عبدالله عبدالعزيز السليمان
New member
- إنضم
- 27/06/2011
- المشاركات
- 1
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
السلام عليكم ورحمة الله . عندما أقرأ في كتب التفسير أو أسمع بعض المفسرين , أقول في نفسي لو أن تلك العبارة هنا ولو أن ذلك المعنى هنا ولو أن تلك اللطيفة هنا لاكتمل العِقد , وقد أحببت أن أقوم بهذا العمل ابتداء من سورة الناس ووصلت فيه الى سورة القارعة . وأقدم لكم هنا سورة التكاثر-لأنني نسختها والبقية مسودات - راجيا قراءتها وابداء الملحوظات لأستفيد منها . شاكرا ومقدرا ...
سورة التكاثر
نزلت بمكة
سبب نزولها : قيل : نزلت في حيينِ من قريش , وقيل : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار وهما بنو حارثة وبنو الحرث , تفاخروا وتكاثروا , فكان كل منهما يقول للأخر : نحن أكثر سيِّدا , وأعز عزيزا , وأعظم نفرا , وأكثر قائدا , تفاخروا بالأحياء , ثم انطلقوا إلى القبور فتفاخروا بالأموات , وأخذوا يشيرون إلى قبورهم . فانزل الله ( أَلْهَـكُمُ التَّكَّاثُرُ ).
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
{أَلْهَـكُمُ التَّكَّاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْـَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.
{ أَلْهَـكُمُ التَّكَّاثُرُ } اللهو للقلب , واللعب للجوارح . والتَّكاثر : تفاعل , يقال : " تكاثر القوم " أي : كاثَرَ بعضُهم بعضاً . والمعنى : شغل قلوبَكم التكاثر حتى لهوتم عن الآخرة . وقوله (أَلْهَـكُمُ التَّكَّاثُرُ) خبر يُراد به الوعظُ والتنبيه والتوبيخ .
ويُلحظ هنا أنَّ الله تعالى لم يذكر المتكاثَر به , فلم يقُلْ : ألهاكم التكاثر بكذا أو بكذا ؛ وذلك لسببين :
الأول : أنَّ المذمومَ هو التَّكاثرُ نفسُه , لا المتكاثر به . كما تقول لأخيك أو ابنك : شغلك اللهو واللعب . فالذَّم هنا مُنْصَبٌّ على التشاغل باللهو واللعب أيَّاً كان نوعُ ما يُلهى أو يلعبُ به .
الثاني : أنَّه أطلقَ – أي لم يذكر المتكاثرَ به – ليكونَ أبلغَ , فيشمل كلَّ ما يَتَكاثرُ به المتكاثرون , ويفتخرُ به المفتخرون , من التكاثر بالأموال ، والأولاد , والخدم , والعشيرة , والأنساب , والتكاثربالقبيلة ، والتكاثر بالجاه والرئاسة . والمعنى : شغلكم - أيُّها الناسُ- التكاثرُ والتفاخر بسائر الملاذِّ عن ما هو أهمُّ وأولى , من ذكر اللهتعالىوعبادته والقيام بطاعته .
و التكاثرُ نوعان :تكاثر بالقول , وتكاثر بالعمل :
فالتكاثرُ بالقول : هو التَّكاثر بشيء موجود, ولا يكون إلا بين اثنين , فهو مفاعلة , كقول صاحب الجنة مكاثراً صاحبه : {أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً} [الكهف: 34]. فإنه كاثرَ صاحبه بشيء يملكه ويحوزه , أو بين طائفتين , كأن تقول إحداهما : نحن أكثر منكم في كذا , وتقول الأخرى : نحن أكثر منكم في كذا وكذا .
والتكاثر بالعمل : هو التكاثر بشيء مطلوب , ويكون بتكلُّف الفعل , كما تقول : تغافلت عن كذا , إذا تكلَّفت الغفلة عنه .ومعناه : أنْ يصرف الإنسانُ جهده وعمره في طلب كلِّ الأسباب التي يكون بها أكثر من غيره مالاً , وأوسع تجارة ، ونحو ذلك . وهذا التكاثر بنوعيه صفة في غالب بني آدم .
وهذا التكاثر – وهو الذي يشغل صاحبَه عن الطاعات ويَغْمسه في الملذات , فيموت قبل أن يفيق - هو التكاثر المذموم , وهو المقصود في الآية ؛ وعلى ذلك تكون " أل " في قوله " التكاثر" للعهد الذهني - لا لاستغراق الجنس كله , أي : لا لمطلق التكاثر – و " أل " العهدية الذهنية : هي التي ترجع إلى المعهود في الذهن , وهو التكاثر الملهي عن الآخرة , بدليل قوله : " ألهاكم " ؛ فإنه خاص بما يلهي عن ذكر الله وطاعته , والاستعداد للآخرة . فيكون التكاثر المذموم هو التكاثر الملهي .
أما التكاثر في الطاعات والعبادات والخيرات فليس من التكاثر المذموم , بل هو مطلوب ؛ لأنه طريق السعادة في الدارين , فإذا رأى غيره أكثرَ منه في خصلةٍ من خصال الخير لم يَهُنْ على نفسه تقاعُسه وتقصيره. بل أخذ يكاثره فيها , فإنْ عَجَز عن لحاقه فيها كاثَرَهُ بخصلة أخرى هو قادر على المكاثرة بها , وهذا من المنافسة على الطاعات , واستباق الخيرات . ولا يخفى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكاثر في الخيرات والتنافس على الطاعات , ولا أدلَّ على ذلك التنافس والتسابق من حال عمر بن الخطاب مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهما , حيث كان يحاول دوماً أن يسبقه يوماً , فلما تبيَّن له مدى سبقه له , وصعوبة اللحاق به قال : والله لا أسابقك إلى شيء أبداً . والأمثلة على تسابق الصحابـة - رضي اللّه عنهم - في الجهاد بالأنفس والأموال في سبيل اللّه كثيرة لا يحـصيها عاد ، ولا يستقصيها مستقصٍ . والنفس والمال هما خير ما يملك الإنسـان بعد تقوى اللّه عز وجـل ، وهما أكثر مـا يحرص عليه الناس في دنياهم .
ويُلحظ كذلك أنه قال : ( ألهاكم التكاثر ) ولم يقل : " الكثرة " لأن المذموم هو التكاثر , لا مجرد الكثرة , فلو حصلت الكثرة من غير تكاثر فلا ضير (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) , وقد كانت الكثرة حاصلة لجماعة من الصحابة كعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما , وغيرهم رضي الله عنهم . ولم يضرهم ذلك ؛ لأنهم قاموا بحقها ولم يكاثروا بها.
