سلسلة آيات ووقفات
سلسلة آيات ووقفات
آيات ووقفات (الحلقة الأولى)
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فإنني أتشرف أيه الإخوة أن أتوقف معكم في تفسير بعض الآيات، ولآ أدعي أنني عالماً ، ولكن حسبي أن أجمع ما قاله العلماء ، وأضعه بين أيديكم ، بشرح عصري، وعبارات سهلة جلية، واسلوب مبسط ، ولعدم تفرغ الكثير منا لهذا الأمر ، وانشغالهم عن الجلوس في المكتبة سواء في المنزل ، أو خارجه، لذلك أحسست أن حاجة الأمة لتناول بعض معاني الآيات في أسطر قليلة في الصحيفة التي ضمت بين صفحاتها نور إيماني، وإشراقه مضيئة للحق ، وأهله ، وبصيص من الأمل لعل الله أن ينفع أمتنا بما نقول ونسمع.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبن كثير رحمه الله في تفسير البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) افتتح بها الصحابة كتاب الله واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، وجاء في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم . أخرجه الحاكم في مستدركه.قال السعدي :أي أبتدئ بكل أسم لله تعالى ، وقد جاء في الحديث في صحيح البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه أن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً(1). وهكذا يتبين لنا أن هذا الفضل العظيم الذي منَّ الله به على عباده ، وأحسن إليهم بتعليمهم أياه ومن منا لا يريد أن لا يضره الشيطان ولا يضر أولاده، ولكن كثيراً من الناس يغفلون عن هذه التعاليم الربانية ، وعن هذا الهدي النبوي الذي أرشدنا إليه الرحمة المهداة للبشرية فحظ من أخذ من معينه ، ويا حسرة من أعرض عنه. (الرحمن الرحيم) قال السعدي :هما اسمان مشتقان من الرحمة والرحمن مشدد وفيه المبالغة أشد من الرحيم ، ونفهم من هذا أنه تعالى ذو الرحمة العظيمة التي وسعت كل شي، وعمت كل حي. قال ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر رحمة. وهكذا يتبين لنا أن البسملة أمر له شأن عظيم ، وكذلك أسماءه الحسنى ومنها الرحمن والرحيم حينما تضاف إليها تكون ذا معنى أشمل وأوضح ، وعليه فإن على المسلم أن يكون متنبهاً لهذا الأمر ، وأن لا يغفل عن البسملة في أي شأن من شئون حياته.
الوقفات
1- البسملة شأنها عظيم في كل أمر.
2- ورد في الحديث أن سترنا عن أعين الجن قول بسم الله.
3- الحث على البسملة عند الجماع لكي نتجنب ذرية أبليس الذي أقسم بالذات الإلهية ليشارك آدم في ذريته وفي أموالهم ، فكم نرى والعياذ باله من الشباب الذي يكره الحق ، ومنغمس في الشهوات، وكم نرى من غرق في أوحال الربا والتي شاركهم أبليس في تلك الأموال وأضلهم عن طريق الهدى والصلاح.
4- كل عبد من عباد الله يرجوا الرحمة من الله عز وجل ، و قد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يدخل أحداً الجنة بعمله ، قالوا حتى أنت يا رسول الله قال حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
____________________
(1) صحيح البخاري (141). صحيح مسلم (1434).
_____________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثانية)
الحمد لله رب العالمين
الله عز وجل أنزل هذه السورة العظيمة، وفيها من الألفاظ العقائدية، والبلاغة الربانية، وتهذيب ألسننا ، وتعليم أنفسنا ، وخضوع أرواحنا لله عز وجل ، فعلمنا كيف الأدب مع الله ، فالحمد والثناء أولاً ، ثم الدعاء، وفيها أقسام التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد العبادة(الإلوهية) ، وتوحيد الأسماء والصفات، فلنتمعن في آياتها ، ونبحر في معانيها، ونستشف بعض أسرارها، ونغرف من منابعها الرقراقة، قال الله تعالى ( الحمد لله) وتعني هذه الكلمة الثناء على ربنا الله بصفات الكمال، والشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد من دونه. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ(2).
فلله الحمد والشكر والثناء الحسن على أكبر نعمة أنعم علينا بأن أنزل على رسوله قرأناً نتلوه ، ومنهجاً ننهجه، وعلماً ننهل منه، وشفاءً للأسقام، ونوراً للأفهام، وانشراحاً للصدور، ونوراً في القبور ، وشفيعاً لقارئه، وحجة للعبد أو عليه نسأل الله أن يجعله حجة لنا وقائدنا إلى الفردوس الأعلى من الجنة.
وقوله (رب العالمين ) فمعناها هو الرب المربي جميع العالمين ، وهم الذين أعد الله لهم النعم العظيمة ، والالاء الجسيمة، التي تستقيم بها الحياة، وتنعم بها البشرية، ونعمه كذلك على العالم الآخر عالم الجن، الذي يشاطر البشر في قوله تعالى ( سنفرغ لكم أيه الثقلان) وقول ( يا معشر الإنس والجن) وقول ( وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون) قهم مكلفون تماماً كالبشر ، فأيضاً لهم أرزاقهم ونعائم الله عليهم لا ينكر ذلك إلا كافر، فهم أيضاً من العالمين الذين ذكرهم الله في الآية، قال ابن كثير رحمه الله : ففي رواية سعيد بن جبير وعكرمة وعن ابن عباس : أي رب الجن والأنس . وقال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عما يعقل وهم الأنس والجن والملائكة والشياطين. قال السعدي رحمه الله : للتربية الربانية نوعان عامة وخاصة ، فالعامة هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا، أما الخاصة فهي تربيته لأوليائه ، فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه. وهكذا يتبين لنا معنى من المعاني العظيمة، التي يقر الله فيها أن الفضل له والمنة علينا إذ أنه هو ربنا المربي لنا، والمعلم لنا، والهادي لنا، والذي أخرجنا بفضله وإحسانه من الظلمات إلى النور، وهدانا إلى صراطه المستقيم ، فهو الرب المعبود، والإله المألوه الذي تعبده هذه العوالم من الأنس والجن والملائكة والشياطين، و لكن الكثير من الناس لا يعترفون برب العالمين كالملاحدة وغيرهم من أصحاب العقائد الأرضية، الشيطان رغم عصيانه وتمرده على الله إلا أنه لا ينكر بأن الله هو رب العالمين ولكنه حينما تمرد وعصى أمر الله بالسجود لآدم أخرجه الله من جنته، وحل عليه غضب الرب ،ولكنه يعترف ويقر بان الله هو رب العالمين ولا ينكر هذا ، قال الله تبارك وتعالى ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) وهذا لا ينكره أحد بأنه هو المعبود، أما الملحدين والعياذ بالله من حالهم فهم ينكرون الرب تبارك وتعالى فيقولون لا إله والحياة مادة. وتدل هذه الآية دلالة واضحة على إنفراد الله بالخلق وتدبيره لهم وإنعامه عليهم وهو سبحانه له كمال الغنى، والعباد مفتقرون إليه لقوله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) (1).
الوقفات
1- فضل سورة الفاتحة وأنها لا صحة لصلاة المرء إلا بها.
2- الرب سبحانه وتعالى هو المربي لنا بنعمه ومنها نعمة الإسلام الذي هدانا إليه بفضله وإحسانه.
3- التربية الربانية لنا حيث علمنا ربنا كيف نتأدب معه سبحانه فنحمده ونثني عليه ثم ندعوه.
________________
(2) صحيح : الألباني في صحيح الجامع (5563).
(1) سورة فاطر 15.
___________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثالثة)
ننتقل الآن إلى المرحلة الثانية ، والجانب الآخر من هذه السورة، والذي نتعرف فيها على أسرار جديدة، وحكم عديدة، فبعدما علمنا الله عز وجل كيف نحمده ونثني عليه ، فيذكر لنا صفاته العظيمة، وهي الرحمة ، قال الله سبحانه وتعالى (الرحمن الرحيم) شرحت معناها في الحلقة الأولى ،ثم قال سبحانه (مالك يوم الدين) هو الملك المتصرف في عباده، ويظهر ملكه وأمره ونهيه، وثوابه وعقابه ، وحكمه وعدله، في يوم الدين وهو يوم القيامة ، يوم الحساب على الأعمال التي قدمها العباد إما خيراً ، وإما شراً والعياذ بالله من سوء المنقلب. وقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟" (2). الله أكبر هناك اليوم الفصل ، هناك تستوي البشرية ، فلا فرق بين راع ومرعي، ولا شريف ووضيع، ولا سيد وعبد، ولا غني وفقير، ولا خادم ومخدوم، الجميع سواسية في الحساب والجزاء ،يأخذ كل مظلوم حقه من ظالمه، الله هو الملك في هذا الكون ، ولكنه يتجلى ملكه في يوم القيامة بحكمه وعدله وقضائه، ويرون العباد كل ذلك مشاهدة ، قال تعالى (لقد كنت في غفلة من هذا فبصرك اليوم حديد).
الوقفات
1- ذكر الله سبحانه صفتين عظيمتين الرحمن والرحيم.
2- ذكر الله سبحانه ملكه وعظمته المتجلية في يوم الدين فلا ينفع ملوك الأرض ملكهم، ولن ينفع أي مخلوق مخلوق آخر بل الجميع تحت حكم ملك الملوك سبحانه وتعالى.
3- إثبات أن لله يد سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث ، ونثبت ذلك من غير تأويل(3) ، ولا تكييف(4) ، ولا تشبيه (5)، ولا تعطيل.
4- هذه الآيات تشعرنا بهول الموقف بين يدي الرب عز وجل، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ولكنه كما جاء في الحديث يخفف على المؤمنين كصلاة أحدكم .(6)
__________________
(2) صحيح : البخاري (7413) ، مسلم (2788). قال القاضي عياض في شرح هذا الحديث "في هذا الحديث يقبض ويطوي ، كله بمعنى الجمع، لأن السموات مبسوطة ، وألأرضين مدحوة وممدودة ، ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة وتبديل الأرض غير الأرض والسموات ، فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض ، ورفعها وتبديلها بغيرها.
(3) أي نفسرها كما نشاء.
(4) أي نقول كيف او نسأل عن كيفيتها.
(5) أي نشبهها بأيدينا مثلاً ، بل نقول (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). أنظر كتاب شرح العقيدة الواسطية- لمحمد بن عثيمين رحمه الله.
(6) أي قدر مدة وقوف المؤمنين يخفف حتى يصير مقدار صلاة فريضة في هذه الدنيا فلله الحمد والمنة.
______________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الرابعة)
إياك نعبد وإياك نستعين
وننتقل الآن إلى المرحلة التربوية الربانية التي لفتنا الرب إليها، فكيف نستغيث به، وكيف نذكر أنفسنا ، ونذلها بين يديه، وكيف نبتهل إليه بصالح أعمالنا، إنها حقاً تربية عظيمة ، يذكرنا بها الرب جل وعلا، ويهذب نفوسنا بالتعلق به، واللجوء إليه لهذا قال سبحانه وكأنه يقول قولوا يا عبادي : (إياك نعبد وإياك نستعين) أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين بأحد سواك، وهذه التربية الربانية، من أجل السعادة الإنسانية، وإلا فالله عز وجل هو الغني ونحن الفقراء إليه، ولكنه سبحانه يربينا ، ويعلمنا كي تقوم علينا الحجة، فلا يلوم العبد بعد هذه التربية إلا نفسه، لأنه عرف طريق الحق، وطريق الضلال، وعرف الظلمات والنور، والشقاء والحبور، وما علمنا بتلك الأقوال والأفعال، وأرسل رسوله ، وانزل كتابه، إلا لكي نتبع المنهج الرباني الذي ارتضاه لعباده كي ننال مرضاته، ونصل إلى حبه ومغفرته، فمن للمسلمين من ناصر في حروبهم مع من اعتدى عليهم، وخرب دورهم ، وأهلك الحرث والنسل، من المستعان في قضاء الحوائج؟ وتفريج الكربات؟ وشفاء المرضى؟ والرحمة بالأموات؟ من يتولى تلك الشئون كلها غير الله الواحد القهار، علَّمنا ربنا كيف تكون العبادة لله وحده ، فهو الخالق الرازق، الناصر، المدبر للأمور كلها ، ومجيب المضطرين، وكاشف البلايا والمصائب، فتكون له وحده العبادة، والاستعانة جزء من العبادة فالعبادة أسم جامع لكمال المحبة لله والخضوع له والخوف منه.
الوقفات
1- الاستعانة جزء من العبادة ، ونوع من أنواعها الكثيرة ، فمن صرف نوعاً منها لغير الله فقد أشرك بالله عز وجل ، وكما هو معلوم (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
2- التربية الربانية أعظم حافزاً لنا للوصول إلى العمل الصالح الذي نعمله مخلصين فيه لوجه الله (1)عز وجل.
3- كمال الخضوع والاستغاثة بالعمل الصالح وتقرير العبودية الخالصة لله وحده جاءت كلها في هذه الآية.
________________
(1) قال الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله ومعنى يعمل المسلم العمل لوجه الله أي ليدخل الجنة فيرى وجه الله انتهى كلامه. وهذا معروف والدليل قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ، وقال سبحانه (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال المفسرون الزيادة أي النظر إلى وجه الله عز وجل.، وقال سبحانه (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون ) فرؤية المؤمنين لله ستكون حقيقة وشرفاً للمؤمنين ، ومن لا يؤمن بهذا فقد كفر. (كتاب شرح رياض الصالحين).
_____________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الخامسة)
اهدنا الصراط المستقيم
وهذه لمحة أخرى من التربية الربانية لعباده المؤمنين كيف يكونون في جميع أحوالهم خاضعين لله، متذللين لعظمته، وناكسي رؤوسهم بين يديه، فماذا علمهم أن يقولوا بعدما أثنوا عليه وحمدوه وأجلَّوه؟ وقرروا أنهم عبيدٌ له وحده، لا يعبدون إلا الله، ولا يستعينون إلا به، أمرهم بأن يقولوا اهدنا الصراط المستقيم، أي يارب اهدنا طريق الحق المبين ، طريق الهدى والصلاح ، طريق المغفرة والرحمة، الطريق المؤدي لرضا الرب وعفوه، وهو دين الإسلام. فما أحوجنا إلى هداية الله، وما أحوجنا إلى تعلم ديننا، وأركانه ووسائل الخير التي تدلنا على رضا ربنا، ما أحوجنا أن نعرف صراط الله المستقيم، ونعرف كيف سلكه الذين من قبلنا من السلف الصالح ، ما أحوج الأمة اليوم أن تعيش حياة الصالحين ، الذين أرادوا الخير فعملوه، وأرادوا السلام فحققوه، وأردوا الكرامة فنالوها، وذلك لأنهم اتبعوا ما يرضي الله فرضي الله عنهم، قال تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه) ، إنهم الذين سكبوا دمائهم في سبيل الله إرضاء لله ، ونشراً لدينه ، وليس كما يقول المستشرقون بأنهم نشروا الدين بالسيف ، فالسيف لا يدخل الإيمان في القلوب، ولكنهم عرضوا على رؤساء الكفار من فارس والروم، عرضوا عليهم أن يسمحوا لهم بتعليم الناس دين الإسلام، أو أن يدفعوا الجزية ، أو الحرب ، فكانت خياراتهم المتكبرة المتغطرسة دائماً تنادي بالحرب، فكان لهم ما اختاروه ، وماذا كانت النتيجة؟ هزمهم الله ، ونصر المؤمنين ، حتى وصل الإسلام إلى بقاع كثيرة من العالم، وهناك دول تدين بالإسلام اليوم لم ينتشر فيها الإسلام عن طريق معارك ، بل انتشر بأخلاق التجار المسلمين ، وهذه صفات العباد الصالحين الذين كانوا أمثلة رائعة في التحلي بالإسلام ديناً ، وخلقاً . قال السعدي رحمه الله "فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط فالهداية إلى الصراط لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علماً وعملاً".
الوقفات
1- تقرير ضعف وافتقار العبد لهداية الله، فكما قال ابن رواحه فوالله لولا الله ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا.
2- وجوب مسألة الله الهداية والصلاح لقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
3- تربية الله للمؤمنين أعظم مسألة ، وهي مسألته سبحانه الهداية والثبات على الصراط المستقيم ، وهو الإسلام فلله الحمد والمنة أن هدانا إلى الإسلام حيث نعبد الله وحده بدون وسطاء أو أولياء بيننا وبينه.
______________________________
آيات ووقفات (الحلقة السادسة)
صراط الذين أنعمت عليهم
ننتقل الآن إلى معرفة جديدة، وصفة مجيدة، لأي صراط يريد ربنا أن نسلكه، وأي هدى يريدنا أن نتبعه، وأي سلوك يريدنا سلوكه، هل هو سلوك عبدة البقر، أو سلوك عبدة العجل ، أو الساجدين لصنم العذراء مريم ، او صنم المسيح ، كما يزعمون، أو للصليب ، أو للكاهن، أي صراط يا رب تريد أن نتبعه ، هل هو سبيل عبدة بوذا، أو عبدة النار ، أو عبدة الشمس ، قال الله عز وجل (صراط الذين أنعمت عليهم) وهم النبيون والصديقون والصالحون، وقال وكيع هم المسلمون.الله أكبر آية واضحة المعالم، دقيقة اللفظ، محددة الهوية، آية توقظ القلوب، وتحفز الهمم، و تنور الأبصار، وتجلي الغشاوة ، آية تدفع المرء للتنافس مع إخوانه كي يصل إلى ما وصل إليه هؤلاء، آية تحرك الإيمان، وتجعل صاحب القلب السليم يزيد يقيناً بفضل الله، والغافل تجعله يصحوا من غفلته، ويندم لخطيئته، لقد علمنّا الله في هذه الآية أن هناك سبيل واحد يقودنا لرضاه سبحانه وتعالى ألا وهو سبيل المؤمنين الموحدين العبادة لله وحده لا شريك له، وهم النبيون من نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، ومن تبعهم وصدقهم واتبع منهجهم، أما الذين يعتقدون أن ما يسمى في عصرنا الحاضر مسيحيون (والحقيقة أن الله سماهم نصارى) لزعمهم إتباعهم للمسيح عيسى ، فهم غير متبعي عيسى عليه الصلاة والسلام، والمسلمين هم حقيقة متبعي دين عيسى عليه السلام،لأن عيسى عليه السلام كان يدعوا لعبادة الله الواحد الأحد، ولكن كتب النصارى حرفت، وعقيدتهم تبدلت، وسير أنبياء الله شوهت، حيث قالوا زعماً منهم أن عيسى هو أبن الله ، وهذا زعم باطل ، وعقيدة باطلة، وإشراك بالله، وطمس لحقيقة التوحيد، فهم مشركون بالله ، حائدون عن الطريق القويم، والصراط المستقيم، قال تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وقال سبحانه يؤنب عيسى عليه السلام وهو سبحانه أعلم (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) فقال عيسى منكراً هذا الأمر( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم) وهذا بطبيعة الحال سيكون سؤالاً موجها لعيسى عليه السلام أمام تلك الملايين من البشر الذين أعدهم الله من أهل الظلال كما سيأتي في الآية القادمة. أما اليهود فهم الذين أفسدوا عقائد الناس، لحبهم للربا، وتمردهم وعصيانهم لأوامر الله ، فكانوا يشوهون في توراتهم الرب عز وجل (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) وكانوا يشوهون سمعة الأنبياء، ويتهمونهم بالزنا والجرائم التي لا تليق بالناس الأسوياء فضلاً عن الأنبياء، فقد اتهموا مريم العذراء بالزنا ، والقصة معروفة حين برأها الله بكلام أبنها عيسى في المهد، وقد قالوا عن نبي الله لوط أنه ضاجع ابنتيه بعدما شرب الخمر وسكر، ولا يزال الكثير يعتقد أن هذه آية من آيات الإنجيل ، وهذا والعياذ بالله من الجهل وإلا كيف يليق أن يتكلم الرب بهذا الكلام ، أو يصف أحد أنبيائه بهذه الصفة، ويؤمنون بقناعة وجود هذا ، ولما أرادوا أن يخرج نبي الله الذي وعدهم ربهم بخروجه من مكة ، زوجوا بناتهم للعرب في مكة ، وجنوب الجزيرة ، وفي المدينة المنورة وغيرها كي تأتي الرسالة مرة أخرى من بني إسرائيل، و يكون النبي من سلالتهم ، ولكن الله نزع الرسالة منهم لعدم كفاءتهم، لها ولشدة إعراضهم عن أوامر الله، فكانت الرسالة لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو يأتي نسبه من إسماعيل أبن إبراهيم وأمه هاجر ، ولم يأتي هذه المرة نبي من بشارة الله لإبراهيم وهو أبنه إسحق الذي ينحدر من سلالته كل اليهود ، لذلك حقد اليهود على نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، حتى أتى المنافقين وعلى رأسهم عبد الله ابن أبي أبن سلول الذي أسلم نفاقاً ، وحرف المفاهيم الإسلامية ، حتى غلا في الخلافة فقال بفرضية وجوب أحقيتها لآل البيت حتى افترقت الأمة فأصبح سنة وشيعة ، وتمزق الصف الإسلامي، وظهرت الفرق المختلفة ، وتفرعت ، ولكن بقي المؤمنون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم أهل السنة والجماعة بقوا على الحق المبين، والصراط المستقيم.
الوقفات
1- تعليم الرب لنبيه وأمة محمد التهذب في السؤال الموجه للرب سبحانه وتعالى ، وهو الهداية للصراط المستقيم.
2- تعليم الرب لنا عن طريق نبيه أوصاف الذين أنعم الله عليهم قال تعالى (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً) فهذه تفسر قوله تعالى أنعمت عليهم.
3- تبين هذه الآية نعمة الله وفضله و هدايته لعباده الصالحين وحثهم على سلوك مسالكهم للنجاة يوم القيامة والخلود في الجنة.
_______________________________________
آيات ووقفات ( الحلقة السابعة)
غير المغضوب عليهم ولا الضالين
بعدما بين الله لنا صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وعرفنا أن لا نجاة لنا إلا بإتباع منهجهم ، وسلوك مسلكهم، جاءت هذه الآية بالصفة الأخرى والجانب الثاني ، النقيض تماماً لأهل الهدى والحق، فالمغضوب عليهم هم اليهود ، فلم يتعظوا بالمواعظ، ولم يقروا بنعم الله عليهم، ولم يحترموا أنبيائهم ، بل ظاهروهم بالعداء ، وبارزوهم بالحرب، وجزوا رأسي نبي الله زكريا، وأبنه يحيى عليهما السلام، ولما نجا الله موسى من البحر ورأوا أناس يعبدون أصناماً لهم ، سألوا موسى أن يجعل لهم آلهة مثلهم، وأرادوا قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسحره لبيد بن الأعصم بأثر من شعره ورماه بمشطه في بئر ذروان، وسممته اليهودية في ذراع الشاة الذي ظلت تلك الغدرة تضايقه عليه الصلاة والسلام حتى مات، وذلك ليموت عليه الصلاة والسلام شهيداً ، ويكون قدوة لنا في الشهادة، تلك الأعمال وتلك السبل كانت سبباً في غضب الله على اليهود ، وحل بهم ذلك الغضب لأسباب كثيرة سنجدها إن شاء الله في بقية السور، أما (الضالين) فهم النصارى الذين ضلوا عن دينهم ، واتبعوا أهوائهم، فالكثير منهم يعرف أن دين الإسلام هو دين الحق ، وأن محمد خاتم النبيين خصوصاً في زماننا هذا الذي كثرت فيه الكتب ، والمعارف ، واختلطت الشعوب ببعضها، وانتشر العلم في مجالات كثيرة، وأصبح الذي في المشرق يعرف ماذا يحدث في المغرب ، عن طريق وسائل الإعلام ، والكتب والاتصالات، ولكنهم أعرضوا عن كل ذلك تعصباً لتأريخهم الأسود ، الذي جاء بالكوارث، والمصائب على المسلمين ، فهم لا يرون أن يدخلوا دين الإسلام فهو يحرمهم من كبريائهم، وزعاماتهم ، وشهواتهم، فالإسلام في نظر الكثير منهم عائقاً أمام الكثير من الشهوات التي يريدون أن يفصلوا بين دين الله وبين شئون الحياة فصلاً تاماً ، فالربا يؤيدونه، والزنا لا حكم ولا حد على من فعله، واللواط حرية شخصية ، وهناك المنظمات واللجان ، والمحاكم التي تعقد الزواج للوطيين ، نعوذ بالله من الضلال.
