عمرو الشاعر
New member
- إنضم
- 24/05/2006
- المشاركات
- 128
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
- الإقامة
- مصر
- الموقع الالكتروني
- www.amrallah.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين له وحده الحمد كله وبيده الأمر كله وإليه ترجعون ! لا زلنا نواصل الحديث عن السور التي تتخذ متكئا لهؤلاء الطاعنين في القرآن الكريم القائلين بعدم بيانه ! واليوم نتناول بإذن الله وعونه وعليه الحول والتوكل أول سورة النازعات ! ونبدأ في تقديم التصور العام للسورة ثم بعد ذلك نبدأ بتناول السورة .
المنظور العام للسورة :
سورة النازعات من أولها إلى آخرها تدور في فلك الإنذار بالعذاب الذي ينزل بالكافرين المنكرين المعاندين , فهي تبدأ بمشهد نزول العذاب بالكافرين ثم تصف حال الكافرين عند نزول العذاب ثم تضرب لنا نموذجا معروفا لمن نزل بهم العذاب وهم فرعون وقومه ثم توضح للإنسان مقداره الحقير وفضل الله عليه وقدرة الله على إنزال العذاب به في أي وقت شاء ولكن العذاب لا ينزل هكذا عبثا أو اعتباطا بل هو مرتبط بأسبابه فإذا توفرت استحق الإنسان العذاب والذي لا يعرف الإنسان ميعاده فلا يعرفه إلا الله تعالى .
ونبدأ الآن في تناول هذه السورة التي أشكلت على المفسرين أيما إشكال وتخبطوا فيها أيما خبط ! لأنهم لا يحاولون أن يقدموا صورة واحدة متكاملة للسورة فاختلفوا في المذكورات الخمس في أول السورة هل لهن كلهن مدلول واحد أم أنهن مختلفات المداليل ؟ فقالوا أنهن كلها في الملائكة وعادوا فقالوا أن الثلاث الأول في الكواكب أو النجوم والإثنتان الأخريتان هما في الملائكة وقيل بالعكس ! وقيل أنها كلها في الكواكب ! وبسبب هذا التخبط الشديد نجد أن بعض الكاتبين المعاصرين عند تعرضه لهذه السورة أقر بهذا الغموض ! فقال :
" هذه السورة نمودج من نمادج هذا الجزء ( جزء عم ) لإشعار القلب البشري حقيقة الآخرة ، بهولها وضخامتها ، وجديتها ، وأصالتها في التقدير الإلهي لنشأة هذا العالم الإنساني ، والتدبير العلوي لمراحل هذة النشأة وخطواتها على ظهر الأرض وفي جوفها ، ثم في الدار الآخرة ، التي تمثل نهاية هذه النشأة وعقباها . وفي الطريق إلى إشعار القلب البشري حقيقة الآخرة الهائلة الضخمة العظيمة الكبيرة يوقع السباق إيقاعات منوعة على أوتار القلب ، ويلمسه لمسات شتى حول تلك الحقيقة الكبرى . وهي إيقاعات ولمسات تمت إليها بصلة . فتلك الحقيقة تمهد لها في الحس وتهيئه لاستقبالها في يقظة وفي حساسية . يمهد لها بمطلع غامض لكنه يثير بغموضه شيئاً من الحدس والرهبة والتوجس . يسوقه في إيقاع موسيقي راجف لاهت ، كأنما تنقطع به الأنفاس من الذعر والارتجاف والمفاجأة ةالانهيار : ( والنازعات غرقا ، والناشطات نشطا ، والسابحات سبحا . فالسابقات سبقا . فالمدبرات أمرا ) .. وعقب هذا المطلع الغامض الراجف يجيء المشهد الأول من مشاهد ذلك اليوم . ظله من ظل ذلك المطلع وطابعه من طابعه ، كأنما المطلع له إطار وغلاف يدل عليه : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ...... "
مطلع أدبي جميل للحديث عن السورة ولكنه لا يقدم لنا شيئا بل يقر بغموضها كما هي , لأن السادة المفسرين ما استطاعوا أن يجزموا في أقوالهم برأي واحد , والمشكلة في أقوال المفسرين في هذه السورة أنهم كعادتهم انشغلوا بكل كلمة على حدة , فلم يحاولوا أن يقدموا لنا رابطا يربط آي هذه السورة ببعض , وإنما جعلوا كل جزء من هذه الأجزاء مستقل بنفسه , وجعلوا الكلام مقطعا فمنه في الدنيا ثم ينتقل مباشرة إلى الآخرة , ثم يعود مرة أخرى إلى الدنيا ثم يأتي الرد من الملائكة , هكذا بدون أي ترابط أو تناسق !
