 : ((قولُهُ): ( وقد سماهُ ابنُ القطانِ تدليسَ التسويةِ ) قالَ شيخُنا : (( ليسَ كذلكَ ، فإنَّ ابنَ القطانِ إنما سمّاهُ (( تسويةً )) لَم يذكرْ معهُ لفظةَ (( التدليسِ )) ، وإنما يقولُ : (( سواهُ فلانٌ )) ، و(( هذهِ تسويةٌ )) ونحو هَذا .
والتحقيقُ في هَذا القسمِ ، أنْ يقالَ : متى قيل : (( تدليسُ التسويةِ )) فلا بدَّ أنْ يكونَ كلٌّ منَ الثقاتِ الذينَ حُذفتْ بينهمُ الوسائطُ في ذلِكَ الإسنادِ قَد اجتمعَ الشخصُ منهمُ بشيخِ شيخهِ في ذلِكَ الحديثِ ، وإنْ قيلَ : (( تسويةٌ )) من غيرِ أنْ يُذكرَ تدليسٌ ، فلا يحتاجُ إلى اجتماعِ أحدٍ مِنهُم بمن فوقه ، كَما فعلَ مالكٌ
رحمهُ اللهُ ، فإنَّهُ لَم يقعْ في التدليسِ أصلاً ، ووقعَ في هَذا ، فإنَّهُ يروي عَن ثورٍ ، عنِ ابنِ عباسٍ ، وثورٌ لَم يلقَ ابنَ عباسٍ ، وإنما رَوَى عَن عكرمةَ عنهُ ، فأسقطَ مالكٌ عكرمةَ ؛ لأنَّهُ غيرُ حجةٍ عندهُ . فإنْ قيلَ : ما الفرقُ بين هَذا القسمِ ، وبينَ المنقطعِ ؟ قيلَ : هَذا شرطُهُ أنْ يكونَ الساقطُ ضعيفاً ، فهوَ منقطعٌ خاصٌ )) .
وكقوله في 1/ 436 : ((قالَ شيخُنا : (( وأما قولهُ : (( قالَ لنا )) فحكمهُ الاتصالُ ، لكنْ إنما يعدلُ
/ 138 أ / عن قولهِ : (( حدثنا )) ونحوهِ لنكتةٍ بديعةٍ ، فتارةً يكونُ الحديثُ ظاهرهُ الوقفُ ، وهو لم يضع كتابهُ إلا للحديثِ المسندِ ، لكن يكونُ فيهِ شائبة الرفعِ إذا دققَ النظر )) .
25- دفاعه النفيس عن من نبز الخطيب بالتدليس إذ قال في 1/ 449 : ((قولُهُ : ( وممن يفعلُ ذلِكَ كثيراً الخطيبُ ) قالَ : ينبغي أنْ يكونَ الخطيبُ قدوةً في ذلكَ ، وأنْ يستدلَّ بفعلهِ على جوازهِ ، فإنهُ إنَّما يُعمّي على غيرِ أهل الفنِّ ،
وأمّا أهلُهُ فلا يخفَى ذلِكَ عليهم لمعرفتِهم بالتراجمِ ، ولم يكنِ الخطيبُ يفعلُهُ إيهاماً للكثرةِ ، فإنهُ مكثرٌ منَ الشيوخِ والمروياتِ ، والناسُ بعدهُ عيالٌ عليهِ ، وإنما يفعلُ ذلِكَ تفنناً في العبارةِ ، وربما أدتْ ضرورةُ التصنيفِ إلى تكرارِ الشيخِ الواحدِ عَن قربٍ، فينوعُ أوصافهُ لئلا يصيرَ مبتذلاً ينفرُ السمعُ منهُ ؛للتكرارِ المحضِ ، واللهُ
أعلمُ )) .
25- بيانه لحدود مهمة كشرحه تدليس الشيوخ إذ قال في 1/450 : (( وصورته : أنْ يكونَ شيخُهُ ضعيفاً عند الناسِ ، ثقةً عندهُ ، فيصفهُ بوصفٍ
لا يعرفُ بهِ ، /143ب/ ثُمَّ يقولُ : وَهوَ ثقةٌ ، أو ثبتٌ ، أو نحو ذلِكَ ، ويكونُ مِن أهلِ الجرحِ والتعديلِ ، فيقلّدهُ مَن لَم يطّلعْ على حقيقةِ ذلكَ )) .
قوله الفصل في قضايا سكت عنها بعضهم كقوله في 1/ 453 : (( وسألتُ / 144 ب / شيخنا : هل تدليسُ التسويةِ جرحٌ ؟ ،
فقالَ : لا شكَّ أنَّهُ جرحٌ ؛ فإنَّهُ خيانةٌ لمن ينقلُ إليهم وغرورٌ ، قلتُ : فكيفَ
يوصفُ بهِ الثوريُّ والأعمشُ معَ جلالتِهما ؟ فقالَ : أحسنُ ما يعتذرُ بهِ في هَذا البابِ أنَّ مثلَهما لا يفعلُ ذلِكَ إلا في حقِّ مَن يكونُ ثقةً عندهُ ، ضعيفاً عندَ
غيرهِ )) .
