شمولية القرآن الكريم

روضة

New member
إنضم
06/01/2006
المشاركات
205
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأردن
من مقدمة كتاب الأستاذ أبي الأعلى المودودي رحمه الله تعالى (تفهيم القرآن، الجزء الأول من الفاتحة إلى آل عمران).

يعرف كل إنسان أن القرآن يقول بتقديمه الهداية للإنسانية كلها، لكنه ما أن يقرأه حتى يجده موجهاً في أساسه إلى العرب الذين كانوا يعاصرون نزوله، ورغم أنه يخاطب غيرهم حيناً ويوجه كلامه إلى البشرية قاطبة أحياناً، إلا أنه يناقش بشكل أساسي تلك الأشياء التي يألفها ذوق العرب، وتتصل ببيئتهم وتاريخهم وعاداتهم، وهذا بالطبع يجعل المرء يتساءل: إذا كان القرآن موجهاً للبشرية كلها، فلماذا يضم بين سوره عديداً من العناصر المحلية والقومية المرتبطة بوقت تنزيله؟ والذين لا يفهمون حكمة هذا الأمر يُجمعون على أن القرآن كان مقصوداً به إصلاح العرب آنذاك، ثم ادعى فيما بعد أنه نزل لهداية البشرية كلها في جميع آونتها ودهورها.

وإذا كان من يثير مثل هذه الاعتراضات لا يدفعه إليها حبه للاعتراض في ذاته، بل يبغي الوصول إلى حقيقة الأمر بالفعل، فإني أسأله أن يقرأ القرآن ويستخرج من بين آياته ما يثير في ذهنه هذا الشك، وينتقي منه عقيدة أو فكرة أو مبدأ قد يكون المقصود به العرب آنذاك دون سواهم، ويتصيد مبدأ أو قاعدة سلوكية خالية من الصبغة العمومية الشاملة وموجهة إلى العرب وحدهم حينذاك.

إن مجرد كون القرآن ـ حقيقة ـ يدحض العقائد الوثنية الكافرة، ويدين العادات المبنية على الشرور والمفاسد في قوم بعينهم يعيشون في وقت ومكان محدد معلوم، ثم يقيم أدلته وبراهينه في إثبات وحدانية الله متخذاً المادة الاجتماعية من بيئتهم عمادة في ذلك، فهذا ليس دليلاً دامغاً يثبت الزعم بأن دعوته كانت محلية مؤقتة، وعلينا أن نتفحص المسألة عن كثب وببصيرة متقدة، ثم نقرر ما إذا كان قوله مقصوراً على كفار الجزيرة وحدهم أم لا، وما إذا كانت دعوته تشكل حقيقة تنطبق وكل زمان ومكان أم لا، وما إذا كنا نستطيع أو لا نستطيع في أي مكان وآن تقديم نفس الأدلة والحجج التي يقدمها القرآن بنفس القوة لإزهاق الكفر ودمغه، وما إذا كان في مقدورنا في أي عصر ووقت استخدام الدلائل التي يعرضها القرآن لإثبات وحدانية الله ـ مع تغيير طفيف ـ أم لا، فإن جاءت إجابة هذه الأسئلة بالقبول والإيجاب فليس هناك ما يدعو لضرورة وصف هذا الوحي العام والتنزيل الشامل، بأنه محلي مؤقت بحجة واهية هي أنه يخاطب مجتمعاً خاصاً في فترة خاصة.

ونحن لا نعرف فلسفة ولا منهج حياة ولا عقيدة قط في العالم تفسر وتشرح كل شيء من مبتدأه إلى منتهاه بالنظر والتجريد دون أن تشير إلى حالات خاصة، أو تستدل بأمثلة وشواهد؛ إذ من المستحيل ـ بداهة ـ أن يتأسس نموذج للحياة على أساس النظر وحده، وحتى إذا فرضنا جدلاً إمكان تحقق هذا، فبالتأكيد أن مثل هذا النظام سيبقى مجرد نظرية مخطوطة على الورق، ولن ترى النور في الواقع العملي.

