شارك في نقد كتاب(جمع القرآن) للمستشرق جون جلكرايست. الفصل الثاني

إنضم
22/02/2004
المشاركات
324
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
الموقع الالكتروني
www.geocities.com
[color=CC0000]2-أول جمع للقرآن في عهد أبي بكر


إذا كان محمد قد ترك بالفعل نصا كاملا و مجموعا كما يزعم العلماء المسلمون (عبد القادر عبد الصمد مثلا‚ انظر الفصل 6) فلماذا كانت هناك حاجة إلى جمعه بعد وفاته؟ لقد كان فعلا من المنطقي أن لا تبدأ عملية الجمع إلا بعد أن تنتهي الرسالة بموت الرسول. الرواية الشائعة حول جمع القرآن في أول الأمر تنسب هذا العمل إلى زيد بن ثابت الذي كان من بين الصحابة الذين كانت لهم دراية عميقة بالقرآن.

سنرى فيما بعد أن هناك أدلة كثيرة على أن صحابة آخرون قاموا هم كذلك بجمع القرآن في المصاحف بشكل مستقل عن زيد و ذلك بعد وفاة محمد بفترة وجيزة لكن المشروع الأكثر أهمية هو ذلك الذي قام به زيد لأنه تم بأمر رسمي من أبي بكر أول خليفة في الإسلام. كتب الحديث النبوي أعطت أهمية بالغة لهذا الجمع الذي قام به زيد بن ثابت و النص الذي نتج عنه هو الذي أصبح ذا طابع رسمي في خلافة عثمان.

بعد وفاة محمد مباشرة ارتدت بعض القبائل العربية عن الإسلام بعدما كانت قد اعتنقته منذ مدة قصيرة. على إثر هذا اضطر أبو بكر إلى إرسال جيش مكون من أوائل المسلمين لإخضاعها. فقامت معركة اليمامة التي سقط فيها عدد من صحابة محمد الأقربون الذين أخذوا القرآن مباشرة من عنده. الحديث التالي يصف لنا ما حدث بُعيد هذه الأحداث:

"حدثنا موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت رضي اللهم عنهم قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي اللهم عنهم إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال عمر هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى اللهم عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي اللهم عنهمما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم"

(صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن-4603 باب جمع القرآن-) {نفس الحديث نجده مكررا في كتاب الأحكام رقم 6654 و في كتاب تفسير القرآن رقم 4311}

انتهى الأمر بزيد بن ثابت إلى قبول الفكرة مبدئيا بعد إقناع أبي بكر و عمر إياه بضرورة الأمر و قبل أن يجمع القرآن في كتاب واحد. يتضح جليا من خلال هذه الرواية أن جمع القرآن كان أمرا لم يقم به "رسول الله".

إن تردد زيد إزاء المهمة التي أسندت إليه كان سببه من جهة كون محمد نفسه لم يهتم بجمع القرآن و من جهة أخرى ضخامة المشروع. هذا ما يظهر أن المهمة لم تكن بالسهلة بتاتا. فإذا كان زيد يحفظ القرآن جيدا و يعرفه بأكمله عن ظهر قلب و لا يجهل أي جزء منه و إذا كان عدد من الصحابة يتوفرون كذلك على مقدرة هائلة في مجال الحفظ والإستظهار فإن عملية جمع القرآن لن تكون إلا سهلة {خلافا لما جاء في حديث البخاري المذكور أعلاه}. فلم يكن على زيد إلا أن يكتب ما كان يحفظ من القرآن في ذاكرته و يطلب من الصحابة أن يضبطوا ما كتب. يزعم ديزاي و بعض الكتاب الأخرون أن كل الحفاظ من أصحاب محمد كانوا يعرفون القرآن بأكمله عن ظهلر قلب‚ كلمة كلمة و حرفا حرفا و ذهب ديزاي بعيدا في مزاعمه حيث قال أن هذه القدرة الهائلة على حفظ القرآن هي موهبة إلاهية : "إن قوة الذاكرة ملكة وهبها الله للعرب لدرجة أنهم كانوا يحفظون الألاف من أبيات الشعر ببالغ السهولة. الإستعمال الكامل لهذه الموهبة هو ما مكن من حفظ القرآن و صيانته من الضياع"(1)(Desai, The Quraan Unimpeachable, p.25)

