(سلسلة غنائم الصائمين) للأستاذ الدكتور خالد الدريس

إنضم
18/04/2007
المشاركات
280
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
الرياض
سر بين العبد وربه​
هو أمر جليل عظيم ، لا تُقبلُ الأعمالُ الصالحةُ إلا به ، ولا تزكو النفوسُ إلا من خلاله ، وهو روح العبادات التي لا حياةَ لها ، إلا بوجوده ؛ ذلكم هو الإخلاص لله تعالى .
علاقة الصوم بأعمال القلوب ؟
يرتبط الصيام بأعمال القلوب ارتباطاً وثيقاً ، فقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن الثمرةَ الكبرى ، والغايةَ العظمى من فرضِ الصوم ، بلوغُ التقوى ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ، والتقوى محلها القلب .
علاقة الصوم بالإخلاص ؟
يعدُ الصيامُ من أهمِ الوسائلِ المعينةِ على اكتساب الإخلاص والتحلي به ، فلذا كان من أجلِّ ما يغنمه الصائمون في رمضانَ أن يتأملوا في حقيقة الإخلاص وما يشوبه من آفات ، ثم يراجعوا أعمالهم وأقوالهم ، وكلَ تصرفاتهم : أتحقق فيها الإخلاصُ لله تعالى أم لا ؟
مفهوم الإخلاص ومعناه ؟
والإخلاص : كلمة تدل على الصفاء والنقاء من الشوائب ، والمقصود بها شرعاً : تصفية الارادة ، وتنقية القصد ، وتجريد النية ليكون المقصود بالطاعات وجه الله عز وجل.
سر بين العبد وربه ؟
ويستدل على أثر الصيام في اكتساب خصلة الإخلاص ، بما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الحديث الصحيح أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ بعَشْر أَمْثَالِهَا ، إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ))

فقد خص الله الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال الأخرى ، فما سبب ذلك يا تُرى ؟
يقول العلماء في الإجابة عن هذا : ذلك لأن الصيام سر بين العبد و ربه ، لا يطلع عليه غيرُه ، وهو أي الصيام مركب من أمرين :
الأول : نيةٍ باطنةٍ لا يطلع عليها إلا الله .
والثاني : تركِ الشهواتِ التي يستتر الإنسان عند فعلها في العادة .
ولذلك قال بعض العلماء : إن الرياء لا يدخل في الصوم إلا في حالات يسيرة كمن يصوم ثم يتحدث بذلك رغبة أن يُمدح ويُثنى عليه .
ويقول الحافظ ابن رجب في بيان العلاقة بين الإخلاص والصيام : إن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله عز و جل ، حيث لا يطلع عليه غيرُ من أمره و نهاه ، دل على صحة إيمانه ، والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سرا بينهم و بينه ، وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سرا بينهم وبينه بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه ، حتى كان بعضهم يود لو تمكن من عبادة لا تشعر بها الملائكة الحفظة ، والنفس البشرية إذا تاقت إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ، ثم تركته لله عز و جل في موضع لا يطلع عليه إلا الله ، كان ذلك دليلا على صحة الإيمان ، فإن الصائم يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته ، وقد حرّم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة ، فأطاع ربه ، و امتثل أمره ، واجتنب نهيه خوفا من عقابه ، ورغبة في ثوابه ، فشكر الله تعالى له ذلك ، واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله . أ. هـ
 
(سلسلة غنائم الصائمين) للأستاذ الدكتور خالد الدريس (2)

(سلسلة غنائم الصائمين) للأستاذ الدكتور خالد الدريس (2)

روح الأعمال​
ومما يدل على أهمية الإخلاص أنه من أعمال القلوب التي هي الأصل ، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- : (أعمال القلوب هي الأصل ، وأعمال الجوارح تبع ، ومكملة، وإن النية بمنزلة الروح ، والعمل بمنزلة الجسد ) ، ودليل هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) . ويؤكد ذلك أيضا حديث عمر -رضي الله عنه- الصحيح المشهور المرفوع إلى رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) .

الارتباط بين الصوم والإخلاص ؟
ومن دلائل الارتباط الوثيق بين الصوم والإخلاص الحديث الآخر المتفق على صحته الذي يقول فيه المصطفى ْ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ).
ومعنى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِيمَانًا ) أي تَصْدِيقًا بِأَنَّ الصيام حَقّ قد افترضه الله على عباده , وَمَعْنَى قوله ( اِحْتِسَابًا ) أي أن الصائمَ يريد بصومه وجه اللَّه تَعَالَى وَحْده لا يَقْصِد رُؤْيَة أحد من الخلق , وَلا غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِف الإخْلاص ، فيكون بَاعِثُهُ طلب الثواب منه تعالى لا الْخَوْفُ مِنْ النَّاسِ وَلا الاسْتِحْيَاءُ مِنْهُمْ وَلا قَصْدُ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ .

شرط لصحة العمل وقبوله ؟
والإخلاص أمره في ديننا عظيم ، إذ هو شرط لصحة العمل وقبوله ، والأدلة على ذلك كثيرة ومنها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه النسائي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ بإسناد جيد أنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (لَا شَيْءَ لَهُ) ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (لَا شَيْءَ لَهُ)، ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا ، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ ) .