قال ابن كثير في معنى الآية : أي غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق.
الوقفات
1- تقرير غضب الله على اليهود لتمردهم على أوامر الله وقتل أنبياءه.
2- التحذير من سلوك أو إتباع نهج اليهود والنصارى، ولقد جاء في آيات عدة حرصهم على إضلالنا كقوله تعالى (وودوا لو تكفرون) وقال سبحانه (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم) وقال سبحانه (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فهذه الآيات تكشف لنا مكائدهم وإراداتهم الحثيثة على إفساد عقيدتنا النقية الصحيحة.
3- تقرير ضلال النصارى فاليهود عرفوا الحق وعدلوا عنه، والنصارى ضلوا الطريق وجهلوه لكنهم لا يعذرون الآن مع الانفتاح العالمي ، وثورة الاتصالات ، وتواصل الشعوب، وانتشار وسائل الإعلام، فأصبحت تلك الوسائل كلها حجة عليهم ، لأن فيها إشارات وبرامج ، ومواقع دينية بلغات مختلفة تنشر دين الإسلام.
4- الحق هو ما جاء به الأنبياء كلهم ، ولكن اليهود هم من تسبب في إلحاق التحريف في التوراة والإنجيل ، ففسدت عقائدهم ، وحفظ الله القرآن الكريم.
______________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثامنة)
سورة البقرة
ألم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين (2)
ألم الله العالم بمعناها، وقال المفسرون أن تلك الحروف التي جاءت في مقدمة بعض السور، إنما هي تعجيز لكفار قريش الذين لم يؤمنوا بالقرآن الكريم ، وكذبوا به ، بل حتى أنهم كانوا يقفون في الطرقات ويحذرون الناس أن لا يستمعوا لمحمد ، ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه) كانت تلك هي الأساليب العدوانية، والسلوكيات الشائنة، والأعمال القبيحة التي استقبلوا بها محمد وأصحابه ، وعملوا كل فضيع، واقترفوا كل شنيع، ومزقوا جلود العبيد بالسياط، لأنهم وحدوا الله عز وجل، وأتبعوا سبيل الرشاد، لأنهم خرجوا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فيقول الله هذه الأحرف تعجيزاً لهم ، إن كنتم تقولون إن هذا القرآن أساطير الأولين ( فأتوا بسورة من مثله) فاستخدموا مثل هذه الأحرف ، وأتوا بكتاب مثله، وذلك تعجيزاً لهم ولن يستطيعوا قال تعالى( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ) وقال سبحانه ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) لقمان 27. لذلك فالله عز وجل أنزل هذا الكتاب معجزة خارقة، وهداية باهرة ، وشفاء لما في الصدور، ونوراً وبهاء، ويقيناً وضياء، طمأنينة لقلوب المؤمنين، وتعريف لهم بوعد الله ووعيده.ثم قال الله تعالى عن كتابه العزيز (ذلك الكتاب ) أي هذا الكتاب وهو القرآن ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الكتاب الذي شرح الله به صدور العباد، وعرف الناس بأنه الوحي المنزل من الله عز وجل، فأسلموا ، واهتدوا ، لا ريب فيه ولا شك ، فهو الحق المبين نزله الله على نبيه محمد بواسطة الملك جبريل عليه السلام قال تعالى ( وقرأنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً) وقال سبحانه ( قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) البقرة97. وهذا دليل على تنزيل القرآن ، وتلقين جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أمياً لا يكتب ، ولكنه يحفظ القرآن حينما يسمعه من جبريل ، إلى أن جمع القرآن في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، فلله الحمد والمنة، وقوله تعالى هدى للمتقين فيه إقرار من الرب تبارك وتعالى على أن هذا القرآن هدىً للمتقين ، سبحان الله وهل المتقي يحتاج هداية، فهو مهتدي ولكن أقول إن الإنسان مهما بلغ من قوة الإيمان، ودرجات الإحسان، وثقل الميزان بالدرجات، فهو ليس بمعصوم ، وليس منزه من الخطأ والمعصية، بل هو معرض لكل ذلك، لذلك فإن الإيمان يزيد وينقص عند المسلم، فذكرنا الله سبحانه في هذه الآية أن من أخذ بتعاليم القرآن ، ورفع به رأسه استفاد من هدايته ، وكان تقياً متبعاً لأوامر ربه ، ومجتنباً لنهيه. قال السعدي فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية والآيات الكونية، ولن الهداية نوعان : هداية البيان، وهداية التوفيق، فالمتقون حصلت لهم الهدايتان وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق ، وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية تامة.لذلك فالتقوى أمرها عظيم، فبها تتهذب النفس ، وتستقيم الروح، وبها تعرف النفس قدر خالقها، قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : و التقوى أن يعمل الرجل بطاعة الله على نور من الله يرجو رحمة الله وأن يترك معصية الله على نور من الله يخاف عذاب الله ولا يتقرب إلى الله إلا بأداء فرائضه ثم بأداء نوافله قال تعالى ( وما تقرب إلي عبدى بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه .. الحديث )(1). إذاً التقوى ركيزة من ركائز العمل الصالح ، وهي الدافع والحافز لكل عمل فيه الخير ، وترك الإثم ، وعلى ذلك يكون المسلم طوال حياته إن كان يريد سعادة الدارين، قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ، وكذلك قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن 16 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :فأوجب التقوى بحسب الاستطاعة فلو كان من لم يتق الله لم يستطع التقوى لم يكن قد أوجب التقوى إلا على من اتقى ولا يعاقب من لم يتق وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام وهؤلاء إنما قالوا هذا لأن القدرية والمعتزلة وغيرهم قالوا القدرة لا تكون إلا قبل الفعل لتكون صالحة للضدين الفعل والترك وأما حين الفعل فلا يكون إلا الفعل فزعموا أو من زعم منهم أنه حينئذ لا يكون قادرا لأن القادر لا بد أن يقدر على الفعل والترك وحين الفعل لا يكون قادرا على الترك فلا يكون قادرا وأما أهل السنة فإنهم يقولون لا بد أن يكون قادرا حين الفعل ثم أئمتهم قالوا ويكون أيضا قادرا قبل الفعل وقالت طائفة منهم لا يكون قادرا إلا حين الفعل وهؤلاء يقولون إن القدرة لا تصلح للضدين عندهم فإن القدرة المقارنة للفعل لا تصلح إلا لذلك الفعل وهي مستلزمة له لا توجد بدونه إذ لو صلحت للضدين على وجه البدل أمكن وجودها مع عدم أحد الضدين والمقارن للشيء مستلزم له لا يوجد مع عدمه فإن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع وما قالته القدرية فهو بناء على أصلهم الفاسد وهو أن إقدار الله المؤمن والكافر والبر والفاجر سواء فلا يقولون إن الله خص المؤمن المطيع بإعانة حصل بها الإيمان بل يقولون إن إعانته للمطيع والعاصي سواء ولكن هذا بنفسه رجح الطاعة وهذا بنفسه رجح المعصية كالوالد الذي أعطى كل واحد من ابنيه سيفا فهذا جاهد به في سبيل الله وهذا قطع به الطريق أو أعطاهما مالا فهذا أنفقه في سبيل الله وهذا أنفقه في سبيل الشيطان وهذا القول فاسد باتفاق أهل السنة والجماعة المثبتين للقدر فإنهم متفقون على أن لله على عبده المطيع المؤمن نعمة دينية خصه بها دون الكافر وأنه أعانه على الطاعة إعانة لم يعن بها الكافر كما قال تعالى ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون سورة الحجرات 7 فبين أنه حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم فالقدرية(1) تقول هذا التحبيب والتزيين عام في كل الخلق أو هو بمعنى البيان وإظهار دلائل الحق والآية تقتضي أن هذا خاص بالمؤمنين ولهذا قال أولئك هم الراشدون والكفار ليسوا راشدين وقال تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء سورة الأنعام 125 ، و قال تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقا وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل سواء كانا أو أحدهما غنيين أو فقيرين أو أحدهما غنيا والآخر فقيرا وسواء كانا أو أحدهما عربيين أو أعجميين أو قرشيين أو هاشميين أو كان أحدهما من صنف والآخر من صنف آخر وإن قدر أن أحدهما له من سبب الفضيلة ومظنتها ما ليس للآخر فإذا كان ذاك قد أتى بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت بحقيقتها وإن كان أقدر على الإتيان بها فالعالم خير من الجاهل وإن كان الجاهل أقدر على تحصيل العلم والبر أفضل من الفاجر وإن كان الفاجر أقدر على البر ، والمؤمن الضعيف خير من الكافر القوى وإن كان ذاك يقدر على الإيمان أكثر من المؤمن القوي وبهذا تزول شبه كثيرة تعرض في مثل هذه الأمور(2).
وقال ابن تيمية أيضاً : " أن التقوى وتصفية القلب من اعظم الأسباب على نيل العلم لكن لا بد من الاعتصام بالكتاب والسنة في العلم والعمل ولا يمكن ان احدا بعد الرسول يعلم ما اخبر به الرسول من الغيب بنفسه بلا واسطة الرسول ولا يستغني احد في معرفة الغيب عما جاء به الرسول وكلام الرسول مبين للحق بنفسه ليس كشف احد ولا قياسه عيارا عليه فما وافق كشف الانسان وقياسه وافقه وما لم يكن كذلك خالفه بل ما يسمى كشفا وقياسا هو مخالف للرسول فهذا قياس فاسد وخيال فاسد وهو الذي يقال فيه نعوذ بالله من قياس فلسفي وخيال صوفي(3). وقد تكلم في فضل التقوى الكثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين، وصنفت فيها المصنفات، وأرجوا أن تكون اتضحت معانيها في هذه الجمل.
الوقفات
1- عرفنا الرب سبحانه وتعالى على أن القرآن الكريم هو الكتاب الذي لا شك ولا مرية بأنه منزل من الله على نبيه محمد.
2- إخبار الله سبحانه وتعالى أن المؤمنين المتقين هم الذين يهتدون بكتاب الله.
3- من شك أو أعتقد أن هناك تشريع أو قانون(4) ، أو حكم أفضل مما جاء في القرآن فقد كفر لقوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).
_____________________________
(1) القدرية : الذين يجعلون أفعال العبد خارجة عن قدرة الله وخلقه وملكه.
(2) منهاج السنة النبوية 3/42.
(3) الرد على المنطقيين 1/511.
(4) كالذين ينادون بالتعددية الحزبية في الحكم، والديمقراطية ، والانتخابات وغيرها كل ذلك مخالف للإسلام لأن حكم الإسلام يكون عن مبايعة أهل الحل والعقد ، ومجلس شورى المسلمين ، باختيار من هو أهلٌ للحكم الإسلامي الذي يكون من خيار القوم من العلماء المخلصين لدينهم ورعاياهم فيتم مبايعته، وليس كما ينادي البعض بالمشاركة من جميع الأطراف والمذاهب والنحل.
_______________________________________
آيات ووقفات (الحلقة التاسعة)
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون
وهذه هي الصفة الثانية التي أمتدح الله بها عبده المؤمنين ، الأتقياء الأوفياء، فوصفهم بأنهم (يؤمنون بالغيب) والغيب كل ما غاب من الأشياء غير المشاهدة، والتصديق التام بما أخبرت به الرسل، ولا يشاهد بالحس ، فهذا الفرق بين المسلم والكافر، لأنه تصديق مجرد لله ورسله (1) فالمؤمن يؤمن بصفات الله ووجودها ويتيقنها، حتى لو لم يفهم كيفيتها. ثم قال (ويقيمون الصلاة) ويكون إقامتها بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها، هذه إقامة الصلاة، وليس مجرد أدائها، وهذا هو الفرق ، والتفاضل بين المؤمنين في تلك الميزة ، التي خص الله بها عباده المتقين، لهذا وجب على المسلم أن يؤدي الصلاة، ويقيمها مع جماعة المسلمين بكامل أركانها وشروطها كي ينال الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) (2). ثم قال سبحانه (ومما رزقناهم ينفقون) ومعناها من ما رزقناهم أي ينفقون النفقات الواجبة كالزكاة، والنفقة على الأهل، وكذلك النفقات المستحبة في أوجه الخير، لهذا جاء بمن التبعيضية أي جزء بسيط من أموالكم، ولكنه خير كثير. وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت ثمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوَّه أو فصيله (3). وعن عدي بن حاتم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل" (4). وفي هذين الحديثين دلالة واضحة جلية عن فضل الصدقة، ولو بالشيء اليسير، ولو علم أصحاب الأموال بتلك المنزلة العالية، والثواب الجزيل ، والعطاء العظيم ، من الرب الرحيم، وبلوغ الجنة بالعمل اليسير مثل الصدقة لما بخلوا بأموالهم التي والله أنهم سيحاسبون عليها من أين أتت وفيما أنفقت، فمن أنفقها في سبل الخير، وتجهيز الغزاة في سبيل الله، وإغاثة الفقراء ، وإطعام الجياع، أو المساهمة في طباعة الكتب الطيبة، ودعم مراكز الدعوة، والمدارس الدينية في أنحاء العالم ، كل ذلك من أعظم القربات إلى الله (إن الله لا يضيع أجر المحسنين) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما نقص مال من صدقة).
الوقفات
1- تقرير الإيمان بالغيب ويكون بالتصديق التام بكل ما أخبرت به الرسل مما لم نشاهدهم من الجنة والنار ، و حياة البرزخ في القبر، وعذاب القبر والنار، ونعيم المؤمنين الأبرار، ودقة الصراط ، ونعيم الجنة، وسعة الكرسي، وكبر راس الكافر، وعمق قعر جهنم، وأنهار الجنة، وغساق النار وغيرها.
2- إن أداء الصلاة يكون في إقامة أركانها شروطها وواجباتها وليس في السجود والركوع دونما خشوع وسكينة ، وتكون إقامتها في بيوت الله مع جماعة المسلمين.
3- الزكاة فريضة وركن من أركان الإسلام من تركها كفر، وقد عرفنا في السيرة النبوية كيف أن الصديق الخليفة أبا بكر رضي الله عنه قاتل المرتدين الكفار الذين تركوا دفع الزكاة، قال له عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا قلوها عصموا مني دمائهم.. الحديث) فقال القائد المظفر، الخليفة الراشد أبا بكر : " والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" وقال " والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه" فالمؤمنين الصادقين يدفعون الزكاة ، وكذلك يتصدقون على المحتاجين المعوزين.
___________________
(1) من كلام السعدي رحمه الله بتصرف.
(2) صحيح : البخاري (8) ، مسلم (16).
(3) صحيح : مسلم (1014) ومعنى فلوَّه أي المهر الصغير، وفصيلة أي البعير المفصول عن أمه. قال القاضي عياض عبر باليمين هنا عن جهة القبول والرضا إذ الشمال بضده في هذا قال: المراد بكف الرحمن هنا ويمينه كف الذي تدفع إليه الصدقة، وإضافتها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة فيها لله عز وجل. قال : وقد قيل في تربيتها وتعظيمها حتى تكون أعظم من الجبل أن المراد بذلك تعظيم أجرها وتضعيف ثوابها، قال : ويصح أن يكون على ظاهره ، وأن تعظم ذاتها ويبارك الله تعالى فيها ويزيدها من فضله حتى تثقل في الميزان، وهذا الحديث نحو قول الله تعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات).
(4) صحيح : مسلم (1016). قال النووي رحمه الله وفيه الحث على الصدقة، وشق التمرة نصفها وجانبها، وأنه لا يمتنع منها لقلتها وأن قليلها سبب للنجاة من النار.
__________________________________________________
آيات ووقفات (الحلقة العاشرة)
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون
بعدما قرأنا ، وعرفنا صفات المؤمنين الذين امتدحهم الرب جل وعلا، بأنهم يؤمنون بالغيب ، ويقيمون الصلاة، ويدفعون أموالهم في سبل الخير من زكاة ، أو صدقة، أتى الله بهذه الآية ، وفيها صفات أخرى ، تقرب إلى أفهامنا صفات أهل الحق الذين أحبوا الله ، وأحبهم الله،فهم المؤمنين الذين يؤمنون بالكتاب الذي أنزل الله عليك، والحكمة (السنة النبوية) التي علمك الله إياها، كما قال سبحانه وتعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تعلم ) (1). وهذه لمحة أخرى، وصفة فضلى ، وخلة حميدة، يتصف بها عباد الله المتقين ، الذين يؤمنون بكتاب الله المجيد، ومعاني آياته، ومعالم هداياته، ومقاصد عباراته، يؤمنون بأن هذا القرآن هو كلام الله الرب العظيم الذي أوحاه إلى نبيه عن طريق جبريل عليهما الصلاة والسلام، لذلك فهم يعظمون آياته ، ويدرسون معانيها، ويقدسون أسرارها، ويحكمون بموجبها، ويتعاملون مع الخلق وفقاً لتعاليمها، على منهج أهل السنة والجماعة، ويؤمنون كذلك بالحكمة وهي السنة النبوية المتمثلة في أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقواله فلا علم للمؤمنين بكيفية الصلاة، وصفات الركوع والسجود، وكم ركعات الصلوات، وكيفية الوضوء، ومتى أوقات الصلوات إلا بفهم صحيح للأحاديث النبوية، والهدي النبوي الذي كان حاضراً مع الصحابة يعلمهم تلك الأمور كلها، وكان يقول صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، فمن لا يؤمن بذلك ويتبع سبيلاً غير هذا ، ويؤمن بالقرآن ولا يؤمن بالحكمة فهو كافر ، لانتفاء إيمانه بالهدي النبوي قولاً وعملاً. وكذلك يقتضي إيمان أولئك المتقين الإيمان بالكتب السماوية المنزلة من الله سبحانه على أنبيائه الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، قال تعالى (وما أنزل من قبلك ) ويتضمن هذا الإيمان بجميع الكتب ، وجميع النبيين ، وهذه صفة أخرى لعباد الله المتقين ، وذلك لتصديقهم بنزول تلك الكتب ، وبعثة أولئك الرسل إلى قومهم، أما نبي الله محمد فقد بعثه الله للناس أجمعين قال تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (2). لذا فإن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى جميع البشر.
ومن صفات المؤمنين المتقين أيضاً أنهم (وبالآخرة هم يوقنون) أي إنهم يؤمنون باليوم الآخر وما فيه من الجزاء والنكال، والثواب والعقاب، والسعادة والشقاء، وأصحاب النعيم، وأشقياء الجحيم، والآتيان بجهنم، وسجود الأنبياء، وذلة العصاة، وتبيض الوجوه المؤمنة، وتسود الوجوه الكافرة، يؤمنون برؤية الله، ويكلمهم الله سبحانه من غير ترجمان، كل بلغته ويقرهم بأعمالهم، ويؤمنون بتطاير الصحف ، فتؤخذ باليمين أو بالشمال، أو من وراء الظهور ، فلما أيقنوا بحدوث ذلك من إخبار الله لنا ورسوله في القرآن والسنة ، ولما عرفوا واستيقنت قلوبهم (3) بحدوث كل ذلك ، كان ذلك ركناً ركيناً من أركان الإيمان الستة، وأضحى من أعظم الدوافع للقيام بالأعمال الصالحة رهبة ورغبة لما عند الله.
الوقفات
1- تقرير الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من جميع البشر ، فلا حجة اليوم لأحد فالأغلبية الآن من الناس يعرف أو يسمع عن دين الإسلام.
2- تقرير الإيمان بالكتب السماوية كلها، بأنها أنزلت في وقت ما على أنبياء الله، ولكن هل بقيت على حالها، هل ما في أيدي اليهود والنصارى الآن من كتب هل هي نفس الكتب السماوية المنزلة، كلا فالقرآن يكذب زيفهم ويكفر منهجهم، في قوله ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون).
3- وجوب الإيمان بالآخرة وما فيها يقيناً وتلك صفة من صفات المؤمنين.
_________________
(1) سورة آل عمران 113.
(2) سورة الأنبياء 107.
(3) قال السعدي رحمه الله واليقين : هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك الموجب للعمل.
______________
آيات ووقفات (الحلقة الحادية عشر)
إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (7)
خلق الله عز وجل الإنسان ، وأعطاه الحواس كي تدرك ما ينفعه فيأخذ به، ويترك ما يضره ويبتعد عنه ، فمن استمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و عرف الحق ، وبلاغة القرآن ، واهتدى بهديه، أفلح ونجا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، والعرب كان معلوم لديهم الشعر، فكان بمثابة الإعلام في عصرنا الحاضر، وكان مهماً جداً في نظرهم، فلما سمعوا القرآن عرفوا بأن ذلك ليس شعراً ، وليس بطلاسم المشعوذين والسحرة، وإن فيه من البيان العظيم، والفصاحة البليغة، واخبار الأمم السابقة، لذلك أسلم الكثير ممن فتح الله على قلوبهم، وأنار بصائرهم ، أما الذين أعرضوا عن سماع الحق، وتولوا عن مخالطة الصحابة الذين اعتبروهم في زعمهم صابئة لأنهم تركوا دين آبائهم ، وانخرطوا في دين لم تعترف به قلوب كفار قريش كفراً وجحوداً ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألم على حالهم ، وهو الرحمة المهداة للبشرية ، صلى الله عليه وسلم ، ولكنه كان يسليه ربه ويقول له (إنما عليك البلاغ) ويقول سبحانه (إنك لا تهدي من أحببت) ويقول سبحانه ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم إنما يتبعون أهواءهم ) (1). ويقول سبحانه ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) (2). لذلك جاءت هذه الآية في شدة المعترك بين الحق والباطل، وبين نصرة الحق وأهله، ودحض الباطل وأهله ، وكانت الفرقان بينهما ، فجاء فيها وصف هؤلاء الكفار المعاندين لدين الله ، وأعني هنا أن كفار قريش كانوا وثنيين يعبدون الأصنام ، وهي في واقع الأمر كانت صوراً منحوتة في الصخور لرجال صالحين كانوا يعبدون الله على دين الحنيفية ، دين إبراهيم عليه السلام، ولكن مع طول الأمد ، وغواية الشيطان لهم ، أخذوا يعتقدون فيها وأنها تقربهم إلى الله ببركة أصحابها الصالحين، فأخذوا يقربون القرابين لها ، ويعبدونها مع الله ، فأصبحوا بذلك مشركين ، فمنهم من أسلم مع النبي ، ومنهم من بقي على كفره وعناده، فقال الله سبحانه وتعالى (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) أي الأمر عندهم سيَّان لأنهم لم ترد قلوبهم سماع الحق ولا إتباعه.
