شواهد الرحمة في آيات الصيام

إنضم
22/08/2015
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
السعودية
من السمات التي يتصف بها ديننا الحنيف " الرحمة " . فالرحمة ظل وارف على كافة مبادئ الإسلام وتشريعاته وتعاليمه . والرحمة صبغة ظاهرة في القرآن الكريم تتجلى في أحكامه وتوجيهاته كما تتجلى في لفظه وبيانه . لقد أنزل الله كتابه العظيم هداية ورحمة للمؤمنين , قال تعالى : "الم . تلك آيات الكتاب الحكيم . هدى ورحمة للمحسنين " ( لقمان 1ـ 3 ) , وقال سبحانه : " وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين " ( النمل 77 ) , وقال سبحانه : " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " ( النحل 89 ) . فالقرآن كتاب رحمة كما هو كتاب هداية للناس .وقد تبدو بعض الأحكام والتشريعات التي نزل بها القرآن الكريم شاقة ومتعبة وثقيلة على النفوس المطبوعة على الضعف والقصور . ولكن الله عز وجل العليم بعباده وبضعفهم ، والرؤوف الرحيم بهم ، لم يكلف عباده عنتا ولم يوقع عليهم حرجا في دينهم . بل جعل سبحانه وتعالى الرحمة واللطف قرين أحكامه المنزلة , رحمة في تفاصيل العبادات ، ورحمة في غايتها ، ورحمة في أجرها ، ورحمة أسلوب التكليف ، ورحمة أيضا في نظم الآيات التي أمرت بها . رحمة شاملة من رب رحيم . ومن العبادات والتكاليف التي تبدو شاقة وثقيلة فريضة : الصيام . فالنفوس تستثقلها لأنها عبادة تدعو إلى الاستعلاء على ضرورات الجسد و ومقاومة أقوى شهواته ورغباته . وقد نزل تشريع الصيام في آيات متعاقبات في سورة البقرة سميتها : آيات الصيام ( من الآية 183 إلى الآية 187 من سورة البقرة ) وفي النقاط الآتية سوف أتتبع شواهد ودلائل الرحمة الربانية وإشارات الرأفة والتودد واللطف التي بدت لي من خلال هذه الآيات .
أولا : الآية 183 سورة البقرة
1 ـ في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا " افتتح الله خطابه بنداء محبب يذكر المؤمن بالرباط الذي يربطه بالله وهو الإيمان به . وهو نداء يتضمن ثناء على المؤمنين وتكريما لهم . ويستثير عزيمة المؤمن نحو تحمل التكاليف . ويدعوه إلى ترقب ما بعد النداء المحبب بنفس متطلعة للاستجابة . يقول الطاهر بن عاشور : وافتتحت بيا أيها الذين آمنوا لما في النداء من إظهار العناية بما سيقال بعده.من رحمة الله أن يستفتح التشريع بنداء رحيم يستنهض الهمة للاستجابة .
2 ـ في قوله تعالى : " كتب عليكم الصيام " جاء الفعل مبنيا للمجهول فلم يذكر الفاعل . ولم ينسب الأمر إلى الله مباشرة . ذلك أن الفعل : كتب فيه إلزام وفرض وإيجاب وثقل على النفوس . والصيام خاصة فيه حرمان للنفس من أحب الأشياء إليها . وهي ملاحظة تكررت في مواضع عدة من القرآن الكريم . يقول فاضل السامرائي : الله تعالى يظهر نفسه في الأمور التي فيها خير أما في الأمور المستكرهة وفي مقام الذم أحياناً يبني للمجهول .. لما كان هناك مشقة على عباده قال كُتب ولم يقل كتبنا .إن العدول عن صيغة الأمر المباشر يلحظ فيه تودد الله ورحمته بعباده .
