أنور بن إبراهيم
New member
- إنضم
- 06/02/2011
- المشاركات
- 11
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
شريعة أمية لأمة أمية1-2
د.أنور إبراهيم منصور
د.أنور إبراهيم منصور
أثار الشاطبى في موافقاته قضية كانت محل اهتمام العلماء من بعده ، حيث ذهب إلى أن هذه الشريعة جاءت على مقتضى حال من نزلت عليهم ، فهي شريعة أمية لقوم أميين ، وساق فى هذا الشأن أدلة عقلية ونقلية .
قال رحمه الله :
هذه الشريعة المباركة أمية ؛ لأن أهلها كذلك فهو أجرى على اعتبار المصالح . ويدل على ذلك أمور :
أحدها : النصوص المتواترة اللفظ والمعنى كقوله تعالى " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ " وقوله "فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ "، وفى الحديث بعثت إلى أمة أمية لأنهم لم يكن لهم علم بعلوم الأقدمين ، والأمي منسوب إلى الأم وهو الباقي على أصل ولادة الأم لم يتعلم كتابا ولا غيره ، فهو على أصل خلقته التي ولد عليها ، وفى الحديث نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، وقد فسر معنى الأمية فى الحديث أي ليس لنا علم بالحساب ولا الكتاب ونحوه قوله تعالى " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك" وما أشبه هذا من الأدلة المبثوثة فى الكتاب والسنة الدالة على أن الشريعة موضوعة على وصف الأمية لأن أهلها كذلك .
والثاني : أن الشريعة التي بعث بها النبي الأمي إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما إما أن تكون على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية أو لا ، فإن كان كذلك فهو معنى كونها أمية أي منسوبة إلى الأميين ، وإن لم تكن كذلك لزم أن تكون على غير ما عهدوا فلم تكن لتنزل من أنفسهم منزلة ما تعهد وذلك خلاف ما وضع عليه الأمر فيها فلا بد أن تكون على ما يعهدون ، والعرب لم تعهد إلا ما وصفها الله به من الأمية فالشريعة أمية .
والثالث : أنه لو لم يكن على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزا ، ولكانوا يخرجون عن مقتضى التعجيز بقولهم هذا على غير ما عهدنا إذ ليس لنا عهد بمثل هذا الكلام من حيث إن كلامنا معروف مفهوم عندنا وهذا ليس بمفهوم ولا معروف ، فلم تقم الحجة عليهم به ، ولذلك قال سبحانه " ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أاعجمى وعربى " فجعل الحجة على فرض كون القرآن أعجميا ولما قالوا إنما يعلمه بشر رد الله عليهم بقوله "
لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربى مبين " لكنهم أذعنوا لظهور الحجة فدل على أن ذلك لعلمهم به وعهدهم بمثله مع العجز عن مماثلته وأدلة هذا المعنى كثيرة .
وهذا الكلام من الشاطبى لو أخذناه على ظاهره لوقعنا فى مشكلات عديدة .
إذ يفهم من هذا السياق خصوصية الشريعة فى زمانها ومكانها ، وهذا ما يطرب لسماعه المستشرقون وأذنابهم .
ومرد هذا الكلام ـ من وجهة نظري ـ يعود إلى ما ارتآه الشاطبى فى مسألة التفسير العلمى للقرآن الكريم ، إذ كان من أبرز المعارضين له ، فحاول أن يؤصل هذه القاعدة على الشريعة حتى يستقيم له القول .
وقد وقف العلماء أمام هذا الكلام ما بين مستنكر ومتعجب ، وحاول فريق آخر البحث عن وجوه يمكن حمل الكلام عليها .
تفسير الشيخ دراز :
حمل الشيخ عبدالله دراز كلام الشاطبى على التكاليف الشرعية ، جاء هذا فى شرحه للكتاب إذ قال فى معنى إن هذه الشريعة المباركة أمية :
أي لا تحتاج فى فهمها وتعرف أوامرها ونواهيها إلى التغلغل فى العلوم الكونية والرياضيات وما إلى ذلك . والحكمة فى ذلك :
أولا ً : أن من باشر تلقيها من الرسول r أميون على الفطرة . وهذه ما شرحه الشاطبى .