يذهب بعد هذا إلى وصف استظهار القرآن بأنه "قوة حفظ ذات طبيعة إلهية". النتيجة المنطقية لهذا الزعم هي أن جمع القرآن كان من أسهل الأمور. فإذا كان زيد و القراء الأخرون يعرفون القرآن بكامله حتى أخر كلمة منه بدون أي غلط أو نقصان و برعاية ربانية <هذا مزعم العلماء المسلمين> فمن غير المعقول أن نجده <أي زيد> يقوم بجمع القرآن بالشكل الذي فعله. فعوض أن يعتمد فقط على ذاكرته مباشرة نجده يبحث عن النصوص في مختلف المصادر : "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب و اللخاف و صدور الرجال حتى وجدت أخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم" ( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن-4603 )

لقد رأينا سابقا أن القرآن كان وقت وفاة محمد مفرقا بين ما كان في ذاكرة الصحابة و ما كان مكتوبا على مختلف المواد التي كانت تستعمل أنذاك في الكتابة. إلى هذه المصادر لجأ الصحابي الشاب حين كان يُعِد لجمع القرآن في مصحف واحد. المصدران الرئيسيان من بين المصادر التي ذكرت هما "الرقاع" و "صدور الرجال" (السيوطي - الإتقان في علوم القرآن). لم يعتمد زيد على ذاكرة الناس فقط بل اعتمد كذلك على ما كان مكتوبا أيً كانت طريقة كتابته (اللخاف أي الحجارة الرقاق الخ.. ) و التجأ إلى كثير من الصحابة و إلى جميع المواد التي كانت أجزاء من القرآن مكتوبة عليها. لم يكن هذا تصرف شخص يعتقد أن الله وهبه ذاكرة خارقة للعادة يمكنه الإعتماد عليها كليا في مهمته بل تصرف كاتب نبيه كان يريد جمع القرآن من جميع المصادر الممكنة. كان هذا تصرف رجل يعي كل الوعي أن النص القرآني كان متناثرا في أماكن عدة لدرجة أنه وجب جمع كل ما أمكن جمعه من أجل الحصول قدر المستطاع على نص كامل نسبيا.
أقدم الروايات في الإسلام تبين لنا بوضوح أن زيدا قام ببحث على نطاق واسع بينما نجد أن علماء متأخرين زعموا أنه اعتمد على ما دُون كتابيا على مختلف المواد -عظام الحيوانات‚الرقاع‚جلود الحيوانات الخ..- التي كانت محفوظة في بيت محمد. زعموا أن زيدا لم يفعل شيئا أكثر من جمعه لهذه النصوص من أجل الإحتفاظ بها في موضع واحد.

يقول الحارث المحاسبي في كتاب "فهم السنن" إن محمدا كان يأمر بكتابة القرآن و لذلك حين أمر أبو بكر بجمع القرآن في مصحف واحد وُجِدت المواد التي كان مكتوبا عليها "في دار رسول الله التي نزل فيها" (السيوطي‚ الإتقان) فجُمِعت و حُدِّدت لكي لا يضيع منها شيء. لكن يتضح من خلال ما دُوِّن في إطار الحديث النبوي أن زيدا قام ببحث واسع النطاق عن هذه المواد التي كتبت عليها أجزاء من القرآن. ديزاي يجاحد قائلا إن البحث الذي قام به زيد كان مقتصرا على المواد التي كُتب عليها القرآن "بين يدي رسول الله" لأن زيدا كان هو الصحابي الوحيد الذي أتيحت له الفرصة لكي يكون جنب محمد حين جاءه جبريل و رتل معه القرآن آخر مرة (Desai, The Quraan Unimpeachable, p.18) يضيف ديزاي أنه رغم وجود نصوص قرآنية أخرى في تلك الفترة فهي كانت لم تكن تتوفر على مصداقية كاملة لأنها لم تكتب تحت الإشراف المباشر لمحمد لكن كتبت من طرف أصحابه الذين اعتمدوا في ذلك على ما استطاعوا حفظه في ذاكراتهم. يمتنع ديزاي عن إعطاء أية دلائل أو نصوص من أي نوع كانت و لا يُرينا المصادر التي اعتمد عليها في البرهنة على مزاعمه و التي من المفروض أن تكون من أقدم ما دُوِّن من التراث الإسلامي. في الواقع كون القرآن عُرض مرتين في آخر المطاف كان سرا لم يبح به محمد سوى لابنته فاطمة الزهراء ( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن) {قال مسروق عن عائشة عن فاطمة عليها السلام أسر إلي النبي صلى اللهم عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي}

