سلسلة انهيار شرفات الاستشراق (14) /حشو الجابري اليوناني(مقال مهم)

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
من المعلوم أن القرآن العظيم لا يمت بصلة لهذا "المعهود اليوناني"الخاطئ الذي تسلل به الجابري الى الحقيقة القرآنية البالغة ولا يمت بصلة الى افرازات الفكر الفلكي الخاطئ والمرتبط بتصور "آلهة كوكبية" وعقل سماوي عاشر (إله صغير في سلسلة آلهة اليونان!) واهب الصورة، بزعمهم، ومدبر لما تحت فلك القمر.
وقد ارتبط تصور فلاسفة اليونان للعالم بـ"فلكيات خاطئة" مثل تصور"الارض مركزا للكون"؛ كما يحكي أرسطو بنفسه "فمعظم الفلاسفة يؤكدون أنها تقع في مركز العالم... عكس هذا الرأي يذهب الفيثاغوريون فعند هؤلاء أن النار التي تشغل المركز (ارسطو من كتابه "رسالة السماء" ترجمة جان تريكون مكتبة فران الفلسفية باريس 1949، ص 101-102). ويقول ول ديورانت في كتابه (قصة الفلسفة) عن فلكيات ارسطو "ان علم الفلك الذي وضعه ارسطو ليس سوى سلسلة من الحكايات المضحكة "(قصة الفلسفة ص75، مكتبة المعارف، بيروت، 1988، ط6) كذلك لا يمت القرآن العظيم بصلة "للافلاطونية المحدثة" التي دعت الى التعددية الوثنية دفاعا عن "ألوهية الكواكب" والذي يقول فيلسوفها أفلوطين (وهو غير افلاطون): "فإن لم تكن الأجرام السماوية آلهة، فأي الموجودات أجدر منها بصفة الألوهية"!! (انظر "العقل المستقيل في الإسلام" لطرابيشي ص64).
مع ذلك نجد الجابري يحاول ، في تفسيره العلماني، أن يختلق صلة بين نتائج هذا الاستدلال الخاطئ للفكر اليوناني في مجالات الفلك والطب والفلسفة وبين القرآن العظيم، وقد قدمت من كلامه مجموعة أمثلة ضربها للقرآن ظلما وعدوانا ، ونزيد هنا تدليسا آخر قام بتلفيقه مما يمكن أن يدخل في باب "الإقتباسات" و"المقارنات" الساذحة ، المزعومة التي يتهمون بها القرآن، والتي فضح علماء الأمة عملياتها التلفيقية وكشفوا جهل أهلها ، ففي تعليقه على قول الله تعالى من سورة الأعراف "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها" يقول الجابري: "والمعنى: هو الذي خلقكم –خلق كلا منكم- من نفس واحدة، هو الرجل، أي من مني الرجل، وجعل من تلك النفس، أي من ذلك المني زوجها باختلاطه مع ماء المرأة. وهذا ما يقتضيه العلم القديم الموروث عن أرسطو والذي انتشر بين الأطباء القدامى، فقد كانوا يرون أن النفس (وهي الصورة) تتكون من مني الرجل(!)،أما المرأة فهي مجرد مادة للتغذية (!)، فالمرمر (أو الرخام) مادة وهي لا شكل لها (!)، وعندما تلبسها صورة معينة رجل أو امرأة تصبح تمثالا للرجل أو المرأة، وكذلكماء المرأة فهو كالمرمر في هذا المثال(!)، فعندما تلامسه صورة الرجل يكون المولود ذكرا وعندما تلامسه صورة (!) المرأة يكون أنثى، ويبقى من يعكس الصورة؟ في الأفلاطونية المحدثة قالوا يعطيها واهب الصورة (وهو العقل السماوي العاشر مدبر ما تحت فلك القمر، ويناسب جبريل في الاصطلاح الديني)" (فهم القرآن الكريم، الجابري، القسم الأول، ص240). هنا في هذا النص حاول الجابري إعادة إنتاج الموروث اليوناني الخاطئ المُحمل بتصورات خاطئة عن دور المرأة في الحياة وفي الإنجاب،حاول الجابري اعادة هذا الموروث في نص قرآني كما حاول أن يشق لهذه الأمثال المضروبة بغيًا ، طريقاً الى القرآن ، ومنها مفهوم "الصورة" عند ارسطو ، والمتعلقة بتصورات وثنية في العقائد اليونانية، وبتصورات خاطئة عند ارسطو ، خصوصا في مسألة الجنين البشري وسبب تخلقه. وتعلق ذلك عنده بموقفه هو ومجتمعه من المرأة.(المجتمع الديمقراطي، النموذج!!!!)
