الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله - صلى الله عليه و سلم - و بعد،
فَيُعَدُّ حديثُ الصحابيّ مُعاذ في الاجتهاد في الأحكام ، و الذي رواه الإمام النَقّاد شُعبة بن الحجاج ، مِن الأحاديث المشهورة في دواوين الإسلام - من كتب السنن و المساند و المعاجم و الآثار - و احتجَّ به الإمام الشافعي و غيره في حجية الاجتهاد و القياس ، و احتج به الإمام ابن تيمية في بيان أحسن طُرُق التفسير ، و قال : أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن ؛ فما أُجمل في مكان فإنه قد فُسّر في موضع آخر ، وما اختصر من مكان فقد بسط في موضع آخر ، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له . و ذكر الحديث ، و قال عقبه : ( وهذا الحديث في المساند والسنن بإسنادٍ جيد ) . و كذا قال ابن كثير . و قال الخطيب البغدادي و القاضي أبو بكر بن العربي بصحة الحديث .
و قد أفاد الإمام ابن العربي و أجادّ في شرح الحديث ، و ذِكْر أحكامه ، و أَتَى بالجديد المفيد ، في كتابه " عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي " ، و لَمّا كان الكتاب - في أغلبه - غير متوافر على شبكة المعلومات بصيغة ملفات " وورد " يسهل نسخها و نقلها ، و كان ذلك الحديث بشرحه مما لا يستغني عنه أهل العلم و طُلابّه ، و كان الإمام ابن العربي في الإمامة بمكانٍ لا يُنْكَر - فقد رأيتُ أن أقوم بنقل ذلك الشرح و نسْخه في ملف " وورد " موجود في المرفقات - هنا - للتحميل ؛ تيسيراً للاستفادة و النقل و الكتابة .
[FONT="]هذا ما ذكره أخونا في مداخلته ــ وفقه الله ـ في شرح حديث معاذ من العارضة المطبوعة، فأعدته مرة أخرى بعد إصلاحه وإكمال السقط، عسى أن يُنتفع به، وعلّمت الساقط في المطبوع بالحمرة حتى يتميز.[/FONT]
[FONT="]هذا ما ذكره أخونا في مداخلته ــ وفقه الله ـ في شرح حديث معاذ من العارضة المطبوعة، فأعدته مرة أخرى بعد إصلاحه وإكمال السقط، عسى أن يُنتفع به، وعلّمت الساقط في المطبوع بالحمرة حتى يتميز.[/FONT]
جزاكم الله خيرا - أخي الفاضل - على ما ذكرتموه من إكمالٍ للسقط في النسخة المصورة التي نقلتُ عنها ،
و أرجو ذِكْر بيانات الطبعة التي قمتم بالإكمال منها ؛ لِذِكْرها في الملف ؛ للتوثيق في النسخة التي قمتُ بإرسالها لمكتبة مشكاة ، و نَشَرَتها (( شرح حديث معاذ في الاجتهاد من عارضة الأحوذي))
و الحديث ضَعَّفه الشيخ الألباني و أنكره ، متابعاً لابن حزم في معظم أقواله
و صَحَّحه الخطيب البغدادي في " الفقيه و المتفقه " ، و القاضي ابن العربي في " أحكام القرآن " و " عارضة الأحوذي " ، و صَرَّح ابن تيمية في " مقدمة التفسير " و ابن كثير بجودة إسناده ؛ قالا : ( و هذا الحديث في المساند و السُنن بإسنادٍ جيّد ) .
عفوًا؛ لقد سرد الشيخ الألباني أسماء موافقيه من المتقدمين غير الإمام ابن حزم، ولعلكم تتفضلون - مشكورين غير مأمورين - بمراجعة سبب التضعيف إن أمكن هذا.
نعم، الأصوليون يعتمدون الحديث ويبنون عليه ولكن الخلاف في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما أسأل عنه.
الحمد لله ، وبعد ..
فهذا تخريج كتبته قديماً حول الحديث وأنقله لكم من تحقيق كتاب ( مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد ) للشيخ العلامة فيصل آل مبارك رحمه الله .
أخرجه : أبو داود (3592) ، والترمذي (1327) ، وأحمد في «المسند» (22007) ، والدَّارمي في «مسنده» (1/267 /رقم170) ، وأبو داود الطَّيالسي في «مسنده» رقم (559) ، والبيهقي في «السنن الكبرى» (10/114) ، وابن أبي شيبة في «مصنفه» ، (4/544/22979) ، وابن عبد البرِّ في «جامع بيان العالم وفضله» (2/ رقم 1592 ، 1593) ، والعُقَيْلي في «الضعفاء» في ترجمة الحارث بن عمرو (1/234/ رقم 263) ، والدارقطني في «العلل» (6/88/ رقم 1001) وغيرهم . من طرق عن شعبة ، عن أبي العون محمد بن عبيد الله الثقفي ، عن الحارث بن عمرو - أخي الـمغيرة بن شعبة - عن معاذ ، وتارة عن أصحاب معاذ ، عن معاذ . وهذا إسنادٌ ضعيف ؛ لجهالة أصحاب معاذ ، والحارث بن عمرو . قال الذهبي في «الـميزان» (2/175) : « عن رجال عن معاذ بحديث الاجتهاد . قال البخاري : لا يصح حديثه » . وانظر : «التاريخ الصغير» للبخاري (1/304) و قال الحافظ : « مجهول » ، وقال البخاري : « لا يصح حديثه » ، وقال الذهبي : « تفرَّد به أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي ، عن الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي الـمغيرة ، وما روى عن الحارث غير أبي عون ، فهو مجهول » . وانظر : «التهذيب» (1/474). وقال الترمذي : « هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده عندي بمتصل » . وانظر «تحفة الأحوذي » (3/449) . وقال ابن الجوزي في «العلل» (2/758) : « لا يصح وإنْ كان الفقهاء كلُّهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه ، وإن كان معناه صحيحاً ». وقال الجوزقاني في «الأباطيل والـمناكير» (1/243 رقم 101) : « هذا حديث باطل » . وقال ابن الـمُلقِّن في «خلاصة البدر الـمنير» (2/424) : « رواه أبو داود ، والترمذي بإسناد ضعيف ، وقال البخاري : مرسل ، وقال ابن حزم : لا يصح ، وقال عبد الحق : لا يُسند ولا يوجد من وجه صحيح » . وقال الحافظ : في «التلخيص الحبيـر» (4/182) فيما نقله عن محمد بن طاهر الـمقدسي : « اعلـم أنني فحصت عن هذا الحديث في الـمسانيد الكبار والصغار ، وسألت عنه من لقيته من أهل العلـم بالنقل ؛ فلـم أجد له غير طريقين ؛ إحداهما طريق شعبة ؛ والأخرى عن محمد بن جابر ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن رجل من ثقيف ، عن معاذ ؛ وكلاهما لا يصح » أ.هـ . وقد أطال الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني : في «الضعيفة» (2/273) في تضعيفه ونقل عن ابن حزم : فقال : « هذا حديث ساقط ، لـم يروه أحد من هذا الطريق ، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لـم يُسمّوا ، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو ؟ وفيه الحارث بن عمرو ، وهو مجهول لا يعرف من هو ؟ ولـم يأت هذا الحديث من غير طريقه » . وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه : « لا يصح » ثم قال : « وهذا حديث باطل لا أصل له » أ.