فكيف أمكن أن يكون هذا سرا إذا كان زيد بن ثابت حاضرا في هذه المناسبة؟

في نفس السياق نعرف من خلال أقدم ما دُوِّن حول جمع القرآن في خلافة أبي بكر أنه لم يكن هناك أي تمييز بين ما كتب من القرآن تحت إمرة محمد أو غيره من المصادر و لا شيء يوحي بأن زيدا اعتمد على الأول دون الثاني. كما سنرى لاحقا هذه تفاسير حديثة العهد نسبيا الغرض منها التأكيد على أن القرآن جمع في ظروف مثالية لكنها لا ترتكز على أية نصوص قديمة و أصيلة للبرهنة على مزاعمها.
هناك حكايات مفادها أنه كلما نزل شيء من القرآن كان محمد يطلب من كتابه و من بينهم زيد أن يكتبوه ( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن 4606 على سبيل المثال)

{حدثنا عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال لما نزلت ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) ( والمجاهدون في سبيل الله ) قال النبي صلى اللهم عليه وسلم ادع لي زيدا وليجئ باللوح والدواة والكتف أو الكتف والدواة ثم قال اكتب ( لا يستوي القاعدون ) وخلف ظهر النبي صلى اللهم عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم الأعمى قال يا رسول الله فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر فنزلت مكانها (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) ( والمجاهدون في سبيل الله ) ( غير أولي الضرر )}

لكن لا شيء يؤكد أن القرآن كان مجموعا بأكمله في بيته. هناك أيضا روايات عديدة في كتاب المصاحف لابن أبي داود تشير إلى أن أبا بكر كان أول من قام بتدوين القرآن نذكر من بينها : "حدثنا عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن حفص قال حدثنا خلاد قال حدثنا سفيان عن السدى عن عبد خير عن علي قال : رحمة الله على ابي بكر كان أعظم الناس أجرا في جمع المصاحف‚ و هو أول من جمع بين اللوحين. " (كتاب المصاحف‚ ص 5). هنا أيضا نجد أدلة قوية على أن أشخاصا آخرين سبقوا أبا بكر لجمع القرآن في مصحف واحد :

"عن بن بريدة قال : أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حديفة" (السيوطي - الإتقان في علوم القرآن). سالم هذا كان من بين أربعة رجال أمر محمد أصحابه أن يأخذوا القرآن عنهم (صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن 4615 و كتاب المناقب 3524) و{ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو عن إبراهيم عن مسروق ذكر عبدالله بن عمرو عبدالله بن مسعود فقال لا أزال أحبه سمعت النبي صلى اللهم عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من عبدالله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب} كان من القرأء الذين قتلوا في معركة اليمامة. بما أن أبا بكر لم يأمر بجمع القرآن إلا بعد هذه المعركة فمن البديهي إذا أن سالما سبق زيد بن ثابت لجمع القرآن. [/color]

ها هو الفصل الثاني من الكتاب و بانتظار تعليقاتكم . و أرجو ألا أكون قد تسرعت .
 
أخي الكريم /د.هشام
أود أن أقترح لهذا الموضوع اقتراحا لعله أن يكون أنفع لمتابعة الموضوعات التي ستطرحونها ، وهو كالآتي :
ـ تقسم موضوعات الكتاب على مشاركات مستقلة
ـ ويكون لكل مشاركة عنوان مستقل تذكر فيه صفحات الكتاب المنقود ، وعنوان الكلام المنقود ، مثلاً :
يكون عنوان المشاركة الأولى : (1) مقدمة كتاب جمع القرآن ( ص1 ـ ص7 )
ويكون عنوان المشاركة الثاني : (2) جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ( ص 8 ـ 13 )
وهكذا تكون المشاركة في كل موضوع مستقلة ، ولا تتداخل المشاركات فيما لو أراد مشارك أن يشارك في التعليق على المقدمة ، وجزاكم الله خيرًا .
 