26- تعريفه ببعض الكتب كقوله في 1/471 : (( قولُهُ : ( وذكرَ مسلمٌ في "التمييزِ" ) هوَ كتابٌ وضعهُ مسلمٌ في العللِ )) .
27- وغيرها كثير اقتصرنا على ما ذكر اقتصاداً في الوقت .
وكَانَ من أحسن تِلْكَ الكتب التي اعتنت بكتاب ابن الصلاح كِتَابُ الحافظ العراقي " شرح التبصرة والتذكرة " ، إذ نظم الحافظ العراقي كِتَاب ابن الصلاح بألفية من الشعر سماها : " التبصرة والتذكرة " ثُمَّ شَرح الألفية بكتابه : " شَرْح التبصرة والتذكرة " . ومنذ ظهور ذَلِكَ الكتاب النفيس اهتم العلماء بهذَا النظم والشرح .
ومن أولئك الذين اعتنوا بـ"شرح التبصرة والتذكرة " الحافظ ابن حَجَر العسقلاني ، وكتاب النكت الوفية ، إنما هُوَ من نتاج ابن حَجَر ، جمعه ورتبه تلميذه النجيب البقاعي وأضاف عَلَيْهِ ؛ حَتَّى خرج بحلة طيبة نافعة ؛ إذ صرّح البقاعيُّ نفسُهُ فِي أول مقدمته فَقَالَ : (( قيّدتُ فِيهَا مَا استفدته من تحقيق تلميذه ، شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر أبي الفضل شِهَابِ الدِّين أحمد بن عَلَيِّ بن حَجَر الكناني العسقلاني ، ثُمَّ المصري الشَّافِعِيّ قاضي القضاة بالديار المصرية أيام سماعي لبحثها عَلَيْهِ ، بارك الله فِي حياته وأدام عموم النفع ببركاته سميتها "النكت الوفية بما فِي شَرْح الألفية" ، واعلم أنَّ مَا كَانَ فيها من بحثي صدرته فِي الغالب بقلت ، وختمته بقولي : والله أعلم …)) (ويظهر لمن يطالع الكتاب أن ما صدره بـ ( قلت ) ، وختمه بـ ( الله أعلم ) لا يمثل عُشر الكتاب ) . ومن يطالع الكتاب لأول وهلة يجد أن مَا لَمْ يصدره بـ : (( قُلْتُ )) أكثر بكثير مِمَّا صدره بـ (( قلت )). مِمَّا يدلنا عَلَى أنَّ غالب الكتاب منقولٌ عَنْ لسان الحافظ ابن حَجَر زيادة عَلَى النصوص الكثيرة التي صرح فِيهَا بالنقل عَنْهُ .
ولأهمية هَذَا الكتاب ونفاسته ومعرفتي بقيمته العلمية من خلال تحقيقينا
" لشرح التبصرة والتذكرة " أردت إخراج هَذَا الكتاب من حيز المخطوط إِلىَ
عالم المطبوعات ، وقد منّ الله عَلَيَّ بأن وقفت عَلَى أربع نسخ خطيّة من الكتاب . إحداهما نسخة نفيسة مقروءة عَلَى المؤلف ، وعليها خطه فِي مواضع كثيرة من حواشي المخطوط ، وقد كتبها الشيخ العالم شِهَاب الدِّين أحمد بن مُحَمَّد بن عُمَرَ الحمصي سنة (880ه ) وغيرها من النسخ الخطية التي تم الحديث عنها في مقدمة الكتاب ، وفي هذه العجالة نماذج من فوائد الكتاب تفصح عن مضمونه ، والله ولي التوفيق .
1- تضمن الكتاب تعاريف مهمة مثل تعريف الحديث الحسن لغيره : 1 / 76 : (( فإنَّ الحسنَ لغيرهِ هو مالهُ سندانِ فأكثرُ ، كلُ ضعيفٍ متماسكٍ فهوَ موصوفٌ بالضعفِ قبلَ معرفةِ ما يعضدهُ مطلقاً ، وبعد ذَلِكَ باعتبارِ كل سَندٍ على انفرادهِ ، وبالحسنِ باعتبارِ المجموعِ )) .
2- التحرير لمسائل شائكة 1 / 94-96 : (( قولهُ : ( الأستاذ أبو منصورٍ التميمي ) (شرح التبصرة والتذكرة 1/ 107 ) أنهُ أجلُّ الأسانيدِ هذا مُسَلَّمٌ ، لكنْ لا ينهضُ دليلاً على الأصحيةِ ؛ لأنها أخصُّ ، والأجليةُ تكونُ مِنْ / 15ب / جهاتٍ عديدةٍ ، والشافعيُّ -رحمهُ اللهُ-–وإنْ كانَ قد حازَ الكمالَ في شروطِ الصحةِ، وزادَ على ذَلِكَ بما آتاهُ اللهُ تعالى منَ العلمِ الذي لا يجارى فيهِ ، والفطنةِ التي كأنها الكشفُ ، لكنْ غيرهُ يشاركهُ في الضبطِ الذي هوَ محطُّ الصحةِ ، ويزيدُ بكثرةِ ممارسةِ حديثِ مالكٍ ، فقالَ يحيى بنُ معينٍ : (( أثبتُ الناسِ في مالكٍ
القعنبيُّ )) (تقريب التهذيب 3620 )، أي : باعتبارِ قدرٍ زائدٍ على كمالِ الضبطِ وهو طولُ الملازمة لهُ ، وكثرةُ الممارسةِ لحديثهِ ، فالشافعيُّ –-رحمهُ اللهُ- أخذَ عن مالكٍ في أوائلِ عمرهِ ، وكانتْ قراءتهُ عليهِ مِنْ أوائلِ قراءتهِ للحديثِ ، ولمْ يلازمهُ ملازمةَ القعنبيِّ وابنِ
وهبٍ ، ولا قريباً منها .