هـ . وعليه فالجمهور على تضعيف إسناده ، وعدم ثبوته عن النبي ^ ؛ لأجل الاختلاف في وصله وإرساله ، والجهالة في موضعين ، كما مرَّ آنفاً ، ولا يُقوِّي ضعفه أن كان مشهوراً ومعناه صحيحاً . بيْدَ أنَّ ثمَّة علماء من أهل التَّحقيق ذهبوا إلى تصحيحه ، منهم : ابن العربي في «عارضة الأحوذي» ، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» ، والجويني في «البرهان» وشيخ الإسلام ابن تيمية في «المجموع» (13/364) ، وتلميذَيْه ابن القيم ، وابن كثير ، وكذا الشَّوكاني في جزء له مفرد ، وغيرهم ، فإنهم مالوا إلى القول بصحَّتِه . قال الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/189-190) : إنَّ أهل العلم قد تقبَّلوه واحتجُّوا به ، فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قول رسول الله ^ : «لا وصية لوارث». وقوله في البحر: « هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» وقوله: «إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعةُ قائمة، تحالفا وترادَّا البيع» وقوله: «الدِّيَة على العاقلة» وإنْ كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ، لكن لما تلقَّتها الكافة عن الكافة غَنُوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها فكذلك حديث معاذ لما احتَّجوا به جميعاً غَنُوا عن طلب الإسناد له . وقال ابن القيم في «إعلام الموقعين» : فهذا حديث وإن كان عن غير مُسَمَّيْنَ فهم أصحاب معاذ ، فلا يضرُّه ذلك ؛ لأنَّه يدل على شهرة الحديث وأنَّ الذي حدَّث به الحارث بن عمرو ، جماعة من أصحاب معاذ، لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سُمِّي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدِّين والفضل والصدق بالمحلِّ الذي لا يخفى؟! ولا يُعرف في أصحابه مُتَّهم ولا كذَّاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، ولا يشك أهل النقل في ذلك . وقد نقل الإمام الذهبي في «الميزان » في ترجمة : مالك بن الخير الزيادي : عن ابن القطان قوله فيه : هو ممن لم تثبت عدالته - يريد أنه ما نصَّ أحدٌ على أنَّه ثقة. ثم قال الذهبي : وفي رواة الصَّحيحين عددٌ كثيرٌ ما علمنا أنَّ أحداً نصَّ على توثيقهم. والجمهورُ على أنَّ من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما يُنكر عليه أنَّ حديثه صحيح .أ.هـ وقد خرَّج البخاري في «الصحيح» (3642) حديث عروة البارقي : سمعت الحيَّ يحدثون عن عروة ، ولم يكن ذلك الحديث في المجهولات . وفي «صحيح مسلم»(945)(52) عن ابن شهاب ، حدثني رجال عن أبي هريرة ، عن النبي ^ ، به . وقال العظيم أبادي في «عون المعبود» (9/369) وللحديث شواهد موقوفه عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، أخرجها البيهقي في «السنن الكبرى» عقب تخريج الحديث تقوية له . وقال ابن عبد البر في مقدمة «التمهيد»: رب حديث ضعيف الإسناد صحيح المعنى . فهذان رأيان لأهل العلم في الحديث ، والقول إلى بالضعف أقعَدُ ، والله أعلم . انتهى من مدارسة مع شيخنا العلامة المحدِّث شعيب الأرنؤوط حفظه الله . ) اهـ ( مقام الرشاد )
نص الحديث : عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ ، عَنْ مُعَاذٍ ؛
(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ : كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ : أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ ؟ قَالَ : فَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : أَجْتَهِدُ رَأْيِي لاَ آلُو ، قَالَ : فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرِي ، ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ ِللهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم..))
أخرجه ابن أَبي شَيْبَة ، وأحمد ، وعَبد بن حُميد ، والدارِمِي ، وأبو داود ، والترمذي.
من رواية أَبي عَوْن ، مُحَمد بن عُبَيْد الله الثَّقَقِي ، عن الحارث بن عَمْرو ، ابن أخي المُغِيرَة بن شُعْبة ، عن ناسٍ من أصحابِ مُعَاذ من أهل حِمْص ، عن معاذ ، به.
وهذا حديثٌ إسناده ساقطٌ لايصح . أولا : قال البخاري : الحارث بن عَمرو ، ابن أخي الْمُغِيرة بن شُعبة ، الثَّقَفيّ ، عن أصحاب مُعاذ ، عن مُعاذ ، رَوى عنه أبو عَوْن ، ولا يَصح ، ولا يُعرف إلا بِهَذا ، مُرسلٌ. التاريخ الكبير (2/2449). ثانيًا : أورده العقيلي في الضعفاء 1/215 (262) ، ونقل قول البخاري السابق. ثالثًا : قال الترمذي ، بعد أن أخرجه : هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده عندي بمتصلٍ ، وأبو عون الثقفي اسمه محمد بن عُبيد الله . سنن الترمذي (1327 و1328). رابعًا : قال ابن حَزم : وحديث معاذ ، الذي فيه : أجتهد رأيي ولا آلو ، لا يصح ، لأنه لم يروه أحدٌ إلا الحارث بن عمرو ، وهو مجهولٌ ، لا ندري مَنْ هو ، عن رجالٍ من أهل حمص لم يُسَمِّهم ، عن معاذ. ((المحلى)) 1/62.
وقال ابن حَزم : وأما حديث معاذ ، فيما رُوِيَ من قوله : أجتهد رأيي ، وحديث عبد الله بن عمرو ، في قوله : أجتهد بحضرتك يا رسول الله ، فحديثان ساقطان ، أما حديث معاذ ، فإنما رُوي عن رجالٍ من أهل حمص ، لم يُسَمَّوْا ، وحديث عبد الله منقطعٌ أيضًا ، لا يتصل. ((الإحكام في أصول الأحكام)) 5/121.
خامسًا : أخرجه ابن حَجَر في كتابه ((تلخيص الحبير)) 4/182 ، ثم قال : أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن عدي ، والطبراني ، والبيهقي ، من حديث الحارث بن عمرو ، عن ناسٍ من أصحاب معاذ ، عن معاذٍ.
قال الترمذي : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده بمتصل.
وقال البخاري ، في ((تاريخه)) : الحارث بن عمرو ، عن أصحاب معاذ ، وعنه أبو عون ، لا يصح ، ولا يُعرف إلا بهذا.
وقال الدارقطني ، في ((العلل)) : رواه شعبة ، عن أبي عون ، هكذا ، وأرسله ابن مهدي ، وجماعاتٌ ، عنه ، والمرسل أصح.
قال أبو داود ، يعني الطيالسي ، أكثر ما كان يحدثنا شعبة ، عن أصحاب معاذ ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال مرةً : عن معاذ.
وقال ابن حزم : لا يصح ، لأن الحارث مجهولٌ ، وشيوخه لا يُعرفون ، قال : وادعى بعضُهم فيه التواتر ، وهذا كذبٌ ، بل هو ضد التواتر ، لأنه ما رواه إلا أبو عون ، عن الحارث ، فكيف يكون متواترًا.
