طارق منينة
New member
- إنضم
- 19/07/2010
- المشاركات
- 6,330
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
سلمان رشدي في 'جوزيف انطون' تصفية الحساب مع الاسلام ودفاع عن النفس
ابراهيم درويش
في سيرته الذاتية 'جوزيف انطون' يكتب سلمان رشدي عن حياته في الملجأ هربا من الفتوى وعن حياة سلمان المولود في مدينة بومبي الهندية لعائلة هاجرت الى باكستان بعد انشاء دولة باكستان في عام 1947 وهي اللحظة التي ولدت منها روايته الاشهر 'اطفال منتصف الليل'
جوزيف انطون هو الذي يعيش تحت الارض ويقضي وقته فارا من بيت الى بيت، فهو اذا الكاتب الذي هرب من اجل حياته من 'فتوى' الامام الخميني عام 1989، لكن الشخصيتين تندمجان في سيرته الذاتية التي تؤرخ تحديدا لهذه الفترة من حياته والتي استمرت عقدا من الزمن. تكشف السيرة عن تناقضات الكاتب ومواقفه ومزاجيته وفهمه للتاريخ بشكل عام وتاريخه هو ايضا، ولهذا جاءت السيرة بمثابة دفاع مستميت عن روايته المثيرة للجدل 'الآيات الشيطانية' وفيما ان كانت عملا، ادبيا ام كتابا رديئا فنيا او تافها، اغضب مليار مسلم وخدش مشاعرهم عندما تطاولت على الرواية التأسيسية لولادة الاسلام وحطت من قدرها. في 'جوزيف انطون' يزعم رشدي انه كان في عمله الذي لم يتخذ من الدين غلافا يدافع عن نبي الاسلام، وروايته في النهاية هي عن الهجرة ورحلة المنفى، اي انها مكمل لعمله الاول عن 'اطفال منتصف الليل'. يواجه رشدي في السيرة اذا نقاده ويكتب عنهم احيانا بسخرية مرة واخرى مهاجما لهم بأقذع الالفاظ، ويخصص هجومه على المسلمين البريطانيين الذين طالبوا الحكومة بمحاكمته بناء على قانون التجديف. ويهاجم في الاطار نفسه ما يراه النفاق السياسي في داخل النخبة السياسية البريطانية التي دافعت عن حرية التعبير، ادبيا كان ام سياسيا وفي الاطار نفسه غلبت مصالحها الانتخابية، اي الحصول على اصوات المسلمين واسترضتهم عندما خطأت رشدي واتهمته بالحط من قدر النبي وزوجاته. فهؤلاء من امثال كيث فاز وجاك سترو كانوا ممثلين لدوائر انتخابية تعيش فيها غالبية مسلمة. الفتوى والاسلام والمسلمون يحضرون بشكل كبير في قاموس السيرة والا فهي عن رحلته داخل النفق المظلم والهروب اليومي، او الاسبوعي مع فريق الحماية الذي وفرته له المخابرات البريطانية 'ام اي فايف' باعتباره شخصية تتعرض لتهديد كبير، مثل الملكة. وقد اثارت هذه المعاملة حنق بل لنقل حساسية من بعض الدوائر حول استحقاق رشدي لهذه المعاملة التفضيلية، وانه لم يكن وفيا للدولة، دولته التي منحته كل العناية عندما هاجر فيما بعد الى امريكا ليعيش في الضوء والصورة مثل نجم، وليقول في مرحلة ان النجوم وليس الروائيون الادباء هم من يتصدون للقضايا الكبيرة في العالم مثل جورج كلوني في مسألة دارفور، وانجلينا جولي في المسائل الاخرى. مهما كان الامر، فالسيرة تحمل كل ملامح كتابة رشدي ومشكلتها طولها 660 صفحة.
سياسة وادب
بعيدا عن الصور الكاريكاتورية التي يرسمها لنقاده، من مثل وصفه لشيخ الازهر جاد الحق علي جاد الحق بالشخصية الخارجة من 'الف ليلة وليلة' وهو العمل الذي قرأه وقصه عليه والده 'المزاجي' كما يصفه هو في صغره، فالسيرة هي تعبير عن ما رأه رشدي في نقده لاورويل من الامتزاج الذي لا فكاك منه بين السياسة والادب. فالسيرة اذا هي عن الكيفية التي دخل فيها عمل 'ادبي' حلبة السياسة واضطر كاتبه طوال الوقت للدفاع عن قيمته الادبية. فهو يفرح عندما ترشح الرواية لجائزة 'وايت بريد' وفي بعد اخر، اصبحت روايته في مركز جدال سياسي دولي، بين الحكومات، والشعوب، تظاهرات قتل فيها مسلمون وهم يدافعون عن نبيهم، يقول رشدي ان المسلمين هم الذين قتلوا المسلمين في هذا السياق. مما يؤشر الى عدم فهم الكاتب للسياق الذي ادى للغضب الاسلامي الذي لا يعجبه ويعتبره تطرفا. ومع اننا نتحدث عن اختلاط الرواية بالسياسة الا ان رشدي يؤكد مرارا وتكرارا ان عمله 'الآيات الشيطانية' لم يكن بالضرورة عملا سياسيا بل هو اقل اعماله خوضا في السياسة، وما هو الا 'محاولة فنية للتعامل مع ظاهرة الوحي'، وان كانت من منظور كاتب يعتبر نفسه ملحدا او غير مؤمن. وهو هنا يتساءل عن السبب الذي يجعل من هذه المحاولة 'هجوما' على الدين. المشكلة هي ان رشدي في مراحل اخرى من سرده 'محنته' انه يحاول موضعة مغامرته مع الوحي في تقاليد الشك في التاريخ الاسلامي، ففي واحدة من 'هلوساته' وغضبه يكتب رسالة لله، يخاطبه فيها ان الغزالي وابن رشد شكا بوجوده عندما اختلفا حول معرفته بالاشياء، كل الاشياء او بعضها، فالغزالي يراه عالما بكل شيء، وهذا هو جوهر الايمان الاسلامي، اما ابن رشد فدفاعه عن الفلاسفة يجعله في صفهم، فهم خاطىء لمحاولة ابن رشد المدافع عن العقلانية من ناحية واخرى، وهذا هو المهم ان فلاسفة الاسلام في معظمهم 'شكوا' واعتبروا الشك ظاهرة صحية ولكنهم لم يلحدوا الا في حالات قليلة، وحتى الالحاد هذا يجب ان يفهم في سياقاته الاجتماعية والثقافية التي عاشوا فيها. اضافة الى ان ابن رشد وسلفه الغزالي لم يرفضا الرواية التأسيسية للاسلام واصله.
