محمد بن جماعة
New member
- إنضم
- 23/01/2007
- المشاركات
- 1,211
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 38
- الإقامة
- كندا
- الموقع الالكتروني
- www.muslimdiversity.net
هذا المقال يعرف بكتاب صدر حديثا بعنوان (السلطة المذهبية.. التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي) من تأليف وائل حلاق، نشر دار المدار الإسلامي، بيروت 2007.
والموضوع شيق، وقد أثار في نفسي تساؤلات حول مسائل عديدة مثل (طبقات العلماء) و(دور العالم) وحقيقة التجاذب بين الفقهاء والمحدثين، وسر غياب (أو ضعف) السلطة الاجتماعية للمفسرين في واقعهم، مقارنة بما كان للفقهاء والمحدّثين، وعن صياغة مفهوم (التقليد والاتباع) ودوره في ثبات المذاهب ، إلى غير ذلك..
"سلطة المذهب الفقهي "ومرجعياته واستمراره
بقلم - د. رضوان السيد
المصدر: إسلام أون لاين
قد تحطّمت المذاهب الفقهية في القرن العشرين تحت وطأة أصوليتين: الأصولية الحداثية، والأصولية الإحيائية (السلفية والثورية). لكن ذلك لا ينبغي أن يُنسيَنا واقعا تاريخيا واجتماعيا وثقافيا استمر لما يقارب العشرة قرون، وخلّف أدبيات هائلة تتجاوز المليون عدا في شتى فنون الكتابة الفقهية.
وقد شغلني على الدوام أمران في المذاهب الفقهية: سرُّ السلطة التي اكتسبها الفقهاء، وسر الثبات والاستمرار للمذاهب الفقهية عبر العصور. ووائل حلاق يبحث في («السلطة المذهبية.. التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي» بيروت دار المدار الإسلامي 2007م) من خلال أمرين اثنين: الآليات والتقنيات، والتقليد الفقهي.
في الآليات والتقنيات يدرس حلاق فكرة «طبقات الفقهاء»، والتي ظهرت من وجهة نظره مطلع القرن الخامس بعد اكتمال تكون المذاهب. وهذا أمر حسن، لكنه يتعلّق بمرحلة تالية على تشكل المذاهب، وتكوُّن أو ظهور سلطتها أو مرجعياتها تجاه السلطات السياسية، وتجاه الجمهور.
وكنت أود لو درس مسألة الطبقات، أي طبقات العلماء بحد ذاتها، وهي تعود إلى مطلع القرن الثالث، ويبدو فيها ذلك الصراع بين الفقهاء والمحدّثين (بين العلل لابن المديني، وطبقات ابن سعد، وطبقات خليفة بن خياط، والتاريخ والعلل للفَسَوي).
وكنت قد عثرت على نص في «الإمامة والسياسة» المنسوب لابن قُتيبة، يذكر فيه سَلَمة بن ذُؤيب (في العام 65 هـ) باسم الفقيه، بينما كان المتعارف عليه وقتها لمصطلح العالم تسميته بالقارئ، كما هو معروف. ثم إن لدينا أخبارا ونصوصا من القرنين الأول والثاني عن التنافس بين الفقهاء والقضاة، والأهم: التصارع بين السلطة السياسية والفقهاء على التشريع أو الاشتراع (النصوص في سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم عن علاقة سلطة أمير المؤمنين التشريعية بالقرآن والسنة، واقتراحات ابن المقفع على السفّاح أو المنصور في رسالة الصحابة بشأن أمرين: معنى لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، واشتراع قانون موحَّد للقضاة).
ومما له دلالته أن يصطدم المأمون بالمحدثين وأهل السنّة وليس بالفقهاء، بعد أن كان والده هارون الرشيد قد عيّن واحدا منهم قاضيا للقضاة. وهكذا فالذي أراه أن القرن الثاني كان قرن صراع وتنافس على المرجعية في الدين بين الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين، وأن الأمر انحسم في القرن الثالث لمصلحة الفقهاء، وحتى كتب السنّة أو صحاحها جرى ترتيبها بحدود معينة على الأبواب الفقهية لكي يستفيد منها هؤلاء في اجتهاداتهم وأحكامهم المستنبطة.
وقد أشار الأستاذ حلاق إلى هذا الأمر في كتابه الآخر: «نشأة الفقه الإسلامي» عندما سمى النظام الإسلامي التاريخي: نظام حكم القانون، باعتبار أن القانون أو التشريع لا تصطنعه السلطة السياسية، بل يُعدّه وينظمه الفقهاء، وتنفذه السلطة السياسية.
وعلى أي حال، فإن مسألة «السلطة» هذه تتعمق في الفصل التالي لفصل طبقات الفقهاء، وهو «بداية ظهور الاجتهاد، وتأصيل مرجعيته لاحقا». وفي هذا الفصل بالذات لا يدرس وائل حلاق أسباب وصول الفقيه بالذات إلى سدة المرجعية دون الأصناف الأخرى للعلماء، بل يدرس طبيعة سلطة أو ماهية سلطة هؤلاء الذين اعتبروا مؤسسين للمذاهب الفقهية، وأقدمهم اثنان: أبو حنيفة ومالك بن أنَس.
