عمرو الشاعر
New member
- إنضم
- 24/05/2006
- المشاركات
- 128
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
- الإقامة
- مصر
- الموقع الالكتروني
- www.amrallah.com
بسم الله الرحمن الرحيم
نواصل اليوم الحديث عن سور الأقسام المتعددات وهي خمس سور في القرآن وهي سورة العاديات والنازعات والمرسلات والذاريات والصافات, ونتناول اليوم بإذن الله تعالى سورة المرسلات ! وهذه السورة مثل إخواتها من السور سببت للسادة المفسرين الكثير من المشقة والعنت في تحديد معانيها والربط بين أجزائها , وهذه السورة وإن كانت أقل صعوبة في المجمل من العاديات والنازعات لذلك نجحوا بنسبة كبيرة في تحديد معاني مفرداتها إلا أنهم كالعادة لم ينجحوا في إظهار الوحدة الموضوعية للسورة والرابط الذي يربط آيات السورة من أولها إلى آخرها , لذا نبدأ متوكلين على الله اللطيف الخبير لنوضح للقارئ الكريم كيف أن هذه السورة بالذات تختلف في الأسلوب وفي المبنى عن باقي أخواتها من السور وكيف أنها أتت بأسلوب بلاغي متقدم لم يسبق محمد إليه , فمحمد هو أول من أتى في البشرية بنص أدبي مثل هذا الموجود في سورة المرسلات , وإن كان بعض الكتاب الغربيين قد بدأوا ينتهجوا أسلوبا قريبا من هذا الأسلوب في كتاباتهم , إلا أنه أسلوب حديث الظهور وأول من أتى به هو الرسول , لذا هلم معي عزيزي القارئ نتدبر قليلا في هذه السورة العظيمة .
سورة المرسلات سورة مكية المبنى والمحتوى , فكما يرى القارئ فهي من السور ذوات الآيات القصار المتواليات التي تحتوي كما من المعاني والإشارات تجعل السامع والقارئ يلهث من تتابعها ويقشعر بدنه من شدتها , وهذه السورة في رأي هي من أشد سور القرآن , فلقد احتوت أسلوبا أقل ما يوصف به بأنه رهيب مخيف يقدم إنذارا شديد اللهجة للمكذبين باليوم الآخر يزلزل به أسسهم ويقضي على آمالهم كما أنه يسخر منهم ويرشدهم إلى مآلهم في الآخرة .
المنظور العام للسورة :
الناظر في السورة يجد أنها كلها تدور في فلك آية واحدة وهي قوله تعالى " إنما توعدون لواقع " فقبلها مقسمات بها على هذه الآية وبعدها عرض لبعض مظاهر هذه الآية وبعده استدلالات منطقية على إثبات وقوع هذه الآية وبعده إرشاد لحال الناس عند وقوعها وبعده عرض لسبب وقوع ما وقع بمن وقع به ! والناظر في مدلولات السورة يجد أنها كلها كذلك تدور في فلك الآية الأولى , فهي تبدأ بالمرسلات عرفا وسيرى القارئ الكريم كيف أن السورة كلها تدور في فلك المرسلات وفي فلك العرف !
تقسيم السورة :
تعد هذه السورة من أكثر سور القرآن تداخلا ولكن من الممكن أن نقدم للقارئ الكريم تقسيما مباشرا لها ولكن قبل ذلك نعرض له بعض ما لاحظناه في الجانب الرقمي لآيات هذه السورة :
السورة مكونة من خمسين آية , آيات القسم فيها خمس آيات
آية " ويل يومئذ للمكذبين " مكررة عشر مرات ( 5× 10= 50)
أول آية ذكر فيها " ويل يومئذ للمكذبين " هي الآية الخامسة عشر ( 5+ 10= 15 )
الآية الخامسة هي قوله تعالى " فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً " والآية الخمسون هي قوله تعالى " فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ "
الآية الخامسة والسادسة هي قوله تعالى "فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً " والآية الخامسة والثلاثون والسادسة والثلاثون هما قوله تعالى " هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ "
وبخلاف غيرها من السور لن نقوم بعرض عرض تقسيم هذه السورة قبل البدء فيها لأنه قد يؤدي إلى إساءة الفهم أو القول أننا نعدل على ترتيب السورة ولكن سيرى القارئ من خلال عرضنا للسورة كيف أن النص القرآني كان يطرح ويجيب ويعلق ويدلل في تداخل بديع لا يعطل المعنى أو يقطعه , فقد يأتي الطرح في آية والتعليق أو الرد في مكان آخر في داخل السورة , وهذا مما تفرد به النص القرآني ولم يظهر في أي كتابة أدبية في تلك الأزمنة الغابرة . ونكتفي هنا بعرض تقسيمة بسيطة واضحة جلية في السورة وهي أن الله تعالى أقسم بخمس أشياء " وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِرَاتِنَشْراً (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً (5( " على مقسم واحد عليه , ثم ذكر أربعة مظاهر من مظاهر هذا المقسم عليه "فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَاالْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ (11( " ثم دلل على هذا المقسم عليه بثلاثة أدلة يرد بها على المكذبين " ألم نهلك الأولين , ألم نخلقكم من ماء مهين , ألم نجعل الأرض كفاتا " ثم أجاب على هذه المظاهر بإثنين من الأوامر للمكذبين " انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30( " ثم أتبعها بأمر واحد للمتقين " كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "ثم أمر مماثل كذلك للمكذبين " كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ " , فسبحان من أتى بمثل هذا التقسيم .
