بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
أخوتي في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
محاولة منا القيام بدورنا في إحياء بيوت الله خاصة في رمضان.. رأينا أن نقوم ببعض الدروس حول الصلاة.. ليتعلم الناس ما يتعلق بالصلاة.. ولأننا قليلوا علم.. فقد ارتكز اجتهادنا على قليل ما تعلمناه مما هو مبثوث في الكتب وفي صوتيات العلماء..
وقبل أن نقدم هذه الدروس للناس رأينا أن نعرضها على السادة أهل العلم فمن رأى فيها خطأ أو نقصا فلينبهنا إليه حتى لا نقول بغير علم فنهلك ونهلك ونضل ونضل.. نسأل الله الهداية والثبات..
واعلموا أن جهدكم معنا هو في سبيل الله فاحتسبوا الأجر واسألوا لنا جميل الهدى..
ونبدأ مع الدرس الأول :
ويتعلق بتارك الصلاة..
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
الْحَمْد لِلَّه، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُه وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ الْلَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الَلّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ..
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾، (آل عمران: 102)
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ ( النساء:1) .
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ (الأحزاب: 70،71)
أما بعد،
فَإِنَّ خير الكلام كلام الْلَّهِ تَعَالَي وَخير الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرِّ الْأُمُورَ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِهِ وَكُلْ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ الْنَّارِ.
الْلَّهُمَّ صَلّىِ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَبَارِكْ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ..
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا..
ارزقنا علما ينفعنا وعملا يرفعنا..
استر عوراتنا..
وأمن روعاتنا..
فرج كروبنا..
اغفر ذنوبنا..
تول أمرنا..
أحسن خلاصنا..
فك أسرنا..
ارحم ضعفنا..
عجز الطبيب فداونا..
ظهر الفساد فنجنا..
قلت حيلتي فتولنا..
اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما..
واجعل تفرقنا بعده معصوما..
ولا تدع فينا شقيا ولا محروما..
أوردنا حوض نبينا..
اشملنا بشفاعة حبيبنا..
اسقنا بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا..
آمين..
............................
عن أبي هريرة، بإسناد صحيح، قال :
إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين فإذا كان مؤمنا، كانت الصلاة عند رأسه.. والزكاة عن يمينه.. وكان الصيام عن يساره.. وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه.. فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل.. فيؤتى من عند يمينه.. فتقول الزكاة ما قبلي مدخل.. فيؤتى عن يساره فيقول الصيام ما قبلي مدخل.. فيؤتى من عند رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل.. فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب فيقال له: أخبرنا عما نسألك فيقول دعوني حتى أصلي فيقال له إنك ستفعل فأخبرنا عم نسألك عنه فيقول وعم تسألوني فيقال أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وما تشهد به عليه فيقول أمحمد فيقال له نعم فيقول أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له انظر إلى ما أعد الله له لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له انظر ما صرف الله عنك لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ثم يجعل نسمة في النسم الطيب وهي طير خضر تعلق شجر الجنة ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه من التراب وذلك قول الله عز وجل :
(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)،
عن الحكم بن ثوبان ثم يقال له نم فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه قال أبو هريرة وإن كان كافرا فيؤتى من قبل رأسه فلا يوجد شيء ثم يؤتى عن يمينه فلا يوجد شيء ثم يؤتى عن شماله فلا يوجد شيء ثم يؤتى من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له اجلس فيجلس فزعا مرعوبا فيقال له أخبرنا عم نسألك عنه فيقول وعم تسألون قالوا إنا نسألك عن هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد به عليه فيقول أي رجل فيقال هذا الرجل الذي كان فيكم فلا يهتدي لاسمه فيقال له محمد صلى الله عليه وسلم فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له ذلك مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه وهي المعيشة الضنك قال الله تعالى:
(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).
نحن اليوم سنبدأ مع ما يكون عند رأس العبد المؤمن عند السؤال.. فإذا كان مؤمنا، كانت الصلاة عند رأسه.. فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل.. نحن اليوم مع الصلاة.. مع أعظم الأركان العملية، والأمر بالصلاة في كتاب الله تعالى وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ليس أمرًا مجردًا بل هو أمر له وقت وله كيفية مخصوصة، لذلك فإن الله تعالى لما أمرنا في القرآن، وكنت أشرت إلى هذا فيما مضى.. لما أمرنا بأن نصلي قال:
﴿ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ (الأنعام:72) ،
﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ (النساء:103) ،
في كل الآيات.. إلا في آية واحدة في القرآن قال : فصل..
أتعرفونها ؟
فصل لربك وانحر..
لماذا إذن في كل مرة يقول أقيموا الصلاة.. أقم الصلاة ؟ إلا في الكوثر قال : فصل ؟
أعتقد والله أعلم أن الأمر في سورة الكوثر يتكلم عن التوحيد ومن تصح له العبادة.. وفي البقية جاء الأمر بالعانية بذات العبادة .
أي أن تكون الصلاة لله وحده دون سواه وكذلك النحر.. فلا صلاة لصنم ولا ذبح على نُصب.
هو الذي أعطاك وهو الذي منحك ورفع قدرك فإذا هو المستحق وحده دون سواه للعباده
في معرض الحديث عن الكيفية قال : أقم ...وفي معرض الحديث عن المستحق قال : صل لربك.
أقيموا الصلاة : قضية خطيرة ...نغفل عنها كثيرا ....إقامة الصلاة تحتاج إلى حضور قلب وصدق مع الله وخشوع واستحضار عظمة الله.. ما قدرنا الله حق قدره.....
فكلمة أن تقيم الصلاة ليس معناها أن تصلي، بل إقامة الصلاة قدر زائد على مجرد الصلاة وهي الصلاة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث لما قيل له إن فلانًا يصلي ويسرق قال:
« ستنهاه صلاته يومًا » .
أي إن العبد إذا أقام الصلاة نهته، وهذه الإقامة هي المعنية في قول الله تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ (العنكبوت:45)
فالصلاة المحلاة بالألف واللام تفيد العهد، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بإسناد صحيح..
ولعل سائلا يسأل هنا :
هل تارك الصلاة يكفر كفرا يخرجه من الملة ؟
وجوابنا، هنا يكون لثلاثة :
الأول، لعامة الناس،
والثاني، لتارك الصلاة نفسه،
والثالث، لمن يتسرع في تصيد أخطاء الناس ليخرجهم من دين الله..
فالجواب، في مثل هذه المسائل، يكون بمقتضى حال المخاطب..
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال : يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان ؟ يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر، ثم قال : إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر : والله إن شاء الله لأقومن بذلك أو ل مقام أقومه بالمدينة، وقد فعل..
فإن الإنسان خلق عجولا.. هكذا هو.. يستعجل كل شيء..
عجول حتى في حكمه على الأشياء..
فتجده يحكم على الناس بما يرى فيهم وينكر ولو رجع إلى نفسه لحكم على نفسه بالنار.. لكنه يغفل..