وعلى الرغم من أن المفسرين توصلوا أو كادوا فعلا إلى معان المفردات الواردة في أول السورة إلا أن هذا لم ينفعهم في أن يحددوا لنا أين وكيف ومتى هذه الأحداث في أول السورة بل جعلوها قطعا منفصلات غير مرتبطات , لذا نبدأ بحول الله وعونه في تناول هذه السورة - والتي لا يكاد يغفل القارئ عن معان مفرداتها إلا في في مفردتين إثنتين فقط , أما ما عداهما فمعروف مألوف -موضحين ترابط هذه الآيات ترابطا متينا , حامدين الله على أننا أول من قدم هذه الصورة المتماسكة لأول النازعات :
إذا نظرنا في أول السورة نجد أنها تبدأ بقول الله تعالى " والنازعات غرقا " والكلمتان معروفتان , فالنازعات جمع نازعة والنزع معروف , ونزيد في الإيضاح فنقول , النزع كما جاء في المقاييس :
" النون والزاء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على قَلْع شيء. ونَزَعْت الشيءَ من مكانِه نَزْعاً. والمِنْزَع الشَّديد النَّزْع. والمِنْزعة كالمِلعقة يكون مع مُشْتارِ العَسل. ونَزَع عن الأمر نُزُوعاً: تركَه. " اهـ
وفي اللسان : " .... وقولهم فلان في النزْعِ أَي في قَلْعِ الحياةِ. يقال: فلان يَنْزِعُ نَزْعاً إِذا كان في السِّياقِ عند الموْتِ، " اهـ
إذا فالنزع كما نفهم بداهة هو القلع , إذا فالله تعالى يقول : والنازعات غرقا , فما هو الغرق ؟ الغرق معروف , وهو كما يفهم مجاوزة الأمر للمدى , لذلك جاء في اللسان : أَغْرَقَ في الشيء: جاوز الحد وأَصله من نزع السهم. ..... وفي حديث عليّ: لقد أَغْرَقَ في النَّزْع أَي بالغ في الأَمر " اهـ
وهو كما جاء في المقاييس : " الغين والراء والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انتهاءٍ في شيء يبلغ أقصاه. من ذلك الغَرَق في الماء . والغَرِقة أرضٌ تكون في غاية الرِّيّ. واغْرَوْرَقت العينُ والأرض من ذلك أيضاً، كأنها قد غَرِقت في دمعها.ومن الباب: أغرَقْتُ في القَوس: [مدَدتُها] غايةَ المدّ. واغْتَرَق الفرسُ في الخيل، إذا خالَطَها ثم سَبَقَها. " اهـ
إذا فهناك في أول السورة نازعات مبالغات في النزع , فما هي هذه النازعات ؟ اختلف المفسرون في هذه النازعات بين النجوم والكواكب والملائكة والخيل الغازية ! والأكثرون على أنها الملائكة التي تنزع أرواح الكافرين ! فما هو المرجح في هذه الأقوال ؟
مما هو معلوم بداهة أنه لكي نحدد مفهوم لفظة في كتاب الله نحتار فيها فعلينا أن نرجع إلى كتاب الله تعالى لنر ما هو المراد منها ! فإذا نحن بحثنا عن النزع في كتاب الله تعالى وعن نازعات وجدناها تتأرجح بين الملائكة والريح ! وذلك كما جاء في قوله تعالى " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر : 47] , وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [القصص : 75] "
وكما في قوله تعالى : " إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ َنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ [القمر : 20] "