هجوم على النبي
يقول رشدي ان روايته حظيت باحتفاء عالمي من المثقفين وحتى نواب في الكونغرس الامريكي حملوا معهم روايته كي يوقعها لهم عندما قابلهم لعرض مظلمته عليهم، ولم تكن الطبعة الشعبية بل الطبعة الاولى. وحتى لو افترضنا ان النواب الامريكيين قرأوا 'الآيات الشيطانية' ام لا الا ان كل من قرأها او اطلع على اجزائها وحتى من لم يقرأها من عامة المسلمين وزعمائهم وآية الله الخميني جزء منهم اعتبر الرواية هجوما على النبي محمد، فأن تطلق عليه 'ماهوند' قرين الشيطان ـ وان تضع زوجاته الاثنتي عشرة في مكان اثم هو امر فظيع، وحتى لو كان تفسير رشدي لهذا الخيار 'الادبي' نابعا من فهمه للطريقة التي تلقى بها الرسول الوحي، حيث يقول ان النبي محمد عندما ذهب للغار وجاء اليه الوحي لم يكن قادرا على التفريق بين 'الملاك' و'الشيطان'، كما انه احتفى كثيرا برواية الغرانيق التي يرفضها المسلمون. ويشير رشدي في بداية السيرة الى ان اصل الفكرة وتعامله مع الوحي ولدت وهو طالب في جامعة اوكسفورد حيث اختار مساقا من المساقات عن اصول الاسلام وهي الفكرة التي لا زالت رائجة لليوم.
الاسلام هو المشكلة
امر اخر، باد في السيرة ان رشدي لم يغير موقفه ابدا من الاسلام ذاته، فهو يعتقد ان المشكلة تكمن في الاسلام نفسه وليس المسلمين ولا اشخاص مثل 'هو' اي جوزيف انطون، لان رشدي اختار سرد سيرته عبر 'هو ـ اي جوزيف انطون'. وبهذا فالاسلام حسب نظرته 'سم' دين العنف والقتل والذبح، ودين رجعي يحرق الكتب. وقد اشار الى ان حرق كتابه من قبل مسلمي برادفورد، كان نوعا من الصلب والتعميد بالحرق. وعليه فرؤية رشدي عن الاسلام تتوافق مع دعاة صدام الحضارات وان 'سرطان' العنف لن يبقى حبيس الحدود الدموية للاسلام بل سينتشر خارج حدوده 'لقد عرف كما كان يعرف ان سرطان العنف المجنون المنتشر داخل المجتمع الاسلامي سينفجر ويخرج الى العالم الاوسع، خارج حدود الاسلام'، ونعرف ان هذه النظرة تأكدت اكثر بعد 9/11 عن 'الفاشية الاسلامية'، كما ان جذور العنف الاسلامي المعاصر عند رشدي نابعة من التعاليم المحافظة التي تنشرها الوهابية في العالم، فمال النفط يبني المدارس في باكستان، ينشر الفكر المتطرف الذي يهدم المساجد والزوايا ويدمر اصنام بوذا في وادي باميان في افغانستان.