ولهذا كان الحلم والتأني من أحب الخصال لله ورسوله.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ : (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ : الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ).
ولك أن تنظر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام..
لو عدنا بالتاريخ إلى الوراء قليلا.. لوجدنا أن همة المسلمين لا تثور إلا بإيعاز من الإعلام..
لا تثور هذه الهمم بإيعاز من الإيمان إلا قليلا..
لذلك فكل ثوراتنا تهدأ عن الحق.. وتنحسر بسرعة أكبر مما ثار فيها وهي تطالب بالحق..
أنا أذكركم بكثير..
أذكركم بما وقع منذ أن نشرت صحف الدانمرك الرسوم المسيئة للإسلام.. طبعا وقتها ما كانت عندنا الجرأة حتى بأن ننكر عمل الدانمرك..
وكان بإمكاننا أن نقدم لأنفسنا وللناس صورا جديدة ما نشرتها صحف الدانمرك ولا النرويج.. وما استطاع أحد أن ينشرها لحد الآن..
مع العلم أنها صور كان يجب أن ننشرها نحن المسلمون..
صور كان علينا أن نعيشها ونتمثلها نحن الشباب المسلم ..
وقبل أن نبدأ بتقليب هذه الصور أود أن تعيروني قلوبكم قبل أسماعكم..
الصورة الأولى :
وهي من صور عفو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ...فقد عفى رسولنا الكريم عن أشد المعاندين له، وحشي الذي قتل حمزة عم النبي وسيد الشهداء... وعفى عن أبي سفيان، وعفى عن زوج أبي سفيان.. هند التي أكلت من كبد عمه الشهيد.. وعفى عن من كان أهدر دمه مثل كعب بن زهير وغيره كثير.. فلماذا لا نستحضر هذه الصور في حياتنا.. في تعاملاتنا.. في علاقاتنا..
اسمعوا هذه..
من أجمل صور العفو كان عفوه عن هبار بن الاسود الذي كان سببا في وفاة ابنته زينب وقتل جنينها ...
حيث انه بعد هجرة الرسول وأصحابه من مكة الى المدينة وكل من امن به واتبعه وكذلك بناته فاطمة ورقية وأم كلثوم أصبحت زينب وحيدة تتلفت حولها وإذ بمكة قد خلت من أهلها وأحبابها وقد كان زوجها أبو العاص مازال يعبد الأصنام والحجارة....و كان مع أسرى الكفار في غزوة بدر..حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخلى سبيله على أن يرد له زينب...وهكذا جمعت زينب متاعها للحاق بأبيها وتحدث في أمر رحيلها رجال قريش ونساءها وأشفقت أن تخرج بنت محمد من بينهم سالمة فخرج إليها (هبار بن الأسود)و(نافع بن عبد القيس)....
فقام هبار بترويعها في الهودج وكانت وقتها حاملا" فغدت تنزف دما"وفقدت جنينها...وعندما وصلت رسول الله ورأى ابنته تنزف فأصابه الكدر وسمع ما كان من هبار من قسوة عليها فأهدر دمه....
أما هبار بن الأسود بعد أن جنى ما جنى وأهدر النبي (صلى الله عليه وسلم) دمه، جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله..
فقبل النبي (صلى الله عليه وسلم) إسلامه..
فخرجت سلمى مولاة النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت لهبار: لا أنعم الله بك عينا، أنت الذي فعلت وفعلت..
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الإسلام محا ذلك.. ونهى عن التعرض له.
وعن ابن عباس قال: حينما كان هبار يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيت رسول الله وهو يطأطأ رأسه استحياءً مما يعتذر هبار..
ويقول له: قد عفوت عنك..
الصورة الثانية:
عندما خرج صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة ثقيف طلباً للحماية مما ناله من أذى قومه، لم يجد عندهم من الإجابة ما تأمل، بل قابله ساداتها بقبيح القول والأذى، وقابله الأطفال برمي الحجارة عليه، فأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن ومن التعب الشديد ما جعله يسقط على وجهه الشريف، ولم يفق إلا و جبريل رضي الله عنه قائماًعنده يخبره بأن الله بعث ملك الجبال برسالة يقول فيها: إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلاً: ( أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري ، فأي شفقة وأي عفو وصفح وحلم من إنسان يُضاهي هذا الحلم إلا حلمه عليه السلام.
الصورة الثالثة:
ولما كُسِرت رُباعيته صلى الله عليه وسلم وشُجَ وجهه يوم أُحد، شَقَ ذلك على أصحابه، وقالوا: يا رسول الله ادعُ على المشركين، فأجاب أصحابه قائلاً لهم: ( إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم.
الصورة الرابعة:
وأقبل ذات مرة الطفيل بن عمرو الدوسي على النبي صلى الله عليه وسلم، طالباً منه الدعاء على أهل دوس لعصيانهم ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رفع يديه مستقبل القبلة قائلا: ( اللهم اهد دوساً ) رواه البخاري.
الصورة الخامسة:
و وأعظم من ذلك موقفه مع أهل مكة، بعدما أُخرج منها وهي أحب البلاد إليه، وجاء النصر من الله تعالى، وأعزه سبحانه بفتحها، قام فيهم قائلاً: (ما تقولون أني فاعل بكم ؟) قالوا : خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: ( أقول كما قال أخي يوسف ) : (لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين) (يوسف:92)، (اذهبوا فأنتم الطلقاء) رواه البيهقي.
فما أحوجنا إلى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا الخلق الكريم، والطبع النبيل، (أولئك الذين هدى اللَّه فبهداهم اقتده) (الأنعام:90).
ولكن العجل..
خلق الإنسان من عجل..
وكان الإنسان عجولا..
العجل هو الأمر الذي فرق بين سيدنا موسى عليه السلام والخضر.. حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رحم الله أخي موسى لو صبر لقص علينا الله من خبرهما ما شاء)، صحيح.
وإنما عجلة الإنسان..
تكون عجلة الإنسان في بعض الحالات بدافع.. وقد يكون الجهل دافعها إذا كانت الغاية معرفة النتيجة..
فالله تعالى يبين لنا من خلال قصة موسى والخضر أن الحق والنتيجة لابد لها من تمحيص..
فاصبروا قبل أن تحكموا على الناس.. واصبروا وأنتم تسمعون واصبروا وأنتم تتعلمون.. واصبروا وأنتم تتعاملون.. واصبروا واصبروا واصبروا..
وأنا إذا تكلمت وجب علي أن أتكلم بحق وبصبر.. وأن أتكلم وفق حالة المخاطب.. حتى لا ينفر..
ولا يبيح لي هذا الأمر أن أغلظ أمر الدين حتى ينفره الناس..
ولا أن أزين الكفر للناس حتى يستحسنوه..
فإن من الأئمة من يزين المعصية ويعظم رحمة الله وتجاوزه عنا حتى يقول العاصي دعوني على معصيتي وسيغفر الله لي..