فهل من الممكن أن تكون الريح هي النازعات ؟ لا , لأن باقي الأوصاف الواردة في الآيات لا تنطبق عليها , فلا يبقى أمامنا إلا القول الآخر وهو أنها الملائكة ! وهذا ما يرجحه أيضا ما جاء في آخر سورة النبأ , حيث خُتمت السورة بقوله تعالى " إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40) "
فإذا ختمت سورة النبأ بالإنذار بعذاب يوم القيامة فمن المناسب أن تبدأ السورة التالية لها وهي النازعات بأول مواقفها وهي نزع الأنفس ! ولكن ليس الأمر مجرد ساعة قدوم الملائكة من أجل نزع الأنفس , بل الأمر أعم من ذلك , فهو – كما سيظهر للقارئ الكريم من خلال السورة كلها – نزع أنفس الكافرين ونزع الكافرين أنفسهم من الحياة عند نزول العذاب , إذا فنحن نرى أن النازعات غرقا هي الملائكة المنزلات للعذاب النازعات للكافرين أنفسا وأجسادا من هذه الدنيا , لذلك نجد الوصف الرحماني لهذا المشهد وصفا يثير الفزع والخوف " والنازعات غرقا " فليس في الأمر تهاون أو شفقة , بل هو اجتثاث من الجذور ! فلقد أنذرناكم في النبأ وأتأكم تباشير العذاب في النازعات ! إذا فالسورة تبدأ بمشهد تحاول كل نفس أن تبعد عنه قدر الإمكان وهو مشهد الملائكة النازعات للأنفس المنزلات للعذاب المؤذنات بالموت والتي تنزع الأنفس تمام النزع فلا تبقي منها شيئا ! والسادة المفسرون على أن النازعات غرقا هي الملائكة التي تنزع أرواح الكافرين فتبالغ في نزعهها وأن الناشطات نشطا هي التي تنزع أرواح المؤمنين فتنزعها نزعا هينا لينا , ولكنا نرى رأيا آخر في المسألة , فالسورة كلها تصور وتقدم مشهدا واحدا وهو مشهد إنزال العذاب بالكافرين وقبضهم لذا فليس للمؤمنين أي علاقة بقولهم والناشطات نشطا ! إذا فالنازعات غرقا هي الملائكة التي تنزع الأنفس التي يحيق بها العذاب بجميع أنواعها صالحها وطالحها – لأنه قد يكون في القرية التي ينزل بها العذاب أناس صالحون ولكن عند نزول العذاب يعم – وبعد ذلك يستكمل الرب القدير توصيف هذا المشهد فيقول : " والناشطات نشطا " ويأتي هذا الأمر أيضا كوصف للملائكة ولكن هذه الملائكة غير الملائكة التي تنزع فلهذه دور ولتلك دور آخر , فالملائكة تنشط نشطا في مثل هذا الموقف فتتحرك تحركا لا يدري به أحد ولكنه نشط يوافق لطبيعة الملائكة من أجل تنفيذ مهمتها . ونذّكر القارئ الكريم أن النشط والنشاط والناشط هو معروف للقارئ الكريم فهو كما جاء في المقاييس : " نشط : النون والشين والطاء: أصلٌ صحيح يدلُّ على اهتزازٍ وحركة. منه النّشاط معروفٌ وهو لما فيه من الحركة والاهتزاز والتَّفتُّح. يقال نَشِطَ ينشَط . وأنْشَطَ القومُ: كانت دوابُّهُم نَشِيطة. ......... ونَشَطْتُ الشَّيءَ: قشرتُه ، كأنَّهُ لما قُشِرَ أُخرِجَ من جِلده . والأُنْشُوطة: العُقدة مثل عُقدة السَّراويل ونَشَطْتُه بأُنشوطة. وأنْشَطتُ العِقال: مَدَدْت أُنشوطتَه فانحلَّت . وقال قوم: الإنشاط : الحَلُّ، والتَّنشيط : العَقْد. " اهـ
يتبع ..................