المشكلة مع مسلمي بريطانيا
وهنا لا بد من العودة الى النقاش حول روايته، حيث يعيد جوزيف انطون سرد النقاش العام بين المسلمين البريطانيين حول الرواية، وخاصة مجلس مساجد برادفورد، ومجلس الائمة والبرلمان الاسلامي الذي كان يقوده كليم صديقي وهو من كان يطلق التصريحات النارية مطالبا برأس رشدي. ويعتقد رشدي ان دافعا سياسيا قد ادى بالشرطة للافراج عن صديقي عندما اعتقل لتحريضه على القتل، ولكن القاضي اطلق سراحه لعدم توفر الادلة. وهنا لابد من الاشارة الى ان رشدي لا يعترف بوجود اسلام معتدل او ليبرالي، ففي الفتوى يرى ان الكل متفق على اهمية اعتذاره وتقديمه لتنازلات، ويتحدث عن 'توبته' عندما اجتمع مع عدد من الشخصيات المسلمة في محطة 'بادينغتون غرين' من اجل التباحث حول الرواية، ولكن فوجىء كما يقول بان الحاضرين الذين اجتمعوا معه في قاعة ارضية كانت تستخدم للتحقيق مع رجال الجيش الايرلندي الحر 'اي ار ايه'، قد اعدوا له بيانا كي يوقعه ويعلن فيه اعتذاره، فعندما قرأه قال لهم هذا بيان ركيك ومليء بالاخطاء النحوية، فقالوا له انت الكاتب صححه، وفي النهاية وقع على البيان بتصحيحاته، ثم طلبوا منه ان يقول 'القلمة' اي الشهادة. انتهى الاجتماع بحميمية سلام وعناق، ولكن جوزيف انطون شعر بالقرف من نفسه لما فعله، كما ان شقيقته سامين قالت له 'هل فقدت عقلك' وفعلا فقد عقله كما يقول. كانت هذه المحاولة من اجل رفع الفتوى عنه واستعادته حريته لكنها لم تنفع، لان الفتوى لم تصدر من الازهر او من لندن، ومن وضع الجائزة على رأسه لم يكن من السعودية او القاهرة بل من طهران، وعليه فمشكلة رشدي هي مع طهران كما هي مع كل المسلمين. ولاعترافه بان الحل يأتي من طهران، يسرد محاولات الكثيرين لفتح قنوات مع الايرانيين، منها محاولة مع كمال خرازي في الامم المتحدة، واخرى مع الامريكيين، ولكن حظ رشدي السيىء هو ان الامريكيين كانوا مشغولين بقضية الرهائن في لبنان. وعندما تلقى دعوة لالقاء كلمة في جامعة كولومبيا، طلب منه السفير الامريكي في لندن تأجيلها بضعة اشهر حتى لا تتعطل جهود اطلاق سراح الرهائن، في النهاية ذهب الى كولومبيا والقى كلمته فيها ثم 'تخلص' منه الامريكيون ورموه في المطار كي يعود الى سجنه البريطاني.
عطف القارىء
يحاول جوزيف انطون ان يستدر عطف القارىء وينجح في هذا عندما يصف الاهانة التي تعرض لها، كما قلنا الترتيبات الامنية، الحرمان من رؤية ابنه، ظافر الذي قال له مرة، متى سيكون لنا بيت دائم. والاهانة كانت تصل الى اقصى حدودها عندما يختبىء في الحمام لساعات كي يتم اصلاح عطل كهربائي او الغاز في البيت الذي كان يختبىء به. بالاضافة للعبة القط والفأر، جوزيف انطون كان يواجه معركة يومية للاتصال بابنه حيث كان ينقل لاميال كي يتصل من هاتف عمومي بزوجته الامريكية او ابنه. وعلى ذكر زوجته الامريكية ماريان، يكتب عن المعركة معها، فهي كاتبة مثله، قرفت من عيشة الخوف والتنقل، وكانت مصدر تعاسة نفسية له، كما انها كانت كما يقول تنقل للصحافة صورة مشوهة عنه وعن معاملته لها، بل لاخته سامين. ومن جهة اخرى كانت ام ابنه كلاريسا تضغط عليه، حيث قالت له ان الفتوى اثرت على حياتها وطلبت منه شراء شقة لها. في مقابل حس الاهانة كان جوزيف انطون يقابل اصدقاءه بالسر طبعا، يحضر حفلات ميلاد واعياد رأس السنة، وحفلات خاصة، ويقابل الكبار الذين يتعهدون له بالعمل من اجل قضيته، فمن كان الى جانبه من المثقفين هم اصدقاوه البريطانيون، مارتن ايميس وايان ماكيوان، والان ينتوب وهارولد بنتر، وامريكيا، سوزان سونتاج، ونورمان ميللر، وهناك نادين غورديمر من جنوب افريقيا، وفاكلاف هافل الذي تجنب لقاءه في سفارة بلاده في لندن خوفا من عيون الحرس القديم وهاتفه رشدي في فندقه، كما كان من المدافعين عنه ادوارد سعيد، الناقد والمفكر الفلسطيني، الذي التقاه في بيت صديق له كويتي. كما قال له سعيد انه تحادث مع ياسر عرفات في موضوعه، واستعد الزعيم الفلسطيني للمساعدة ولكن عرفات اضاف ان هناك انتفاضة وقد يؤثر تدخله على وضعها. وفي مرحلة لاحقة سيجد رشدي اصدقاء كثرا في الدول الاسكندنافية، في النرويج والدانمارك. كل هذه الجهود مع منظمة ' القلم' العالمية، و'البند 19' لم تنجح في رفع الفتوى او زحزحة الموقف الايراني.
جذوره
يكتب رشدي عن عائلته، الليبرالية ووالده انيس الذي كان يشرب كثيراـ ويعطي صورة عنه بالعصبي المزاج، والمتقلب الذي ينتقل من حالة الفرح للغضب، ويشير الى حادث عندما احضره والده الى لندن كي يدخله المدرسة 'رغبي' وكيف سكر والده واخذ يسبه ويهزه بعنف وهي الحادثة التي اثرت فيه كثيرا. كان دخوله المدرسة بمثابة تحرر له من عنف الاب، ومع ذلك شعر بالحزن الشديد على والده الذي مات بالسرطان والذي قضى معه ايامه الاخيرة. كما يكتب عن ايامه الاولى وكفاحه مع زوجته كلاريسا وانجازه عمله الاول 'اطفال منتصف الليل' بعد سلسلة من المحاولات. وفي صفحات اخرى يصف حزنه الشديد على وفاتها. وفي داخل السيرة حديث الروائي عن ولادة اعماله الاخرى التي جاءت بعد 'الايات الشيطانية'، خاصة كتابه لابنه ظافر 'هارون وقصص البحر'، و'التنهيدة الاخيرة للعربي'، و'غضب' وشاليمار البهلوان' وروايات اخرى، ويفصح الكاتب فيها عن البذور الاولى لولادة هذه الاعمال وكيفية تطورها، اضافة الى محاضراته وكتبه التي جمع فيها مقالاته مثل 'وطن متخيل'.
