مقدمة يقول المثل : " ربوا آباءكم قبل أن تربوا أبناءكم " فتربية الآباء مقدمة على تربية الأبناء..وكل واحد منا سيكون أبًا أو أمًّا بإذن الله . أجل ..إن أنت أحسنتَ تربية الآباء والأمهات ؛ خرج جيل يعرف طريق الحق، وتربى على الخُلُق السليم .
يروى : أن رجلًا أحضر ابنه البكر إلى قاضي المدينة ، وقال : إن ابني عاقُّ..يشرب الخمر ، ولايصلي الفرائض الخمس . فأنكر الابن ما ادّعاه والده ، وقال : إنني يا سيدي القاضي أداوم على الصلاة . فقال والده : أتكون صلاة بغير قراءة ؟! . قال الولد : إنني أقرأ القرآن يا سيدي القاضي ! .. قال القاضي : اقرأ بعض الآيات حتى أسمع. فقال الولد هذين البنتين وهو يظن أنهما آيات في القرآن : علق القلب الرَّبابا *** بعدما شابت وشابا إن دين الله حق *** لا أرى فيه ارتبابـــــا فقال أبوه : والله إنه لم يتعلم هذه الآيات إلا البارحة ..فقد سرق مصحف الجيران وحفظ هذا منه !.. إذا كانت هذه القصة تروى على سبيل الدعابة ؛ فإنك تجد -للأسف- أمثالها كثيرًا في مجتمعات المسلمين .
فإذا كان الأبوان لايعلمان من هو صديق ابنهما ،أو صديقة ابنتهما!.. وإذا كانا لايعلمان ما يحير بال أبنائهما ، وإذا كانا لايتكلمان مع أبنائهما وبناتهما إلا مرة في الشهر !.. ولا يدريان أين يقضي أولادهما وبناتهما أوقاتهم . إذا كان هذا ديدنهما في كل تلك الأمور ؛ فهما كذاك الذي ورد في القصة السابقة .
وإذا كانت أمة " إقرأ " -للأسف- لاتقرأ ..فإن هذه السلسلة من السهرات العائلية - من كتاب (سهرة عائلية في رياض الجنة ) للدكتور حسان شمسي باشا - قد وُضعت للذين لايقرؤون إلا النذر القليل . وهي فرصة لكي يجتمع فردان أو أكثر من أفراد العائلة يقرؤون في كل ليلة سهرة عائلية .. نريد أن تعود للبيوت سهراتها في ظلال وارفة من المحبة ؛ من التفاهم والحوار ؛ وتبادل المشاعر والآراء ؛ وفتح الحديث مع الأبناء ...
أخي الأب / أختي الأم : تابعا معي هذه السلسلة من السهرات ..واجعلا سهرتكما روضة من رياض الجنة .
كلنا يريد النجاح في الحياة ، ولكن البعض منا يخفق في الوصول إليه ؛ لأنه يظن أن النجاح كلكة مستحيلة صعبة المنال.. والحقيقة أننا ربما نكون قد أهملنا أسباب النجاح ، وأخلدنا إلى الأرض ، فزادتنا هوانًا على هوان .
والنجاح هو طموحك من الحسن إلى الأحسن ، فالكمال لله تعالى وحده ، وإذا سمعت أحدًا يقول لك : " وصلت إلى غايتي في الحياة " ؛ فاعلم أنه قد بدأ بالانحدار! .. وعلى الإنسان السعي نحو النجاح ، والله تعالى لايضيع أجر العاملين ، يقول بديع الزمان الهمذاني :
وعليَّ أن أسعى وليس **** علَيَّ إدراك النجاح وإليك هذه الوصايا لمن أراد أن يقطف ثمار النجاح من بستان الحياة .. وماهي إلا دعوة للوصول إلى الفلاح في الدارين ، إذ ماقيمة نجاح الدنيا ، إن كان في الآخرة خسران مبين ؟! ..
1- عليك بتقوى الله فهي خير زاد ، وأفضل وصية ، فالله تعالى يقول : "ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لايحتسب" {الطلاق:2-3}.
2- املأ قلبك بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم محبة أبويك ؛ فالحب يجدد الشباب ، ويطيل العمر، ويورث الطمأنينة ..والكراهية تملأ القلب تعاسة وشقاء.
