سِحْــرُ الرَّسَائِـلِ المَفْقُود!!

إنضم
18/07/2010
المشاركات
537
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
المدينة المنورة
(سِحْــرُ الرَّسَائِـلِ المَفْقُود!! موضوعٌ قديمٌ من أرشيفي الذي لم يُنشر)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

منذُ الأزلِ كان للرسائلِ المتبادلةِ بين البشرِ شأنٌ رفيعٌ, ولها هيبةٌ في النفوس تفرضُ احترام الجميعِ, كان لها شنَّةً ورَنَّةً, ورنَّتُها ليستْ كأيِّ رنَّة!, فهي ليستْ رنةُ صوتٍ فتُسْمَعُ, وإنما رنَّةُ تبجيلٍ من القلبِ تنبعُ.
كانت فناً يجيد تصويرَ المشاعرِ في أوراقٍ, ولهُ كتَّابٌ ـ محبّونَ لهُ ـ وعشَّاقٌ .

وكان للرسالةُ التي تأتيكَ من أحدِ محبِّيكَ نكهةٌ مميزةٌ بطعمٍ خاصٍّ, ذلكَ أنَّها تأتيكَ مفعمةً بالودِّ الصادقِ والإخلاصِ, فتراها صافيةً شفّافةً, تُغْريكَ بإعمالِ خيالكَ في القيافةِ, فتَلْمَسُ فيها تعابيرَ الروحِ تكادُ تنطقُ بين يديكَ, وترى طيفًا من خيالِ كاتبها حاضرًا حين تُغمضُ جفْنَيْكَ, وتَسمعُها بصوتِ مرسِلِها لكأنّه يهمسُ بأحرفها في أذنيكَ .
وبغضِّ النظرِ عن المعاني المكتوبةِ المرادِ إيصالها إليكَ؛ فقد تَسْتوحِي من الرسالةِِ معانٍ أخرى تَسْتَشِفُّهُا من اهتزازِ خطٍ من بعدِ استقامةٍ, أو تَنْميقِهِ في عبارةٍ دونَ عبارةٍٍ, أو تَلْمَحَ بين السُّطورِ شاهدًا على تمرّدِ دمعةٍ... قد أبتْ إلا تترك لها بين أحرفِ الشوقِ بصمةً ولمعةً .
إن الرسائلَ بهذه الأوصافِ وهذهِ الرّوْعةِ هي ماضٍ كادَ أن يُطوى, وأثرهُ في نفوسنا يُنسى.
ففي وقتنا الحاضرِ ومع تطورِ الاتصالاتِ.. وانتشارِ أجهزةِ الجوالاتِ.. أصبحتْ الرسائلُ ضعيفةً هزيلةً, لا تُعبِّرُ عن واقعٍ ولا عن حقيقةٍ.
فإن أعجبَتْكَ رسالةٌ .. وشعرتَ أنَّ صاحبها قد سطرها لكَ بعنايةٍ... فتريَّثْ!
فلربما ما تراهُ منْ المشاعرِ سرابٌ في سرابٍ.. وأنتَ في حُسنِ ظنِّكَ بهِ قد خالفكَ الصوابُ.
فما هِي إلا ساعة أو أكثرَ حتى يصرخُ هاتفكُ معلنًا وصولَ رسالةٍ , فإذا بها ذات الرسالةِ, لكنَّ المُرْسِلَ هو منتحِلٌ آخر لمشاعرِ الغيرِ... ومستهزئٌ آخر بمشاعركِ أنتَ !

ويوما بعد يومٍ يتكررُ وصولُ نفسِ الرسالةِ على جوّالكَ, وإذا بالكلماتِ التي ظنَنْتَها حيَّةً صادقةً في البدايةِ = تراها عفِنةً تُرسلُ إليكَ في توابيتَ جاهزةٍ قد اتخذتْ من جهازكَ محطًا للنهايةِ.