الوقفات
1- الكفر هو الغطاء الذي يغطي القلب فهؤلاء مغطاة قلوبهم عن الحق.
2- مهمة الرسل البلاغ فقط ، وفي هذا درس للدعاة لدين الله.
3- الران الذي على قلوب الكفار من شدة إعراضهم عن دين الله جعل قلوبهم منكرة للحق مقبلة على الباطل فأصبحت الأمور لديها متشابهة سواء دعيت وأنذرت أم لم تنذر فلن تفتح للإيمان.
______________
(1) سورة القصص : 50.
(2) سورة فاطر: 8.
_____________
آيات ووقفات (الحلقة الثانية عشرة)
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (8)
وهذا هو المانع الشديد ، والحائل المحيد، عن الطريق السديد، ذلك الطبع وهو الختم الذي جعله الله بسبب كفرهم (2) . فلا يدخلها الإيمان، ولا تقر به أنفسهم، ولا تعرف الطريق إليه، قال مجاهد (ختم الله على قلوبهم ) قال:الطبع ثبتت الذنوب على القلب فحفت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم. وجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه في الصحيح أن رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "تعرض الفتن على القلب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً" (3). أما أسماعهم فجعلها مغلقة عن سماع الحق، معرضة عنه ، فلا يهتدون إليه، وأبصارهم عليها غشاوة ، فلا ترى الحق ، ولا تتحقق من وجوده، إذ هي معمية عنه فيكون الكافر والعياذ بالله أعمى البصر ، ومطموس البصيرة . ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد الوعظ والبلاغ، فقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من على الصفا لما أمره الله بالجهر بالدعوة فجمع أهل قريش، وقال لهم إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد، فقال له أبا لهب : تباً لك ألهذا جمعتنا؟ ، والحوادث كثيرة ، وإيذاء أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحاولات قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا والعياذ بالله زيغ منهم فكان جزاء لهم أن أضل الله قلوبهم (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) لأنهم لم تفدهم المواعظ ، وأساليب الدعوة المختلفة، حتى أن رسول الله بقي يدعوا قومه ثلاثة عشر عاماً ، فما آمن معه إلا قليل ، ومعروفه قصته حينما ذهب إلى الطائف ، وأدموا جهلتها قدماه الشريفتان، وفي هذا تذكير للدعاة ، أن الطريق شائك، والأعداء كثير، والشهوات محفوفة بالنار، والجنة محفوفة بالمكاره، والطريق غير ممهد، والقلوب مختلفة، فلا يحسب الداعية أن الدعوة سهلة المنال، ولا أن يتوقف عنها لأن هؤلاء الناس لن يهتدوا لختم الله على قلوبهم، ولكن يجب عليه التحلي أولاً بالعلم الشرعي الصحيح، ثم بالحلم، والصفات العظيمة التي كان يتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يضع في باله أنه يجب على من بلغ أن يهتدي ، كلا الأمر ليس كذلك، ولكن عليه أن يبلغه بالعلم الشرعي، والوسائل المتاحة اليوم ، من وسائل الاتصالات المختلفة، فبالإمكان الآن أن ترسل أي ملف صوتي أو مرئي إلى أي جهة في العالم، ومن أي جهاز حاسوب كان فالدعوة ليست مقصورة في مكان معين ، أو بطريقة واحدة فقط. إننا اليوم نتمتع ولله الحمد بالبرامج الكثيرة، والكتب الموضوعة في شبكة الإنترنت، والتي اختصرت الكثير من الأوقات في البحث ، والتأصيل ، والتخريج، والتفسير ، والترجمة كل ذلك موجود في البرامج الحاسوبية، والمواقع المنتشرة في الإنترنت.
فلا يعني أبداً أن نيأس من دعوة الكفار ، أو تبليغهم ديننا، وتعاليمنا التي ننعم بها ولله الحمد والمنة، لهذا فحري بنا أن نقوم بكل ما بوسعنا القيام به كي تنتشر الدعوة ، وينتشر الإسلام ، والذي أصبحت صورته اليوم مشوهة، وأخبار الناس عنه غريبة وعجيبة، فلقد اقض مضاجع اليهود ، والنصارى الحاقدين ، انتشار الإسلام ، ومعرفة الناس لأسراره، وروحانية النفس في ظلاله، فأغاظهم ذلك ، وحاربوه أشد المحاربة، وشنوا الحملات تلوا الحملات للقضاء عليه ولكنهم لم ولن يستطيعوا فالله عز وجل هو حافظه.
الوقفات
1- الختم على القلوب نعوذ بالله من ذلك يكون بتجمع الذنوب والمعاصي على القلوب حتى تصبح مغطاة بها تماماً ، فلا تقبل موعظة، ولا تهتدي لهدى الله ، ويكون على الكفار نتيجة إعراضهم وشدة جحودهم وعنادهم للحق. ولكن باب التوبة مفتوح للتائبين و التوبة تجب(1) ما قبلها.
2- وجوب الدعوة إلى الله لإقامة الحجة على المدعوين.
3- يجب على المسلم أن يستمع للمواعظ ، والقرآن فكما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، وجلائها كتاب الله).
4- الله عز وجل يختم على القلوب المعرضة عن سبيله، فيجعلها أشد إعراضاً ثم يعذبها نتيجة لذلك.
_____________
(2) الكفر في اللغة هو الغطاء ، أي مغطاة قلوبهم عن إدراك الحق.
(3) صحيح : مسلم (144) .
(1) أي يتجاوز الله عن جميع الذنوب التي قبل التوبة ، وورد في القرآن أن الله يبدل سيئاتهم حسنات.
____________
آيات ووقفات (الحلقة الثالثة عشرة)
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9)
هذه الآية جاءت تعبر عن نفوس غريبة، وأمزجة عجيبة، ظهرت في الساحة الإسلامية، ظهرت في أروقة المكر والمكيدة للنبي وأصحابه، إنها نفوس المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يظهرون حب الله ورسوله ، ويدفنون البغض لدين الله، ولم يكن هذا الصنف معروفاً في مكة ، فكان هناك إما مسلم وإما كافر، أما النفاق فما عرف عن وجوده النبي صلى اله عليه وسلم إلا بعد نزول هذه الآيات ، لكي يستعد رسول الله لمواجهة الأعداء من داخل الصف المسلم نفسه، فهناك من يدعي الإسلام وقلبه أبعد ما يكون عنه، لهذا أظهر الله صفات هؤلاء ، وبينها أيما تبيين ، فهم يقولون (آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) بل هم منافقين ، قال ابن كثير : النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر ، وهو أنواع : اعتقادي ، وهو الذي يخلد صاحبه في النار وعملي وهو من أكبر الذنوب. وهكذا عرفنا كيف أن هؤلاء كانوا يستترون بلا إله إلا الله كي يحموا أنفسهم من القتل ، وإلا فهم أصلاً كفار (يخادعون الله والذين آمنوا ) قال بن كثير أي بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك وأن ذاك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين قال تعالى ( يوم يبعثهم جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون) ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله (وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) يقول : وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون أنفسهم وما يشعرون) ، هذه بعض أوصاف هؤلاء المتمردون على شريعة الله، المبغضين لدين الله ، ولرسول الله عليه الصلاة والسلام، إنهم يريدون أن يخادعوا رسول الله ويظهروا له الإسلام ولكنهم يبطنون الكفر، فيوصفه الله بجهلهم بأنهم يريدون مخادعة الله، وهو العليم سبحانه بذات الصدور، والعليم سبحانه بما توسوس به النفوس، فكيف يظن هؤلاء بربهم ، كيف لا يعظمون الله خصوصاً بعد نزول هذه الآيات التي فضحت أوارهم، وعرت مكائدهم وخداعهم.
الوقفات
1- تقرير حماية الله لرسوله وكشف أحوال المنافقين.
2- سوء الظن بالله عند المنافقين فيحسبون أن بإمكانهم التخطيط، وضرب الإسلام من داخل الصف بدون علم الرسول ، وتغافلوا عن الوحي الموحى للنبي عن طريق جبريل والذي كان يكشف بالآيات كل ما يحاك لضرب المسلمين.
3- الإيمان لا يكون فقط بالكلام، فمن خالف عمله قوله فلا تنفعه قوله الشهادتين، كمن يشد الرحال إلى غير الأماكن التي يشد الرحال إليها، أو يطوف بمكان لم يرد في القرآن أو السنة ما يتعلق بها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى).
4- فضح الله المنافقين ، وأخبر رسوله بأنهم صنف يجالسون الصحابة، ويخالطونهم ، وهم والعياذ بالله كفار لبسوا لباس الإسلام ، وقلوبهم حاقدة على الدين وأهله.
___________
آيات ووقفات (الحلقة الرابعة عشرة)
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذابٌ أليم بما كانوا يكذبون (10) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12)
يضيف الرب سبحانه وتعالى المزيد من الصفات التي اتصف بها المنافقين ، واتسموا بمعالمها، إنها صفات غريبة الطابع، صفات ليست ظاهرة للعيان، إنها صفات داخلية عميقة، صفات تتعلق بقلوب مريضة، شنت الحرب بالتحريض على محمد وحزبه، وبالحقد على الإسلام لضربه من الداخل قبل العدو الخارجي، ولكن هل يهزم من كان الله معه؟ هل يذل من أعزه الله؟ لا والله فما بالك في نبي الله ، ما بالك في نبي الرحمة للبشرية هل يذل أو يخزى ؟ وهو يكشف الله له مخططات المنافقين، هل يذل وهو الذي قال الله فيه (بالمؤمنين رءوف رحيم) ، ولكن هؤلاء المنافقين كانت قلوبهم مريضة ، وأنفسهم معبأة بالحقد والغل، فماذا كان مرضها ؟ هل كان مرض جسدي ؟ قال ابن عباس : (في قلوبهم مرض ) أي شك (1). قال زيد بن أسلم مرض في الدين وليس مرض في الجسد ، وهم المنافقون والمرض الشك، الذي دخلهم في الإسلام فزادهم الله مرضاً، قال تعالى (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون ، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم). إذاً تلك هي الصفة الأولى التي بينها الله عز وجل للمسلمين كي يكونوا على حذر، ويكونوا على بينة من أمرهم، وأن لا تختلط عليهم الأمور، وتنتشر الثقة بكل البشرية، فأمثال هؤلاء يتحينون الفرصة تلوا الفرصة ، للقضاء على الدعوة، وللحيلولة دون قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، ومع ذلك فتراهم يظهرون التقوى، ويظهرون المسكنة، والخشوع رياءً وسمعة، ثم جاءت الصفة الأخرى المتسمة بالثقة الزائدة بالنفس، وإظهار الصلاح ، والله يرصد ويكشف أسرارهم (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) قال سلمان الفارسي رضي الله عنه إن أصحاب هذه الآية لم يظهروا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم. و قال بن عباس رضي الله عنهما أي إنما نريد أن نصلح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. ولكن حقيقة ما يقومون به هو الإفساد بعينه ولكنهم بجهلهم لا يشعرون. قَالَ اِبْن جَرِير فَأَهْل النِّفَاق مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض بِمَعْصِيَتِهِمْ فِيهَا رَبّهمْ وَرُكُوبهمْ فِيهَا مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبه وَتَضْيِيعهمْ فَرَائِضه وَشَكّهمْ فِي دِينه الَّذِي لَا يُقْبَل مِنْ أَحَد عَمَل إِلَّا بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَالْإِيقَان بِحَقِيقَتِهِ وَكَذِبهمْ الْمُؤْمِنِينَ بِدَعْوَاهُمْ غَيْر مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الشَّكّ وَالرَّيْب وَمُظَاهَرَتهمْ أَهْل التَّكْذِيب بِاَللَّهِ وَكُتُبه وَرُسُله عَلَى أَوْلِيَاء اللَّه إِذَا وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا فَذَلِكَ إِفْسَاد الْمُنَافِقِينَ فِي الْأَرْض وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ مُصْلِحُونَ فِيهَا (2).
الوقفات
1- مرض الشك في الإعتقاد مرض خطير، وداء فاتك بالنفس البشرية، قال الشعراوي رحمه الله ، المسلم مقتنع بدينه، والنصراني مقتنع بدينه كذلك، أما المنافق ففي صراع مع نفسه، ففي قلبه بغض الدين وأهله، وظاهره الصلاح والخير، فيظل في صراع ومخافة أن يفتضح أمره.
2- الإصلاح يكون بنشر الخير والمعرفة، و العلم النافع، وليس بالإفساد في الأرض.
3- كشف الله لنفوس المنافقين وقلوبهم المريضة والتي تتباهى في كل زمان ومكان بالتقوى
والصلاح وهي حقيقة كافرة خارجة عن الدين، ويحسبون أن الله غافلاً عنهم.
_______________
(1) من تفسير ابن كثير.
(2) تفسير ابن كثير.
____________
آيات ووقفات (الحلقة الخامسة عشرة)
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13).
ثم بين الله تبارك وتعالى لنا صفة أخرى من صفات المنافقين، وفيها تتجلى الصورة الواضحة لبغضهم ، واستخفافهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واعتبارهم لهم بأنهم ضعفاء العقول، أو كما يقال ضعفاء النفوس يصدقون الناس سريعاً ، ولا يعرفون مصالحهم، لكن المعرضين عن شريعة الله، وعن منهج الإسلام ، فهم في نظرهم القاصر حكماء ، ويميزون الخير من الشر، ويعرفون مقادير الأمور هكذا كانت صفات المنافقين، يقول الله سبحانه( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يعني لماذا لا تؤمنون كما آمن أصحاب رسول الله، لماذا لا تسلمون ، وتتبعوا الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير رحمه الله : وَإِذَا قِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس أَيْ كَإِيمَانِ النَّاس بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَالْجَنَّة وَالنَّار وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَعَنْهُ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله فِي اِمْتِثَال الْأَوَامِر وَتَرْك الزَّوَاجِر ." قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء " يَعْنُونَ - لَعَنَهُمْ اللَّهُ - أَصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس (انتهى). إذاً هؤلاء يرون إلى أتباع محمد بأنهم سفهاء ، وأنهم ضعفاء الرأي ، والأوصاف التي لا تليق بمسلم، فما بالك في صحابي، تلك النفوس المريضة، والتي أزدادت عداوة ، وشراسة ضد الإسلام وأهله ، يحذر الله النبي وأصحابه منها لأنها خطيرة، ومن داخل الصف الإسلامي، فيرد الله عز وجل (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) نعم وأي سفه أشد من أناس يعايشون النبي ، ويجالسونه، ويسمعون منه ، ومن أصحابه الكرام، ولا يتبعون الهدى، وقلوبهم معرضة عنه، فأخبر الله نبيه بمكرهم ، وتكذيبهم والعياذ بالله بالرسالة، ورسول الله يصبر ، ويتعلم من ربه مكر هؤلاء ، ولكنه ألتزم الحكمة، والتزم الصبر من أجل نجاح الدعوة، وبناء الدولة الإسلامية في المدينة، وانتشار الإسلام فيها، فرفض فكرة قتل المنافقين، وكان يعرف أعيانهم، وقادتهم، إلا أنه كان يقول : أتريدون أن يقولوا الناس أن محمداً يقتل أصحابة، أنظر إلى الحكمة، والنظرة المستقبلية للدعوة، كيف سيكون مصير الدعوة إذا سعى المرجفون وما أكثرهم بنشر مثل تلك الحقائق إذا حدثت؟، كيف سيكون مصير الدعوة إذا تمت تلك التصفيات لتلك الفئة الدخيلة على المجتمع الإسلامي، ولكنه صلى الله عليه وسلم ، كان يكفيه أن يستقبل الوحي، ويقرأه على أصحابه، ويتدارسونه بينهم، ويكتفي بذلك من أجل الدعوة الإسلامية.
الوقفات
1- ذكر الله المنافقين بتسفيههم لأحلام الصحابة وتكبرهم على الحق.
2- أفضلية الصحابة على جميع الخلق، وأن السفهاء حقاً هم المنافقون.
___________
آيات ووقفات (الحلقة السادسة عشرة)
وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون(14)
لا يزال السياق القرآني يصف لنا أوصاف نفوس المنافقين ، ويخبرنا أنها نفوس ماكرة خبيثة، فإذا لقوا وقابلوا المؤمنين ، قالوا آمنا ، واتبعنا الهدى، ويقومون بالشعائر الدينية مثلهم تماماً ، ولكن إذا واجهوا سادتهم اليهود والمشركين قالوا لهم مطمئنينهم نحن معكم ، وموالينكم، ومؤيدينكم ، ولكننا نستهزأ ، ونجامل أولئك السفهاء ،ولكن لا تخافون فنحن معكم وسنعاضدكم ، ولن نكون في صف هؤلاء أبداً، تلك هي الصورة الجديدة التي فهمها محمد عليه السلام، وفهم منها أنه أمام مواجهة صفاً خطيراً من ألد الأعداء ، والعقبات الكأداء، إذا أنهم في داخل الصف الإسلامي، ويتحدثون بلغة القوم، ويقرأون القرآن، ويؤدون الأعمال تقية من القتل، ولكن كل ذلك كانت تكشفه الآيات البينات.
إن تلك الصفات الغريبة في المجتمع المدني ، فتحت باباً آخر لحرب الدعوة بإسم الإسلام، وهذه والله من الصعوبة بمكان، حيث الرسول صلى الله عليه وسلم تتنزل عليه تلك الآيات ، وهو صابر بحكمة بالغة، فهو لا يريد أن يفتح جبهة مع بني عقيدته، وهذا قد يجر على الأمة الفتنة في دينهم ودنياهم، ويكون عقبة في نشر الدعوة الإسلامية ، فالناس بطبيعتهم لا تقبل الظلم، ولا سفك الدماء خصوصاً في مثل تلك الظروف العصيبة، فكيف لو سمع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أناس من أصحابه ، فهل ذلك سيخدم الدعوة، هل ذلك سيصدقه الناس خصوصاً في عصور الجهل بدين الإسلام ، هل ذلك العمل سيخدم دين الله أم أنه سيجر الويلات على المجتمع ، ويحول دون دخول الناس في الدين ؟ وهذه خطوة خطيرة لو أقدم عليها الداعية الأول محمد صلى الله عليه وسلم، وحاشاه أن يفعل ذلك فلقد كان قائداً للأمة الإسلامية في الحكم، وفي الميدان، وفي حفر الخندق، وفي الشورى ، وفي كل أمور المسلمين كانت له البصيرة الثاقبة لكل ما تحتاجه دعوته، لذلك كان هو الإمام المنصف ، والنبي المرسل، والمقاتل الشجاع، وإن العبارات حقيقة لا أستطيع أن أوفيه عليه الصلاة والسلام حقه في المدح والتبجيل في هذه العجالة.
إن المنافقين كانوا معرضين عن الدعوة متبعين غير هدى الله، وذلك نزولاً لرغباتهم، وشهواتهم، التي حالت دون وصل قلوبهم للحق، فهم يستهزءون بالمؤمنين ، ويقولون آمنا ومن تلك العبارات التي يعتقدون أنها تنطلي على النبي وأصحابه، ونسوا أن الله معز جنده، وهازم أعداء الدعوة في كل زمان ومكان.
الوقفات:
1- المخادعة والمجاملات على حساب الدين صفة من صفات المنافقين.
2- كشفت الآيات تولي المنافقين لأحبار اليهود والمشركين (شياطينهم).
3- الاستهزاء بالدين وأهله ، وتسفيه عقول الصالحين من طبيعة المنافقين.
___________
آيات ووقفات (الحلقة السابعة عشرة)
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13).
ثم بين الله تبارك وتعالى لنا صفة أخرى من صفات المنافقين، وفيها تتجلى الصورة الواضحة لبغضهم ، واستخفافهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واعتبارهم لهم بأنهم ضعفاء العقول، أو كما يقال ضعفاء النفوس يصدقون الناس سريعاً ، ولا يعرفون مصالحهم، لكن المعرضين عن شريعة الله، وعن منهج الإسلام ، فهم في نظرهم القاصر حكماء ، ويميزون الخير من الشر، ويعرفون مقادير الأمور هكذا كانت صفات المنافقين، يقول الله سبحانه( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يعني لماذا لا تؤمنون كما آمن أصحاب رسول الله، لماذا لا تسلمون ، وتتبعوا الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير رحمه الله : وَإِذَا قِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس أَيْ كَإِيمَانِ النَّاس بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَالْجَنَّة وَالنَّار وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَعَنْهُ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله فِي اِمْتِثَال الْأَوَامِر وَتَرْك الزَّوَاجِر ." قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء " يَعْنُونَ - لَعَنَهُمْ اللَّهُ - أَصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس (انتهى). إذاً هؤلاء يرون إلى أتباع محمد بأنهم سفهاء ، وأنهم ضعفاء الرأي ، والأوصاف التي لا تليق بمسلم، فما بالك في صحابي، تلك النفوس المريضة، والتي أزدادت عداوة ، وشراسة ضد الإسلام وأهله ، يحذر الله النبي وأصحابه منها لأنها خطيرة، ومن داخل الصف الإسلامي، فيرد الله عز وجل (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) نعم وأي سفه أشد من أناس يعايشون النبي ، ويجالسونه، ويسمعون منه ، ومن أصحابه الكرام، ولا يتبعون الهدى، وقلوبهم معرضة عنه، فأخبر الله نبيه بمكرهم ، وتكذيبهم والعياذ بالله بالرسالة، ورسول الله يصبر ، ويتعلم من ربه مكر هؤلاء ، ولكنه ألتزم الحكمة، والتزم الصبر من أجل نجاح الدعوة، وبناء الدولة الإسلامية في المدينة، وانتشار الإسلام فيها، فرفض فكرة قتل المنافقين، وكان يعرف أعيانهم، وقادتهم، إلا أنه كان يقول : أتريدون أن يقولوا الناس أن محمداً يقتل أصحابة، أنظر إلى الحكمة، والنظرة المستقبلية للدعوة، كيف سيكون مصير الدعوة إذا سعى المرجفون وما أكثرهم بنشر مثل تلك الحقائق إذا حدثت؟، كيف سيكون مصير الدعوة إذا تمت تلك التصفيات لتلك الفئة الدخيلة على المجتمع الإسلامي، ولكنه صلى الله عليه وسلم ، كان يكفيه أن يستقبل الوحي، ويقرأه على أصحابه، ويتدارسونه بينهم، ويكتفي بذلك من أجل الدعوة الإسلامية.
الوقفات
1- ذكر الله المنافقين بتسفيههم لأحلام الصحابة وتكبرهم على الحق.
2- أفضلية الصحابة على جميع الخلق، وأن السفهاء حقاً هم المنافقون.
_________
آيات ووقفات (الحلقة السابعة عشرة)
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13).