ففي النص اعلاه انتقل الجابري بالخيال اليوناني عن "الصورة" –بغية زرعه في القرآن- الى "ماء الرجل"" "وأن النفس (وهي الصورة)-كما في التصور الأرسطي - هي مني الرجل أو "في" مني الرجل! ونعيد نصه مرة أخرى، قال:" نفس واحدة، هو الرجل، أي من مني الرجل، وجعل من تلك النفس، أي من ذلك المني زوجها"!! ، وان ذلك هو قصد القرآن بزعمه. وأن القرآن تابع للتصورات العلمية الخاطئة!(وقد حاول الجابري نحت هذه الجملة بتعسف شديد ليكون أٌقرب إلى الفاظ القرآن ومعانيها ، ولم ينجح في ذلك لما سيأتي من كلام الدكتور إمام عبد الفتاح الفقيه في بيان موقف ارسطو ونظرياته. وزيادة على ذلك يقول الجابري ان النفس هي الصورة وانها تتكون من مني الرجل أو هي كامنة فيه!! ، بدليل قوله" النفس (وهي الصورة) تتكون من مني الرجل"! وكأن النفس او الصورة او الروح (الأرسطي!) يوجد في المني وينتقل إلى المرأة عبر هذا المني ، وما المرأة الا "قابل" أو "محل" يقبل الروح والصورة ويتعامل معه بمادة تغذية وهي في النظرية الأرسطية دماء الطمس وهو ماأخفاه الجابري عنا!! لكنه اخبرنا عن خيال ارسطو بقوله اما " المرأة فهي مجرد مادة للتغذية (!)، فالمرمر (أو الرخام) مادة وهي لا شكل لها (!)"! فاخبرنا الجابري عن المادة ولم يخبرنا ماهي!!! ؟ وعلى كل فما قاله هو مفهوم ارسطو كما هو معروف عنه وليس مفهوم القرآن العظيم ،فعند ارسطو أن الصورة للرجل يقابلها من المرأة دم الطمس أو الحيض ومنه يتغذي المولود ! وهذا باطل قطعا لأن ماء المرأة في العلم الإسلامي والطب الإسلامي لو صح التعبير ، هو "بنية" غاية في التصميم والإبداع والتركيب والتعقيد ، تتدفق في مجرى مبدع ، وتصير في المشهد الجديد ، مع ماء الرجل، امشاجا بالغة الحيوية والإبداع، والتعقيد والتركيب ، اللطيف، بالغ الدقة، ويكون منه الجنين بعد مراحل تخلق جنينية متعددة واطوار مختلفة تتم إلى مرحلة نفح الروح وهو الخلق الآخر الذي قال عنه الله عز وجل :" ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين"
فالجنين البشري كما أشار القرآن يكون في البدء ، وقبل نموه الطبيعي وقبل حلول الروح أو النفس ، أمشاجا من نطفة الرجل والمرأة معا وليس الرجل فقط ولا دخل لدماء الطمس الأرسطي فيه فهذه خرافة ارسطية. وزعمه بأن موقف القرآن هو الموقف الأرسطي العلمي القديم عن الجنين، لا يُسَلم له ، ذلك أن القرآن أشار إلى أمشاج مشتركة من مائين، نطفة مشتركة من ماء الرجل وماء المرأة ، او من نطفة الرجل ونطفة المرأة لتكون نطفة واحدة أن تتكون منها خلية واحدة ، تدخل مراحل جنينية ذكرها القرآن في قوله تعالى من سورة" المؤمنون":" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) وهذا الإنشاء الجديد قال الله تعالى عنه في سورة السجدة :"وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ" فالقرآن يؤكد دور عناصر اشتراك واقتضاء ، وتركيب والتقاء ، ومشاركة وتكوين، متدفقة من المرأة لتكوين التركيب الداخلي الجديد ، المقدر إلهيا ، ليكون نظفة جديدة في الامشاج التي قال تعالى عنها :" من نطفة خلقه فقدره"(سورة عبس :19).