ومنذُ ثلاثةِ سنواتٍ تقريبًا .. ازدادَ الوضعُ سوءًا وتعقيدًا , فلقد تفشتْ في مجتمعنا ظاهرةُ الاهتمامِ برسائلِ الجوالِ, لتحلَّ محلَّ الاتصالِ المباشرِ للسؤالِ عن الحالِ.
ففرحنا برهةً بتجددِ الوصالِ, خاصةً ممَنْ لم نكنْ لهم على بالٍ.
وفجأة تكررتْ الرسائلُ بنفسِ العباراتِ, فلا تكادُ ترى فيها أَيَّةَ تعديلاتٍ, إلا اللَّهمَ محوَ اسمٍ من التوقيعِ لإضافةِ اسمٍ آخرَ, وقد تأتيكَ بالخطأِ باسمِ المرسِلِ الأوَّلِ. (صاحِب صاحِبِكَ الأَحْوَلِ!! ), فو الله ما تدري.. أتضحكُ أم تبكي؟؟!!

في البدايةِ كنتُ لا أبالي بمدى أصالةِ ما يصلني من رسالةٍ.. فكنتُ أعكفُ على الردِّ فأتفننَ في الصياغةِ, حتى يجيءَ معبرًا عني بالأصالةِ لا بالنيابةِ.
ثم ما ألبثُ بعد ضغطِ زرِ الإرسالِ إلا أنْ أشعرَ براحةٍ وهناءِ بالٍ.. فقد رددتُ الرسالةَ بأحسنَ منها !.

وحين أبتدئُ شخصًا ما برسالةٍ فأحسِنُ له فيها المقالةَ.. وأضمِّنها فيضًا من مشاعري = أفاجأُ حين يأتيني ردُّهُ بتابوتِ مشاعرٍ قديمٍ.. بين جنبيهِ عجوزٌ شمطاءٌ قد جاوزتْ التسعينَ!!
أو ربما بَدَلَ الرسالةِ يكلِّفُ نفسهُ باتصالٍ.. فأستبشرُ في الحالِ, فيصلني صوتُهُ عبرَ الأثيرِ يتساءَلُ دونما تريُّثٍ أو تفكيرٍ: مِنْ أيِّ مصدرٍ تأتيك أمثالُ هذه الرسائلِ الرائعةِ؟ لابدَّ أنك اشتركْت في جوالِ ( مشاعِرُنا الضائعةُ !!! )... فتسقطُ مشاعري في غيبوبةٍ.. وقد لا تستفيقُ منها إلا بأعجوبةٍ.
فيبتلعُ الصمتُ لساني.. ليقفَ دقيقةَ حدادٍ على بعثرةِ كياني. وحينَ تنتهي مراسمُ العزاءِ = أرتبكُ كمنْ غرقَ في شبرِ ماءٍ!.. فمحدِّثي لا يزالُ ينتظرُ الجوابَ!!, فأقولُ له بروحٍ مرحةٍ خاليةٍ من العتابِ: حقوقُ النقلِ محفوظةٌ! والسريَّةُ مطلوبةٌ! المهمُّ أنّها نالتْ الإعجابَ؟؟؟؟.
فيجيبُ: بَلى, وسأرسلُها لكلِ الأهلِ والأصحابِ!!.
ولكونِها أعجبَتْهُ فإنَّ ذلكَ يعني أنّه انهمكَ في إرسالها لما لا يقلُّ عن الخمسين, كأنَّها أضحيةُ عيدٍ تحتاجُ إلى تقسيمٍ ! , وطامَّةُ الطوامِ .. أن تعودَ إليَّ رسالتي بُعيدَ أيامٍ!
فكأنَّ ما أصابَ مشاعري قليلٌ؛ فيُنبشَ قبرها ليُمثَّلَ بالجثةِ أبشعَ تمثيلٍ .

فنفرتْ نفسي من كابوسِ الرسائلِ, فجعلتُ بيني وبينها حائلٌ.
ولأن مشاعري لا تزالُ في حالةٍ مرَضِيَّةٍ فقد التزمتُ الصمتَ والسلبيةَ!, فلا يزالُ عددُ ما يردني من الرسائلِ في نزولٍ وتناقصٍ, حتى ما كدتُ أرى في أرشيفِ جهازي تابوتًا من تلكَ التوابيتِ يتراقصُ.
ولم يبقَ لي إلا النذر القليلُ.. ممَنْ تميَّزَ بالعنايةِ بالتعبيرِ والتأويلِ, وحرصَ أشدَّ الحرصِ على التجديدِ.. ونَبْذِ القديم وعدمِ التقليدِ.
فلا يراودكُ أدنى شكٌ.. أن ما يُرسله ليسَ لغيرِكَ إنما هو لكَ !!..
فمِنْ تلكَ الرسائلِ على سبيلِ المثالِ:

