سلسلة حوارات أهل القراءات (1) الشيخ عدنان العُرْضي

إنضم
11/03/2009
المشاركات
1,240
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الرياض- حضرموت
01.png
سلسلة حوارات أهل القراءات
(الحلقة الأولى)

حوار مع الشيخ المقرئ عدنان العُرْضي
شيخ الإقراء بمقرأة جامع الملك خالد بالرياض

[align=justify]هذه سلسلة من الحوارات العلمية الجادة مع ثلَّة من رجالات القراءات في العالم الإسلامي، يسعى الملتقى إقامتها مع عدد من أهل هذه الصنعة، للتعريف برجالها والاستفادة من خبراتهم في دراسة القراءات وعلومها ثم تدريسها والتأليف فيها، تأتي تبعاً إن شاء الله تعالى في نهاية الثلث الثاني من كلٍّ شهر، ورغبنا أن تكون البداية في شهر رمضان المبارك، شهر القرآن وأهل القرآن.

ضيف هذه الحلقة من هذه السلسلة هو الشيخ المقرئ المتقن العالم الشيخ عدنان بن عبد الرحمن العُرْضي المرصفي من بلاد مصر المحروسة، من المقرئين الذين نفع الله بهم في هذا العصر لاسيما في مدينة الرياض، جُلُّ وقته في الإقراء والتدريس، تولَّى مشيخة الإقراء بمقرأة جامع الملك خالد بأم الحمَّام بالرِّياض، وتخرَّج عليه جمع من الطلبة في القرآن الكريم والقراءات.

أحببنا في ملتقى أهل التفسير قسم القراءات أن نحاوره ونتعرَّف عليه ونستفيد من خبرته في مجال الإقراء، فكان هذا اللقاء الماتع معه، ونشكر لضيفنا قبول الدعوة وإتاحة الفرصة لنا في محاورته، فبارك الله فيه ونفع به... ونترككم مع الحوار:

* نرحب بكم ضيفاً على قسم القراءات بملتقى أهل التفسير.
الشيخ: حياكم الله، وبارك في جهودكم، ونفع بكم.

س1: فضيلتكم شخصية معروفة بجهودها في مجال الإقراء، لكنَّ متابعي ملتقى أهل التفسير بحاجة إلى مزيد معرفة عن شخصكم الكريم ؟
الشيخ: الاسم: أبو عبد الرحمن، عدنان بن عبد الرحمن بن محمَّد العُرْضي ثم المرصفي، نسبة إلى قرية مرصفا مركز بنها، محافظة القليوبية بمصر المحروسة.
تاريخ الميلاد: 29/ 12/ 1963م، الموافق: 8/13 / 1383 هـ.
الحالة الاجتماعية: متزوج وعندي –ولله الحمد- سبعة أولاد، أربعة من الذكور، وثلاث من الإناث.
الشهادات الدراسية: كلية التربية عام 1985م / كلية الآداب عام 1988م قسم اللغة الإنجليزية.
وحصلتُ –ولله الحمد- على العديد من الإجازات القرآنية في القراءات مفردة ومجتمعة.

س2: فضيلتكم منشغل بالقرآن الكريم تلاوة وإقراء وتدريساً، متى كانت بدايتكم مع القرآن الكريم وقراءاته ؟ وما دور الوالدين في ذلك ؟
الشيخ: كانت البداية منذ نعومة أظفاري في المرحلة الابتدائية و(الكُتَّاب)، ولكن وصلت فقط إلى سورة (ص) ثم تركتُ الكُتَّاب، وانشغلتُ بالدراسة المدنية حيناً من الدهر إلى أن أنعم الله عليَّ بالهمَّة في استئناف الحفظ، وذلك في نهاية العام الدراسي 83/ 1984 م من أواخر عامي الثالث بالجامعة على الأرجح، وكانت هناك محاولات سابقة لكن لم تكلل بالنجاح، إلى أن وفَّقني الله للقراءة على شيخنا عبد الرحمن كسَّاب –رحمه الله- حتى ختمتُ وجودتُ على فضيلته في إجازة صيفية عام 1984 م.

