سلسلة براهين الإيمان للشيخ عبدالمجيد الزنداني – معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

إنضم
04/07/2013
المشاركات
1
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
قطر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين النبي الأمي البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،،،
يقول الله جل في علاه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) فمن البراهين التي تقرر رسالة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أيده بمعجزات لتكون عوناً له في إيصال الرسالة التي كلف بها، وكان من ضمن هذه المعجزات أنه صلى الله عليه وسلم كان يوحي إليه بأخبار الغيب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بالغيب الذي مضى من أخبار القرون السالفة، وبالغيب الذي يحدث في عصره، وبالغيب الذي سيحدث في المستقبل وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم بما في ذلك حياة البرزخ ويوم القيامة والجنة والنار وأحوال أهلهما، وكان هذا الاخبار إما بطريق القرآن الكريم بالآيات التي تتلى آناء الليل وأطراف النهار أو بالسنة النبوية التي وصلت إلينا بأسانيد صحيحة.
ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم عن أخبار أصحابه فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي، أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب)، يقول أنس: وعيناه تذرفان، يعني: يبكي على استشهاد الثلاثة، وكانوا جميعاً من أحب الناس إلى قلبه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح عليه). ثم أمرهم أن يصنعوا الطعام لأهالي الذين استشهدوا وقال عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم). فبنى عليه الصلاة والسلام مواقف عملية على هذه الأخبار الغيبية التي نبأ بها قبل أن يعود الجيش إلى المدينة، بحيث أمرهم بأن يصنعوا الطعام لآل جعفر، ثم تأتي الأخبار مصدقة لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخبر الناس بما يدور في نفوسهم فقد ورد فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه بعد فتح مكة قال عليه الصلاة والسلام: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي فلما انقضى الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الأنصار) قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: (قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته) قالوا: قد كان ذاك، قال: (كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم والمحيا محياكم والممات مماتكم)، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم). فكشف الله تعالى ما في نفوسهم فواجههم به فأقروه.
ومن ذلك ما ورد في بداية سورة الروم، وهو أن معركة دارت بين الفرس والروم فهُزِمَ الروم ففرح أهل الشرك بمكة وقالوا: "المشركون أمثالنا من الفرس عبدة النيران غلبوا أهل الكتاب أمثالكم" فحزن المسلمون، فأخبر أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فأنزل الله تعالى قوله: (الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) فأخبر بأن الروم غُلبت في أدنى الأرض ثم أعلن خبراً آخر فقال (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ) وحدد المدة في بضع سنين، والبضع هو ما بين الثلاث إلى العشر.
فكان أبو بكر رضي الله عنه ينادي في الأسواق بهذا فلما سمع أبي بن خلف بذلك قال: (هل تراهن يا أبا بكر) فوقع الرهان، فبعد الرهان أحتشد أهل الإسلام وراء أبو بكر وأهل الكفر وراء أبي بن خلف ينتظرون ماذا سيحدث، وما مرت سبع سنوات إلا وتحقق وعد الله سبحانه وتعالى، والله قد أكد ذلك وبينه في قوله (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)، بعدها أسلم عدد كبير من الناس ودخلوا في دين الله.
ومن الإعجاز القرآني في هذه الآيات أن المنطقة المجاورة للبحر الميت والتي دارت فيها المعركة بين الفرس والروم وصفها الله تعالى بأنها أدنى الأرض (فِي أَدْنَى الأَرْضِ) وهذه الحقيقة أثبتها العلم الحديث في هذا الزمن عن طريق الأقمار الصناعية.
ومن الأخبار الغيبية التي أخبر بها الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وتحققت، أن الرسول صلى الله عليه وسلم رؤى في المنام رؤيا، ورؤيا الأنباء حق، فحدث بها المسلمين بأنهم سيطوفون بالبيت الحرام محلقي رؤوسهم ومقصرين، ثم توجه معتمراً إلى مكة فلما سمعت قريش بذلك استعدت للقتال فتدخل بعض الناس للصلح بينهم، وتمت المصالحة على أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فتأثر المؤمنون من ذلك حتى أن عمر رضي الله تعالى عنه حاور النبي صلى الله عليه وسلم وحاور أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال عليه الصلاة والسلام: (بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟) فقال عمر: لا، قال عليه الصلاة والسلام: (فإنك آتيه ومطوف به). فأنزل الله تعالى سورة الفتح بعد هذه الحادثة وهي حادثة صلح الحديبية، فقال جل وعلا: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)، فكان صلح الحديبة فتحاً كبيراً على المسلمين لأنه في خلال العامين مدة الصلح تضاعف عدد المسلمين، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلح الحديبة ومعه ألف وأربعمائة من الصحابة، وبعد عامين توجه لفتح مكة بعد أن خانت قريش هذا العهد وغدرت ومعه عشرة آلاف من المسلمين.
ثم وعد الله تعالى رسوله مغانم كثيرة فقال: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) ثم أخبرهم في نفس السورة أنهم عندما يتوجهون لأخذ هذه المغانم عند فتحهم لخيبر: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)، وفي خلال أشهر فتح المسلمون خيبر ومنع الرسول صلى الله عليه وسلم من لم يحضر صلح الحديبية (الْمُخَلَّفُونَ) أن يحضر خيبر لأن الله وعد هذه المغانم لمن حضر صلح الحديبية.
وهناك خبر آخر من أخبار الغيب حيث أخبر الله تعالى رسوله بأنه سيعصمه من الناس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أتخذ من يحرسه من الصحابة رضوان الله عليهم لأن المتآمرين عليه كثر من المشركين واليهود والمنافقين، فجاء الخبر من الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) أي لا تخشى الناس فقد عصمتك منهم، فتقول عائشة رضي الله تعالى عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، وقال: (يا أيها الناس، انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل)، فكم تآمر عليه الكفار والمنافقين واليهود لقتله صلى الله عليه وسلم ولكن الله تعالى كشفهم جميعاً وعصم نبيه منهم.
ومن أخبار الغيب أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف ما سيكون من الفتوحات في أرض كسرى وقيصر ومصر والشام، ثم يقول عليه الصلاة والسلام وبعد ذلك ستضعفون وسيعود الدين غريباً كما بدأ غريباً، وها نحن في هذه الأحوال التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومما أخبر به القرآن عن أحوال المسلمين وما يكون من أمرهم قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) وروى البخاري أنه لما نزلت هذه الآية (أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهك)، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) فقال عليه الصلاة والسلام: (أعوذ بوجهك)، (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) قال عليه الصلاة والسلام (هذه أهون - أو – أيسر).
وروى أحمد والترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية خاف الصحابة رضوان الله عليهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أوذلك كائن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنها كائنة ولم يأتي تأويلها بعد)، أي أنها ستقع في المستقبل.
ومن ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بعلامات ستأتي في آخر الزمان تشير إلى قرب قيام الساعة، كما ورد في الحديث الذي رواه مسلم أن جبريل عليه السلام قال: (فأخبرني عن الساعة)، فقال عليه الصلاة والسلام (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) فقال جبريل عليه السلام: (فأخبرني عن أماراتها)، فقال عليه الصلاة والسلام (أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان)، وها نحن في هذا الزمان بعد أن أنعم الله تعالى على بلاد المسلمين بالنفط والغاز نجد من كان في السابق من رعاء الشاة الحفاة العراة العالة يتنافسون في طول وبناء ناطحات السحاب وأجملها وأفخمها.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) فقال العلماء في الصنف الأول هي الشرط في آخر الزمان تضرب الناس بغير الحق، وأما الصنف الثاني فهن نساء (كاسيات) يلبسن الملابس إلا أنها إما ضيقة أو شفافة أو قصير تظهر مفاتن أجسامهن وهذا المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام (عاريات)، (رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) وها نحن نرى هذا الصنف من النساء يلبسن الباروكة لرفع رؤوسهن فترى رأس إحداهن كأنه سنام جمل مائل، وكم أنتشر في هذا الزمن من ينطبق عليها وصف النبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا.
ومما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام سينزل، وأخبر به القرآن الكريم في قوله: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)، فأهل كل الأديان السماوية ينتظر رجوع عيسى عليه السلام، وقد أخبرنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام عن كيفية نزوله وأين سينزل ومتى وما سيكون في زمانه وما سيكون بعد أن يتوفاه الله إلى قيام الساعة وإلى دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
وهذه الأخبار الغيبية التي أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم هي معجزة من المعجزات التي أيد الله تعالى بها نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فيأتي الواقع شاهداً ومصدقاً لهذه الأخبار والنبوءات ليزداد الذين آمنوا إيماناً وليتقرر لدى الضالين بأن هذا الدين حق فيكون حجة على الذين كفروا في كل زمان ومكان ممن وصلته هذه الأخبار وسمع به عليه الصلاة والسلام.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم سيدنا ورسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 
عودة
أعلى