ولا بأس أنْ يُظهر المسلم نعمة الله عليه بالطاعات , أو حسن الأخلاق , أو المال ونحوها , خاصة إذا كان ذلك مدعاة أنْ يُقتدَى به في فعلها وشكرها . وكان من باب ( وأما بنعمة ربك فحدث ) فيشكر الله قولا كما يشكره عملا ، كأن يقول المسلم : إننا بخير والحمد لله ، وعندنا خير كثير ، وعندنا نعم كثيرة ، نشكر الله على ذلك. والله سبحانه وتعالى إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى أثرها عليه في ملابسه وفي مأكله وفي مشربه .
والخطاب بقوله : ( ألهاكم التكاثر ) خاصٌّ لمن ألهاهم التكاثر بالدنيا وملذاتها عن طاعة الله , والاستعداد للآخرة .
وقيل الخطاب عام لجميع الأمة ؛ لأنَّ من شغلتهم أمور الآخرة عن أمور الدنيا قليل جداً بالنسبة لغيرهم ، والدليل على قلتهم أنَّ واحداً من الألف من بني آدم من أهل الجنة والباقون من أهل النار ، كما جاء في الحديث الصحيح ؛ إذاً فالخطاب بالعموم في مثل هذه الآية من باب التغليب ؛ لأن الواحد من الألف ليس بشيء بالنسبة إليه .
وقوله: {حتى زرتم المقابر} الزيارة هنا زيارتان : الزيارة الأولى حصلت عندما انطلقوا إلى المقابر للتفاخر والتكاثر بموتاهم . والثانية تحصل بدفنهم فيها بعد موتهم . وقوله : {حتى زرتم المقابر} يشمل الزيارتين ؛ لأن الآية إذا كان لها معنيان صحيحان ولا منافاة بينهما و "المقابر " : جمع " مقبرة " بفتح الباء وضمها .
والمعنى : استمرَّتْ غفلتُكم ولهوتُكم بالتكاثر في أمور الدنيا , والتفاخر بالأحياء والأموات إلى أنْ جاءكم الموت فصرتم من أهل المقابر , فظهر لكم الحق , وتبيَّن لكم ما وُعِدتم ، وحينها يقول المتكاثر : ( ياليتني قدَّمت لحياتي ) وعملتُ فيه بطاعة الله قبل وفاتي ( ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) [المؤمنون 99 ], فيُقال له : (كلَّا إنَّها كلمة هو قائلها ) بلسانه ولو رُدَّ لعاد لما نُهي عنه ؛لأنَّ سجيَّته وطبيعته تأبى أنْ تعملَ الصالحات, وتجتنبَ الملهيات. وهذا أمر واقع ؛ فالإنسان مجبول على التكاثر إلى أنْ يموت، بل إنَّه كلَّما كبرتْ سِنُّه ازداد أملُه ، فتراه يشيبُ في السِّن ويشُبُّ في
الأمل، والواقع يصدِّق ذلك ؛ فإنَّك ترى الرجلَ ذا التسعين سنة عنده من الأمل ما ليس عند الشاب
ذي العشرين.
ويلحظ كذلك أنَّ الله تعالى قال : ( زرتم ) فسماهم : زائرين , ولم يسمهم : مقيمين . وفي التعبير بالزيارة دليل على البعث بعد الموت وان القبر ليس المقر الأخير ؛ لأن الزائر كما هو معروف يزور ويرجع . وبهذا يعلم خطأ من قال عن المتوفى : انتقل فلان إلى مثواه الأخير . لأن المثوى الأخير هو الجنة أو النار . فينبغي التَّنبُّهُ لذلك والتَّنبيهُ عليه .
و يُذكرُ أنَّ أعرابياً سمع قارئاً يقرأ: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} فقال :" والله ما الزائر بمقيم . والله لنُبعثنَّ ". والبعث حقُّ كما هو ثابت في الكتاب والسنة .
ثم توعَّد الله هؤلاءِ المتكاثرين بالدنيا, المتغافلين عن الآخرة فقال :
{كلَّا سوف تعلمون. } " كلا " : حرف ردع وزجر والمعنى : كفُّوا عما أنتم عليه من التكاثر، أي : ما ينبغي لكم أنْ تفعلوا ذلك . وقيل: إنَّها اسمٌ بمعنى حقًّا. أي : حقاً سوف تعلمون .
ويُلحظ في قوله :(كلا سوف تعلمون ) أنه حذف مفعول " تعلمون " فلم يقلْ : سوف تعلمون كذا. وسببُ حذفه : ظهوره ووضوحه ؛ لدلالة السياق عليه , والمعنى : سوف تعلمون – بعد موتكم – سوءَ عاقبة هذا التكاثر الذي ألهاكم عن طاعة الله والدار الآخرة , وستعلمون حينها أنَّ الآخرة التي تشاغلتم عنها خير وأبقى .كما جاء في الحديث فيما رواه مسلم في صحيحه " يقول ابن آدم: مالي مالي- يعني: ينسب المال إلى نفسه تارة ويفتخر به تارة أخرى- وليس لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبستَ فأبليت، أو تصدَّقتَ فأمضيت " أمَّا الباقي فإنَّك تاركُه لغيرك . ولا يمكن أنْ يخرج المال الذي بأيدينا عن هذه القسمة الرباعية. ، إمَّا أنْ نأكلَها فتفنى، وإمَّا أنْ نلبسها فتبلى، وإمَّا أنْ نتصدَّقَ بها فنُمضيها وتكونَ أمامنا يوم القيامة. وإمَّا أنْ نتركها لغيرنا.
{ثم كلا سوف تعلمون} في تكرار هذه الآية وجهان :
الوجه الأول : أنَّ معنى الآيتين واحد , وكُرِّرت تأكيداً للردع والزجر والإنذار, والمرادُ منه : التحذيرُ من هذا التكاثر , فهو وعيدٌ بَعْد وعيد . والعربُ إذا أرادت التغليظ والزيادة في التخويف والزجر والتهديد كَرَّرتْ الكلمة .
الوجه الثاني : أنَّ معناهما مختلف , لما روي عن علي رضي الله عنه من أنَّ العلمَ في الآية الأولى : في القبر , أي : تعلمون عاقبة هذا التكاثرِ في القبر . حين سؤال منكر ونكير : مَنْ ربَّك وما دينك ومن نبيُّك . والعلمُ في الآية الثانية : يوم القيامة أي : تعلمون عاقبة هذا التكاثر يوم القيامة . وقيل : العلم الأول : عند نزول الموت , أي عند الاحتضار . والعلم الثاني : في القبر . وعلى كِلا المعنيين لا تكرار في الآية ؛ لاختلاف معناهما .
