سلسلة انهيار شرفات الاستشراق (4) /مُعطى العلق

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
بعد ان عرضنا بعض أساطير من يسميهم ابراهيم العجلوني "الصنائع"، ويسميهم القرضاوي "عبيد الفكر الغربي" يمكننا ان نسأل: هل تصمد هذه الاساطير والسيناريوهات الضالة التي كوّنها "الخيال الاستشراقي" ومن بعده وريثه "الخيال العلماني" أمام الالفاظ القرانية البالغة من الدقة منتهاها ومن البلاغة مبتغاها والتي تصف أدق الصور والمشاهد والاطوار لأشد العمليات لطافة ودقة في نشأة الإنسان، خصوصا فيما يخص عملية تخليق الجنين داخل الرحم أو قراره المكين كما وصفه القران. هذا فضلا عن أكبر المشاهد الكونية وأدقها.
ان علينا ان نقترب من غرضنا أكثر ونسأل: ماذا عن اول كلمة طلب نبي الله جبريل من الرسول محمد ان يقرأ بعد القراءة باسم الله -وذلك عندلحظة اعلامه بإختياره رسولا- ان الإجابة هي: "خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ" والسؤال الاكثر اهمية هو: هل عاد الوحي لعرض هذه القضية الكونية والوجودية والانسانية والعلمية والجنينية التخليقية لو صح التعبير في سياق اوسع من أطوارالتخليق الاعجازية الشديدة اللطف والدقة والتي أدهشت كثيرا من علماء المختبرات العلمية الحديثة الذين اطلعوا على وصف مراحل وأطوار نمو الجنين في القرآن ما جعلهمى يسطرون بأقلامهم ما يثبت صلة الوحي القراني بمصدره الاصلي والاصيل وهو الاله القيوم جل شأنه الذي اخبر عن نفسه فقال: "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"
ولنتابع مانزل من الوحي فيما يخص مرحلة تعلق (العلق) في الرحم علينا أن نقرأ من سورة "المؤمنون "وهي سورة مكية: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)، ثم نقرا في سورة غافر وهي مكية ايضا "هوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا"(67) ثم نقرأ من سورة القيامة وهي مكية ايضا قوله تعالى "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى" ومن سورة الحج نقرأ -وهي مدنية-: "إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ" الاية 5. يقول الدكتورموريس بوكاي العالم والطبيب الفرنسي المسلم: "ان وصف مراحل تطور الجنين كما هو في القران يتجاوب مع كل ما نعرفه اليوم عن ذلك، وهو لا يحتوي اية عبارة ينتقدها العلم الحديث" من كتابه( التوراة والانجيل و القرآن والعلم ص243 )ان هذه العبارات هي"عبارات محددة لا يشوب اي معلوم منها شائبة البطلان. فكل شيء معبر عنه بعبارات بسيطة سهلة الفهم وشديدة الاتفاق مع ما سيكشفه العلم بعد ظهوره بزمن طويل" (ص 237).
هذا وقد نزل القران في زمن الاخيلة الوثنية بتعبير بوكاي والتي لو قارنا معارفها التي كانت منتشرة زمن النبوة لتأكد لنا أن أناس ذلك الزمان كانوا بعيدين عن ان تكون لديهم رؤى شبيهه بتلك التي عرضت من القرآن حول هذه المسائل، والواقع اننا ما توصلنا الى الحصول على رؤية واضحة تقريبا في هذه المسائل الا في بحر القرن التاسع عشر (انظر ص 244، 236).
ولقد تمكنت الاوهام والخرافات من القرون الوسطى الاوروبية وبعدها ايضا بقرون اخرى حتى توصل الانسان الى الحقيقة المصورة في القرآن أعظم تصوير، ولكن هذه المرة تحت المجهر الذي أخبر منزل القرآن أنه سيريهم إياها "وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(النمل 93) " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصلت 53) وهي الآيات التي اخفى المستشرق "نولدكه" وتوابعه حقائقها المنزلة وراح يرمي القران في كتابه (تاريخ القرآن) باتهامات شتى كما فعل محمد عابد الجابري في كتابه "مدخل الى القران" وأقسامه التابعة.
أما موريس بوكاي فيقول عن هذه الآيات بعد اطلاعه العلمي عليها: "لقد أدهشتني في البداية هذه الصورة العلمية الخاصة بالقرآن الي حد بعيد؛ لأني لم أكن أظن ابدا انه يمكن حتى هذا الزمان أن نكتشف في نص مكتوب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا عددا من اليقينيات المتصلة بموضوعات شديدة التنوع ومتقفة تماما مع المعارف العلمية الحديثة ولم يكن لدي في البدء أي إيمان بالاسلام،وقد بدأت هذا الاختبار للنصوص بموضوعية كاملة وبفكر متحرر من كل حكم مسبق...لقد أدهشتني دقة بعض تفاصيل الكتاب المندرجة في النص الأصلي بسبب توافقها مع أحدث مفاهيمنا اليوم ولا يمكن لإنسان في عصر محمد أن تكون له عنها أية فكرة... والذي يدهش فكر من يواجه مثل هذا النص هو غزارة الموضوعات المطروحة مثل الخلق والفلك وعرض بعض الموضوعات المطروحة الخاصة بالارض وجنس الحيوان والنبات وتكاثر الإنسان تلك الأمور التي نجد عنها في التوراة دون نص القرآن أخطاء علمية كبيرة تحملني على التساؤل إذاكان كاتب القرآن بشرا فكيف أمكنه في القرن السابع الميلادي كتابة ما يثبت أنه اليوم متفق مع المعارف العلمية الحديثة؟" (ص148-149)
 
عودة
أعلى