ونبدأ مع السورة متوكلين على الله , بسم الله الرحمن الرحيم :
تبدأ السورة بخمس من الأقسام , بدأ اثنان منها بالواو وثلاث بالفاء , ولقد اختلف المفسرون في المراد من هذه الأقسام فقال بعضهم أنها كلها في الملائكة وقال آخرون أنها كلها في الرياح وقال آخرون أنها كلها في القرآن وقال آخرون أن بعضها في الرسل , وقال آخرون أن المراد من الثلاثة الأوائل هي الرياح والإثنان الأخريان هما الملائكة ! وهذه الأقوال كلها مرجوحة – كما سنبرهن للقارئ بإذن الله تعالى – فعندما نظرت في الآيات ظهر لي فيها فهم آخر والحق يقال أني وجدته لبعض المعاصرين فلست أول من أتى به ولكن يشهد الله أنه من نظري في القرآن , فحاولت أن أتأكد إذا كان أحد من السابقين قد قال بهذا القول , فوجدت الإمام الفخر الرازي يذكره في تفسيره احتمالا ! فيقول :
" القولالثاني : أن الاثنين الأولين هما الرياح ، فقوله : { والمرسلات عُرْفاً * فالعاصفات عَصْفاً } هما الرياح ، والثلاثة الباقية الملائكة ، لأنها تنشر الوحي والدين ، ثم لذلك الوحي أثران أحدهما : حصول الفرق بين المحق والمبطل والثاني : ظهور ذكر الله في القلوب والألسنة ، وهذا القول ما رأيته لأحد ، ولكنه ظاهر الاحتمال أيضاً ، والذي يؤكده أنه قال : { والمرسلات عُرْفاً ، فالعاصفات عَصْفاً } عطف الثاني على الأول بحرف الفاء ، ثم ذكر الواو فقال : { والناشرات نَشْراً } وعطف الاثنين الباقيين عليه بحرف الفاء ، وهذا يقتضي أن يكون الأولان ممتازين عن الثلاثة الأخيرة " اهـ
ونبدأ الآن في تناول الآيات لنثبت للقارئ أن الرأي الذي ما رأه الإمام الرازي لأحد هو الراجح بإذن الله تعالى :
تبدأ السورة بقوله تعالى " والمرسلات عرفا " , الملاحظ أن هذه السورة هي الوحيدة من بين سور الأقسام الأربعة " الذاريات , المرسلات , النازعات , العاديات " والتي بدأت باسم مفعول , أما باقي السور فبدأت باسم فاعل ! فالمرسلات اسم مفعول من أرسل وهي جمع مرسلة . إذا فالله تعالى يقسم بمرسلات عرفا , فما هو العرف ؟
العرف معروف بالنسبة للقارئ , فإذا أطلقت الكلمة هكذا يقفز إلى ذهنه معنيان وهما بالفعل أصل هذه اللفظة , فإذا نحن نظرنا في المقاييس وجدناه يقول :
" العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة. فالأوّل العُرْف: عُرْف الفَرَس.
وسمِّي بذلك لتتابُع الشَّعر عليه. ويقال: جاءَت القَطا عُرْفاً عُرْفاً، أي بعضُها خَلْفَ بعض. ........ والأصل الآخر المعَرِفة والعِرفان. تقول: عَرَف فلانٌ فلاناً عِرفاناً ومَعرِفة. وهذا أمر معروف.
وهذا يدلُّ على ما قلناه من سُكونه إليه، لأنَّ مَن أنكر شيئاً توحَّشَ منه ونَبَا عنْه. ومن الباب العَرْف ، وهي الرَّائحة الطيِّبة. وهي القياس، لأنَّ النَّفس تسكُن إليها. يقال: ماأطيَبَ عَرْفَه. قال الله سبحانه وتعالى: وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد 6]، أي طيَّبَها. قال:
إِلا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ ولَيْلَةٍ بواضحةِ الخدّين طيِّبة العَرْفِوالعُرْف:المعروف، وسمِّي بذلك لأنَّ النفوس تسكُن إليه. " اهـ
يتبع ...............