اما ماء الرجل عند ارسطو فهو وسيلة لإنتقال" الصورة" او لتعبر به الروح إلى دماء الطمس ،وهذا الروح هو أعلى وأسمى وأرقى قيمة من هيولي المرأة التي هي المادة، ومادة المرأة هنا هي دماء الطمس، كما ان المرأة عند ارسطو هي دونية، وكذلك ماتقدمه في عملية الإنجاب! والذي شكل هذا الموقف الارسطي تجاه المرأة هو تصور قومه وبيئته لها ولدورها في الحياة. فالرجل هو الصورة والروح والمبدأ العقلي وهو الذي يهب الحياة في المرأة والمرأة قابل عاجز ، وهي" المادة الخام" وهي الهيولي ينطبع عليه الأرقى أو يصيبه عطب المرأة! والسؤال الآن أين هي معرفة ارسطو بالحيوان المنوي والبويضة ؟ يجيب الدكتور امام عبد الفتاح ان ارسطو لم يعرف اي شيء عن الحيوان المنوي او البويضة (انظر انظر ارسطو والمرأة ، للدكتور إمام عبد الفتاح، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولي،1996م ، ص 65-66، 97) وبما ان هذا كله غائب عن نظرة ارسطو وفكره المجرد عن الجنين فانه لايجد الا دماء الطمس ليغرس الروح فيه!! .. روح ارسطو الكامن الذي سيتغذى على هذا الطمس فاذا كان معدا اعدادا جيدا ،فإن الحركة التي يطبعها الذكر عليه ستجعل صورة الجنين شبيهة بولده كما يشرح الدكتور امام عبد الفتاح نظرية ارسطو في كتابه "ارسطو والمرأة" (انظر ارسطو والمرأة ص55) ! او يحل فيه الرجل الكامن في حيوان منوي الذي سيتخيله اطباء العصور الوسطى المسيحية تطويرا لنظرية ارسطو عن الصورة او الروح المتنقلة عبر ماء الرحل والذي سيعكسها في التصور اليوناني مااطلقوا عليه العقل العاشر والذي منحوه القدرة على تدبير ماتحت القمر!.

نترك الدكتور إمام عبد الفتاح يقدم لنا جملة شارحة مهمة، ففي كتابه(ارسطو والمرأة) يقول :" ونصل الآن إلى مساهمة الذكر والأنثى في عملية الإنجاب لنجد أن أرسطو يذهب إلى أن الدور الحاسم هو دور الذكر الذي يقدم لنا " الصورة" و "العلة" في حين ان الأنثي لاتقدم سوى المادة أو الهيولي على نحو ماتتمثل في دماء الطمس ، وهكذا يتبين لنا بوضوح أن المساهمة التي تقدمها الأنثى في عملية التوالد هي المادة المستخدمة في هذه العملية ، أما الذكر فهو يزودنا ب"الصورة" وبمبدأ الحركة ... ولقد ظلت الفكرة الأرسطية التي تجدد دور الأنثى في عملية التوالد بتقديم " دماء الطمس"... والغريب أنها موجودة في سفر الحكمة .:" وفي مدة عشرة أشهر صُنعت من الدم بزرع الرجل واللذة التي تصاحب النوم"(الاصحاح السابع:2) ويمكن أن نراها مصورة في كتب التوليد للقرن السادس عشر ، مثل كتاب الحمل والولادة الذي كتبه يعقوب وريف.. عام 1554م ، ولم يبرهن على زيفها على نحو قاطع سوى وليم هارفي في كتابه عن توالد الحيوان عام 1651 بعد تشريحه لمجموعة من الظباء "(ارسطو والمرأة ، لامام عبد الفتاح، مكتبة مدبولي، الطبعة الأولي،1996م ، ص51) (انظر الملاحظة الأخيرة عن هارفي آخر المقال)