تكرار
مشكلة مذكرات رشدي انها تعتمد على يومياته وهناك نزعة للتكرار خاصة فيما يتعلق بالفتوى وتطور رد الفعل عليها وبداية رحلته في الهروب، كما ان استراتيجيته لابعاد نفسه عبر الحديث من خلال معادله جوزيف انطون تجعل من القارىء يتشوش، فهو يتحدث عن نفسه عندما يتعلق الامر بأعماله وعن معادله عندما يتعلق الامر بالفتوى وملاحقته. وان كان رشدي في ملمح اخر لا يتسامح مع نقاده الاسلاميين، متطرفين ام معتدلين فهو لم يتسامح مع نقاده من الساسة او الكتاب من 'الخونة' مثل جون لوكاري، وجون بيرغر، ارونداتي روي، جوزيف برودسكي، جيرمان غريير، وحتى طارق علي لم يسلم منه مع ان هذا وقف الى جانبه ودافع عن حرية التعبير ليتهمه رشدي بالكذب. يحاول رشدي مواجهة نقاده الذين وصفوه بالتعجرف وقلة الموهبة بوضع الكثير من الاوصاف على نفسه بالحنون والشجاع والمحبوب والمرح، كما لا يبخل بوصف زوجاته الجميلات خاصة باداما لاكشيمي- زوجته الرابعة، بل يقول انه على الرغم مما سببته له ماريان زوجته الثانية من مصاعب الا انه كان يحبها بجنون. ولا يخلو السرد من مغامراته وخياناته لزوجته في استراليا وغيرها. وبالمختصر، يستثمر رشدي كثيرا في تصوير نفسه، بانه كان يعرف ما لا يعرفه الاخرون عن 'سموم' الاسلام الارهابي العنيف. وفي رحلته مع تمجيد نفسه يخلط الحقائق التاريخية ويجد نفسه على الصف المضاد للتاريخ، فهو يتهم الخميني باعلانه الحرب العبثية على العراق، وفي الحقيقة كان صدام هو اول من اعلنها، ومع ذلك يتعاطف مع الرئيس العراقي او شعر بذلك. كما انه يقف مع صف توني بلير، على الرغم من مسؤوليته عن مقتل مئات الالاف من العراقيين في حرب اكثر عبثية من حرب الخميني. كما ويتعاطف مع الغزو الامريكي للعراق واحمد الجلبي الذي رأى فيه الزعيم المنتظر للعراق الديمقراطي، كما يرى في الحرب على افغانستان ضرورة لمواجهة الاسلام المتطرف. رشدي في غضبه او حنقه على الاسلام نفسه، يتعامى على العنف المتجذر في ديانات اخرى، فهو يعرب عن اسفه من الطريقة التي دمر فيها مسجد بابري في ايوديا عام 1992 لكن اسفه جاء لان المسجد يذكره بالعهد المغولي الذي يربطه بالتحرر والعقلانية. في مواقف رشدي، يظل يعبر عن موقف المحافظين الجدد، وترحيبه الاولي بالربيع العربي الذي رآى فيه نزعة من الشباب نحو تبني القيم الديمقراطية الانسانية، وعندما انتخب الشباب العربي الاحزاب الاسلامية اعتبر رشدي ان الربيع العربي قد 'انتهى'.
نقمة على الهند
قبل ان نختم نود الاشارة الى نقمة رشدي على الهند العلمانية والديمقراطية على الرغم من مظاهر قصورها، ووجه النقمة هو موقفها من 'الآيات الشيطانية' التي لم تمنعها بل حظرت استيرادها من الخارج. وقد كتب لراجيف غاندي، رئيس الحكومة في حينه ان التاريخ يقف الى جانب روايته وبالضرورة لجانبه. ويعتقد رشدي في كل مواقفه انه يقف على الجانب الصحيح من التاريخ، حتى لو عبر عن مواقف متناقضة وصفى حساباته مع الاسلام والمسلمين واخرج الاحداث التاريخية عن سياقها السياسي عندما اكد قائلا ان الاسلام هو المسؤول عن احداث 9/11 وليس المسلمين. في النهاية ما ادت اليه رواية 'الآيات الشيطانية' انها سعرت النقاش وبشكل مستمر حول حدود حرية التعبير وحق الكاتب او الروائي في تناول المقدس ورموزه، والى مدى تذهب فيه الدول لتقييد الحرية هذه. وفي الغرب فالحرية مطلقة والدفاع عنها مهم للديمقراطية. وبالنسبة لرشدي فالحرية ادبية وضرورية ولكنها في الممارسة عنت له النجومية، والحفلات والفنادق والجلوس مع المشاهير، وقد خيبت حياته الاخيرة الكثيرين ممن دعموه ووقفوا الى جانبه.
