يزعم بعض الإعجازيين أن استخدام كلمة "علقة" في القرآن - في مراحل الجنين - فيه سبق علمي!
والرد كالآتي:
- منذ بداية البشرية يحدث الإجهاض، في مراحل مختلفة من الحمل. فالبشر كانوا يعرفون مراحل الجنين بالمشاهدة!
- وردت الكلمة بالفعل قبل نزول القرآن! إذ قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى عن ناقته، وعن إسراعه بها متعجلا للذهاب لهرم بن سنان:
إليك أعملتها فتلا مرافقها ... شهرين يجهض من أرحامها العلق
بسم الله،
ردي سيكون على أربع نقاطٍ:
1- قولك: "الاعجازيين"
2- زعمك: " البشر يعرفون مراحل الجنين بالمشاهدة!"
3- ودعواك: " وردت كلمة علقة بالفعل قبل نزول القرآن!".
4- مصدرك وقفزاتك.
1- قولك: "الاعجازيين"
اما الإعجازيون، فلا نعلمُ أحدًا وصف نفسه بهذا الاسم، لكن نعلم يقينًا أن كتاب الله معجِزًا لك ولهم، شِئت أم أبيت. وهذا ليس فيه تنقيصًا منك، بل هو محل فخرٍ لكل مُسلِم.
وكل لفظٍ في كتاب الله، في محله وسياقِه، معجز. ولا يوجد اشكال في انتقادِ دعاوى الإعجاز التي لا تصح أو يظهر فيها التعسُّف، إنما الاعجاز فهو قائِمٌ يقينًا، سواءًا كان في لفظه ونظمه، أم كان في خبره وقصصه، أو كان في انبائِه بالغيب ويشمل يقينًا الإعجاز العلمي المُستيقنِ بصحيح النظر، وبما صح وثبت مع بالتزام أصول التفسير.
2- زعمك أن: " البشر يعرفون مراحلَ الجنين بالمشاهدة!"
فهذه عجيبة من عجائِبك، ومن تكلّم في غيرِ فنهِ أتى بالعجائب. وحيثُ انّ هذا تخُصصي، وملعبي ومضماري، فأقول لك يا حبيب، إذا كان الجنين كله
في أول شهرين لا يتعدى بعض المليمترات، فكيف يعرفون مرحلته يا عزيزي؟. بل إن البشر جميعًا الذين تزعم أنهم يرون الاجهاض لايَروْن إلا كتلًا من الدم واللحم، وقد تظن كما قد يظن كل مشاهدٍ عامي أن هذه القطع اللحمية التي قد تخرج مع الاجهاض هو الجنين،
وهي في الحقيقة ما هي إلا بطانة الرحم. ومستحيل أن يرى أحدٌ جنينًا في هذا الاجهاض إلا بشق الأنفس حيث قد يجد قطعة بحجم اظفرك، أو أقل، قطعة مقرمشة "غضروفية" أشبه بما نُسميه " قرقيشة" طولها بالكاد إن كان محظوظًا 1 سم!. فكيف يعرفون انها علقة؟ أو مضغة؟ أو غير ذلك؟
دلنا يا حبيب كيف يعرفون منها مراحل الجنين؟!
إن الغالِبِيّةَ لم ترى إجْهاضاً قط، ولم تعرِف كيفَ يكون شكْلُ الجنينِ المُجْهَض، ولكِن ما يأتي في تصوُّرِ الغالِبيّة، ويُصوِّرُهُ لهم ذهنهم هو أن الجنين المُجْهَض يكون عِبارة عن قِطْعةِ لحْم، وهذا تصوُّرٌ خاطىءٌ بالمرة ..!!!.
لأن الجنينَ في الأسابيعِ الأولى، لا يتعدّى حجم حبّةِ التوتِ الصغيرة ... أما ما ينْزِلُ معهُ مِن دمٍ، وأنسِجةٍ، فإنهُ جِدار رّحِمِ الأنْثى، وهو نفْسُ ما ينزِلُ اثناء الدورةِ الشهرية، وإن كان بحجم أكبر أثناءَ الإجْهاض .