والأمر صعب في حالة أبي حنيفة لأننا لا نعرف له رأيا إلا من خلال تلميذيه أو صاحبيه أبي يوسف ومحمد. والأمر أوضح إن لم يكن أسهل في حالة مالك الذي ترك مؤلفا مشهورا هو «الموطأ»، لكن نظرة متفحصة فيه تشير إلى أن آراء مالك الخاصة لا تزيد على أكثر من الثلث بقليل، أما الآراء الباقية فهي أعراف فقهاء المدينة من شيوخه وشيوخهم، وإجماعاتهم.
ومع أن الأستاذ وائل حلاق يعقد بعد ذلك فصولا للفقيه والمفتي والمرجعية، وهي أمور شديدة الحساسية، لكن فصوله في التقليد أو التقليد والتجديد هي أروع ما في هذا الكتاب القيّم.
معنى «التقليد» في المذهب يعود حلاق إلى الآليات والتقنيات والاصطلاحات والأعراف التي سادت في المذاهب الثلاثة على الأقل: الحنفي والمالكي والشافعي. ثم يدرس مآلات مصطلحات وتعابير مثل الفقيه والمفتي والمصنِّف، ومصطلحات وتعابير مثل الخلاف والراجح وقواعد المذهب وأصحاب الوجوه.
ولأن الدارس عمل طويلا في «أصول الفقه» فهو يمزج هنا بين التقنيات والمصطلحات الأصولية والفقهية. وتظهر لديه تمييزات بين الأصول والقواعد والمقاصد. وأحسب أن هذا البحث هو الأكثر بين ما قرأت في السنوات الأخيرة كشفا لأسباب الاستمرار الذي حققته المذاهب الفقهية عبر القرون العشرة التي عاشتها متمتعة بالصدارة في التفكير والممارسة الإسلامية.
ويحتاج الأمر إلى قراءة مطولة، ذلك أن الكتاب نفسه مؤسس على بحوث أخرى كثيرة للمؤلف وزملائه وتلامذته في العقد الأخير من السنين. وهكذا فللمرة الأولى تُسفر المذاهب الفقهية عن وجهها الغارق في عوالم القرون، وعوالم كتب وأدبيات الفتاوى والفروق والقواعد. وهي عوالم توشك أن تُصبح جزءا من التاريخ الثقافي والتشريعي للإسلام.
--------------------------------------------------------------------------------
مفكر لبناني
والموضوع شيق، وقد أثار في نفسي تساؤلات حول مسائل عديدة مثل (طبقات العلماء) و(دور العالم) وحقيقة التجاذب بين الفقهاء والمحدثين، وسر غياب (أو ضعف) السلطة الاجتماعية للمفسرين في واقعهم، مقارنة بما كان للفقهاء والمحدّثين، وعن صياغة مفهوم (التقليد والاتباع) ودوره في ثبات المذاهب ، إلى غير ذلك..
"سلطة المذهب الفقهي "ومرجعياته واستمراره
بقلم - د. رضوان السيد
المصدر: إسلام أون لاين
قد تحطّمت المذاهب الفقهية في القرن العشرين تحت وطأة أصوليتين: الأصولية الحداثية، والأصولية الإحيائية (السلفية والثورية). لكن ذلك لا ينبغي أن يُنسيَنا واقعا تاريخيا واجتماعيا وثقافيا استمر لما يقارب العشرة قرون، وخلّف أدبيات هائلة تتجاوز المليون عدا في شتى فنون الكتابة الفقهية.
وقد شغلني على الدوام أمران في المذاهب الفقهية: سرُّ السلطة التي اكتسبها الفقهاء، وسر الثبات والاستمرار للمذاهب الفقهية عبر العصور. ووائل حلاق يبحث في («السلطة المذهبية.. التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي» بيروت دار المدار الإسلامي 2007م) من خلال أمرين اثنين: الآليات والتقنيات، والتقليد الفقهي.
في الآليات والتقنيات يدرس حلاق فكرة «طبقات الفقهاء»، والتي ظهرت من وجهة نظره مطلع القرن الخامس بعد اكتمال تكون المذاهب. وهذا أمر حسن، لكنه يتعلّق بمرحلة تالية على تشكل المذاهب، وتكوُّن أو ظهور سلطتها أو مرجعياتها تجاه السلطات السياسية، وتجاه الجمهور.
وكنت أود لو درس مسألة الطبقات، أي طبقات العلماء بحد ذاتها، وهي تعود إلى مطلع القرن الثالث، ويبدو فيها ذلك الصراع بين الفقهاء والمحدّثين (بين العلل لابن المديني، وطبقات ابن سعد، وطبقات خليفة بن خياط، والتاريخ والعلل للفَسَوي).