ناقد من اسرة 'القدس العربي'
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\30qpt899.htm&arc=data\2012\09\09-30\30qpt899.htm
ابراهيم درويش
2012-09-30
في سيرته الذاتية 'جوزيف انطون' يكتب سلمان رشدي عن حياته في الملجأ هربا من الفتوى وعن حياة سلمان المولود في مدينة بومبي الهندية لعائلة هاجرت الى باكستان بعد انشاء دولة باكستان في عام 1947 وهي اللحظة التي ولدت منها روايته الاشهر 'اطفال منتصف الليل'
جوزيف انطون هو الذي يعيش تحت الارض ويقضي وقته فارا من بيت الى بيت، فهو اذا الكاتب الذي هرب من اجل حياته من 'فتوى' الامام الخميني عام 1989، لكن الشخصيتين تندمجان في سيرته الذاتية التي تؤرخ تحديدا لهذه الفترة من حياته والتي استمرت عقدا من الزمن. تكشف السيرة عن تناقضات الكاتب ومواقفه ومزاجيته وفهمه للتاريخ بشكل عام وتاريخه هو ايضا، ولهذا جاءت السيرة بمثابة دفاع مستميت عن روايته المثيرة للجدل 'الآيات الشيطانية' وفيما ان كانت عملا، ادبيا ام كتابا رديئا فنيا او تافها، اغضب مليار مسلم وخدش مشاعرهم عندما تطاولت على الرواية التأسيسية لولادة الاسلام وحطت من قدرها. في 'جوزيف انطون' يزعم رشدي انه كان في عمله الذي لم يتخذ من الدين غلافا يدافع عن نبي الاسلام، وروايته في النهاية هي عن الهجرة ورحلة المنفى، اي انها مكمل لعمله الاول عن 'اطفال منتصف الليل'. يواجه رشدي في السيرة اذا نقاده ويكتب عنهم احيانا بسخرية مرة واخرى مهاجما لهم بأقذع الالفاظ، ويخصص هجومه على المسلمين البريطانيين الذين طالبوا الحكومة بمحاكمته بناء على قانون التجديف. ويهاجم في الاطار نفسه ما يراه النفاق السياسي في داخل النخبة السياسية البريطانية التي دافعت عن حرية التعبير، ادبيا كان ام سياسيا وفي الاطار نفسه غلبت مصالحها الانتخابية، اي الحصول على اصوات المسلمين واسترضتهم عندما خطأت رشدي واتهمته بالحط من قدر النبي وزوجاته. فهؤلاء من امثال كيث فاز وجاك سترو كانوا ممثلين لدوائر انتخابية تعيش فيها غالبية مسلمة. الفتوى والاسلام والمسلمون يحضرون بشكل كبير في قاموس السيرة والا فهي عن رحلته داخل النفق المظلم والهروب اليومي، او الاسبوعي مع فريق الحماية الذي وفرته له المخابرات البريطانية 'ام اي فايف' باعتباره شخصية تتعرض لتهديد كبير، مثل الملكة. وقد اثارت هذه المعاملة حنق بل لنقل حساسية من بعض الدوائر حول استحقاق رشدي لهذه المعاملة التفضيلية، وانه لم يكن وفيا للدولة، دولته التي منحته كل العناية عندما هاجر فيما بعد الى امريكا ليعيش في الضوء والصورة مثل نجم، وليقول في مرحلة ان النجوم وليس الروائيون الادباء هم من يتصدون للقضايا الكبيرة في العالم مثل جورج كلوني في مسألة دارفور، وانجلينا جولي في المسائل الاخرى. مهما كان الامر، فالسيرة تحمل كل ملامح كتابة رشدي ومشكلتها طولها 660 صفحة.
سياسة وادب
بعيدا عن الصور الكاريكاتورية التي يرسمها لنقاده، من مثل وصفه لشيخ الازهر جاد الحق علي جاد الحق بالشخصية الخارجة من 'الف ليلة وليلة' وهو العمل الذي قرأه وقصه عليه والده 'المزاجي' كما يصفه هو في صغره، فالسيرة هي تعبير عن ما رأه رشدي في نقده لاورويل من الامتزاج الذي لا فكاك منه بين السياسة والادب. فالسيرة اذا هي عن الكيفية التي دخل فيها عمل 'ادبي' حلبة السياسة واضطر كاتبه طوال الوقت للدفاع عن قيمته الادبية. فهو يفرح عندما ترشح الرواية لجائزة 'وايت بريد' وفي بعد اخر، اصبحت روايته في مركز جدال سياسي دولي، بين الحكومات، والشعوب، تظاهرات قتل فيها مسلمون وهم يدافعون عن نبيهم، يقول رشدي ان المسلمين هم الذين قتلوا المسلمين في هذا السياق. مما يؤشر الى عدم فهم الكاتب للسياق الذي ادى للغضب الاسلامي الذي لا يعجبه ويعتبره تطرفا. ومع اننا نتحدث عن اختلاط الرواية بالسياسة الا ان رشدي يؤكد مرارا وتكرارا ان عمله 'الآيات الشيطانية' لم يكن بالضرورة عملا سياسيا بل هو اقل اعماله خوضا في السياسة، وما هو الا 'محاولة فنية للتعامل مع ظاهرة الوحي'، وان كانت من منظور كاتب يعتبر نفسه ملحدا او غير مؤمن. وهو هنا يتساءل عن السبب الذي يجعل من هذه المحاولة 'هجوما' على الدين. المشكلة هي ان رشدي في مراحل اخرى من سرده 'محنته' انه يحاول موضعة مغامرته مع الوحي في تقاليد الشك في التاريخ الاسلامي، ففي واحدة من 'هلوساته' وغضبه يكتب رسالة لله، يخاطبه فيها ان الغزالي وابن رشد شكا بوجوده عندما اختلفا حول معرفته بالاشياء، كل الاشياء او بعضها، فالغزالي يراه عالما بكل شيء، وهذا هو جوهر الايمان الاسلامي، اما ابن رشد فدفاعه عن الفلاسفة يجعله في صفهم، فهم خاطىء لمحاولة ابن رشد المدافع عن العقلانية من ناحية واخرى، وهذا هو المهم ان فلاسفة الاسلام في معظمهم 'شكوا' واعتبروا الشك ظاهرة صحية ولكنهم لم يلحدوا الا في حالات قليلة، وحتى الالحاد هذا يجب ان يفهم في سياقاته الاجتماعية والثقافية التي عاشوا فيها. اضافة الى ان ابن رشد وسلفه الغزالي لم يرفضا الرواية التأسيسية للاسلام واصله.