إذاً الطبيب يُدْرِكُ جيِّداً أن
الطِّفْلَ الذي لا يتعدى حبة التوتِ، لا يُمكِنُ أن يكون كُتَل لحْمِيّة في الأسابيعِ الأولى. ويُدْرِكُ الطبيبُ جيِّداً أن
ما ينزِل من دمٍ وأغشيِة تُحيطُ الجنينَ وتشبه الكُتل اللحمية إنما هي بِطانةُ الرحِمِ ... تِلْكَ البِطانةُ التي تسْقُط في كل شهْرٍ فتُسبِّبُ الدورةَ الشهْرِيّة، أو يقوم الطبيب بإزالتِها لداعٍ طِبِّيٍ .
وأي مراحلٍ يا طيب؟!، إن كانت الدنيا كلها ترى الاجهاض وتزعم أن الجنين لحم تكون قبل العظام،
وهذا المشاهد بالعين المجردة حين يرى كل انسانٍ بطانة الرحم مع الاجهاض، فيظن من لا علم له أن اللحم تكون أولًا كمثال، ثم ظهر عليه العظم، وكان هذا هو ديدن كل الدنيا قبل الاسلام، حتى في الكتاب المقدس في سفر أيوب زعموه هكذا،
كيف زعموا هذا الزعم؟ من مشاهداتهم للاجهاض مثل مشاهداتك تمامًا، بنفس حجتِك هذه، لكن القرآن هو من خالفهم وقال تعالى: "
فكسونا العظام لحمًا" فبيّن الله أن هناك عظامًا ثم كُسيت لحمًا، هذه لا يوجد فيها أي تعسف، قراءة الآية فقط، وعليها اجماع المفسرين، والقرآن هنا يتحدث عن طور من أطوار الجنين هو أكثر وضوحًا من طور العلقة! وهذه المرة يُخالف القرآن الكريم كل المشاهد بالعينِ المجردة.
ويظل القرآن وحده من 1400 عام على هذا القول لا يتغير، بينما علماء الأجنة بجلالة قدرهم، وبكل علومهم، قالوا بمثل ما قالت الأمم قبل القرآن وبعده،
وبدّل العلم والعلماء أقوالهم في آخر ثلاثين عامًا فقط! ولم تنفعهم - يا عيني - ولم تنفعكم ولم تنفع الأمم مشاهدات العين المجردة يا عزيزي. فإن كان القرآن هنا يتحدث عن طور من أطوار الجنين
هو أكثر وضوحًا من طور العلقة! الذي ادعيت ظهوره للعيان،
وهذه المرة يُخالف القرآن الكريم كل المشاهد بالعينِ المجردة، فيما هو أوضح، فما بالك فيما هو أدق وأخفى؟!
ثم من قال لك أن العرب لا تعرف كلمة " العلقة" بل هم يعلمونها يقينًا وبها سموا الدم الغليظ او الجامد قبل أن ييبس بالعلق.؛ فإن صح نسبة هذا البيت إلى زهيرٍ -وهو يقينًا لم يثبت كما سيأتي- فلا عجب أن يُقال على كل دمٍ يخرج من المرأة في اجهاضها علقًا، خاصة وأن دم الإجهاض غليظٌ متكتلٌ لم ييبس، فغاية قولهم
توصيف دمها الخارج منها، لا جنينها الداخل فيها. لا يُوَصِّفون به مراحل الجنين يا عزيزي.
الآية في كتاب الله تتحدث عن العلقة
داخل الرحم لا خارجه، نطفة ثم صارت النطفة علقة. ففيما يبدو عندك اشكالية في المحل، أو في فهم الآية فمحل رؤية العرب للدم خارج الرحم، وما تحدثت أنت فيه عما خرج من الرحم، بينما محل حديث الله عن طورِ الجنين وهو عالق بالرحم.
هذا لا يراه العرب ولا رأته الأمم، ولا تراه المرأة المجهضة، ولا كل من حولها، قبل السونار يا عزيزي، يراه ويُقرره العلم مُصدقًا لكتاب الله.
الجنين في الأسبوع (2- 4 ) :يكون الجنينُ في الاسبوع الثاني إلى الرابِعِ , بِحجْمِ بِذْرةِ القهوة أو الأفيون، فباللهِ عليْك، أين هي هذه المراحل التي سيرونها في الشهر الأول؟، حجم حبة واحدة مش كل المعلقة.