ثم بين الله تبارك وتعالى لنا صفة أخرى من صفات المنافقين، وفيها تتجلى الصورة الواضحة لبغضهم ، واستخفافهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واعتبارهم لهم بأنهم ضعفاء العقول، أو كما يقال ضعفاء النفوس يصدقون الناس سريعاً ، ولا يعرفون مصالحهم، لكن المعرضين عن شريعة الله، وعن منهج الإسلام ، فهم في نظرهم القاصر حكماء ، ويميزون الخير من الشر، ويعرفون مقادير الأمور هكذا كانت صفات المنافقين، يقول الله سبحانه( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يعني لماذا لا تؤمنون كما آمن أصحاب رسول الله، لماذا لا تسلمون ، وتتبعوا الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير رحمه الله : وَإِذَا قِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس أَيْ كَإِيمَانِ النَّاس بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَالْجَنَّة وَالنَّار وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَعَنْهُ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله فِي اِمْتِثَال الْأَوَامِر وَتَرْك الزَّوَاجِر ." قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء " يَعْنُونَ - لَعَنَهُمْ اللَّهُ - أَصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس (انتهى). إذاً هؤلاء يرون إلى أتباع محمد بأنهم سفهاء ، وأنهم ضعفاء الرأي ، والأوصاف التي لا تليق بمسلم، فما بالك في صحابي، تلك النفوس المريضة، والتي أزدادت عداوة ، وشراسة ضد الإسلام وأهله ، يحذر الله النبي وأصحابه منها لأنها خطيرة، ومن داخل الصف الإسلامي، فيرد الله عز وجل (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) نعم وأي سفه أشد من أناس يعايشون النبي ، ويجالسونه، ويسمعون منه ، ومن أصحابه الكرام، ولا يتبعون الهدى، وقلوبهم معرضة عنه، فأخبر الله نبيه بمكرهم ، وتكذيبهم والعياذ بالله بالرسالة، ورسول الله يصبر ، ويتعلم من ربه مكر هؤلاء ، ولكنه ألتزم الحكمة، والتزم الصبر من أجل نجاح الدعوة، وبناء الدولة الإسلامية في المدينة، وانتشار الإسلام فيها، فرفض فكرة قتل المنافقين، وكان يعرف أعيانهم، وقادتهم، إلا أنه كان يقول : أتريدون أن يقولوا الناس أن محمداً يقتل أصحابة، أنظر إلى الحكمة، والنظرة المستقبلية للدعوة، كيف سيكون مصير الدعوة إذا سعى المرجفون وما أكثرهم بنشر مثل تلك الحقائق إذا حدثت؟، كيف سيكون مصير الدعوة إذا تمت تلك التصفيات لتلك الفئة الدخيلة على المجتمع الإسلامي، ولكنه صلى الله عليه وسلم ، كان يكفيه أن يستقبل الوحي، ويقرأه على أصحابه، ويتدارسونه بينهم، ويكتفي بذلك من أجل الدعوة الإسلامية.
الوقفات
1- ذكر الله المنافقين بتسفيههم لأحلام الصحابة وتكبرهم على الحق.
2- أفضلية الصحابة على جميع الخلق، وأن السفهاء حقاً هم المنافقون.
______________________
آيات ووقفات (الحلقة الثامنة عشرة)
وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون(14)
لا يزال السياق القرآني يصف لنا أوصاف نفوس المنافقين ، ويخبرنا أنها نفوس ماكرة خبيثة، فإذا لقوا وقابلوا المؤمنين ، قالوا آمنا ، واتبعنا الهدى، ويقومون بالشعائر الدينية مثلهم تماماً ، ولكن إذا واجهوا سادتهم اليهود والمشركين قالوا لهم مطمئنيهم نحن معكم ، وموالينكم، ومؤيدينكم ، ولكننا نستهزئ ، ونجامل أولئك السفهاء ،ولكن لا تخافون فنحن معكم وسنعاضدكم ، ولن نكون في صف هؤلاء أبداً، تلك هي الصورة الجديدة التي فهمها محمد عليه السلام، وفهم منها أنه أمام مواجهة صفاً خطيراً من ألد الأعداء ، والعقبات الكأداء، إذا أنهم في داخل الصف الإسلامي، ويتحدثون بلغة القوم، ويقرأون القرآن، ويؤدون الأعمال تقية من القتل، ولكن كل ذلك كانت تكشفه الآيات البينات.
إن تلك الصفات الغريبة في المجتمع المدني ، فتحت باباً آخر لحرب الدعوة بإسم الإسلام، وهذه والله من الصعوبة بمكان، حيث الرسول صلى الله عليه وسلم تتنزل عليه تلك الآيات ، وهو صابر بحكمة بالغة، فهو لا يريد أن يفتح جبهة مع بني عقيدته، وهذا قد يجر على الأمة الفتنة في دينهم ودنياهم، ويكون عقبة في نشر الدعوة الإسلامية ، فالناس بطبيعتهم لا تقبل الظلم، ولا سفك الدماء خصوصاً في مثل تلك الظروف العصيبة، فكيف لو سمع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أناس من أصحابه ، فهل ذلك سيخدم الدعوة، هل ذلك سيصدقه الناس خصوصاً في عصور الجهل بدين الإسلام ، هل ذلك العمل سيخدم دين الله أم أنه سيجر الويلات على المجتمع ، ويحول دون دخول الناس في الدين ؟ وهذه خطوة خطيرة لو أقدم عليها الداعية الأول محمد صلى الله عليه وسلم، وحاشاه أن يفعل ذلك فلقد كان قائداً للأمة الإسلامية في الحكم، وفي الميدان، وفي حفر الخندق، وفي الشورى ، وفي كل أمور المسلمين كانت له البصيرة الثاقبة لكل ما تحتاجه دعوته، لذلك كان هو الإمام المنصف ، والنبي المرسل، والمقاتل الشجاع، وإن العبارات حقيقة لا أستطيع أن أوفيه عليه الصلاة والسلام حقه في المدح والتبجيل في هذه العجالة.
إن المنافقين كانوا معرضين عن الدعوة متبعين غير هدى الله، وذلك نزولاً لرغباتهم، وشهواتهم، التي حالت دون وصل قلوبهم للحق، فهم يستهزءون بالمؤمنين ، ويقولون آمنا ومن تلك العبارات التي يعتقدون أنها تنطلي على النبي وأصحابه، ونسوا أن الله معز جنده، وهازم أعداء الدعوة في كل زمان ومكان.
الوقفات:
1- المخادعة والمجاملات على حساب الدين صفة من صفات المنافقين.
2- كشفت الآيات تولي المنافقين لأحبار اليهود والمشركين (شياطينهم).
3- الاستهزاء بالدين وأهله ، وتسفيه عقول الصالحين من طبيعة المنافقين.
________________
آيات ووقفات (الحلقة التاسعة عشرة)
الله يستهزئُ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون(15) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16)
بعدما وصف الله عز وجل حال المنافقين، وأن ظاهرهم يخالف باطنهم، وأنهم إذا اجتمعوا مع المؤمنين أظهروا الورع، والتقوى، وإذا اجتمعوا بأشرار اليهود والمشركين وسادتهم المنافقين ، قالوا لهم إننا فقط نجاملهم و نسخر منهم، وإلا فإننا معكم ، ولا تخشوا تزحزحنا عنكم أبداً، تلك النفوس المريضة بمرض الشك، وبغض الحق وأهله، أصبحت غارقة في أوحال الضلال، فلم تعد تنفعهم موعظة، ولا توقظ غفلتهم الآيات، فلأنهم يستهزئون بالمؤمنين الصادقين (الله يستهزئ بهم ) قال السعدي رحمه الله : فمن استهزائه سبحانه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والأحوال الخبيثة حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين نوراً ظاهراً، فإذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين، فما أعظم اليأس بعد الطمع (ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم) ، وقوله (يمدهم) أي يزيدهم (في طغيانهم) أي في فجورهم وكفرهم (يعمهون) أي حائرون انتهى . لقد جازاهم الله عز وجل بأن زين لهم باطلهم، وأعمى بصيرتهم، وأفسد مخططاتهم، وأخفض رايتهم، ومزق شملهم، وكشف زيفهم، وتركهم غارقون في فجورهم، غائضة صدورهم، فللمؤمنين النور التام يوم القيامة، ولهؤلاء الظلام والندامة، للمؤمنين السعادة والحبور، وللمنافقين الشقاء والثبور، جزاء لهم على سوء صنيعهم والعياذ بالله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) هذا هو وصفهم بالخسران المبين، فهو كمن دفع أمواله لشراء شيء ثم وجد ذلك الشيء تالفاً، فهو خاسر ، كمن بذل جوهرة وأخذ عنها درهماً ، فبئست التجارة وبئست الصفقة، هكذا حال المنافقين ، استبدلوا الهداية بالضلال، واستحبوا سوء الخلال. قال الطبري رحمه الله : عَنْ ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود مِنْ تَأْوِيلهمَا قَوْله : { اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى } أَخَذُوا الضَّلَالَة وَتَرَكُوا الْهُدَى . وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ كَافِر بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ مُسْتَبْدِل بِالْإِيمَانِ كُفْرًا بِاكْتِسَابِهِ الْكُفْر الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ بَدَلًا مِنْ الْإِيمَان الَّذِي أُمِرَ بِهِ . أَوْ مَا تَسْمَع اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُول فِيمَنْ اكْتَسَبَ كُفْرًا بِهِ مَكَان الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ : { وَمَنْ يَتَبَدَّل الْكُفْر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل } 2 108 وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الشِّرَاء , لِأَنَّ كُلّ مُشْتَرٍ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَسْتَبْدِل مَكَان الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُ مِنْ الْبَدَل آخَر بَدَلًا مِنْهُ , فَكَذَلِكَ الْمُنَافِق وَالْكَافِر اسْتَبْدَلَا بِالْهُدَى الضَّلَالَة وَالنِّفَاق , فَأَضَلَّهُمَا اللَّه وَسَلَبَهُمَا نُور الْهُدَى فَتَرَك جَمِيعهمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ . وعَنْ قَتَادَةَ : { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتهمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } قَدْ وَاَللَّه رَأَيْتُمُوهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْهُدَى إلَى الضَّلَالَة , وَمِنْ الْجَمَاعَة إلَى الْفُرْقَة , وَمِنْ الْأَمْن إلَى الْخَوْف , وَمِنْ السُّنَّة إلَى الْبِدْعَة .
الوقفات
1- بيان أن عدم معاقبة المنافقين حال ظهور نفاقهم كان لزيادة فجورهم وعذابهم في الآخرة.
2- بيان استبدال المنافقين وأخذهم للضلال وترك الهدى وهم أصلاً ليسوا بمؤمنين حتى يستبدلوا الإيمان بالضلال ولكن لعدم أخذهم الهدى أساساً وهو المفترض من الإنسان أخذه اعتبره الله بأن أولئك المنافقون تركوا الهدى واتخذوا الضلال فبئس المكسب.
3- بيان أن تجارة المنافقين خاسرة، وقد ضلوا الطريق القويم.
_________
آيات ووقفات (الحلقة العشرون)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17).صم بكم عمي فهم لا يرجعون (18)
لا يزال الرب سبحانه وتعالى يورد الأوصاف الدونية التي يتصف بها المنافقون، والتي جعلتهم مكشوفين ، مفضوحين أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فشبههم الله في هذه الآية برجل استوقد ناراً لكي يبصر طريقه، ومكانه الذي هو فيه فلما أطمأن لنور ذلك القبس الناري، فإذا به يفقده فجأة ويذهب الله به، فذلك تماماً حال المنافقين الذين رأوا الآيات القرآنية، والبينات والهدى ، فرأوا نور الهداية، ثم انتكسوا وكفروا فعادوا إلى ظلمات الكفر والنفاق(1). أما وصفهم بأنهم (صم بكم عمي ) فكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يسمعون الهدى, ولا يبصرونه ولا يعقلونه. لا حول ولا قوة إلا بالله ، علماً بأن حواسهم موجودة ، ولكن لشدة طغيانهم وتمردهم على أوامر الله ، وبغضهم لما أنزل الله على رسوله، والتآمر على الكيد للرسول وأصحابه ، أفقدهم الله خواص تلك الحواس فلا تسمع الحق ولا تبصره ولا تعقله، مع وجود أدوات الحس ، ولكنهم بسلوكهم المشين استحقوا أن تكتب عليهم الضلالة والعياذ بالله (فهم لا يرجعون ) أي لا يتوبون ولا يعودون إلى الصواب.هذه هي نتيجة الإعراض عن الله، وعن أوامره، والكيد لدين الله أن المرء يحبط الله عمله، ويجعله لا يعد يسمع الحق أو يعقله، إذ إن مدارك الإحساس في عقله تفتقد التمحيص، والتدقيق في الآيات البينات، والهدايات الواضحات ، فلا يستطيع أن يميز ما ينفعه مما يضره، ولا يستطيع أن يعرف أين طريق الحق المبين، إنها والله الحياة المريرة، وخراب السريرة من أولئك المنافقين، فقد حال الله بينهم وبين ادراكاتهم الحسية فلا يستطيعون التوبة ، أو الرجوع إلى الحق ، إلا أن يتوبوا توبة نصوحاً فباب التوبة مفتوح.
الوقفات
1- خطورة النفاق وأنه طريق للهلاك.
2- ضرب الأمثلة والتشبيه في القرآن أسلوب تربوي من الله عز وجل يقرب الفكرة للأذهان.
3- إذا أصبح الإنسان لا يؤمن بالآيات الواضحات والمعجزات البيَّنات، ولا يستطيع أن يميز عقله ويتمعن في تلك الأمور فإن ذلك يعني أن الختم على القلوب قد بلغ مبلغه.
_________
(1) تفسير الطبري
____________
آيات ووقفات (الحلقة الواحدة والعشرون)
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19) يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير(20)
وهذه صورة أخرى يوضح فيها الرب معالم تلك النفوس التي تمردت على دين الله ، وتنكرت للهدي الرباني ، وتنكرت لأمة محمد ، فضلت عن الطريق القويم ، إنها في ترددها ، وشكها. يذكر الله عز وجل المنافقين في هذه الآية كأنهم مجموعة رجال يمشون في ليلة ظلماء ممطرة فالصيب هو المطر، والرعد هو ملك من الملائكة يزجر السحب (1).أما البرق فكما قال الطبري هي مخاريق بأيدي الملائكة يزجرون بها السحب (2). والمقصود أن حال المنافقين حينما يسمعون القرآن يضعون أصابعهم في آذانهم لأنهم ينزعجون من وعده ووعيده، فكأنهم يشبهون الرجل الذي أمطرت السماء وهو يمشي في الظلمات ويضع أصابعه في أذنيه خشية الموت،وإذا أنار البرق له الطريق مشى فيه ، وإذا أظلم عيه وقف فيرجوا السلامة من ذلك ، أما المنافقون فلا يحسبون أنهم ناجون من عذاب الله لأنه سبحانه محيط بهم ، ولا يستطيعون فكاك أنفسهم من عذابه وغضبه، وفي هذه الآية أشد الوعيد للمنافقين ومن سار على دربهم ، بأنهم لن يعجزوا الله ، والله سيحاسبهم في الدنيا والآخرة، فكأن البرق هو الإيمان والإقرار الذي أقروه بألسنتهم بالله وبرسوله ، يخطف أبصارهم يأخذها من شدة لميعة ، كلما أضاء لهم مشوا فيه ، أي إنهم في إيمانهم يراعون مصالحهم فحسب فيريدون النصرة، والغنائم الدنيوية، فكأن قوله يمشون فيه أي البرق أي يواصلون إيمانهم حينما تكون الأمور في مصالحهم ، وإذا أظلم عليهم قاموا أي توقفوا مكانهم كذلك الماشي في ظلمة الليل والمطر ، وفي هذا دلالة على أن المنافقين إذا فقدوا أو توقفت أمورهم ومصالحهم الدنيوية يتوقفون تماماً كذلك الماشي في الظلمة الذي افتقد لميع البرق فهو متحير في طريقه ، وأولئك متحيرون في ضلالتهم وغيهم فيفتقدون المنهج الصحيح الذي ينبغي إتباعه، ثم جاء التهديد في قوله ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ، أي يستطيع الرب سبحانه وتعالى لو شاء أن يفقدهم حواسهم السمعية والبصرية (إن الله على كل شيء قدير ) أي قادر سبحانه على فعل كل شيء ،" وفي هذا رد على القدرية الذين يرون أن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى ، لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله تعالى (إن الله على كل شيء قدير)"(1).
الوقفات
1- تشبيه المنافقين في إيمانهم كأنهم يتتبعون المصالح فقط.
2- إيمان المنافقين يدور حول مصالحهم قال تعالى ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإذا أصابه خير أطمأن به).
3- ذكر الله مثل الماشي في ظلمات الليل والمطر كمثل إيمان المنافق فإذا رأى البرق وهي مصالحه الإيمانية من غنائم وغيرها مشى واتبع، وإذا أظلم وتعارضت أمور الدين مع مصالحه توقف كالماشي فاحتار في أي منهج يسير.
______________
(1) من كلام الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله.
_________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثانية والعشرون)
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون(21) الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون (22).
في هذه الآية أمر عام للناس بعبادة الله الرب العظيم، فذلك المنهج القويم، والصراط المستقيم، فلا تكون العبادة لأحد غيره، ولا لرب سواه، والل ه عز وجل يذكرنا في هذه الآية انه سبحانه وتعالى هو خالقنا، وخالق من قبلنا ، فهذه منة منه سبحانه وتعالى، الذي أوجدنا من العدم، وجعل في أجسادنا ارواح تقر وتعترف بأن خالقها هو الله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه إما يهودانه ، أو يمجسانه ، أو ينصرانه) أي أن الله عز وجل يضع الفطرة في عباده وهي التوحيد، ولكنه ينحرف بانحراف والديه عن الفطرة فوالداه هما اللذان يجعلانه نصرانياً أو يهودياً ، أو مجوسياً ، وإلا فالأصل فهو مسلم، فنحمد الله عز وجل أن خلقنا مسلمين موحدين لله تبارك وتعالى. وجاءت هذه الآيات بعدما ذكر سبحانه الختم على قلوب المنافقين وتشبيههم بالماشي في الظلمة والذي فقد منهجه فتارة يؤمن المنافق كإضاة البرق للماشي في ظلمة الليل والمطر ، وتارة يعود لضلاله وشكه كالماشي حينما يفقد البرق ،فيذكر الله البشرية جمعاء بأن تعبده وحده فهو خالقهم ومن قبلهم ، وهو خالق حجارتهم التي يعبدونها من دون الله ، ولا تضرهم ولا تنفعهم، فكيف يعبدونها ويتركون عبادة الله الواحد الأحد سبحانه وتعالى (لعلكم تتقون) أي تنجون منم عذابه وسخطه. ثم منَّ سبحانه وتعالى على عباده بأنه وحده هو الذي جعل الأرض للبشرية مفروشة ممهدة سهلة وخاصة بالعيش فلا حياة على أي كوكب آخر إلا هي لقوله تعالى (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) وقوله (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) فليت شركة ناسا وغيرها أن يوفروا ملايينهم التي ينفقونها على مشاريع ستبوء بالفشل لأن ليس هناك حياة إلا على هذا الكوكب الأرض ، فلوا صرفوا تلك الأموال لمعالجة المرضى، أو إغاثة الفقراء في العالم لكان أولى من ضياعها في شيء ورد فيه دليل بعدم صحة حياة للبشر في غير الأرض. وقال سبحانه (والسماء بناءً) السماء كل ما علا فوق الإنسان فهو سماء ، وقال المفسرون هي السحاب (وأنزل من السماء ماءً) أي غيثاً ، وإلا فالمطر عادة يذكر مع المصائب كقوله تعالى (فأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين) وعندما نصح نوح عليه السلام قومه قال (يرسل السماء عليكم مدراراً ) فلم يقل تمطر عليكم السماء والله أعلم. (فأخرج به من الثمرات) الحبوب والثمار من النخيل والفواكه وغيرها، وهي من أرزاق الله علينا نحمده سبحانه ونشكره، (فلا تجعلوا لله أنداداً) أي لا تجعلوا له أشباهاً تعبدونهم ، وتتقربون إليهم بالقرابين والعياذ بالله من ذلك، فكم من تلك المشاهد والمزارات في العالم الإسلامي ، حينما انتشرت البدع والضلالات ، فهناك من يستغيث بالأموات ، ويشد الرحال إلى المقابر والمزارات فأشركوا بالله آلهة أخرى وجعلوا له أشباهاً وآلهة أخرى مع الرب سبحانه، فنعوذ بالله من العمى بعد الهدى،(وأنتم تعلمون)" أن ليس لله شريك ولا نظير ، لا في الخلق ، ولا في الرزق، ولا في التدبير ، ولا في العبادة، فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك "؟(1).
الوقفات
1- بيان أن العبادة لا تصرف إلا للرب سبحانه وتعالى.
2- الله عز وجل له الفضل سبحانه بإيجادنا من العدم ، ولكن ذلك لم يكن للعبث بل للعبادة قال تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون).
3- تذكير الله لعباده بالنعم فذلك يجدد الشكر الله على نعمة ويجدد الإيمان في القلب.
__________
(1) من كلام الشيخ السعدي (بتصرف).
_________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثالثة والعشرون)
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24)
يخاطب الله في هذه الآيات الكفار، وهو يذكرهم ويعلمهم أنه سبحانه وتعالى أرسل رسوله محمد إليها، وأنه سيكون في إتباعه الخير الكثير ، ومعصيته سبباً لدخول جهنم والعياذ بالله، وهذا تهديد شديد، ووعد ووعيد، من الحميد المجيد، (وإن كنتم في ريب ) أي هل تشكون في أن ما أنزل على محمد ليس من عند الله، وليس وحي أوحاه الله إليه ، وإن كنتم تدعون أن هذا كلام أكتتبه ، (فأتوا بسورة من مثله) أي اكتبوا من العربية ، فأنتم أهل الشعر والفصاحة، فاجمعوا الحروف وأتوا بسورة واحدة فقط، وهذا تعجيز من الله فلن يستطيعوا ذلك أبداً، وكذلك اجتمعوا مع أعوانكم ، وشهدائكم إن صدقتم أنهم آلهة لكم من دون الله ، قال ابن كثير: " وقال مجاهد وادعوا شهداءكم قال ناس يشهدون به يعني حكام الفصحاء وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن فقال في سورة القصص " قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين " وقال في سورة الإسراء " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " وقال في سورة هود " أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" وقال في سورة يونس " وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " وكل هذه الآيات مكية ثم تحداهم بذلك أيضا في المدينة فقال في هذه الآية " وإن كنتم في ريب " أي شك " مما نزلنا على عبدنا " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم " فأتوا بسورة من مثله " يعني من مثل القرآن قاله مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير والطبري والزمخشري والرازي .
ثم قال تعالى ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) وهذا في تحدٍ كبير من الله عز وجل منزل الكتاب لأولئك المكذبين بأنهم لن يستطيعوا الإتيان بسورة مثل هذا القرآن، فإذا كان الحال كذلك (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) وهذه لمحة ربانية رحيمة ، ودعوة لتلك النفوس المتكبرة ، لعلها تعود إلى الرشد، وتتوق إلى الخلد، في جنة الله ، وتخشى نار الله التي حطبها ووقودها الناس ، "والمراد بالحجارة هي هاهنا حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة وهي أشد الأحجار حرا إذا حميت أجارنا الله منها"(1) . هذا هو التخويف القرآني، والآيات المحركة لكوامن الخشية في القلوب ، ومزعزة كبرياء النفوس، والتي يتفكر فيها يدرك مدى خطورة الإعراض عن منهج الله ، ويعلم علم اليقين ان هذا كلام رب العزة والجلال يهدد فيه من أعرض عن منهج الله، فيحدد الله عز وجل أن تلك النار على عظمتها، وهول حرارتها ، معدة ومهيأة للكافرين المعاندين لدين الله.