ديوان : لِمَ ؟ وديوان : كيف ؟
قال بعض السلف : "ما من فعلة وإن صغرت، إلا ينشر لها ديوانان : "لم " ، و "كيف " . أي: لِمَ فعلت ؟ ، وكيف فعلت ؟
فالأول: سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه ، هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل ، وغرض من أغراض الدنيا في محبة المدح من الناس ، أو خوف ذمهم ، أو استجلاب محبوب عاجل ، أو دفع مكروه عاجل ، أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية ، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى، وابتغاء الوسيلة إليه .
و السؤال الثاني : سؤال عن متابعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- في ذلك التعبد أي هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولي أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه
فالأول سؤال عن الإخلاص والثاني عن المتابعة فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما" . أ.هـ
 
سلسلة غنائم الصائمين للأستاذ الدكتور خالد الدريس (3)
مكاسبنا من الإخلاص​
ومن فضائل الإخلاص وثمراته، وإن شئت قل: مكاسبنا وفوائدنا التي نجنيها بسببه :
- حصول محبة الله للعبد المخلص، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلمفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: ((إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)) .
- ومن ثمراته: الفوز بنعيم الجنة، قال تعالى: ﴿ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ، أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ، فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ .
- ومن ثمرات الإخلاص: أنه سبب لإظلال العبد في ظل الله عز وجل يوم القيامة ، فقد جاء في الحديث المتفق على صحته في شأن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلُه سبحانه وتعالى: (( وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصدقة فأخفاها حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)).
. - ومن ثمرات الإخلاص: حصول الفرج عند الشدائد، وإجابة الدعاء، ويدل على ذلك حديث النفر الثلاثة الذين أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ ، فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا ، لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ، وكان كل واحد منهم يقول في آخر دعائه : (( اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهكَ ، فافُرِْج عنا ما نحن فيه)) فاستجاب الله دعاءهم وفرّج عنهم .
- ومن بركات الإخلاص وثمراته : أنه سبب في اكتساب الشجاعة والإقدام والصبر ؛ لأنه يربط القلب بالخالق عز وجل ، فيصبح المخلص لا يخاف إلا الله ، ولا يرجو إلا إياه ، فيتمثل له كل الخلق كالأموات، لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً .
- وقد جرت عادة الله التي لا تتبدل وسنته التي لا تتحول أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق ، ما هو بحسب إخلاصه ونيته، ومعاملته لربه ، ويلبس المرائي من المقت والمهانة ، والبغض ما هو لائق به .
:
:
علامات المخلصين وصفاتهم ؟
ومن الأمور المهمة المتعلقةِ بالإخلاصِ، أن نـتعرف على علامات المخلصين وصفاتهم ، حتى يحاسب أحدنا نفسه في موازين تلك الصفات .
فمن أهم علامات الإخلاص لله في أي عمل، أو قول: أن يكون سالماً من المنافع الذاتية والرغبات الشخصية الدنيوية . كما قال أحد السلف : "الإخلاص أن لا تطلب على عملك شاهدا غيرَ الله ، ولا مجازيا سواه "
- ومن علامات الإخلاص: أن يكون إخفاء الأعمال الصالحة أحبَ للمرء من إظهارها، بل يحرص على العمل الصالح الخفي مثل حرصه على إخفاء السيئات ، إن لم يكن أشد .
- ومن علاماته أيضاً : أن لا يبالي المرء لو خرج كل قدر له في قلوب الناس ، من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل .
نسأل اللهَ عزوجل أن يجعلنا ممن يغتنمُ أيامَ هذا الشهر الكريم بعمل الصالحات ، إيماناً واحتساباً ، وأن يطهر أعمالنا من الرياء والسمعة ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أ.هـ.
 
