شعر العلماء في ميزان النقد الأدبي ,شاركنا برأيك.

إنضم
31/05/2006
المشاركات
107
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
أحبتي الكرام :
في قراءة بعض كتب التراجم لفت نظري بعض العبارات التي يفهم منها الحط من شعر العلماء وأنه ليس كشعر الأدباء كما قال ابن بسام "إن شعرالعلماء ليس فيه بارقة تسام"
وهذه كلمة طار بها المترجمون , وقال القفطي في ترجمة صاحبكم- يا أهل التفسير- محمد بن جرير الطبري" وقد كان له - رحمه الله - شعر فوق شعر العلماء"وفي ترجمة الشهاب الخفاجي لابن المنقار قال:" إلا أن شِعرَه شعرُ العلماء، وأدبه أدبُ الفقهاء، وما كل قصرٍ خَوَرْنَق وسَدِير، وما كل وادٍ فيه رَوْضة وغَدِير"
ويعلق الشوكاني في البدر الطالع على قصيدة لزين العابدين بن حسين الحكمي فيقول:" ولكنها من جنس شعر العلماء لامن شعر الأدباء"
فهل ينطلق هؤلاء وغيرهم في مثل هذا الثلب لشعر العلماء من التسليم لهذه المقولة أو أنهم يرون هذا الشعر لايرتقى إلى مايقوله الأدباء من الشعر؟ وهل الشعر والأدب قرينان للجهل؟
لاجدال في أن بعض شعر العلماء فيه ضعف وركاكة ولكن سبب هذا في نظري هو عدم احتفال العلماء بقرض الشعر وتعاطيه لأنهم لا يرونه غاية في ذاته كما قال الشافعي:

ولولا الشعر بالعلماء يزري
لكنت اليوم أشعر من لبيد

ولعمري إن لبعض العلماء قصائد يطرب لها السمع ويهتز لها القلب فما عسى بعض المنتقصين
أن يقول إذا سمعها.
وقد ألفت حول هذا الموضوع عدة كتب ككتاب "أدب الفقهاء" للعلامة المغربي عبدالله كنون.
adbalfogha.jpg

و"غزل الفقهاء" للطنطاوي وغيرها , وهذه بعض النماذج التي تقطع بها "جهيزة قول كل خطيب":
هذا عروة بن أذينة الفقيه المحدث شيخ الإمام مالك يقول في أبيات تفيض رقة :

إن التي زعمـت فـؤادك ملها
خلقت هواك كما خلقت هوى لها

فبك الذي زعمـت بها وكلاكما
يبدي لصاحبه الصبـابـة كلها


ويبيت بين جوانحي حـبٌّ لهـا
لو كان تحـت فراشهـا لأقلها

ولعمرها لو كان حبـك فوقها
يوماً وقد ضحيـت إذن لأظلهـا

وإذا وجدت لها وساوس سلـوة
شفع الفؤاد إلى الضمير فسلها

بيضاء باكرها النعيـم فصاغها
بلبـاقـة فـأدقهـا وأجلهـا

منعـت تحيتها فقلـت لصاحبي
ما كان أكثـرها لنـا وأقلها


وكم ترنمنا بشعر الفقيه الشريف الرضي الذي يقول:

يا ظبية البان ترعى في خمائله
ليهنك اليوم أن القلب مرعاك

الماء عندك مبذول لشاربه
وليس يرويك إلا مدمعي الباكي


هبت لنا من رياح الغور رائحة
عند الرقاد عرفناها برياك

سهم أصاب وراميه بذي سلم
من بالعراق، لقد أبعدت مرماك

أنت النعيم لقلبي والعذاب له
فما أمرك في قلبي وأحلاك

وهو إذ يقف على طلول الأحباب لايكتفي بمجرد السير على سنن السابقين بل له طريقة خاصة وفلسفة فريدة يجسدها قوله:

ولقد مررت على ديارهمُ
وطلولها بيد البلى نهْب

فوقفت حتى ضجَّ من لغَب
نضْوي ولجَّ بعذليَ الصَّحْبُ

وتلفتت عيني فمذ خفيت
عني الديار تلفت القلبُ

واسمع لقول القاضي الفقه علي بن عبدالعزيز الجرجاني صاحب "الوساطة" في أبياته التي تبعث في النفس العزة بالعلم والترفع به يقول:
يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما
رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما

أرى الناسَ من داناهُمُ هان عندهم
ومن أكرَمته عزةُالنفسِ أكرِما

ولم أقضِ حَقَّ العلمِ إن كان كُلَّمَا
بدا طَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما

وما زلتُ مُنحازاً بعرضيَ جانباً
من الذلِّ أعتدُّ الصيانةَ مَغنما

إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى
ولكنَّ نفسَ الحرِّ تَحتَملَ الظَّمَا

وأنا لا أريد من هذا كثرة التمثيل لروائع شعر العلماء ولكن أليست هذه النماذج وغيرها كثير كفيلة بإسقاط ذلك الرأي الذي يردده كثير من النقاد والمترجمين دون نظر وتأمل ؟
وهذا الموضوع لم انطلق فيه انتصاراً لأهل العلم لمجرد أنهم علماء فالعلم لايرفع من شأن الشعر أو الشاعر كما ذكر الآمدي في الموازنة , وإنما انتصاراً للشعر الجيد الذي لو كان لغير العلماء لاحتفل به .

أرجو من الإخوة مشاركتي في هذه القضية بما يرونه , وإن كان ثمت نماذج مغمورة من شعر العلماء فحبذا أن يتحفونا بها .
 
يجب التفريق بين شعر العالم الأديب
وشعر العالم الفقيه
فشعر الأول كوردة في روضة غناء
وشعر الثاني كنبتة في أرض قاحلة​
 
هناك برنامج على قتاة دليل اسمه " فقهاء أدباء " إعداد وتقديم: الدكتور عادل با نعمة.
تكلم في اول حلقاته عن هذه القضية ومما قاله :
(( ...
هذا الكلام الذي قاله ابن خلدون، أفضى إلى قاعدة تداولتها الكتب بعد ذلك ,وهي أن شعر الفقهاء ,شعره شعر فقيه, تساوي عبارة وكان شعره شعراً رديئاً ساقطاً لا قيمة له.
ولا أكتمكم سراً, أن هذا البرنامج جاء من أجل أن يحطم هذا العموم، الموجود في هذه القاعدة, وليبين أن الفقيه يمكن أن يكون شاعراً , بل يمكن أن يكون شاعراً كبيراً، وبليغاً تسير بشعره الركبان ويتحدث بشعره الخافقان ))
تجدون 22 حلقة مفرغة من هذا البرنامج على هذا الرابط :
http://idaleel.tv/daleel/articles-action-listarticles-id-43.htm
اضغط على العنوان يأتيك الموضوع مفرغا.
هذه فقط الحلقات المفرغة من هذا البرنامج .

لعل الاخوة يطلعون عليها وينظرون بديع شعر العلماء .
ومن الامثلة ماذكره في كلامه على عبد الوهاب بن نصر المالكي علم من أعلام الفقه المالكي
انظروا كلامه عنه ونماذج من شعره على هذا الرابط :
http://idaleel.tv/daleel/articles-action-show-id-39.htm




 
إذا أبدع الفقيه في الشعر فهو أديب وهذا نادر
والحكم للغالب فالفقهاء عادة يغلب عليهم الطابع الفقهي الجاف فلا تجد للندى أثرا في أشعارهم​
 