الوقفات
1- وجوب اليقين التام بأن هذا القرآن منزل من عند الله عن طريق جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
2- الإعجاز اللغوي البلاغي التام للقرآن واستحالة الإتيان ولو بسورة من مثله لأنه كلام الرب تبارك وتعالى.
3- إثبات وجود نار جهنم أجارنا الله منها، وإعدادها للكافرين كي تكون نزلاً لهم.
_________
(1) من كلام الإمام أبن كثير رحمه الله.
___________
آيات ووقفات (الحلقة الرابعة والعشرون)
وبشر الذين آمنوا أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (25)
عندما ذكر الله عز وجل صفات الكافرين ، والمنافقين ، وأحوالهم ومصيرهم الذي سيئولون إليه ، وتهديدهم بأن مصيرهم للنار إن لم يتبعوا دين الإسلام ، وستكون جهنم المعدَّة لأمثالهم هي دارهم ونزلهم والعياذ بالله من ذلك، تلك الصورة المرعبة لأولئك المتمردين على منهج الله هي ومآلهم زرعت في القلوب المؤمنة مخافة الله، والتعوذ من مصير أولئك الكفار، وحفزت همم المؤمنين للعدول عن كل ما يغضب الله للنجاة من النار، لأن قلوبهم حية تشعر وتستشف وعد الله ووعيده، لذلك فإن الله عز وجل يذكر في كتابه العزيز ، حال الكفار ثم يعقب عليه بحال المؤمنين المتقين، أو العكس، وهذا معنى تسمية القرآن مثاني*، لكي يختار الإنسان السلوك، والعمل الذي يريده (إما شاكراً وإما كفوراً) لذلك أتت هذه الآية لتزيد من يقين وطمع المؤمنين برحمة الله ، والوصول إلى رضاه عز وجل ودخول جنته، فقال سبحانه ( وبشر الذين آمنوا) أي بشرهم يا محمد ، وأخبرهم بطريقة تبشيرية لتفرح بها قلوبهم، وأن أعمالهم لا تضيع عند الله عز وجل (إن الله لا يضيع أجر المحسنين) وأخبرهم بأن الجنة معدَّة ومهيأة للمؤمنين المتبعين لمنهج الله ورسوله، (أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي تجري الأنهار من تحت أشجارها، وهي أنهار الماء ، واللبن، والعسل ، والخمر، وقد جاء في الحديث ( ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) ، ففهيا كل ما تحبه النفس ، وتتوق إليه ، فما يتمنون في هذه الآية سيرونه عياناً بياناً، وصدقاً في الدار الآخرة إن هم رضي الله عنهم ورحمهم، (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أي يرون الفاكهة التي في الجنة فيعرفون أنها تشابه التي كانت في الدنيا، قال عكرمة : وأتوا به متشابها " قال : يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب ،وقوله تعالى " ولهم فيها أزواج مطهرة " قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس مطهرة من القذر والأذى. وقال مجاهد من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد وقال قتادة مطهرة من الأذى والمأثم (1). وهذا يبين لنا كيف تلك الآلاء العظيمة التي يتمتع بها المسلم في جنة الله ، وكيف أن الله عز وجل يوفر لهم كل ما تشتهيه أنفسهم، سواء الروحية ، أو الجسدية، فجمال الخضرة ، والأنهار ، والفواكه، والزوجات، والمأكل والمشرب، وكل ماتتمناه النفس موجود، فيا من أغرق نفسه في شهوات الدنيا ، يا من نسيت الآخرة ونعيمها، وغرقت في المعاصي والآثام ، يا من أردت حياة قصيرة، وتناسيت حياة دائمة خالدة، متى تستيقظ وتعود إلى رشدك، متى تترك جميع ما يغضب الله من كبائر أو صغائر ، متى تعرف أن الجنة للمعرضين عن الحرام، فهلا صحوت من غفلتك، هلا عرفت أن الحق واضح ناصع وأن الباطل مزين من شياطين الإنس والجن، نسأل الله أن يشملنا برحمته وعفوه، لهذا فإن هذه الآية فيها دعوة عظيمة لإيقاظ القلوب الغافلة عن تلك النعم التي لا يشابهها نعم في الحياة الدنيا فقد جاء في الحديث ( يغمس أنعم أهل الأرض في النار غمسه فيقول له الرب هل ذقن نعيم قط، فقال لا وعزتك يارب ، ويؤتى بأشقى أهل الأرض فيغمس في الجنة غمسه فيقول له الرب هل ذقت شقاءً قط قال لا وعزتك يارب ) ، ثم قال سبحانه وتعالى (وهم فيها خالدون) أي مخلدون إلى الأبد ولا يخرجون منها ويحل عليهم رضا الرب سبحانه فلا يغضب عليهم أبداً.
الوقفات
1- تبشير المؤمنين بالجنة ونعيمها فيه الحث على فعل الصالحات.
2- ما في الجنة لا يشابه الذي في الدنيا إلا بالمسميات فقط وإلا ففي الجنة يختلف كل شيء في جماله وفضله.
3- الخلود التام في الجنة وتذكر ذلك يجعل المسلم يستحقر هذه الدنيا القصيرة فيعرض عنها وعن ارتكاب المعاصي والآثام كي لا يتردى في جهنم أعاذنا الله والمؤمنين منها.
آيات ووقفات (الحلقة الخامسة والعشرون)
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين (26)
إن الله عز وجل يعلمنا في هذه الآية كيف يكون الأسلوب في تعليم الناس، بضرب الأمثلة، وتبسيط الأمور، وشرحها كي يتفهمها الناس، فالله عز وجل يرد في هذه الآية على من أنكر كيف أن الله يذكر ألأمثال في الأشياء قليلة الشأن، وليس الأمر يقتضي الإنكار بل هذا من التربية الربانية، وحسن التعليم الرباني لعباده، فما علينا إلا التسليم والقبول لذلك (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) المؤمنين يقرون، ويعترفون بمراد الله ، ومشيئته ، ويتفهمون مقاصده ، وتعليمه لهم.
وفي المقابل ينكر الله عز وجل على أفعال الكفار، وأقوالهم حيث قالوا (ماذا أراد الله بهذا مثلاً) فيزدادون بذلك الإعتراض كفرا، وبعداً عن منهج الله، والمؤمنين يزدادون إيماناً وقرباً لله. فإن علم المؤمنين ما تضمنته الآيات ، والأمثلة المذكورة فيها ، أزدادوا إيماناً ، وإن لم يعلموا مقصد الله فيها، وخفي عليهم ذلك أيقنوا بأن الله لم يضرب تلك الأمثال عبثاً، بل لحكمة أرادها سبحانه وتعالى.
فعلى العبد أن يسلم لله أموره، ويضبط سلوكياته على المنهج الذي يريده سبحانه وتعالى، وأن يخضع لأوامر الله ، ويجعل في قرارة نفسه أن الله لم يضرب تلك الأمثال إلا لحكمة بالغة، ولكنه سبحانه يضل المعرضين عن منهجه ، المعاندين لشرعه ، وذلك بعدله سبحانه وتعالى(وما يضل به إلا الفاسقين ) المعاندين لله ، والذين صار الفسق صفة من صفاتهم التي يتصفون بها. قال السعدي رحمه الله : الفسق نوعان: مخرج من الدين كالمذكور في هذه الآية، وغير مخرج من الدين كالذي جاء في قوله (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
الوقفات
1- الله يضرب الأمثال لتقريب المعاني في عقول البشر ليفهموا مقاصد الله.
2- وجوب الرضوخ لأوامر الرب تبارك وتعالى.
3- الضلال لا يكون إلا على من استحقه ممن تمرد وعصى أوامر الله ، إلا أن يتوب.
_____________
آيات ووقفات (الحلقة السادسة والعشرون)
الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27)
عندما علمنا ربنا سبحانه وتعالى وجوب التسليم ، والقبول لما يذكره من أمثال، وأنه لم يذكرها عبثاً سواء عرفنا مقاصده فيها ، أم لم نعرف وذلك لحكمة يريدها سبحانه وتعالى، فلعلنا فهمنا كيف نتأدب مع الآيات ، ونقر بأن ربنا سبحانه وتعالى يريد تقريب الأفكار ، والمعاني من أذهاننا كي يزداد إيماننا ، وبذلك تزيد أعمالنا الصالحة، ثم أوضح سبحانه وتعالى كيف يضل الفاسقين ، وفي هذه الآية وصف لأولئك الفاسقين (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) أعوذ بالله ، هذه زلة شنيعة، لأنفس وضيعة، وقلوب معرضة عن الحق ، مقبلة على الباطل، لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً. أولئك القوم ينقضون ما عاهدوا الله عليه سواء كان ميثاقاً بينهم وبين الله سبحانه، أو بينهم وبين الناس، فهم ينقضون عهدهم مع الله بارتكاب الجرائم، والآثام وهم منهيون عن ذلك، وكذلك ينقضون مواثيقهم مع الخلق، وهكذا نعرف كيف أن نقض المواثيق صفة من صفات الفسقة ، وسمة لا يتخلون عنها والعياذ بالله ثم جاءت الصفة الثانية وهي لا تقل عن الأولى وهي (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) هذه لمحة أخرى حول سمات الفسقة أنهم يقطعون صلتهم بكل ما أمر الله بوصاله، فيقطعون صلتهم بالله عز وجل، وصلتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم من إيمان به، ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وكذلك يقطعون صلتهم بوالديهم وأقاربهم، وكان حالهم إلى الخسارة والبوار (أولئك هم الخاسرون) أي في الدنيا والآخرة.
الوقفات
1- الفسق شأنه خطير.
2- تحريم نقض العهد ، وقطع الصلة بين العباد وخالقهم، أو بينهم وبين أقاربهم.
3- تقرير الخسران العظيم لمن خالف أمر الله.
___________
آيات ووقفات (الحلقة السابعة والعشرون)
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)
يريد الله بهذا الإستفهام ، التوبيخي لهؤلاء الناس أن يضعهم في أمر لا مناص منه، وهو أنه المتصرف في شئون خلقه، فهو الذي خلقهم من العدم، ثم بعد تلك الحياة موت وبعث وحساب، هل بعد هذه الآيات يكفر الناس ،هل بعد هذه الآيات يبقى كفر، وقد بين الله لهم في هذه الآيات أنه هو من أوجدهم، وأطعمهم وسقاهم، وأرسل لهم الرسل تترا، وبين لهم ما ينفعهم مما يضرهم ، ثم بعث بمحمد صلى الله عليه وسلم مبشراً ونذيراً، ومع ذلك يكفرون بالرسالة النبوية ، وكما عرفنا في الآية السابقة كفرهم، ونقضهم للمواثيق الربانية، فكيف بالمواثيق البشرية، إننا اليوم نعاني من الطغمة الصهيونية التي تحاربنا باسم الدين ، ونحن نحارب باسم التراب، وباسم الوطن، وباسم العروبة، فماذا كانت النتيجة، هزمت الأمة ، واستأسد الجبناء ، واحتلت الأراضي، وعندما رفعت شعارات التوحيد في فلسطين، وتحركت الأيدي المتوضئة، والقلوب الخاشعة، والأفئدة المطمئنة بنصر الله، وعندما تغلغلت الروح الإيمانية في أجساد الشعب الفلسطيني، ظهرت الكرامات، وعرفت الأمة الإسلامية مدى جبن وضعف الجندي الصهيوني المجهز بأفتك الأسلحة، والمدرَّب أحسن تدريب ، ولكن الاعتماد في ظروف المواجهات على ثبات القلوب على الإيمان، والصدق مع الله، والرغبة في لقائه، هكذا تربت الأمة المسلمة في فلسطين، وهكذا جاء الجيل المنشود، وتربع على عرش البطولة والسؤدد، وعرفت الجيوش العربية أنها بعيدة كل البعد عما تحمله قلوب ذلك الجيل من التضحية، والفداء ونصرة دين الأمة، والذود عن حياضه.
الوقفات
1- إثبات خلق الله لهذه البشرية.
2- إثبات الحياة بعد الموت.
3- إثبات المآب إلى الله والحساب في يوم القيامة.
_______________
آيات ووقفات (الحلقة الثامنة والعشرون)
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) )
بعدما أنكر الله عز وجل سفه من يكفر به ويجحد وجوده، أو يشرك معه آلهة أخرى ، لا تضر ولا تنفع، ولا تغني عنه شيئاً، وما ذلك كله إلا تنكر للرب سبحانه وتعالى الموجد للجميع من العدم، وبعدما ذكرهم بأن مصير الجميع إليه سبحانه وتعالى ذكرهم في هذه الآية بشيء أعظم من ذلك ، وهو خلق السموات والأرض فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) ويذكرنا بأن كل ما خلقه على هذه الأرض ، هيأه لنا ، ولمصالحنا إلا ما حرمه علينا فهو مستثنى في هذه الآية مثل الخبائث من الشراب والأكل وغيرها، (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) قال ابن كثير رحمه الله : أي قصد إلى السماء والاستواء هاهنا مضمن معنى القصد والإقبال لأنه عدي بإلى فسواهن أي فخلق السماء سبعا والسماء هاهنا اسم جنس (انتهى) ، ثم قال (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي أحاط علمه بكل شيء سبحانه وتعالى.
الوقفات
1- إثبات أن الأرض هي الكوكب الوحيد المهيأ والمعد للحياة الدنيوية.
2- إثبات خلق الله للسموات ، وأنها سبع سموات.
3- إثبات إحاطة علم الله بكل شيء.
_____________________
آيات ووقفات ( الحلقة التاسعة والعشرون)
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) )
يخبرنا الله عز وجل كيف كانت بداية خلق أبينا آدم عليه السلام، وكيف كان استغراب الملائكة من ذلك الأمر ، وهم قد رأوا ما يفعله الجن في الأرض لأنهم سبقوا الإنس في العيش في الأرض بفترات زمنية طويلة، قيل ألفي سنه (1) فرأوا مفاسد الجن ، وسفكهم للدماء فقارنوا هذا الجنس الجديد بأولئك، فرد عليهم الله بأنه يعلم سبحانه ما لا يعلمون ، قال بن كثير رحمه الله : " أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم.وهكذا علمنا أن قوله خليفة أي يخلف من قبله ممن سكن الأرض من الجن، ويأتمر بأمر الله عز وجل ويعيش في ظل شريعة الله، قال الطبري رحمه الله :" فقال : { إني أعلم ما لا تعلمون } يقول : إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره(2) , قال : ثم أمر بتربة آدم فرفعت , فخلق الله آدم من طين لازب - واللازب : اللزج الصلب من حمأ مسنون - منتن . قال : وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب . قال : فخلق منه آدم بيده .قال فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى , فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل - أي فيصوت - قال : فهو قول الله : { من صلصال كالفخار } يقول : كالشيء المنفوخ الذي ليس بمصمت , قال : ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره , ويدخل من دبره ويخرج من فيه , ثم يقول : لست شيئا ! للصلصلة , ولشيء ما خلقت ! لئن سلطت عليك لأهلكنك , ولئن سلطت علي لأعصينك . قال : فلما نفخ الله فيه من روحه , أتت النفخة من قبل رأسه , فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما ودما ، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده, فأعجبه ما رأى من حسنه, فذهب لينهض فلم يقدر, فهو قول الله: { وكان الإنسان عجولا } ، قال: ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء. قال: فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال: الحمد لله رب العالمين, بإلهام من الله تعالى . فقال الله له : يرحمك الله يا آدم . قال : ثم قال الله للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات : اسجدوا لآدم ! فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر لما كان حدث به نفسه من كبره واغتراره , فقال : لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا , خلقتني من نار وخلقته من طين . يقول : إن النار أقوى من الطين . قال : فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله , وآيسه من الخير كله , وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته".
الوقفات
1- إثبات كلام الله عز وجل.
2- إثبات علم الله لغيب السموات والأرض وكل شيء.
3- إثبات حكمة الله عز وجل في الخلق ووجوب التسليم بذلك.
4- إثبات كفر إبليس وتمرده على أوامر الله.
_________________
(1) وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا على بن محمد الطنافسي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال : كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فبعث الله جندا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوا بجزائر البحور فقال الله للملائكة : " إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " قال : إني أعلم ما لا تعلمون . (تفسير ابن كثير).
(2) عندما قاتل هو والملائكة الجن ، أغتر وأطلع الله على كبريائه ، فهو يعلم سبحانه ما لا تعلمه الملائكة.
______________________
آيات ووقفات (الحلقة الثلاثون)
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون(33) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (34)
يخبرنا الله عز وجل في هذه الآيات كيف كانت بدايات تعليم آدم ، وكيف كان إبداع الخالق ، وإحكام صنيعه، كيف جعل له عقلاً يحفظ، ويفهم، ويعرف، ويبصر، ويسمع، ويدرك، كيف كان كل ذلك في جسد خلقه الله من طين، ثم خلق فيه روحاً تحوي كل تلك الحواس، فعلمه الله سبحانه وتعالى الأسماء كلها ، وحفظه إياها ، ثم سأل الملائكة عن أسماء تلك المسميات، فنفوا علمهم بذلك ولم يعرفوها ، فلما أمر الله سبحانه آدم عليه السلام أن يخبرهم بها ، فأخبرهم بأسمائها ، فازدادوا يقيناً وعلماً بإبداع صنيع المولى عز وجل في ذلك المخلوق ، وعظم خلقه، ثم أخبرهم الله بصيغة السؤال ألم أخبركم أنني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تظهرونه من أعمال وأقوال وما تكنه صدوركم، وبعدها جاءت في الآية كيف أن الله عز وجل أمرهم بالسجود لآدم فخروا سجداً إلا إبليس رفض ذلك الأمر كبراً واستعلاء فكفر بذلك العمل والعياذ بالله.
الوقفات
1- بيان أن العلم أساس لكل خير وبه يعرف الإنسان مصالحه.
2- بيان علم الله وأنه أحاط بكل شيء علماً.
3- كفر إبليس ورفضه للسجود كبراً.
___________
آيات ووقفات ( الحلقة الواحدة والثلاثون)
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين (35))
بعدما أمر الله عز وجل الملائكة للسجود لآدم رفض إبليس ذلك، وتبين كفره فغضب الله عليه ولعنه، وأعتبره من الكافرين، سيتبين لنا ذلك في السور التالية إن شاء الله. ذكر الله عز وجل في هذه الآية زوجة آدم وهي حواء ، وقد خلقها الله من أحد أضلاعه لكي يسكن إليها، وتسكن إليه أي يأنسون ببعض، ووضعهما في الجنة ، واخبرهما سبحانه وتعالى أن لهما كمال الحرية في التنعم بما في الجنة إلا شجرة واحدة والله أعلم ما تلك الشجرة؟ أمرهما أن لا يقرباها، وإن فعلا ذلك سيصبحان من الظالمين لأنفسهما المعتدين عليها لعصيانهم لربهم ، مما يستدعي غضبه عليهما، وكان ذلك إختباراً ، وامتحاناً لهما ، ومن هنا يتبين كيف أن الله سن سنة الابتلاء على بني آدم، وجعلها محور أساسي يتبين له من هم الصابرون من عباده، ومن هم الكاذبون قال تعالى (آلم ، أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) فالابتلاء سنة ربانية يمحص فيها الخلق، فمنهم من يثبت إيمانه ، ومنهم من يتزعزع، ومنهم من ينخرط في صفوف أعداء الأمة المحمدية كالباطنيين، والمنافقين، وما هذه الحروب بين ذرية آدم إلا ابتلاءات،وتدافع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر ، هذه الابتلاءت لتمييز الصف الإسلامي، والوقوف بثبات تجاه ثوابت الأمة، والتصدي للمتغيرات الهادمة لكيانها، فهل سينجح آدم وحواء تجاه ذلك الامتحان اليسير الذي منعهما من الاقتراب من تلك الشجرة في الآية التالية سيتبين الأمر إن شاء الله.
الوقفات
1- بيان خلق حواء وسميت حواء لأنها مخلوقة من حي (آدم).
2- الابتلاء لاختبار العباد سنة ربانية.
3- ظلم النفس هو إغراقها بالذنوب المهلكة لها دنيا وآخرة.
____________
آيات ووقفات (الحلقة الثانية والثلاثون)
(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (36))
عندما عصى إبليس ربه بعدم سجوده، وطرده من رحمته، حقد على آدم وحواء ، ونذر نفسه واقسم بالله أنه ليضل آدم وذريته عن صراط الله المستقيم، كما جاء في سورة النساء ، فوسوس لهما وجعلهما يقتربان من تلك الشجرة بعدما أغراهما بتحسين المعصية، فالحق واضحاً ناصعاً طيباً، أما الباطل فيزينه الشيطان للإنسان ، ويجعله في عيون الناس شيئاً عظيماً، وما أهلك الأمم السابقة إلا تنافسها على متاع قليل، فلما دخل حب الدنيا قلوبهم، تقاتلوا من أجلها، وأزهقت الأرواح في حروب اسرت في الواقع إبليس لأنه عدو البشرية، فكانت مثلاً حرب البسوس ، وهي ناقة فازت في سباق، فكانت الحرب بين قبيلتين استمرت أربعين سنة، أرأيت كيف فعل إبليس بذرية آدم ، وغيرها كثير ، ولكن هنا يغوي إبليس أبونا آدم وأمنا حواء ، فيغترا بكلامه ويقتربا من الشجرة ، ويرتكبا الزلل ، وهو الإثم الذي حذرهما الله من فعله، فكانت النتيجة أن أهبطهم جميعاً إلى الأرض ، وأخبرهم بأن لهم في الأرض حياة (1)، ومستقر مؤقت وبعدها سيعودون إلى ربهم ويحاسبهم على أعمالهم.
الوقفات
1- الشيطان وراء تزيين الإثم عند الإنسان ، وهو مصدر الزلل.
2- إثبات العداوة من إبليس وذريته لآدم وذريته (2).
3- الحياة الدنيوية لا تكون على أي كوكب غير الأرض لأنه هو فقط المهيأ للحياة.
_________________
(1) هذا دليل قاطع على أن الأرض هي الكوكب الوحيد المهيأ للحياة عليه، وليت مؤسسات الفضاء الذين أهدروا المليارات ليثبتوا أن فوق المريخ ، أو غيره حياة يفهموا هذه الآية جيداً ، ويعطوا شعوبهم جزءاً يسيراً من تلك الأموال فهم أحق بها من أن تضيع هدراً على شيء مستحيل.
(2) ورد في كتاب أظنه الصارم البتار ، أن الساحر يتقرب للشيطان ويسجد له، ويأمره الشيطان بالذبح له ، فإن كانت الذبيحة آدمي اشتد سحره ، وزاد قربة لإبليس أعوذ بالله منهم وممن تعاون معهم.
_____________________
آيات ووقفات (الثالثة والثلاثون)
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41). وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42).