قلتُ : فقولُ البلقينيِّ في كتابهِ " محاسنِ الاصطلاحِ " : (( لا يقالُ : فالقعنبيُّ –وابنُ وهبٍ لهما القعددُ في الروايةِ عن مالكٍ ؛ لأنا نقولُ : وأينَ تقعُ رتبتهما مِنْ رتبة الإمام الشافعيِّ )) ، فيهِ نظرٌ ؛ لما علمتَ من أَنَّ الترجيحَ فيهما إنما هوَ باعتبارِ طولِ الملازمةِ ، وكثرةِ الممارسةِ ، وهذا لا ينقصُ مِنْ مقدارِ الشافعيِّ . وأما زيادةُ إتقانِ الشافعيِّ فلا يشك فيها مَنْ لهُ علمٌ بأخبارِ الناسِ ، فقدْ كانَ أكابرُ المحدّثينَ يأتونهُ، فيذاكرونهُ بأحاديثَ أشكلتْ عليهم ، فيبينُ لهم ما أشكلَ، ويوقفهم على عللٍ غامضةٍ ، فيقومونَ وهم يتعجبونَ منهُ ، كما هوَ مشهورٌ في ترجمتهِ ، وقالَ الإمامُ أحمدُ : (( سمعتُ " الموطأَ " منَ الشّافعيِّ )) ، وذَلِكَ بعدَ سماعهِ لهُ مِنْ عبدِ الرحمانِ بنِ مهدي ، ووجود الرواةِ لهُ عنْ مالكٍ بكثرةٍ ، وقالَ : (( سمعتهُ منهُ لأنيِّ رأيتهُ فيهِ ثبتاً ، فعللَ إعادتهُ لسماعهِ وتخصيصها بالشافعي بأمرٍ يرجعُ إلى الثبتِ )) فتعليله بذلكَ أقلُ ما يفهمُ منهُ : أَنَّ الشّافعيَّ مساوٍ لابنِ مهديٍّ في الثبتِ في حديثِ مالكٍ إنْ لم نقلْ : إنَّهُ يقتضي زيادتهُ عليهِ في الثبتِ ، إذ لو كانَ مساوياً
/ 16 أ / لكانتِ الإعادةُ تحصيلاً للحاصلِ ، وقولُ أحمدَ : (( رأيتهُ فيهِ ثبتاً )) وَرَدَ على سؤالٍ ، فلا يكونُ لتقييدهِ بقيد مفهوماً .
قالَ البلقينيُّ : (( وأبو حنيفةَ وإنْ روى عنْ –مالكٍ -كما ذكرهُ الدارقطني- فلمْ تشتهرْ روايتهُ عنهُ ، كاشتهارِ روايةِ الشافعيِّ )) (محاسن الاصطلاح : 86 ) انتهى .
وأبو منصورٍ التميميُّ البغداديُّ القائلُ هذا كانَ منَ الجامعينَ لفنونِ العلمِ منَ الفقهِ ، والأصولِ ، والأدبِ ، والنحو ، والحسابِ ، وغيرها ، ماتَ سنة سبعٍ وعشرينَ وأربعِ مئةٍ .
3 – تضمن الكتاب تنبيهات مهمة 1 / 99 : (( قولهُ : ( بالحديثِ ) أهلُ الحديثِ يطلقونَ على السندِ وحدهُ حديثاً )) .
4- تضمن الكتاب إحصائيات مهمة 1 / 108 : (( إنَّ مَنْ أفردَ الصحيحَ بالتصنيفِ قومٌ قليلٌ ، كالشيخينِ ، ومنِ استخرجَ على كتابيهما ، أو استدركَ ، وكابنِ خزيمةَ ؛ إذْ صَنفَ في الصحيحِ ، وابنِ حبانَ وأبي عوانةَ ، فالجميعُ لا يبلغونَ عشرينَ ، فمصنفاتهمْ يسيرةٌ بالنسبةِ إلى أسانيدِ صحابي ممنْ ذكرَ ، فإنَّ الأسانيدَ إلى كلٍّ منهمْ كثيرةٌ ، فلأجلِ حسنِ هذا الترتيبِ خالفَ ترتيب ابنِ
الصلاحِ ، وقدمَ هذا على مسألةِ إمكانِ التصحيحِ في /20أ / هذهِ الأعصارِ )) .
5- إشارته إلى أحاديث ضعيفة مع عدم تعليله إياها ، من ذلك قوله في 1 / 125 : ((قالَ بعضُ أصحابنا : منها حديثُ المرأةِ التي شربتْ بولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهي أم أيمنَ -رضي الله عنها- )) .