وهذا الرأي أقوى وأرجح ؛ لأن جعلَ المعنيين مختلفين أولى من القول بمجيئها لمجرد التأكيد لسببين : أولاً : ليكونَ في كلٍّ منهما فائدةٌ جديدة , وهو ما يسمَّى بالتأسيس . وإذا دار الأمر بين التأسيس والتوكيد , وكان الكلام صالحاً لهما , فالقولُ بالتأسيس أولى ؛ لأنَّه دلَّ على زيادة معنى .
ثانياً : أنَّ هذا القول – اختلافَ زمن العِلْمين في الآيتين - مطابق للوقع ؛ فإن المحتضَر يعلم منزله , ثم إذا قُبر عَلِم علماً يقينيَّا فوق العلم الأول .
ثم قال: {كلَّا لو تعلمون علم اليقين} "كلا" بمعنى : حقًّا . وجواب "لو" محذوف للتَّهويل . والتقدير : لو أنَّكم تعلمون ما يكون أمامكم بعد الموت من البعث والحساب في الآخرة علمَ اليقين - وهو العلم الذي لا يخالطه شك , أي : علماً يصل إلى قلوبكم - لما ألهاكم التكاثر , ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة المنْجية ، ولكنَّكم لما افتقدتم علم اليقين وعشتم في غفلة ، وُجد منكم هذا التكاثر الذي ألهاكم وأشغلكم إلى أن مُتُّم , وهذا المعنى كقوله عليه الصلاة والسلام " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا ) تخريجه ...... ؛
وفائدة علم اليقين : لأنَّ مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عاقبته لا يكفي في تركه , لكنْ إذا صار العلم بقبح الشيء علم اليقين كان الداعي لتركه قوياً . فإذا صار علمه عين اليقين أي : يشاهده بعينه كان الداعي لتركه أشد وأقوى.
ثم قال تعالى: { لترون الجحيم } و قوله : " لترون " جملة قَسميَّة ، فيها قسم مقدر والتقدير: والله لترون الجحيم . فقد أقسم الله سبحانه وتعالى أنَّ عباده سيشاهدون الجحيم بأبصارهم . و " الجحيم " اسم من أسماء النار , مأخوذ من " الجحمة " وهي : شدة تأجج النار .
وقوله {لترون الجحيم} هذه الجملة مستقلة مستأنفة وليست جوابا لـ " لو " في الآية السابقة ؛ ولهذا يجب على القارئ أن يقف عند قوله: {كلا لو تعلمون علم اليقين} ولا يجوز الوصل لسببين :
الأول: لأنه يفسد المعنى ؛ وذلك أنه إذا وصل فقال [كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم] صارت رؤية الجحيم مشروطة بعلمهم ، فإنْ هم علموا علم اليقين رأوا الجحيم وإنْ لم يعلموا علم اليقين لم يروا الجحيم . والحاصل أنهم لم يعلموا علم اليقين , فوجب أن لا تحصل لهم تلك الروية وهذا المعنى ليس بصحيح ؛ فان هذه الرؤية واقعة قطعا .
الثاني: لأنها رأس آية، والمشروع أن يقف الإنسان عند رأس كل آية . فالوصل هنا غير جائز ولذا وجب التنبُّه لذلك , والتنبيهُ عليه .
ثم أكَّد سبحانه وتعالى هذه الرؤية , وأنها واقعة لا محالةَ , يقينا لا شك فيه , فقال :
[ ثم لترونها عين اليقين ] ومتى يرى الناس الجحيم عين اليقين؟ الجواب : يرونها يوم القيامة ؛ لأن الصراط الذي يمر الناس عليهيوضع على متن جهنم فتتحقق رؤية العين - وليس الخبر كالمعاينة - قال تعالى : ( وإن منكم إلا واردها ) فالمؤمن وارد والكافر خالد , وذلك بعد أن تُجر النار من مكانها إلى أرض المحشر كما ورد في الحديث : " يؤتى بها تُجر بسبعين ألف زمام ، كل زمام يجره سبعون ألف ملك ". ولو ضربنا سبعين ألفا بسبعين ألفا لكان مجموع الملائكة الذين يجرون النار إلى المحشر [4900000000 ] أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك . وهذا عدد هائل كما ترى , وإذا علمت أيضا أن الملائكةُ عظامٌ شدادٌ أقوياء . وأنهم مع قوتهم وكثرة عددهم يجرونها جراً ولا يحملونها حملا, فما ظنُّك بنارٍ تِلْك عدد أزمتها , وذاك عدد من يجرونها , وتلك صفتهم ؟ ـ لا شك أنها نار مهولة , كبيرة , عظيمة . أعاذنا الله وإياكم منها.
ويُلْحظ عند قراءة السورة أنه كرر " كلا " ثلاث مرات , وفي تكرارها مزيدُ زجر ووعيد تهديد ؛ حتى تتنبَّه لحالك , وتستيقظ من غفلتك , ولا يغرنَّك كثرة الغافلين حولك ؛ فإنك تموت وحدك , وتبعث وحدك , وتحاسب وحدك .
ويُلْحظ كذلك أنه قد تكرر في هذه السورة ذِكْر العلم , فذَكَر علم اليقين , ثم ذكر عين اليقين . وبقي ثالث لم يُذكر هنا وهو : حق اليقين . وهذه الثلاثة تسمى : مراتب العلم أو مراتب اليقين وإليك بيانها باختصار لكثرة ورودها في القرآن:
اليقين ثلاثُ مراتب :
المرتبة الأولى : علم اليقين , وهي أدنى مراتب اليقين , وهي العلم الذي يحصل للقلب , بواسطة الدلائل والقرائن والبراهين :كأن ترى دخانا فتعلمَ علمَ اليقين أنَّ هناك ناراً .
المرتبة الثانية : عين اليقين , وهي المرتبة الوسطى , وهي العلم الذي يحصل للقلب بواسطة الرؤية والمشاهدة بالعين , كأنْ تقترب من تلك النار التي كان يلوح لك دخانها فتراها بعينك , وحينها يكون انتقل علمُك من علم اليقين إلى عين اليقين . ومنه قوله تعالى في هذه السورة (ثُّمَ لَتَرَوُنَهَا عَينَ اليَقِين) واعلم أن بين هذه المرتبة والتي قبلها فرق ما بين العلم والمشاهدة , فعلم اليقين للسمع . وعين اليقين للبصر .