ثم أمر الله عز وجل أهل الكتب السماوية التوراة والإنجيل من اليهود وخصهم في هذه الآية لأنهم هم المعنيون بالإيمان التام بما أنزل على محمد وهو القرآن الكريم، ثم حذرهم أن لا يكونوا أول كافر به ، لأنهم ليس لديهم عذر من جهل أو غيره لأن هذا القرآن مصدق لما عندهم من التوراة والإنجيل ، فكيف يتولون عن أوامر الله ، ويكذبون ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك مذكور عندهم في كتبهم ، ثم قال ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً أي لا تستعيضون الدنيا بدلاً من آياتي ، ثم جاء التذكير الآخر في قوله تعالى وإياي فاتقون ، فلا يخيفكم أحد إذا خفتم من الله عز وجل ومن الذي يضع الآمان في القلوب غير الله، ومن الذي يتقرب إليه غير الله، ومن الذي يعبد العباد فيتركون ما ينهى عنه ، ويتقربون إلى ما يرضيه غير الله وذلك يتسق اتساقاً تاماً مع سلوك العباد الصالحين ، وهكذا نعرف أن تلك النفوس الغريبة من بني إسرائيل ، خاطبها الرب سبحانه وتعالى في هذه الآية على اعتبار أنهم أول زمرة من اليهود وكانوا مجتمعين في المدينة المنورة، قبل أن يطردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الجزيرة لنقضهم العهد، فإن لم يؤمنوا في تلك الحقبة الزمنية ، فسيصبحون أول زمرة من الكفار الذين أنكروا مصداقية كتب الله ، واستخفوا بالآيات والرسل ، ثم حذرهم الله من أن يلبسوا على الناس دينهم الباطل بدلاً من الإسلام ، قال الحسن البصري : إن الدين الحق هو الإسلام والنصرانية واليهودية بدعة ليست من عند الله(انتهى) ، لذلك جاءت هذه الآيات لتبعد اللبس الذي يحاول القساوسة أن يزجوا بالمسلمين في أتون الضلال ، والانحراف عن منهج الله القويم الدين الحق.
الوقفات
1- أهل الكتاب هم أولى الناس بالتصديق بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وبالقرآن الكريم لثبوت تبشير الرب بذلك في كتابهم.
2- من باع دينه لكي يكسب من الدنيا فقد خاب وخسر.
3- التقوى هي إتباع أوامر الله واجتناب نهيه.
4- النهي عن التلبيس الذي يتخذه الأعداء لصرف الناس عن الحق.
آيات ووقفات (الرابعة والثلاثون)
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)
ثم جاء الأمر الرباني ، وهو الامتحان العسير في نظر يهود ، وهو أن يمتثلوا لأمر الله سبحانه حيث أمرهم أن يصلوا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أي يصلوا صلاة واحدة جماعة معه، وأن يدفعوا الزكاة له، وفي ذلك اختبار لمدى طاعتهم لله من عدمها، فهل سيستجيبون لذلك الأمر الرباني، أم تأبى أنفسهم المتكبرة على أوامر الله ، المعرضة عن منهجه ، فالله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً حتى يعلمه الخطأ من الصواب وذلك بإرشاده عن طريق الكتب ، والرسل ، وفي هذا أبلغ الحجج ، وأعظم التربية، فهل بعد محمد صلى الله عليه وسلم حجة، وهل بعد القرآن دليل على صحة التنزيل ، وبرهان التدليل، وعظم الحجة ، وقوة الإعجاز. بعد كل ذلك ينكر الله عليهم إذ كيف يأمرون الناس بالدخول في دين محمد ، وهم في أنفسهم لا يرون ذلك ، ولا يأتمرون به في ذواتهم، فذمهم الله عز وجل بأنهم سيهلكون أنفسهم بذلك العمل، ولوا أنهم عرفوا الحق والتبشير بنبوة محمد العربي الذي لا ينتمي لإسرائيل كما توقعت يهود ، فلما بعث على تلك الصفة ، دب الحسد في قلوبهم ، ونسوا أنهم كانوا يتشوقون لبعثة ذلك النبي ، وأنه سيكون من بني إسرائيل كما توهمت نفوسهم، ولكن لأن الحال ليس على أهوائهم تمرد الكثير منهم على أوامر الله ، وأصبح عدواً لدين الإسلام والعياذ بالله، حتى وإن كانوا يتلون الكتاب ، فلم يعد الإيمان له دور في قلوب أكثرهم، بل أن الحقد أعمى أبصارهم ، وبصائرهم، فيقرؤن الكتاب ولكن قلوبهم معرضة عنه لهول المصاب الذي خيب آمالهم.
الوقفات
1- الأمر الرباني يجب طاعته على كل حال.
2- الصلاة والزكاة من أجل الأعمال عند الله عز وجل ففيها إنكسار النفس وخضوعها لله ، والتقرب إلى الله بكسر الشح النفسي المجبول على حب المال.
3- يجب أن يأمر المرء نفسه أولاً ثم يدعوا الآخرين إلى منهج الله.
___________
آيات ووقفات (الخامسة والثلاثون)
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
ثم انتقل السياق إلى صفة من صفات عباد الله الصالحين، صفة عظيمة ، لا يعرف قدرها إلا من ذاقها وعرف حلاوتها، إنها صفة الصبر ويندرج تحت هذا المسمى أربعة أصناف وهي الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله،ثم ذكر الخشوع في الصلاة، إنها الصفة التي تميز المؤمن من المنافق، تميز المحب للصلاة المتقرب إلى الله، والذي سخر جوارحه، في طاعة ربه ، فخشعت الروح ، وخشع الفؤاد، ومن ثم خشعت الجوارح، في رحلة إيمانية إلى الرب سبحانه ، واستشعار السجود والركوع له، وهو الغني عن عبادتانا ، ونحن الفقراء المساكين لفضله وعفوه، إنها صورة واضحة تصف قلوب المؤمنين الخاشعة، ونواياهم الخالصة، وسكون جوارحهم ، وهذه هي الصفة التي يحبها الله عز وجل ، جاء في الحديث (إذا حضر العشاء والعِشاء فقدموا العشاء على العِشاء) وفي ذلك لمحة نبوية مشفقة على حال المؤمن حيال عبادته لربه، فإذا اشتهى الطعام فلا ينبغي أن يذهب للصلاة لأنه سيظل باله مشغول في صلاته بالطعام، وهنا سيفتقد الخشوع، واليوم تعددت المشاغل ، وكثرت الصوارف عن الخشوع نسأل الله العافية. ثم ذكرنا الله سبحانه وتعالى بأن هؤلاء الخاشعون في صلاتهم، ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله وقبوله لأعمالهم، واحتساباً للأجر منه سبحانه، لذلك فهم موقنين بلقاء الله ، ويستشعرون كيف يكون وقوفهم الآن بين يديه في تأدية الفريضة، وكيف سيكون حالهم حينما يقفون بين يدية لمحاسبتهم على العمل، كل ذلك يدور في خلد أولئك الصالحون ، وتلك الصفة من أزكى الصفات للخلص من البشر الذين يؤدون الأعمال الصالحة بإتقان وخلوص نية لله وحده.
الوقفات
1- وجوب الخشوع في الصلاة لورود الحديث الذي يدل على ذلك ، حينما رد الرسول الرجل الذي رأى تسرعه في صلاته ، وقال له صل فإنك لم تصلي ثلاثاً ، ثم أخبره بوجوب الطمأنينة والخشوع في الصلاة.
2- حلاوة مناجاة الرب سبحانه وتعالى ، ولذة الطمأنينة في الصلاة لا يعرفها إلا الخاشعين.
3- الصبر والصلاة هما سلاح المؤمن في معترك الحياة، ولولا الصبر لما كان وصل المسلمون إلا مشارق الأرض ومغاربها ينشرون دين الله ويحاربون من يتصدى لدعوتهم ونشر دينهم، ولولا الصبر لما استطاع الصحابي بلال بن رباح تحمل حرارة الرمضاء ، والصخرة على صدره وهو يقول أحد أحد ، فلما سئل كيف كان صبرك ، فقال امتزجت عنده الآم العذاب مع لذة الطاعة فغلبت لذة الطاعة على ألم العذاب فغلبتها فلم أعد اشعر بالعذاب.
4- وجوب محاسبة النفس واستشعار وقوفها أمام خالقها في الصلاة ، والعلم اليقين بعودتها يوماً من الأيام والوقوف بين يديه يوم العرض عليه يوم القيامة.
___________
آيات ووقفات (الحلقة السادسة والثلاثون)
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48))
يذكَّر الله سبحانه وتعالى أبناء نبي الله إسرائيل (يعقوب) وسلالته ، والذين ينحدرون من البقية الباقية من اليهود والذين كانوا متواجدين في يثرب ، يذكرهم بحال أسلافهم من قبل كيف كانوا من عباد الله الصالحين ، المقتدين بأهل الهدى والصلاح ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، المصلحين لأقوامهم، فيذكرهم بتلك النعم والآلاء ، وتفضيل أولئك الأنبياء وأصحابهم على سائر البشر في تلك الأزمان ، لأن كل زمان له عالم ، فليس المقصود هنا أن اليهود كونهم يهوداً أنهم كما زعموا شعب الله المختار ، وليس لهم أي أفضلية على البشر في وقت نبي الله محمد وما بعده ، بل كان فضل سلالة إسرائيل من الأنبياء في زمانهم الفائت هم خير البشرية. ثم ذكرهم الله سبحانه وتعالى بيوم الحساب ، يوم العرض على الله يوم لا تنفع نفساً نفساً أخرى ، ولا يقبل الله الشفاعات ، ولا يقبل الله الفداء كما قال سبحانه (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم) فتلك الصورة ، وذلك الموقف العصيب، لو تأملها هؤلاء اليهود ، وعرفوا قدر هذه الرسالة التي جاءت تذكرهم ، وتربط تاريخ أسلافهم الصالحين ، بتاريخ الرسالة المحمدية ، وينبثق من ذلك النور الرباني من هذه الآيات الكريمات ، وتعرف البشرية أن هذا القرآن لم يتنزل لبني يعرب فحسب ، وأن هذه الرسالة لم تكن خاصة لقوم محمد عليه السلام فحسب بل لجميع البشرية، وتتحدث الآيات عن ذلك اليوم العصيب الذي تنكشف فيه فضائح الخلائق، وتجثوا البشرية على الركب وتقول كل نفس يارب نفسي نفسي، ثم أخبرهم الله سبحانه وتعالى في آخر الآية أن في ذلك اليوم لا أحد ينصر أحد ، وليس هناك مجال لتكوين جيوش ، أو عصابات ليتناصرون فيما بينهم كما هو حال اليهود في الدنيا، بل في ذلك اليوم كل نفس مشغولة بذاتها لا تعلم كيف الخلاص من أهوال ذلك اليوم.
الوقفات
1- تذكير اليهود بصلاح أسلافهم لإيجاد الإيمان بأن هذا القرآن مصداقاً وتتميم لما سبقه من الكتب السماوية.
2- تحريك الإيمان في القلوب بما سيحدث في الآخرة من حساب وعقاب.
3- الحث على المبادرة بالإيمان بالرسالة المحمدية كي ينجوا اليهود من عذاب الآخرة حيث لا فدية ولا نصرة ولا شفاعة.
________
آيات ووقفات (الحلقة السابعة والثلاثون)
(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(50))
وتأتي هذه الآية تذكر اليهود كيف كان حال أسلافهم حينما تسلط عليهم فرعون ملك مصر ، والذي كان يسومون أصلها (سام ) أي يديمون العذاب عليهم وتمثل ذلك في أن فرعون كان يذبح الأولاد ويبقي النساء أحياء، فيعلمهم الله أن تلك الفتنة كانت من أشد الابتلاء الذي أصاب أسلافهم ، ولكن الله وحده سبحانه ، وبحكمته البالغة، وبسلطانه العظيم ، دكدك رؤوس الطاغوت، وأغرق فرعون وجنوده في اليم ، وأنقذ موسى ومن تبقى من أبناء إسرائيل عليه السلام.
فمَّن الله عز وجل على اليهود في هذه الآيات ، وكأنه يقول إذا نسيتم ذلك، أو جهلتموه فهذا القرآن يقص عليكم ما جهلتموه ، ويذكركم بما جاء في سير الأولين من أسلافكم ،ثم ينتقل السياق على صورة أخرى حينما أنفرق البحر إلى فرقين ، أي انفتح إلى قسمين فعبر موسى عليه السلام وقومه ، وعندما نجوا ووصلوا إلى ضفة البحر لحق بهم فرعون وجنوده ، فأغرقهم الله فهلكوا ، وكان ذلك أمام مرأى موسى وقومه ، ويورد الله هذه الآيات لعل هؤلاء اليهود يتذكروا ويعتبروا ، ويوقنوا بصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي الذي لا يستطيع القراءة ، أو الكتابة، فمن أين جاء له هذا القصص الذي كثير منهم يجهل تفاصيله، أو يعرفه ولكنه ينكر رسالة محمد فتدلل تلك الآيات على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وتخبر البشرية بمصداقية الرسالة ، وعموميتها للبشرية جمعاء ، وبذلك تستبين السبيل الحق من الباطل ، والبصيرة من العمى، والهدى من الضلال.
الوقفات
1- التذكير بقصص أسلاف اليهود.
2- الامتنان من الله على بني إسرائيل بأنه نجاهم من بطش الطاغوت فرعون.
3- إثبات معجزة انشقاق البحر حتى مشى البشر في وسطه.
آيات ووقفات (الحلقة الثامنة والثلاثون)
(وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون(51) ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون(52) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون(53)
لا يزال السياق في ذكر الله وتذكيره لقصص موسى مع قومه ، فقد ذهب موسى إلى ميقات ربه وانقضت أربعين يوماً ، ثم اتخذ قومه العجل رباً يعبدونه وهو عبارة عن حلي نساء بني إسرائيل صاغها السامري في هيئة عجل فعبدوه ، وسيأتي بسط ذلك بالتفصيل في سورة طه إن شاء الله. ويذكر الله سبحانه وتعالى كيف ظلموا أنفسهم بعدما نجاهم الله من فرعون وجنوده، ومن الدكتاتورية الوحشية التي أذلت بني إسرائيل أيما إذلال، وهاهم يعبدون العجل من بعد تلك النعمة بإنقاذهم ، ولكن مع ذلك غفر الله لهم ، وعفا عنهم لعلهم يعودون إليه ويعبدونه وحده لا شريك له، ثم يذكرهم الله بمنته وفضله أنه آتى موسى الكتاب وهو التوراة وهو الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل لعلكم تهتدون.
ويورد الله عز وجل هذه الآيات وفيها التذكير والأحداث التي سبقت في الأسلاف الماضية، وفيها تذكير بما جرى لهم ، وكيف تكون عاقبة الكفر ، وكيف أن الله عز وجل يعفو ويغفر، وكيف تجلى حلمه وعفوه على بني إسرائيل لجهلهم ، ولكن بعدما أتتهم التوراة، والهدى المتألق بين دفتيها ، فليس بعد ذلك عذر لمعتذر فقد أتى البيان الظاهر، والنور الباهر ، وتجلت الحقائق ، فمن أين أتى كل ذلك على محمد صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الوحي السماوي.
الوقفات
1- الشرك بالله ظلم للنفس عظيم.
2- الحث على شكر الله على نعمة العفو والمغفرة.
3- إقرار وجود التوراة في عهد موسى عليه السلام ، وهو كتاب مقدس من الكتب السماوية ، ونحن كمسلمين نؤمن بوجوده على هيئته الحقيقية في عهد موسى ، ولكن ما تتداوله الأيدي الآن فليس بالأصلي وهو محرف.
4- إثبات إقامة الحجة على الناس بعد إرسال الرسول ، وإنزال الكتاب فبهما يتميز الحق من الباطل.
___________
(الحلقة التاسعة والثلاثون)
(وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم (54) )
هذه الآية تعبر عن الحال الذي وصلوا فيه بني إسرائيل من إغضاب الرب سبحانه وتعالى الذي أنعم عليهم ، وأنجاهم من الأعداء ، وأنزل عليهم الكتاب ، وأرسل لهم موسى نبياً منقذاً بالمعجزات، وبالتوراة ، فما السبيل إلى إرضاء الرب ، وما الخلاص من هذا الذنب ، وكيف كانت توبتهم لقد أمر الله نبيه بان يقتل من لم يعبد العجل من عبد العجل لكي تتم التوبة لهم، وهذه والله من الأغلال الثقيلة التي شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأخذوا الخناجر بأيديهم وغشيتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل كل من قُتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي منهم كانت له توبة، فتاب الله عز وجل على حيهم و ميتهم ، وبذلك انتهت قضية عبادة العجل بعد توبة الله عليهم وعودتهم إلى رشدهم.
وفي هذه الآية ذكر الشرك بأنه ظلم للنفس ،فهي مفطورة على توحيد الله بالعبادة، فكيف يجرؤ المرء على اتخاذ الأصنام أرباباً، أو الجمادات، أو الأولياء، أو القبور ،أو الصلبان، أو الرهبان، أو قبورهم، أو المزارات يطوفون بها ، ويبكون عندها ويسجدون لها ويستغيثون بأصحابها، كيف يكون ذلك في قلب مفطور أصلاً على توحيد العبادة لله، وكيف يكون ذلك في قلوبٍ تنتمي إلى الإسلام، وتعتز بالإسلام ، وهي أقرب إلى الشرك والعياذ بالله ، وتشد الرحال إلى المزارات ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى) .
الوقفات
كان التقاتل بين الناس توبة في شريعة موسى عليه السلام.
إثبات الولاء لله وأن عباد الله دائماً وابداً ينفذون أوامر الله مهما كانت شدتها وصعوبتها.
_________________
(الحلقة الأربعون)
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تنظرون (55) ثم بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56))
تدل هذه الآيات على صلف وكبرياء اليهود، والكبر كما علمنا رسول الله بطر الحق أي رفض الحق ، وعدم إتباعه، فهؤلاء اليهود وفي هذه الآية انكشفت كينونة صدورهم، وسوء مقاصدهم، فعندما جاءهم النبي موسى عليه الصلاة والسلام بالكتاب ووصايا الرب فيها ، فرفضوا ذلك وقالوا من أنت حتى يعطيك الرب ذلك، ولماذا يكلمك ولا يكلمنا،فلن نؤمن لك حتى نرى ربك، أي يكشف وجهه سبحانه وتعالى لنا ونراه جهرة، إننا نريد رؤيته ، وهذا بطبيعة الحال محال لأن كليم الله موسى عليه السلام لم يستطع رؤيته عندما تجلى ربه للجبل، فكيف بهؤلاء يقولون ذلك بتلك الصورة المكذبة لرسول الله ، وكيف يقولون ذلك بتلك البذاءة، والعنجهية ،كل ذلك أغضب الرب سبحانه وتعالى ، وأغضب نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، فجاءهم العقاب حيث أرسل الله عليهم صاعقة وهي نار (قالها السدي) تقتل بعضهم ويرى الآخرون ما حل بهم، ثم بعثهم الله فجاء أولئك الصاعقة ثم بعثهم الله، فأحياهم من جديد ، وهو سبحانه الغني عن عبادتهم ، ولكنه سبحانه رءوف رحيم ، يريد سبحانه من عباده أن يتبعوا الحق ويشكروا نعم الله قولاً وعملاً كي ينجوا من عذابه ، فهل استجابوا لربهم؟. وفي هذا تذكير لليهود في المدينة بما حل بأسلافهم حينما تمردوا على نبي من أنبياء الله موسى عليه السلام، وفيها تحذير من عدم متابعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الآيات ، وهذا القصص لم يأت محمداً إلا من عند الله بوحي سماوي.
الوقفات
الكبر هو المهلكة فرفض الحق صفة من أبرز صفات المتكبرين أعاذنا الله.
إثبات غضب الرب سبحانه وتعالى وعقابه لمخالفي أمره.
إثبات الإحياء بعد الممات.
إثبات عدم رؤية الله في هذه الدنيا ولكن في الآخرة سيرى أصحاب الجنة ربهم سبحانه وتعالى (وجوهٌ يومئذٍ ناظرة إلى ربها ناضرة) وقال سبحانه( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى الرب سبحانه وتعالى ، ولا ينكر هذا إلا مكذب بخبر القرآن.
_____________
سلسلة آيات ووقفات
آيات ووقفات (الحلقة الأولى)
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فإنني أتشرف أيه الإخوة أن أتوقف معكم في تفسير بعض الآيات، ولآ أدعي أنني عالماً ، ولكن حسبي أن أجمع ما قاله العلماء ، وأضعه بين أيديكم ، بشرح عصري، وعبارات سهلة جلية، واسلوب مبسط ، ولعدم تفرغ الكثير منا لهذا الأمر ، وانشغالهم عن الجلوس في المكتبة سواء في المنزل ، أو خارجه، لذلك أحسست أن حاجة الأمة لتناول بعض معاني الآيات في أسطر قليلة في الصحيفة التي ضمت بين صفحاتها نور إيماني، وإشراقه مضيئة للحق ، وأهله ، وبصيص من الأمل لعل الله أن ينفع أمتنا بما نقول ونسمع.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبن كثير رحمه الله في تفسير البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) افتتح بها الصحابة كتاب الله واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، وجاء في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم . أخرجه الحاكم في مستدركه.قال السعدي :أي أبتدئ بكل أسم لله تعالى ، وقد جاء في الحديث في صحيح البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه أن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً(1). وهكذا يتبين لنا أن هذا الفضل العظيم الذي منَّ الله به على عباده ، وأحسن إليهم بتعليمهم أياه ومن منا لا يريد أن لا يضره الشيطان ولا يضر أولاده، ولكن كثيراً من الناس يغفلون عن هذه التعاليم الربانية ، وعن هذا الهدي النبوي الذي أرشدنا إليه الرحمة المهداة للبشرية فحظ من أخذ من معينه ، ويا حسرة من أعرض عنه. (الرحمن الرحيم) قال السعدي :هما اسمان مشتقان من الرحمة والرحمن مشدد وفيه المبالغة أشد من الرحيم ، ونفهم من هذا أنه تعالى ذو الرحمة العظيمة التي وسعت كل شي، وعمت كل حي. قال ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر رحمة. وهكذا يتبين لنا أن البسملة أمر له شأن عظيم ، وكذلك أسماءه الحسنى ومنها الرحمن والرحيم حينما تضاف إليها تكون ذا معنى أشمل وأوضح ، وعليه فإن على المسلم أن يكون متنبهاً لهذا الأمر ، وأن لا يغفل عن البسملة في أي شأن من شئون حياته.
الوقفات
1- البسملة شأنها عظيم في كل أمر.
2- ورد في الحديث أن سترنا عن أعين الجن قول بسم الله.
3- الحث على البسملة عند الجماع لكي نتجنب ذرية أبليس الذي أقسم بالذات الإلهية ليشارك آدم في ذريته وفي أموالهم ، فكم نرى والعياذ باله من الشباب الذي يكره الحق ، ومنغمس في الشهوات، وكم نرى من غرق في أوحال الربا والتي شاركهم أبليس في تلك الأموال وأضلهم عن طريق الهدى والصلاح.
4- كل عبد من عباد الله يرجوا الرحمة من الله عز وجل ، و قد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يدخل أحداً الجنة بعمله ، قالوا حتى أنت يا رسول الله قال حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
____________________
(1) صحيح البخاري (141). صحيح مسلم (1434).