أخي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فأرجو الصبر على أفراد هذا الملتقى ، وليكن مشروعك طويل الأجل ، وإني لأشكرك على حرصك ، وأدعو نفسي والإخوة إلى المشاركة في هذا الموضوع ، ولو تكرَّر الردُّ .
كما أدعو بأن لا يحقر الإنسان نفسه في التعبير عن فهمه لما يُطرح وردِّه عليه ، فلربما ألهمه الله ووفقه لما لم يوفِّق إليه غيره .
وأتمنى الاستفادة من كتاب جمع القرآن لمحمد شرعي أبو زيد على هذا الرابط
http://www.khayma.com/sharii/
فإنه سيفيد جدُّا في نقد كلام المستشرق .
وأتمنى من الإخوة الذين عندهم قدرة نقدية أن يشاركوا في النقد ، والله يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى .
وليعلم الإخوة المشاركون أنه سيكون هناك تنقيح لهذه الردود وجمعها بعد تحريرها في زاوية في هذا الملتقى تكون أنموذجًا للأعمال الجماعية التي يقوم بها أعضاء هذا الملتقى .
والله أسأل أن يتمَّ هذا المشروع ، وأن يبارك فيه ، إنه سميع مجيب .
 
[align=center]رد الشبهات عن الفصل الثاني

يقول جون جلكرايست:
إذا كان محمد قد ترك بالفعل نصا كاملا و مجموعا كما يزعم العلماء المسلمون (عبد القادر عبد الصمد مثلا‚ انظر الفصل 6) فلماذا كانت هناك حاجة إلى جمعه بعد وفاته؟

التحليل والنقد
ينبغي هنا التفريق بين مسألتين:
هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم نصا كاملا ؟
والجواب عن بالإيجاب بلا مراء ، ولسنا بحاجة إلى تقديم أدلة لأن الشأن في هذا قاطع واضح وعلى النافي تقديم أدلته ، فالمثبت هنا مقدم على النافي ، خصوصا أن المثبت مؤيد بالماضي والحاضر حيث نقل إلينا هذا القرآن كاملا متواترا دون زيادة أو نقصان ولا زال الحاضر يدعم ذلك بقوة ، وليختبرنا المختبرون بزيادة حرف في القرآن أو نقصه ليعرف بعدها كيف سينكشف حاله ويفتضح أمره.

وأما الشق الثاني
هل ترك النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مجموعا في مكان واحد وليكن هذا المكان بيوته صلى الله عليه وسلم كما ذكر بعض العلماء ( ينظر: مناهل العرفان 1/ 240 ) ويشير إليه كلام الحارث المحاسبي في فهم السنن الذي قال فيه: كتابة القرآن ليست بِمحدثةٍ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مُفَرَّقًا في الرِّقاع والأكتاف والعُسُب، فإنَّما أمر الصِّدِّيق بنسْخِها من مكانٍ إلى مكانٍ مجتمعًا، وكان ذلك بِمنْزلة أوراقٍ وُجِدت في بيت رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشرٌ، فجمَعَها جامعٌ وربطها بخيطٍ، حتى لا يضيع منها شيءٌ.أ.هـ

والجواب – من وجهة نظري - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات والقرآن الكريم غير مجموع في مكان واحد لا في بيته ولا خارجه وأدلتي على ذلك متعددة سأسردها بعد نقل خبر جمع القرآن في عهد أبي بكر كما هو في صحيح البخاري:
بالسند المتصل أخرج البخاري في صحيحه: " أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ t ، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقال: أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقال: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قال: أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ r ؟ فَقال: عُمَرُ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قال زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ. فَقال أَبُو بَكْر:ٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ r ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ r ؟ فَقال أَبُو بَكْر:ٍ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِه: } لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ{ إِلَى آخِرِهِمَا. وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَر " ( البخاري ، كتاب تفسير القرآن باب { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } )

ومن خلال هذا الخبر وغيره نستنتج صحة دعوى عدم جمع القرآن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وهاكم الأدلة:

أولا- لو كان هذا الكلام صحيحا لكان القرآن مجموعا بالفعل ولما استنكر كل من أبى بكر وزيد فكرة الجمع حين عرضت عليهما للوهلة الأولى قبل المراجعة والإقناع حيث قال أبو بكر لعمر:" كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ r ؟ " وقال زيد لأبي بكر وعمر : " كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ r ؟ "
وفي توجيه ذلك يقول القاضي أبو بكر في نكت الانتصار: وجهُ ذلك – أي وجه هذا الاعتراض- أنَّهما لم يَجدا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بلغ في جمعه إلى هذا المقدار، بل كان في الأكتاف والعُسُب، ...، إلى أن تُوُفِّي صلى الله عليه وسلم والحال على ذلك، فكَرِهَا أن يَجمعاه على وجهٍ يُخالف ذلك؛ كراهةَ أن يُحِلاَّ أنفسهما مَحلَّ مَنْ تَجَاوَزَ احتياطُه للقرآن احتياطَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، فلمَّا نبهَّه عمرُ وخوَّفه من تغيُّر القرآن، وأنَّ فِعْلَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم ليس على وجه الوجوب،ولا تركُهُ لِما تَرَكَ منه على وجه الوجوب، رَأَيَا صوابَ ذلك الرأي فَسَارَعَا إليه.أ.هـ

قلت – أنا العبد الفقير - :
هذا الكلام يبدو عليه التكلف ويتجاهل إلى حد كبير ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من حصافة وقدرة على الاجتهاد وبعد النظر فلا يليق أن يعترض كل من أبي بكر وزيد على فكرة الجمع لا لسبب إلا لأن المكتوب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في العسب واللخاف والمطلوب منهما أن يجمعاه في صحف متساوية فماذا في ذلك من مخالفة والذي يراجع تاريخ الصحابة يجد أنهم قد اجتهدوا في مسائل عديدة حتى في حياة النبي صلى الله علي وسلم في جرأة ووعي يحسب لهم فعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الأحزاب : " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " ( أخرجه البخاري ) فهم كثير من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم قد قصد بذلك حثهم على الإسراع إلى النيل من بني قريظة وليس معناه أنه لو أدركتهم صلاة العصر وهم في طريقهم إلى بني قريظة فعليهم أن يؤخروا الصلاة عن وقتها حتى يصلوا إلى بني قريظة فيصلوها هنالك وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بصنيعهم هذا فلم يعنفهم .
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد الصحابة في مسائل عديدة وليس أجرأ من أن يلغي عمر رضي الله عنه سهم المؤلفة قلوبهم من مستحقي الزكاة مع ورود ذلك في القرآن، وأن يعطل حد السرقة في عام الرمادة وأن يقوم أبو بكر بمقاتلة مانعي الزكاة مع تذكير عمر إياه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " لكن أبا بكر يصر على مقاتلتهم ويقول: " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه." ( أخرجه مسلم )

· وفي رأيي أن مرجع اعتراض كل من أبي بكر وزيد على فكرة الجمع نفسه هو لأن الفكرة في الأصل لم تكن مسبوقة وليس بسبب اختلاف شكل الجمع وهيئته

ثانيا – قول زيد: " فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. " ولما أعلن زيد عن ثقل هذه المهمة التي أوكلت إليه لكن كل ذلك قد حدث فهو إذن قرينة على أن المكتوب ما كان يوضع في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على الأقل لم يوضع كله بل كان مفرقا عند الصحابة الكتبة سواء منهم من كانوا يكتبون لخاصة أنفسهم أو من كانوا يكتبون بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثالثا – يدل لذلك أيضا قول زيد " فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ" ( البخاري ، كتاب تفسير القرآن باب { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } ) إذ لو كان القرآن مجموعا في مكان واحد لما كانت هناك حاجة للتتبع بل لما كانت هناك حاجة إلى هذا الجمع البكري من أصله فكان يكفي النسخ من هذه الأشياء الموجودة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون حاجة إلى إشهاد للوثوق بما في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بالإشهاد وهو متوفر عن طريق الكتبة والمتعلمين.