3 ـ في قوله تعالى : " كما كتب على الذين من قبلكم " تسلية للمؤمنين حال تحملهم لهذا التكليف ، وفيه حث وتشجيع على الصيام بعد فرضه وإيجابه ، وفيه إثارة للعزيمة نحو أداء هذه العبادة ، فهذه الفريضة قد أوجبها الله على المؤمنين من قبل في الرسالات السابقة ، وقد أداها عباد الله من قبل، وفيهم القدوة والسلوة .يقول ابن كثير في تفسيره : وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم فلهم فيه أسوة، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك . ويقول الفخر الرازي عند تفسير هذه الآية : وفائدة هذا الكلام أن الصوم عبادة شاقة، والشيء الشاق إذا عم سهل تحمله. ويقول ابن عاشور : في التشبيه بالسابقين تهوين على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم؛ فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب، فهذه فائدة لمن قد يستعظم الصوم من المشركين فيمنعه وجوده في الإسلام من الإيمان ولمن يستثقله من قريبي العهد بالإسلام،وحين تراعي الآيات هذا الجانب في نفس الانسان فهذا مظهر من مظاهر الرحمة واللطف .
4 ـ في قوله تعالى : " لعلكم تتقون " ذكر الله الغاية من الصوم , وهي حصول التقوى، وهي أعظم ما يتمناه المؤمن وغاية ما يسعى لتحقيقه ، ويجهد لبلوغه . فإذا علم المؤمن أن الصوم قائد إلى تلك الغاية الغالية أقبل إليه مسرعا . فالنفس تقبل على الأمر الذي يكون له هدف واضح ومرغوب . وتتردد أمام الأمر الذي لا تعرف حكمته ولا هدفه .ومن رحمة الله بعباده أن يبين لهم علة التكليف وغايته التي تعود على المكلف نفسه بالنفع .
ثانيا : الآية 184 سورة البقرة
5 ـ في قوله تعالى : " أياما معدودات " : تقليل وتهوين مدة الصيام . قال ابن كثير : بين الله مقدار الصوم وأنه ليس في كل يوم لئلا يشق على النفوس ، فتضعف عن حمله وأدائه ، بل أياما معدودات " ثم ذكر أن الصيام كان في أول الإسلام أياما معدودات من كل شهر ثم نسخ بصيام شهر رمضان . وقد تتابعت أقوال المفسرين على هذا المعنى . قال السيوطي في تفسيره " أياما معدودات " : أي قلائل مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان وقلله تسهيلا على المكلفين . وذكر ابن عاشور عند تفسير الآية أن المراد بالأيام من قوله (أياما معدودات) شهر رمضان عند جمهور المفسرين، وإنما عبر عن رمضان بأيام وهي جمع قلة ووصف بمعدودات وهي جمع قلة أيضا؛ تهوينا لأمره على المكلفين . وفي تفسير الجلالين : (معدودات) أي قلائل أو مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي ، وقلّله تسهيلا على المكلفين . وفي تفسير ابن سعدي : ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام, أخبر أنه أيام معدودات, أي: قليلة في غاية السهولة. وقد أوضح الفخر الرازي دلالة الرحمة في هاتين الكلمتين بقوله : والمقصود من هذا الكلام كأنه سبحانه يقول: إني رحمتكم وخففت عنكم حين لم أفرض عليكم صيام الدهر كله، ولا صيام أكثره، ولو شئت لفعلت ذلك ولكني رحمتكم وما أوجبت الصوم عليكم إلا في أيام قليلة .من لطف الله رحمته أن جعل الصيام في أيام قليلة معدودة من العام .
6 ـ في قوله تعالى : " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " بيان لرخصة جعلها الله للمريض والمسافر . فقد أعفاهما الله من الصيام حتى يزول عنهم عذر السفر والمرض . وقدم الإشارة إلى هذه الرخصة قبل إكمال تفصيل أحكام الصيام . قال ابن عاشور : وتقديمه هنا قبل ذكر بقية تقدير الصوم تعجيل بتطمين نفوس السامعين لئلا يظنوا وجوب الصوم عليهم في كل حال.إن من شواهد رحمة الله ولطفه إعفاء المرضى والمسافرين من الصيام .و التعجيل ببيان هذه الرخصة .