الحمدلله رب العالمين له وحده الحمد كله وبيده الأمر كله وإليه ترجعون ! لا زلنا نواصل الحديث عن السور التي تتخذ متكئا لهؤلاء الطاعنين في القرآن الكريم القائلين بعدم بيانه ! واليوم نتناول بإذن الله وعونه وعليه الحول والتوكل أول سورة النازعات ! ونبدأ في تقديم التصور العام للسورة ثم بعد ذلك نبدأ بتناول السورة .
المنظور العام للسورة :
سورة النازعات من أولها إلى آخرها تدور في فلك الإنذار بالعذاب الذي ينزل بالكافرين المنكرين المعاندين , فهي تبدأ بمشهد نزول العذاب بالكافرين ثم تصف حال الكافرين عند نزول العذاب ثم تضرب لنا نموذجا معروفا لمن نزل بهم العذاب وهم فرعون وقومه ثم توضح للإنسان مقداره الحقير وفضل الله عليه وقدرة الله على إنزال العذاب به في أي وقت شاء ولكن العذاب لا ينزل هكذا عبثا أو اعتباطا بل هو مرتبط بأسبابه فإذا توفرت استحق الإنسان العذاب والذي لا يعرف الإنسان ميعاده فلا يعرفه إلا الله تعالى .
ونبدأ الآن في تناول هذه السورة التي أشكلت على المفسرين أيما إشكال وتخبطوا فيها أيما خبط ! لأنهم لا يحاولون أن يقدموا صورة واحدة متكاملة للسورة فاختلفوا في المذكورات الخمس في أول السورة هل لهن كلهن مدلول واحد أم أنهن مختلفات المداليل ؟ فقالوا أنهن كلها في الملائكة وعادوا فقالوا أن الثلاث الأول في الكواكب أو النجوم والإثنتان الأخريتان هما في الملائكة وقيل بالعكس ! وقيل أنها كلها في الكواكب ! وبسبب هذا التخبط الشديد نجد أن بعض الكاتبين المعاصرين عند تعرضه لهذه السورة أقر بهذا الغموض ! فقال :
" هذه السورة نمودج من نمادج هذا الجزء ( جزء عم ) لإشعار القلب البشري حقيقة الآخرة ، بهولها وضخامتها ، وجديتها ، وأصالتها في التقدير الإلهي لنشأة هذا العالم الإنساني ، والتدبير العلوي لمراحل هذة النشأة وخطواتها على ظهر الأرض وفي جوفها ، ثم في الدار الآخرة ، التي تمثل نهاية هذه النشأة وعقباها . وفي الطريق إلى إشعار القلب البشري حقيقة الآخرة الهائلة الضخمة العظيمة الكبيرة يوقع السباق إيقاعات منوعة على أوتار القلب ، ويلمسه لمسات شتى حول تلك الحقيقة الكبرى . وهي إيقاعات ولمسات تمت إليها بصلة . فتلك الحقيقة تمهد لها في الحس وتهيئه لاستقبالها في يقظة وفي حساسية . يمهد لها بمطلع غامض لكنه يثير بغموضه شيئاً من الحدس والرهبة والتوجس . يسوقه في إيقاع موسيقي راجف لاهت ، كأنما تنقطع به الأنفاس من الذعر والارتجاف والمفاجأة ةالانهيار : ( والنازعات غرقا ، والناشطات نشطا ، والسابحات سبحا . فالسابقات سبقا . فالمدبرات أمرا ) .. وعقب هذا المطلع الغامض الراجف يجيء المشهد الأول من مشاهد ذلك اليوم . ظله من ظل ذلك المطلع وطابعه من طابعه ، كأنما المطلع له إطار وغلاف يدل عليه : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ...... "
مطلع أدبي جميل للحديث عن السورة ولكنه لا يقدم لنا شيئا بل يقر بغموضها كما هي , لأن السادة المفسرين ما استطاعوا أن يجزموا في أقوالهم برأي واحد , والمشكلة في أقوال المفسرين في هذه السورة أنهم كعادتهم انشغلوا بكل كلمة على حدة , فلم يحاولوا أن يقدموا لنا رابطا يربط آي هذه السورة ببعض , وإنما جعلوا كل جزء من هذه الأجزاء مستقل بنفسه , وجعلوا الكلام مقطعا فمنه في الدنيا ثم ينتقل مباشرة إلى الآخرة , ثم يعود مرة أخرى إلى الدنيا ثم يأتي الرد من الملائكة , هكذا بدون أي ترابط أو تناسق !