وكنت قد عثرت على نص في «الإمامة والسياسة» المنسوب لابن قُتيبة، يذكر فيه سَلَمة بن ذُؤيب (في العام 65 هـ) باسم الفقيه، بينما كان المتعارف عليه وقتها لمصطلح العالم تسميته بالقارئ، كما هو معروف. ثم إن لدينا أخبارا ونصوصا من القرنين الأول والثاني عن التنافس بين الفقهاء والقضاة، والأهم: التصارع بين السلطة السياسية والفقهاء على التشريع أو الاشتراع (النصوص في سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم عن علاقة سلطة أمير المؤمنين التشريعية بالقرآن والسنة، واقتراحات ابن المقفع على السفّاح أو المنصور في رسالة الصحابة بشأن أمرين: معنى لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، واشتراع قانون موحَّد للقضاة).
ومما له دلالته أن يصطدم المأمون بالمحدثين وأهل السنّة وليس بالفقهاء، بعد أن كان والده هارون الرشيد قد عيّن واحدا منهم قاضيا للقضاة. وهكذا فالذي أراه أن القرن الثاني كان قرن صراع وتنافس على المرجعية في الدين بين الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين، وأن الأمر انحسم في القرن الثالث لمصلحة الفقهاء، وحتى كتب السنّة أو صحاحها جرى ترتيبها بحدود معينة على الأبواب الفقهية لكي يستفيد منها هؤلاء في اجتهاداتهم وأحكامهم المستنبطة.
وقد أشار الأستاذ حلاق إلى هذا الأمر في كتابه الآخر: «نشأة الفقه الإسلامي» عندما سمى النظام الإسلامي التاريخي: نظام حكم القانون، باعتبار أن القانون أو التشريع لا تصطنعه السلطة السياسية، بل يُعدّه وينظمه الفقهاء، وتنفذه السلطة السياسية.
وعلى أي حال، فإن مسألة «السلطة» هذه تتعمق في الفصل التالي لفصل طبقات الفقهاء، وهو «بداية ظهور الاجتهاد، وتأصيل مرجعيته لاحقا». وفي هذا الفصل بالذات لا يدرس وائل حلاق أسباب وصول الفقيه بالذات إلى سدة المرجعية دون الأصناف الأخرى للعلماء، بل يدرس طبيعة سلطة أو ماهية سلطة هؤلاء الذين اعتبروا مؤسسين للمذاهب الفقهية، وأقدمهم اثنان: أبو حنيفة ومالك بن أنَس.
والأمر صعب في حالة أبي حنيفة لأننا لا نعرف له رأيا إلا من خلال تلميذيه أو صاحبيه أبي يوسف ومحمد. والأمر أوضح إن لم يكن أسهل في حالة مالك الذي ترك مؤلفا مشهورا هو «الموطأ»، لكن نظرة متفحصة فيه تشير إلى أن آراء مالك الخاصة لا تزيد على أكثر من الثلث بقليل، أما الآراء الباقية فهي أعراف فقهاء المدينة من شيوخه وشيوخهم، وإجماعاتهم.
ومع أن الأستاذ وائل حلاق يعقد بعد ذلك فصولا للفقيه والمفتي والمرجعية، وهي أمور شديدة الحساسية، لكن فصوله في التقليد أو التقليد والتجديد هي أروع ما في هذا الكتاب القيّم.
معنى «التقليد» في المذهب يعود حلاق إلى الآليات والتقنيات والاصطلاحات والأعراف التي سادت في المذاهب الثلاثة على الأقل: الحنفي والمالكي والشافعي. ثم يدرس مآلات مصطلحات وتعابير مثل الفقيه والمفتي والمصنِّف، ومصطلحات وتعابير مثل الخلاف والراجح وقواعد المذهب وأصحاب الوجوه.
ولأن الدارس عمل طويلا في «أصول الفقه» فهو يمزج هنا بين التقنيات والمصطلحات الأصولية والفقهية. وتظهر لديه تمييزات بين الأصول والقواعد والمقاصد. وأحسب أن هذا البحث هو الأكثر بين ما قرأت في السنوات الأخيرة كشفا لأسباب الاستمرار الذي حققته المذاهب الفقهية عبر القرون العشرة التي عاشتها متمتعة بالصدارة في التفكير والممارسة الإسلامية.
ويحتاج الأمر إلى قراءة مطولة، ذلك أن الكتاب نفسه مؤسس على بحوث أخرى كثيرة للمؤلف وزملائه وتلامذته في العقد الأخير من السنين. وهكذا فللمرة الأولى تُسفر المذاهب الفقهية عن وجهها الغارق في عوالم القرون، وعوالم كتب وأدبيات الفتاوى والفروق والقواعد. وهي عوالم توشك أن تُصبح جزءا من التاريخ الثقافي والتشريعي للإسلام.
--------------------------------------------------------------------------------
مفكر لبناني