7 ـ في قوله تعالى : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون " بيان للتشريع الأول في الصيام . نقل ابن عشور عن أهل الناسخ والمنسوخ أن ذلك فرض في أول الإسلام لما شق عليهم الصوم ثم نسخ بقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) . نقل ذلك عن ابن عباس و ابن عمر وسلمة بن الأكوع . و روى عن ابن أبي ليلى قوله : حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم من يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها (وأن تصوموا خير لكم ) ورويت في ذلك آثار كثيرة عن التابعين وهو الأقرب من عادة الشارع في تدرج تشريع التكاليف التي فيها مشقة على الناس من تغيير معتادهم . وخالف في ذلك عدد من المفسرين منهم الفخر الرازي .وعلى قول عامة المفسرين فقد كان الأمر بصيام شهر رمضان تكليفا جديدا فيه مشقة على النفس ، وكان من رحمة الله أن أباح للمسلمين في البداية الفطر من دون سفر أو مرض ، لكن بشرط إطعام مسكين مقابل كل يوم . مع الترغيب في الإطعام مطلقا، و مع التحفيز و التحبيب في الصوم بذكر أفضليته على الفطر مع الإطعام .هذا الإذن بإطعام المسكين بدلا من الصيام من التدرج في التكليف . وهو مظهر من مظاهر الرحمة الربانية بالعباد .
ثالثا : الآية 185 سورة البقرة
8 ـ في قوله تعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " بيان لما يمتاز به شهر الصيام عن سائر الشهور , هي نزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا أو ابتداء نزوله . فكان في نزوله هداية للناس ونعمة ومنة ورحمة من الله على عباده . وفي هذا توطئة للأمر بالصيام في الشهر الذي نزلت فيه هذه الرحمة . حتى تكون عبادة الصيام في هذا الشهر مقابلة لتلك المنة وشكرا لها . قال ابن سعدي : فحقيق بشهر، هذا فضله،وهذا إحسان الله عليكم فيه، أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام.من رحمة الله بعباده أن يحبب إليهم الشهر الذي أمرهم بصيامه .
9 ـ في قوله تعالى : " فمن شهد منكم الشهر ليصمه " أمر صريح مباشر بصيام شهر رمضان على كل مسلم بالغ مقيم غير مسافر . وهو تشريع ينسخ التشريع السابق بإباحة الفطر لمن أراد أن يطعم . ومع صراحة التكليف يلاحظ التلطف في الصياغة من خلال تجنب فعل الأمر المباشر وتوجيه الخطاب إلى الضمير الغائب وليس إلى المخاطب. ومن خلال تعليق إيجاب الصيام بشرط الإقامة في البلد .أما المسافر فمن رحمة الله أن الصوم لا يجب عليه حال سفره .وهكذا تظهر رحمة الله في الصياغة والتعبير كما تظهر في الحكم والتشريع .
10 ـ في قوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " إبقاء على رخصة الفطر للمريض والمسافر ، مع قضاء ذلك الصوم في أيام أخر بعد زوال العذر . وقد تكرر ذكر هذا الحكم لئلا يتوهم نسخه بعد فرض الصوم ورفع الرخصة بالفطر والإطعام . قال ابن عاشور : وأما ما تقدم في الآية الأولى فهو تعجيل بالإعلام بالرخصة رفقا بالسامعين، أو أن إعادته لدفع توهم أن الأول منسوخ .وهذا التكرار إبقاء أيضا على رحمة الله وتيسيره على عباده وهو أرحم الراحمين .