وفوق هذا، ليس من الضروري ولا من المجدي بدء أية حركة فكرية ـ جعلت لتكون حركة عالمية ـ منذ أول أمرها على خطوط وأسس عالمية، وإنما الطريقة المثلى لبدئها أن تنشأ في بلدها الأصلي الأول، ثم تقدم بوضوح نظرياتها ومبادئها الأساسية التي تكون عمد نظام الحياة المطلوب، وهنا يتحتم على أنصارها وأشياعها أن يقروا مبادئها وأسسها في أذهان شعبهم الذي يتكلم لغة واحدة، وله عاداته، وظروفه الواحدة، ثم ينبغي عليهم قبل كل شيء أن يحققوا مبادئ حركتهم في داخل بلدهم ويبرهنوا على صلاحيتها وكفاءتها بتحقيقهم نظاماً حياتياً سعيداً ناجحاً، وهذا بالطبع سوف يجذب إليه أمماً أخرى وستُقبل أقوامها العاقلة على تفهم الحركة، وتنكب على دراستها وتعقلها ليشرعوا من بعد في تطبيقها بينهم، إن أي نظام فكري لا يصبح ذا صبغة قومية محلية لمجرد أنه قدم أول أمره إلى أمة بعينها ووجهت أدلته وحججه إلى شعب بعينه، والحق أن ما يميز بين النظام المحلي والنظام العالمي، ويفرق بين النظام المؤقت والنظام الدائم أن النظام المحلي يهدف إما إلى بسط سيادته ورفعته أو دعوته الخاصة على الأمم الأخرى، وإما إلى تقديم مبادئ ونظريات لا تصلح ـ من حيث طبيعتها ـ لأن تقدم إلى أمم أخرى غيره، ومن جهة أخرى فإن النظام العالمي يعطي البشرية كلها درجات ورتباً وحقوقاً متساوية ويقدم مبادئ ذات روح عامة وتطبيق شامل، أما النظام المحلي فهو لا يفعل هذا، كذلك تتسم مبادئ النظام الدائم بقابليتها للتطبيق في أي وقت، على حين تفقد مبادئ النظام المؤقت واقعيتها وإمكانية تطبيقها بمرور الزمن وتوالي العصور، ولو تدبر المرء القرآن في ضوء ما تقدم فلسوف يخلص إلى أن تعاليمه ذات سمة عامة وتطبيق شمولي واسع.
 
الأخت الكريمة روضة


معذرة وألف معذرة فما كان لمثلي أن يتعقب مثله---ولكنّي أرغب من الأخت الكريمة أن ترينا شواهد تشكل مصداقا لكلامه


(لكنه ما أن يقرأه حتى يجده موجهاً في أساسه إلى العرب الذين كانوا يعاصرون نزوله، ورغم أنه يخاطب غيرهم حيناً ويوجه كلامه إلى البشرية قاطبة أحياناً، إلا أنه يناقش بشكل أساسي تلك الأشياء التي يألفها ذوق العرب،)

وحسب علمي أنّ معالجاته تعالج الإنسان كإنسان----

ولا أدري لماذا شعرت بحساسية شديدة تجاه مجمل ما نقلت لنا أختاه
 
الأخ الفاضل جمال..

أشكرك على تعقيبك، وسأجيبك على سؤالك .. لا تقوّلاً على الأستاذ أبي الأعلى، فهو أعلم بمراده رحمه الله، ولكن حسب فهمي.

من القضايا التي أرى أن القرآن الكريم يناقشها بما يتصل ببيئة العرب وعقائدهم وعاداتهم: قضية الرقيق والإماء، قضية التبني، عادة وأد البنات، دحضه للعقائد الوثنية الخاصة في العرب كالأصنام التي كانوا تحيط بالكعبة المشرفة، عادة التلاعب بترتيب الأشهر في قوله تعالى: (إنما النسيء زيادة في الكفر)، التدرج بتحريم الخمر، فهذا فيه إصلاح للعرب آنذاك.