فالحيوية وبث الحياة والصورة والماهية من الرجل ، أما الأنثي –كما يقول الدكتور امام عبد الفتاح- فهي لاتقدم عند ارسطو سوى المادة التي هي دماء الطمس،(التي هي أشبه بالمادة الميتة كما يقول الدكتور إمام عبد الفتاح ص 54) ويكون دور الأنثي سلبي ، لاتقدم سوي المادة (انظر ارسطو والمرأة ص 60) وذلك يتبع تصوره بأن المرأة ليست مخلوقا كامل النضج!، لاتستطيع تقديم شيء له قيمة!، فهي مخلوق عاجز عجزا خاصا(القديس توما الاكويني تأثر بموقف ارسطو إذ قال أن" المرأة مخلوق عارض"! (انظر ارسطو والمرأة ص62،60) ، وارسطو ينظر اليها على انها تشوه خُلقي أو انها موجود مشوه ، لأنها بدون عضو ذكري للتوالد! ، فالإنحراف الأول في الطبيعة هو الذي أنجب المرأة! ، والطبيعة-عند ارسطو!- لاتصنع النساء الا عندما تعجز عن صنع الرجال ، وهذه الإنحرافات تتكرر في الإنجاب ايضا !، فإذا جاء المولود ذكرا فإن الغلبة تكون للصورة أي صورة الرجل الأرقى! ، وإلا فإذا انحرفت الطبيعة كان المولود أنثى واذا كان شبيه بالأم فانه علامة قصور في الخلق!، وعلامة انجاب "الذكر" هي علامة تفوق الرجل كما هو الحال عند هرقل(لقد جاء الإسلام وهدم هذه النظرة،انظر سورة النحل(الآية: 58) وسورة الزخرف،الآية:17 ) فمن علامة تفوق هرقل في الاسطورة اليونانية انه انجب(72) ولد وبنت واحدة!(انظر ارسطو والمرأة ص60-61، 66،68) ومن نتائج دونية المرأة عند ارسطو وسذاجة خياله!، انه قال ان لها عدد اسنان اقل من الرجل! ، وذلك مادفع برتراند رسل على التعقيب على هذه السذاجة الأرسطية بالقول ان ارسطو لم يكن ممكنا ان يرتكب ابدا مثل هذا الخطأ لو أنه طلب من زوجته أن تفتح فمها لحظة واحدة!(انظر ارسطو والمرأة للدكتور إمام عبد الفتاح ص 68)

فأين تجدون–ياأهل التلفيق-في المشهد القرآني العظيم، والوصف الرباني اللطيف الدقيق مفهوم النفس، أو الصورة، الارسطي الذي يحمله ماء الرجل بحسب الجابري أو المولود الكامن(روحا أو نفسا أو صورة أو ماتصورته فيما بعد العصور الوسطى المسيحية) والذي لايحتاج من المرأة الا مجرد تغذية من دماء طمس ؟ (في القرن السابع عشر 1699م رسم "داليمباتيوس" الإنسان كاملا داخل رأس حيوان منوي!)

هذا كله في كفة وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في كفة أخرى، ففي رده صلى الله عليه وسلم على سؤال يهودي عن خلق الإنسان :"لأسألنه عن شيء لايعلمه الا نبي، ثم قال يامحمد مم يُخلق الإنسان؟ قال : يايهودي من كلٍ يُخلق ، من نطفة الرجل ، ومن نطفة المراة ) والحديث في مسند الإمام أحمد برقم (4206) فهذا الحديث يعلمه المسلمون من زمن البعثة يكتبونه وينسخونه في الكتب وينتقل من جيل الى جيل!، وهو موجود في مسند الامام احمد ، وقد مات الإمام أحمد عام 241 هجرية- 855 ميلادية، وواضح من قول الرسول انه يخالف المعارف الخاطئة لارسطو مخالفة تامة ، وقد ورد الحديث في صحيح مسلم ايضا ردا على اليهودي: يايهودي من كل يُخلق ، من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة !! وقد روي الطبراني بسنده عن مجاهد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماخلق الله الولد الا من نظفة الرجل والمرأة جميعا.