أما حجم الجنين بعد شهر ونصف
الأسبوع (5- 6 ) : يتراوح ما بيْنَ حجْمِ بِذْرة التفاحةِ إلى حجم التوتة، فاي مرحلةٍ يُمكن أن تدركها من بذرة التفاحة يا عزيزي وكيف تراه أصلًا في اجهاض امرأة؟!
أما حجم الجنين بعد شهرين- الأسبوع (7- 8) : فإنه يتراوح ما بيْنَ حجْمِ حبّة التوتة إلى حجم حبّة العُنَب ..!!
وهذه المرحلة تكون العظام قد ظهرت اصلًا، يعني انتهت مرحلة العلقة منذ زمن! فاي مرحلةٍ يُمكن أن تدركها من قرقيشة بحجم العنبة يا عزيزي، وكيف تراها أصلًا في اجهاض امرأة؟!
كُنت أتمنى أن تتحدث بعلمٍ طالما تصدرت للحديث في كتاب الله، انقد من تُريد وما تُريد، لكن لا ترمِ بشُبهات ومزاعم كاذبة في صورة جازمة يقينية، وتوهم القارىء بأنك تعرف فيما تتحدث!.
3- دعواك أن: " وردت كلمة علقة بالفعل قبل نزول القرآن!".
وهذه الدعوى المقطوعة، البائسة، عُمدتك فيها أبياتٌ منسوبة لزهير بن أبي سلمى، وكنا نتوقع منك يا طيب، مثلًا مع قولك
" بالفعل قبل نزول القرآن"، أنك تيقنت وبحثت، ولن تُضلل القارىء مثلا بمعلومات مزيفة. لغة عجيبة تُشعِرُنا وكأن زهيرًا بُعث من مرقدِهِ ليؤكد وثاقة ما نُسِب إليه قبل الإسلام!
كما اؤكد أنه لا يوجد عندي أي اشكال مع الاعجاز، بل هو ثابتٌ في الآية يقينًا سواءً قال زهير او غير زهير هذا. وهو اعجاز يقينًا سواءً عرفناه أو جهلناه، فكل لفظٍ في كتاب الله معجز في محله و سياقه. ولكن هذا مبحث آخر لا يتعلق بحديثي هنا.
أود أن أطرح عليك -بعد مُساءلتك لهذا الاعجاز، ومحاكمتك للآية-
سؤالي: هل بحثت عن أيِّ سندٍ لهذا الكلام وهذا الشعر قبل أن يشتبه عليك؟، أو أن يُثير حفيظتك؟
كيف تثبُت نسبته إلى زهير بن أبي سلمى، وكثير من الشعر منحولٌ على زُهير بعد الإسلام؟؟، وقد رد كثيرًا من المنحولَ عنه الأصمعي، وهو أعلم الناس بشعره، وجمع ديوانه وكل ما صح عنه. ولزهيرٍ روايتان:
- الموثوقة أو الأكثر صدقًا وإسنادًا هي رواية الأصمعي البصرية، وهي تلك التي رواها مع الشرح أبو الحجاج يوسف بن سليمان الشهير بالأعلم الشنتَمَري، الإمام النحوي الأندلسي في القرن الخامس الهجري، اسنادا ينتهي به إلى الأصمعي وقال في نهايته "كمل شعر زهير مما رواه الأصمعي وأبو عمرو والمفضّل"، وتمتاز بضبطٍ، وحزمٍ وتشددٍ في الرواية، وتحتوي 18 قصيدة ومقطوعة، وعليها المعول في ما يُنسب لزهير، وقد طُبعت في مطبعة بريل بإشراف عمر السويدي بمدينة ليدن سنة ١٢٠٦ للهجرة، سنة ١٨٨٩ للميلاد.
- أما الرواية الثانية: فهي رواية ثعلب الكوفية، وهي اقل قبولًا بين العلماء من رواية الاصمعي، وعددٌ من أبياتها عدوها ملفقة. وقد اصدرت دار الكتب المصرية ديوان زهير بشرح ثعلب (ت. 291 هـ) تحت عنوان " شرح ديوان زهير بن أبي سلمى"، معتمدين في ذلك على أربع نسخٍ مخطوطة، وإن كانوا قد أقحموا في متنه العديد من المقطوعات والأبيات والروايات التي من حقها أن تُدرج في الحواشي لأنها كانت من نسخة لا صلة لها بشرح ثعلب. ويوجد رواية ثالثة تُضم إلى رواية ثعلب وهي رواية صعوداء.