11 ـ في قوله تعالى : "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " تقرير لقاعدة شرعية عامة كلها رحمة ورأفة ولطف ؛ فالله عز وجل يريد التيسير والتخفيف على العباد في كل ما يشرعه ويأمر به وإن كان ظاهر بعض العبادات غير ذلك أحيانا . ومن غاية الرحمة واللطف أن تأتي هذه القاعدة الشرعية العامة في ثنايا أحكام الصيام فهي تضفي على الآيات ظلال المودة ونسمات الأنس بمحبة الله اللطيف الرؤوف بعباده المؤمنين . إذ إن هذه القاعدة تنفي كل ما قد يخامر القلب من إحساس بثقل هذه العبادة التي كلف بها . وتزرع الثقة بأن كل أحكام الله يسر ومرحمة ، وأن الله سبحانه لا يشرع ما فيه العسر والمشقة على العباد ، كيف يكون ذلك وهو أرحم الراحمين ؟!قال ابن سعدي : يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير, ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله، سهَّله تسهيلا آخر، إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات.هذه القاعدة الربانية من أعظم دلائل رحمة الله . وكونها في ثنايا آيات الصيام دليل آخر على رحمته سبحانه .
12 ـ في قوله تعالى : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " بيان لغايات الصيام وحكمه وفوائده ، فهذه التشريعات الربانية هي من أجل أن يكمل المسلمون صيام شهر كامل , ومن أفطر بعذر فعليه القضاء ليكمل عدة الشهر . وهي تشريعات تهدف إلى أن يكبر المؤمنون ربهم ويشكروه على نعمه التي من أجلها هدايته لهم . و ذكر غايات وأهداف الأمر والتشريع مما يدعو إلى مزيد من الإقبال والامتثال للأمر .من رحمة الله أن يحفز عباده على طاعته فيذكر لهم ما ينالهم من خير إن أطاعوه واستجابوا لأمره .
رابعا: الآية 186 سورة البقرة
13 ـ في قوله تعالى : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " . يتقرب الله إلى عباده ويفتح لهم بابا عظيما من أبواب الخير هو باب الدعاء . ويحث العباد على دعائه وسؤاله ـ وهو الغني عنهم ـ بألطف عبارة . تأتي هذه الكرامة في وسط آيات الصيام لحكمة منه ورحمة . ولعل من حكمتها أن تكون المنة في مقابل التكليف، فمقابل العبادة الشاقة التي تحرم النفس من بعض حاجاتها ومطلوباتها هناك عبادة يسيرة تفتح باب العطاء والكرم والإجابة .يقول سيد قطب عند حديثه عن هذه الآية : نجد العوض الكامل الحبيب المرغوب عن مشقة الصوم والجزاء المعجل على الاستجابة لله . ويقول ابن عاشور : بعد أن أمرهم بما يجب له عليهم أكرمهم فقال: وإذا سألوا عن حقهم علي فإني قريب منهم أجيب دعوتهم .إنها لفتة عجيبة تحمل رحمة وتوددا عظيما من الرحيم الودود سبحانه .
خامسا : الآية 187 سورة البقرة
14 ـ في قوله تعالى : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " تدرج آخر في تشريع الصيام . تدرج نحو الرحمة والتيسير والتخفيف ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الأمر بالصوم , فلقد كان الصائم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى العشاء أو إلى أن ينام . ومتى نام أو صلى العشاء حرم عليه كل ذلك إلى الليلة القابلة . فوجد المؤمنون الأولون في ذلك مشقة كبيرة . ثم نسخ الله ذلك الحكم بهذه الآية .. قال سيد قطب في الظلال: فردهم إلى اليسر وتجربتهم حاضرة في نفوسهم ليحسوا بقيمة اليسر وبمدى الرحمة .لقد كان هذا التدرج نحو التيسير والتخفيف مقابلا للتدرج السابق نحو الإلزام والإيجاب ، فلما أوجب الله صيام شهر رمضان كاملا جعل مدة الصيام فيه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وأباح لهم التمتع طوال الليل بكافة المباحات .. وفي التدرج رحمة بالمكلفين ورأفة بالمؤمنين .