6- نقله درر ونفائس كنقله عن الشافعي 1 / 126 : ((حتى ذُكِرَ عنِ الشافعيِّ أنَّهُ قالَ : مَن ادّعى أَنَّ السُنّةَ اجتمعتْ كلها عندَ رجلٍ واحدٍ فسقَ ، ومن قالَ : إنَّ شيئاً منها فاتَ الأمةَ فَسَقَ )) .
7- بيانه فوائد المستخرجات كقوله في 1 / 150- 151 : (( ........ كما قدَّمنا عن أبي عوانةَ . قالَ : وقد أبلغتُ الفوائدَ إلى عشرٍ أو أكثرَ ، فمنها : أنْ يكونَ مصنِّفُ الصحيحِ رَوَى عن مختلطٍ ولم يُبَيّنْ هل سماعُ ذلكَ الحديثِ منه في هذهِ الروايةِ قبلَ الاختلاط ، أو بعده ؟ فيبينهُ المستخرجُ ، إما تصريحاً ، أو بأنْ يرويهُ عنهُ مِنْ طريقِ منْ لم يسمعْ منهُ إلا قبلَ الاختلاطِ ، ومنها : أَن يُروَى في "الصحيحِ" عن مدلسٍ بالعنعنةِ ، فيرويهِ المستخرِجُ بالتصريحِ بالسماعِ فهاتانِ فائدتانِ جليلتانِ ، وإنْ كنا لا نتوقفُ في صحةِ ما رُوِيَ في الصحيحِ مِنْ ذلكَ ، غيرَ مبينٍ ، ونقولُ : لو لم يطّلعْ مصنِّفهُ مِن البخاريِّ ، أو مسلمٍ أنهُ روى عنهُ قبلَ الاختلاطِ ، وأَنَّ المدلسَ سمعَ ، لم يخرجاهَ ، فقد سألَ السبكيُّ المزيَّ : هل وُجِدَ لكلِ ما روياهُ بالعنعنةِ طرقٌ مصرحٌ فيها بالتحديثِ ؟ فقالَ : كثير مِنْ ذلكَ لم يوجدْ ، وما يسعنا إلا تحسينُ الظنِ . ومنها : أَنْ يروى عن مبهمٍ كأن يقولا : حدثنا فلانٌ ، أو رجلٌ ، أو فلانٌ وغيرهُ ، أو غيرُ واحدٍ ، أو نحو ذلكَ ، فيعينهُ المستخرجُ .
ومنها : أَن يرويَ عن مهملٍ نحوَ حدثنا محمدٌ / 35 ب / مِنْ غيرِ ذكرِ ما يميزهُ عن غيرهِ منَ المحمدينَ ، ويكونُ في مشايخِ مَنْ رواهُ كذلكَ ، مَن يشاركهُ في الاسمِ ، فيميزهُ المستخرجُ .
ثم نَقلَ شيخُنا عن الحافظِ شمسِ الدينِ بنِ ناصرِ الدينِ أنَّهُ نيّفَ بالفوائدِ عن الخمسَ عشرَةَ ، فأفكرَ ملياً ، ثم قالَ : عندي ما يزيدُ على ذلكَ بكثيرٍ ، وهوَ أَنَّ كلَّ علةٍ أُعلَ بها حديثٌ في أحدِ الصحيحينِ ، جاءت روايةُ المستخرجِ سالمةً
منها ، فهي مِنْ فوائدِ المستخرجِ ، وذَلِكَ كثيرٌ جداً ، واللهُ الموفقُ .
8- بيانه طبقات أصحاب الزهري 1 / 158-159 : ((قالَ شيخنا : / 38ب/ (( كلامهُ أبسطُ مِنْ هذا ، وهوَ أنَّهُ عمد إلى الزهري لكثرةِ أصحابه ، فجعلهم خمسَ طبقاتٍ :
الأُولى : مَنْ طالت ملازمتهُ لهُ ، بل ما انفكَّ عنهُ حتى كانَ يُزَامله على الراحلةِ في السفرِ، وَيلازمهُ في الحضر مع الإتقانِ التامِّ .
الثانيةُ : مَنْ هم دونَ هؤلاءِ في الإتقانِ، وَالملازمةِ .
الثالثة : مَنْ لم يلازم أَصلاً ، أَو إلا يسيراً مع إتقانٍ ، وَلكنهُ دونَ إتقانِ منْ قبلهُ .
الرابعةُ : مَنْ يطلقُ عليهِ اسمُ الصدقِ ، ولم يَسلمْ مِنْ غوائلِ الجرحِ .
الخامسةُ : الضعفاءُ .