ومع ذلك فإنه لا أثر لهذه الأبيات في كل الروايات، سواءً رواية الاصمعي أو ثعلب أو صعوداء.
أما أقرب الأبيات لها هو ما قاله في ديوانه رواية الاصمعي المذكورة أعلاه، وهي ما صح عنه في قافية القاف (بحر
البسيط)، وفيها:
إن الخليط أجدّ البين فانفرقا وعُلِّق القلبُ من أسماءَ ما علِقا
وفارقتكَ بِرهنٍ لا فَكاك له يومَ الوداعِ فأمسى الرهنُ قد غلِقا
واخلفتكَ ابنةُ البكريِّ ما وعدت فأصبح الحبل منها واهنا خَلَقا
ومثله في رواية ثعلب:
إن الخليط أجدّ البين فانفرقا وعُلِّق القلبُ من أسماءَ ما علِقا
وفارقتكَ بِرهنٍ لا فَكاك له يومَ الوداعِ فأمسى رهنُها غلِقا
واخلفتكَ ابنةُ البكريِّ ما وعدت فأصبح الحبل منها واهيًا خَلَقا
وقد زاد صعوداء ١٦ بيتًا في قافية القاف لا يوجد فيها مثل هذا.
إذن من اين اتت هذه الأبيات؟، لايوجد أي ذكر لها إلا في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه،
ومنه نقل الألوسي الذي ذكرت في منتدى الملحدين العرب أنك نقلت عنه، وهذا أقدم ذكرٍ لهذه الأبيات في القرن الرابع الهجري، فكيف تيقنت من نسبته إلى زهير؟ وكيف يُحكم به على كتاب الله؟ وقد عدمت جميع كتب الأدب وشعر العرب ودواوينه هذه الأبيات؟
المرة القادمة يا حبيب، أنصحك بالتروي، وصدق البحثِ وجديته، مع النزاهة، قبل ان تقذف صواريخك في أي محفلٍ علمي. وهذا حقٌ لكل قارىء، يُلزم به كل من ادعى، وعلى المدعي البينة. موضوعك كأن لم يكن حتى تستطيع اثبات نسبة هذه الأبيات التي ظهرت بعد القرآن الكريم بثلاثة أو أربعة قرون. وتظل العلقة اعجازًا وإلى أن تأتينا بيقينية ثبوت ذلك قبل الإسلام.
4- مصدرك وقفزاتك.
مصدرك هو الألوسي، كما زعمت، والألوسي رحمه اللهتوفي في 1854م، يعني حديث، فهل هذا هو مصدرك الذي تعتد به؟، وقد قربت لك المصدر وبينت لك أنه قد أخذه الألوسي من العقد الفريد في القرن الرابع الهجري،
وكان أولى أن يكون هذا منك أنت، ودورك أنت باعتبار جدية بحثك، خاصة وأن هذا الموضوع تحديدًا هو أغنيتك وأنشودتك المفضلة والأولى في نقد "الاعجازيين" كما تسميهم على موقعك في الشبكة، أو في منتدى الالحاد.
وما ذكره ابن عبد ربه من هذه الأبيات وغيرها بلا سندٍ، مقطوعة، فهي من الملفقات بعد الإسلام على زهيرٍ، وإلى أن تستطيع اسنادها لمن روى عن زهير.
أما قفزاتك بالنشوة والنصر في منتدى الملحدين العرب، فلا أعلم ما هو تفكيرك وأنت تفعل مثل هذا الفعل! وأنا لا أطعن أو أشكك فيك، بل حديثك يحتمل الغيرة على كتاب الله، لكن تنقيصك ممن رد عليك في الملتقى أو في غيره هناك، يُنبي عن حالك، وانفعالك. حتى لو اتهمك أحد، فليس هذا مبررًا لأن تذهب إلى هناك وتذكر ذلك، وهذا الرد عليك وعلى من صفقوا لك من الملحدين هناك. ووجودك هناك لا يُبرؤك عندي، وعند من يتهمك، وليس للمسلم إلا الظاهر.
وأيًا ما كان الحال، الأهم أن يكون نقدك أكثر نزاهة ومصداقيةً وعلمية، وخاصة فيما يتعلق بكتاب الله،
وفقنا الله وإياكم وهداكم إلى الحق آمين.