هجوم على النبي
يقول رشدي ان روايته حظيت باحتفاء عالمي من المثقفين وحتى نواب في الكونغرس الامريكي حملوا معهم روايته كي يوقعها لهم عندما قابلهم لعرض مظلمته عليهم، ولم تكن الطبعة الشعبية بل الطبعة الاولى. وحتى لو افترضنا ان النواب الامريكيين قرأوا 'الآيات الشيطانية' ام لا الا ان كل من قرأها او اطلع على اجزائها وحتى من لم يقرأها من عامة المسلمين وزعمائهم وآية الله الخميني جزء منهم اعتبر الرواية هجوما على النبي محمد، فأن تطلق عليه 'ماهوند' قرين الشيطان ـ وان تضع زوجاته الاثنتي عشرة في مكان اثم هو امر فظيع، وحتى لو كان تفسير رشدي لهذا الخيار 'الادبي' نابعا من فهمه للطريقة التي تلقى بها الرسول الوحي، حيث يقول ان النبي محمد عندما ذهب للغار وجاء اليه الوحي لم يكن قادرا على التفريق بين 'الملاك' و'الشيطان'، كما انه احتفى كثيرا برواية الغرانيق التي يرفضها المسلمون. ويشير رشدي في بداية السيرة الى ان اصل الفكرة وتعامله مع الوحي ولدت وهو طالب في جامعة اوكسفورد حيث اختار مساقا من المساقات عن اصول الاسلام وهي الفكرة التي لا زالت رائجة لليوم.
الاسلام هو المشكلة
امر اخر، باد في السيرة ان رشدي لم يغير موقفه ابدا من الاسلام ذاته، فهو يعتقد ان المشكلة تكمن في الاسلام نفسه وليس المسلمين ولا اشخاص مثل 'هو' اي جوزيف انطون، لان رشدي اختار سرد سيرته عبر 'هو ـ اي جوزيف انطون'. وبهذا فالاسلام حسب نظرته 'سم' دين العنف والقتل والذبح، ودين رجعي يحرق الكتب. وقد اشار الى ان حرق كتابه من قبل مسلمي برادفورد، كان نوعا من الصلب والتعميد بالحرق. وعليه فرؤية رشدي عن الاسلام تتوافق مع دعاة صدام الحضارات وان 'سرطان' العنف لن يبقى حبيس الحدود الدموية للاسلام بل سينتشر خارج حدوده 'لقد عرف كما كان يعرف ان سرطان العنف المجنون المنتشر داخل المجتمع الاسلامي سينفجر ويخرج الى العالم الاوسع، خارج حدود الاسلام'، ونعرف ان هذه النظرة تأكدت اكثر بعد 9/11 عن 'الفاشية الاسلامية'، كما ان جذور العنف الاسلامي المعاصر عند رشدي نابعة من التعاليم المحافظة التي تنشرها الوهابية في العالم، فمال النفط يبني المدارس في باكستان، ينشر الفكر المتطرف الذي يهدم المساجد والزوايا ويدمر اصنام بوذا في وادي باميان في افغانستان.