نواصل اليوم الحديث عن سور الأقسام المتعددات وهي خمس سور في القرآن وهي سورة العاديات والنازعات والمرسلات والذاريات والصافات, ونتناول اليوم بإذن الله تعالى سورة المرسلات ! وهذه السورة مثل إخواتها من السور سببت للسادة المفسرين الكثير من المشقة والعنت في تحديد معانيها والربط بين أجزائها , وهذه السورة وإن كانت أقل صعوبة في المجمل من العاديات والنازعات لذلك نجحوا بنسبة كبيرة في تحديد معاني مفرداتها إلا أنهم كالعادة لم ينجحوا في إظهار الوحدة الموضوعية للسورة والرابط الذي يربط آيات السورة من أولها إلى آخرها , لذا نبدأ متوكلين على الله اللطيف الخبير لنوضح للقارئ الكريم كيف أن هذه السورة بالذات تختلف في الأسلوب وفي المبنى عن باقي أخواتها من السور وكيف أنها أتت بأسلوب بلاغي متقدم لم يسبق محمد إليه , فمحمد هو أول من أتى في البشرية بنص أدبي مثل هذا الموجود في سورة المرسلات , وإن كان بعض الكتاب الغربيين قد بدأوا ينتهجوا أسلوبا قريبا من هذا الأسلوب في كتاباتهم , إلا أنه أسلوب حديث الظهور وأول من أتى به هو الرسول , لذا هلم معي عزيزي القارئ نتدبر قليلا في هذه السورة العظيمة .
سورة المرسلات سورة مكية المبنى والمحتوى , فكما يرى القارئ فهي من السور ذوات الآيات القصار المتواليات التي تحتوي كما من المعاني والإشارات تجعل السامع والقارئ يلهث من تتابعها ويقشعر بدنه من شدتها , وهذه السورة في رأي هي من أشد سور القرآن , فلقد احتوت أسلوبا أقل ما يوصف به بأنه رهيب مخيف يقدم إنذارا شديد اللهجة للمكذبين باليوم الآخر يزلزل به أسسهم ويقضي على آمالهم كما أنه يسخر منهم ويرشدهم إلى مآلهم في الآخرة .
المنظور العام للسورة :
الناظر في السورة يجد أنها كلها تدور في فلك آية واحدة وهي قوله تعالى " إنما توعدون لواقع " فقبلها مقسمات بها على هذه الآية وبعدها عرض لبعض مظاهر هذه الآية وبعده استدلالات منطقية على إثبات وقوع هذه الآية وبعده إرشاد لحال الناس عند وقوعها وبعده عرض لسبب وقوع ما وقع بمن وقع به ! والناظر في مدلولات السورة يجد أنها كلها كذلك تدور في فلك الآية الأولى , فهي تبدأ بالمرسلات عرفا وسيرى القارئ الكريم كيف أن السورة كلها تدور في فلك المرسلات وفي فلك العرف !
تقسيم السورة :
تعد هذه السورة من أكثر سور القرآن تداخلا ولكن من الممكن أن نقدم للقارئ الكريم تقسيما مباشرا لها ولكن قبل ذلك نعرض له بعض ما لاحظناه في الجانب الرقمي لآيات هذه السورة :
السورة مكونة من خمسين آية , آيات القسم فيها خمس آيات
آية " ويل يومئذ للمكذبين " مكررة عشر مرات ( 5× 10= 50)
أول آية ذكر فيها " ويل يومئذ للمكذبين " هي الآية الخامسة عشر ( 5+ 10= 15 )
الآية الخامسة هي قوله تعالى " فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً " والآية الخمسون هي قوله تعالى " فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ "
الآية الخامسة والسادسة هي قوله تعالى "فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً " والآية الخامسة والثلاثون والسادسة والثلاثون هما قوله تعالى " هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ "
وبخلاف غيرها من السور لن نقوم بعرض عرض تقسيم هذه السورة قبل البدء فيها لأنه قد يؤدي إلى إساءة الفهم أو القول أننا نعدل على ترتيب السورة ولكن سيرى القارئ من خلال عرضنا للسورة كيف أن النص القرآني كان يطرح ويجيب ويعلق ويدلل في تداخل بديع لا يعطل المعنى أو يقطعه , فقد يأتي الطرح في آية والتعليق أو الرد في مكان آخر في داخل السورة , وهذا مما تفرد به النص القرآني ولم يظهر في أي كتابة أدبية في تلك الأزمنة الغابرة . ونكتفي هنا بعرض تقسيمة بسيطة واضحة جلية في السورة وهي أن الله تعالى أقسم بخمس أشياء " وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِرَاتِنَشْراً (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً (5( " على مقسم واحد عليه , ثم ذكر أربعة مظاهر من مظاهر هذا المقسم عليه "فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَاالْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ (11( " ثم دلل على هذا المقسم عليه بثلاثة أدلة يرد بها على المكذبين " ألم نهلك الأولين , ألم نخلقكم من ماء مهين , ألم نجعل الأرض كفاتا " ثم أجاب على هذه المظاهر بإثنين من الأوامر للمكذبين " انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30( " ثم أتبعها بأمر واحد للمتقين " كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "ثم أمر مماثل كذلك للمكذبين " كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ " , فسبحان من أتى بمثل هذا التقسيم .