_____________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثانية)
الحمد لله رب العالمين
الله عز وجل أنزل هذه السورة العظيمة، وفيها من الألفاظ العقائدية، والبلاغة الربانية، وتهذيب ألسننا ، وتعليم أنفسنا ، وخضوع أرواحنا لله عز وجل ، فعلمنا كيف الأدب مع الله ، فالحمد والثناء أولاً ، ثم الدعاء، وفيها أقسام التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد العبادة(الإلوهية) ، وتوحيد الأسماء والصفات، فلنتمعن في آياتها ، ونبحر في معانيها، ونستشف بعض أسرارها، ونغرف من منابعها الرقراقة، قال الله تعالى ( الحمد لله) وتعني هذه الكلمة الثناء على ربنا الله بصفات الكمال، والشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد من دونه. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ(2).
فلله الحمد والشكر والثناء الحسن على أكبر نعمة أنعم علينا بأن أنزل على رسوله قرأناً نتلوه ، ومنهجاً ننهجه، وعلماً ننهل منه، وشفاءً للأسقام، ونوراً للأفهام، وانشراحاً للصدور، ونوراً في القبور ، وشفيعاً لقارئه، وحجة للعبد أو عليه نسأل الله أن يجعله حجة لنا وقائدنا إلى الفردوس الأعلى من الجنة.
وقوله (رب العالمين ) فمعناها هو الرب المربي جميع العالمين ، وهم الذين أعد الله لهم النعم العظيمة ، والالاء الجسيمة، التي تستقيم بها الحياة، وتنعم بها البشرية، ونعمه كذلك على العالم الآخر عالم الجن، الذي يشاطر البشر في قوله تعالى ( سنفرغ لكم أيه الثقلان) وقول ( يا معشر الإنس والجن) وقول ( وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون) قهم مكلفون تماماً كالبشر ، فأيضاً لهم أرزاقهم ونعائم الله عليهم لا ينكر ذلك إلا كافر، فهم أيضاً من العالمين الذين ذكرهم الله في الآية، قال ابن كثير رحمه الله : ففي رواية سعيد بن جبير وعكرمة وعن ابن عباس : أي رب الجن والأنس . وقال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عما يعقل وهم الأنس والجن والملائكة والشياطين. قال السعدي رحمه الله : للتربية الربانية نوعان عامة وخاصة ، فالعامة هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا، أما الخاصة فهي تربيته لأوليائه ، فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه. وهكذا يتبين لنا معنى من المعاني العظيمة، التي يقر الله فيها أن الفضل له والمنة علينا إذ أنه هو ربنا المربي لنا، والمعلم لنا، والهادي لنا، والذي أخرجنا بفضله وإحسانه من الظلمات إلى النور، وهدانا إلى صراطه المستقيم ، فهو الرب المعبود، والإله المألوه الذي تعبده هذه العوالم من الأنس والجن والملائكة والشياطين، و لكن الكثير من الناس لا يعترفون برب العالمين كالملاحدة وغيرهم من أصحاب العقائد الأرضية، الشيطان رغم عصيانه وتمرده على الله إلا أنه لا ينكر بأن الله هو رب العالمين ولكنه حينما تمرد وعصى أمر الله بالسجود لآدم أخرجه الله من جنته، وحل عليه غضب الرب ،ولكنه يعترف ويقر بان الله هو رب العالمين ولا ينكر هذا ، قال الله تبارك وتعالى ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) وهذا لا ينكره أحد بأنه هو المعبود، أما الملحدين والعياذ بالله من حالهم فهم ينكرون الرب تبارك وتعالى فيقولون لا إله والحياة مادة. وتدل هذه الآية دلالة واضحة على إنفراد الله بالخلق وتدبيره لهم وإنعامه عليهم وهو سبحانه له كمال الغنى، والعباد مفتقرون إليه لقوله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) (1).
الوقفات
1- فضل سورة الفاتحة وأنها لا صحة لصلاة المرء إلا بها.
2- الرب سبحانه وتعالى هو المربي لنا بنعمه ومنها نعمة الإسلام الذي هدانا إليه بفضله وإحسانه.
3- التربية الربانية لنا حيث علمنا ربنا كيف نتأدب معه سبحانه فنحمده ونثني عليه ثم ندعوه.
________________
(2) صحيح : الألباني في صحيح الجامع (5563).
(1) سورة فاطر 15.
___________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثالثة)
ننتقل الآن إلى المرحلة الثانية ، والجانب الآخر من هذه السورة، والذي نتعرف فيها على أسرار جديدة، وحكم عديدة، فبعدما علمنا الله عز وجل كيف نحمده ونثني عليه ، فيذكر لنا صفاته العظيمة، وهي الرحمة ، قال الله سبحانه وتعالى (الرحمن الرحيم) شرحت معناها في الحلقة الأولى ،ثم قال سبحانه (مالك يوم الدين) هو الملك المتصرف في عباده، ويظهر ملكه وأمره ونهيه، وثوابه وعقابه ، وحكمه وعدله، في يوم الدين وهو يوم القيامة ، يوم الحساب على الأعمال التي قدمها العباد إما خيراً ، وإما شراً والعياذ بالله من سوء المنقلب. وقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟" (2). الله أكبر هناك اليوم الفصل ، هناك تستوي البشرية ، فلا فرق بين راع ومرعي، ولا شريف ووضيع، ولا سيد وعبد، ولا غني وفقير، ولا خادم ومخدوم، الجميع سواسية في الحساب والجزاء ،يأخذ كل مظلوم حقه من ظالمه، الله هو الملك في هذا الكون ، ولكنه يتجلى ملكه في يوم القيامة بحكمه وعدله وقضائه، ويرون العباد كل ذلك مشاهدة ، قال تعالى (لقد كنت في غفلة من هذا فبصرك اليوم حديد).
الوقفات
1- ذكر الله سبحانه صفتين عظيمتين الرحمن والرحيم.
2- ذكر الله سبحانه ملكه وعظمته المتجلية في يوم الدين فلا ينفع ملوك الأرض ملكهم، ولن ينفع أي مخلوق مخلوق آخر بل الجميع تحت حكم ملك الملوك سبحانه وتعالى.
3- إثبات أن لله يد سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث ، ونثبت ذلك من غير تأويل(3) ، ولا تكييف(4) ، ولا تشبيه (5)، ولا تعطيل.
4- هذه الآيات تشعرنا بهول الموقف بين يدي الرب عز وجل، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ولكنه كما جاء في الحديث يخفف على المؤمنين كصلاة أحدكم .(6)
__________________
(2) صحيح : البخاري (7413) ، مسلم (2788). قال القاضي عياض في شرح هذا الحديث "في هذا الحديث يقبض ويطوي ، كله بمعنى الجمع، لأن السموات مبسوطة ، وألأرضين مدحوة وممدودة ، ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة وتبديل الأرض غير الأرض والسموات ، فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض ، ورفعها وتبديلها بغيرها.
(3) أي نفسرها كما نشاء.
(4) أي نقول كيف او نسأل عن كيفيتها.
(5) أي نشبهها بأيدينا مثلاً ، بل نقول (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). أنظر كتاب شرح العقيدة الواسطية- لمحمد بن عثيمين رحمه الله.
(6) أي قدر مدة وقوف المؤمنين يخفف حتى يصير مقدار صلاة فريضة في هذه الدنيا فلله الحمد والمنة.
______________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الرابعة)
إياك نعبد وإياك نستعين
وننتقل الآن إلى المرحلة التربوية الربانية التي لفتنا الرب إليها، فكيف نستغيث به، وكيف نذكر أنفسنا ، ونذلها بين يديه، وكيف نبتهل إليه بصالح أعمالنا، إنها حقاً تربية عظيمة ، يذكرنا بها الرب جل وعلا، ويهذب نفوسنا بالتعلق به، واللجوء إليه لهذا قال سبحانه وكأنه يقول قولوا يا عبادي : (إياك نعبد وإياك نستعين) أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين بأحد سواك، وهذه التربية الربانية، من أجل السعادة الإنسانية، وإلا فالله عز وجل هو الغني ونحن الفقراء إليه، ولكنه سبحانه يربينا ، ويعلمنا كي تقوم علينا الحجة، فلا يلوم العبد بعد هذه التربية إلا نفسه، لأنه عرف طريق الحق، وطريق الضلال، وعرف الظلمات والنور، والشقاء والحبور، وما علمنا بتلك الأقوال والأفعال، وأرسل رسوله ، وانزل كتابه، إلا لكي نتبع المنهج الرباني الذي ارتضاه لعباده كي ننال مرضاته، ونصل إلى حبه ومغفرته، فمن للمسلمين من ناصر في حروبهم مع من اعتدى عليهم، وخرب دورهم ، وأهلك الحرث والنسل، من المستعان في قضاء الحوائج؟ وتفريج الكربات؟ وشفاء المرضى؟ والرحمة بالأموات؟ من يتولى تلك الشئون كلها غير الله الواحد القهار، علَّمنا ربنا كيف تكون العبادة لله وحده ، فهو الخالق الرازق، الناصر، المدبر للأمور كلها ، ومجيب المضطرين، وكاشف البلايا والمصائب، فتكون له وحده العبادة، والاستعانة جزء من العبادة فالعبادة أسم جامع لكمال المحبة لله والخضوع له والخوف منه.
الوقفات
1- الاستعانة جزء من العبادة ، ونوع من أنواعها الكثيرة ، فمن صرف نوعاً منها لغير الله فقد أشرك بالله عز وجل ، وكما هو معلوم (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
2- التربية الربانية أعظم حافزاً لنا للوصول إلى العمل الصالح الذي نعمله مخلصين فيه لوجه الله (1)عز وجل.
3- كمال الخضوع والاستغاثة بالعمل الصالح وتقرير العبودية الخالصة لله وحده جاءت كلها في هذه الآية.
________________
(1) قال الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله ومعنى يعمل المسلم العمل لوجه الله أي ليدخل الجنة فيرى وجه الله انتهى كلامه. وهذا معروف والدليل قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ، وقال سبحانه (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال المفسرون الزيادة أي النظر إلى وجه الله عز وجل.، وقال سبحانه (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون ) فرؤية المؤمنين لله ستكون حقيقة وشرفاً للمؤمنين ، ومن لا يؤمن بهذا فقد كفر. (كتاب شرح رياض الصالحين).
_____________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الخامسة)
اهدنا الصراط المستقيم
وهذه لمحة أخرى من التربية الربانية لعباده المؤمنين كيف يكونون في جميع أحوالهم خاضعين لله، متذللين لعظمته، وناكسي رؤوسهم بين يديه، فماذا علمهم أن يقولوا بعدما أثنوا عليه وحمدوه وأجلَّوه؟ وقرروا أنهم عبيدٌ له وحده، لا يعبدون إلا الله، ولا يستعينون إلا به، أمرهم بأن يقولوا اهدنا الصراط المستقيم، أي يارب اهدنا طريق الحق المبين ، طريق الهدى والصلاح ، طريق المغفرة والرحمة، الطريق المؤدي لرضا الرب وعفوه، وهو دين الإسلام. فما أحوجنا إلى هداية الله، وما أحوجنا إلى تعلم ديننا، وأركانه ووسائل الخير التي تدلنا على رضا ربنا، ما أحوجنا أن نعرف صراط الله المستقيم، ونعرف كيف سلكه الذين من قبلنا من السلف الصالح ، ما أحوج الأمة اليوم أن تعيش حياة الصالحين ، الذين أرادوا الخير فعملوه، وأرادوا السلام فحققوه، وأردوا الكرامة فنالوها، وذلك لأنهم اتبعوا ما يرضي الله فرضي الله عنهم، قال تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه) ، إنهم الذين سكبوا دمائهم في سبيل الله إرضاء لله ، ونشراً لدينه ، وليس كما يقول المستشرقون بأنهم نشروا الدين بالسيف ، فالسيف لا يدخل الإيمان في القلوب، ولكنهم عرضوا على رؤساء الكفار من فارس والروم، عرضوا عليهم أن يسمحوا لهم بتعليم الناس دين الإسلام، أو أن يدفعوا الجزية ، أو الحرب ، فكانت خياراتهم المتكبرة المتغطرسة دائماً تنادي بالحرب، فكان لهم ما اختاروه ، وماذا كانت النتيجة؟ هزمهم الله ، ونصر المؤمنين ، حتى وصل الإسلام إلى بقاع كثيرة من العالم، وهناك دول تدين بالإسلام اليوم لم ينتشر فيها الإسلام عن طريق معارك ، بل انتشر بأخلاق التجار المسلمين ، وهذه صفات العباد الصالحين الذين كانوا أمثلة رائعة في التحلي بالإسلام ديناً ، وخلقاً . قال السعدي رحمه الله "فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط فالهداية إلى الصراط لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علماً وعملاً".
الوقفات
1- تقرير ضعف وافتقار العبد لهداية الله، فكما قال ابن رواحه فوالله لولا الله ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا.
2- وجوب مسألة الله الهداية والصلاح لقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).
3- تربية الله للمؤمنين أعظم مسألة ، وهي مسألته سبحانه الهداية والثبات على الصراط المستقيم ، وهو الإسلام فلله الحمد والمنة أن هدانا إلى الإسلام حيث نعبد الله وحده بدون وسطاء أو أولياء بيننا وبينه.
______________________________
آيات ووقفات (الحلقة السادسة)
صراط الذين أنعمت عليهم
ننتقل الآن إلى معرفة جديدة، وصفة مجيدة، لأي صراط يريد ربنا أن نسلكه، وأي هدى يريدنا أن نتبعه، وأي سلوك يريدنا سلوكه، هل هو سلوك عبدة البقر، أو سلوك عبدة العجل ، أو الساجدين لصنم العذراء مريم ، او صنم المسيح ، كما يزعمون، أو للصليب ، أو للكاهن، أي صراط يا رب تريد أن نتبعه ، هل هو سبيل عبدة بوذا، أو عبدة النار ، أو عبدة الشمس ، قال الله عز وجل (صراط الذين أنعمت عليهم) وهم النبيون والصديقون والصالحون، وقال وكيع هم المسلمون.الله أكبر آية واضحة المعالم، دقيقة اللفظ، محددة الهوية، آية توقظ القلوب، وتحفز الهمم، و تنور الأبصار، وتجلي الغشاوة ، آية تدفع المرء للتنافس مع إخوانه كي يصل إلى ما وصل إليه هؤلاء، آية تحرك الإيمان، وتجعل صاحب القلب السليم يزيد يقيناً بفضل الله، والغافل تجعله يصحوا من غفلته، ويندم لخطيئته، لقد علمنّا الله في هذه الآية أن هناك سبيل واحد يقودنا لرضاه سبحانه وتعالى ألا وهو سبيل المؤمنين الموحدين العبادة لله وحده لا شريك له، وهم النبيون من نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، ومن تبعهم وصدقهم واتبع منهجهم، أما الذين يعتقدون أن ما يسمى في عصرنا الحاضر مسيحيون (والحقيقة أن الله سماهم نصارى) لزعمهم إتباعهم للمسيح عيسى ، فهم غير متبعي عيسى عليه الصلاة والسلام، والمسلمين هم حقيقة متبعي دين عيسى عليه السلام،لأن عيسى عليه السلام كان يدعوا لعبادة الله الواحد الأحد، ولكن كتب النصارى حرفت، وعقيدتهم تبدلت، وسير أنبياء الله شوهت، حيث قالوا زعماً منهم أن عيسى هو أبن الله ، وهذا زعم باطل ، وعقيدة باطلة، وإشراك بالله، وطمس لحقيقة التوحيد، فهم مشركون بالله ، حائدون عن الطريق القويم، والصراط المستقيم، قال تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وقال سبحانه يؤنب عيسى عليه السلام وهو سبحانه أعلم (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) فقال عيسى منكراً هذا الأمر( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم) وهذا بطبيعة الحال سيكون سؤالاً موجها لعيسى عليه السلام أمام تلك الملايين من البشر الذين أعدهم الله من أهل الظلال كما سيأتي في الآية القادمة. أما اليهود فهم الذين أفسدوا عقائد الناس، لحبهم للربا، وتمردهم وعصيانهم لأوامر الله ، فكانوا يشوهون في توراتهم الرب عز وجل (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) وكانوا يشوهون سمعة الأنبياء، ويتهمونهم بالزنا والجرائم التي لا تليق بالناس الأسوياء فضلاً عن الأنبياء، فقد اتهموا مريم العذراء بالزنا ، والقصة معروفة حين برأها الله بكلام أبنها عيسى في المهد، وقد قالوا عن نبي الله لوط أنه ضاجع ابنتيه بعدما شرب الخمر وسكر، ولا يزال الكثير يعتقد أن هذه آية من آيات الإنجيل ، وهذا والعياذ بالله من الجهل وإلا كيف يليق أن يتكلم الرب بهذا الكلام ، أو يصف أحد أنبيائه بهذه الصفة، ويؤمنون بقناعة وجود هذا ، ولما أرادوا أن يخرج نبي الله الذي وعدهم ربهم بخروجه من مكة ، زوجوا بناتهم للعرب في مكة ، وجنوب الجزيرة ، وفي المدينة المنورة وغيرها كي تأتي الرسالة مرة أخرى من بني إسرائيل، و يكون النبي من سلالتهم ، ولكن الله نزع الرسالة منهم لعدم كفاءتهم، لها ولشدة إعراضهم عن أوامر الله، فكانت الرسالة لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو يأتي نسبه من إسماعيل أبن إبراهيم وأمه هاجر ، ولم يأتي هذه المرة نبي من بشارة الله لإبراهيم وهو أبنه إسحق الذي ينحدر من سلالته كل اليهود ، لذلك حقد اليهود على نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، حتى أتى المنافقين وعلى رأسهم عبد الله ابن أبي أبن سلول الذي أسلم نفاقاً ، وحرف المفاهيم الإسلامية ، حتى غلا في الخلافة فقال بفرضية وجوب أحقيتها لآل البيت حتى افترقت الأمة فأصبح سنة وشيعة ، وتمزق الصف الإسلامي، وظهرت الفرق المختلفة ، وتفرعت ، ولكن بقي المؤمنون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم أهل السنة والجماعة بقوا على الحق المبين، والصراط المستقيم.
الوقفات
1- تعليم الرب لنبيه وأمة محمد التهذب في السؤال الموجه للرب سبحانه وتعالى ، وهو الهداية للصراط المستقيم.
2- تعليم الرب لنا عن طريق نبيه أوصاف الذين أنعم الله عليهم قال تعالى (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً) فهذه تفسر قوله تعالى أنعمت عليهم.
3- تبين هذه الآية نعمة الله وفضله و هدايته لعباده الصالحين وحثهم على سلوك مسالكهم للنجاة يوم القيامة والخلود في الجنة.
_______________________________________
آيات ووقفات ( الحلقة السابعة)
غير المغضوب عليهم ولا الضالين
بعدما بين الله لنا صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وعرفنا أن لا نجاة لنا إلا بإتباع منهجهم ، وسلوك مسلكهم، جاءت هذه الآية بالصفة الأخرى والجانب الثاني ، النقيض تماماً لأهل الهدى والحق، فالمغضوب عليهم هم اليهود ، فلم يتعظوا بالمواعظ، ولم يقروا بنعم الله عليهم، ولم يحترموا أنبيائهم ، بل ظاهروهم بالعداء ، وبارزوهم بالحرب، وجزوا رأسي نبي الله زكريا، وأبنه يحيى عليهما السلام، ولما نجا الله موسى من البحر ورأوا أناس يعبدون أصناماً لهم ، سألوا موسى أن يجعل لهم آلهة مثلهم، وأرادوا قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسحره لبيد بن الأعصم بأثر من شعره ورماه بمشطه في بئر ذروان، وسممته اليهودية في ذراع الشاة الذي ظلت تلك الغدرة تضايقه عليه الصلاة والسلام حتى مات، وذلك ليموت عليه الصلاة والسلام شهيداً ، ويكون قدوة لنا في الشهادة، تلك الأعمال وتلك السبل كانت سبباً في غضب الله على اليهود ، وحل بهم ذلك الغضب لأسباب كثيرة سنجدها إن شاء الله في بقية السور، أما (الضالين) فهم النصارى الذين ضلوا عن دينهم ، واتبعوا أهوائهم، فالكثير منهم يعرف أن دين الإسلام هو دين الحق ، وأن محمد خاتم النبيين خصوصاً في زماننا هذا الذي كثرت فيه الكتب ، والمعارف ، واختلطت الشعوب ببعضها، وانتشر العلم في مجالات كثيرة، وأصبح الذي في المشرق يعرف ماذا يحدث في المغرب ، عن طريق وسائل الإعلام ، والكتب والاتصالات، ولكنهم أعرضوا عن كل ذلك تعصباً لتأريخهم الأسود ، الذي جاء بالكوارث، والمصائب على المسلمين ، فهم لا يرون أن يدخلوا دين الإسلام فهو يحرمهم من كبريائهم، وزعاماتهم ، وشهواتهم، فالإسلام في نظر الكثير منهم عائقاً أمام الكثير من الشهوات التي يريدون أن يفصلوا بين دين الله وبين شئون الحياة فصلاً تاماً ، فالربا يؤيدونه، والزنا لا حكم ولا حد على من فعله، واللواط حرية شخصية ، وهناك المنظمات واللجان ، والمحاكم التي تعقد الزواج للوطيين ، نعوذ بالله من الضلال.
قال ابن كثير في معنى الآية : أي غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق.
الوقفات
1- تقرير غضب الله على اليهود لتمردهم على أوامر الله وقتل أنبياءه.
2- التحذير من سلوك أو إتباع نهج اليهود والنصارى، ولقد جاء في آيات عدة حرصهم على إضلالنا كقوله تعالى (وودوا لو تكفرون) وقال سبحانه (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم) وقال سبحانه (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فهذه الآيات تكشف لنا مكائدهم وإراداتهم الحثيثة على إفساد عقيدتنا النقية الصحيحة.
3- تقرير ضلال النصارى فاليهود عرفوا الحق وعدلوا عنه، والنصارى ضلوا الطريق وجهلوه لكنهم لا يعذرون الآن مع الانفتاح العالمي ، وثورة الاتصالات ، وتواصل الشعوب، وانتشار وسائل الإعلام، فأصبحت تلك الوسائل كلها حجة عليهم ، لأن فيها إشارات وبرامج ، ومواقع دينية بلغات مختلفة تنشر دين الإسلام.
4- الحق هو ما جاء به الأنبياء كلهم ، ولكن اليهود هم من تسبب في إلحاق التحريف في التوراة والإنجيل ، ففسدت عقائدهم ، وحفظ الله القرآن الكريم.