المشكلة مع مسلمي بريطانيا
وهنا لا بد من العودة الى النقاش حول روايته، حيث يعيد جوزيف انطون سرد النقاش العام بين المسلمين البريطانيين حول الرواية، وخاصة مجلس مساجد برادفورد، ومجلس الائمة والبرلمان الاسلامي الذي كان يقوده كليم صديقي وهو من كان يطلق التصريحات النارية مطالبا برأس رشدي. ويعتقد رشدي ان دافعا سياسيا قد ادى بالشرطة للافراج عن صديقي عندما اعتقل لتحريضه على القتل، ولكن القاضي اطلق سراحه لعدم توفر الادلة. وهنا لابد من الاشارة الى ان رشدي لا يعترف بوجود اسلام معتدل او ليبرالي، ففي الفتوى يرى ان الكل متفق على اهمية اعتذاره وتقديمه لتنازلات، ويتحدث عن 'توبته' عندما اجتمع مع عدد من الشخصيات المسلمة في محطة 'بادينغتون غرين' من اجل التباحث حول الرواية، ولكن فوجىء كما يقول بان الحاضرين الذين اجتمعوا معه في قاعة ارضية كانت تستخدم للتحقيق مع رجال الجيش الايرلندي الحر 'اي ار ايه'، قد اعدوا له بيانا كي يوقعه ويعلن فيه اعتذاره، فعندما قرأه قال لهم هذا بيان ركيك ومليء بالاخطاء النحوية، فقالوا له انت الكاتب صححه، وفي النهاية وقع على البيان بتصحيحاته، ثم طلبوا منه ان يقول 'القلمة' اي الشهادة. انتهى الاجتماع بحميمية سلام وعناق، ولكن جوزيف انطون شعر بالقرف من نفسه لما فعله، كما ان شقيقته سامين قالت له 'هل فقدت عقلك' وفعلا فقد عقله كما يقول. كانت هذه المحاولة من اجل رفع الفتوى عنه واستعادته حريته لكنها لم تنفع، لان الفتوى لم تصدر من الازهر او من لندن، ومن وضع الجائزة على رأسه لم يكن من السعودية او القاهرة بل من طهران، وعليه فمشكلة رشدي هي مع طهران كما هي مع كل المسلمين. ولاعترافه بان الحل يأتي من طهران، يسرد محاولات الكثيرين لفتح قنوات مع الايرانيين، منها محاولة مع كمال خرازي في الامم المتحدة، واخرى مع الامريكيين، ولكن حظ رشدي السيىء هو ان الامريكيين كانوا مشغولين بقضية الرهائن في لبنان. وعندما تلقى دعوة لالقاء كلمة في جامعة كولومبيا، طلب منه السفير الامريكي في لندن تأجيلها بضعة اشهر حتى لا تتعطل جهود اطلاق سراح الرهائن، في النهاية ذهب الى كولومبيا والقى كلمته فيها ثم 'تخلص' منه الامريكيون ورموه في المطار كي يعود الى سجنه البريطاني.
عطف القارىء
يحاول جوزيف انطون ان يستدر عطف القارىء وينجح في هذا عندما يصف الاهانة التي تعرض لها، كما قلنا الترتيبات الامنية، الحرمان من رؤية ابنه، ظافر الذي قال له مرة، متى سيكون لنا بيت دائم. والاهانة كانت تصل الى اقصى حدودها عندما يختبىء في الحمام لساعات كي يتم اصلاح عطل كهربائي او الغاز في البيت الذي كان يختبىء به. بالاضافة للعبة القط والفأر، جوزيف انطون كان يواجه معركة يومية للاتصال بابنه حيث كان ينقل لاميال كي يتصل من هاتف عمومي بزوجته الامريكية او ابنه. وعلى ذكر زوجته الامريكية ماريان، يكتب عن المعركة معها، فهي كاتبة مثله، قرفت من عيشة الخوف والتنقل، وكانت مصدر تعاسة نفسية له، كما انها كانت كما يقول تنقل للصحافة صورة مشوهة عنه وعن معاملته لها، بل لاخته سامين. ومن جهة اخرى كانت ام ابنه كلاريسا تضغط عليه، حيث قالت له ان الفتوى اثرت على حياتها وطلبت منه شراء شقة لها. في مقابل حس الاهانة كان جوزيف انطون يقابل اصدقاءه بالسر طبعا، يحضر حفلات ميلاد واعياد رأس السنة، وحفلات خاصة، ويقابل الكبار الذين يتعهدون له بالعمل من اجل قضيته، فمن كان الى جانبه من المثقفين هم اصدقاوه البريطانيون، مارتن ايميس وايان ماكيوان، والان ينتوب وهارولد بنتر، وامريكيا، سوزان سونتاج، ونورمان ميللر، وهناك نادين غورديمر من جنوب افريقيا، وفاكلاف هافل الذي تجنب لقاءه في سفارة بلاده في لندن خوفا من عيون الحرس القديم وهاتفه رشدي في فندقه، كما كان من المدافعين عنه ادوارد سعيد، الناقد والمفكر الفلسطيني، الذي التقاه في بيت صديق له كويتي. كما قال له سعيد انه تحادث مع ياسر عرفات في موضوعه، واستعد الزعيم الفلسطيني للمساعدة ولكن عرفات اضاف ان هناك انتفاضة وقد يؤثر تدخله على وضعها. وفي مرحلة لاحقة سيجد رشدي اصدقاء كثرا في الدول الاسكندنافية، في النرويج والدانمارك. كل هذه الجهود مع منظمة ' القلم' العالمية، و'البند 19' لم تنجح في رفع الفتوى او زحزحة الموقف الايراني.
جذوره
يكتب رشدي عن عائلته، الليبرالية ووالده انيس الذي كان يشرب كثيراـ ويعطي صورة عنه بالعصبي المزاج، والمتقلب الذي ينتقل من حالة الفرح للغضب، ويشير الى حادث عندما احضره والده الى لندن كي يدخله المدرسة 'رغبي' وكيف سكر والده واخذ يسبه ويهزه بعنف وهي الحادثة التي اثرت فيه كثيرا. كان دخوله المدرسة بمثابة تحرر له من عنف الاب، ومع ذلك شعر بالحزن الشديد على والده الذي مات بالسرطان والذي قضى معه ايامه الاخيرة. كما يكتب عن ايامه الاولى وكفاحه مع زوجته كلاريسا وانجازه عمله الاول 'اطفال منتصف الليل' بعد سلسلة من المحاولات. وفي صفحات اخرى يصف حزنه الشديد على وفاتها. وفي داخل السيرة حديث الروائي عن ولادة اعماله الاخرى التي جاءت بعد 'الايات الشيطانية'، خاصة كتابه لابنه ظافر 'هارون وقصص البحر'، و'التنهيدة الاخيرة للعربي'، و'غضب' وشاليمار البهلوان' وروايات اخرى، ويفصح الكاتب فيها عن البذور الاولى لولادة هذه الاعمال وكيفية تطورها، اضافة الى محاضراته وكتبه التي جمع فيها مقالاته مثل 'وطن متخيل'.