15 ـ في قوله تعالى : " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم " يمتن الله على عباده برحمته لهم ورأفته بهم , حيث تاب عليهم وعفا عنهم فيما وقع منهم من مخالفة شرعية في عهد التشريع الأول . فقد وقع بعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في ذلك حين جامع بعضهم زوجته بعد نوم أو بعد العشاء . فصارحهم ربهم بما وقع منهم وبادرهم بالتوبة والعفو .وفي توبة الله وعفوه ورفعه الحرج عن المؤمنين رأفة ورحمة عظيمة ..
16 ـ في قوله تعالى : " فالآن باشروهم وابتغوا ماكتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " أربعة أفعال أمر متصلة بضمير المخاطبين وهي : باشروهن ، ابتغوا، كلوا، اشربوا . وكلها لا تفيد أكثر من الإباحة وليست أوامر ملزمة مثل الأمر بالصوم في نهار رمضان ، ومع ذلك نجد هنا الألفاظ مباشرة صريحة موجهة للمخاطبين غير مرتبطة بشرط . وفي نفس الوقت أوامر محببة إلى النفس يميل إليها الإنسان بطبعه وفطرته . بينما لم نجد هذه الصفة المبنية للمعلوم الموجهة للمخاطب غير المقيدة بشرط ، لم نجدها في بيان فرضية الصيام وفي الأمر بصيامه لمن شهده . ذلك أن من تودد الله إلى عباده في القرآن الكريم أن يعدل عن الصيغة المباشرة في الأمر الشاق الثقيل على النفس ، وأن يوجه إلى الأمر المحبوب المألوف بصيغة مباشرة ومطلقة .ومن رحمة الله وتحببه إلى عباده أن يأمرهم بماهم مقبلون عليه بالفطرة .
17 ـ في قوله تعالى : " ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " تتمة بيان أحكام الصيام ونهي عن مباشرة النساء للمعتكفين . ثم تختم الآيات ببيان أن تلك الأحكام ـ في الصيام والاعتكاف ـ من حدود الله التي لا يجوز مخالفتها .. ويمتن الله أخيرا على عباده بنعمة بيان الآيات وتفصيل الأحكام و توضيح الحدود . كل ذلك ليعرف المؤمنون كيف يتقون الله فيسلمون من غضبه وينالون رضاه ويدخلون جنته ..ومن أدل الشواهد على رحمة الله أن بين لعباده ما يرضيه عنهم ودلهم على ما يدخلهم في زمرة المؤمنين المتقين ..هذه بعض شواهد الرحمة الربانية التي تبينت لي في آيات الصيام في سورة البقرة ، رحمة في الأحكام والتشريعات، و رحمة في الألفاظ والصيغ . ورحمة في المعاني والإيحاءات . تعاقبت في الآيات فظللتها بظلال من المودة واللطف والرأفة ..والمؤمن الذي يستشعر هذه الرحمة في وجدانه يخف عنده الإحساس بمشقة الصيام وتعبه . بل يحب هذه العبادة وتسعد روحه بظمأ الهواجر وتضور البطون . لأنه يتفيأ فيها رحمة الله البر الكريم الرؤوف الرحيم .
المراجع :

( القرآن الكريم )
1 ـ تفسير القرطبي
2ـ تفسير ابن كثير
3ـ تفسير الجلالين
4ـ زبدة التفسير : الأشقر
5ـ التفسير الوجيز : الزحيلي
6ـ في ظلال القرآن : سيد قطب
7 ـ التحرير والتنوير : ابن عاشور
8 ـ تفسير ابن سعدي
9 ـ مفاتيح الغيب : الفخر الرازي
 
يسعدني أن يعلق احد الفضلاء المشرفين على هذا الموقع المبارك , لكي أستفد من ملاحظاته
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين اما بعد. .الاخ الفاضل. ..لماذا التخصيص
الا المشرفين...كلنا طلبة علم
وفقنا الله تعالى واياكم.
 
عودة
أعلى