عيسى السعدي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
مقدمة
1- هذا الباب أخص من باب (فضل التوحيد ) ؛ فالباب السابق لذكر فضائل التوحيد عموما ، وهذا الباب مختص بفضيلة واحدة لا تكون إلا لأعلى الموحدين درجة ؛ وهي دخول الجنة بلا حساب ولا عذاب .
2- تحقيق التوحيد قدر زائد على ماهيته ؛ وهو كمال الإخلاص في الأقوال والأفعال ، وانجذاب القلب إلى الله حتى لا يبقى فيه تعلق بغير الله تعالى . وقد ذكر بعض الشراح أن المراد بتحقيقه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والإصرار على المعصية . ويبدو أن هذا تعريف بمقتضاه أوبأهم آثاره والله أعلم .
3- جزم المؤلف بالشهادة بالجنة لمن حقق التوحيد ؛ لأنها شهادة بالوصف ، وأما الشهادة بالشخص فلا تجوز إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بعينه على المشهور . وتجوز بالاستفاضة عند بعض أهل السنة لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( مر بجنازة فأثني عليها خيرا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأثني عليها شرا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم وجبت وجبت وجبت قال عمرt فدى لك أبي وأمي مر بجنازة فأثني عليها خير فقلت : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت : وجبت وجبت وجبت فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض ) .
الشرح التفصيلي
ذكر المؤلف في هذا الباب الصفات التي تدل على تحقيق التوحيد بثلاث طرق :
الأولى : ذكر صفات إمام الموحدين عليه السلام ؛ قال تعالى ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه ) ؛ فوصف خليله عليه السلام بخمس صفات هي الغاية في تحقيق التوحيد ؛ هي :
1- أنه كان أمة ؛ أي قدوة وإماما ومعلما للخير ؛ وذلك لتكميله مقام الصبر واليقين اللذين تنال بهما الإمامة في الدين ؛ قال تعالى ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .
2- القنوت ؛ أي دوام الطاعة ؛ فكان عليه السلام مديم الطاعة في كل حال ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مطيعا ذاكرا في كل أحيانه .
3- أنه كان حنيفا ؛ أي مقبلا على الله تعالى معرضا عن كل ماسواه ، كما قال تعالى عن خليله عليه السلام ( إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) .
4- ولم يك من المشركين ؛ أي فارقهم بالقلب واللسان والبدن ، فبرأه من جميع المشركين كما برأه من اليهودية والنصرانية ؛ خلافا لمن ادعاه من أهل هذه الملل أو افترى على الله وزعم أنه منهم ؛ قال تعالى ( ماكان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وماكان من المشركين ) ؛ وفي هاتين الآيتين دلالة قاطعة ؛ الأولى بالنص الصريح ، والثانية بمفهوم الموافقة على براءته عليه السلام من المجوسية والهندوسية خلافا لما يردده بعض من يكتب في الأديان ؛ ويزعم أنه زردشت وأن كتابه الأبستاق ، أو أنه براهما وكتابه الفيدا !! ولو فكر هذا القائل في هذه الآية لوجدها صريحة في تكذيب قوله ، وإبطال زعمه ! ولو نظر فيما نقل من الفيدا والأبستاق لوجدها مناقضة لكتب الأنبياء في أصولها ومقاصدها ! مما يحيل أن تكون هذه الكتب مأثورة عن نبي من الأنبياء فضلا عن أن تكون من كتب إمام الحنفاء !
5- شكر النعم ؛ فقد كان الخليل عليه السلام شاكرا لأنعم ربه بقلبه ولسانه وعمله ؛ وهي أركان الشكر الثلاثة ؛ فقد ذكر أهل العلم أن الشكر مبني على ثلاثة أركان ؛ الاقرار بالنعمة ، وإضافتها إلى المنعم سبحانه ، وصرفها في مرضاة الله تعالى والعمل فيها بما يحبه سبحانه .
وقد كافأه الله على الخمس بخمس ( اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة من الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) ؛ وآخر الخمس أمر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم باتباع ملته ؛ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته ؛ وهو ما أمرنا الله به نصا في قوله ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) .
الثانية : ذكر صفات السابقين من المؤمنين ؛ قال تعالى : ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) ؛ فوصف المؤمنين السابقين إلى الخيرات والجنات بأربع صفات ؛ هي : -
1- إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ؛ أي خائفون وجلون من مكر الله وعذابه ؛ ولهذا كان الخوف سيما سادات الأولياء من هذه الأمة ؛ فتميم الداري رضي الله عنه قام ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية ويرددها ويبكي ؛ ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ! ولما حضرت أبا هريرة رضي الله عنه الوفاة بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : بعد المفازة ، وقلة الزاد ، وعقبة كؤود المهبط منها إلى الجنة أو النار ) .
2- والذين هم بآيات ربهم يؤمنون ؛ أي يؤمنون بآياته الشرعية والكونية ؛ وليس المراد التصديق بوجودها فقط بل المراد التصديق بكونها دلائل وأن مدلولها حق ؛ فإن كانت آياته التنزيلية أمرا امتثلوه ، أو نهيا اجتنبوه ، أوخبرا صدقوه . وكلما ظهرت لهم آية كونية في الأنفس أوالآفاق زادتهم إيمانا مع إيمانهم ؛ ولهذا عبر بالمضارع الدال على الاستمرار .
3- والذين هم بآيات ربهم لا يشركون ؛ أي لا يشركون شركا جليا ولا خفيا ولا ظاهرا ولا باطنا ولا أكبر ولا أصغر ؛ فأعمالهم الصالحة طبعت بطابع الإخلاص ؛ وهو السلامة من الشرك بجميع أنواعه . وقد ذكر بعض الشراح أن المراد نفي الشرك بمعناه الأعم ؛ فتدخل المعاصي والبدع ؛ لأنها صادرة عن هوى مخالف للشرع ؛ فلابد في تحقيق التوحيد من السلامة من الإصرار على المعاصي والبدع ؛ ولهذا قال العلماء إن تحقيق التوحيد يعني : تخليصه من الشرك والبدع والمعاصي .
4- والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ؛ أي يتقربون إلى الله بالصدقات والطاعات وهم خائفون ألا تقبل منهم ؛ لعلمهم بأن المرجع إلى الله ؛ وهو المجازي والمحاسب الذي لا يخفى عليه شيء مما خالط العمل ؛ فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ؛ أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال : لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات ) ؛ ولهذا قال الحسن ( المؤمن جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا ) .
الثالثة : ذكر النص الصريح في أسباب هذا الوعد المعين ؛ فعن حصين بن عبد الرحمن قال كنت عند سعيد بن جبير فقال : ( أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ قلت : أنا . ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت . قال : فماذا صنعت ؟ قلت : استرقيت . قال : فما حملك على ذلك ؟ قلت : حديث حدثناه الشعبي . فقال : وما حدثكم الشعبي ؟ قلت : حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة . فقال : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ، ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عرضت علي الأمم ، فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد ، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي : هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه ، ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب . ثم نهض فدخل منزله . فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله . وذكروا أشياء . فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما الذي تخوضون فيه ؟ فأخبروه . فقال : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن tفقال : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : أنت منهم . ثم قام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال سبقك بها عكاشة ) ؛ فوصف أهل الوعد بدخول الجنة بغير حساب ولا عذاب بأربع صفات : -
1- لا يسترقون : أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم توكلا على الله تعالى ؛ لأن سؤال المخلوق يؤثر على كمال التوكل ؛ ولهذا بايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئا . واستشكل على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( لا يرقون ) ؛ وأجاب شيخ الإسلام بأن هذه اللفظة وهم من الراوي ، وفرق بين الراقي والمسترقي بأن الراقي محسن والمسترقي سائل ملتفت إلى غير الله بقلبه ؛ فتكون الكراهة خاصة بالمسترقي دون الراقي . واستشكل على ذلك أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يسترقى من العين وحاشاه أن يأمر بمكروه أو مفضول ؛ ولهذا حمل ابن رجب وغيره الحديث على الرقى الشركية ؛ فما كان شركا أو احتمله فهو المؤثر في التوكل دون غيره ؛ ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : ( اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى مالم تكن شركا ) .
2- ولا يكتوون ؛ أي يتركون الكي توكلا على الله تعالى ؛ وقد ورد في كراهة الكي أحاديث كثيرة ؛ كحديث : ( من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل) . والظاهر أن كراهته ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بحالات معينة ؛ كالكي قبل البلاء ، والكي الذي يقترن به ركون القلب واعتماده على السبب ، وكالكي في الموضع المخوف ، ولهذا تركت الملائكة السلام على عمران بن حصين رضي الله عنه حين اكتوى من الباسور حتى ترك الكي . أما إذا تعين الكي طريق للشفاء ؛ وصاحبه اعتماد قلبي صادق على الله في حصول الشفاء فإنه لا يؤثر في التوكل ؛ ولهذا كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ، وكوى سعد بن زرارة من الشوكة ، وبعث إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه ، واكتوى ابن عمر من اللقوة ، وكوى أبو طلحة أنس بن مالك من ذات الجنب .
3- ولا يتطيرون ؛ أي لا يتشاءمون بمرئي ولا مسموع ولا غيره ؛ كالأسماء والألفاظ والبقاع والأيام والشهور . والمراد بذلك الانقباض القلبي الذي يستتبع عملا بموجبه من إمضاء أو رد ، أما مجرد الانقباض القلبي فلا يدخل في حد الطيرة المنهي عنها لأنه انفعال ولا تكليف إلا بفعل ؛ ولهذا جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه ( الطيرة شرك الطيرة شرك ومنا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل ) . وقوله وما منا إلى آخره من كلام ابن مسعود . وهل تحريم الطيرة عام في كل شيء أو يستثنى من ذلك أعيان معينة ؛ لحديث : ( الشؤم في ثلاثة المرأة والفرس والدار ) ؛ في المسألة خلاف يأتي بإذن الله تفصيله في الباب الذي أفرده المؤلف للتطير . 4- وعلى ربهم يتوكلون ؛ التوكل صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار ؛ ( وقوة التوكل على الله تعالى من أخص الصفات الدالة على كمال تحقيق التوحيد بحيث لا يلتفت القلب إلى المخلوقين في شأن من شؤونه ولا يستشرف إليهم بقلبه ولا يسألهم بلسان حاله أو مقاله ) أ. هـ بتصرف يسيرمن القول السديد . فالتوكل هو الحامل على ترك هذه الأسباب المكروهة ؛ وهي الاسترقاء والاكتواء والمحرمة وهي التطير . أما مباشرة الأسباب المباحة والتداوي على وجه مشروع فغير قادح في التوكل ؛ لحديث : ( ياعباد الله تداووا ؛ فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ) . اللهم إلا أن يقارن التداوي اعتماد قلبي على المخلوق في حصول الشفاء ، أو يعتقد أن الدواء سبب حتمي لحصول الشفاء ؛ كما يلمس على كثير من المرضى وإن لم يصرحوا بذلك .
وأخيرا فإن في الحديث فوائد نبه على أكثرها المؤلف والشراح منها : -
1- فضيلة علم السلف ، وأن ما يرونه من الآيات السماوية لا يعدونه عادة بل آية من آيات الله .
2- حرص السلف على الإخلاص وشدة توقيهم للرياء ؛ ولهذا نفى حصين عن نفسه توهم القيام للعبادة بقوله : (أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت ) .
3- في قوله : ( فما حملك على ذلك ) دليل على طلب الحجة على صحة المذهب .
4- في قوله ( قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ) دلالة على حسن أدب السلف وتلطفهم في تبليغ العلم .
5- في قوله ( لا رقية إلا من عين أوحمة ) دلالة على قوة تأثير الرقية في علاج الإصابة بالعين ولدغ ذوات السموم ؛ ولهذا خصها بالذكر ؛ وإن كانت جائزة من غيرهما من الأمراض ؛ كالمس والسحر وغير ذلك .
6- عمق علم السلف لعلم سعيد بن جبير رضي الله عنه بأن الحديث الأول لايعارض الثاني ؛ فالأول محمول على الجواز والثاني على الأفضلية ، أو أن الأول في الرقية والثاني في الاسترقاء .
7- في قوله : (عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد ) دلالة على قلة أتباع الرسل ؛ فينبغي للعاقل ألا يغتر بالكثرة ويزهد في القلة ؛ فأكثر الناس كما قال رب الناس : ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) ، وقال : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ) .
8- في قوله : ( عرضت علي الأمم ) دلالة على فضل النبي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان ذلك العرض ليلة الإسراء ؛ لحديث : ( لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم والنبي والنبيين ومعهم الرهط والنبي والنبيين وليس معهم أحد ... الحديث ) رواه الترمذي وغيره .
9- فضيلة أتباع موسى عليه السلام وكثرتهم ؛ فهم أكثر الأمم تابعا بعد أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
10- فضيلة هذه الأمة وأنهم أكثر الأمم إيمانا وعددا ؛ ولهذا قال المؤلف : فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية ؛ أي في العدد والصفات .
11- كثرة من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير حساب ولا عذاب ؛ فقد دل حديث الباب على أنهم سبعون ألفا ، وورد في رواية عند الإمام أحمد وغيره بإسناده جيد ( فاستزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألفا ) .
12- في قوله : ( ادع الله أن يجعلني منهم ) مشروعية طلب الدعاء من أهل الفضل والصلاح ، وذلك مختص بحياتهم أما بعد مماتهم فشرك وتنديد ؛ قال عبدالرحمن بن حسن : ( فيه أن شفاعة الحي لمن سأله الدعاء إنما كانت بدعائه وبعد الموت قد تعذر ذلك فمن سأل ميتا أوغائبا فقد سأله مالا يقدر عليه ومن سأل أحدا مالا يقدر عليه إلا الله فقد جعله ندا لله ) أ. هـ مختصرا من قرة عيون الموحدين . وفيها أيضا دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لأحد ضرا ولا نفعا ؛ ولهذا دعا ربه المتفرد بجلب المنافع ودفع المضار أن يجعل عكاشة رضي الله عنه منهم . فأجابه ربه كرامة له صلى الله عليه وسلم ؛ ولما علمه سبحانه من صدق هذا الصحابي ، وعلو درجتة في مقامات الإيمان .
13- في قوله ( أنت منهم ) دلالة على إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، والظاهر أن هذا الخبر كان بعد دعائه صلى الله عليه وسلم كما في رواية البخاري : ( اللهم اجعله منهم ). وفيها أيضا آية على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم؛ فقد ظل هذا الصحابي رضي الله عنه على قوة إيمانه حتى قتل شهيدا في حروب الردة بيد طليحة الأسدي الذي تاب بعد ذلك وجاهد الفرس في القادسية وغيرها حتى استشهد في موقعة الجسر .
14- في قوله : ( سبقك بها عكاشة ) دلالة على مشروعية سد الذرائع ، وعلى جواز استعمال المعاريض . والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آ له وصحبه أجمعين .
مراجع الدرس الثالث
1- تفسير القرطبي .
2- تفسير ابن كثير .
3- فتح القدير للشوكاني .
4- فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن .
5- قرة عيون الموحدين لعبد الرحمن بن حسن .
6- حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم .
7- الدر النضيد لسليمان الحمدان .
8- القول السديد لعبد الرحمن بن سعدي .
9- القول المفيد لابن عثيمين .
10- الوعد الأخروي لعيسى السعدي .
تم الدرس الثالث