فالبخاريُّ يخرجُ حديثَ الطبقةِ الأولى ، وعن أعيانِ الطبقةِ الثانيةِ ، وإنْ أخرجَ عنِ الثالثةِ فيقلُّ جداً ، ويتلابقُ فيهِ بحيثُ إنَّهُ لا يسوقهُ مساقَ الكتابِ بحدثنا ، وأخبرَنا ، بل يقولُ : روى فلانٌ ، وقالَ فلانٌ ، وتابعهُ فلانٌ ، ونحوَ ذَلِكَ ، قالَ : وهذا مما رُجِّحَ بهِ البخاريُّ على مسلمٍ ؛ فإنَّ مسلماً يخرجُ حديثَ الطبقةِ الأولى إنْ وجدَ ، ثمَّ حديث الثانيةِ كاملاً ، ثمَّ عن أعيانِ الثالثةِ ، ثمَّ يقلُّ جداً عن الرابعةِ ، ويؤخرُ حديثهمْ ، فيجعلهُ على وجهِ المتابعةِ ، لكنهُ يسوقُ الكلَّ مساقاً واحداً بحدّثنا وأخبرنا ، فلا يميزه إلا عارفٌ بالفنِ بأمورٍ خارجيةٍ . قالَ : وأيضاً فإنَّ البخاريَّ إذا أخرجَ عن منْ تكلمَ في حديثهِ أقلّ جداً مما يخرجُ عنهُ ، وأكثرهم منْ مشايخهِ ، أو مَن قَرُبَ منهم ، فيغلبُ على الظنِّ أنَّهُ أطلعَ على صحةِ ذَلِكَ الخبرِ الذي يخرجهُ عن أحدهم بأمورٍ خارجيةٍ / 39 أ / ومسلمٌ بخلافِ ذَلِكَ ، قالَ : ويأتي في كلامِ الحازميِّ أيضاً ما تقدمَ في كلامِ ابنِ طاهرٍ مِنْ أَنَّ هذا الذي قررهُ هوَ الأصلُ ، وقد يخرجانِ عنهُ لمصلحةٍ يرَيانها )) .
9- 1 / 165 : (( إنَّ الراوي قد يكونُ ضعيفاً في راوٍ ثقة في غيرهِ )) .
9م- النقل عن الشرح الكبير نصوص نفيسة 1 / 166- 167 : ((قلتُ : قوله : ( وقد بينتُ المثليةَ في " الشرحِ الكبيرِ " ) عبارتهُ فيهِ :
(( ثمَّ ما المرادُ بالمثلية عندهما ، أو عندَ غيرهما ، فقد يكونُ بعضُ منْ لم يخرج عنهُ في
" الصحيحِ" مثل منْ خرجَ عنهُ فيهِ ، أو أعلى منهُ عند غيرِ الشيخينِ ، ولا يكونُ الأمرُ عندهما على ذلكَ ، فالظاهرُ أنَّ المعتبرَ وجودُ المثليةِ عندهما ، ثم المثليةُ عندهما تعرفُ إمّا بتنصيصِهما على أَنَّ فلاناً مثلُ فلانٍ ، أو أرفعُ منهُ ، وقَلَّ ما يوجدُ
ذلكَ ، وإمّا بالألفاظِ الدالةِ على مراتبِ التعديلِ ، كأنْ يقولا في بعضِ مَنِ احتجا بهِ : ثقةٌ ، أو ثبتٌ ، أو صدوقٌ ، أو لا بأسَ بهِ ، أو غير ذلكَ مِنْ ألفاظِ التوثيقِ ، ثمَّ وجدنا عنهما أنهما قالا ذلكَ أو أعلى منهُ في بعضِ منْ لم يحتجا بهِ في كتابيهما ، فيستدلُ بذلكَ على أنَّهُ عندهما في رتبةِ من احتجا بهِ ؛ لأنَّ مراتبَ الرواةِ معيارُ معرفتها ألفاظُ التعديلِ والجرحِ . ولكنْ هنا أمرٌ فيهِ غموضٌ لا بدَّ مِنَ الإشارةِ إليهِ ، وذلكَ أنهم لا يكتفونَ في التصحيحِ بمجردِ حالِ الراوي في العدالةِ والاتصالِ ، مِنْ غيرِ نظرٍ إلى غيرهِ ، بل ينظرونَ في حاله معَ منْ رَوَى عنه ، في كثرةِ ملازمتهِ له ، أو قلتها ، أو كونه مِنْ بلدهِ ممارساً لحديثهِ ، أو غريباً منْ بلدِ منْ أخذَ عنهُ ، وهذهِ أمورٌ تظهرُ بتصفّحِ كلامهم ، وعملهم في ذلكَ ، واللهُ تعالى أعلمُ )) .
10- تنبيهات مهمة 1 / 169 : (( وتختصُ الكتبُ الستةُ المشهورةُ كأبي داودَ مثلاً بأنا لا نحتاجُ فيها إلى إسنادٍ خاصٍ منا إلى مصنفيها، فإنّهُ تواترَ عندنا أنَّ هذا الكتابَ تصنيفُ أبي داودَ مثلاً حتى لو أنكرَ ذلكَ منكرٌ، حصلَ لطلابِ هذا الفنِ منَ الاستخفافِ بعقلهِ ، ما يحصلُ لو قالَ : لم يكنْ في الأرضِ بلدٌ تسمى بغداد ، وعنِ الإمامِ نجمِ الدينِ الزاهديِّ من أئمةِ الحنفيةِ - أنّهُ قالَ في " القِنيةِ " : (( إنّ الكتبَ المشهورة لا يُحتاجُ فيها إلى إسنادٍ خاصٍ ، بل يقطعُ بنسبتها إلى من اشتهرت /43ب/ عنهُ )) .