3- اجعل حبك لنفسك يتضاءل أمام حبك لغيرك ؛ فالله تعالى يقول : " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " {الحشر: 9} ، والسعداء يوزعون الخير على الناس فتتضاعف سعادتهم ..اجعل قلبك مليئًا بالحب والتسامح والحنان.
4- لاتذرف الدموع على ما مضى ، فالذين يذرفون الدموع على حظهم العاثر لاتضحك لهم الدنيا ..لاتبكِ على اللبن المسكوب ، بل ابذل جهدًا إضافيًّا حتى تعوض اللبن الذي ضاع منك . وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت ؛ كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وماشاء فعل ، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم .
5- اجعل نفسك أكثر تفاؤلًا ؛ فالمتفائل يتطلع في الليل إلى السماء، ويرى حنان القمر ، والمتشائم ينظر إلى السماء ولا يرى إلا قسوة الظلام .. كن أكثر تفاؤلًا مما أنت عليه ، فعن معاوية بن الحكم رضي الله عنه ، قال : يارسول الله ، منا رجال يتطيرون ! فقال : " ذلك شيء يجدونه في صدروهم ، فلا يصدّنهم " رواه مسلم .
وإلى لقاء ..مع سهرة عائلية ..تابعوني ولا تبتعدوا !
٦-كن أكثر إنصافًا للناس مما أنت عليه؛فالظلم يقصرالعمر ، ويُذهب النوم من العيون ، ونحن حين نفقد الذين نحبهم لأننا نظلم ونغالط في حسابهم ؛ نركز على أخطائهم ، وننسى فضائلهم .
٧ -إذارماك الناس بالطوب؛فاجمع الطوب لتسهم في تعمير بيت.. وإذا رموك بالزهور؛ فوزعهاعلى الذين علّموك وأنت تكافح عند سفح الجبل .
8-كن واثقًا بالله تعالى أولًاثم بنفسك وتعرف على عيوبك ..تذكر أخطاءك لتتخلص من عيوبك ، وانس أخطاء إخوتك وأصدقائك لكي تحافظ عليهم ، واعلم أن من سعادة المرء اشتغاله بعيوب نفسه عن عيوب غيره .
٩- إذا نجحت في أمر؛ فلا تدع الغرور يتسلل إلى قلبك ، فالله تعالى يقول{فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}. " النجم :32" وإذا وقعت على الأرض فلاتدع الجهل يوهمك أن الناس قد حفروا لك حفرة ، حاول الوقوف من جديد ،وافتح عينيك وعقلك كي لاتقع في حفر الأيام ونكبات الليالي.
10- إذا انتصرت على خصومك فلاتشمت بهم، وإذا أصيبوا بمصيبة فشاركهم ولو بالدعاء؛ فالله تعالى يقول:{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور }. " الشورى :43" .
11-لاتجمع بين القناعة والخمول، ولا بين العزة والغرور، ولابين التواضع والمذلة .
12- اختر لنفسك من الصالحين صديقًا وأحرص عليه ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل" رواه الترمذي.
15-أعط الآخرين من قلبك وعقلك ومالك ووقتك ...وليكن عملك خالصًا لوجه الله ..وغذا أنت أسديت جميلًا إلى إنسان فحذار أن تذكره ، وإن أسدى إنسان إليك جميلًا فحذار أن تنساه ، قال تعالى : " ياأيها الذين ءامنوا لاتبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " البقرة : 264.
16- اعتبر كلّ فشل يصادفك إحدى تجارب الحياة التي تسبق كلَّ نجاح وانتصار ، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر ، قال أحدهم : النجاح سلالم لاتستطيع أن ترتقيها ويداك في جيبك ! ..
17_ لاتنس في كل يوم أن تطلب من الله العفو والعافية ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسألوا الله العفو والعافية ؛ فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية " رواه الترمذي .
18-اسأل الله علمًا نافعًا ، ورزقًا واسعًا ؛ فالعلم هو الخزانة التي لايتسلل إليها اللصوص ..وألف دينار في يد الجاهل تصبح حفنة من التراب ، وحفنة من التراب في يد متعلم تتحول إلى ألف دينار ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله علمًا نافعًا ، وتعوذوا بالله من علم لاينفع " . رواه ابن ماجه .