س3: علم القراءات قائم على التلقي والمشافهة، فأين كانت دراستكم لهذا العلم، ومن هم أبرز مشايخكم فيه ؟ ومن تراه أثَّر فيكم من مشايخكم وانتفعتم به أكثر من غيره ؟
الشيخ: دراستي لهذا العلم الشريف كانت في مجملها على المشايخ الذين تلقيتُ عنهم القراءات إفراداً وجمعاً.
إضافة إلى مطالعاتي الكثيرة في الكتب وسماعي لتسجيلات ودروس بعض المشايخ الكبار.
وأبرز مشايخي:
شيخنا الأول: عبد الرحمن كسَّاب المرصفي –رحمه الله- كان له أكبر الأثر في ضبط وإتقان التجويد، وله قصة طويلة معي.
شيخنا/ عبد العزيز بن فتحي السيِّد ندا هو أول من دفعني وشجعني وحبَّب إليَّ القراءات، وقرأتُ عليه قراءات: عاصم، وابن كثير، وأبي عمرو البصري.
شيخنا/ أحمد فهمي عبد الصمد الدمياطي –رحمه الله- كان له بعد الله تعالى الفضل الأكبر في انطلاقي في القراءات، حيث قرأتُ عليه العشر الصغرى.
شيخنا الصَّالح/ بكري الطرابيشي الدمشقي –رحمه الله- قرأتُ عليه ختمة كاملة بقراءة عاصم الكوفي.
شيخنا العلامة المحقق المدقق/ عبد الرافع رضوان بن علي الشرقاوي، قرأتُ عليه رواية حفص من طريق المصباح والروضة.
شيخنا العلامة المعمر/ محمد بن عبد الحميد السكندري، شيخ مقارئ الإسكندرية، وأعلى قراء الطيبة سنداً الآن، قرأت عليه قراءات: عاصم، وابن عامر، والكسائي، من الشاطبية، ثم جمعتُ عليه القراءات العشر الكبرى.
شيخنا/ مصباح علي ودن، قرأتُ عليه بعضاً من القرآن بالقراءات العشر الصغرى، وأجازني بها وبالقرآن كاملاً بالعشر.
شيخنا/ عبد الفتاح مذكور، قرأتُ عليه بعض القرآن برواية حفص، وأجازني بكلِّ القرآن بالرواية المذكورة.
وشرَّفني الله بقراءة بعض القرآن على بعض المشايخ كالشيخ إبراهيم شحاذة السمنودي، والشيخ محمد كريم راجح الدمشقي، والشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف، والشيخ منير المظفر الصفاقسي التونسي، والشيخ عبد الباسط هاشم.
وقرأت بعض متون القراءات والتجويد على عدَّة أعلام، وهم: الشيخ محمد عبد الحميد السكندري، والشيخ عبد الفتاح مذكور، والشيخ عبد الباسط حامد، الشهير بعبد الباسط هاشم، على تفصيل في ذلك.

س4: إذا ذكرت مقرأة جامع الملك خالد، ذكر اسمكم معها، فمتى كان قدومكم إلى الرياض ؟ وما هو أبرز نشاطكم في الرياض في مجال الإقراء وتعليم القرآن الكريم ؟
الشيخ: كان سفري إلى الرياض عام 1415هـ، ولكن لم يكن لي في البداية اشتغال بالتجويد أو القراءات، حيث كنتُ أعمل معلِّماً للغة الإنجليزية في مدارس الرواد، ثم في مدارس رياض الصالحين، وكان من توفيق الله لي أن عرض عليَّ أحد زملائي بالمدارس –رياض الصالحين- أن أقرأ عليه، وهو شيخنا الأول في القراءات المفضال الأستاذ: عبد العزيز بن فتحي السيد ندا.
ثم قرأتُ على المشايخ الذين ذكرتُ سابقاً، وجلستُ للإقراء، وقرأ عليَّ عدد كبير جداً من الطلاب –ولله الحمد- بالقراءات المفردة، وكذلك بجمع القراءات السبع والعشر، وتخرَّج منهم عدد كبير، خاصة بعد افتتاح مقرأة الملك خالد عام 1426هـ، فتخرَّج:
بالعشر ثلاثة طلاب.
وبالسبع خمسة.
وأجيز بعاصم أحد عشر طالباً وطالبة.
وبرواية حفص ستة طلاب.
وبروايات مختلفة عشرة طلاب.
هذا غير الذين تخرَّجوا عليَّ قبل مقرأة الملك خالد.
وتخرَّج عليَّ نحو ستة طلاب في مقرأة صالح الراجحي بحي الملك فهد بالرياض.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وقد وفقنا الله لإقامة بعض الدورات لتطوير المعلمين بجامع سليمان الرَّاجحي بحي الصفا، وقدَّمتُ بعض الدَّورات في معهد إعداد المعلمين بحي الورود بالرياض، كما أقامت مقرأة جامع الملك خالد عشرة ملتقيات قرآنية استفاد منها مجموعة كبيرة من طلاب هذا العلم الشريف.

س5: الناس مع التأليف أصناف وأنواع، ومع طول حياتكم مع القرآن الكريم لم نرَ لفضيلتكم شيئاً من المؤلفات والتحقيقات في علم التجويد والقراءات، فما نظرتكم حول هذا ؟
الشيخ: هذه من المنح والنعم التي يفيضها الله على من يشاء من عباده، فمنهم من يشتغل بالتعليم والإقراء والتدريس، ومنهم من يشتغل بالتصنيف، ويفتح الله عليه في ذلك، ومنهم من يوفقه الله في كلِّ ذلك، فأنا –ولله الحمد- أقرئ جلَّ وقتي، وأحياناً أدرِّس بعض المتون والكتب لطلابي، وقد قمتُ –ولله الحمد- بشرح الشاطبية كاملة، وشرح المقدمة الجزرية، وكذا شرح القسم الأول من كتاب: سمير الطالبين في الرسم والضبط، والتعليق على كتاب: مختصر بلوغ الأمنية في التحريرات، وكذلك شرح كتاب: الإضاءة للشيخ الضَّبَّاع.
وكلها -عدا شرح الشاطبية- موجود على الانترنت –ولله الحمد-، وكان لي أيضاً مشاركة ببحث في المؤتمر العالمي الأول للقراءات بمراكش، منذ شهرين تقريباً.

س6: القراء لهم مناهج في الإقراء تشدداً وتساهلاً وتوسطاً في موضوع الإجازة، فما هو المنهج الوسط في نظركم في إجازة الطالب في القرآن الكريم أو القراءات ؟ وماذا عن من يصف منهجكم بالتشدد في الإقراء ؟
الشيخ: صحَّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (اقرءوا كما علمتم)، ورد عن بعض السلف: (اقرءوا كما قرأ أولوكم)، وصحَّ عن كثير من أئمة السلف (القراءة سنة متبعة)، فنحن نتبع ولا نبتدع، نقرأ كما أقرأنا مشايخنا، أسأل الله أن يجزيهم عنَّا خير الجزاء، ولو رجعنا إلى كتابات أئمتنا الأوائل: أبي عمرو الداني، وعبد الوهاب القرطبي، ومكي بن أبي طالب، وغيرهم، سنجد أنَّ –أمثالنا- ممن يوصفون بالتشديد قد يكونون متساهلين جداً في هذا الأمر، نسأل الله العافية والسلامة، والأمر لا يعدو كونه حرصاً على كتاب الله، وقياماً بالأمانة.

س 7: يقولون: أنَّ الشيخ قد يستفيد من بعض تلاميذه ما ليس عنده، فهل حصل معكم شيء مع تلاميذكم من هذا الأمر ؟
الشيخ: نعم استفدتُ من بعض طلابي في مدارسة ومناقشة بعض المسائل العلمية في القراءات والتجويد والوقف والابتداء والتفسير وغيرها.
واستفدتُ من بعضهم من سلوكهم وأخلاقهم وعبادتهم، وأدبهم.
وأستفيد كذلك من كثير منهم في التشاور في بعض مشروعات المقرأة، حتى إنَّ القريب منهم أشاوره في بعض أموري الشخصية.

س8: الناظر في واقع الحلقات القرآنية بالمساجد يرى ضعفاً شديداً في المخرجات مع وجود الإمكانيات في كثير من هذه الحلقات، في نظركم ما هو سبب هذا الضعف الواقع الملموس ؟
الشيخ: الضعف في نظري يعود في الأساس إلى ضعف القائمين على الجمعيات الخيرية عموماً، لأنَّ أكثرهم –للأسف- في نظري القاصر –موظفون-، وهناك البعض ممن عندهم الغيرة والحماس لكن تنقصهم الخبرة والخطط، ونتج عن ذلك أمور كثيرة جداً تجعل المنتج النهائي ضعيفاً جداً، إذا ما قورن بالإمكانات الضخمة المتاحة.
ويمكنني أن أوجز أهم الآثار الناتجة عن السبب الأساسي الذي ذكرته، وهو ضعف الإدارة:
1) عدم وضوح الرؤية.
2) ضعف التخطيط.
3) عدم وضوح الاستراتيجات الطويلة، وأساليب تحقيق هذه الاستراتيجات.
4) عدم ترتيب الأولويات، فأهمل جانب المعلِّم وتطويره وتحسين وضعه المعيشي والمهني.
5) عدم وجود كوادر تربوية وفنية على مستوى عالٍ من المهارة والحرفية لإدارة الجمعيات والمراكز ناهيك عن الحلقات.

س9: عرف عنكم إشرافكم ومتابعتكم المباشرة على مشروع (اتساق)، فهل من لمحة مختصرة عن هذا المشروع ؟
الشيخ: مشروع (اتساق) هو التحقيق الصوتي لمسائل التجويد والقراءات، وتسجيلها صوتاً وصورة من أفواه كبار القراء المتصدرين في أمصار العالم الإسلامي.
بحيث تتوفر مرجعية صوتية موثوقة على أعلى درجات ومقاييس الإتقان الأدائي لهذا الجيل وما بعده من القراء والمقرئين والمشتغلين بالدراسات القرآنية.

س10: علم الرسم وعلم عد الآي من العلوم المتعلقة بعلم القراءات، والناظر في واقع كثير من المتصدرين للإقراء الجهل بهما، أو عدم تدريسهما، فما وجهة نظركم حول هذين العلمين ؟
الشيخ: جهل كثير من القراء والمقرئين بهذين العلمين الشريفين واقع مشاهد ولا يمكن إنكاره، وهذا نقص في التكوين العلمي للقارئ والمقرئ، وعليه أن يدرس ولو مختصراً في علم الرسم كاللؤلؤ المنظوم للمتولي، والفواصل كالفرائد الحسان للقاضي، فهذا أقل ما يقبل لرفع الجهل في هذين العلمين عن المقرئ المبتدئ.

س11: علم القراءات قائم على الرواية والدراية، وبعض الطلبة يغرق في الرواية على حساب الدراية، أو العكس ؟ فما توجيهكم في هذا الأمر ؟
الشيخ: الأصل في علم القراءات هو الرواية والتمكن فيها، وحسن الأداء والتلاوة، فهذا هو حجر الزاوية، لكن على القارئ أن يحرص كذلك على الإحاطة بعلوم الدراية كتوجيه القراءات، وتاريخ القراءات، والرسم، والفواصل، وعلم الأسانيد، وأصول علم القراءات، وكلها في غاية الاهتمام للمقرئ والمتصدِّر.

س12: ملتقى أهل التفسير من الملتقيات العلمية المتخصصة على الشبكة العنكبوتية، فهل لكم متابعة له مباشرة أو عن طريق تلاميذكم ؟ وما توجيهاتكم لإدارة الملتقى ؟ وكلمة أخيرة لأعضاء الملتقى ومتابعيه ؟
الشيخ: للأسف، أنا لا أتابع ما ينشر على الشبكة عموماً لسببين:
أولهما: كثرة المشاغل.
ثانيهما: قلة مهارتي في استعمال الحاسوب.
كلمتي لمتابعي الملتقى: إنَّ العلوم الشرعية تتكامل، فأهل التجويد والقراءات يعنون بجانب الرواية وشيئاً من علوم الدراية، وأهل التفسير يعنون بمعاني القرآن، وآدابه، وأحكامه، وقصصه، وغير ذلك، وقل مثل ذلك عن المحدِّثين والفقهاء، وكلٌّ في ثغر، فليحرص كل منهم على أن لا يؤتى الإسلام من قبله، وليتعاونوا فيما بينهم على البر والتقوى، وليتحابوا وليتواخوا، وليدعوا لبعضهم بعضاً، وفَّق الله الجميع لما يحبُ ويرضى. والحمد لله أولاً وآخراً.

حاوره تلميذه:
محمد بن سعيد بكران
رمضان 1434 هـ
[/align]
 
[align=justify]
أشكر أخي الحبيب الشيخ أبا إسحاق الحضرميِّ على جهوده المباركة في تنشيط ملتقى القراءات، وابتكار الأفكار الجديدة التي يستفيد منها أعضاء الملتقى وزائروه.
وأرحِّب بفضيلة الشيخ عدنان العرضي المرصفي ضيفًا كريمًا في ملتقى أهل التفسير، وأغتنم الفرصة لشكره على عمله في خدمة القرآن وأهله، ونشاطه في الإقراء، وبذله وقته وراحته في سبيل ذلك، كما أشكره على إتاحة هذه الفرصة الطيبة لإجراء هذه المحاورة العلمية مع فضيلته، وأسأل الله أن يزيده توفيقًا، وينفع به وبعلمه.
[/align]
 

س3: علم القراءات قائم على التلقي والمشافهة، فأين كانت دراستكم لهذا العلم، ومن هم أبرز مشايخكم فيه ؟ ومن تراه أثَّر فيكم من مشايخكم وانتفعتم به أكثر من غيره ؟الشيخ: دراستي لهذا العلم الشريف كانت في مجملها على المشايخ الذين تلقيتُ عنهم القراءات إفراداً وجمعاً.
إضافة إلى مطالعاتي الكثيرة في الكتب وسماعي لتسجيلات ودروس بعض المشايخ الكبار.
وأبرز مشايخي:
شيخنا الأول: عبد الرحمن كسَّاب المرصفي –رحمه الله- كان له أكبر الأثر في ضبط وإتقان التجويد، وله قصة طويلة معي.
[/align]

قد لا يعرف الكثيرون شيخ شيخنا عبد الرحمن كساب ، فأنقل لكم ترجمة مختصرة له - رحمه الله - :
(كتبها أخونا الشيخ مصطفى شعبان - وفقه الله - على هامش ترجمته لشيخنا عدنان العرضي)

هو الشيخُ/ عبد الرحمن بن محمد بن جاد بن كَسَّاب المرصفي، أحد أعلام القرآن الكريم بمصر، من أصل مغربي، كان كفيف البصر، وكان يعمل مقيمًا للشعائر وقارئًا للسورة بجامع المغاربة التابع لوزارة الأوقاف بمَرْصَفَا، وعضوًا بمقرأة جامع الصَّيَّاد، يقرأ ويقرئ برواية حفصٍ حيث تَلَقَّاها حفظًا وتجويدًا على الشيخِ المعَمَّر/ عبد الفتاح أبو سليم المرصفي-رحمه الله، وقد اشتهر الشيخُ/ كَسَّاب بالإتقان والتدقيق والحرص والغيرة الشديدة على كتاب الله تعالى، وكان رجلًا فريدًا من نوعه، وله فضائل ومآثر جليلة، منها: قيامه بالليل، وامتناعه من تقاضي أي أجر على تعليم القرآن الكريم وتعففه عن ذلك، بل وإنفاقه على بعض الطلبة مع فقره وحاجته، وورعه الشديد حيث أنه لما أَتْعَبَه الكِبَرُ اعتذر عن قراءة السورة ولما طلبوا منه خَتْمَهُ ليثبتوا حضوره بالمقرأة رفض حتى لا يأخذ راتبًا بغير حقه، وكان لا يمس المصحف إلا على وضوء، وكان شديدًا على الطلبة ومن ذلك أنه لم يكن يقبل أكثر من خطأين بالجلسة الواحدة ولذا لم يصبر معه إلى النهاية إلا القليل، وقد ختم عليه الشيخُ عدنان القرآن الكريم حفظًا في يوم السبت 16 محرم 1404هـ الموافق 22 أكتوبر 1983م وهو ابن عشرين سنة، وقرأ عليه خمس ختماتٍ أخرى بعد ذلك ... وقد أَخْلَفَ اللهُ عليه في أولاده خيرًا، حيث حصلوا على أعلى الشهادات والمناصب، ومنهم: ابنه الدكتور (أحمد) عميد كلية الطب بمُشْتُهر ... تُوفِّي الشيخُ عبدُ الرحمن محمد جاد كَسَّاب في حدود عام 2005م عن عمر يناهز الثمانين، فرحمه الله رحمة واسعة.
تنبيه : يوجد مقرئ آخر اسمه/ عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن كَسَّاب المرصفي، المولود في 15/7/1953م بمَرْصَفَا، هو ابن عمِّ الشيخ الأول المذكور أعلاه وتلميذه أيضًا، حيث حفظ القرآن الكريم على يديه، ولازمه كثيرًا، ثم أخذ العشر الصغرى والكبرى عن الشيخ حسنين جبريل وغيره، وهو عضوٌ بلجنة مراجعة المصاحف بالأزهر، ومدرس القراءات بمركز المعصراوي للدراسات القرآنية بمدينة نصر بالقاهرة، وشيخ لمقرأة (سيدي عبد الرحمن) ومقرأة (الشَّوَارِبِي الكبير) بالقليوبية.
فهناك تشابه بينهما في الاسم واللقب والنسبة للبلد وكلاهما من المقرئين.
تنبيه آخر: أصل عائلة (كَسَّاب) من المغرب ولهذا سمي مسجد قريتهم: (مسجد المغاربة)، وهي من أكبر عائلات مَرْصَفَا.

مصدر الترجمة : الشيخ عدنان ، والشيخ عبد الرحمن محمد محمد كَسَّاب المعاصر مع تصرف وزيادة.
 



س3: علم القراءات قائم على التلقي والمشافهة، فأين كانت دراستكم لهذا العلم، ومن هم أبرز مشايخكم فيه ؟ ومن تراه أثَّر فيكم من مشايخكم وانتفعتم به أكثر من غيره ؟
الشيخ: وأبرز مشايخي:
شيخنا/ أحمد فهمي عبد الصمد الدمياطي –رحمه الله- كان له بعد الله تعالى الفضل الأكبر في انطلاقي في القراءات، حيث قرأتُ عليه العشر الصغرى.
[/align]

وهذا مقال كتبه شيخنا - حفظه الله - عندما بلغه خبر وفاة شيخنا أحمد فهمي رحمه الله ، فأنقلها هنا للفائدة :

وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون .
بقلوب مؤمنة بقضاء الله تعالى وقدره رغم مايعتصرها من الألم ،ويغمرها من الحزن ،ودعنا شيخنا الحبيب فضيلة المقرئ الجامع أَحْمَدَ بن فَهْمِي بن سَلامَةَ بن عَبْدِ الصَّمَدِ الدِّمْيَاطِيّ المِصْرِي صباح السبت 25/12/1433هـ، الموافق 10/11/2012م.
ولعلي أعرض في هذه السطور القليلة تعريفاً بشيختا المفضال، أسأل الله أن يسكنه في الفردوس الأعلى بما قدم لخدمة القرآن الكريم، كما أعرج على بعض ذكرياتي الشخصية مع فضيلته، رحمه الله رحمة واسعة.
وُلِدَ شيخنا في 10/2/1365هـ الموافق 13/1/1946م بمحافظة دمياط بمصر ، تخرَّج في كلية الهندسة جامعة القاهرة ، وكان على صلة بالقرآن الكريم ومقارئ كبار المقرئين، فكان يتردَّد كثيرًا على مقرأة الشيخ / عامر السيد عثمان رحمه الله - ، ثم ارتحل للعمل بمدينة الرياض بالسعودية حيث قضى أكثر عمره-أربعاً وثلاثين سنة- وهناك أكمل حفظ القرآن الكريم. أتم شيخنا رحمه الله حفظ القرآن الكريم وهو قد جاوز الأربعين فيما يترجح لي من القرائن، ولم يمنعه السن الذي يتعذر به الكثيرون بأنهم إذا تجاوزوا الأربعين فلا سبيل إلى التحصيل أو طلب العلم. وهنا لطيفة ينبغي أن ينتبه لها كل من لم يتيسر له في بداية حياته طلب العلم أو حفظ القرآن، إذ إن الهمة العالية تقهر _بفضل الله تعالى_ الصعاب وتمكن صاحبها من بلوغ المراد. فبعد أن حفظ شيخنا القرآن وأتقنه شرع في طلب شرف الإسناد إلى من أُنٌزِلَ عليه الكتاب صلى الله عليه وسلم – فشرع يقرأ على كوكبة من مقرئي مدينة الرياض المشهورين فتلقَّى القرآن الكريم برواية حفص ، ثم باللعشر الصغرى وغير ذلك،
فمن شيوخه : الشيخ عباس مصطفى أنور المصري (حفص من الشاطبية ثم من الطيبة)، الشيخ محمد متولي جبر (حفص)، الشيخ محمد عيد عابدين (العشر الصغرى) رحمهم الله - ، الشيخ محمد عبد الحميد السكندري _حفظه الله _(الأصبهاني عن ورش من الطيبة) ،وغيرهم من المقرئين ، كما استدعى له بعضُهم إجازةَ الرواية العامة من بعض المسندين : كالشيخ علي توفيق النحاس ، والشيخ عبد الرحمن بن شيخ الحبشي الحضرمي ، والشيخ أحمد بن قاسم اليقيني الضحوي ، والشيخ محمد إسرائيل الندوي السلفي ، والشيخ غلام الله بن رحمة الله الكاكَري حفظهم الله - ، وقد كان رحمه الله كثير الثناء على شيخه/ محمد عيد عابدين والدعاء له، فما أن يذكر المشايخ إلا ويتمثل شيخه ويدعو له بل ويحث الحاضرين على ذلك وخاصة عند ختمة أحد القراء عليه أو على غيره. وهذا من الوفاء الذي قل وجوده_ للأسف الشديد _في هذا الزمان!!
وقد روى لي أنه شرع في القراءة على الشيح / محمد عيد عابدين بالعشراالصغرى ثم لم يلبث الشيخ أن غادر الديار السعودية عائداً إلى مصر – كان شيخنا يرتب مع الشيخ في الإجازات الصيفية التي يسافر فيها إلى مصر ليقرأ عليه ماتيسر من الختمة حتى أتم عليه في ثلاث سنوات.
وكان حريصًا على تحصيل العلم الشرعي فالتحق بقسم الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود وحصل فيها على درجة الماجستير في الدعوة والاحتساب ، كما كان من المؤسسين لجامعة الحمد التي يشرف عليها الدكتور توفيق علوان حفظه الله - بالرياض ، فدرَّس فيها التجويد وعلوم القرآن .
أما الإقراء في الرياض فهو علم من أعلامه البارزة، ومنارة من مناراته السامقة .وأحد القلائل الذين نذروا أنفسهم لخدمة القرآن الكريم حسبة لله تعالى ، ورجاء ماعنده من الأجر والمثوبة –نحسبه كذلك ، ولانزكي على الله أحدا _فقد كان الشيخ يخصص جل وقت فراغه للإقراء . فبعد أن يعود من عمله في وزارة الإسكان، ويأخذ قسطاً من الراحة يبدأ عقيب المغرب وأحيانا قبلها حتى يخلد إلى النوم لا يكل ولا يمل. وهو يختار من طلابه النجباء ليقرأوا عليه في منزله، أما سائر الطلاب فقد كانت له ثلاث مقارئ عامة: أولاها وأشهرها : بجامع الدغيثر بحي منفوحة بمدينة الرياض، وكانت حلقة عامرة وافرة حافلة بالقراء وذلك مساء كل خميس.ولم يكن_ رحمه الله _ينقطع عنها مطلقا إلا لعذر قاهر. ثانيتها :مقرأة بجامع عتيقة بالرياض من قبل صلاة الجمعة بساعة وتمتد إلى قبيل صلاة العصر. وكانت له مقرأة ثالثة مساء السبت بأحد مساجد حي عتيقة بالرياض، كل ذلك الوقت يبذله خدمة للقرآن الكريم وحسبة لله تعالى، لم يتقاض درهماً أو ديناراً مطلقا على إقرائه، ولم يتوصل بذلك إلى منصب أو حاه .أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناته وأن يجزل له الأجر و المثوبة ويرفع درجاته في عليين.
أما تجربتي مع الشيخ-رحمه الله- فقد شرعت في قراءة ختمة للإمام الكسائي على فضيلته عام 1419 هـ بجامع الدغيثر بالرياض فقرأت في أول جلسة ربعاً واحداً، وفي الثانية قرأت ثلاثة أرباع، وفي الثالثة حزباً كاملاً، وبعدها حدد لى مواعيد للقراءة عليه في مقرأة عتيقة وفي بيته تفضلاً وتكرمً منه، قال لي ذات مرة: ماذا تنوي أن تقرأ بعد الكسائي؟ فقلت له: قراءة ابن عامر. قال: لا، اقرأ حمزة. وعهد بي إلى أحد طلابه لأتدرب على قراءة حمزة، فقرأت عليه إلى آخر سورة النساء، ثم حان موعد سفره في إجازة طويلة نسبياً إلى مصر في أواخر رمضان 1419هـ، وكان قد وعدني بأن أتم الختمة –قراة الكسائي- قبل سفره، فلما كلمته في ذلك قال: لك عندي مفاجأة!. قلت: وما هي؟ قال: ستقرأ العشرة بعد عودتي من مصر، وحيث إن الإجازة طويلة فحاول أن تتدرب خلالها على القراءات التي لم تقرأها من قبل [ابن عامر ، الثلاث المتممة]. قلت: يا مولانا قراءة العشر تحتاج إلى وقت طويل. قال:سأعطيك وقتاً لكن اجتهد خلال هذه المدة (شهرين ونصف تقريبا) فى ضبط كل القراءات إفراداً. وأرشدنى –رحمه الله- إلى طريقة الجمع بالآية وتدربت عليها قبل سفره، وقد قمت بتنفيذ توجيهات الشيخ حرفياً، وكنت قبل عودته مستعدا تماما للقراءة على فضيلته، حتى إنى دونت بخط يدي جمع القراءات العشر من الفاتحة حتى الآية 87 من سورة النساء.
وعند عودته في 17/12/1419 هـ كانت هناك مفاجأة صادمة لي! حيث قال الشيخ إنه لن يجدد عقده بالمملكة السعودية لأن أسرته بحاجة إليه في مصر، والمتبقي له حوال ثمانية أشهر يسافر بعدها نهائيا إلى مصر، وطرح علي خيارين: إما أن أكمل قراءة الكسائي ثم أشرع في قراءة أخرى، أو أن نبدأ في العشر فنقرأ ما تيسر ثم أكمل عليه الختمة في الإجازات كما فعل هو مع شيخه محمد عيد عابدين -رحمهما الله تعالى-.فقلت بلا تردد : بل نبدأ بجمع العشر والله المستعان والموفق.
فما كان من شيخي –رحمه الله- إلا أن أفسح لي وقتا كبيرا حتى إنني كنت أقرأ عليه بشكل شبه يومي سواء في بيته أو المقارئ التي يُقرِئ بها، نقرأ بالقراءات العشر جمعا بالآية حتى نهاية سورة الروم وبعدها أكملنا الختمة بالقراءة بالجمع بالوقف على طريفة ابن الجزري _رحمه الله_. وقد وفقني الله لإكمال القراءات العشر عليه في الثاني من شهر شعبان عام 1420هـ أي قبل انتهاء عقده مع وزارة الإسكان، ويبدو أن ظروف الأسرة تحسنت فبقي الشيخ في الرياض إلى عام 1427هـ تقريبا ثم ارتحل بعدها إلى مصر وظل يقرئ بها حتى داهمه المرض في شهررجب 1433 ثم اشتد عليه بشكل متسارع نسأل الله أن يكفر بذلك سيئاته ،وأن يضاعف حسناته ، وأن يرفع درجاته.


من أبرز ملامح منهجه في الإقراء:
· التفرس الصائب في طلابه.
· تشجيع المبتدئين والمتوسطين.
· رفع همة طلابه النابهين وتحفيزهم إلى جمع القراءات.
· الانضباط التام في المواعيد والالتزام بها وإلزام طلابه بذلك .
· حسن الإرشاد والتوجيه السديد للطلاب.
· تدريب طلابه النابهين على حفظ المتون ودراسة التجويد وخاصة في سنواته الأخيرة بالرياض.
وقد انتفع بالشيخ جمع غفير من طلاب القراءات في الرياض ثم في مصر
ومن أبرز تلاميذه : عدنان العُرْضِي-كاتب هذه السطور- ، عِصْمَت محمد السوداني ، رائد محمد السهلي ، حسنين محمد ، صالح السيد محمد،حسن همام (ستتهم : جمعا بالعشر الصغرى) رائد السهلي (العشر الصغرى إفرادا)- منصور أبو سريع، سُعُود عبدالعزيز ، محمد الأَسْطَل (ثلاثتهم : السبع من الشاطبية) - السيد محمود سَنَد (ورش وابن كثير وأبو عمرو وغير ذلك) ، محمد عوض الحَرْبَاوي- سيد إسماعيل (حفص من الشاطبية) ... وغيرهم كثير ممن قرأ بالقراءات المفردة.
ومن مؤلفاته : رسالة في الرسم العثماني اسمها : «شكر الآلاء وحق الأداء في رسم إبراهيم بدون ياء في سورة البقرة الغرَّاء» ، وأخرى في تحريرات البسملة بين السورتين واسمها : «قطاف الجنتين بتحرير البسملة بين السورتين» . وكان للشيخ مشروع طموح لتسجيل القراءات العشر صوتياً بالجمع بالآية، وسجل بالفعل إلى سورة الكهف ثم داهمه المرض فتوقف المشروع، نسأل الله أن يقيض لهذا المشروع الرائد أحد المقرئين الضابطين لإتمامه وأن يجزي شيخنا خير الجزاء.
وكان رحمه الله كريم النفس، متواضعاً ،رجاعاً إلى الحق، ومن تواضعه رحمه الله أنه ربما اتصل بأحد طلابه ليتأكد منهم من مسألة علمية، أو يستشيره في بعض أمور الإقراء، ولم يستنكف يوماً عن الرجوع إلى الحق إذا تبين له. وكان لطيف المعشر ويسأل عن طلابه ويتفقدهم ويدعو لهم، ويفرح باتصالهم وزيارتهم، ويحل مشاكلهم ويساعد محتاجهم، ومع ذلك فقد كانت تكسوه مهابة حاملي القرآن العاملين به.
نسأل الله أن يتغمد شيخنا بواسع رحمته، وأن يتجاوز عن زلاته ويرفع درجاته، وأن يرزقه منازل النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين، وأن يرزق أهله الصبر والسلوان وأن يخلف الأمة عنه خيراً.
والحمد لله أولاً وآخراً،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه/
عدنان بن عبد الرحمن العرضي المرصفي
مقرئ القراءات العشر بجامع الملك خالد بالرياض
الرياض : 27 / ذو الحجة / 1433 هـ​

 
عودة
أعلى