11 - تفسيره مصطلحات مهمة كتفسير صالح لأبي داود قال في 1/ 188 : (( ........ وخفيَ عليهم أنَّهُ يريدُ بـ ( صالحٍ ) أعمَّ منَ الصلاحيةِ للاعتبارِ ، أو الاحتجاجِ، وأشدُّ من هذا أنْ يكونَ إنما سكتَ عليهِ في الموضعِ الذي نقلوهُ منهُ ؛ لتبيينهِ حاله في موضعٍ آخرَ ، ووراءَ ذلكَ كله أنَّهُ يحتجُ بالضعيفِ إذا لم يجد في البابِ غيرَهُ على طريقةِ الإمامِ أحمدَ ، فإنَّ ذلكَ عندهُ أولى من رأي الرجالِ. )) . وأعاد نحوه في 257 من الجزء المذكور .
12- 1فرائد الفوائد والعوائد / 237 : ((أَنَّ العَدالةَ تَثبت إمَّا بالتَنصيصِ عَليهَا ، كالمصَرحِ بتوثِيقهِم ، وهم كَثيرونَ، أو بتَخرِيجِ / 65ب / مَن التَزمَ الصَحةَ في كتَابٍ لَه ، فَالعدالةُ أيضَاً تَثبتُ بذلِكَ، وَكذلكَ الضَبطُ والإتقَانُ دَرجاتُه متَفاوتةٌ ، فلا يُشتَرطُ أعلى وُجوهِ الضَبطِ كَمالكٍ وَشعبةَ ، بلِ المرادُ بالضَبطِ أَنْ لا يكونَ مُغفَلاً كثِيرَ الغَلطِ ، وذلِكَ بأنْ يعتبرَ حَديثُه بحَديثِ أَهلِ الضَبطِ والإتقَانِ ، فَإنْ وافقَهم غَالباً فَهوَ ضَابطٌ )) .
13- قواعد في العلل1/ 251 : (( ومنَ القواعدِ أَنَّ الراويينِ إذا اختلفا قُدّمَ الذي ذكرَ قصةً في حديثهِ ؛ لأنَّ ذِكرَها مظنةٌ لزيادةِ ضبطهِ )) .
14- مناهج المحدثين 1/ 277 : (( إنَّ إسحاقَ بنَ راهويهِ يخرجُّ أمثلَ ما وردَ عن ذلكَ الصحابيِّ )) .
15 - كلامه عن بعض المصنفات فيما يتعلق بتصنيفها 1/ 281 :/ ((قوله : ( ويقالُ : إنهُ أولُ مسندٍ صنِّفَ ) الذي حمل قائلَ هذا القولِ عليهِ تقدّمُ عصر أبي / 80 ب / داودَ على أعصارِ منْ صنَّفَ المسانيدَ ، وظَنَّ أنَّهُ هوَ الذي صنَّفهُ ، وليسَ كذلكَ ، فإنَّهُ ليسَ مِنْ تصنيفِ أبي داودَ ، وإنَّما هوَ جمعُ بعض الحفّاظِ الخراسانيينَ ، جمعَ فيهِ ما رواهُ يونسُ بنُ حبيبَ خاصةً عنْ أبي داودَ ، ولأبي داودَ منَ الأحاديثِ التي لم تدخلْ هذا المسندَ قدره أو أكثر ، بلْ قدْ شذَّ عنهُ كثيرٌ منْ روايةِ يونسَ ، عنْ أبي داودَ ، قالَ : وشبيهٌ بهذا " مسندُ الشافعيِّ " فإنَّهُ ليسَ تصنيفهُ ، وإنما لَقَطَهُ بعضُ الحفّاظِ النيسابوريينَ منْ مسموعِ الأصمِّ منَ " الأمِّ " وسمعهُ عليهِ ، فإنَّهُ كانَ سمعَ " الأمَّ "، أو غالبها على الربيعِ ، عن الشافعيِّ ،
وعَمَّرَ، فكانَ آخرُ مَنْ رَوَى عنهُ ، وحصلَ لهُ صممٌ ، فكانَ في السماعِ عليهِ
مشقةٌ. )) .
16- نكت نادرة 1/ 298 : (( إنَّ الضبطَ / 87 ب / الذي في راوي الحسنِ مشترطٌ فيهِ القصورُ ، والذي في راوي الصحيحِ مشترطٌ فيهِ التمامُ )) .
17- احتواؤه على أشعار كثير .
18- 1/355 اجتهاده في قضايا مهمة كقوله في 1/ 355 : (( إنَّ القولَ السَديدَ في أصلِ المسألةِ : أنَّ ما يأتي عن الصَحابةِ مِمّا لا مجالَ للرأي فيهِ ، إنْ كانَ حُكماً مِنَ الأحكامِ فهوَ مرفوعٌ ؛ لأنَّ الأحكامَ لا تؤخذُ إلا بالاجتهادِ ، أو بقولِ مَن لهُ الشرعُ ، وقد فَرضنا أنَّهُ ممَّا لا يُجتهدُ فيهِ ، فانحصر في أنَّهُ مِن قولهِ صلى الله عليه وسلم .