ومن تفسير الأستاذ أبي الأعلى الذي تطرق فيه إلى عادات العرب، ما قاله عند تفسيره الآية الكريمة: (يسألونك عن الأهلة..) [البقرة:189]: والعرب كأمة من الأمم كانت تسود بيئتهم عدة خرافات حولها، فكانوا يستفتونها في الأعمال والأسفار، ويرون فيها طوالعهم في الزواج والحياة، وما إليها، ويؤدون لها بعض الشعائر الخرافية؛ لأنهم كانوا على اعتقاد بأن للأهلة وخسوف القمر تأثيراً في حظوظهم، وسلطاناً على ثرواتهم، من أجل هذا سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عنها فأجابهم الله أنها ليست سوى مواقيت طبيعية.

(وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ... ): هذه كانت واحدة من عاداتهم الخرافية، فكانوا إذا أحرموا للحج لا يدخلون بيوتهم من أبوابها وإنما يتسلقون الأسوار والجدر من الخلف، والله في هذه الآية لم يدحض هذه العادة الخرافية فحسب، بل أخبرهم أن ليس للخير والبر صلة بالعادات والشعائر الخرافية التي تمارسونها مقلدين آباءكم وأجدادكم عمياناً لا تدبر أو تمحيص.

وقال عند تفسيره الآية الكريمة: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم ...): كان العرب قبل الإسلام إذا قضوا مناسك الحج التقوا في منى وراحوا يتفاخرون فيما بينهم بمآثر آبائهم وأجدادهم ومحامد أنسابهم وعروقهم، فأمرهم الله هنا أن يدعوا هذه العادات الجاهلية ويقضوا أوقاتهم في ذكر الله وحمده والثناء عليه لا في الإشادة بمناقب أجدادهم ومحامدهم.

انتهى.

فالمدقق فيما نقلتُه من كلام الأستاذ يجد أن فيه دحضاً لشبهة أن القرآن خاص بأمة العرب، فهو يتحدى أن يستخرج صاحب هذه الشبهة آية واحدة لا توجد فيها صبغة العمومية والشمولية.

وما جاء في بعض الآيات من حديث عن عادات العرب وقت نزول القرآن لا ينفي إمكانية استخراج قوانين عامة ومبادئ تصلح للبشرية كافة.



وقوله رحمه الله:

(لكنه ما أن يقرأه حتى يجده موجهاً في أساسه إلى العرب الذينكانوا يعاصرون نزوله، ورغم أنه يخاطب غيرهم حيناً ويوجه كلامه إلى البشرية قاطبةأحياناً، إلا أنه يناقش بشكل أساسي تلك الأشياء التي يألفها ذوقالعرب). هذا شرح وبسط للشبهة بدليل أنه ردّ عليه.

والله أعلم وبارك الله فيكم.
 
بكثير من الاختصار, نستطيع ان نقول ان عالمية الخطاب القرآني تستند فيما احسب على التالي:
1- النظرة الشمولية والتكاملية في تحليلها للظواهر الكبرى: الانسان, الكون, والحياة.. وهذه الظواهر الكبرى اخفقت المناهج الوضعية في مناقشتها بالتكامل الذي طرحه القرآن الكريم
2- المفاهيم الانسانية الفطرية العامة من عدل ورحمة .. هذه المفاهيم التي تتجاوز كل الاطر الى الاطار الانساني العام
3- تحديد النص القرآني لمفهوم الانسان .. لقد تجاوز النص القرآني في تحديده لمفهوم الانسان التاريخ والجغرافيا .. وأكّد حق هذا الانسان بما يساويه مع الانسان المسلم بغض النظر حتى عن الانتماء الديني ..
 
الاخت روضة , حفظك الله:
نرجو منك مراعاة حجم الخط
وبارك الله فيك
 
عودة
أعلى