رابعا- قال السيوطي في الإتقان: قال الدير عاقولي في فوائده‏:‏ حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال‏:‏ قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء‏.‏
فهذه الرواية نص في صحة الدعوى
خامسا- أخرج ابن أبي داود بسند حسنٍ عن عبْدِ خَيْرٍ عن علِيٍّ t قال: " رحمةُ اللهِ على أبي بكرٍ؛ كانَ أعظمَ الناسِ أجرًا في جمع المصاحفِ، وهو أوَّل من جمع بين اللَّوْحَيْن ِ"
وهي رواية قاطعة بأن أبا بكر أول من جمع القرآن

والحاصل أن جمع القرآن بمعنى جمع متفرقه مكتوبا فى مكان واحد كان أول ما كان فى عهد الصديق رضى الله عنه مع يقيننا بأن القرآن كله قد كتب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يجمع ما كتب كله لا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في بيت غيره من الصحابة لعدم الحاجة إلى ذلك من جهة ولطبيعة النزول المنجم للآيات داخل سورها من جهة أخرى ، وقد تنبه إلى ذلك كثير من العلماء منهم القسطلاني الذي قال ( في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/446) : " وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده صلى الله عليه وسلم ، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور " وأكد عليه الدكتور محمد عبد الله دراز حين قال في كتابه مدخل إلى القرآن الكريم ص 35: وكما أن الرسول لم يكن عنده شيء مكتوب فلم يكن عند الأفراد في هذه الحقبة نسخة واحدة كاملة من القرآن وإنما كانت المخطوطات متفرقة ومبعثرة بين المؤمنين أ.هـ

أعتقد أن هذا الرأي مدعوم بأدلة كافية ، إضافة إلى أنه يجنبنا مغبة القول بتعدد مرات الجمع التي تسدي إلى المشتبه المغرض معروفا كبيرا لأنها توحي بأن الجمع لم يكتمل في أي مرة من المرات ولذا احتيج إلى إعادته أكثر من مرة
ففي رأيي – والله أعلم – أن القول بأن القرآن الكريم قد جمع ثلاث مرات أغلوطة يجب أن ننزه عنها أقلامنا وألستنا صيانة وحفظا لكتاب ربنا من عبث العابثين وطعن الطاعنين ، فما تم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو تدوين للقرآن في مواد خام أولية منها العسب واللخاف وجريد النخل ....إلخ بدون جمع في مكان واحد ، وأما عثمان رضي الله عنه فقد نسخ مصاحفه من مصحف أبي بكر ولم يقم بجمع القرآن فلماذا يجمع ما هو مجموع ؟
فكم يروقني القول بأن عثمان رضي الله عنه جمع الناس على مصحفه الذي نسخه بهيئة استوعبت ما احتمله الرسم من الأحرف السبعة ، لا أنه جمع القرآن في مصحفه حيث هو مجموع من عهد أبي بكر رضي الله عنه ، ومن ثم لا يبقى خالصا إلا جمع واحد للقرآن هو الجمع البكري فالقرآن جمع مرة واحدة لا مرات ثلاث والله أعلم
ومن ثم أقترح حال حديثنا عن تاريخ تدوين القرآن وكتابته أن نعتمد هذا النسق:
· تدوين القرآن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
· جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه
· نسخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه

عوضا عن هذا النسق:

· جمع القرآن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
· جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه
· جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه


لي عودة بمشيئة الله لتتمة المناقشة[/
align]
 
قال المنصر جلكرايست ..
في نفس السياق نعرف من خلال أقدم ما دُوِّن حول جمع القرآن في خلافة أبي بكر أنه لم يكن هناك أي تمييز بين ما كتب من القرآن تحت إمرة محمد أو غيره من المصادر و لا شيء يوحي بأن زيدا اعتمد على الأول دون الثاني.

فهل هناك ما يناقض قوله هذا ؟؟ و بفرض صحته فما هو الرد عليه ؟
 
لأهمية الموضوع

لأهمية الموضوع

للرفع رفع الله أقداركم !!!!!!!!!!!!!!!
 
اقتراح تنظيمي

اقتراح تنظيمي

اسمحوا لي باقتراح تنظيمي لتتم الفائدة إن شاء الله

ماذا لورشحتم محررا من البداية يقرأ الفصل ويحرر الشبهات الواردة فيه شبهة شبهة وحبذا لوتكون مرقمة ليسهل الرجوع إليها أثناء المناقشات ، وتكون مهمة المحرر أيضا تحرير الردود وتنسيقها ، ولا شك إن مهمة المحرر مهمة شاقة لكنها أساسية ومحورية فيما أرى

فما رأيكم
 
عودة
أعلى