وإنْ لم يَكنْ مِن الأحكامِ ، فَإنْ كانَ ذلِكَ الصَحابي لم يأخذ عنِ الإسرائيلياتِ فكذلك ؛ لأنَّ ما لا مجالَ للرأي فيهِ ، لا بدَّ للصحابي فيهِ مِن مُوقِّفٍ ، فيكونُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، إذ / 108 ب / المسألةُ مفروضةٌ فيمَن لم يأخذ عن أهلِ الكِتابِ ، وإلا فموقوفٌ ؛ لاحتمال أنْ يكونَ سَمعهُ مِن أهلِ الكتابِ ، وما يَرِد عن أهلِ الكتابِ ينحصِرُ في ثلاثةِ أقسامِ :
أنْ يكونَ شرعُنا قَد جَاءَ بتصديقهِ ، فالعمل بشَرعِنا حينئذٍ ، أو بتكذيبهِ ، فلا يَحلُّ نقلهُ مَسكوتاً عنهُ ، أو يكونَ شَرعُنا سَاكتاً عنهُ ، فهذا هوَ الذِي نقلهُ بعضُ الصَحابةِ عن أهلِ الكِتابِ ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ صِدقاً ، وَيحتملُ أيضاً أنْ يكونَ قَد بدّلَ ، فيكذبُ )) .
19- مرويات الصحابة عن التابعين قال في 1/366 : (( ........ كمراسِيلِ الصَحابةِ ؛ لأنَّ روايةَ الصَحابةِ إمَّا أنْ تكونَ عَن النَبي صلى الله عليه وسلم ، أو عَن صَحابيٍّ آخرَ ، وَالكلُّ مقبولٌ ، واحتمالُ كونِ الصَحابيِ الذي أدركَ وَسَمعَ ، يروي عَن التابعينَ بَعيدٌ جِداً ، على أنَّ ذلِكَ استُقرئ فَلم يَبلُغ
/ 113 أ / عشرةَ أحاديثَ )) .
وأعاد نحوه في 1/ 390فقال : ((قولُهُ : ( إذ قَد سَمعَ جماعةٌ مِن الصَحابةِ مِن بعضِ التَابعينَ ) استقرئ ما وقعَ مِن روايةِ الصَحابةِ عَن التابعينَ ، فلَم يوجدْ فيهِ حكمٌ مِن الأحكامِ ، وإنما ذَلِكَ مجردُ قَصصٍ وأخبارٍ ، هَكذا حَفظتُ مِن شيخِنا ، وقالَ شيخُهُ المصنِّفُ : إنَّ ذَلِكَ إنَّما / 121ب / هوَ بحسبِ الأكثرِ )) .
20- حده لقضايا مهمة كحده للصحابي الكبير والصغير ؛ إذ قال في 1 / 370 : ((والكَبيرُ مَن رأى أكابِرَ الصَحابةِ ، والصَغيرُ مَن لَم ير إلاّ أصاغرَهُم ، لا كَما يُفهمُهُ كَلامُهُ )) .
21- الأصالة في الاجتهاد والترجيح كقوله في السند الذي فيه مبهم كما في 1 / 386 : (( وَهَذا هُوَ التحقيقُ ، أنَّ هَذا ليسَ مُرسلاً ولا منقطعاً ؛ لأنهُ لا ينطبقُ عليهِ تَعريفُ واحدٍ منهما ، بل هوَ مُتصِلٌ ، في إسنادهِ راوٍ مبهمٌ )) .
22- النقل من كتب عزيزة كنقله من شرح الرسالة للشافعي كما قال في 1/410 : ((قالَ الإمامُ أبو بكرٍ الصيرفي في شرحهِ : (( لأنَّ فلاناً ، عن فلانٍ إذا لقيهُ فهوَ على السماعِ حتى يُعرفَ خلافهُ ، وليسَ الناسُ على أنَّ عليهم ديوناً حتى يُعلمَ خلافه ، فالشهادةُ تختصُ بأنْ يحتاطَ فيها من هذا الوجهِ )) .
23- ذكره لقواعد مهمة كقوله في 1/413 : (( إنَّ الشخصَ قد يُكثِرُ النقلَ عن شخصٍ ، فيُعرفُ بالروايةِ عنهُ ، ولا يكونُ اجتمعَ بهِ أصلاً ، أو يكونُ اجتمعَ بهِ ، ولم يسمعْ منهُ شيئاً )) .
23- تعريف لقضايا لطيفة كما عرف اختلاف الرفع والوقف فقال في 1/426 : (( مثلَ أنْ يرويَ مالكٌ ، عن نافعٍ ، عنِ ابنِ عمرَ ، عن عمرَ حديثاً موقوفاً عليهِ ، فيرويهِ غيرُ مالكٍ ، عن نافعٍ ، عنِ ابنِ عمرَ ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم / 134ب / فيرفعَهُ ، ولا يذكرُ عمرَ )) .
24- ذكره دقائق مهمة كما قال في 1/ 428 : (( أنَّ ابنَ القطانِ أولُ من اخترعَ اسمَ التسويةِ ، ولم يسمِّها تدليساً ، ولا أدخلها في أنواعهِ )) .
ثم قال في 1/453 : ((قولُهُ): ( وقد سماهُ ابنُ القطانِ تدليسَ التسويةِ ) قالَ شيخُنا : (( ليسَ كذلكَ ، فإنَّ ابنَ القطانِ إنما سمّاهُ (( تسويةً )) لَم يذكرْ معهُ لفظةَ (( التدليسِ )) ، وإنما يقولُ : (( سواهُ فلانٌ )) ، و(( هذهِ تسويةٌ )) ونحو هَذا .
