الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ، لك الحمد ربنا كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك ، نحمدك ربنا لا نحصي ثناءا عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تعبد ..
وبعد ..
فهذه نماذج من تربويات مقتطفة من كتاب " في ظلال القرآن " للمسلم العظيم سيد قطب رحمه الله تعالى ورضي عنه .. وذلك في صورة سلسلة .
[align=center]كلمة بخصوص سيد قطب ـ رحمه الله ورضي عنه ـ [/align]
لقد غصت حول أدبيات هذا الرجل العظيم ، وفحصت وتتبعت أطروحاته رحمه الله ، وبغض النظر عن تأييدي أو مخالفتي له ـ فهذا لا ينفع أو يضر بذاته ـ إلا أني أقول :
إن هذا الرجل لعله أكثر الشخصيات المعاصرة تم ظلمها ! ظلم هذا الرجل ولم يستوف حقه ممن أجحفوه وممن أنصفوه ؛ أما من أجحفوه فهو واضح ، وأما من أنصفوه فقد كان ظلمهم له على وجهين :
أ ـ أنهم ما وفوه حقه بإدراك عميق فهمه وتصوره وتصويره ؛ فقد رزق الرجل عقلا تصوريا عميقا لا تناسبه القراءة السطحية القشرية التي يتميز بها الشباب وكثير من الدعاة في عصرنا . فحتى من أنصفوه فإنهم لم يغوصوا إلى العمق التصوري في الحس الإسلامي الذي غاص إليه الرجل وأحسه .
ب ـ أنهم استشهدوا به في قضايا هم يؤمنون بها ، ولم يفهموا مراده ، ولم يحرروا مجاله .. فأكدوا على الرجل تهمة التكفير ، واستشهدوا بنصوص له خالت حتى على المشايخ ، وما ذلك إلا لعدم القدرة على مجاراة تصور الرجل وتصويره ، ثم من عدم تحرير مجال الرجل ومحل انصباب حبر قلمه المؤمن.
نعم .. أنا أؤمن ـ كما يؤمن كل مسلم ولو نظريا ـ بما يقول به هذا المؤمن حول قضايا العقيدة وحدود الإسلام وصفة الجاهلية ووجوب المفاصلة والحسم في قضايا الاعتقاد والتسليم لرب الأرباب .. وهي قضايا ـ لو تأملنا ـ نتفق فيها جميعا ، ولا يخالف فيها مؤمن ولا داعية ولا واحد من عوام المتدينين ـ حتى من بعض الجيوب المخذلة ـ
ولكني لم أفهم من هذا الرجل ـ أبدا ـ تكفير المعين ، أو الجمهور ، فلم أفهم منه تكفير زيد وعبيد ، وهناك شيء عجيب في كتبه غريب ألا يلاحظه أحد ؛ فإنه على ضخامة تراث الرجل .. لم يذكر اسما واحدا في مصنفاته أنزل عليه حكما من أحكامه التي ينسبها له المعاصرون ويتبنون من خلالها أقوالا لم يتبنها ..
بل على العكس ـ يشهد الله ـ لقد تعلمت من قلم هذا الرجل كيف أكون رؤوفا بالمسلمين ، وبالبشرية جمعاء .. إن هذه البشرية المحرومة من جمال هذه العقيدة والله إن حالها ليرثى له .. وهذا ما ترجم لي مشهادتي وتأملاتي كلما سرت وتأملت في المجتمع .. فأرى الناس محرومة من نعمة ربانية وهبها الله إياها .. فأشعر ـ والله ـ بإشفاق شديد عليها .. وبرغبة جامحة للتحرك ودعوتها للحصول على ما وهبها الله إياه ..
هذا ما تعلمته من أدبيات هذا الرجل ، أو قل : هذا ما أشربته من معايشتي لتلك الأدبيات .. وليس هو التكفير والنبذ للناس ..
وأنا على استعداد تام ـ لولا ضيق وقتي الشديد ـ لمن تميز بالصبر وطول النفس وقبل ذلك وبعده " الإنصاف " أن نتباحث ، فنضع أمامنا كل تراث سيد قطب ، ونتباحث بنفس طويل ، وقراءة متأنية ، هادئة ، هادفة ، ما نسبه إليه المعاصرون ـ وأعني المؤيدين له المستشهدين به ـ فأدبيات الرجل علامة فارقة في التاريخ المعاصر للدعوة، ومخزن توجيه للحركة الصحوية ـ وهذا لا يدركه إلا من قرأ الظلال والمعالم والخصائص والمقومات ثم هو فهم الرجل لا أن يقرأه بحكم مسبق وخلفية محتومة ـ .. وخلاف تلك الصفة ـ الإنصاف ـ فلينشغل كل بما ينفعه .