قلت الجواب على السؤال يكون لثلاث فئات من الناس :
الأول، لعامة الناس، فجوابنا للعامة أن تارك الصلاة هو أحد اثنين:
- أن يتركها جملة
- أو أن يكون من اللذين يصلون أحيانا ويتركون أحيانا
فأما الثاني، أي اللذي يصلي أحيانا ويترك أحيانا، فلا أجد من كفره الكفر المخرج من الملة.. واستدل البعض على عدم تكفيره أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : بين المرء والكفر ترك الصلاة.. كان معناه ترك الصلاة جملة.. ومن فعل بعضها لم يتركها الترك الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ترك بعضها.. فرأوا أن الترك هنا يفهم منه الترك جملة.. أي الترك بإطلاق، فيخرج منه من ترك بعضها وأقام بعضها.. لذلك لا يكفر.
وهو لا يكفر مع أن معصيته ظاهرة.. والواجب تذكيره وتحذيره من الاستهانة بأوامر الله..
وأما من تركها جملة، وهو الأول، فأجود ما قرأت عن هذا الصنف: أن تارك الصلاة جملة، هو نفسه، أحد اثنين :
- إما أن يكون تركها جملة كسلا ولامبالاة منه.
- وإما أن يكون تركها إعراضا أو استكبارا أو شكا في وجوبها أو تكذيبا بها.
فالثاني عند جميع العلماء كافر كفرا بينا ظاهرا.. وأكاد لا أجد من هذا الصنف أحدا في مجتمعاتنا والحمد لله. وبيان كفره الكفر المخرج من الملة ما يلي :
- فأما الإعراض، فقوله تعالى :
(والذين كفروا عما أنذروا معرضون) ( الأحقاف : 3)
- وأما الاستكبار فقوله تعالى :
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) ( البقرة : 34)، الإستكبار والإباء وإن كان مع التصديق وهو الغالب.
- وأما الشك فقوله تعالى :
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ( 35 ) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ( 36 ) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا ( 37 )) ( الكهف : 35-37)
- وأما التكذيب فقوله تعالى :
(ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) ( العنكبوت : 68)
وأما الصنف الأول، والذي عليه أغلب من ترك الصلاة في مجتمعاتنا، فإن أغلب من ترك الصلاة إذا دعوته إلى الصلاة قال لك نسأل الله أن يهدينا حتى نصلي.. فهو يقر بها فرضا واجبا عليه، لكنه يجد في نفسه غلبة للشيطان عليه فلا يصلي.. فهو في ظاهره مسلم، ولا يصح تكفيره ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون القلوب أو يدل عليه.. فإن قامت دولة الإسلام فخير بين القتل حدا لردته والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة، فاختار القتل عليها فهو كافر، فإن اختار الصلاة دون القتل وحافظ عليها فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم..
ولعل أحدا يقول : ما من أحد من الناس يخير بين الموت والصلاة إلا اختار الصلاة عن الموت..
فجوابه ما روي عن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما أنه قال :
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم قال فلما غشيناه قال لا إله إلا الله قال فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال لي يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا قال أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
فهذا الرجل المقتول اختار لا إله إلا الله فاحتمى بها.. سواء كان ذلك إيمانا منه أو غير ذلك.. فهو قد احتمى بلا إله إلا الله.. ومن احتمى بلا إله إلا الله فقد حمته.. لذلك أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على أسامة قتله حتى تمنى لو أنه أسلم يومئذ..
فإياكم أن تكونوا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألكم ماذا أحدثتم بعدي فلا تجدوا جوابا.. فيدفعكم عنه.. سحقا سحقا..
وتلك رواية البخاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم). قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا ، فقال : هكذا سمعت سهلا ؟ فقلت : نعم ، قال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال : (إنهم مني، فيقال : إنك لا تدري ما بدلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي).
من احتمى بلا إله إلا الله فقد حمته..
ومن احتمى بالصلاة فقد حمته..
حتى الرجل المسلم كائنا من كان في دولة الإسلام، إذا استجار به أحد فأجاره ما استطاع حتى سلطان المسلمين ولا أحد منهم أن ينقض ذلك أبدا.. فما بالك بمن استجار بأمر هو لله تعالى.
وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور . فمن أحدث فيها حدثا . أو آوى محدثا . فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. وذمة المسلمين واحدة . يسعى بها أدناهم) صحيح مسلم.
الثاني، جوابنا لتارك الصلاة نفسه :
فهذا جوابنا له ما أمر به الله تعالى وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه من أمر الصحابة رضي الله عنهم، لا نزيد عليه..
قال تعالى:
(فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة:11]. فانظر عظم الأخوة لمن كتبت ؟
إن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين، ثلاثة شروط:
- أن يتوبوا من الشرك.
- ويقيموا الصلاة.
- ويؤتوا الزكاة.
فمن ترك أحدها فلا أخوة له.. ومن لم تكن أخوته في الدين لأهل الإسلام فلينظر لمن تكون أخوته.. لذلك وجب الحذر.. فالأمر خطير.
ألا ترى قوله تعالى: في آية القصاص:
(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:178]،
فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول، مع أن القتل عمداً من أكبر الكبائر. فما بال أقوام يستخفون بالصلاة فلا يقيموها ؟ ترك الصلاة أعظم من القتل العمد.
انظر في قوله تعالى :
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)) (الحجرات : 9-10)
فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة والطائفتين المقتتلتين، مع أن قتال المؤمن من الكفر.. كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ).
لكنه كفر لا يخرج من الملة، إذ لو كان مخرجاً من الملة، ما بقيت الأخوة الإيمانية معه. الآية الكريمة قد دلت على بقاء الأخوة الإيمانية مع وجود الاقتتال. أما لمن ترك الصلاة فانتفت حتى يعود فيقيمها..
الأمر ليس بالهين أبدا.. فاحذر يا تارك الصلاة..
قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً ) [مريم:60،59].
فالمسلم بتركه للصلاة يعرض نفسه للخطر بالخروج عن الدين.. ولا ينفعه كون العلماء اختلفوا أو لم يختلفوا.. وكفروه أو لم يكفروه.. وأقاموا عليه الحد ردة أم تركوه.. والله ما ينفعه كلام العلماء في اختلافهم إذا وقف أمام الله للسؤال..
المسلم كيس..
والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت..
فإن كنت مسلم.. فهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم أمامك.. فتأمله وفكر فيه.. ودع كلام الناس واعمل من أجل سلامة نفسك..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن. وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله ؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل. توكلنا على الله ربنا)، سلسلة الأحاديث الصحيحة..
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عبد الله.. فكيف حالك أنت يا تارك الصلاة.. وكيف حالنا نحن كلنا ؟
أفيموت أحدنا على معصية وهو يسمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(يبعث كل عبد على ما مات عليه)، مسلم..
أفيموت أحدنا وقد بلغ كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم وما سجد لله سجدة ؟ وما ركع لله ركعة ؟ وما أتم لله صلاة ؟
كيف بتارك الصلاة في يوم هذا وصفه..
(يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) ( الحج : 1-2)
بل كيف بنا في يوم قال الله فيه..