وقد ذكر الرسول كما في صحيح مسلم في كتاب النكاح، أنه مامن كل الماء يكون الولد! وقد أثبت العلم تحت المجهر ان الذي يدخل البييضة انما هو حيوان منوي واحد على الرغم من وجود اعداد لاتحصي من الحيوانات المنوية في الدفقة الواحدة

كما رأينا تحت هذه المجاهر ان لماء المرأة دور رئيسي في عملية التخلق الداخلي بأطوراه المتجددة والتي صورها القرآن في صورة "أمشاج" ، في اختلاط تام، بصبغيات متساوية لماء الرجل وماء المرأة(23 صبغيا) او حاملا وراثيا- لكل منهما ، تتشكل منها خلية جديدة من 46 صبغيا، وهو ما يعني ان ذلك ليس له في هذه المرحلة صلة بتكون "نفس" كما أنه ليس لها صلة، من قريب أو من بعيد بخطأ معرفي يوناني عن صورة ونفس ومرمر وشكل ودم حيض وطمس ومخلوق كامل في ماء أولي!، ، كما أنه لاوجود ، في المشهد القرآني ، للعقل العاشر الذي اخترعته مخيلة اليونان. ولاأعرف مادخل اسطورة العقل العاشر اليونانية مع خلق الإنسان في القرآن ؟ ويلاحظ أن الجابري حاول أن يوحي أن من يعكس الصورة في الإسلام هو ماذهبت اليه الاسطورة اليونانية أو تأويل الجابري لها! وذلك بقوله:" ويبقى من يعكس الصورة؟ في الأفلاطونيةالمحدثة قالوا يعطيها واهب الصورة (وهو العقل السماوي العاشر مدبر ما تحت فلك القمر، ويناسب جبريل في الاصطلاح الديني)!، فهل هناك عقيدة في الإسلام تقول أن جبريل عليه السلام هو مدبر ماتحت القمر وأنه واهب الصورة أو انه عقل اليونان العاشر المؤله؟! وهل يمكن أن يكون هذا تحليلا علميا موضوعيا رصينا ، مقارنا ، من مفكر يسمع له في عالم الفكر والفلسفة؟! أم انه تلفيق ظاهر البطلان ، ساذج الحيلة!؟
والا فليقل لنا من يدافع عن الجابري او من يستخدم كلامه ، كيف يكون ماعرضه القرآن عن الجنين البشري هو مايقتضيه العلم القديم لأرسطو عن المني والصورة والمرمر والشكل ؟ والجابري هو نفسه من قال عن نص القرآن "هو الذي خلقكم من نفس واحدة" ،قال :" وهذا ما يقتضيه العلم القديم الموروث عن أرسطو والذي انتشربين الأطباء القدامى" !؟ والله جل جلاله يقول:" إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج فجعلناه سميعا بصيرا"(سورة الإنسان:2) والأمشاج تتكون من مجموعة عمليات مختلفة جرى إجرائها بالتقدير الرباني في كل من الرجل والمرأة-كلا على حدة!- قبل أن تتجمع في أمشاج مختلطة من كليهما:" فلينظر الإنسان مم خلق ، خُلق من ماء دافق"( سورة الطارق:5-6) وهذه النطفة هي نطفة الأمشاج " من نطفة أمشاج"(سورة الإنسان:2) قدرها الله تقديرا "من نطفة خلقه فقدره"(:" سورة عبس:13) لتستقر وتتشكل وتتكون في ماوصف الله ، في قرار مكين:" ثم جعلناه نطفة في قرار مكين"(سورة المؤمنون:19) وأهل العلم المادي اليوم –مؤمنون وكافرون على السواء!-يعرفون التصميم المعقد لهذه الأمشاج كما يعلمون أن بييضة المرأة هي بذات الأهمية كما لماء الرجل في تكون وتشكل النطفة، وهذا من علم الله فيهم ، وشهادته في العلماء وغيرهم ، وقيوميته عليهم "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد"( سورة فصلت:52)
يقول الدكتور زغلول النجار في هذا السياق:" هذه الحقائق العلمية التي تقع من علم الأجنة في الصميم، والتي لم تعرف مبادئها الأولية إلا في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي, واستغرقت أكثر من قرنين من الزمن حتى تستقر في وجدان علماء الأجنة, تحدث عنها خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الدقة العلمية, والإحاطة الشمولية منذ مطلع القرن السابع الميلادي, أي: قبل أن يصل إليها العلم المكتسب بأكثر من عشرة قرون كاملة.
فحتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي كان الناس يعتقدون أن الإنسان يخلق جسمه كاملاً بأبعاد متناهية في الصغر من دم الحيض, وبعد اكتشاف بويضة الأنثى قالوا بأن الإنسان يخلق كاملاً فيها كما يخلق فرخ الدجاجة في بيضتها, ولكن بعد اكتشاف الحيوان المنوي نادوا بأن الجنين يخلق كاملاً في رأس ذلك الحيوان على الرغم من ضآلته, ولم ينته الجدل بين أنصار كل من هذه التصورات الخاطئة إلا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي حين اكتشفت أهمية كل من الحيوان المنوي والبويضة في عملية تكون البويضة الملقحة التي ينشأ عنها الجنين, ولم يتم الاتفاق على ذلك إلا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.
وفي القرن العشرين ثبت لعلماء الأجنة أنه من بين ملايين النطف الذكرية ـ الحيوانات المنوية ـ التي تنزل في الدقيقة الواحدة لا يصل منها إلى قناة الرحم إلا خلاصة لا يتعدى عددها الخمسمائة, يتمكن واحد منها فقط من اختراق البويضة ـ النطفة الأنثوية ـ فيتم تلقيحها وتكوين النطفة الأمشاج التي وصفها الحق ـ تبارك وتعالى ـ في محكم كتابه, والبويضة هي أيضاً جزء من ماء المرأة, وهنا تتضح لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في قول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"ما من كل الماء يكون الولد".
ولذلك نقول ، ان الناظر في نص الجابري السابق-بعين فاحصة يقظة- يرى انه كان يحاول القيام بعملية قسرية متعثرة يتلعثم فيها ويتعثر وتخرج كلماته في ارتباك وتناقض وكأنه كان يريد أن يلقي بحمل ثقيل مركب ثم يهرب إلى الخلف حيث الساتر العلماني مع المتسترين خلفه! وكأنه ، بالكر والفر ، تمكن من صنع ارتباك ما ، بينما نراه يخالف وقائع العلوم وتاريخ الحقيقة البالغة ، ومعلوم ان علماء الإسلام نقدوا نظريات يونانية-ومنها أفكار كثيرة لأرسطو- في الطب والفلك وفي الجغرافيا وعلوم الأرض وغير ذلك.

فالوقائع التاريخية العلمية وهي مسطورة إلى اليوم- تشهد انهم كانوا ينقدون آراء ارسطو في الطب والفلك ونظرته عن الجنين، ومم تكون ،فقد كانوا يرون قصور بل وسذاجة مادته العلمية الخاطئة في مجملها، ولايعنى ذلك التقليل من شأن جهده في عالم المادة فإسلامنا علمنا العدل في التقييم وعدم جحود الجهد الإنساني في أي أمة كانت. لكن هذا شأن ومايحاول الجابري أن يمرره هو شأن آخر حاول به وصم الإسلام بأنه تأثر بموروثات الأمم في المجالات العلمية والدينية على السواء، كمحاولة حديثة جدا لنقد القرآن الحكيم.

ومامحاولته الا مجموعة أغاليط منها إنطاق الدليل بغير منطوقه كما فعل مع العقل العربي وكشفه هناك"جورج (!) طرابيشي" وله في كشفه مآرب أخرى وأغراض علمانية أخرى (انظر العقل المستقيل ص185).