ونبدأ مع السورة متوكلين على الله , بسم الله الرحمن الرحيم :
تبدأ السورة بخمس من الأقسام , بدأ اثنان منها بالواو وثلاث بالفاء , ولقد اختلف المفسرون في المراد من هذه الأقسام فقال بعضهم أنها كلها في الملائكة وقال آخرون أنها كلها في الرياح وقال آخرون أنها كلها في القرآن وقال آخرون أن بعضها في الرسل , وقال آخرون أن المراد من الثلاثة الأوائل هي الرياح والإثنان الأخريان هما الملائكة ! وهذه الأقوال كلها مرجوحة – كما سنبرهن للقارئ بإذن الله تعالى – فعندما نظرت في الآيات ظهر لي فيها فهم آخر والحق يقال أني وجدته لبعض المعاصرين فلست أول من أتى به ولكن يشهد الله أنه من نظري في القرآن , فحاولت أن أتأكد إذا كان أحد من السابقين قد قال بهذا القول , فوجدت الإمام الفخر الرازي يذكره في تفسيره احتمالا ! فيقول :
" القولالثاني : أن الاثنين الأولين هما الرياح ، فقوله : { والمرسلات عُرْفاً * فالعاصفات عَصْفاً } هما الرياح ، والثلاثة الباقية الملائكة ، لأنها تنشر الوحي والدين ، ثم لذلك الوحي أثران أحدهما : حصول الفرق بين المحق والمبطل والثاني : ظهور ذكر الله في القلوب والألسنة ، وهذا القول ما رأيته لأحد ، ولكنه ظاهر الاحتمال أيضاً ، والذي يؤكده أنه قال : { والمرسلات عُرْفاً ، فالعاصفات عَصْفاً } عطف الثاني على الأول بحرف الفاء ، ثم ذكر الواو فقال : { والناشرات نَشْراً } وعطف الاثنين الباقيين عليه بحرف الفاء ، وهذا يقتضي أن يكون الأولان ممتازين عن الثلاثة الأخيرة " اهـ
ونبدأ الآن في تناول الآيات لنثبت للقارئ أن الرأي الذي ما رأه الإمام الرازي لأحد هو الراجح بإذن الله تعالى :
تبدأ السورة بقوله تعالى " والمرسلات عرفا " , الملاحظ أن هذه السورة هي الوحيدة من بين سور الأقسام الأربعة " الذاريات , المرسلات , النازعات , العاديات " والتي بدأت باسم مفعول , أما باقي السور فبدأت باسم فاعل ! فالمرسلات اسم مفعول من أرسل وهي جمع مرسلة . إذا فالله تعالى يقسم بمرسلات عرفا , فما هو العرف ؟
العرف معروف بالنسبة للقارئ , فإذا أطلقت الكلمة هكذا يقفز إلى ذهنه معنيان وهما بالفعل أصل هذه اللفظة , فإذا نحن نظرنا في المقاييس وجدناه يقول :
" العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة. فالأوّل العُرْف: عُرْف الفَرَس.
وسمِّي بذلك لتتابُع الشَّعر عليه. ويقال: جاءَت القَطا عُرْفاً عُرْفاً، أي بعضُها خَلْفَ بعض. ........ والأصل الآخر المعَرِفة والعِرفان. تقول: عَرَف فلانٌ فلاناً عِرفاناً ومَعرِفة. وهذا أمر معروف.
وهذا يدلُّ على ما قلناه من سُكونه إليه، لأنَّ مَن أنكر شيئاً توحَّشَ منه ونَبَا عنْه. ومن الباب العَرْف ، وهي الرَّائحة الطيِّبة. وهي القياس، لأنَّ النَّفس تسكُن إليها. يقال: ماأطيَبَ عَرْفَه. قال الله سبحانه وتعالى: وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد 6]، أي طيَّبَها. قال:
إِلا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ ولَيْلَةٍ بواضحةِ الخدّين طيِّبة العَرْفِوالعُرْف:المعروف، وسمِّي بذلك لأنَّ النفوس تسكُن إليه. " اهـ
يتبع ...............