(فإذا جاءت الصاخة * يوم يفر المرء من أخيه * وأمة وأبيه * وصاحبته وبنيه* لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) ( عبس : 33-37)
والله ما تنفعك الفتاوي.. ولا اختلاف العلماء..
ثم ماذا ؟
ألا ينظر أحدكم في حال الأنبياء مع الصلاة ؟
اعتبر بدعاء إبراهيم : (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء) ( ابراهيم : 40)
وتذكر قول إبراهيم : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ( ابراهيم : 37)
وتذكرأول التكاليف لموسى عليه الصلاة والسلام بعد التوحيد :
(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)) (طه: 14، 15)
وتذكر وصية الله لعيسي:
(وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)) (مريم: 31)
وتذكر وصية الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه: 132)
ويقول تعالى :
(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)) (الإسراء: 78، 79)
ويقول تعالى :
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود: 114)
وتذكر وصية لقمان لابنه:
(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان: 17)
في الحديث :
(أول ما يحاسب عنه العبد من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وأن فسدت فقد خاب وخسر)
روى الترمذي بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ؟ ونروك من الماء البارد).
وفي سنن الترمذي أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم).
وفي الحديث : (أول ما تسأل عنه المرأة يوم القيامة صلاتها، ثم عن بعلها ، كيف فعلت إليه ؟)، مرسل جيد.
وفي الحديث أيضا : (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة)، حسن.
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ :
إنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلاةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا كَانَ لِمَا سِوَاهَا مِنْ عَمَلِهِ أَشَدَّ إضَاعَةً.
وَالصلاة هي آخِرُ مَا يُفْقَدُ مِنْ الدِّينِ . فَإِذَا ذَهَبَتْ ذَهَبَ الدِّينُ كُلُّهُ
فإياك أن تكون ممن يُذهب بتركها الدين كله..
إياك أن يؤتى الإسلام من جانبك..
إياك أن تفتح على الإسلام ثغرة لأعدائه..
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، فأولهن نقضا الحكم ، و آخرهن الصلاة) صحيح.
ويقول صلى الله عليه وسلم :
(إن بين الرجل وبين الشرك، والكفر، ترك الصلاة(، مسلم.
فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة فصلا بين فسطاط الإيمان وفسطاط الشرك والكفر.. فالأمر ليس بالهين.. فلا يستخفن أحد بنفسه فيلقيها في النار..
ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عنوانا ودليلا وحدا للخروج عن السلطان منابذة بالسيف.. قد تخرج عليه ناصحا.. وقد تخرج عليه مطالبا بحق.. لكن لا يصح أن تخرج عليه مقاتلا مادام يقيم الصلاة..
روى مسلم في صحيحه، من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة).
فجعل منابذة السلطان بالسيف مرتبطا بالصلاة.. لعظم الصلاة..
وروى مسلم أيضا، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم ؟ قال: لا ما صلوا).
انظروا جيدا في قوله عليه الصلاة والسلام : فتعرفون وتنكرون..
فإن قال تارك الصلاة : كيف تصفوني بالكفر وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنه ما من أحد يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار.
قلنا.. هذا ما غمط الناس عن الحق.. أنهم أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير الطريق الموصلة إليه..
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هذا :
(ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار)، البخاري.
فقال : يشهد وما قال ينطق.. وإلا لقالها الكفار فدخلوا بها الجنة.. وقال صدقا من قلبه وما قال صدقا منه أو من نفسه..
قلنا : وهل شهد من قال له ربه افعل فقال : لا أفعل ؟
أما قرات قوله تعالى :
(فمن شهد منكم الشهر فليصمه)،
فإنك متى شهدت فيجب أن تأتي بحق ما شهدته.. فإن كان حق رمضان صيامه.. فحق لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أن تلزم أمر الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهل قالها صدقا من قلبه من لم يصدق فعله ما يشهد به ؟
أما عقلت قوله عليه الصلاة والسلام : (إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، متفق عليه.
فإن كنت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله..
فنحن حذرناك بكلام من شهدت له بالإلوهية وكلام من شهدت له بالرسالة فافهم.. واحذر.. ولا يغوينك الشيطان.. فإن له طرقا قد تغفل بها عنه فيؤذيك..
ولتارك الصلاة أن يذكر ما روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: أوصانا رسول الله :
(لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تتركوا الصلاة عمداً، فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة).
وقول عبد الله بن شقيق: (كان أصحاب النبي لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
عن معاذ بن جبل قال :
(كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة، والصدقة تطفيء الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال : ثم تلا : (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم – حتى بلغ – يعملون) ثم قال : ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه : قلت : بلى يا رسول الله قال : رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ، قلت : بلى يا رسول الله ، قال : فأخذ بلسانه ، قال : كف عليك هذا. فقلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم)حسن صحيح.
الثالث، جوابنا لمن يتحين الفرصة بمعصية غيره كي يقول له يا كافر فيهدر دمه:
فهؤلاء أول ما أقول لهم..
إننا في مقام دعوة لا في مقام حكم على الناس..
فلينظر كل واحد منا في حال نفسك..
فإنه يأتي زمان على أمة النبي صلى الله عليه وسلم يتقلب المرء فيها نسأل الله الثبات على الإيمان والمداومة على الحق..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا)، صحيح مسلم – كتاب الإيمان.
فإن هداك الله.. فاسأله الثبات.. واسأله أن تكون بابا من أبواب هدايته..
قل اللهم أهدنا وأهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى..
اللهم إنا ضعفاء فقونا..
وفقراء فأغننا..
عجز الطبيب فداونا..
آمين..
ولك أن تسأل نفسك :
فإنك لو أتيت بألف تارك للصلاة وكافرا واحدا.. فربما من جلسة واحدة يرجع 990 من تاركي الصلاة إلى الصلاة.. وربما تمكث زمنا مع الكافر ولا يسلم..
فاحرص على أن تنجي نفسا من النار.. واترك أن تعجل بنفس إلى النار..
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا على هداية الناس.. فاجعل أسوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم..
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِىٌّ يَخْدُمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ « أَسْلِمْ »، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقُولُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ »
هذه هي همة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فهل نحن اقتدينا بهديه ؟
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أَن يؤمن جميع الناس ويبايعوه على الهدى..
فهل حرصنا على الناس بمثل حرص النبي صلى الله عليه وسلم ؟
بل هل حرصنا على الموحدين بمثل حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عامة الناس ؟
غريب أيها الإخوة أن نتتبع الناس سعيا منا لنخرجهم من الدين ولو سعينا حتى نعود بهم إلى الدين لكان أجود وأيسر..
فليجتهد كل منا في مكانه على الإصلاح ما استطاع، فإن الخيرية التي كتبها الله للأمة الإسلامية كانت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر فلا خير فينا.