وعلى الرغم من أن المفسرين توصلوا أو كادوا فعلا إلى معان المفردات الواردة في أول السورة إلا أن هذا لم ينفعهم في أن يحددوا لنا أين وكيف ومتى هذه الأحداث في أول السورة بل جعلوها قطعا منفصلات غير مرتبطات , لذا نبدأ بحول الله وعونه في تناول هذه السورة - والتي لا يكاد يغفل القارئ عن معان مفرداتها إلا في في مفردتين إثنتين فقط , أما ما عداهما فمعروف مألوف -موضحين ترابط هذه الآيات ترابطا متينا , حامدين الله على أننا أول من قدم هذه الصورة المتماسكة لأول النازعات :
إذا نظرنا في أول السورة نجد أنها تبدأ بقول الله تعالى " والنازعات غرقا " والكلمتان معروفتان , فالنازعات جمع نازعة والنزع معروف , ونزيد في الإيضاح فنقول , النزع كما جاء في المقاييس :
" النون والزاء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على قَلْع شيء. ونَزَعْت الشيءَ من مكانِه نَزْعاً. والمِنْزَع الشَّديد النَّزْع. والمِنْزعة كالمِلعقة يكون مع مُشْتارِ العَسل. ونَزَع عن الأمر نُزُوعاً: تركَه. " اهـ
وفي اللسان : " .... وقولهم فلان في النزْعِ أَي في قَلْعِ الحياةِ. يقال: فلان يَنْزِعُ نَزْعاً إِذا كان في السِّياقِ عند الموْتِ، " اهـ
إذا فالنزع كما نفهم بداهة هو القلع , إذا فالله تعالى يقول : والنازعات غرقا , فما هو الغرق ؟ الغرق معروف , وهو كما يفهم مجاوزة الأمر للمدى , لذلك جاء في اللسان : أَغْرَقَ في الشيء: جاوز الحد وأَصله من نزع السهم. ..... وفي حديث عليّ: لقد أَغْرَقَ في النَّزْع أَي بالغ في الأَمر " اهـ
وهو كما جاء في المقاييس : " الغين والراء والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انتهاءٍ في شيء يبلغ أقصاه. من ذلك الغَرَق في الماء . والغَرِقة أرضٌ تكون في غاية الرِّيّ. واغْرَوْرَقت العينُ والأرض من ذلك أيضاً، كأنها قد غَرِقت في دمعها.ومن الباب: أغرَقْتُ في القَوس: [مدَدتُها] غايةَ المدّ. واغْتَرَق الفرسُ في الخيل، إذا خالَطَها ثم سَبَقَها. " اهـ
إذا فهناك في أول السورة نازعات مبالغات في النزع , فما هي هذه النازعات ؟ اختلف المفسرون في هذه النازعات بين النجوم والكواكب والملائكة والخيل الغازية ! والأكثرون على أنها الملائكة التي تنزع أرواح الكافرين ! فما هو المرجح في هذه الأقوال ؟
مما هو معلوم بداهة أنه لكي نحدد مفهوم لفظة في كتاب الله نحتار فيها فعلينا أن نرجع إلى كتاب الله تعالى لنر ما هو المراد منها ! فإذا نحن بحثنا عن النزع في كتاب الله تعالى وعن نازعات وجدناها تتأرجح بين الملائكة والريح ! وذلك كما جاء في قوله تعالى " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر : 47] , وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [القصص : 75] "
وكما في قوله تعالى : " إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ َنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ [القمر : 20] "