المرتبة الثالثة : حق اليقين وهي أعلى درجات اليقين, وهي العلم الذي يصل إلى القلب بواسطة ملابسة الشيء ومخالطته , أي : مباشرة الشيء , وملامسته , والدخول فيه , والإحساس به , كأنْ تقترب من تلك النار حتى تجد حرَّها في جسدك . ومنه قوله تعالى - في سورة الحاقة الآية 51 - عن القرآن الكريم : ( وَإنَّه ُ لَحَقُّ اليَقِين ) ؛ لأن القلب يباشر الإيمان به ويخالطه - كما يباشِر بالحواس ما يتعلق بها - فحينئذٍ يُخالط بشاشتَه القلوب , فتصلُ مرتبةُ اليقين به إلى أقوى مراتب اليقين , وهي : حق اليقين , وهي أعلى مراتب الإيمان .
وهناك أمثلة توضح هذه المراتب : فإذا قال لك من تجزم بصدقه : " عندي عسل " فصدقته كان ذلك علم يقين , فإذا أحضره بين يديك , ورأيته بعينيك , صار ذلك عين اليقين , فإذا ذقته بلسانك صار ذلك حق اليقين .
ولو قال لك من تثق به : عندي فاكهة شكلها شكل البطيخ . ولونها لون البرتقال . وطعمها طعم التفاح , فإنَّ علمك بهذه الفاكهة - على هذه الصفة - هو علم اليقين , وعندما يريك إياها حاضرة أمامك فقد انتقل بك من علم اليقين إلى عين اليقين , فإذا قطَّع منها قطعا فأكلت منها فقد انتقل بك من عين اليقين إلى حق اليقين , وهو أعلى درجات العلم بالشيء .
وكذلك من سمع بالكعبة سماعا مؤكداً فقد علم بها علم اليقين , فإنْ جاء مكة وأبصرها بعينه فذلك عين اليقين , فإن طاف بها أو دخل في جوفها فذلك حق اليقين . وبهذا تعرف لم قال في هذه السورة "كلا لو تعلمون علم اليقين" ولم قال "ثم لترونها عين اليقين" وذلك أنَّ علمنا - بخبر أصدق القائلين - بوجود النار في الآخرة هو علم اليقين , ومشاهدتها في القبر أو يوم القيامة هو عين اليقين . أما من دخلها - والعياذ بالله - صار علمها بالنسبة له حق اليقين .
{ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} " لتسألنَّ "هذه الجملة أكدت بثلاثة مؤكدات : القسم , ولام التأكيد , والنون الثقيلة . و " النعيم " من النعومة والليونة ضد الخشونة واليبوسة , والمعنى : ليسألنكم الله – وهو أعلم بالجواب منكم - في ذلك الموقف العظيم وهو يوم القيامة عن كل نعمة أنعمها عليكم : هل أديتم حق الله فيها فشكرتموه عليها , واستعملتموها في طاعته , ولم تستعينوا بها على معصيته ؟
ونعم الله على عباده كثيرة : كالأمن , والصحة , والعافية , والفراغ , ولذة النوم , والإدراك بالحواس كالسمع والبصر , وما يَطْعمه الإنسان , وما يشربه , وقد جاء في ( ...تخريج ) الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) وغيرها من الآلاء الكثيرة التي يستحيل حصرها. ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ). وأصل النعم كلِّها وأهمُّها هي نعمة الإسلام. فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين .
واختلف العلماء رحمهم الله في قوله: {لتسألن يومئذ عن النعيم} من الذي سيسأل ؟ الكافر ؟ ، أم كل من المؤمن والكافر ؟
والصواب: أن المراد : المؤمن والكافر , فكل منهما يسأل عن النعيم ، والدليل على ذلك : الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم والترمذي في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر، عندما أخرجهم الجوع , ثم انطلقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتوا رجلاً من الأنصار يقال له أبا الهيثم كثير النخل والشاء ، وعندما رآهم قال: الحمد لله ، ما أحدُ اليوم أكرم أضيافاً مني ، ثم انطلق بهم إلى حديقته , وبسط لهم بساطه , ثم انطلق إلى نخلة فجاءهم بعذق فيه بُسر وتمر ورُطب ، فقال: كلوا من هذه ، وأخذ المدية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إياك والحلوب " فذبح لهم ، فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العذق، وشربوا ، فلما أنْ شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر : والذي نفسي بيده لتُسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم . وفي رواية أخرى أنه قال : " هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد، ورُطب طيب، وماء بارد . فهذا الحديث الصحيح صريح في تعميم الخطاب في قوله " لتسألن " وأن السؤال عن النعيم غير مختص بالكفار , ويروى أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر ، ثم قال : يا رسول الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال نعم إلا من ثلاثة : خرقةُ لفِّ بها الرجل عورته , أو كسرة سد بها جوعته , أو جحر يدخل فيه من الحر والقَر " .
فهذه الأمور الثلاثة لا يسأل عنها المرء يوم القيامة , ولا يحاسب عليها ؛ لأنه لابد منها . وإنما يسأل عن النعيم . ففي هذه القصة دليل على أن المؤمنين داخلون في السؤال عن النعيم يوم القيامة.
وأخرج أحمد , والترمذي وحسنه ,وابن ماجة عن الزبير بن العوام قال : لما نزلت ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قالوا يا رسول الله : وأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء ؟ قال : "إن ذلك سيكون " . والواقع يشهد بعدم اختصاصه بالكافر , فإنَّ الإلهاء بالتكاثر واقع من المسلمين , بل إن أكثر المسلمين قد ألهاه التكاثر وشغلهم عن الآخرة .
ولكن السؤال يختلف ، فسؤال الله للمؤمن المطيع الشاكر سؤال تقرير وتشريف, وتذكير بنعمة الله - عز وجل - عليه حتى يفرح ، ويعلم أنَّ الذي أنعم عليه في الدنيا ينعم عليه في الآخرة ، وسؤاله للمؤمن العاصي سؤال توبيخ وتأفيف . وسؤال الله للكافر سؤال توبيخ وتنديم وحساب وتقريع ؛ لأنه قابل النعيم بالكفر والمعصية . نسأل الله أن يجعلنا من عباده الشاكرين .
والنعيم المسؤول عنه نوعان :
النوع الأول : نعيم أُخِذ من حلِّه وصُرف في حقِّه فهذا يُسأل عن شكره .