بارك الله فيك .
هذا موضوع طريفٌ، والمقصود بوصف شعرٍ ما بأَنَّه من شعر العلماء أنَّه يظهر عليه أثرُ العلم الذي اشتغل به قائله فيقلِّل من جمَاله أحياناً، فلا يزال يدور حول مصطلحات هذا العلم في شعره الذي يقوله. وهي عبارة في نظري غير دقيقةٍ، وهي لا تُقال إلا في الشعر المتواضع فنياً من شعر بعض العلماء دون سائرِ شعره هو أو سائر شعر غيره من العلماء، ولذلك فالأمثلة التي مثَّل بها عبدالله كنون وغيره لا تصلح كلها - في رأيي المتواضع - أمثلة على ما يعنيه أهل التراجم بشعر العلماء.
ولذلك فقصيدة عروة بن أذينة (إِنَّ التي زعمت فؤادك ملَّها) وأمثالها من روائع الشعر حقاً، ولا يصدق عليها وصفُ (شعر العلماء) لِمُجرَّد أن عروة يُعَدُّ من الفقهاء، فهو من الفقهاء الأدباء المبدعين، فلو قالها الفرزدق أو جرير لكانت من عيون شعرهم .
وأما الشافعي رحمه الله فمع حبي الشديد له ولعلمه وذكائه وعبقريته، إلا أنَّ شاعريته لا ترقى به إلا مصاف الشعراء المُحترفين كلبيد أو المتنبي أو أبي تَمَّام مثلاً أو مَن هُو دُونَهم . والشعرُ لا يزري بالعلماء إلا إذا كان للتكسب وامتهان بعض أنواعه كالمديح الكاذب، والهجاء ونحوه، وأما سائره فهو من علامات الفطنة والذكاء، وامتلاك ناصية البيان التي هي من أدوات العالم الحقيقي.
ومن الأمثلة التي تصلح لموضوعنا هنا ما جاء في شعر أبي حيان الغرناطي رحمه الله صاحب البحر المحيط مع امتلاكه لأدوات الإبداع في الشعر من حيث اللغة والنحو ، إلا أن شعره تفاوت من حيث القيمة الأدبية ، فله مقطعات لا بأس بها جعلت ابن الجزري يقول في ترجمته :(ونظمه في غاية الحسن مع الدين والخير والثقة والأمانة) . في حين قال فيه ابن تغري بردي :(ومذهبي في أبي حيان أنه عالم لا شاعر ولم أذكر هذه الموشحة هنا لحسنها بل قصدت التعريف بنظمه بذكر هذه الموشحة لأنه أفحل شعراء المغاربة في هذا الشأن) ، وهذه غريبة من ابن تغري بردي، فقد أصاب في أول كلامه، ونقضه بآخره، فليس أبو حيان أفحل شعراء المغاربة في الموشحات، وإلا فأين ابن سهل، وابن الخطيب وأضرابهم من عمالقة التوشيح في العربية وهم من أهل الأندلس ، لكن نَمشِّيها لابن تغري بردي. وأعدل منه قول السبكي وهو الأديب المتذوق :(وموشحاته أجود من شعره)، فشعر أبي حيان
يصدق عليه أنه من شعر العلماء لضعفه الفني، غير أن موشحاته أحسن حالاً من قصائده . وأعجبني قول ابن الوردي في أبي حيان :(له نظمٌ ليس على قدر فضيلته)، فكأن المأمول منه لامتلاك الأدوات أحسن من هذا، ولكنها الموهبة التي من حُرِمَها فلو حفظ دواوين الشعر كلها لم يجئ شعره إلا بارداً متكلفاً، ومن أعطيها هدي إلى أبكار المعاني، ورشيق التصاوير، وكان حفظه للشعر ودرسه للأدب زاداً للإبداع والتمكن فيه، وهذا حديث ذو شجون.
والخلاصة أن الفقيه الأديب يُباري الشعراء ويُعَدُّ منهم إذا كان مُبدعاً، وقد يقول القصيدة أو القصيدتين التي تقعد به مع كبار الشعراء المتفرغين للشعر، وإذا لم يكن إلا مجرد ناظمٍ كابن الجزري رحمه الله وأضرابه فأسأل الله أن يتقبل منه وأن يكتب أجره ! ولو شئت لتحدثت عن الشاطبية في القراءات، وما يدَّعيهِ بعض من حققها من أَنَّها من عيون الشعر العربي ولكن ..
وإني أجد نفسي راغبةً في الإطالة في هذا الباب لطرافته وكثرة شجونه ولكن حسبي بهذا الآن .
 