فهل من الممكن أن تكون الريح هي النازعات ؟ لا , لأن باقي الأوصاف الواردة في الآيات لا تنطبق عليها , فلا يبقى أمامنا إلا القول الآخر وهو أنها الملائكة ! وهذا ما يرجحه أيضا ما جاء في آخر سورة النبأ , حيث خُتمت السورة بقوله تعالى " إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40) "
فإذا ختمت سورة النبأ بالإنذار بعذاب يوم القيامة فمن المناسب أن تبدأ السورة التالية لها وهي النازعات بأول مواقفها وهي نزع الأنفس ! ولكن ليس الأمر مجرد ساعة قدوم الملائكة من أجل نزع الأنفس , بل الأمر أعم من ذلك , فهو – كما سيظهر للقارئ الكريم من خلال السورة كلها – نزع أنفس الكافرين ونزع الكافرين أنفسهم من الحياة عند نزول العذاب , إذا فنحن نرى أن النازعات غرقا هي الملائكة المنزلات للعذاب النازعات للكافرين أنفسا وأجسادا من هذه الدنيا , لذلك نجد الوصف الرحماني لهذا المشهد وصفا يثير الفزع والخوف " والنازعات غرقا " فليس في الأمر تهاون أو شفقة , بل هو اجتثاث من الجذور ! فلقد أنذرناكم في النبأ وأتأكم تباشير العذاب في النازعات ! إذا فالسورة تبدأ بمشهد تحاول كل نفس أن تبعد عنه قدر الإمكان وهو مشهد الملائكة النازعات للأنفس المنزلات للعذاب المؤذنات بالموت والتي تنزع الأنفس تمام النزع فلا تبقي منها شيئا ! والسادة المفسرون على أن النازعات غرقا هي الملائكة التي تنزع أرواح الكافرين فتبالغ في نزعهها وأن الناشطات نشطا هي التي تنزع أرواح المؤمنين فتنزعها نزعا هينا لينا , ولكنا نرى رأيا آخر في المسألة , فالسورة كلها تصور وتقدم مشهدا واحدا وهو مشهد إنزال العذاب بالكافرين وقبضهم لذا فليس للمؤمنين أي علاقة بقولهم والناشطات نشطا ! إذا فالنازعات غرقا هي الملائكة التي تنزع الأنفس التي يحيق بها العذاب بجميع أنواعها صالحها وطالحها – لأنه قد يكون في القرية التي ينزل بها العذاب أناس صالحون ولكن عند نزول العذاب يعم – وبعد ذلك يستكمل الرب القدير توصيف هذا المشهد فيقول : " والناشطات نشطا " ويأتي هذا الأمر أيضا كوصف للملائكة ولكن هذه الملائكة غير الملائكة التي تنزع فلهذه دور ولتلك دور آخر , فالملائكة تنشط نشطا في مثل هذا الموقف فتتحرك تحركا لا يدري به أحد ولكنه نشط يوافق لطبيعة الملائكة من أجل تنفيذ مهمتها . ونذّكر القارئ الكريم أن النشط والنشاط والناشط هو معروف للقارئ الكريم فهو كما جاء في المقاييس : " نشط : النون والشين والطاء: أصلٌ صحيح يدلُّ على اهتزازٍ وحركة. منه النّشاط معروفٌ وهو لما فيه من الحركة والاهتزاز والتَّفتُّح. يقال نَشِطَ ينشَط . وأنْشَطَ القومُ: كانت دوابُّهُم نَشِيطة. ......... ونَشَطْتُ الشَّيءَ: قشرتُه ، كأنَّهُ لما قُشِرَ أُخرِجَ من جِلده . والأُنْشُوطة: العُقدة مثل عُقدة السَّراويل ونَشَطْتُه بأُنشوطة. وأنْشَطتُ العِقال: مَدَدْت أُنشوطتَه فانحلَّت . وقال قوم: الإنشاط : الحَلُّ، والتَّنشيط : العَقْد. " اهـ
يتبع ..................