سبحانك اللهم وبحمدك
نشهد أن لا إله إلا أنت
نستغفرك ونتوب إليك
يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
أخوتي في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
محاولة منا القيام بدورنا في إحياء بيوت الله خاصة في رمضان.. رأينا أن نقوم ببعض الدروس حول الصلاة.. ليتعلم الناس ما يتعلق بالصلاة.. ولأننا قليلوا علم.. فقد ارتكز اجتهادنا على قليل ما تعلمناه مما هو مبثوث في الكتب وفي صوتيات العلماء..
وقبل أن نقدم هذه الدروس للناس رأينا أن نعرضها على السادة أهل العلم فمن رأى فيها خطأ أو نقصا فلينبهنا إليه حتى لا نقول بغير علم فنهلك ونهلك ونضل ونضل.. نسأل الله الهداية والثبات..
واعلموا أن جهدكم معنا هو في سبيل الله فاحتسبوا الأجر واسألوا لنا جميل الهدى..
ونبدأ مع الدرس الأول :
ويتعلق بتارك الصلاة..
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
الْحَمْد لِلَّه، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُه وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ الْلَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الَلّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ..
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾، (آل عمران: 102)
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ ( النساء:1) .
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ (الأحزاب: 70،71)
أما بعد،
فَإِنَّ خير الكلام كلام الْلَّهِ تَعَالَي وَخير الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرِّ الْأُمُورَ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِهِ وَكُلْ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ الْنَّارِ.
الْلَّهُمَّ صَلّىِ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَبَارِكْ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ..
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا..
ارزقنا علما ينفعنا وعملا يرفعنا..
استر عوراتنا..
وأمن روعاتنا..
فرج كروبنا..
اغفر ذنوبنا..
تول أمرنا..
أحسن خلاصنا..
فك أسرنا..
ارحم ضعفنا..
عجز الطبيب فداونا..
ظهر الفساد فنجنا..
قلت حيلتي فتولنا..
اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما..
واجعل تفرقنا بعده معصوما..
ولا تدع فينا شقيا ولا محروما..
أوردنا حوض نبينا..
اشملنا بشفاعة حبيبنا..
اسقنا بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا..
آمين..
............................
عن أبي هريرة، بإسناد صحيح، قال :
إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين فإذا كان مؤمنا، كانت الصلاة عند رأسه.. والزكاة عن يمينه.. وكان الصيام عن يساره.. وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه.. فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل.. فيؤتى من عند يمينه.. فتقول الزكاة ما قبلي مدخل.. فيؤتى عن يساره فيقول الصيام ما قبلي مدخل.. فيؤتى من عند رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل.. فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب فيقال له: أخبرنا عما نسألك فيقول دعوني حتى أصلي فيقال له إنك ستفعل فأخبرنا عم نسألك عنه فيقول وعم تسألوني فيقال أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وما تشهد به عليه فيقول أمحمد فيقال له نعم فيقول أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له انظر إلى ما أعد الله له لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له انظر ما صرف الله عنك لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ثم يجعل نسمة في النسم الطيب وهي طير خضر تعلق شجر الجنة ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه من التراب وذلك قول الله عز وجل :
(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)،
عن الحكم بن ثوبان ثم يقال له نم فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه قال أبو هريرة وإن كان كافرا فيؤتى من قبل رأسه فلا يوجد شيء ثم يؤتى عن يمينه فلا يوجد شيء ثم يؤتى عن شماله فلا يوجد شيء ثم يؤتى من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له اجلس فيجلس فزعا مرعوبا فيقال له أخبرنا عم نسألك عنه فيقول وعم تسألون قالوا إنا نسألك عن هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد به عليه فيقول أي رجل فيقال هذا الرجل الذي كان فيكم فلا يهتدي لاسمه فيقال له محمد صلى الله عليه وسلم فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له ذلك مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه وهي المعيشة الضنك قال الله تعالى:
(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).
نحن اليوم سنبدأ مع ما يكون عند رأس العبد المؤمن عند السؤال.. فإذا كان مؤمنا، كانت الصلاة عند رأسه.. فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل.. نحن اليوم مع الصلاة.. مع أعظم الأركان العملية، والأمر بالصلاة في كتاب الله تعالى وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ليس أمرًا مجردًا بل هو أمر له وقت وله كيفية مخصوصة، لذلك فإن الله تعالى لما أمرنا في القرآن، وكنت أشرت إلى هذا فيما مضى.. لما أمرنا بأن نصلي قال:
﴿ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ (الأنعام:72) ،
﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ (النساء:103) ،
في كل الآيات.. إلا في آية واحدة في القرآن قال : فصل..
أتعرفونها ؟
فصل لربك وانحر..
لماذا إذن في كل مرة يقول أقيموا الصلاة.. أقم الصلاة ؟ إلا في الكوثر قال : فصل ؟
أعتقد والله أعلم أن الأمر في سورة الكوثر يتكلم عن التوحيد ومن تصح له العبادة.. وفي البقية جاء الأمر بالعانية بذات العبادة .
أي أن تكون الصلاة لله وحده دون سواه وكذلك النحر.. فلا صلاة لصنم ولا ذبح على نُصب.
هو الذي أعطاك وهو الذي منحك ورفع قدرك فإذا هو المستحق وحده دون سواه للعباده
في معرض الحديث عن الكيفية قال : أقم ...وفي معرض الحديث عن المستحق قال : صل لربك.
أقيموا الصلاة : قضية خطيرة ...نغفل عنها كثيرا ....إقامة الصلاة تحتاج إلى حضور قلب وصدق مع الله وخشوع واستحضار عظمة الله.. ما قدرنا الله حق قدره.....
فكلمة أن تقيم الصلاة ليس معناها أن تصلي، بل إقامة الصلاة قدر زائد على مجرد الصلاة وهي الصلاة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث لما قيل له إن فلانًا يصلي ويسرق قال:
« ستنهاه صلاته يومًا » .
أي إن العبد إذا أقام الصلاة نهته، وهذه الإقامة هي المعنية في قول الله تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ (العنكبوت:45)
فالصلاة المحلاة بالألف واللام تفيد العهد، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بإسناد صحيح..
ولعل سائلا يسأل هنا :
هل تارك الصلاة يكفر كفرا يخرجه من الملة ؟
وجوابنا، هنا يكون لثلاثة :
الأول، لعامة الناس،
والثاني، لتارك الصلاة نفسه،
والثالث، لمن يتسرع في تصيد أخطاء الناس ليخرجهم من دين الله..
فالجواب، في مثل هذه المسائل، يكون بمقتضى حال المخاطب..
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال : يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان ؟ يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر، ثم قال : إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن : فقلت : يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر : والله إن شاء الله لأقومن بذلك أو ل مقام أقومه بالمدينة، وقد فعل..
فإن الإنسان خلق عجولا.. هكذا هو.. يستعجل كل شيء..
عجول حتى في حكمه على الأشياء..
فتجده يحكم على الناس بما يرى فيهم وينكر ولو رجع إلى نفسه لحكم على نفسه بالنار.. لكنه يغفل..