( عزيزي العميلُ: بادرْ بسدادِ الفاتورةِ قبلَ الفصلِ! )
( عزيزي العميلُ: بادرْ بشراءِ التذكرةِ قبلَ إلغاءِ الحجزِ! )
( عزيزي العميل: نودُّ استنزافكَ... فضلاً أغمضْ عينيكَ! )
وهكذا لمّا انقشعَ عني الغبارُ .. أبصرتُ مدى وفاء الحمارِ .. ومضيتُ وحدي دون رفيقٍ .. ولا أنيسٍ يراسلني ولا صديقٍ.
فما أصدقَ الشاعرَ حين قالَ:
إذا كنتَ في كلِ الأمورِ معاتبًا.....صديقكَ لم تلق الّذي لا تُعاتبه
فعشْ واحدٍا أو صلْ أخاكَ فإنَّه.....مقارفُ ذنبٍ مرة ومجــانبه
وإن أنتَ لم تشربْ مرارًا على القذَى...ظمئتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشاربه؟؟!!!


(بقلم: حفصة اسكندراني)
(كُتِبَ أواخرَ عام 1431هـ, وحين قلَّبتُ أوراقي بالأمس استنجدَ بي مستعطفًا, فخشيتُ إنْ تركتُه حيثُ كانَ = أن يصبحَ بلا قيمةٍ مع مرورِ الوقتِ وتطورِ وسائلِ الاتصالاتِ المتسارعِ, وبطلانِ موضةِ الرسائلِ المدفوعةِ بسبِ ما يُسمى بالواتس أب وغيرهِ وغيرهِ)
((حفظ الحقوق لأهلها أمانة على الناقل, وسيُسأل عنها))

 
جزاك الله خيرا أختي حفصة...
وسبحان الله كيف تعزفين دائما على الوتر المناسب، لتطربينا بأعذب النغمات ، فتثيرين دائما مسائل ــ لتعودنا عليها ــ سكتنا عنها جميعا ، غير ان هذا الموضوع بالذات، وهذه الرسائل بالذات كان في النفس منها شيء، وخانتني العبارات في التعبير عما عبرتِ عنه، ولم أترجم ماكان في نفسي تجاهها إلا في واقعي ، فلم أكن أرسل أيا منها لأي أحد، وكنت أحس دائما أنها نفاق من جهتي إن مررتها إلى غيري، ولم أكن أستمتع أبدا بها إن اجتاحت إحداها هاتفي..بل وأحيانا أهمل إتمام قراءتها!!!
فجاءت كلماتك وكشفت ماكان في النفس...ودائما تفوقيننا..جزاك الله خيرا
 
أشكرك أختي الكريمة أم يوسف لتعليقك الرائع على مواضيعي حتى الخارج منها عن التخصص, قد تكون بيننا آلاف الأميال ولسنا على علاقة على الخاص ومع ذلك أراك حولي دائما مشجعة... فلك مني كل الشكر.
والشكر موصول لمن مرّ فوضع بصمة شكر تنير صفحة موضوعي هذا أو غيره من مواضيعي السابقة. فلكم مني جميعا كل المحبة وأزكى التحايا والتقدير.
 
هذه الرسائل مثلها مثل الهدايا المتداولة حين تعود لصاحبها الأصلي بذات الغلاف وقد اهترأ من كثرة اللصق والفتح..
أبقي لأولئك عذرين: أنهم يبقون على الصلة وإن اردوا عبارات غيرهم
والثاني أن الكثيرين لا يحسنون التواصل والتعبير عن مشاعرهم فيستعيرون كلمات غيرهم ليعبروا عن خلجات قلوبهم
أعجبني-إضافة للفكرة- الأسلوب الجميل ، أختنا بنت اسكندراني: جزيت كل خير
والسلام( :
 
عودة
أعلى