والتحقيقُ في هَذا القسمِ ، أنْ يقالَ : متى قيل : (( تدليسُ التسويةِ )) فلا بدَّ أنْ يكونَ كلٌّ منَ الثقاتِ الذينَ حُذفتْ بينهمُ الوسائطُ في ذلِكَ الإسنادِ قَد اجتمعَ الشخصُ منهمُ بشيخِ شيخهِ في ذلِكَ الحديثِ ، وإنْ قيلَ : (( تسويةٌ )) من غيرِ أنْ يُذكرَ تدليسٌ ، فلا يحتاجُ إلى اجتماعِ أحدٍ مِنهُم بمن فوقه ، كَما فعلَ مالكٌ
رحمهُ اللهُ ، فإنَّهُ لَم يقعْ في التدليسِ أصلاً ، ووقعَ في هَذا ، فإنَّهُ يروي عَن ثورٍ ، عنِ ابنِ عباسٍ ، وثورٌ لَم يلقَ ابنَ عباسٍ ، وإنما رَوَى عَن عكرمةَ عنهُ ، فأسقطَ مالكٌ عكرمةَ ؛ لأنَّهُ غيرُ حجةٍ عندهُ . فإنْ قيلَ : ما الفرقُ بين هَذا القسمِ ، وبينَ المنقطعِ ؟ قيلَ : هَذا شرطُهُ أنْ يكونَ الساقطُ ضعيفاً ، فهوَ منقطعٌ خاصٌ )) .
وكقوله في 1/ 436 : ((قالَ شيخُنا : (( وأما قولهُ : (( قالَ لنا )) فحكمهُ الاتصالُ ، لكنْ إنما يعدلُ
/ 138 أ / عن قولهِ : (( حدثنا )) ونحوهِ لنكتةٍ بديعةٍ ، فتارةً يكونُ الحديثُ ظاهرهُ الوقفُ ، وهو لم يضع كتابهُ إلا للحديثِ المسندِ ، لكن يكونُ فيهِ شائبة الرفعِ إذا دققَ النظر )) .
25- دفاعه النفيس عن من نبز الخطيب بالتدليس إذ قال في 1/ 449 : ((قولُهُ : ( وممن يفعلُ ذلِكَ كثيراً الخطيبُ ) قالَ : ينبغي أنْ يكونَ الخطيبُ قدوةً في ذلكَ ، وأنْ يستدلَّ بفعلهِ على جوازهِ ، فإنهُ إنَّما يُعمّي على غيرِ أهل الفنِّ ،
وأمّا أهلُهُ فلا يخفَى ذلِكَ عليهم لمعرفتِهم بالتراجمِ ، ولم يكنِ الخطيبُ يفعلُهُ إيهاماً للكثرةِ ، فإنهُ مكثرٌ منَ الشيوخِ والمروياتِ ، والناسُ بعدهُ عيالٌ عليهِ ، وإنما يفعلُ ذلِكَ تفنناً في العبارةِ ، وربما أدتْ ضرورةُ التصنيفِ إلى تكرارِ الشيخِ الواحدِ عَن قربٍ، فينوعُ أوصافهُ لئلا يصيرَ مبتذلاً ينفرُ السمعُ منهُ ؛للتكرارِ المحضِ ، واللهُ
أعلمُ )) .
25- بيانه لحدود مهمة كشرحه تدليس الشيوخ إذ قال في 1/450 : (( وصورته : أنْ يكونَ شيخُهُ ضعيفاً عند الناسِ ، ثقةً عندهُ ، فيصفهُ بوصفٍ
لا يعرفُ بهِ ، /143ب/ ثُمَّ يقولُ : وَهوَ ثقةٌ ، أو ثبتٌ ، أو نحو ذلِكَ ، ويكونُ مِن أهلِ الجرحِ والتعديلِ ، فيقلّدهُ مَن لَم يطّلعْ على حقيقةِ ذلكَ )) .
قوله الفصل في قضايا سكت عنها بعضهم كقوله في 1/ 453 : (( وسألتُ / 144 ب / شيخنا : هل تدليسُ التسويةِ جرحٌ ؟ ،
فقالَ : لا شكَّ أنَّهُ جرحٌ ؛ فإنَّهُ خيانةٌ لمن ينقلُ إليهم وغرورٌ ، قلتُ : فكيفَ
يوصفُ بهِ الثوريُّ والأعمشُ معَ جلالتِهما ؟ فقالَ : أحسنُ ما يعتذرُ بهِ في هَذا البابِ أنَّ مثلَهما لا يفعلُ ذلِكَ إلا في حقِّ مَن يكونُ ثقةً عندهُ ، ضعيفاً عندَ
غيرهِ )) .
26- تعريفه ببعض الكتب كقوله في 1/471 : (( قولُهُ : ( وذكرَ مسلمٌ في "التمييزِ" ) هوَ كتابٌ وضعهُ مسلمٌ في العللِ )) .
27- وغيرها كثير اقتصرنا على ما ذكر اقتصاداً في الوقت .