ولهذا كان الحلم والتأني من أحب الخصال لله ورسوله.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ : (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ : الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ).
ولك أن تنظر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام..
لو عدنا بالتاريخ إلى الوراء قليلا.. لوجدنا أن همة المسلمين لا تثور إلا بإيعاز من الإعلام..
لا تثور هذه الهمم بإيعاز من الإيمان إلا قليلا..
لذلك فكل ثوراتنا تهدأ عن الحق.. وتنحسر بسرعة أكبر مما ثار فيها وهي تطالب بالحق..
أنا أذكركم بكثير..
أذكركم بما وقع منذ أن نشرت صحف الدانمرك الرسوم المسيئة للإسلام.. طبعا وقتها ما كانت عندنا الجرأة حتى بأن ننكر عمل الدانمرك..
وكان بإمكاننا أن نقدم لأنفسنا وللناس صورا جديدة ما نشرتها صحف الدانمرك ولا النرويج.. وما استطاع أحد أن ينشرها لحد الآن..
مع العلم أنها صور كان يجب أن ننشرها نحن المسلمون..
صور كان علينا أن نعيشها ونتمثلها نحن الشباب المسلم ..
وقبل أن نبدأ بتقليب هذه الصور أود أن تعيروني قلوبكم قبل أسماعكم..
الصورة الأولى :
وهي من صور عفو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ...فقد عفى رسولنا الكريم عن أشد المعاندين له، وحشي الذي قتل حمزة عم النبي وسيد الشهداء... وعفى عن أبي سفيان، وعفى عن زوج أبي سفيان.. هند التي أكلت من كبد عمه الشهيد.. وعفى عن من كان أهدر دمه مثل كعب بن زهير وغيره كثير.. فلماذا لا نستحضر هذه الصور في حياتنا.. في تعاملاتنا.. في علاقاتنا..
اسمعوا هذه..
من أجمل صور العفو كان عفوه عن هبار بن الاسود الذي كان سببا في وفاة ابنته زينب وقتل جنينها ...
حيث انه بعد هجرة الرسول وأصحابه من مكة الى المدينة وكل من امن به واتبعه وكذلك بناته فاطمة ورقية وأم كلثوم أصبحت زينب وحيدة تتلفت حولها وإذ بمكة قد خلت من أهلها وأحبابها وقد كان زوجها أبو العاص مازال يعبد الأصنام والحجارة....و كان مع أسرى الكفار في غزوة بدر..حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخلى سبيله على أن يرد له زينب...وهكذا جمعت زينب متاعها للحاق بأبيها وتحدث في أمر رحيلها رجال قريش ونساءها وأشفقت أن تخرج بنت محمد من بينهم سالمة فخرج إليها (هبار بن الأسود)و(نافع بن عبد القيس)....
فقام هبار بترويعها في الهودج وكانت وقتها حاملا" فغدت تنزف دما"وفقدت جنينها...وعندما وصلت رسول الله ورأى ابنته تنزف فأصابه الكدر وسمع ما كان من هبار من قسوة عليها فأهدر دمه....
أما هبار بن الأسود بعد أن جنى ما جنى وأهدر النبي (صلى الله عليه وسلم) دمه، جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله..
فقبل النبي (صلى الله عليه وسلم) إسلامه..
فخرجت سلمى مولاة النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت لهبار: لا أنعم الله بك عينا، أنت الذي فعلت وفعلت..
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الإسلام محا ذلك.. ونهى عن التعرض له.
وعن ابن عباس قال: حينما كان هبار يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيت رسول الله وهو يطأطأ رأسه استحياءً مما يعتذر هبار..
ويقول له: قد عفوت عنك..
الصورة الثانية:
عندما خرج صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة ثقيف طلباً للحماية مما ناله من أذى قومه، لم يجد عندهم من الإجابة ما تأمل، بل قابله ساداتها بقبيح القول والأذى، وقابله الأطفال برمي الحجارة عليه، فأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن ومن التعب الشديد ما جعله يسقط على وجهه الشريف، ولم يفق إلا و جبريل رضي الله عنه قائماًعنده يخبره بأن الله بعث ملك الجبال برسالة يقول فيها: إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلاً: ( أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري ، فأي شفقة وأي عفو وصفح وحلم من إنسان يُضاهي هذا الحلم إلا حلمه عليه السلام.
الصورة الثالثة:
ولما كُسِرت رُباعيته صلى الله عليه وسلم وشُجَ وجهه يوم أُحد، شَقَ ذلك على أصحابه، وقالوا: يا رسول الله ادعُ على المشركين، فأجاب أصحابه قائلاً لهم: ( إني لم أُبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم.
الصورة الرابعة:
وأقبل ذات مرة الطفيل بن عمرو الدوسي على النبي صلى الله عليه وسلم، طالباً منه الدعاء على أهل دوس لعصيانهم ، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رفع يديه مستقبل القبلة قائلا: ( اللهم اهد دوساً ) رواه البخاري.
الصورة الخامسة:
و وأعظم من ذلك موقفه مع أهل مكة، بعدما أُخرج منها وهي أحب البلاد إليه، وجاء النصر من الله تعالى، وأعزه سبحانه بفتحها، قام فيهم قائلاً: (ما تقولون أني فاعل بكم ؟) قالوا : خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: ( أقول كما قال أخي يوسف ) : (لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين) (يوسف:92)، (اذهبوا فأنتم الطلقاء) رواه البيهقي.
فما أحوجنا إلى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا الخلق الكريم، والطبع النبيل، (أولئك الذين هدى اللَّه فبهداهم اقتده) (الأنعام:90).
ولكن العجل..
خلق الإنسان من عجل..
وكان الإنسان عجولا..
العجل هو الأمر الذي فرق بين سيدنا موسى عليه السلام والخضر.. حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رحم الله أخي موسى لو صبر لقص علينا الله من خبرهما ما شاء)، صحيح.
وإنما عجلة الإنسان..
تكون عجلة الإنسان في بعض الحالات بدافع.. وقد يكون الجهل دافعها إذا كانت الغاية معرفة النتيجة..
فالله تعالى يبين لنا من خلال قصة موسى والخضر أن الحق والنتيجة لابد لها من تمحيص..
فاصبروا قبل أن تحكموا على الناس.. واصبروا وأنتم تسمعون واصبروا وأنتم تتعلمون.. واصبروا وأنتم تتعاملون.. واصبروا واصبروا واصبروا..
وأنا إذا تكلمت وجب علي أن أتكلم بحق وبصبر.. وأن أتكلم وفق حالة المخاطب.. حتى لا ينفر..
ولا يبيح لي هذا الأمر أن أغلظ أمر الدين حتى ينفره الناس..
ولا أن أزين الكفر للناس حتى يستحسنوه..
فإن من الأئمة من يزين المعصية ويعظم رحمة الله وتجاوزه عنا حتى يقول العاصي دعوني على معصيتي وسيغفر الله لي..
