تم بحمد الله وتوفيقه انعقاد اللقاء الثالث والعشرين من لقاءات مركز تفسير للدراسات القرآنية, وذلك يوم الثلاثاء 27/1/1434هـ . بديوانية الأستاذ عبدالله الشدي بحي النفل, وكان ضيف اللقاء د. إبراهيم بن محمد الحقيل (الباحث في القرآن وعلومه والداعية بوزارة الشؤون الإسلامية).
وكان عنوان اللقاء(الاستدلال الخاطئ بالقرآن الكريم على حرية الرأي " عرض ونقد" )
وقدم له د. يوسف بن صالح العقيل (المذيع بإذاعة القرآن الكريم).
وشهد اللقاء عدد كبير من الشخصيات العلمية والأكاديمية, وكان من أبرزهم مدير عام المركز د.عبد الرحمن بن معاضه الشهري, ود. ناصر المنيع وأ.د عبدالفتاح بن محمد خضر... وغيرهم من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وطلاب الدراسات العليا والباحثين والدعاة والمفكرين.
بدأ المقدم بالترحيب بالضيف، والتعريف به، وعن مؤهلاته العلمية، وخبراته التدريسية، وبحوثه الأكاديمية.
بعد ذلك استهل د. إبراهيم حديثه بنتيجة مهمة توصل إليها من خلال خبراته ومسيرته العلمية وهي: لا حرية للرأي في الإسلام, وأن حرية الرأي هي قول الحق فقط.
ثم أبان معنى الحرية التي ينشدها الغرب وهي: الانطلاق من القيود, والقيود ثلاثة وهي:
• القيد الديني: بغض النظر عن صحة الدين أو فساده.
• القيد العرفي: أي الالتزام بما تعارف عليه أهل المجتمع.
• قيد القانون أو الدولة: أي الأنظمة والقوانين التي تحكم دولة ما.
وذكر أن الحرية أول ما بدأت عند الغرب بدأت بالانطلاق الكامل والانحلال من كل القيود - وهذا لا يمكن تطبيقه لأنه ضرب من الخيال - وسبب الانطلاق هذا أنهم بنوا هذه القضية على فكرة خاطئة وهي بلوغ البشرية سن الرشد, ووضعوا لهذه الحرية ضابطاً وهو: عدم الاعتداء على حرية الغير لكنهم لم يلتزموا بذلك.
ثم انتقل للحديث عن حرية الرأي: فكشف د. إبراهيم: أن أكثر الإشكالات التي جعلت بعض الكتاب الإسلاميين ينحون منحى الغرب في توسيع حرية الرأي وهو: أنهم قاسوا حرية الرأي عند المسلمين كما هي عند الغرب, وهناك فرق كبير بين الفريقين : فحرية الرأي عند المسلمين تعني نظر القلب أي تأمل القلب, ولا يكون ذلك إلا في الأشياء التي تحتاج إلى نظر وتأمل, أما الأشياء الواضحة أي المحرمة فلا تحتاج لهذا النظر.
أما عند الغرب فكل ما يصدر عن الإنسان يعتبر رأياً سواء كان صحيحاً أم خطأً, فيجوز له ذلك, ويجوز له تعمد الخطأ ليصل إلى الصواب وهذا مخالف للشريعة الإسلامية.
ثم تحدث عن كيفية انتقال الغرب من منع الرأي إلى الإباحة: وهو أن الغرب في العصور الوسطى كان تحت سلطة الكنيسة التي كانت تمنع منعاً باتاً مخالفتها؛ لأنها تعتبر نفسها الواسطة بين الخالق والمخلوق, وأي مخالفة لها يؤدي إلى حرمان الرحمة؛ الأمر الذي ضيق الخناق على الناس حتى أجبرهم على الثورة ضد الكنيسة, وبعدها أطلق الغرب للإنسان الحرية الكاملة بسبب ما لاقوه من الرهبان , واعتبرت حرية الرأي عندهم من أهم الحريات.