وقال عبد الحق : لا يُسند ، ولا يوجد من وجه صحيحٍ.
وقال ابن الجوزي ، في ((العلل المتناهية)) : لا يصح ، وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ، ويعتمدون عليه. * وقال ابن طاهر ، في تصنيفٍ له مفرد ، في الكلام على هذا الحديث : اعلم أني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار ، وسألتُ عنه مَنْ لَقِيتُهُ من أهل العلم بالنقل ، فلم أجد إلا طريقين ، أحدهما طريق شعبة ، والأخرى عن محمد بن جابر ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن رجل من ثقيف ، عن معاذ ، وكلاهما لا يصح ، قال : وأقبح ما رأيتُ فيه ، قول إمام الحرمين ، في كتاب ((أصول الفقه)) : والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ ، قال : وهذه زلةٌ منه ، ولو كان عالمًا بالنقل ، لما ارتكب هذه الجهالة. قال ابن حَجَر : كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه ، فإنه (أي الجويني) قال : والحديث مدون في الصحاح ، متفق على صحته ، لا يتطرق إليه التأويل. انتهى كلام ابن حَجَر ، نقلا عن تلخيص الحبير ، مع الاختصار.
* أقول : كلام الجويني لا يعتمد عليه في علم الحديث وليست هذه أول أخطائه في علم الحديث ففى كتاب النهاية عزا حديث (أصحابي كالنحوم) إلى الصحيحين وهو حديث موضوع !!!!!
*وزعم البعض أنه جاء من طريق عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل .
بينما الذي رواه عن عبادة بن نسي هو محمد بن حسان المصلوب الذي صلبه أبو جعفر المنصور في الزندقة، وهو كذاب لا يحتج به.
*فابن حزم ليس وحده من ضعفه بل سبقه تضعيف جهابذة حفاظ الحديث له ولم ينفرد بتضعيفه ابن حزم والألباني .
منزلة السنة في الإسلام للألباني
وقبل أن أنهي كلمتي هذه أرى أنه لا بد لي من أن ألفت انتباه الإخوة الحاضرين إلى حديث مشهور قلما يخلو منه كتاب من كتب أصول الفقه لضعفه من حيث إسناده ولتعارضه مع ما انتهينا إليه في هذه الكلمة من عدم جواز التفريق في التشريع بين الكتاب والسنة ووجوب الأخذ بهما معا ألا وهو حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أرسله إلى اليمن :
بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : بسنة رسول الله قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : أجتهد رأيي ولا آلو . قال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله "
أما ضعف إسناده فلا مجال لبيانه الآن وقد بينت ذلك بيانا شافيا ربما لم أسبق إليه في السلسلة السابقة الذكر 4 ، وحسبي الآن أن أذكر أن أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى قال فيه : ( حديث منكر ) . وبعد هذا يجوز لي أن أشرع في بيان التعارض الذي أشرت إليه فأقول :
السلسلة الضعيفة
881 - ( منكر ) الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ( عن معاذ بن جبل أن النبي ( ص ) حين بعثه إلى اليمن قال له كيف تقضي إذا عرض لك قضاء قال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال بسنة رسول الله قال فإن لم لم يكن في سنة رسول الله قال أجتهد رايي لا آلو قال فضرب رسول الله ( ص ) صدره وقال فذكره ( انظر الشرح الطويل لهذا الموضوع ص 274 – 286)
السلسلة الضعيفة
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 273 ) : منكر . أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 1 / 286 - منحة المعبود ) وكذا أحمد ( 5 / 230 ، 242 ) و أبو داود في " السنن " ( 2 / 116 ) و الترمذي و ابن سعد في " الطبقات " ( 2 / 347 و 584 - طبع بيروت ) و العقيلي في "الضعفاء " ( 76 - 77 ) و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " ( 93 / 1 و 112 -
113 مخطوطة الظاهرية ، 154 - 155 و 188 - 189 - مطبوعة الرياض ) و البيهقي في " سننه " ( 10 / 114 ) و ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 2 / 55 - 56 ) و ابن حزم في " الإحكام " ( 6 / 26 ، 35 ، 7 / 111 - 112 ) من طرق عن شعبة عن أبي العون عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن أصحاب معاذ بن جبل عن معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال له : كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله . قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : بسنة رسول الله ، قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال : أجتهد رأيي لا آلو ، قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ، و قال : فذكره . و قال العقيلي : " قال البخاري : لا يصح ، و لا يعرف إلا مرسلا " . قلت : و نصه في " التاريخ " ( 2 / 1 / 275 ) : " لا يصح ، و لا يعرف إلا بهذا ، مرسل " . قلت : يعني أن الصواب أنه عن أصحاب معاذ بن جبل ليس فيه " عن معاذ " .
و قال الذهبي : " قلت : تفرد به أبو عون محمد بن بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو الثقفي أخو المغيرة بن شعبة ، و ما روى عن الحارث غير أبي عون فهو مجهول ، و قال الترمذي : ليس إسناده عندي بمتصل " . قلت : و لذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأن الحارث هذا مجهول . ثم رواه أحمد ( 5 / 236 ) و أبو داود و ابن عساكر ( 16 / 310 / 2 ) من طريقين آخرين عن شعبة ، إلا أنهما قالا : " عن رجال من أصحاب معاذ أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن " . الحديث . لم يذكر : " عن معاذ " . قلت : هذا مرسل و به أعله البخاري كما سبق ، و كذا الترمذي حيث قال عقبه : " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، و ليس إسناده عندي بمتصل " . و أقره الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث منهاج الأصول " للبيضاوي ( ق 76 / 1 ) . قلت : فقد أعل هذا الحديث بعلل ثلاث : الأولى : الإرسال هذا . الثانية : جهالة أصحاب معاذ . الثالثة : جهالة الحارث بن عمرو .