قلت الجواب على السؤال يكون لثلاث فئات من الناس :
الأول، لعامة الناس، فجوابنا للعامة أن تارك الصلاة هو أحد اثنين:
- أن يتركها جملة
- أو أن يكون من اللذين يصلون أحيانا ويتركون أحيانا
فأما الثاني، أي اللذي يصلي أحيانا ويترك أحيانا، فلا أجد من كفره الكفر المخرج من الملة.. واستدل البعض على عدم تكفيره أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : بين المرء والكفر ترك الصلاة.. كان معناه ترك الصلاة جملة.. ومن فعل بعضها لم يتركها الترك الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ترك بعضها.. فرأوا أن الترك هنا يفهم منه الترك جملة.. أي الترك بإطلاق، فيخرج منه من ترك بعضها وأقام بعضها.. لذلك لا يكفر.
وهو لا يكفر مع أن معصيته ظاهرة.. والواجب تذكيره وتحذيره من الاستهانة بأوامر الله..
وأما من تركها جملة، وهو الأول، فأجود ما قرأت عن هذا الصنف: أن تارك الصلاة جملة، هو نفسه، أحد اثنين :
- إما أن يكون تركها جملة كسلا ولامبالاة منه.
- وإما أن يكون تركها إعراضا أو استكبارا أو شكا في وجوبها أو تكذيبا بها.
فالثاني عند جميع العلماء كافر كفرا بينا ظاهرا.. وأكاد لا أجد من هذا الصنف أحدا في مجتمعاتنا والحمد لله. وبيان كفره الكفر المخرج من الملة ما يلي :
- فأما الإعراض، فقوله تعالى :
(والذين كفروا عما أنذروا معرضون) ( الأحقاف : 3)
- وأما الاستكبار فقوله تعالى :
(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) ( البقرة : 34)، الإستكبار والإباء وإن كان مع التصديق وهو الغالب.
- وأما الشك فقوله تعالى :
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ( 35 ) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ( 36 ) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا ( 37 )) ( الكهف : 35-37)
- وأما التكذيب فقوله تعالى :
(ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) ( العنكبوت : 68)
وأما الصنف الأول، والذي عليه أغلب من ترك الصلاة في مجتمعاتنا، فإن أغلب من ترك الصلاة إذا دعوته إلى الصلاة قال لك نسأل الله أن يهدينا حتى نصلي.. فهو يقر بها فرضا واجبا عليه، لكنه يجد في نفسه غلبة للشيطان عليه فلا يصلي.. فهو في ظاهره مسلم، ولا يصح تكفيره ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون القلوب أو يدل عليه.. فإن قامت دولة الإسلام فخير بين القتل حدا لردته والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة، فاختار القتل عليها فهو كافر، فإن اختار الصلاة دون القتل وحافظ عليها فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم..
ولعل أحدا يقول : ما من أحد من الناس يخير بين الموت والصلاة إلا اختار الصلاة عن الموت..
فجوابه ما روي عن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما أنه قال :
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم قال فلما غشيناه قال لا إله إلا الله قال فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال لي يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا قال أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
فهذا الرجل المقتول اختار لا إله إلا الله فاحتمى بها.. سواء كان ذلك إيمانا منه أو غير ذلك.. فهو قد احتمى بلا إله إلا الله.. ومن احتمى بلا إله إلا الله فقد حمته.. لذلك أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على أسامة قتله حتى تمنى لو أنه أسلم يومئذ..
فإياكم أن تكونوا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألكم ماذا أحدثتم بعدي فلا تجدوا جوابا.. فيدفعكم عنه.. سحقا سحقا..
وتلك رواية البخاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم). قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا ، فقال : هكذا سمعت سهلا ؟ فقلت : نعم ، قال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال : (إنهم مني، فيقال : إنك لا تدري ما بدلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي).
من احتمى بلا إله إلا الله فقد حمته..
ومن احتمى بالصلاة فقد حمته..
حتى الرجل المسلم كائنا من كان في دولة الإسلام، إذا استجار به أحد فأجاره ما استطاع حتى سلطان المسلمين ولا أحد منهم أن ينقض ذلك أبدا.. فما بالك بمن استجار بأمر هو لله تعالى.
وهو قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور . فمن أحدث فيها حدثا . أو آوى محدثا . فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. وذمة المسلمين واحدة . يسعى بها أدناهم) صحيح مسلم.
الثاني، جوابنا لتارك الصلاة نفسه :
فهذا جوابنا له ما أمر به الله تعالى وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه من أمر الصحابة رضي الله عنهم، لا نزيد عليه..
قال تعالى:
(فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة:11]. فانظر عظم الأخوة لمن كتبت ؟
إن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين، ثلاثة شروط:
- أن يتوبوا من الشرك.
- ويقيموا الصلاة.
- ويؤتوا الزكاة.
فمن ترك أحدها فلا أخوة له.. ومن لم تكن أخوته في الدين لأهل الإسلام فلينظر لمن تكون أخوته.. لذلك وجب الحذر.. فالأمر خطير.
ألا ترى قوله تعالى: في آية القصاص:
(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:178]،
فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول، مع أن القتل عمداً من أكبر الكبائر. فما بال أقوام يستخفون بالصلاة فلا يقيموها ؟ ترك الصلاة أعظم من القتل العمد.
انظر في قوله تعالى :
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)) (الحجرات : 9-10)
فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة والطائفتين المقتتلتين، مع أن قتال المؤمن من الكفر.. كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ).
لكنه كفر لا يخرج من الملة، إذ لو كان مخرجاً من الملة، ما بقيت الأخوة الإيمانية معه. الآية الكريمة قد دلت على بقاء الأخوة الإيمانية مع وجود الاقتتال. أما لمن ترك الصلاة فانتفت حتى يعود فيقيمها..
الأمر ليس بالهين أبدا.. فاحذر يا تارك الصلاة..
قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً ) [مريم:60،59].
فالمسلم بتركه للصلاة يعرض نفسه للخطر بالخروج عن الدين.. ولا ينفعه كون العلماء اختلفوا أو لم يختلفوا.. وكفروه أو لم يكفروه.. وأقاموا عليه الحد ردة أم تركوه.. والله ما ينفعه كلام العلماء في اختلافهم إذا وقف أمام الله للسؤال..
المسلم كيس..
والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت..
فإن كنت مسلم.. فهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم أمامك.. فتأمله وفكر فيه.. ودع كلام الناس واعمل من أجل سلامة نفسك..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن. وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله ؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل. توكلنا على الله ربنا)، سلسلة الأحاديث الصحيحة..
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عبد الله.. فكيف حالك أنت يا تارك الصلاة.. وكيف حالنا نحن كلنا ؟
أفيموت أحدنا على معصية وهو يسمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(يبعث كل عبد على ما مات عليه)، مسلم..
أفيموت أحدنا وقد بلغ كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم وما سجد لله سجدة ؟ وما ركع لله ركعة ؟ وما أتم لله صلاة ؟
كيف بتارك الصلاة في يوم هذا وصفه..
(يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) ( الحج : 1-2)
بل كيف بنا في يوم قال الله فيه..