يقول جورج طرابيشي عن أخطاء الجابري وتلاعباته انها :"الأغاليط والمغالطات الآخذ بعضها برقاب بعض كالسلسلة... تحل المصادرة مكان البرهان، والفرض الذهني محل الواقعالعيني،... تقلب أدلة الإثبات الى أدلة نفي وبالعكس، وتجري محاكماتها لا بالاستناد الى الوقائع والنصوص، بل قفزا فوق الحقائق والنصوص، وتلفيقا لها وتزييفا عند الاقتضاء" (العقل المستقيل ص136). وفي كشفنا هنا نراه يحاول أن يوهم قارئه ان ما ذكره القرآن عنالإنسان والسموات والقلم وغير ذلك مما ياتي بيانه انما مصدره موروثات خاطئة لتراث ما قبل الإسلام ويتوسل الى ذلك بالتلفيق والتحريف لإلباس الحقيقة القرآنية -بعد الادعاء بتاريخيتها!– لباس الخرافة الأرسطية والهلينية وغيرها من خرافات الانحرافاليهودي والمسيحي والوثني كما فعل تيزيني والقمني وجعيط. والعجيب انه من جهة اخرى يجعل من هذا العقل اليوناني اللاعلمي في اغلب استنتاجاته "عقلا برهانيا" ليقيمه -مسنودا بنماذج مغربية- في المواجهة مع ما اطلق عليه "العقل البياني" و"العقل العرفاني" العربي!. وقد حصر البرهان في مذهب ارسطو، ووضع سلطة ارسطو فوق سلطة العقل كما قال طرابيشي (في العقل المستقيل ص95 و388). وما بين توقيرية القراءة الجابرية لارسطو وبين رفع تلاميذه له وتعظيمه فوق الأنبياء، تتكشف لنا "المضاهاة النفسية" التي تظهر بادية على قراءة الجابري العنصرية الداعمة "للمركزية الاوروبية" باعتبارها تمثل المحتكر الوحيد للفكر العقلاني الممتد الى ارسطو كما كشف ذلك علمانيون في نقدهم للجابري (انظر كمثال محمود إسماعيل في "قراءة نقدية" ص13).
أضافة أُخرى وأخيرة
قال ديورانت في كتابه قصة الحضارة (ج28 ص251) عن العالم الغربي هارفي :" إن هارفي هو الذي هيأ لهذا العصر ذروة المجد العلمي بشرحه للدورة الدموية، وهو "أجل حدث في تاريخ الطب منذ عهد جالينوس". ولد في فولكستون (1578)، ودرس في كمبردج ثم في بادوا على فابريزيو دكو ابندانت، فلما عاد أقام في لندن ومارس الكب فيها، وأصبح الطبيب الخاص لجيمس الأول ثم شارل الأول، وعكف صابراً مثابراً، سنين طوالاً، على إجراء التجارب والتشريح، على الحيوانات والجثث، ودرس، تدفق الدم ومجراه في الجروح. ووصل إلى نظريته الأساسية في 1615. ولكنه نشرها، متأخراً، في فرانكفورت 1628، على أنها "تجارب متواضعة في تشريح الجثث ودماء الحيوان". وهي أول وأعظم أثر في الطب في إنجلترا. ) ثم قال (ص252):".. واعتقد هارفي "بأن كل الحيوانات حتى هذه التي تنتج صغارها أحياء، بما في ذلك الإنسان نفسه-تتطور وتخرج من بيضة، وصاغ عبارة "كل حيوان يخرج من بيضة". ومات بعد ذلك بست سنين بسبب شلل أصابه، واهباً معظم ثروته التي تبلغ عشرين ألف جنيه لكلية الأطباء الملكية، وعشرة جنيهات لتوماس هوبز "رمزاً للمحبة".!
فهذا آخر جهد هارفي القرن السابع عشر فليقارنوا بينه وبين مافي القرآن وماكشفه العلم الحديث وليخبرونا عن النتيجة.
"سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد"( سورة فصلت:52)
 
عودة
أعلى