إيمان الجاسر
New member
سر بين العبد وربه
هو أمر جليل عظيم ، لا تُقبلُ الأعمالُ الصالحةُ إلا به ، ولا تزكو النفوسُ إلا من خلاله ، وهو روح العبادات التي لا حياةَ لها ، إلا بوجوده ؛ ذلكم هو الإخلاص لله تعالى .علاقة الصوم بأعمال القلوب ؟
يرتبط الصيام بأعمال القلوب ارتباطاً وثيقاً ، فقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن الثمرةَ الكبرى ، والغايةَ العظمى من فرضِ الصوم ، بلوغُ التقوى ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ، والتقوى محلها القلب .
علاقة الصوم بالإخلاص ؟
يعدُ الصيامُ من أهمِ الوسائلِ المعينةِ على اكتساب الإخلاص والتحلي به ، فلذا كان من أجلِّ ما يغنمه الصائمون في رمضانَ أن يتأملوا في حقيقة الإخلاص وما يشوبه من آفات ، ثم يراجعوا أعمالهم وأقوالهم ، وكلَ تصرفاتهم : أتحقق فيها الإخلاصُ لله تعالى أم لا ؟
مفهوم الإخلاص ومعناه ؟
والإخلاص : كلمة تدل على الصفاء والنقاء من الشوائب ، والمقصود بها شرعاً : تصفية الارادة ، وتنقية القصد ، وتجريد النية ليكون المقصود بالطاعات وجه الله عز وجل.
سر بين العبد وربه ؟
ويستدل على أثر الصيام في اكتساب خصلة الإخلاص ، بما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الحديث الصحيح أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ بعَشْر أَمْثَالِهَا ، إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ))
فقد خص الله الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال الأخرى ، فما سبب ذلك يا تُرى ؟
يقول العلماء في الإجابة عن هذا : ذلك لأن الصيام سر بين العبد و ربه ، لا يطلع عليه غيرُه ، وهو أي الصيام مركب من أمرين :
الأول : نيةٍ باطنةٍ لا يطلع عليها إلا الله .
والثاني : تركِ الشهواتِ التي يستتر الإنسان عند فعلها في العادة .
ولذلك قال بعض العلماء : إن الرياء لا يدخل في الصوم إلا في حالات يسيرة كمن يصوم ثم يتحدث بذلك رغبة أن يُمدح ويُثنى عليه .
ويقول الحافظ ابن رجب في بيان العلاقة بين الإخلاص والصيام : إن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله عز و جل ، حيث لا يطلع عليه غيرُ من أمره و نهاه ، دل على صحة إيمانه ، والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سرا بينهم و بينه ، وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سرا بينهم وبينه بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه ، حتى كان بعضهم يود لو تمكن من عبادة لا تشعر بها الملائكة الحفظة ، والنفس البشرية إذا تاقت إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ، ثم تركته لله عز و جل في موضع لا يطلع عليه إلا الله ، كان ذلك دليلا على صحة الإيمان ، فإن الصائم يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته ، وقد حرّم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة ، فأطاع ربه ، و امتثل أمره ، واجتنب نهيه خوفا من عقابه ، ورغبة في ثوابه ، فشكر الله تعالى له ذلك ، واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله . أ. هـ