قال ابن حزم : " هذا حديث ساقط ، لم يروه أحد من غير هذا الطريق ، و أول سقوطه أنه عن قوم مجهولين ، لم يسموا ، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو ؟ و فيه الحارث بن عمرو ، و هو مجهول لا يعرف من هو ؟ و لم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه " . وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه : " لا يصح " . " و هذا حديث باطل لا أصل له " . و قال الحافظ في " التلخيص " ( ص 401 ) عقب قول البخاري المذكور وقال الدارقطني في " العلل " : رواه شعبة عن أبي عون هكذا . و أرسله ابن مهدي و جماعات عنه . و المرسل أصح . قال أبو داود ( يعني الطيالسي ) : و أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله . و قال مرة : عن معاذ . و قال ابن حزم : " لا يصح لأن الحارث مجهول ، و شيوخه لا يعرفون ، قال : و ادعى بعضهم فيه التواتر ، و هذا كذب ، بل هو ضد التواتر ، لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث ، فكيف يكون متواترا ؟! " . و قال عبد الحق : " لا يسند ، و لا يوجد من وجه صحيح " . و قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " : " لا يصح و إن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم و يعتمدون عليه ، و إن كان معناه صحيحا " . وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد ، في الكلام على هذا الحديث : " اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار و الصغار ، و سألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل ، فلم أجد غير طريقين : أحدهما : طريق شعبة . و الأخرى : عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ و كلاهما لا يصح . قال : وأقبح ما رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب " أصول الفقه " : " و العمدة في هذا الباب على حديث معاذ " قال : " و هذه زلة منه ، و لو كان عالما بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة " ، ( قال الحافظ رحمه الله تعالى ) : " قلت : أساء الأدب على إمام الحرمين ، و كان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة مع كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه ! فإنه قال : " و الحديث مدون في " الصحاح " متفق على صحته (!) لا يتطرق إليه التأويل " . كذا قال رحمه الله ، و قد أخرجه الخطيب في كتاب " الفقيه و المتفقه " من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل ، فلو كان الإسناد إلى عبد الرحمن ثابتا لكان كافيا في صحة الحديث " . قلت : لم يخرجه الخطيب ، بل علقه ( ص 189 ) بقوله : " و قد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ . و هذا إسناد متصل و رجاله معروفون بالثقة " . قلت : وهيهات ، فإن في السند إليه كذابا وضاعا ، فقد أورده ابن القيم في " تهذيب السنن " تعليقا على هذا الحديث فقال ( 5 / 213 ) : " وقد أخرجه ابن ماجه في " سننه " من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم : حدثنا معاذ بن جبل قال : " لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال : لا تقضين و لا تفصلن إلا بما تعلم ، و إن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه ، أو تكتب إلي فيه " . و هذا أجود إسنادا من الأول ، و لا ذكر للرأي فيه " . قلت : كيف يكون أجود إسنادا من الأول و فيه محمد بن سعيد بن حسان و هو الدمشقي المصلوب ؟! قال في " التقريب " : " قال أحمد بن صالح : وضع أربعة آلاف حديث ، و قال أحمد : قتله المنصور على الزندقة و صلبه " . و قد سبق نحوه ( ص 244 ) عن غيره من الأئمة . قلت : و لعله اشتبه على ابن القيم رحمه الله بمحمد بن سعيد بن حسان الحمصي ، و ليس به ، فإنه متأخر عن المصلوب ، و لم يذكروا له رواية عن ابن نسي ، و لا في الرواة عنه يحيى بن سعيد الأموي ، و إنما ذكروا ذلك في الأول ، على أنه مجهول كما قال الحافظ ، و أيضا فإن هذا ليس من رجال ابن ماجه ، و إنما ذكروه تمييزا بينه و بين الأول . و الحديث في " المقدمة " من سنن " ابن ماجه " ( 1 / 28 ) ، و قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 5 / 2 ) : " هذا إسناد ضعيف ، محمد بن سعيد هو المصلوب اتهم بوضع الحديث " . على أن قول ابن القيم : " و لا ذكر للرأي فيه " . إنما هو بالنظر إلى لفظ رواية ابن ماجه ، وإلا فقد أخرجه ابن عساكر في " تاريخه " ( 16 / 310 / 1 ) من طريق المصلوب هذا بلفظ : " قال معاذ : يا رسول الله : أرأيت ما سئلت عنه مما لم أجده في كتاب الله و لم أسمعه منك ؟ قال : اجتهد رأيك " . ثم رواه ابن عساكر ( 16 / 310 / 2 من طريق سليمان الشاذكوني : أخبرنا الهيثم بن عبد العفار عن سبرة بن معبد عن عبادة بن نسي به بلفظ : " اجتهد رأيك ، فإن الله إذا علم منك الحق وفقك للحق " . و الهيثم هذا قال ابن مهدي : " يضع الحديث " . و الشاذكوني كذاب . قلت : وأجاب ابن القيم عن العلة الثانية ، و هي جهالة أصحاب معاذ بقوله في " إعلام الموقعين " ( 1 / 243 ) : " و أصحاب معاذ و إن كانوا غير مسمين فلا يضره ذلك ، لأنه يدل على شهرة الحديث ، و شهرة أصحاب معاذ بالعلم و الدين و الفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى .... " أقول : فهذا جواب صحيح لو أن علة الحديث محصورة بهذه العلة ، أما و هناك علتان أخريان قائمتان ، فالحديث ضعيف على كل حال ، و من العجيب أن ابن القيم رحمه الله لم يتعرض للجواب عنهما مطلقا . فكأنه ذهل عنهما لانشغاله بالجواب عن هذه العلة و الله أعلم . ثم تبين لي أن ابن القيم اتبع في ذلك كله الخطيب البغدادي في " الفقيه و المتفقه " ( 113 / 1 – 2 من المخطوطة ، 189 - من المطبوعة ) ، و هذا أعجب ، أن يخفى على مثل الخطيب في حفظه و معرفته بالرجال علة هذا الحديث القادحة ! ( تنبيه ) أورد ابن الأثير هذا الحديث في " جامع الأصول " ( 10 / 551 ) عن الحارث بن عمرو باللفظ الذي ذكرته ، ثم قال : " و في رواية : " أن معاذا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله بما أقضي ؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم أجد ؟ قال : بسنة رسول الله ، قال فإن لم أجد ، قال استدق الدنيا ، و تعظم في عينيك ما عند الله و اجتهد رأيك فيسددك الله للحق . ثم قال عقبه : " و أخرجه أبو داود " . قلت : و ليست عنده هذه الرواية ، و لا رأيت أحدا عزاها إليه غيره ، و لا وجدت لها أصلا في شيء من المصادر التي وقفت عليها ، فهي منكرة شديدة النكارة ، لمخالفتها لجميع الروايات المرسلة منها و الموصولة ، و جميعها معلة بالجهالة . و مر على هذا العزو لأبي داود المحقق الفاضل لـ " جامع الأصول " ( 10 / 177 - 178 – طبعة دمشق ) دون أي تعليق أو تحقيق ! تنبيه آخر : ذهب الشيخ زاهد الكوثري المعروف في مقال له إلى تقوية هذا الحديث ، و ليس ذلك بغريب منه ما دام أنه قد سبق إليه ، و لكن الغريب حقا أنه سلك في سبيل ذلك طريقا معوجة ، لا يعرفها أهل الجرح والتعديل ، فرأيت أن أنقل خلاصة كلامه فيه ، ثم أرد عليه و أبين خطأه و زغله .