النوع الثاني : نعيم أُخِذ بغير حلِّه وصُرف في غير حقِّه فيسال عن مُستخرجه ومَصرفه , أي من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
تم بحمد الله تفسير سورة التكاثر
أسأل الله العظيم أنْ ينفع به في الدنيا وأنْ ينفعني به في الآخرة
سورة التكاثر
نزلت بمكة
سبب نزولها : قيل : نزلت في حيينِ من قريش , وقيل : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار وهما بنو حارثة وبنو الحرث , تفاخروا وتكاثروا , فكان كل منهما يقول للأخر : نحن أكثر سيِّدا , وأعز عزيزا , وأعظم نفرا , وأكثر قائدا , تفاخروا بالأحياء , ثم انطلقوا إلى القبور فتفاخروا بالأموات , وأخذوا يشيرون إلى قبورهم . فانزل الله ( أَلْهَـكُمُ التَّكَّاثُرُ ).
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
{أَلْهَـكُمُ التَّكَّاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْـَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.
{ أَلْهَـكُمُ التَّكَّاثُرُ } اللهو للقلب , واللعب للجوارح . والتَّكاثر : تفاعل , يقال : " تكاثر القوم " أي : كاثَرَ بعضُهم بعضاً . والمعنى : شغل قلوبَكم التكاثر حتى لهوتم عن الآخرة . وقوله (أَلْهَـكُمُ التَّكَّاثُرُ) خبر يُراد به الوعظُ والتنبيه والتوبيخ .
ويُلحظ هنا أنَّ الله تعالى لم يذكر المتكاثَر به , فلم يقُلْ : ألهاكم التكاثر بكذا أو بكذا ؛ وذلك لسببين :
الأول : أنَّ المذمومَ هو التَّكاثرُ نفسُه , لا المتكاثر به . كما تقول لأخيك أو ابنك : شغلك اللهو واللعب . فالذَّم هنا مُنْصَبٌّ على التشاغل باللهو واللعب أيَّاً كان نوعُ ما يُلهى أو يلعبُ به .
الثاني : أنَّه أطلقَ – أي لم يذكر المتكاثرَ به – ليكونَ أبلغَ , فيشمل كلَّ ما يَتَكاثرُ به المتكاثرون , ويفتخرُ به المفتخرون , من التكاثر بالأموال ، والأولاد , والخدم , والعشيرة , والأنساب , والتكاثربالقبيلة ، والتكاثر بالجاه والرئاسة . والمعنى : شغلكم - أيُّها الناسُ- التكاثرُ والتفاخر بسائر الملاذِّ عن ما هو أهمُّ وأولى , من ذكر اللهتعالىوعبادته والقيام بطاعته .
و التكاثرُ نوعان :تكاثر بالقول , وتكاثر بالعمل :
فالتكاثرُ بالقول : هو التَّكاثر بشيء موجود, ولا يكون إلا بين اثنين , فهو مفاعلة , كقول صاحب الجنة مكاثراً صاحبه : {أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً} [الكهف: 34]. فإنه كاثرَ صاحبه بشيء يملكه ويحوزه , أو بين طائفتين , كأن تقول إحداهما : نحن أكثر منكم في كذا , وتقول الأخرى : نحن أكثر منكم في كذا وكذا .
والتكاثر بالعمل : هو التكاثر بشيء مطلوب , ويكون بتكلُّف الفعل , كما تقول : تغافلت عن كذا , إذا تكلَّفت الغفلة عنه .ومعناه : أنْ يصرف الإنسانُ جهده وعمره في طلب كلِّ الأسباب التي يكون بها أكثر من غيره مالاً , وأوسع تجارة ، ونحو ذلك . وهذا التكاثر بنوعيه صفة في غالب بني آدم .
وهذا التكاثر – وهو الذي يشغل صاحبَه عن الطاعات ويَغْمسه في الملذات , فيموت قبل أن يفيق - هو التكاثر المذموم , وهو المقصود في الآية ؛ وعلى ذلك تكون " أل " في قوله " التكاثر" للعهد الذهني - لا لاستغراق الجنس كله , أي : لا لمطلق التكاثر – و " أل " العهدية الذهنية : هي التي ترجع إلى المعهود في الذهن , وهو التكاثر الملهي عن الآخرة , بدليل قوله : " ألهاكم " ؛ فإنه خاص بما يلهي عن ذكر الله وطاعته , والاستعداد للآخرة . فيكون التكاثر المذموم هو التكاثر الملهي .
أما التكاثر في الطاعات والعبادات والخيرات فليس من التكاثر المذموم , بل هو مطلوب ؛ لأنه طريق السعادة في الدارين , فإذا رأى غيره أكثرَ منه في خصلةٍ من خصال الخير لم يَهُنْ على نفسه تقاعُسه وتقصيره. بل أخذ يكاثره فيها , فإنْ عَجَز عن لحاقه فيها كاثَرَهُ بخصلة أخرى هو قادر على المكاثرة بها , وهذا من المنافسة على الطاعات , واستباق الخيرات . ولا يخفى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكاثر في الخيرات والتنافس على الطاعات , ولا أدلَّ على ذلك التنافس والتسابق من حال عمر بن الخطاب مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهما , حيث كان يحاول دوماً أن يسبقه يوماً , فلما تبيَّن له مدى سبقه له , وصعوبة اللحاق به قال : والله لا أسابقك إلى شيء أبداً . والأمثلة على تسابق الصحابـة - رضي اللّه عنهم - في الجهاد بالأنفس والأموال في سبيل اللّه كثيرة لا يحـصيها عاد ، ولا يستقصيها مستقصٍ . والنفس والمال هما خير ما يملك الإنسـان بعد تقوى اللّه عز وجـل ، وهما أكثر مـا يحرص عليه الناس في دنياهم .
ويُلحظ كذلك أنه قال : ( ألهاكم التكاثر ) ولم يقل : " الكثرة " لأن المذموم هو التكاثر , لا مجرد الكثرة , فلو حصلت الكثرة من غير تكاثر فلا ضير (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) , وقد كانت الكثرة حاصلة لجماعة من الصحابة كعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما , وغيرهم رضي الله عنهم . ولم يضرهم ذلك ؛ لأنهم قاموا بحقها ولم يكاثروا بها.