ثانياً فإنها لو لم تكن كذلك لما وسعت جمهور الخلق من عرب وغيرهم ، فإنه كان يصعب على الجمهور الامتثال لأوامرها ونواهيها المحتاجة إلى وسائل علمية لفهمها أولاً ، ثم تطبيقها ثانيا ، وكلاهما غير ميسور لجمهور الناس المرسل إليهم من عرب وغيرهم ، وهذا كله فيما يتعلق بأحكام التكليف ، لأنه عام يجب أن يفهمه العرب والجمهور ليمكن الامتثال ، أما الأسرار والحكم والمواعظ والعبر فمنها ما يدق عن فهم الجمهور ويتناول بعض الخواص منه شيئاً فشيئاً بحسب ما يسره الله لهم وما يلهمهم به ، وذلك هو الواقع لمن تتبع النظر فى كلام الله تعالى على مر العصور ، يفتح على هذا بشيء لم يفتح به على الآخر ، وإذا عرض على الآخر أقره ، على أنه ليست كل الأحكام التكليفية التى جاءت فى الكتاب والسنة مبذولة ومكشوفة للجمهور ، وإلا لما كان هناك خواص مجتهدون ، وغيرهم مقلدون ، حتى فى عصر الصحابة ، وكل ما يؤخذ من مثل حديث " نحن أمة أمية " ما ذكرناه ، على أن التكاليف لا تتوقف فى امتثالها على وسائل علمية وعلوم كونية وهكذا .
ورغم التماسه هذا الوجه إلا أنه لا يوافق الشاطبى فيما ذهب إليه ، ونقد كلامه في حاشية الكتاب .
الشاطبى وابن عاشور :
لما كان رأى ابن عاشور فى التفسير العلمى مغايراً لما ذهب إليه الإمام الشاطبى فقد ناقشه مناقشة مستفيضة ، وذلك في مقدمته الرابعة من مقدمات تفسيره نورد منها قوله :
ولاشك أن الكلام الصادر عن علام الغيوب -تعالى- لا تنبني معانيه على فهم طائفة واحدة ولكن معانيه تطابق الحقائق، وكل ما كان من الحقيقة في علم من العلوم وكانت الآية لها اعتلاق بذلك.
فالحقيقة العلمية مرادة بمقدار ما بلغت إليه أفهام البشر وبمقدار ما ستبلغ إليه. وذلك يختلف باختلاف المقامات ويبني على توفر الفهم، ولا يكون تكلفاً بيناً ولا خروجاً عن المعنى الأصلي حتى لا يكون في ذلك كتفاسير الباطنية.
وأما أبو إسحاق الشاطبي فقال في الفصل الثالث من المسألة الرابعة : لا يصح في مسلك الفهم والإفهام إلا ما يكون عاماً لجميع العرب . فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه .
وقال في المسألة الرابعة من النوع الثاني : ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذهب أهلها -وهم العرب- تنبني عليه قواعد منها: أن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وأشباهها، وهذا إذا ما عرضناه على ما تقدم لم يصح، فإن السلف الصالح كانوا أعلم بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أن أحداً منهم تكلم في شيء من هذا سوى ما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخرة. نعم تضمن علوماً من جنس علوم العرب وما هو على معهودها مما يتعجب منه أولو الألباب ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة .
وهذا مبني على ما أسسه من كون القرآن لما كان خطاباً للأميين وهم العرب فإنما يعتمد في مسلك فهمه وإفهامه على مقدرتهم وطاقتهم. وأن الشريعة أمية.
وهو أساس واهٍ لوجوه ستة:
الأول: أن ما بناه عليه يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حال إلى حال ، وهذا باطل لما قدمناه، قال تعالى : " تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ"
الثاني: أن مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة ، وهو معجزة باقية فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة .
الثالث: أن السلف قالوا: إن القرآن لا تنقضي عجائبه يعنون معانيه ولو كان كما قال الشاطبي لانقضت عجائبه بانحصار أنواع معانيه.
الرابع: أن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تف به الأسفار المتكاثرة.
الخامس: أن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداءً لا يقضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوماً لديهم فأما ما زاد على المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
السادس: أن عدم تكلم السلف عليها إن كان فيما ليس راجعاً إلى مقاصده فنحن نساعد عليه، وإن كان فيما يرجع إليها فلا نسلم وقوفهم فيها عند ظواهر الآيات، بل قد بينوا وفصلوا وفرعوا في علوم عنوا بها.
ولا يمنعنا ذلك أن نقفّي على آثارهم في علوم أخرى راجعة لخدمة المقاصد القرآنية أو لبيان سعة العلوم الإسلامية، أما ما وراء ذلك فإن كان ذكره لإيضاح المعنى فذلك تابع للتفسير أيضاً لأن العلوم العقلية إنما تبحث عن أحوال الأشياء على ما هي عليه، وإن كان فيما زاد على ذلك فذلك ليس من التفسير لكنه تكملة للمباحث العلمية واستطراد في العلم لمناسبة التفسير ليكون متعاطي التفسير أوسع قريحة في العلوم.
وهذا يؤكد لنا أن الخلاف فى أصله يعود إلى قضية الإفادة من العلوم الحديثة فى التفسير.