هذه كلمتي أجملها حول هذا الرجل .
ونسلك المراد ..
تنبيه / كافة المقتطفات هي من ظلال القرآن ، وهي ليست مرتبة ، بل هي كما يظهر في عنونها ( من تربويات الظلال ) ولكنها تم انتقاؤها بعناية شديدة ، ووضعت عليها ما يناسب من التعليق أو التعريف ـ إذا تطلبت ذلك ـ وربما تصل منا إلى 20 حلقة أو تزيد إن شاء الله سبحانه .
أدعو إخواني لتأمل تلك المرحلية البنائية للمجتمع المسلم .. وأن يبدي من يرغب تصوره حولها من تعديل أو تققيم أو تصوير واقعي لنظريتها .. والله تعالى المستعان.
يقول سيد قطب رحمه الله :
( لقد كان الله الذي أخرج هذه الأمة ، وجعلها خير أمة أخرجت للناس ، يعدها لأمر عظيم هائل . . كان يعدها لحمل أمانة منهجه في الأرض ، لتستقيم عليه كما لم تستقم أمة قط ، ولتقيمه في حياة الناس كما لم يقم كذلك قط . ولم يكن بد أن تراض هذه الأمة رياضة طويلة . رياضة تخلعها أولاًَ من جاهليتها؛ وترفعها من سفح الجاهلية الهابطة وتمضي بها صعداً في المرتقى الصاعد إلى قمة الإسلام الشامخة ثم تعكف بعد ذلك على تنقية تصوراتها وعاداتها ومشاعرها من رواسب الجاهلية؛ وتربية إرادتها على حمل الحق وتبعاته . ثم تنتهي بها إلى تقييم الحياة جملة وتفصيلاً وفق قيم الإسلام في ميزان الله . . حتى تكون ربانية حقاً . . وحتى ترتفع بشريتها إلى أحسن تقويم . . وعندئذ لا يستوي في ميزانها الخبيث والطيب؛ ولو أعجبها كثرة الخبيث! والكثرة تأخذ العين وتهول الحس . ولكن تمييز الخبيث من الطيب ، وارتفاع النفس حتى تزنه بميزان الله ، يجعل كفة الخبيث تشيل مع كثرته ، وكفة الطيب ترجح على قلته . . وعندئذ تصبح هذه الأمة أمينة ومؤتمنة على القوامة . . القوامة على البشرية . . تزن لها بميزان الله؛ وتقدر لها بقدر الله؛ وتختار لها الطيب ، ولا تأخذ عينها ولا نفسها كثرة الخبيث!
وموقف آخر ينفع فيه هذا الميزان . . ذلك حين ينتفش الباطل؛ فتراه النفوس رابياً؛ وتؤخذ الأعين بمظهره وكثرته وقوته . . ثم ينظر المؤمن الذي يزن بميزان الله إلى هذا الباطل المنتفش ، فلا تضطرب يده ، ولا يزوغ بصره ، ولا يختل ميزانه؛ ويختار عليه الحق الذي لا رغوة له ولا زبد؛ ولا عدة حوله ولا عدد . . إنما هو الحق . . الحق المجرد إلا من صفته وذاته؛ وإلا من ثقله في ميزان الله وثباته؛ وإلا من جماله الذاتي وسلطانه!
لقد ربى الله هذه الأمة بمنهج القرآن ، وقوامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى علم - سبحانه - أنها وصلت إلى المستوى الذي تؤتمن فيه على دين الله . . لا في نفوسها وضمائرها فحسب ، ولكن في حياتها ومعاشها في هذه الأرض ، بكل ما يضطرب في الحياة من رغبات ومطامع ، وأهواء ومشارب ، وتصادم بين المصالح ، وغلاب بين الأفراد والجماعات . ثم بعد ذلك في قوامتها على البشرية بكل ما لها من تبعات جسام في خضم الحياة العام .
لقد رباها بشتى التوجيهات ، وشتى المؤثرات ، وشتى الابتلاءات ، وشتى التشريعات؛ وجعلها كلها حزمة واحدة تؤدي دوراً في النهاية واحداً ، هو إعداد هذه الأمة بعقيدتها وتصوراتها ، وبمشاعرها واستجاباتها ، وبسلوكها وأخلاقها ، وبشريعتها ونظامها ، لأن تقوم على دين الله في الأرض ، ولأن تتولى القوامة على البشر . . وحقق الله ما يريده بهذه الأمة . . والله غالب على أمره . . وقامت في واقع الحياة الأرضية تلك الصورة الوضيئة من دين الله . . حلماً يتمثل في واقع . . وتملك البشرية أن تترسمه في كل وقت حين تجاهد لبلوغه فيعينها الله . . )