ولا بأس أنْ يُظهر المسلم نعمة الله عليه بالطاعات , أو حسن الأخلاق , أو المال ونحوها , خاصة إذا كان ذلك مدعاة أنْ يُقتدَى به في فعلها وشكرها . وكان من باب ( وأما بنعمة ربك فحدث ) فيشكر الله قولا كما يشكره عملا ، كأن يقول المسلم : إننا بخير والحمد لله ، وعندنا خير كثير ، وعندنا نعم كثيرة ، نشكر الله على ذلك. والله سبحانه وتعالى إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى أثرها عليه في ملابسه وفي مأكله وفي مشربه .
والخطاب بقوله : ( ألهاكم التكاثر ) خاصٌّ لمن ألهاهم التكاثر بالدنيا وملذاتها عن طاعة الله , والاستعداد للآخرة .
وقيل الخطاب عام لجميع الأمة ؛ لأنَّ من شغلتهم أمور الآخرة عن أمور الدنيا قليل جداً بالنسبة لغيرهم ، والدليل على قلتهم أنَّ واحداً من الألف من بني آدم من أهل الجنة والباقون من أهل النار ، كما جاء في الحديث الصحيح ؛ إذاً فالخطاب بالعموم في مثل هذه الآية من باب التغليب ؛ لأن الواحد من الألف ليس بشيء بالنسبة إليه .
وقوله: {حتى زرتم المقابر} الزيارة هنا زيارتان : الزيارة الأولى حصلت عندما انطلقوا إلى المقابر للتفاخر والتكاثر بموتاهم . والثانية تحصل بدفنهم فيها بعد موتهم . وقوله : {حتى زرتم المقابر} يشمل الزيارتين ؛ لأن الآية إذا كان لها معنيان صحيحان ولا منافاة بينهما و "المقابر " : جمع " مقبرة " بفتح الباء وضمها .
والمعنى : استمرَّتْ غفلتُكم ولهوتُكم بالتكاثر في أمور الدنيا , والتفاخر بالأحياء والأموات إلى أنْ جاءكم الموت فصرتم من أهل المقابر , فظهر لكم الحق , وتبيَّن لكم ما وُعِدتم ، وحينها يقول المتكاثر : ( ياليتني قدَّمت لحياتي ) وعملتُ فيه بطاعة الله قبل وفاتي ( ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) [المؤمنون 99 ], فيُقال له : (كلَّا إنَّها كلمة هو قائلها ) بلسانه ولو رُدَّ لعاد لما نُهي عنه ؛لأنَّ سجيَّته وطبيعته تأبى أنْ تعملَ الصالحات, وتجتنبَ الملهيات. وهذا أمر واقع ؛ فالإنسان مجبول على التكاثر إلى أنْ يموت، بل إنَّه كلَّما كبرتْ سِنُّه ازداد أملُه ، فتراه يشيبُ في السِّن ويشُبُّ في
الأمل، والواقع يصدِّق ذلك ؛ فإنَّك ترى الرجلَ ذا التسعين سنة عنده من الأمل ما ليس عند الشاب
ذي العشرين.
ويلحظ كذلك أنَّ الله تعالى قال : ( زرتم ) فسماهم : زائرين , ولم يسمهم : مقيمين . وفي التعبير بالزيارة دليل على البعث بعد الموت وان القبر ليس المقر الأخير ؛ لأن الزائر كما هو معروف يزور ويرجع . وبهذا يعلم خطأ من قال عن المتوفى : انتقل فلان إلى مثواه الأخير . لأن المثوى الأخير هو الجنة أو النار . فينبغي التَّنبُّهُ لذلك والتَّنبيهُ عليه .
و يُذكرُ أنَّ أعرابياً سمع قارئاً يقرأ: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر} فقال :" والله ما الزائر بمقيم . والله لنُبعثنَّ ". والبعث حقُّ كما هو ثابت في الكتاب والسنة .
ثم توعَّد الله هؤلاءِ المتكاثرين بالدنيا, المتغافلين عن الآخرة فقال :
{كلَّا سوف تعلمون. } " كلا " : حرف ردع وزجر والمعنى : كفُّوا عما أنتم عليه من التكاثر، أي : ما ينبغي لكم أنْ تفعلوا ذلك . وقيل: إنَّها اسمٌ بمعنى حقًّا. أي : حقاً سوف تعلمون .
ويُلحظ في قوله :(كلا سوف تعلمون ) أنه حذف مفعول " تعلمون " فلم يقلْ : سوف تعلمون كذا. وسببُ حذفه : ظهوره ووضوحه ؛ لدلالة السياق عليه , والمعنى : سوف تعلمون – بعد موتكم – سوءَ عاقبة هذا التكاثر الذي ألهاكم عن طاعة الله والدار الآخرة , وستعلمون حينها أنَّ الآخرة التي تشاغلتم عنها خير وأبقى .كما جاء في الحديث فيما رواه مسلم في صحيحه " يقول ابن آدم: مالي مالي- يعني: ينسب المال إلى نفسه تارة ويفتخر به تارة أخرى- وليس لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبستَ فأبليت، أو تصدَّقتَ فأمضيت " أمَّا الباقي فإنَّك تاركُه لغيرك . ولا يمكن أنْ يخرج المال الذي بأيدينا عن هذه القسمة الرباعية. ، إمَّا أنْ نأكلَها فتفنى، وإمَّا أنْ نلبسها فتبلى، وإمَّا أنْ نتصدَّقَ بها فنُمضيها وتكونَ أمامنا يوم القيامة. وإمَّا أنْ نتركها لغيرنا.
{ثم كلا سوف تعلمون} في تكرار هذه الآية وجهان :
الوجه الأول : أنَّ معنى الآيتين واحد , وكُرِّرت تأكيداً للردع والزجر والإنذار, والمرادُ منه : التحذيرُ من هذا التكاثر , فهو وعيدٌ بَعْد وعيد . والعربُ إذا أرادت التغليظ والزيادة في التخويف والزجر والتهديد كَرَّرتْ الكلمة .
الوجه الثاني : أنَّ معناهما مختلف , لما روي عن علي رضي الله عنه من أنَّ العلمَ في الآية الأولى : في القبر , أي : تعلمون عاقبة هذا التكاثرِ في القبر . حين سؤال منكر ونكير : مَنْ ربَّك وما دينك ومن نبيُّك . والعلمُ في الآية الثانية : يوم القيامة أي : تعلمون عاقبة هذا التكاثر يوم القيامة . وقيل : العلم الأول : عند نزول الموت , أي عند الاحتضار . والعلم الثاني : في القبر . وعلى كِلا المعنيين لا تكرار في الآية ؛ لاختلاف معناهما .
وهذا الرأي أقوى وأرجح ؛ لأن جعلَ المعنيين مختلفين أولى من القول بمجيئها لمجرد التأكيد لسببين : أولاً : ليكونَ في كلٍّ منهما فائدةٌ جديدة , وهو ما يسمَّى بالتأسيس . وإذا دار الأمر بين التأسيس والتوكيد , وكان الكلام صالحاً لهما , فالقولُ بالتأسيس أولى ؛ لأنَّه دلَّ على زيادة معنى .
ثانياً : أنَّ هذا القول – اختلافَ زمن العِلْمين في الآيتين - مطابق للوقع ؛ فإن المحتضَر يعلم منزله , ثم إذا قُبر عَلِم علماً يقينيَّا فوق العلم الأول .
ثم قال: {كلَّا لو تعلمون علم اليقين} "كلا" بمعنى : حقًّا . وجواب "لو" محذوف للتَّهويل . والتقدير : لو أنَّكم تعلمون ما يكون أمامكم بعد الموت من البعث والحساب في الآخرة علمَ اليقين - وهو العلم الذي لا يخالطه شك , أي : علماً يصل إلى قلوبكم - لما ألهاكم التكاثر , ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة المنْجية ، ولكنَّكم لما افتقدتم علم اليقين وعشتم في غفلة ، وُجد منكم هذا التكاثر الذي ألهاكم وأشغلكم إلى أن مُتُّم , وهذا المعنى كقوله عليه الصلاة والسلام " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا ) تخريجه ...... ؛
وفائدة علم اليقين : لأنَّ مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عاقبته لا يكفي في تركه , لكنْ إذا صار العلم بقبح الشيء علم اليقين كان الداعي لتركه قوياً . فإذا صار علمه عين اليقين أي : يشاهده بعينه كان الداعي لتركه أشد وأقوى.
ثم قال تعالى: { لترون الجحيم } و قوله : " لترون " جملة قَسميَّة ، فيها قسم مقدر والتقدير: والله لترون الجحيم . فقد أقسم الله سبحانه وتعالى أنَّ عباده سيشاهدون الجحيم بأبصارهم . و " الجحيم " اسم من أسماء النار , مأخوذ من " الجحمة " وهي : شدة تأجج النار .
وقوله {لترون الجحيم} هذه الجملة مستقلة مستأنفة وليست جوابا لـ " لو " في الآية السابقة ؛ ولهذا يجب على القارئ أن يقف عند قوله: {كلا لو تعلمون علم اليقين} ولا يجوز الوصل لسببين :
الأول: لأنه يفسد المعنى ؛ وذلك أنه إذا وصل فقال [كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم] صارت رؤية الجحيم مشروطة بعلمهم ، فإنْ هم علموا علم اليقين رأوا الجحيم وإنْ لم يعلموا علم اليقين لم يروا الجحيم . والحاصل أنهم لم يعلموا علم اليقين , فوجب أن لا تحصل لهم تلك الروية وهذا المعنى ليس بصحيح ؛ فان هذه الرؤية واقعة قطعا .
الثاني: لأنها رأس آية، والمشروع أن يقف الإنسان عند رأس كل آية . فالوصل هنا غير جائز ولذا وجب التنبُّه لذلك , والتنبيهُ عليه .
ثم أكَّد سبحانه وتعالى هذه الرؤية , وأنها واقعة لا محالةَ , يقينا لا شك فيه , فقال :
[ ثم لترونها عين اليقين ] ومتى يرى الناس الجحيم عين اليقين؟ الجواب : يرونها يوم القيامة ؛ لأن الصراط الذي يمر الناس عليهيوضع على متن جهنم فتتحقق رؤية العين - وليس الخبر كالمعاينة - قال تعالى : ( وإن منكم إلا واردها ) فالمؤمن وارد والكافر خالد , وذلك بعد أن تُجر النار من مكانها إلى أرض المحشر كما ورد في الحديث : " يؤتى بها تُجر بسبعين ألف زمام ، كل زمام يجره سبعون ألف ملك ". ولو ضربنا سبعين ألفا بسبعين ألفا لكان مجموع الملائكة الذين يجرون النار إلى المحشر [4900000000 ] أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك . وهذا عدد هائل كما ترى , وإذا علمت أيضا أن الملائكةُ عظامٌ شدادٌ أقوياء . وأنهم مع قوتهم وكثرة عددهم يجرونها جراً ولا يحملونها حملا, فما ظنُّك بنارٍ تِلْك عدد أزمتها , وذاك عدد من يجرونها , وتلك صفتهم ؟ ـ لا شك أنها نار مهولة , كبيرة , عظيمة . أعاذنا الله وإياكم منها.
ويُلْحظ عند قراءة السورة أنه كرر " كلا " ثلاث مرات , وفي تكرارها مزيدُ زجر ووعيد تهديد ؛ حتى تتنبَّه لحالك , وتستيقظ من غفلتك , ولا يغرنَّك كثرة الغافلين حولك ؛ فإنك تموت وحدك , وتبعث وحدك , وتحاسب وحدك .
ويُلْحظ كذلك أنه قد تكرر في هذه السورة ذِكْر العلم , فذَكَر علم اليقين , ثم ذكر عين اليقين . وبقي ثالث لم يُذكر هنا وهو : حق اليقين . وهذه الثلاثة تسمى : مراتب العلم أو مراتب اليقين وإليك بيانها باختصار لكثرة ورودها في القرآن:
اليقين ثلاثُ مراتب :
المرتبة الأولى : علم اليقين , وهي أدنى مراتب اليقين , وهي العلم الذي يحصل للقلب , بواسطة الدلائل والقرائن والبراهين :كأن ترى دخانا فتعلمَ علمَ اليقين أنَّ هناك ناراً .
المرتبة الثانية : عين اليقين , وهي المرتبة الوسطى , وهي العلم الذي يحصل للقلب بواسطة الرؤية والمشاهدة بالعين , كأنْ تقترب من تلك النار التي كان يلوح لك دخانها فتراها بعينك , وحينها يكون انتقل علمُك من علم اليقين إلى عين اليقين . ومنه قوله تعالى في هذه السورة (ثُّمَ لَتَرَوُنَهَا عَينَ اليَقِين) واعلم أن بين هذه المرتبة والتي قبلها فرق ما بين العلم والمشاهدة , فعلم اليقين للسمع . وعين اليقين للبصر .
المرتبة الثالثة : حق اليقين وهي أعلى درجات اليقين, وهي العلم الذي يصل إلى القلب بواسطة ملابسة الشيء ومخالطته , أي : مباشرة الشيء , وملامسته , والدخول فيه , والإحساس به , كأنْ تقترب من تلك النار حتى تجد حرَّها في جسدك . ومنه قوله تعالى - في سورة الحاقة الآية 51 - عن القرآن الكريم : ( وَإنَّه ُ لَحَقُّ اليَقِين ) ؛ لأن القلب يباشر الإيمان به ويخالطه - كما يباشِر بالحواس ما يتعلق بها - فحينئذٍ يُخالط بشاشتَه القلوب , فتصلُ مرتبةُ اليقين به إلى أقوى مراتب اليقين , وهي : حق اليقين , وهي أعلى مراتب الإيمان .
وهناك أمثلة توضح هذه المراتب : فإذا قال لك من تجزم بصدقه : " عندي عسل " فصدقته كان ذلك علم يقين , فإذا أحضره بين يديك , ورأيته بعينيك , صار ذلك عين اليقين , فإذا ذقته بلسانك صار ذلك حق اليقين .
ولو قال لك من تثق به : عندي فاكهة شكلها شكل البطيخ . ولونها لون البرتقال . وطعمها طعم التفاح , فإنَّ علمك بهذه الفاكهة - على هذه الصفة - هو علم اليقين , وعندما يريك إياها حاضرة أمامك فقد انتقل بك من علم اليقين إلى عين اليقين , فإذا قطَّع منها قطعا فأكلت منها فقد انتقل بك من عين اليقين إلى حق اليقين , وهو أعلى درجات العلم بالشيء .
وكذلك من سمع بالكعبة سماعا مؤكداً فقد علم بها علم اليقين , فإنْ جاء مكة وأبصرها بعينه فذلك عين اليقين , فإن طاف بها أو دخل في جوفها فذلك حق اليقين . وبهذا تعرف لم قال في هذه السورة "كلا لو تعلمون علم اليقين" ولم قال "ثم لترونها عين اليقين" وذلك أنَّ علمنا - بخبر أصدق القائلين - بوجود النار في الآخرة هو علم اليقين , ومشاهدتها في القبر أو يوم القيامة هو عين اليقين . أما من دخلها - والعياذ بالله - صار علمها بالنسبة له حق اليقين .
{ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} " لتسألنَّ "هذه الجملة أكدت بثلاثة مؤكدات : القسم , ولام التأكيد , والنون الثقيلة . و " النعيم " من النعومة والليونة ضد الخشونة واليبوسة , والمعنى : ليسألنكم الله – وهو أعلم بالجواب منكم - في ذلك الموقف العظيم وهو يوم القيامة عن كل نعمة أنعمها عليكم : هل أديتم حق الله فيها فشكرتموه عليها , واستعملتموها في طاعته , ولم تستعينوا بها على معصيته ؟
ونعم الله على عباده كثيرة : كالأمن , والصحة , والعافية , والفراغ , ولذة النوم , والإدراك بالحواس كالسمع والبصر , وما يَطْعمه الإنسان , وما يشربه , وقد جاء في ( ...تخريج ) الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) وغيرها من الآلاء الكثيرة التي يستحيل حصرها. ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ). وأصل النعم كلِّها وأهمُّها هي نعمة الإسلام. فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين .
واختلف العلماء رحمهم الله في قوله: {لتسألن يومئذ عن النعيم} من الذي سيسأل ؟ الكافر ؟ ، أم كل من المؤمن والكافر ؟
والصواب: أن المراد : المؤمن والكافر , فكل منهما يسأل عن النعيم ، والدليل على ذلك : الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم والترمذي في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر، عندما أخرجهم الجوع , ثم انطلقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتوا رجلاً من الأنصار يقال له أبا الهيثم كثير النخل والشاء ، وعندما رآهم قال: الحمد لله ، ما أحدُ اليوم أكرم أضيافاً مني ، ثم انطلق بهم إلى حديقته , وبسط لهم بساطه , ثم انطلق إلى نخلة فجاءهم بعذق فيه بُسر وتمر ورُطب ، فقال: كلوا من هذه ، وأخذ المدية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إياك والحلوب " فذبح لهم ، فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العذق، وشربوا ، فلما أنْ شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر : والذي نفسي بيده لتُسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم . وفي رواية أخرى أنه قال : " هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد، ورُطب طيب، وماء بارد . فهذا الحديث الصحيح صريح في تعميم الخطاب في قوله " لتسألن " وأن السؤال عن النعيم غير مختص بالكفار , ويروى أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر ، ثم قال : يا رسول الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال نعم إلا من ثلاثة : خرقةُ لفِّ بها الرجل عورته , أو كسرة سد بها جوعته , أو جحر يدخل فيه من الحر والقَر " .
فهذه الأمور الثلاثة لا يسأل عنها المرء يوم القيامة , ولا يحاسب عليها ؛ لأنه لابد منها . وإنما يسأل عن النعيم . ففي هذه القصة دليل على أن المؤمنين داخلون في السؤال عن النعيم يوم القيامة.
وأخرج أحمد , والترمذي وحسنه ,وابن ماجة عن الزبير بن العوام قال : لما نزلت ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قالوا يا رسول الله : وأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء ؟ قال : "إن ذلك سيكون " . والواقع يشهد بعدم اختصاصه بالكافر , فإنَّ الإلهاء بالتكاثر واقع من المسلمين , بل إن أكثر المسلمين قد ألهاه التكاثر وشغلهم عن الآخرة .
ولكن السؤال يختلف ، فسؤال الله للمؤمن المطيع الشاكر سؤال تقرير وتشريف, وتذكير بنعمة الله - عز وجل - عليه حتى يفرح ، ويعلم أنَّ الذي أنعم عليه في الدنيا ينعم عليه في الآخرة ، وسؤاله للمؤمن العاصي سؤال توبيخ وتأفيف . وسؤال الله للكافر سؤال توبيخ وتنديم وحساب وتقريع ؛ لأنه قابل النعيم بالكفر والمعصية . نسأل الله أن يجعلنا من عباده الشاكرين .
والنعيم المسؤول عنه نوعان :
النوع الأول : نعيم أُخِذ من حلِّه وصُرف في حقِّه فهذا يُسأل عن شكره .
النوع الثاني : نعيم أُخِذ بغير حلِّه وصُرف في غير حقِّه فيسال عن مُستخرجه ومَصرفه , أي من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
تم بحمد الله تفسير سورة التكاثر
أسأل الله العظيم أنْ ينفع به في الدنيا وأنْ ينفعني به في الآخرة