وقد لاقت حرية الرأي هذه قبولاً عن بعض الكتاب المسلمين حتى تعامل مع نصوص القرآن والسنة تعمل مصلحي ليستدل على حرية الرأي فقالوا: إنه لا قيود في الإسلام تمنع من حرية الرأي واستدلوا على ذلك بما يلي:
• بنصوص الأمر بالمعروف: فهي تسمح للشخص بإبداء رأيه.
• نصوص النصيحة: تدعو إلى حرية الرأي.
• نصوص الدعوة: تدعو إلى حرية الدعوة.
وهذه الأدلة لا تتفق مع حرية الرأي إلا في جزء قليل؛ لأن حرية الرأي هي قول كلمة الحق فقط, ففي النظام الغربي يسمح لعامة الناس نقد السلطة لكن لا يسمح لأحد أن ينصح أحداً لا يريد النصيحة؛ لأنه يعتبر تدخل في الخصوصية, وهذا يتعارض مع نصوص الأمر بالمعروف, والكتاب الذين استدلوا بالأمر بالمعروف لم يتعرضوا لهذه النقطة.
ثم تطرق الحديث إلى طرح سؤال: هل الأصل في الإسلام منع الرأي ثم تقييده أم الإباحة؟ فقال: إن حرية الرأي في الإسلام محصورة في الخير فقط وتمنع في الشر ولا بد في القول من الصدق والعدل واستدل على ذلك بقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}التوبة/ 119 ,وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (.... ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) رواه البخاري. والصمت مذموم في الإسلام؛ ولكن يؤمر به الشخص عند إرادة قول الشر, فهذا يعني أن حرية الرأي مقيدة بالحق فقط.
ثم بين الآثار المترتبة على القول بحرية الرأي:
1. محاولة إلغاء حكم المرتد : فعند المسلمين حكمه القتل- وفي ذلك النصوص الصريحة- وعند الغرب لا يجوز قتله؛ لأنه يخالف حرية الرأي, فقام بعض الكتاب المسلمون بالبحث في القرآن والسنة لمحاولة إلغاء العمل بحكم الردة بحجة حرية الرأي, وقالوا إن الأحاديث الواردة فيه من أحاديث الآحاد, والصحيح أن الأحاديث الواردة في حكم الردة متواترة, وفي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري. وإجماع الصحابة.
2. محاولة إلغاء جهاد الطلب: بحجة أنه سيحكم الناس بالإسلام, وإذا وجد الإسلام فإنه سيحد من حرية الرأي, واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} البقرة/ 256. وهؤلاء لم يفرقوا بين إقرار الفرد على دينه وهذا لا يكره على دخول الدين, وبين إقرار حكم جماعة كاملة على غير الإسلام وهذا لا يجوز.
وجهاد الطلب هو: هو الأصل فلا يجوز إلغاءه. وهؤلاء استفادوا من تقسيم الجهاد إلى : جهاد دفع, وجهاد طلب ليلتفوا حول النصوص. وهذا التقسيم لم يكن موجود عند العلماء السابقين بل كانوا يقسمونه إلى فرض كفائي, وفرض عيني, وأول من قال بهذا التقسيم هو الإمام العز بن عبدالسلام ثم ابن تيمية ثم انتشر القول بذلك.
ثم اختتم د. المحاضرة وأتيح المجال لعدد من المداخلات والتي ناقشت بعض النقاط التي أثارها المحاضر وكان من أبرز المداخلات مداخلة د. ناصر المنيع. وأ.د. عبدالفتاح بن محمد خضر.
وفي نهاية المحاضرة أجاب د. إبراهيم عن أسئلة الحضور واستفساراتهم، وتقدم بالشكر لمركز تفسير للدراسات القرآنية ولمديره العام د. عبدالرحمن بن معاضة الشهري على تنظيم هذا اللقاء، ولمضيف اللقاء الأستاذ عبدالله الشدي ولجميع الحضور والمتابعين. فيما ختم اللقاء بتناول العشاء.
رابط اللقاء (يوتيوب) على قناة مركز تفسير
http://www.tafsir.net/meeting/47