19- حاول أن تسعد كلّ من حولك ، لتسعد ويسعد الآخرون من حولك ؛ فأنت لاتستطيع الضحك بين الدموع ، ولا الاستمتاع بنور الفجر وحولك من يعيش في الظلام ...فحاول أن تسعدهم حتى ولو بالكلمة الطيبة .
20- حاول أن تتذكر الذين ساعدوك في أيام محنتك ، والذين مدوا إليك أيديهم وأنت تتعثر، والذين أخرجوك من وحدتك يوم تخلى عنك بعض من حولك .. قال عليه الصلاة والسلام : " من لايشكر الناس لايشكر الله " رواه الترمذي.
21- حاول أن تتذكر أسماء الذين أسأت إليهم من غير قصد ، اسأل الله أن يعفو عنك ،وادعُ الله لهم أن يطلبوا منه الغفران لك ، ولا تحاسب الناس ؛ فحسابهم إضاعة للوقت .
22- إذا زحف الظلام ، فكن أحد حملة الشموع ، لا أحد الذين يقذفون الفوانيس بالحجارة .. وإذا جاء الفجر ، فكن من بين الذين يستقبلون أشعة النهار ، لاأحد الكسالى الذين لايدركون شروق الشمس.
23- حاول أن تسدد بعض ديون الناس عليك ؛ فبعضهم أعطاك خلاصة تجاربه خلال أعوام من الزمان مضت ، وبعضهم أعطاك ثقته ، فلم تقف وحدك في مواجهة عواصف الحياة ، وبعضهم أضاء لك شمعة وسط الظلام ، فأبصرت الطريق في النهار ، وبعضهم ملأ عقلك ، وآخرون ملؤوا قلبك ..وأعظم من ذلك شكر المولى تعالى المتفضل عليك بالنعم كلها .
24- إذا اقتربت من قمة ، فلا تدع الغرور يفقدك صوابك ، ولاتتوهم أن الذين يقفون عند السفح هم أقزام ؛ قال الله تعالى : " ولاتصعر خدك للناس زلا تمش في الأرض مرحا ، إن الله لايحب كل مختال فخور " لقمان : 18 . ولقد سئل الحسن البصري عن التواضع ، فقال : التواضع هو أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلمًا إلا رأيت له عليك فضلًا .
25- لاتفتش عن عيوب الآخرين ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قال الرجل : هلك الناس ؛ فهو أهلكهم " . رواه مسلم .
26- لاتجعل لليأس طريقًا إلى قلبك ، فاليأس يغمض العيون ، فلا ترى الأبواب المفتوحة ولا الأيدي الممدودة ؛ قال تعالى : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم " الزمر : 53.
27- أيقن بأنك إذا أتقنت عملك وأحببته وتفانيت فيه ؛ تستطيع أن تحقق ما عجز عنه الآخرون .
28- تذكر أن المؤمن يحتمل الجوع ، ويحتمل الحرمان ، ويحتمل العيش في العراء ، ولكنه لايستطيع أن يعيش ذليلًا ... والله تعالى يقول : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون : 8.
29- حاسب نفسك قبل أن تُحاسب ، وأحص أعمالك قبل أن تحصى عليك ؛ قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " الحشر : 18. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنه أهون لحسابكم ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتجهزوا ليوم تعرضون فيه لاتخفى منكم خافية " .
تخيل أخي / أختي ..أنك في يوم الحساب ؛ وقد تساوت حسناتك مع سيئاتك ، ووجدت أنه لابد لك من البحث عن حسنة واحدة كي تزحزك عن عذاب النار ! ..
فأنت الآن على استعداد لتبذل كلّ ماتملك للحصول على تلك الحسنة !
فتسعى في ذلك اليوم الطويل ؛ اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة ..والذي تدنو فيه الشمس من رؤوس العباد قدر ميل ؛ يُطفأ نورها ويُضاعف حرُّها ..
أنت في هلع شديد ، وخوف قاتل ؛ مع مليارات البشر العراة في ذلك الوقت .
وفي ذلك الخضم الهائل من البشر؛ تبحث عن والدك العطوف كي تسأله الحسنة التي بها سوف يرجح ميزان حسناتك فتنجو من النار ...
تبحث عنه ، وتسأل ..وكلٌّ في شغل شاغل عنك ..كلٌّ يريد أن ينجو بنفسه .. وكلٌّ يبحث عما تبحثُ عنه ! ..