(فإذا جاءت الصاخة * يوم يفر المرء من أخيه * وأمة وأبيه * وصاحبته وبنيه* لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) ( عبس : 33-37)
والله ما تنفعك الفتاوي.. ولا اختلاف العلماء..
ثم ماذا ؟
ألا ينظر أحدكم في حال الأنبياء مع الصلاة ؟
اعتبر بدعاء إبراهيم : (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء) ( ابراهيم : 40)
وتذكر قول إبراهيم : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ( ابراهيم : 37)
وتذكرأول التكاليف لموسى عليه الصلاة والسلام بعد التوحيد :
(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)) (طه: 14، 15)
وتذكر وصية الله لعيسي:
(وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)) (مريم: 31)
وتذكر وصية الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه: 132)
ويقول تعالى :
(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)) (الإسراء: 78، 79)
ويقول تعالى :
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود: 114)
وتذكر وصية لقمان لابنه:
(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان: 17)
في الحديث :
(أول ما يحاسب عنه العبد من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وأن فسدت فقد خاب وخسر)
روى الترمذي بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ؟ ونروك من الماء البارد).
وفي سنن الترمذي أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم).
وفي الحديث : (أول ما تسأل عنه المرأة يوم القيامة صلاتها، ثم عن بعلها ، كيف فعلت إليه ؟)، مرسل جيد.
وفي الحديث أيضا : (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة)، حسن.
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ :
إنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلاةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا كَانَ لِمَا سِوَاهَا مِنْ عَمَلِهِ أَشَدَّ إضَاعَةً.
وَالصلاة هي آخِرُ مَا يُفْقَدُ مِنْ الدِّينِ . فَإِذَا ذَهَبَتْ ذَهَبَ الدِّينُ كُلُّهُ
فإياك أن تكون ممن يُذهب بتركها الدين كله..
إياك أن يؤتى الإسلام من جانبك..
إياك أن تفتح على الإسلام ثغرة لأعدائه..
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، فأولهن نقضا الحكم ، و آخرهن الصلاة) صحيح.
ويقول صلى الله عليه وسلم :
(إن بين الرجل وبين الشرك، والكفر، ترك الصلاة(، مسلم.
فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة فصلا بين فسطاط الإيمان وفسطاط الشرك والكفر.. فالأمر ليس بالهين.. فلا يستخفن أحد بنفسه فيلقيها في النار..
ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عنوانا ودليلا وحدا للخروج عن السلطان منابذة بالسيف.. قد تخرج عليه ناصحا.. وقد تخرج عليه مطالبا بحق.. لكن لا يصح أن تخرج عليه مقاتلا مادام يقيم الصلاة..
روى مسلم في صحيحه، من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة).
فجعل منابذة السلطان بالسيف مرتبطا بالصلاة.. لعظم الصلاة..
وروى مسلم أيضا، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم ؟ قال: لا ما صلوا).
انظروا جيدا في قوله عليه الصلاة والسلام : فتعرفون وتنكرون..
فإن قال تارك الصلاة : كيف تصفوني بالكفر وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنه ما من أحد يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا حرمه الله على النار.
قلنا.. هذا ما غمط الناس عن الحق.. أنهم أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير الطريق الموصلة إليه..
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هذا :
(ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار)، البخاري.
فقال : يشهد وما قال ينطق.. وإلا لقالها الكفار فدخلوا بها الجنة.. وقال صدقا من قلبه وما قال صدقا منه أو من نفسه..
قلنا : وهل شهد من قال له ربه افعل فقال : لا أفعل ؟
أما قرات قوله تعالى :
(فمن شهد منكم الشهر فليصمه)،
فإنك متى شهدت فيجب أن تأتي بحق ما شهدته.. فإن كان حق رمضان صيامه.. فحق لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أن تلزم أمر الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهل قالها صدقا من قلبه من لم يصدق فعله ما يشهد به ؟
أما عقلت قوله عليه الصلاة والسلام : (إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، متفق عليه.
فإن كنت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله..
فنحن حذرناك بكلام من شهدت له بالإلوهية وكلام من شهدت له بالرسالة فافهم.. واحذر.. ولا يغوينك الشيطان.. فإن له طرقا قد تغفل بها عنه فيؤذيك..
ولتارك الصلاة أن يذكر ما روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال: أوصانا رسول الله :
(لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تتركوا الصلاة عمداً، فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة).
وقول عبد الله بن شقيق: (كان أصحاب النبي لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
عن معاذ بن جبل قال :
(كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة، والصدقة تطفيء الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال : ثم تلا : (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم – حتى بلغ – يعملون) ثم قال : ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه : قلت : بلى يا رسول الله قال : رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ، قلت : بلى يا رسول الله ، قال : فأخذ بلسانه ، قال : كف عليك هذا. فقلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم)حسن صحيح.
الثالث، جوابنا لمن يتحين الفرصة بمعصية غيره كي يقول له يا كافر فيهدر دمه:
فهؤلاء أول ما أقول لهم..
إننا في مقام دعوة لا في مقام حكم على الناس..
فلينظر كل واحد منا في حال نفسك..
فإنه يأتي زمان على أمة النبي صلى الله عليه وسلم يتقلب المرء فيها نسأل الله الثبات على الإيمان والمداومة على الحق..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا)، صحيح مسلم – كتاب الإيمان.
فإن هداك الله.. فاسأله الثبات.. واسأله أن تكون بابا من أبواب هدايته..
قل اللهم أهدنا وأهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى..
اللهم إنا ضعفاء فقونا..
وفقراء فأغننا..
عجز الطبيب فداونا..
آمين..
ولك أن تسأل نفسك :
فإنك لو أتيت بألف تارك للصلاة وكافرا واحدا.. فربما من جلسة واحدة يرجع 990 من تاركي الصلاة إلى الصلاة.. وربما تمكث زمنا مع الكافر ولا يسلم..
فاحرص على أن تنجي نفسا من النار.. واترك أن تعجل بنفس إلى النار..
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا على هداية الناس.. فاجعل أسوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم..
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِىٌّ يَخْدُمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ « أَسْلِمْ »، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقُولُ « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ »
هذه هي همة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فهل نحن اقتدينا بهديه ؟
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أَن يؤمن جميع الناس ويبايعوه على الهدى..
فهل حرصنا على الناس بمثل حرص النبي صلى الله عليه وسلم ؟
بل هل حرصنا على الموحدين بمثل حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عامة الناس ؟
غريب أيها الإخوة أن نتتبع الناس سعيا منا لنخرجهم من الدين ولو سعينا حتى نعود بهم إلى الدين لكان أجود وأيسر..
فليجتهد كل منا في مكانه على الإصلاح ما استطاع، فإن الخيرية التي كتبها الله للأمة الإسلامية كانت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر فلا خير فينا.
سبحانك اللهم وبحمدك
نشهد أن لا إله إلا أنت
نستغفرك ونتوب إليك
يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول