سلسلة انهيار شرفات الاستشراق (5) /بيننا وبينكم «المُخْتَبَر»)

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
لن نخوض مع المستشرق العلماني الألماني تيودور نولدكه (1836-1930) في تخميناته حول التسلسل التاريخي لنزول سور القرآن، كما لن نخوض معه في تشكيكه في موقع “الآيات الاولى من سورة العلق" من ترتيب نزول القرآن في محاولة ماكرة لزحزحة موقعها الاصلي من التنزيل!!!
يقول نولدكه "ما إذا كانت الآيات 1-5 من سورة العلق 96 بالفعل أول ما نزل من القرآن فمسألة لا يمكن حسمها حتى لو نسبت لهذه الآيات أهمية أساسية في قصة الوحي بسبب حثها الشديد على القراءة، فان النص لا يتضمن ما يدعم التقدير التاريخي الذي يأتي به التراث"!( تاريخ القرآن ص75).
لاحظ ان نولدكه هنا يعرف أهمية بدء الوحي القرآني بلفظ "اقرأ"! ولذلك يشكك في أن تكون الآيات 1-5 من سورة العلق هي أول ما نزل! وذلك حتى لا يكون الاسلام هو المحرك للقراءة في الحضارة التي انتجها بالسنن التي أخضعها!! ومع ذلك فهو من قال "سورة العلق أقدم ما في القرآن، وأنها تتضمن أول دعوة تلقاها محمد للنبوة"!(تاريخ القرآن ص71) وأقول انه حتى لو كانت آيات "القراءة" و"القلم" و"العلق" الأولى من آخر ما نزل -والامر بالطبع ليس كذلك- فان آخر ما نزل كان ما يزال في القرن السابع الميلادي، ولم يكن أحد لا في هذا القرن ولا قبله ولا بعده لقرون عديدة -حتى عصرنا- قد توصل الى الحقائق العلمية التي جاء بها القرآن في المجالات المختلفة فمن هو المصدر؟!
ويكفي ان نحكي هنا على سبيل الترويح عن النفس قول ارسطو بان الجنين يتكون من دم الحيض، كما ان علماء التشريح من غير المسلمين اتبعوه في هذا كما يقول البروفيسور مارشال جونسون وظل هذا الاعتقاد رائجا حتى اختراع المجهر في القرن السابع عشر، بل حتى زمن الاكتشافات التالية للحيوان المنوي والبييضة كما قال البروفيسور جورنكي. وبينما سادت هذه الفكرة عند جميع الأطباء الى ما بعد اكتشاف المجهر، كان علماء المسلمين يرفضونها. وبعد اكتشاف الميكروسكوب كانوا في الغرب يعتقدون ان الانسان يكون مخلوقا خلقا تاما في الحوين المنوي في صورة "قزم"، اي انهم –يقول جورنكي- لم يعرفوا ان خلق الانسان في رحم الام يمر بأطوار مختلفة الخلق والصورة وهي الحقيقة التي قررت في القرآن والسنة قبل ذلك بقرون!
وأنا هنا أسأل أليست هذه معطيات عصرية ذات أهمية لمن يدعون التنوير؟!! أم أن عملية الحجب والعزل والإخفاء التي يتقن العلمانيون فنها لا تترك مكانا للصدق العلمي؟ وقد فوجئ العلماء بها تتكشف أمامهم رويدا رويدا في مختبراتهم وخلف مجاهيرهم وشاشاتهم! وفي ذلك يقول البروفيسور كيث مور: "ومعرفة هذه الحقائق الى ما قبل القرنين الأخيرين كانت مستحيلة فضلا عن استحالتها قبل 1400عام".
فأين نجد هنا ”المعهود المعرفي" الاسطوري لعصر الرسول الذي يزعمون انه شكّل الوحي وأفرزه وشكله (في نظرية الكون والتكوين العلمانية)!؟
ألا يستحي الجابري وهو يتكلم عن معهودهم "معهود العرب الاسطوري المعاصر لهم!" ومعهودنا "المعاصر لنا" فيُدْخِل الجابري –واخوانه الذين يمدهم في الغي- في معهودهم "الوحي" ويخرج من معهودنا! ماانتجه العلم! (انظر في قصة "المعهود" الجابرية "مدخل الي القرآن "للجابري ص211-213) و(القسم الاول للجابري من "فهم القرآن –"ص27(
ان السؤال العلمي الذي لم يسأله العلمانيون هو ما سأله موريس بوكاي: "إذا كان كاتب القرآن بشرا فكيف أمكنه في القرن السابع الميلادي كتابة ما يثبت أنه اليوم متفق مع المعارف العلمية الحديثة ؟ ليس من سبب خاص للتفكير بأن ساكنا لشبه الجزيرة العربية أمكن له، في الوقت الذي كان يحكم فيه في فرنسا الملك داجوبير، ثقافة علمية سابقة على قرننا الحاضر في بعض الموضوعات بعشرات القرون (ص149) وهي امور -يقول - تجعل من المستحيل على رجل في عصر محمد صلى الله عليه وسلم ان يكتبه. وبالنظر الى حال المعارف في عصر محمد صلى الله عليه وسلم لا نستطيع أن نفهم بأن كثير من الأخبار القرآنية التي لها سمة علمية يمكن أن تكون عمل إنسان، ولذلك فإن المشروع ليس بأن يعتبر القرآن تعبيرا للوحي فقط، بل أن يعطى مركزا ممتازا لما يتمتع به من الأصالة الفريدة ولوجود أخبار علمية لديه ظهرت كتحد "(ص 290-294).
اما نولدكه فيقول إن محمد لم يتعد اسلوب الكهان في تقديم اقوالهم بواسطة اقسام احتفالية بالظواهر الطبيعية مثل الليل والنهار والشمس والقمر والنحوم (انظر ص69)، ونلاحظ هنا أيضا حوّل نولدكه أعظم الإشارات العلمية الدقيقة لظواهر الكون والتي على اساسها صنع المسلمون حضارة الى ألفاظ كهان والسبب الايقاع القصير!
أوليس من الاعجاز أيها الفيلولوجيون –الفيلولوجيا :علم اللغة (الغربي) استعمله نولدكه! - أن يضع لكم في الالفاظ القصيرة ما تعجز عنه القرون الطويلة!؟
وكعادة المستشرقين والعلمانيين يقول نولدكه ايضا مشوشا على الوحي: "إن الدين الذي قدر له أن يهز العالم كله انصهر في وجدان محمد من مواد مختلفة!! (ص19). فهل يمكن لهذه المواد المزعومة أو لما سماه نولدكه "الصوت الداخلي" الصادر بزعمه (عن المخيلة المنفعلة وموحيات الشعور المباشرة" ان يصل الى معلومات غاية في الدقة والعلمية كما في مسالة أطوار الجنين، كما وصف القرآن اذا فلماذا تخلفت عن القرون لما قبل وبعد التنزيل!؟​
 
عودة
أعلى