تخيَّل كم ستستغرق من الزمن كي تجده بين هؤلاء البشر !.. وكم ستكون فرصتك لو وجدته وأخذت منه تلك الحسنة ! .. تظن أن والدك العطوف - الذي كان يُغدق عليك الأموال في الدنيا - لن يبخل عليك الآن بتلك الحسنة ! ولكن اليأس يدبُّ إلى قلبك عندما تسمع منه تلك العبارة : نفسي ..نفسي . فتخطر ببالك أمك الرؤوم التي حرمت نفسها الكثير في الدنيا لتعطيك ! تبحث عنها في ذلك الحر والعرق الذي يسيل منك ..تستعطفها لعلها تجود عليك بتلك الحسنة ؛ حسنة واحدة كنت مستغنيا عنها في الدنيا ..ولكنها تقول لك : نفسي ..نفسي .. لا أوثرك اليوم على نفسي .
فتذهب إلى كل من يخطر ببالك تستنجد به ؛ إلى ولدك ...ابنتك ..زوجتك ..إلى أخيك وأختك ...وفي كل مرة تسمع الإجابة نفسها : نفسي ..نفسي ..سنين طوال وأنت تبحث عن حسنة واحدة فلا تجدها ؛ وكنت تستطيع أن تحصل على العديد من تلك الحسنات في الدنيا في أقل من دقيقة واحدة ! ..
أرأيت كيف أصبحت سوق الحسنات الآن غالية ؟!! ولنفترض أنك قد حصلت على تلك الحسنة عند أحدهم ؛ فكم أنت على استعداد أن تدفع مقابل تلك الحسنة ؟ ألست مستعدًا لتدفع كل ما تملك من غال ونفيس في سبيلها ؟ نعم ، كيف لا وبعدها تدخل الجنة وتنجو من النار ؟! . يقول الله تعالى في شأن الكفار : " إن الذين كفروا لو أن لهم مافي الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ماتُقُبل منهم " المائدة : 36.
لعلك لاتكاد تصدّق أن تلك الحسنة التي كانت حقيرة في عينيك سوف يأتي عليها يوم العرض الأكبر فتساوي الدنيا ومافيها .
فيا من كنت تخاطر بأموالك في تجارة غير مؤكدة الربح ؛ أليست التجارة مع الله هي التجارة الأمثل ؟!..
فسارع باقتناء تلك الحسنات ..أقدم ولا تتردد..
يقول الشيخ محمد الغزالي : " أعرف كثيرًا من الناس لايعوزهم الرأي الصائب ، فلهم من الفطنة مايكشف خوافي الأمور ، بيْد أنهم لايستفيدون شيئًا من هذه الفطنة ؛ لأنهم محرومون من قوة الإقدام ، فيبقون في مكانهم محسورين ؛ بين مشاعر الحيرة والارتباك " . (جدد حياتك ، محمد الغزالي)
أليس هذا الخوف من الإقدام على الحسنات هو بسبب الأهواء التي تملكت قلوبنا ، فأصبحنا نخطئ ونظن أننا من الذين أحسنوا صنعًا ؟! أتخاف - إن أنفقت في سبيل الله - أن تذهب الدنيا من بين يديك ؟! كلا .. بل ستربح الاثنين معًا : الدنيا والآخرة .
فعن ابن مسعود رضي الله عنه : " أن رجلًا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليأتينَّ يوم القيامة بسبعمئة ناقة مخطومة" رواه النسائي ، وقال الألباني : صحيح .
فكم يحتاج استثمار أموالنا في الدنيا إلة جهد وتفكير ؟ وبعد ذلك لانعلم إن كنا سنربح أم نكون من الخاسرين ؟!
أما تجارة الحسنات ؛ فليست صعبة أبدًا ، وقد تكسبها وأنت جالس في مكانك !.. ففي دقيقة واحدة تستطيع أن تكسب كنوزًا لاتُحصى ؛ تستطيع أن تقرأ سورة الإخلاص : " قل هو الله أحد " خمس عشرة مرة ؛ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفسي بيده ؛ إنها لتعدل ثلث القرآن " رواه البخاري .
وفي دقيقة واحدة تستطيع أن تقول : " سبحان الله وبحمده " عشر مرات. وفي دقيقة واحدة تستغفر الله تعالى أكثر من سبعين مرة؛ والاستغفار سبب لدخول الجنة .