قال صديق خان بسنده في أبجد العلوم 1 / 305:
أخبرني صاحبنا، الفاضل: أبو القاسم بن رضوان، كاتب العلامة بالدولة المرينية، قال:
ذاكرت يوما صاحبنا: أبا العباس بن شعيب، كاتب السلطان: أبي الحسن، وكان المقدم في البصر باللسان لعهده، فأنشدته مطلع قصيدة ابن النحوي، ولم أنسبها له، وهو هذا:
لم أدر حين وقفتُ بالأطلال= ما الفرقُ بين جديدها والبالي ؟
فقال لي على البديهة: هذا شعر فقيه،
فقلت له: من أين لك ذلك؟
قال: من قوله: (ما الفرقُ)، إذ هي من عبارات الفقهاء، وليست من أساليب كلام العرب،
فقلت له: لله أبوك ! إنه : ابن النحوي .
وابن النحوي : هو يوسف بن محمد بن يوسف التوزري (التونسي) التلمساني أو أبو الفضل(433- 513هـ)، من أشهر شعره القصيدة المنفرجة ، التي شرحها وخمّسها كثيرون ، ومطلعها :
اشتدي أزمة تنفرجي= قد آذن ليليك بالبلج..
ومن شعره :
لبست ثوب الرّجا والناس قد رقدوا......وقمت أشكو إلى مولاي ما أجدُ
وقلت يا ســيدي يا منتهى أملي......يا من عليه بكشـف الضّرّ أعتمدُ
أشكو اليك أموراً أنــت تعلمها......مالي على حمـلها صـبرٌ ولا جلَدُ
وقد مددتُ يدي للضّـرّ مشتكيا......إليك يا خير من مُدّت إليـه يـدُ

وهذا المعنى ظاهر غير خفي في النقد الأدبي منذ القرن الثالث والرابع، فقالوا في أبي بكر ابن دريد (223- 321هـ) صاحب الجمهرة ( نزهة الألبا 257 ) :
"ابن دريد أشعر العلماء, وأعلم الشعراء"
وهو صاحب المقصورة المشهورة الرائعة التي مطلعها :
يا ظبيةً أشبه شيء بالمها=ترعى الخُزامي بين أشجار النقا.
وقال جحظة البرمكي في رثاء ابن دريد مشيداً بمنزلته من الأدب:
فقدتُ بابن دريد كلّ فائدةٍ=لما غدا ثالثَ الأحجار والتربِ
وكنت أبكي لفقد الجود منفرداً=فصرت أبكي لفقد الجود والأدب.

ودخل هذا المعنى شعر الفخر !، وعده الشاعر من مآثره ، قال ناصح الدين الأرّجاني (-544هـ) كما في معاهد التنصيص 2 / 5 :
أنا أفقه الشعراء غيرَ مدافع=في العصر ، لا ، بل أشعر الفقهاءِ .
قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 20 / 221 :
"الإمام الأوحد ، شاعر زمانه ، قاضي تستر أبوبكر ، أحمد... الأرجاني....".
 
قال المرادي في سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر عند ترجمته لإسماعيل العجلوني رحمه الله (1/298): وكان ينظم الشعر، وشعره شعر علماء؛ لأنهم لا يشغلون أنفسهم به، كما قال ابن بسام: ان شعر العلماء ليس فيه بارقة تسام. وجعل الشهاب أنَّ أَحسن بعض أشعارهم من قبيل دعوة البخيل وحملة الجبان. وقال الأمين في نفحته: قلت: علة ذلك أنهم يشغلون أفكارهم بمعنى يعني، والشعر -وإن سمّوه ترويح الخاطر- لكنه مما لا يثمر فائدة، ولا يغني. وشتان بين من تعاطاه في الشهر مرة، وبين من أنفق في تعاطيه عمره. أنتهى
 
يمكن ان يقال إن السبقَ لمن سبق فمن اشتغلَ بالعلمِ واستفرغَ له عمره ثم التفت للشعر فمن الصعب ان يرق شعره
رقةِ اهله والنادر لا حكم له لكن اذا طبع الشاعر على الرقة والادب قبل ان يصنعه العلم وعلى الخصوص الفقه وعلوم الآلة فربما اتى شعره من هذه النماذج الراقية .
 
شكر الله لكم جميعاً.
والشأن في طرح مثل هذا الموضوع أنه ينبغي أن تكون نظرتنا للتراث نظرة فاحصة ناقدة بحيث يكون القبول والرد على أسس واضحة وعن قناعة من القارىء لما يتخذ من مواقف وآراء .
 
عودة
أعلى