سلسلة غنائم الصائمين للأستاذ الدكتور خالد الدريس (٤)
كل شيء ثمين فهو بالضرورة نادر.. أليس كذلك ؟ !​
:
أتدري ما أعز شيء في هذه الدنيا ؟ وما أصعب شيء على النفس البشرية ؟!
:
لنرحل في سفينة الزمن بحثاً عن أناس عاشوا للآخرة يخبروننا عن تجاربهم الروحية ويجيوبننا عن أسئلتنا ..
:
قال يوسف بن الحسين الرازي : "أعزُ شيءٍ في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهدُ في إسقاط الرياءِ عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لونٍ آخر ".
وقال سهل بن عبدالله التُستري : " ليس على النفسِ شيءٌ أشقَ ، من الإخلاصِ ؛ لأنه ليس لها فيه نصيبٌ" .
:
اعلموا حمانا الله وإياكم من كل شر أن إغواءَ إبليس لابن آدم من أهم أسباب ضعف الإخلاص، ولا ينفك لعنه الله يكيد العباد بمكائده المتنوعة ليُلبّس عليهم نياتهم. ومما يوضح ذلك بصورة حسنة هذه القصة التي أسندها صاحبُ كتابِ (تلبيسُ إبليس) عن التابعي الجليل الحسنِ البصري -رحمه الله تعالى- أنه قال : "كانت شجرةٌ تعبدُ من دونِ اللهِ، فجاءَ إليها رجلٌ فقال: لأقطعنّ هذه الشجرة، فجاء ليقطعها غضباً لله ، فلقيه إبليسُ في صورة إنسان، فقال : ما تريد ؟ قال : أريد أن أقطعَ هذه الشجرةُ التي تُعبدُ من دون الله .
قال : إذا أنتَ لم تعبُدْها فما يضرُكَ من عبدها ؟ قال الرجل : لأقطعنها .
فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خيرٌ لك ، لا تقطعها ، ولك ديناران كلُ يوم إذا أصبحت عند وسادتك .
قال الرجل : فمن أين لي ذلك ؟ ـ يعني من سيؤدي لي هذا المبلغ - ؟!
فقال الشيطان : أنا أضمن لك .
فرجع ذلك الرجل ، فلما أصبح وجد دينارين عند وسادته ، ثم أصبح بعد ذلك ، فلم يجد شيئا ، فقام غَضِبا ليقطعها ، فتمثل له الشيطان في صورته ، وقال : ما تريد ؟
قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تُعبدُ من دون الله تعالى !
قال الشيطان له : كذبت ، مالك إلى ذلك من سبيل .
فذهب الرجلُ ليقطعها ، فضرب الشيطان به الأرض وخنقه ، حتى كاد يقتله ، ثم قال له : أتدري من أنا ؟ أنا الشيطان ، جئتَ أولَ مرة غَضَباً لله ، فلم يكن لي عليك سبيل ، فخدعتك بالدينارين فتركتَها ، فلما جئتَ غضبا للدينارين ، سُلطتُ عليك " . انتهى ..
:
وحيلُ الشيطانِ ، وتلبيساتُهُ لإفساد إخلاصِ العاملين كثيرةٌ ومتعددة ، قال الفضيل بن عياض : "لا يتركُ الشيطانُ الانسانَ، حتى يحتالُ له بكلِ وجهٍ ، فيستخرجُ منه ما يُخبرُ به من عملهِ ، لعلهُ يكون كثيرَ الطوافِ ، فيقول : ما كان أحلى الطوافَ الليلةَ ، أو يكون صائما فيقول : ما أثقلَ السحور ، أو ما أشدَ العطش" ..
ولكثرة مكائد الشيطان وتنوعها ، أصبح الإخلاص على قلوب العباد ليس بالأمر الهين ، وقد صرح غير واحد من السلف بذلك ، كما قال سفيان الثوري: "ما عالجتُ شيئاً أشدَ عليّ من نيتي ؛ لأنها تتقلب علي" ، وقال يوسف بن أسباط : "تخليصُ النيةِ من فسادِها ، أشدُ على العاملين من طول الاجتهاد" . وبنحو ذلك قال العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه الماتع (صيد الخاصر) : "ما أقلَ من يعملُ لله تعالى خالصا ؛ لأن أكثرَ الناسِ ، يحبون ظهورَ عباداتِهم ، فاعلم أن تَرْكَ النظرِ إلى الخلقِ ، ومحوَ الجاهِ من قلوبهم بالعملِ ، و إخلاصِ القصدِ ، وسترِ الحالِ ، هو الذي رفعَ من رفعَ - يعني من علماء السلف -.. ." ثم أخذ يتكلم عن بعض علماء عصره ممن أَلفوا الأبهة والجاه ، فقال : "و لقد رأيت من الناس عجبا حتى من يتزين بالعلم إن رآني أمشي وحدي أنكر علي ، و إن رآني أزور فقيرا عظّمَ ذلك ، و إن رآني أنبسِطُ بتبسم ، نقصتُ من عينه . فقلت : فواعجبا ! هذه كانت طريقُ الرسولِ -صلى الله عليه و سلم-، و أصحابِهِ -رضي الله عنهم- . فصارت أحوالُ الخلق ، نواميسَ لإقامة الجاه ، لا جرمَ ـ و الله ـ سقطتم من عينِ الحقِ ، فأسقطكم من عينِ الخلق . فالتفتوا ـ إخواني ـ إلى إصلاح النيات ، وترك التزيُنِ للخلق ، ولتكن عمدتكم الإستقامةُ مع الحق ، فبذلك صَعَدَ السلفُ ، وسُعِدوا ، وإياكم ، وما الناسُ عليه اليوم" انتهى كلامُه رحمه الله .
:
ومما ينبغي التنبيه عليه لخطورته أن بعض الناس قد يترك العمل الصالح ، بدعوى الخوف من الوقوع في الرياء ، وهذه مكيدة شيطانية خطيرة ، والواجب على المسلم عدم الالتفات لمثل هذا ، والاستمرار في العمل ، مع عدم الغفلة عن محاسبة النفس ، وديمومة مراقبة الله تعالى " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك ". أ.هـ.
 
عودة
أعلى