قال في " مقالاته " ( ص 60 - 61 ) : " و هذا الحديث رواه عن أصحاب معاذ الحارث بن عمرو الثقفي ، و ليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة بن الحجاج يقول عنه : إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة ، و لا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين ، في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة 116 ، و لم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه ، و لا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته ، بل يكفي في عدالة و قبول روايته ألا يثبت فيه جرح مفسر من أهل الشأن ، لما ثبت من بالغ الفحص على المجروحين من رجال تلك الطبقة . أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم و هكذا . و الحارث هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " و إن جهله العقيلي و ابن الجارود و أبو العرب ، و قد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني و شعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية و المعترف له بزوال الجهالة وصفا عن رجال يكونون في سند روايته " . قلت : و في هذا الكلام من الأخطاء المخالفة لما عليه علماء الحديث ، و من المغالطات و الدعاوى الباطلة ، ما لا يعرفه إلا من كان متمكنا في هذا العلم الشريف ، و بيانا لذلك أقول : 1 - قوله : " ليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة يقول عنه ابن أخي المغيرة " . فأقول : بل هو مجهول و توضيحه من ثلاثة وجوه : الأول : أن أحدا من علماء الحديث - فيما علمت - لم يقل أن الراوي المجهول إذا عرف اسم جده بله اسم أخي جده خرج بذلك عن جهالة العين إلى جهالة الحال أو الوصف . فهي مجرد دعوى من هذا الجامد في الفقه ، والمجتهد في الحديث دون مراعاة منه لقواعد الأئمة ، و أقوالهم الصريحة في خلاف ما يذهب إليه فإنهم أطلقوا القول في ذلك ، قال الخطيب : " المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء و لا يعرف حديثه إلا من جهة واحد ..... " . الثاني : أنه خلاف ما جرى عليه أئمة الجرح و التعديل في تراجم المجهولين عينا ، فقد عرفت مما سبق ذكره في ترجمة الحارث هذا أنه مجهول عند الحافظين الذهبي و العسقلاني و كفى بهما حجة ، لاسيما و هما مسبوقون إلى ذلك من ابن حزم و غيره ممن ذكرهم الكوثري نفسه كما رأيت ! و من الأمثلة الأخرى على ذلك ذهيل بن عوف بن شماخ التميمي أشار الذهبي إلى جهالته بقوله في " الميزان " : " ما روى عنه سوى سليط بن عبد الله
الطهوي " و صرح بذلك الحافظ فقال في " التقريب " : " مجهول من الثالثة " . و من ذلك أيضا زريق بن سعيد بن عبد الرحمن المدني ، أشار الذهبي أيضا إلى جهالته وقال الحافظ : " مجهول " . و الأمثلة على ذلك تكثر ، و فيما ذكرنا كفاية ، فأنت ترى أن هؤلاء قد عرف اسم جد كل منهم ، و مع ذلك حكموا عليهم بالجهالة . الثالث : قوله : " شعبة يقول عنه : إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة " . فأقول : ليس هذا من قول شعبة ، و إنما هو من قول أبي العون كما مر في إسناد الحديث ، و شعبة إنما هو راو عنه ، و هو في هذه الحالة لا ينسب إليه قول ما جاء في روايته ، حتى و لو صحت عنده لأنه قد يقول بخلاف ذلك ، و لذلك جاء في علم المصطلح ، " و عمل العالم و فتياه على وفق حديث رواه ليس حكما بصحته ، و لا مخالفته قدح في صحته ولا في رواته " . كذا في " تقريب النووي " ( ص 209 بشرح التدريب ) . و كأن الكوثري تعمد هذا التحريف و نسبة هذا القول لشعبة - و ليس له - ليقوي به دعوى كون الحارث بن عمرو هذا ابن أخي المغيرة ، لأن أبا العون - و اسمه محمد بن عبيد الله ابن الثقفي الأعور و إن كان ثقة ، فإنه لا يزيد على كونه راويا من رواة
الحديث ، و أما شعبة فإمام نقاد . على أننا لو سلمنا بأنه من قوله ، فذلك مما لا يفيد الكوثري شيئا من رفع الجهالة كما سبق بيانه . 2 - قوله : " و لا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين في طبقة شيوخ أبي عون ....... " . فأقول : الجواب من وجهين : الأول : بطلان هذه الدعوى من أصلها ، لأن شيوخ أبي عون ليسوا جميعا من كبار التابعين حتى يلحق بهم الحارث هذا ، فإن من شيوخه أبا الزبير المكي و قد مات سنة ( 126 ) ، و لذلك جعله الحافظ من الطبقة الرابعة ، و هم
الذين جل روايتهم عن كبار التابعين ، و من شيوخه والده عبيد الله بن سعيد ، ولا تعرف له وفاة ، لكن ذكره ابن حبان في " أتباع التابعين " ، و قال : يروي المقاطيع . قال الحافظ : فعلى هذا فحديثه عن المغيرة مرسل . يعني منقطع ، ولذلك جعله في " التقريب " من الطبقة السادسة ، و هم من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج . إذا عرفت هذا فادعاء أن الحارث بن
عمرو من كبار التابعين افتئات على العلم ، و تخرص لا يصدر من مخلص ، و الصواب أن يذكر ذلك على طريق الاحتمال ، فيقال : يحتمل أنه من كبار التابعين ، كما يحتمل أنه من صغارهم . فإن قيل : فأيهما الأرجح لديك ؟ قلت : إذا كان لابد من اتباع أهل الاختصاص في هذا العلم ، و ترك الاجتهاد فيما لا سبيل لأحد اليوم إليه ، فهو أنه من صغار التابعين ، فقد أورده الإمام البخاري في " التاريخ الصغير " في فصل " من مات ما بين المائة إلى العشرة " ( ص 126 - هند ) و أشار إلي حديثه هذا و قال : " و لا يعرف الحارث إلا بهذا ، و لا يصح " . و لذلك جعله الحافظ في " التقريب " من الطبقة السادسة التي لم يثبت لأصحابها لقاء أحد من الصحابة فقال : " مجهول ، من السادسة " . فإن قيل : ينافي هذا ما ذكره الكوثري (ص 62 ) أن لفظ شعبة في رواية علي بن الجعد قال : سمعت الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاذ بن جبل .
كما أخرجه ابن أبي خيثمة ، في " تاريخه " و مثله في " جامع بيان العلم " لابن عبد البر . فهذا صريح في أنه لقي جمعا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي . فأقول : نعم والله إن هذه الرواية لتنافي ذلك أشد المنافاة ، و لكن يقال للكوثري و أمثاله : أثبت العرش ثم انقش ، فإنها رواية شاذة ، تفرد بها علي بن الجعد مخالفا في ذلك لسائر الثقات الذين لم يذكروا رسول الله صلى الله عليه
وسلم مضافا إلى ( الأصحاب ) ، و إنما قالوا : أصحاب معاذ كما تقدم في الإسناد عند جميع من عزونا الحديث إليهم ، إلا في رواية لابن عبد البر ، و هي من روايته عن أحمد بن زهير قال : حدثنا علي بن الجعد ...... و أحمد بن زهير هو ابن أبي خيثمة . و إليك أسماء الثقات المخالفين لابن الجعد في روايته تلك : الأول : أبوداود الطيالسي نفسه في " مسنده " و عنه البيهقي . الثاني : محمد بن جعفر عند أحمد و الترمذي . الثالث : عفان بن مسلمة عند أحمد أيضا . الرابع : يحيى بن سعيد القطان ، عند أبي داود و ابن عبد البر في الرواية الأخرى . الخامس : وكيع بن الجراح عند الترمذي . السادس : عبد الرحمن بن مهدي عند الترمذي . السابع : يزيد بن هارون عند ابن سعد . الثامن : أبو الوليد الطيالسي عند ابن سعد . فهؤلاء ثمانية من الثقات و كلهم أئمة أثبات ، لاسيما و فيهم يحيى القطان الحافظ المتقن لو أن بعضهم خالفوا ابن الجعد لكان كافيا في الجزم بوهمه في نسبته ( الأصحاب ) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى معاذ ، فكيف بهم مجتمعين ؟! ومثل هذا لا يخفى على الكوثري ، و لكنه يتجاهل ذلك عمدا لغاية في نفسه ، و إلا فإن لم تكن رواية ابن الجعد هذه شاذة فليس في الدنيا ما يمكن الحكم عليه بالشذوذ ، و لذلك لم يعرج على هذه الرواية كل من ترجم للحارث هذا . فثبت مما تقدم أن الحارث بن عمرو هو من صغار التابعين ، و ليس من كبارهم ، و قد صرح بسماعه من جابر بن سمرة في رواية الطيالسي في " مسنده " ( 216 ) عن شعبة عنه .
و الآخر : هب أنه من كبار التابعين ، فذلك لا ينفي عنه جهالة العين فضلا عن جهالة الوصف عند أحد من أئمة الجرح و التعديل ، بل إن سيرتهم في ترجمتهم للرواة يؤيد ما ذكرنا ، فهذا مثلا حريث بن ظهير من الطبقة الثانية عند الحافظ ، و هي طبقة كبار التابعين ، فإنه مع ذلك أطلق عليه الحافظ بأنه مجهول . و سبقه إلى ذلك الإمام الذهبي فقال : " لا يعرف " . و مثله حصين بن نمير الكندي الحمصي .
قال الحافظ : " يروي عن بلال ، مجهول من الثانية " . و نحوه خالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر . قال الحافظ : " مجهول ، من الثالثة " . 3 - قوله : " و لم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه " . قلت : لا ضرورة إلى هذا الجرح ، لأنه ليس بمثله فقط يثبت الجرح ، بل يكفي أن يكون جرحا غير مفسر إذا كان صادرا من إمام ذي معرفة بنقد الرواة ، و لم يكن هناك توثيق معتمد معارض له ، كما هو مقرر في علم المصطلح ، فمثل هذا الجرح مقبول ، لا يجوز رفضه ، و من هذا القبيل وصفه بالجهالة ، لأن الجهالة علة في الحديث تستلزم ضعفه ، و قد عرفت أنه مجهول عند جمع من الأئمة النقاد و منهم الإمام البخاري ، فأغنى ذلك عن الجرح المفسر ، وثبت ضعف الحديث . 4 - قوله : " و لا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيق عن أهل طبقته " . فأقول : فيه أمور : أولا : أن الحارث هذا لم يثبت أنه تابعي كبير كما تقدم فانهار قوله من أصله . و ثانيا : أنه لا قائل بأن الراوي سواء كان تابعيا أو ممن دونه بحاجة إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته ، بل يكفي في ذلك أن يوثقه إمام من أئمة الجرح و التعديل سواء كان من طبقته أو ممن دونها ، فلما كان الحارث هذا لم يوثقه أحد ممن يوثق بتوثيقه بل جهلوه فقد سقط حديثه . 5 - قوله : " بل يكفي في عدالته ........ ( إلى قوله ) من رجال تلك الطبقة " . قلت : هذه مجرد دعوى ، فهي لذلك ساقطة الاعتبار ، فكيف و هي مخالفة للشرط الأول من شروط الحديث الصحيح : " ما رواه عدل ضابط ..... " فلو سلمنا أن عدالته تثبت بذلك ، فكيف يثبت ضبطه و ليس له من الحديث إلا القليل بحيث لا يمكن سبره و عرضه على أحاديث الثقات ليحكم له بالضبط أو بخلافه ، أو بأنه وسط بين ذلك . كما هو طريق من طرق الأئمة النقاد في نقد الرواة الذين لم يرو فيهم جرح أو تعديل ممن قبلهم من الأئمة . و يكفي في إبطال هذا القول مع عدم وروده في" علم المصطلح " أنه مباين لما جاء فيه : أن أقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين كما تقدم عن الخطيب . و لما تعقبه بعضهم بأن البخاري روى عن مرداس الأسلمي ، و مسلما عن ربيعة بن كعب الأسلمي و لم يرو عنهما غير واحد . رده النووي في " التقريب " بقوله ( ص 211 ) : " و الصواب نقل الخطيب ، و لا يصح
الرد عليه بمرداس و ربيعة فإنهما صحابيان مشهوران ، و الصحابة كلهم عدول " . وأيده السيوطي في " التدريب " فقال عقبه : " فلا يحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بتعداد الرواة ، قال العراقي : هذا الذي قاله النووي متجه إذا ثبتت الصحبة ، ولكن بقي الكلام في أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أو لا تثبت إلا برواية اثنين عنه ، و هو محل نظر و اختلاف بين أهل العلم ، و الحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو في من وفد من الصحابة أو نحو ذلك فإنه تثبت صحبته " . قلت : فتأمل كلام العراقي هذا يتبين لك بطلان قول الكوثري ، لأنه تساهل في إثبات عدالة التابعي الكبير فلم يشترط فيه ما اشترطه العراقي في إثبات الصحبة المستلزمة لثبوت العدالة ! فإنه اشترط مع رواية الواحد عنه أن يكون معروفا بذكره في الغزوات أو الوفود . و هذا ما لم يشترط الكوثري مثله في التابعي !
فاعتبروا يا أولي الأبصار . و لعله قد وضح لك أنه لا فرق بين التابعي الكبير ومن دونه في أنه لا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم . و تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة . كما هو معلوم . 6 - قال : " أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم و هكذا " . قلت : بل و التابعي الكبير كذلك كما حققناه في الفقرة السابقة . 7 - قال : " و الحارث هذا ذكره ابن حبان في "
الثقات " ، و إن جهله العقيلي و ابن الجارود و أبو العرب " . قلت : فيه أمران : الأول : أنه تغافل عن أئمة آخرين جهلوه ، منهم الإمام البخاري و الذهبي والعسقلاني و غرضه من ذلك واضح و هو الحط من شأن هذا التجهيل ! و الآخر : اعتداده بتوثيق ابن حبان هنا خلاف مذهبه الذي يصرح في بعض تعليقاته <1> بأن ابن حبان يذكر في " الثقات من لم يطلع على جرح فيه ، فلا يخرجه ذلك عن حد الجهالة عند الآخرين ، و قد رد شذوذ ابن حبان هذا في ( لسان الميزان ) " . و هذا من تلاعبه في هذا العلم الشريف ، فتراه يعتد بتوثيق ابن حبان حيث كان له هوى في ذلك كهذا الحديث ، و حديث آخر في التوسل كنت خرجته فيما تقدم برقم ( 23 ) ، ولا يعتد به حين يكون هواه على نقيضه كحديث الأوعال و غيره ، و قد شرحت حاله هذا هناك بما فيه كفاية . و لكن لابد لي هنا من أن أنقل كلامه في راوي حديث الأوعال و هو عبد الله بن عميرة راويه عن العباس بن عبد المطلب ، فهو تابعي كبير ، لتتأكد من وجود التشابه التام بينه و بين الحارث بن عمرو الراوي للحديث عن معاذ ، و مع ذلك يوثق هذا بذاك الأسلوب الملتوي ، و يجهل ذاك و هو فيه على
الصراط السوي ! قال في " مقالاته " ( ص 309 ) : " و قال مسلم في " الوحدان " (ص 14 ) : " انفرد سماك بن حرب بالرواية عن عبد الله بن عميرة " . فيكون ابن عميرة مجهول العين عنده ، ( يعني مسلما ) لأن جهالة العين لا تزول إلا برواية ثقتين ، ( تأمل ) و قال إبراهيم الحربي - أجل أصحاب أحمد - عن ابن عميرة لا أعرفه . و قال الذهبي في " الميزان " عن عبد الله بن عميرة : فيه جهالة " . قلت : ثم وصفه الكوثري بأنه شيخ خيالي ! و بأنه مجهول عينا و صفة ! و نحوه قوله في " النكت الطريفة " ( ص 101 ) و قد ذكر حديثا في سنده عبد الرحمن بن مسعود : " وهو مجهول . قال الذهبي : " لا يعرف " و إن ذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته في التوثيق " ! و قال في ( قابوس ) . " و إنما وثقه ابن حبان على طريقته في توثيق المجاهيل إذا لم يبلغه عنهم عنهم جرح ، و هذا غاية التساهل " !! ( ص منه ) . فقابل كلامه هذا بالقاعدة التي وضعها من عند نفسه في قبول حديث التابعي الكبير حتى و لو نص الأئمة على جهالته تزداد تأكدا من تلاعبه المشار إليه . نسأل الله السلامة . و لو كانت القاعدة الموضوعة صحيحة لكان قبول حديث ابن عميرة هذا أولى من حديث الحارث ، لأنه روى عن العباس فهو تابعي كبير قطعا ، و لذلك جعله ابن حجر من الطبقة الثانية ، بينما الحارث إنما يروي عن بعض التابعين كما سبق ، و لكن هكذا يفعل الهوى بصاحبه . نسأل الله العافية . 8 - قال أخيرا : " و قد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني ، و شعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية ، و المعترف له بزوال الجهالة
وصفا عن رجال يكونون في سند روايته " ! قلت : فيه مؤاخذتان : الأولى : أن كون شعبة معروفا بالتشدد في الرواية لا يستلزم أن يكون كل شيخ من شيوخه ثقة ، بله من فوقهم ، فقد وجد في شيوخه جمع من الضعفاء ، و بعضهم ممن جزم الكوثري نفسه بضعفه ! و لا بأس من أن أسمي هنا من تيسر لي منهم ذكره : 1 - إبراهيم بن مسلم الهجري . 2 - أشعث بن سوار . 3 - ثابت بن هرمز . 4 - ثوير بن أبي فاختة . 5 - جابر الجعفي . 6 - داود بن فراهيج . 7 - داود بن يزيد الأودي . 8 - عاصم بن عبيد الله ( قال الكوثري في " النكت " ( ص 74 ) : ضعيف لا يحتج به ) . 9 – عطاء بن أبي مسلم الخراساني . 10 - علي بن زيد بن جدعان . 11 - ليث بن أبي سليم . 12 - مجالد بن سعيد . - قال الكوثري في " النكت " ( ص 63 ) : " ضعيف بالاتفاق " وضعف به حديث : " زكاة الجنين زكاة أمه " ! ثم ضعف به فيه ( ص 95 ) حديث " لعن الله المحلل و المحلل له " ! فلم يتجه من تضعيفه إياه أنه من شيوخ شعبة ! <2> .13 - مسلم الأعور . 14 - موسى بن عبيدة . 15 - يزيد بن أبي زياد . 16 – يزيد بن عبد الرحمن الدالاني . 17 - يعقوب بن عطاء . 18 - يونس بن خباب . من أجل ذلك قالوا في لم المصطلح : و إذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الأكثرين ، و هو الصحيح كما قال النووي في " التدريب " ( ص 208 ) و راجع له شرحه " التقريب " و إذا كان هذا في شيوخه فبالأولى أن لا يكون شيوخ شيوخه عدولا إلا إذا سموا
، فكيف إذا لم يسموا ؟! الأخرى : قوله : " و المعترف له بزوال الجهالة ........ " . أقول : إن كان يعني أن ذلك معترف به عند المحدثين ، فقد كذب عليهم ، فقد عرفت مما سردناه آنفا طائفة من الضعفاء من شيوخ شعبة مباشرة ، فبالأولى أن يكون في شيوخ شيوخه من هو ضعيف أو مجهول ، و كم من حديث رواه شعبة ، و مع ذلك ضعفه العلماء بمن فوقه من مجهول أو ضعيف ، من ذلك حديثه عن أبي التياح : حدثني شيخ عن أبي موسى مرفوعا بلفظ : " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا " . فضعفوه بجهالة شيخ أبي التياح كما سيأتي برقم ( 2320 ) ، و من ذلك حديث " من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ..... " الحديث . رواه شعبة بإسناده عن أبي المطوس عن أبي هريرة مرفوعا : فضعفه البخاري و غيره بجهالة أبي المطوس فراجع " الترغيب و الترهيب " ( 2 / 74 ) ، و " المشكاة " ( 2013 ) ، و " نقد الكتاني و إن كان يعني بذلك نفسه ، أي أنه هو المعترف بذلك ، فهو كاذب أيضا مع ما فيه من التدليس و الإيهام - ، لأن طريقته في إعلال الأحاديث بالجهالة تناقض ذلك ، و إليك بعض الأمثلة : 1 - عبد الرحمن بن مسعود ، صرح في " النكت الطريفة " ( ص 101 ) بأنه " مجهول " مع أنه من رواية شعبة عنه بالواسطة ! و قد قمت بالرد عليه عند ذكر حديثه الآتي برقم ( 2556 ) و بيان تناقضه ، و إن كان الرجل فعلا مجهولا . 2 - عمرو بن راشد الذي في حديث وابصة في الأمر بإعادة الصلاة لمن صلى وراء الصف وحده . قال الكوثري في " النكت " ( ص 28 ) : " ليس معروفا بالعدالة فلا يحتج بحديثه " . مع أنه يرويه شعبة بإسناده عنه ، و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 683 ) ، و " إرواء الغليل " ( 534 ) . و راجع تعليق أحمد شاكر على الترمذي ( 1 / 448 - 449 ) " . 3 - وكيع بن حدس الراوي عن أبي رزين العقيلي حديث كان في عماء ما فوقه هواء ، و ما تحته هواء ..... " قال الكوثري في تعليقه على " الأسماء " ( ص 407 ) : " مجهول الصفة " . مع أنه يعلم أن شعبة قد روى له حديثا آخر عند الطيالسي ( 1090 ) و أحمد ( 4 / 11 ) . فما الذي جعل هؤلاء الرواة مجهولين عند الكوثري ، و جعل الحارث بن عمرو معروفا عنده وكلهم وقعوا في إسناد فيه شعبة ؟! الحق ، و الحق أقول : إن هذا الرجل لا يخشى الله ، فإنه يتبع هواه انتصارا لمذهبه ، فيبرم أمرا أو قاعدة من عند نفسه لينقضها في مكان آخر متجاوبا مع مذهبه سلبا و إيجابا . و في ذلك من التضليل وقلب الحقائق ما لا يخفى ضرره على أهل العلم . نسأل الله العصمة من الهوى . وبعد ، فقد أطلت النفس في الرد على هذا الرجل لبيان ما في كلامه من الجهل و
التضليل نصحا للقراء و تحذيرا ، فمعذرة إليهم . هذا و لا يهولنك اشتهار هذا الحديث عن علماء الأصول ، و احتجاجهم به في إثبات القياس ، فإن أكثرهم لا معرفة عندهم بالحديث و رجاله ، و لا تمييز لديهم بين صحيحه و سقيمه ، شأنهم في ذلك شأن الفقهاء بالفروع ، إلا قليلا منهم ، و قد مر بك كلام إمام الحرمين في هذا الحديث - و هو من هو في العلم بالأصول و الفروع ، فماذا يقال عن غيره ممن لا يساويه في ذلك بل لا يدانيه ، كما رأت نقد الحافظ ابن طاهر إياه ، ثم الحافظ ابن حجر من بعده ، مع إنكاره على ابن طاهر سوء تعبيره في نقده . ثم وجدت لكل منهما موافقا ، فقد نقل الشيخ عبد الوهاب السبكي في ترجمة الإمام من " طبقاته " عن الذهبي أنه قال فيه : " و كان أبو المعالي مع تبحره في الفقه و أصوله ، لا يدري الحديث ! ذكر في كتاب " البرهان " حديث معاذ في القياس فقال : هو مدون في " الصحاح " متفق على صحته . كذا قال ، و أنى له الصحة ، و مداره على الحارث بن عمرو و هو مجهول ، عن رجال من أهل حمص لا يدري من هم ؟ عن معاذ " . ثم تعقبه السبكي بنحو ما سبق من تعقب الحافظ لابن طاهر ، و لكنه دافع عنه بوازع من التعصب المذهبي ، لا فائدة كبرى من نقل كلامه و بيان ما فيه من التعصب ، فحسبك أن تعلم أنه ذكر أن الحديث رواه أبو داود الترمذي ، و الفقهاء لا يتحاشون من إطلاق لفظ " الصحاح " عليها . فكأن السبكي يقول : فللإمام أسوة بهؤلاء الفقهاء في هذا الإطلاق ! فيقال له : أولو كان ذلك أمرا منكرا عند العلماء بالحديث ؟! وفي الوقت نفسه فقد تجاهل السبكي قول الإمام في الحديث " متفق على صحته " ، فإنه خطأ محض لا سبيل إلى تبريره أو الدفاع عنه بوجه من الوجوه ، و لذلك لم يدندن السبكي حوله و لو بكلمة . و لكنه كان منصفا حين اعترف بضعف الحديث ، و أن الإمام صحح غيره من الأحاديث الضعيفة فقال : " و ما هذا الحديث وحده ادعى الإمام صحته و ليس بصحيح ، بل قد ادعى ذلك في أحاديث غيره ، و لم يوجب ذلك عندنا الغض منه " . و أقول أخيرا : إن وصف الرجل بما فيه ليس من الغض منه في شيء ، بل ذلك من باب النصح للمسلمين ، و بسبب تجاهل هذه الحقيقة صار عامة المسلمين لا يفرقون بين الفقيه و المحدث ، فيتوهمون أن كل فقيه محدث ، ويستغربون أشد الاستغراب حين يقال لهم الحديث الفلاني ضعيف عند المحدثين و إن احتج به الفقهاء ، و الأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، تجدها مبثوثة في تضاعيف هذه " السلسلة " ، و حسبك الآن هذا الحديث الذي بين يديك . و جملة القول أن الحديث لا يصح إسناده لإرساله ، و جهالة راويه الحارث بن عمرو ، فمن كان عنده من المعرفة بهذا العلم الشريف ، و تبين له ذلك فبها ، و إلا فحسبه أن يستحضر أسماء الأئمة الذين صرحوا بتضعيفه ، فيزول الشك من قلبه ، و ها أنها ذا أسردها و أقربها إلى القراء الكرام : 1 - البخاري . 2 - الترمذي . 3 - العقيلي . 4 - الدارقطني . 5 - ابن حزم . 6 - ابن طاهر . 7 - ابن الجوزي . 8 - الذهبي . 9 - السبكي 10 – ابن حجر كل هؤلاء - و غيرهم ممن لا نستحضرهم - قد ضعفوا هذا الحديث ، و لن يضل بإذن الله من اهتدى بهديهم ، كيف و هم أولى الناس بالقول المأثور : " هم القوم لا يشقى جليسهم " . هذا و لما أنكر ابن الجوزي صحة الحديث أتبع ذلك قوله : " وإن كان معناه صحيحا " كما تقدم . فأقول : هو صحيح المعنى فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص ، و هذا مما لا خلاف فيه ، و لكنه ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن و إنزاله إياه معه ، منزلة الاجتهاد منهما . فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب و السنة ، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب . و هذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم بل الواجب النظر في الكتاب و السنة معا و عدم التفريق بينهما ، لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن ، و تقيد مطلقه ، و تخصص عمومه كما هو معلوم . و من رام الزيادة في بيان هذا فعليه برسالتي " منزلة السنة في الإسلام و بيان أنه لا
يستغنى عنها بالقرآن " . و هي مطبوعة ، و هي الرسالة الرابعة من " رسائل الدعوة السلفية " . و الله ولي التوفيق .
-----------------------------------------------------
[1] انظر " مقالات الكوثري " ( ص 309 ) ، و " شروط الأئمة الخمسة " ( ص 45 ) .
[2] و لا يفوتني التنبيه على أن الحديثين المذكورين صحيحان رغم أنف الكوثري ، وتعصبه المذهبي ، و هما مخرجان في " إرواء الغليل " ( 2606 و 1955 ) . اهـ .
عفوًا؛ لقد سرد الشيخ الألباني أسماء موافقيه من المتقدمين غير الإمام ابن حزم، ولعلكم تتفضلون - مشكورين غير مأمورين - بمراجعة سبب التضعيف إن أمكن هذا.
نعم، الأصوليون يعتمدون الحديث ويبنون عليه ولكن الخلاف في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ما أسأل عنه.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قرأتُ الآن مشاركتكم الكريمة هناك؛ أعزَّك الله تعالى ونفع بك.
ولا أراها تدور إلا حول نفي الجهالة عن أصحاب معاذ وشهرة الحديث لاحتجاج الكثيرين به وكذا تخطئة الإمام ابن حزم في نقله - بإسناده - عن الإمام البخاري عدم صحة الحديث ثم إلزام الإمام ابن حزم بما ذكره الإمام البخاري في التاريخ الكبير رغم أن ما ذكره الإمام البخاري ليس صريحًا فيما ذهبتم إليه.
وأتأسف كثيرًا لعدم إمكاني الزيادة على ما تقدم من بيان إخواني نقلاً عن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى موضحًا - بالسلسلة الضعيفة - أسباب ضعف الحديث والرد المسهب بما لازيادة عليه من غيره.
ولا أرى أن كلماتي ستزيد أو تنقص من بيان لضعف الحديث؛ لذا تراني أتوقف عن بذل المزيد من الجهد وإرهاقكم بالرد على مشاركات أنتم في غنىً عن الرد عليها.
وجزاكم الله خيرًا.