تكرار
مشكلة مذكرات رشدي انها تعتمد على يومياته وهناك نزعة للتكرار خاصة فيما يتعلق بالفتوى وتطور رد الفعل عليها وبداية رحلته في الهروب، كما ان استراتيجيته لابعاد نفسه عبر الحديث من خلال معادله جوزيف انطون تجعل من القارىء يتشوش، فهو يتحدث عن نفسه عندما يتعلق الامر بأعماله وعن معادله عندما يتعلق الامر بالفتوى وملاحقته. وان كان رشدي في ملمح اخر لا يتسامح مع نقاده الاسلاميين، متطرفين ام معتدلين فهو لم يتسامح مع نقاده من الساسة او الكتاب من 'الخونة' مثل جون لوكاري، وجون بيرغر، ارونداتي روي، جوزيف برودسكي، جيرمان غريير، وحتى طارق علي لم يسلم منه مع ان هذا وقف الى جانبه ودافع عن حرية التعبير ليتهمه رشدي بالكذب. يحاول رشدي مواجهة نقاده الذين وصفوه بالتعجرف وقلة الموهبة بوضع الكثير من الاوصاف على نفسه بالحنون والشجاع والمحبوب والمرح، كما لا يبخل بوصف زوجاته الجميلات خاصة باداما لاكشيمي- زوجته الرابعة، بل يقول انه على الرغم مما سببته له ماريان زوجته الثانية من مصاعب الا انه كان يحبها بجنون. ولا يخلو السرد من مغامراته وخياناته لزوجته في استراليا وغيرها. وبالمختصر، يستثمر رشدي كثيرا في تصوير نفسه، بانه كان يعرف ما لا يعرفه الاخرون عن 'سموم' الاسلام الارهابي العنيف. وفي رحلته مع تمجيد نفسه يخلط الحقائق التاريخية ويجد نفسه على الصف المضاد للتاريخ، فهو يتهم الخميني باعلانه الحرب العبثية على العراق، وفي الحقيقة كان صدام هو اول من اعلنها، ومع ذلك يتعاطف مع الرئيس العراقي او شعر بذلك. كما انه يقف مع صف توني بلير، على الرغم من مسؤوليته عن مقتل مئات الالاف من العراقيين في حرب اكثر عبثية من حرب الخميني. كما ويتعاطف مع الغزو الامريكي للعراق واحمد الجلبي الذي رأى فيه الزعيم المنتظر للعراق الديمقراطي، كما يرى في الحرب على افغانستان ضرورة لمواجهة الاسلام المتطرف. رشدي في غضبه او حنقه على الاسلام نفسه، يتعامى على العنف المتجذر في ديانات اخرى، فهو يعرب عن اسفه من الطريقة التي دمر فيها مسجد بابري في ايوديا عام 1992 لكن اسفه جاء لان المسجد يذكره بالعهد المغولي الذي يربطه بالتحرر والعقلانية. في مواقف رشدي، يظل يعبر عن موقف المحافظين الجدد، وترحيبه الاولي بالربيع العربي الذي رآى فيه نزعة من الشباب نحو تبني القيم الديمقراطية الانسانية، وعندما انتخب الشباب العربي الاحزاب الاسلامية اعتبر رشدي ان الربيع العربي قد 'انتهى'.
نقمة على الهند
قبل ان نختم نود الاشارة الى نقمة رشدي على الهند العلمانية والديمقراطية على الرغم من مظاهر قصورها، ووجه النقمة هو موقفها من 'الآيات الشيطانية' التي لم تمنعها بل حظرت استيرادها من الخارج. وقد كتب لراجيف غاندي، رئيس الحكومة في حينه ان التاريخ يقف الى جانب روايته وبالضرورة لجانبه. ويعتقد رشدي في كل مواقفه انه يقف على الجانب الصحيح من التاريخ، حتى لو عبر عن مواقف متناقضة وصفى حساباته مع الاسلام والمسلمين واخرج الاحداث التاريخية عن سياقها السياسي عندما اكد قائلا ان الاسلام هو المسؤول عن احداث 9/11 وليس المسلمين. في النهاية ما ادت اليه رواية 'الآيات الشيطانية' انها سعرت النقاش وبشكل مستمر حول حدود حرية التعبير وحق الكاتب او الروائي في تناول المقدس ورموزه، والى مدى تذهب فيه الدول لتقييد الحرية هذه. وفي الغرب فالحرية مطلقة والدفاع عنها مهم للديمقراطية. وبالنسبة لرشدي فالحرية ادبية وضرورية ولكنها في الممارسة عنت له النجومية، والحفلات والفنادق والجلوس مع المشاهير، وقد خيبت حياته الاخيرة الكثيرين ممن دعموه ووقفوا الى جانبه.
ناقد من اسرة 'القدس العربي'
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\30qpt899.htm&arc=data\2012\09\09-30\30qpt899.htm