______________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثامنة)
سورة البقرة
ألم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين (2)
ألم الله العالم بمعناها، وقال المفسرون أن تلك الحروف التي جاءت في مقدمة بعض السور، إنما هي تعجيز لكفار قريش الذين لم يؤمنوا بالقرآن الكريم ، وكذبوا به ، بل حتى أنهم كانوا يقفون في الطرقات ويحذرون الناس أن لا يستمعوا لمحمد ، ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه) كانت تلك هي الأساليب العدوانية، والسلوكيات الشائنة، والأعمال القبيحة التي استقبلوا بها محمد وأصحابه ، وعملوا كل فضيع، واقترفوا كل شنيع، ومزقوا جلود العبيد بالسياط، لأنهم وحدوا الله عز وجل، وأتبعوا سبيل الرشاد، لأنهم خرجوا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فيقول الله هذه الأحرف تعجيزاً لهم ، إن كنتم تقولون إن هذا القرآن أساطير الأولين ( فأتوا بسورة من مثله) فاستخدموا مثل هذه الأحرف ، وأتوا بكتاب مثله، وذلك تعجيزاً لهم ولن يستطيعوا قال تعالى( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ) وقال سبحانه ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) لقمان 27. لذلك فالله عز وجل أنزل هذا الكتاب معجزة خارقة، وهداية باهرة ، وشفاء لما في الصدور، ونوراً وبهاء، ويقيناً وضياء، طمأنينة لقلوب المؤمنين، وتعريف لهم بوعد الله ووعيده.ثم قال الله تعالى عن كتابه العزيز (ذلك الكتاب ) أي هذا الكتاب وهو القرآن ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الكتاب الذي شرح الله به صدور العباد، وعرف الناس بأنه الوحي المنزل من الله عز وجل، فأسلموا ، واهتدوا ، لا ريب فيه ولا شك ، فهو الحق المبين نزله الله على نبيه محمد بواسطة الملك جبريل عليه السلام قال تعالى ( وقرأنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً) وقال سبحانه ( قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) البقرة97. وهذا دليل على تنزيل القرآن ، وتلقين جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أمياً لا يكتب ، ولكنه يحفظ القرآن حينما يسمعه من جبريل ، إلى أن جمع القرآن في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي عهد الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، فلله الحمد والمنة، وقوله تعالى هدى للمتقين فيه إقرار من الرب تبارك وتعالى على أن هذا القرآن هدىً للمتقين ، سبحان الله وهل المتقي يحتاج هداية، فهو مهتدي ولكن أقول إن الإنسان مهما بلغ من قوة الإيمان، ودرجات الإحسان، وثقل الميزان بالدرجات، فهو ليس بمعصوم ، وليس منزه من الخطأ والمعصية، بل هو معرض لكل ذلك، لذلك فإن الإيمان يزيد وينقص عند المسلم، فذكرنا الله سبحانه في هذه الآية أن من أخذ بتعاليم القرآن ، ورفع به رأسه استفاد من هدايته ، وكان تقياً متبعاً لأوامر ربه ، ومجتنباً لنهيه. قال السعدي فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية والآيات الكونية، ولن الهداية نوعان : هداية البيان، وهداية التوفيق، فالمتقون حصلت لهم الهدايتان وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق ، وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية تامة.لذلك فالتقوى أمرها عظيم، فبها تتهذب النفس ، وتستقيم الروح، وبها تعرف النفس قدر خالقها، قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : و التقوى أن يعمل الرجل بطاعة الله على نور من الله يرجو رحمة الله وأن يترك معصية الله على نور من الله يخاف عذاب الله ولا يتقرب إلى الله إلا بأداء فرائضه ثم بأداء نوافله قال تعالى ( وما تقرب إلي عبدى بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه .. الحديث )(1). إذاً التقوى ركيزة من ركائز العمل الصالح ، وهي الدافع والحافز لكل عمل فيه الخير ، وترك الإثم ، وعلى ذلك يكون المسلم طوال حياته إن كان يريد سعادة الدارين، قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ، وكذلك قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن 16 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :فأوجب التقوى بحسب الاستطاعة فلو كان من لم يتق الله لم يستطع التقوى لم يكن قد أوجب التقوى إلا على من اتقى ولا يعاقب من لم يتق وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام وهؤلاء إنما قالوا هذا لأن القدرية والمعتزلة وغيرهم قالوا القدرة لا تكون إلا قبل الفعل لتكون صالحة للضدين الفعل والترك وأما حين الفعل فلا يكون إلا الفعل فزعموا أو من زعم منهم أنه حينئذ لا يكون قادرا لأن القادر لا بد أن يقدر على الفعل والترك وحين الفعل لا يكون قادرا على الترك فلا يكون قادرا وأما أهل السنة فإنهم يقولون لا بد أن يكون قادرا حين الفعل ثم أئمتهم قالوا ويكون أيضا قادرا قبل الفعل وقالت طائفة منهم لا يكون قادرا إلا حين الفعل وهؤلاء يقولون إن القدرة لا تصلح للضدين عندهم فإن القدرة المقارنة للفعل لا تصلح إلا لذلك الفعل وهي مستلزمة له لا توجد بدونه إذ لو صلحت للضدين على وجه البدل أمكن وجودها مع عدم أحد الضدين والمقارن للشيء مستلزم له لا يوجد مع عدمه فإن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع وما قالته القدرية فهو بناء على أصلهم الفاسد وهو أن إقدار الله المؤمن والكافر والبر والفاجر سواء فلا يقولون إن الله خص المؤمن المطيع بإعانة حصل بها الإيمان بل يقولون إن إعانته للمطيع والعاصي سواء ولكن هذا بنفسه رجح الطاعة وهذا بنفسه رجح المعصية كالوالد الذي أعطى كل واحد من ابنيه سيفا فهذا جاهد به في سبيل الله وهذا قطع به الطريق أو أعطاهما مالا فهذا أنفقه في سبيل الله وهذا أنفقه في سبيل الشيطان وهذا القول فاسد باتفاق أهل السنة والجماعة المثبتين للقدر فإنهم متفقون على أن لله على عبده المطيع المؤمن نعمة دينية خصه بها دون الكافر وأنه أعانه على الطاعة إعانة لم يعن بها الكافر كما قال تعالى ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون سورة الحجرات 7 فبين أنه حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم فالقدرية(1) تقول هذا التحبيب والتزيين عام في كل الخلق أو هو بمعنى البيان وإظهار دلائل الحق والآية تقتضي أن هذا خاص بالمؤمنين ولهذا قال أولئك هم الراشدون والكفار ليسوا راشدين وقال تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء سورة الأنعام 125 ، و قال تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقا وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل سواء كانا أو أحدهما غنيين أو فقيرين أو أحدهما غنيا والآخر فقيرا وسواء كانا أو أحدهما عربيين أو أعجميين أو قرشيين أو هاشميين أو كان أحدهما من صنف والآخر من صنف آخر وإن قدر أن أحدهما له من سبب الفضيلة ومظنتها ما ليس للآخر فإذا كان ذاك قد أتى بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت بحقيقتها وإن كان أقدر على الإتيان بها فالعالم خير من الجاهل وإن كان الجاهل أقدر على تحصيل العلم والبر أفضل من الفاجر وإن كان الفاجر أقدر على البر ، والمؤمن الضعيف خير من الكافر القوى وإن كان ذاك يقدر على الإيمان أكثر من المؤمن القوي وبهذا تزول شبه كثيرة تعرض في مثل هذه الأمور(2).
وقال ابن تيمية أيضاً : " أن التقوى وتصفية القلب من اعظم الأسباب على نيل العلم لكن لا بد من الاعتصام بالكتاب والسنة في العلم والعمل ولا يمكن ان احدا بعد الرسول يعلم ما اخبر به الرسول من الغيب بنفسه بلا واسطة الرسول ولا يستغني احد في معرفة الغيب عما جاء به الرسول وكلام الرسول مبين للحق بنفسه ليس كشف احد ولا قياسه عيارا عليه فما وافق كشف الانسان وقياسه وافقه وما لم يكن كذلك خالفه بل ما يسمى كشفا وقياسا هو مخالف للرسول فهذا قياس فاسد وخيال فاسد وهو الذي يقال فيه نعوذ بالله من قياس فلسفي وخيال صوفي(3). وقد تكلم في فضل التقوى الكثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين، وصنفت فيها المصنفات، وأرجوا أن تكون اتضحت معانيها في هذه الجمل.
الوقفات
1- عرفنا الرب سبحانه وتعالى على أن القرآن الكريم هو الكتاب الذي لا شك ولا مرية بأنه منزل من الله على نبيه محمد.
2- إخبار الله سبحانه وتعالى أن المؤمنين المتقين هم الذين يهتدون بكتاب الله.
3- من شك أو أعتقد أن هناك تشريع أو قانون(4) ، أو حكم أفضل مما جاء في القرآن فقد كفر لقوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).
_____________________________
(1) القدرية : الذين يجعلون أفعال العبد خارجة عن قدرة الله وخلقه وملكه.
(2) منهاج السنة النبوية 3/42.
(3) الرد على المنطقيين 1/511.
(4) كالذين ينادون بالتعددية الحزبية في الحكم، والديمقراطية ، والانتخابات وغيرها كل ذلك مخالف للإسلام لأن حكم الإسلام يكون عن مبايعة أهل الحل والعقد ، ومجلس شورى المسلمين ، باختيار من هو أهلٌ للحكم الإسلامي الذي يكون من خيار القوم من العلماء المخلصين لدينهم ورعاياهم فيتم مبايعته، وليس كما ينادي البعض بالمشاركة من جميع الأطراف والمذاهب والنحل.
_______________________________________
آيات ووقفات (الحلقة التاسعة)
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون
وهذه هي الصفة الثانية التي أمتدح الله بها عبده المؤمنين ، الأتقياء الأوفياء، فوصفهم بأنهم (يؤمنون بالغيب) والغيب كل ما غاب من الأشياء غير المشاهدة، والتصديق التام بما أخبرت به الرسل، ولا يشاهد بالحس ، فهذا الفرق بين المسلم والكافر، لأنه تصديق مجرد لله ورسله (1) فالمؤمن يؤمن بصفات الله ووجودها ويتيقنها، حتى لو لم يفهم كيفيتها. ثم قال (ويقيمون الصلاة) ويكون إقامتها بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها، هذه إقامة الصلاة، وليس مجرد أدائها، وهذا هو الفرق ، والتفاضل بين المؤمنين في تلك الميزة ، التي خص الله بها عباده المتقين، لهذا وجب على المسلم أن يؤدي الصلاة، ويقيمها مع جماعة المسلمين بكامل أركانها وشروطها كي ينال الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) (2). ثم قال سبحانه (ومما رزقناهم ينفقون) ومعناها من ما رزقناهم أي ينفقون النفقات الواجبة كالزكاة، والنفقة على الأهل، وكذلك النفقات المستحبة في أوجه الخير، لهذا جاء بمن التبعيضية أي جزء بسيط من أموالكم، ولكنه خير كثير. وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت ثمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوَّه أو فصيله (3). وعن عدي بن حاتم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل" (4). وفي هذين الحديثين دلالة واضحة جلية عن فضل الصدقة، ولو بالشيء اليسير، ولو علم أصحاب الأموال بتلك المنزلة العالية، والثواب الجزيل ، والعطاء العظيم ، من الرب الرحيم، وبلوغ الجنة بالعمل اليسير مثل الصدقة لما بخلوا بأموالهم التي والله أنهم سيحاسبون عليها من أين أتت وفيما أنفقت، فمن أنفقها في سبل الخير، وتجهيز الغزاة في سبيل الله، وإغاثة الفقراء ، وإطعام الجياع، أو المساهمة في طباعة الكتب الطيبة، ودعم مراكز الدعوة، والمدارس الدينية في أنحاء العالم ، كل ذلك من أعظم القربات إلى الله (إن الله لا يضيع أجر المحسنين) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما نقص مال من صدقة).
الوقفات
1- تقرير الإيمان بالغيب ويكون بالتصديق التام بكل ما أخبرت به الرسل مما لم نشاهدهم من الجنة والنار ، و حياة البرزخ في القبر، وعذاب القبر والنار، ونعيم المؤمنين الأبرار، ودقة الصراط ، ونعيم الجنة، وسعة الكرسي، وكبر راس الكافر، وعمق قعر جهنم، وأنهار الجنة، وغساق النار وغيرها.
2- إن أداء الصلاة يكون في إقامة أركانها شروطها وواجباتها وليس في السجود والركوع دونما خشوع وسكينة ، وتكون إقامتها في بيوت الله مع جماعة المسلمين.
3- الزكاة فريضة وركن من أركان الإسلام من تركها كفر، وقد عرفنا في السيرة النبوية كيف أن الصديق الخليفة أبا بكر رضي الله عنه قاتل المرتدين الكفار الذين تركوا دفع الزكاة، قال له عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا قلوها عصموا مني دمائهم.. الحديث) فقال القائد المظفر، الخليفة الراشد أبا بكر : " والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" وقال " والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه" فالمؤمنين الصادقين يدفعون الزكاة ، وكذلك يتصدقون على المحتاجين المعوزين.
___________________
(1) من كلام السعدي رحمه الله بتصرف.
(2) صحيح : البخاري (8) ، مسلم (16).
(3) صحيح : مسلم (1014) ومعنى فلوَّه أي المهر الصغير، وفصيلة أي البعير المفصول عن أمه. قال القاضي عياض عبر باليمين هنا عن جهة القبول والرضا إذ الشمال بضده في هذا قال: المراد بكف الرحمن هنا ويمينه كف الذي تدفع إليه الصدقة، وإضافتها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة فيها لله عز وجل. قال : وقد قيل في تربيتها وتعظيمها حتى تكون أعظم من الجبل أن المراد بذلك تعظيم أجرها وتضعيف ثوابها، قال : ويصح أن يكون على ظاهره ، وأن تعظم ذاتها ويبارك الله تعالى فيها ويزيدها من فضله حتى تثقل في الميزان، وهذا الحديث نحو قول الله تعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات).
(4) صحيح : مسلم (1016). قال النووي رحمه الله وفيه الحث على الصدقة، وشق التمرة نصفها وجانبها، وأنه لا يمتنع منها لقلتها وأن قليلها سبب للنجاة من النار.
__________________________________________________
آيات ووقفات (الحلقة العاشرة)
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون
بعدما قرأنا ، وعرفنا صفات المؤمنين الذين امتدحهم الرب جل وعلا، بأنهم يؤمنون بالغيب ، ويقيمون الصلاة، ويدفعون أموالهم في سبل الخير من زكاة ، أو صدقة، أتى الله بهذه الآية ، وفيها صفات أخرى ، تقرب إلى أفهامنا صفات أهل الحق الذين أحبوا الله ، وأحبهم الله،فهم المؤمنين الذين يؤمنون بالكتاب الذي أنزل الله عليك، والحكمة (السنة النبوية) التي علمك الله إياها، كما قال سبحانه وتعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تعلم ) (1). وهذه لمحة أخرى، وصفة فضلى ، وخلة حميدة، يتصف بها عباد الله المتقين ، الذين يؤمنون بكتاب الله المجيد، ومعاني آياته، ومعالم هداياته، ومقاصد عباراته، يؤمنون بأن هذا القرآن هو كلام الله الرب العظيم الذي أوحاه إلى نبيه عن طريق جبريل عليهما الصلاة والسلام، لذلك فهم يعظمون آياته ، ويدرسون معانيها، ويقدسون أسرارها، ويحكمون بموجبها، ويتعاملون مع الخلق وفقاً لتعاليمها، على منهج أهل السنة والجماعة، ويؤمنون كذلك بالحكمة وهي السنة النبوية المتمثلة في أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقواله فلا علم للمؤمنين بكيفية الصلاة، وصفات الركوع والسجود، وكم ركعات الصلوات، وكيفية الوضوء، ومتى أوقات الصلوات إلا بفهم صحيح للأحاديث النبوية، والهدي النبوي الذي كان حاضراً مع الصحابة يعلمهم تلك الأمور كلها، وكان يقول صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، فمن لا يؤمن بذلك ويتبع سبيلاً غير هذا ، ويؤمن بالقرآن ولا يؤمن بالحكمة فهو كافر ، لانتفاء إيمانه بالهدي النبوي قولاً وعملاً. وكذلك يقتضي إيمان أولئك المتقين الإيمان بالكتب السماوية المنزلة من الله سبحانه على أنبيائه الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، قال تعالى (وما أنزل من قبلك ) ويتضمن هذا الإيمان بجميع الكتب ، وجميع النبيين ، وهذه صفة أخرى لعباد الله المتقين ، وذلك لتصديقهم بنزول تلك الكتب ، وبعثة أولئك الرسل إلى قومهم، أما نبي الله محمد فقد بعثه الله للناس أجمعين قال تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (2). لذا فإن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى جميع البشر.
ومن صفات المؤمنين المتقين أيضاً أنهم (وبالآخرة هم يوقنون) أي إنهم يؤمنون باليوم الآخر وما فيه من الجزاء والنكال، والثواب والعقاب، والسعادة والشقاء، وأصحاب النعيم، وأشقياء الجحيم، والآتيان بجهنم، وسجود الأنبياء، وذلة العصاة، وتبيض الوجوه المؤمنة، وتسود الوجوه الكافرة، يؤمنون برؤية الله، ويكلمهم الله سبحانه من غير ترجمان، كل بلغته ويقرهم بأعمالهم، ويؤمنون بتطاير الصحف ، فتؤخذ باليمين أو بالشمال، أو من وراء الظهور ، فلما أيقنوا بحدوث ذلك من إخبار الله لنا ورسوله في القرآن والسنة ، ولما عرفوا واستيقنت قلوبهم (3) بحدوث كل ذلك ، كان ذلك ركناً ركيناً من أركان الإيمان الستة، وأضحى من أعظم الدوافع للقيام بالأعمال الصالحة رهبة ورغبة لما عند الله.
الوقفات
1- تقرير الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من جميع البشر ، فلا حجة اليوم لأحد فالأغلبية الآن من الناس يعرف أو يسمع عن دين الإسلام.
2- تقرير الإيمان بالكتب السماوية كلها، بأنها أنزلت في وقت ما على أنبياء الله، ولكن هل بقيت على حالها، هل ما في أيدي اليهود والنصارى الآن من كتب هل هي نفس الكتب السماوية المنزلة، كلا فالقرآن يكذب زيفهم ويكفر منهجهم، في قوله ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون).
3- وجوب الإيمان بالآخرة وما فيها يقيناً وتلك صفة من صفات المؤمنين.
_________________
(1) سورة آل عمران 113.
(2) سورة الأنبياء 107.
(3) قال السعدي رحمه الله واليقين : هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك الموجب للعمل.
______________
آيات ووقفات (الحلقة الحادية عشر)
إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (7)
خلق الله عز وجل الإنسان ، وأعطاه الحواس كي تدرك ما ينفعه فيأخذ به، ويترك ما يضره ويبتعد عنه ، فمن استمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و عرف الحق ، وبلاغة القرآن ، واهتدى بهديه، أفلح ونجا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، والعرب كان معلوم لديهم الشعر، فكان بمثابة الإعلام في عصرنا الحاضر، وكان مهماً جداً في نظرهم، فلما سمعوا القرآن عرفوا بأن ذلك ليس شعراً ، وليس بطلاسم المشعوذين والسحرة، وإن فيه من البيان العظيم، والفصاحة البليغة، واخبار الأمم السابقة، لذلك أسلم الكثير ممن فتح الله على قلوبهم، وأنار بصائرهم ، أما الذين أعرضوا عن سماع الحق، وتولوا عن مخالطة الصحابة الذين اعتبروهم في زعمهم صابئة لأنهم تركوا دين آبائهم ، وانخرطوا في دين لم تعترف به قلوب كفار قريش كفراً وجحوداً ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألم على حالهم ، وهو الرحمة المهداة للبشرية ، صلى الله عليه وسلم ، ولكنه كان يسليه ربه ويقول له (إنما عليك البلاغ) ويقول سبحانه (إنك لا تهدي من أحببت) ويقول سبحانه ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم إنما يتبعون أهواءهم ) (1). ويقول سبحانه ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) (2). لذلك جاءت هذه الآية في شدة المعترك بين الحق والباطل، وبين نصرة الحق وأهله، ودحض الباطل وأهله ، وكانت الفرقان بينهما ، فجاء فيها وصف هؤلاء الكفار المعاندين لدين الله ، وأعني هنا أن كفار قريش كانوا وثنيين يعبدون الأصنام ، وهي في واقع الأمر كانت صوراً منحوتة في الصخور لرجال صالحين كانوا يعبدون الله على دين الحنيفية ، دين إبراهيم عليه السلام، ولكن مع طول الأمد ، وغواية الشيطان لهم ، أخذوا يعتقدون فيها وأنها تقربهم إلى الله ببركة أصحابها الصالحين، فأخذوا يقربون القرابين لها ، ويعبدونها مع الله ، فأصبحوا بذلك مشركين ، فمنهم من أسلم مع النبي ، ومنهم من بقي على كفره وعناده، فقال الله سبحانه وتعالى (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) أي الأمر عندهم سيَّان لأنهم لم ترد قلوبهم سماع الحق ولا إتباعه.
الوقفات
1- الكفر هو الغطاء الذي يغطي القلب فهؤلاء مغطاة قلوبهم عن الحق.
2- مهمة الرسل البلاغ فقط ، وفي هذا درس للدعاة لدين الله.
3- الران الذي على قلوب الكفار من شدة إعراضهم عن دين الله جعل قلوبهم منكرة للحق مقبلة على الباطل فأصبحت الأمور لديها متشابهة سواء دعيت وأنذرت أم لم تنذر فلن تفتح للإيمان.
______________
(1) سورة القصص : 50.
(2) سورة فاطر: 8.
_____________
آيات ووقفات (الحلقة الثانية عشرة)
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (8)
وهذا هو المانع الشديد ، والحائل المحيد، عن الطريق السديد، ذلك الطبع وهو الختم الذي جعله الله بسبب كفرهم (2) . فلا يدخلها الإيمان، ولا تقر به أنفسهم، ولا تعرف الطريق إليه، قال مجاهد (ختم الله على قلوبهم ) قال:الطبع ثبتت الذنوب على القلب فحفت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم. وجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه في الصحيح أن رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "تعرض الفتن على القلب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً" (3). أما أسماعهم فجعلها مغلقة عن سماع الحق، معرضة عنه ، فلا يهتدون إليه، وأبصارهم عليها غشاوة ، فلا ترى الحق ، ولا تتحقق من وجوده، إذ هي معمية عنه فيكون الكافر والعياذ بالله أعمى البصر ، ومطموس البصيرة . ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد الوعظ والبلاغ، فقد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من على الصفا لما أمره الله بالجهر بالدعوة فجمع أهل قريش، وقال لهم إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد، فقال له أبا لهب : تباً لك ألهذا جمعتنا؟ ، والحوادث كثيرة ، وإيذاء أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحاولات قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا والعياذ بالله زيغ منهم فكان جزاء لهم أن أضل الله قلوبهم (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) لأنهم لم تفدهم المواعظ ، وأساليب الدعوة المختلفة، حتى أن رسول الله بقي يدعوا قومه ثلاثة عشر عاماً ، فما آمن معه إلا قليل ، ومعروفه قصته حينما ذهب إلى الطائف ، وأدموا جهلتها قدماه الشريفتان، وفي هذا تذكير للدعاة ، أن الطريق شائك، والأعداء كثير، والشهوات محفوفة بالنار، والجنة محفوفة بالمكاره، والطريق غير ممهد، والقلوب مختلفة، فلا يحسب الداعية أن الدعوة سهلة المنال، ولا أن يتوقف عنها لأن هؤلاء الناس لن يهتدوا لختم الله على قلوبهم، ولكن يجب عليه التحلي أولاً بالعلم الشرعي الصحيح، ثم بالحلم، والصفات العظيمة التي كان يتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يضع في باله أنه يجب على من بلغ أن يهتدي ، كلا الأمر ليس كذلك، ولكن عليه أن يبلغه بالعلم الشرعي، والوسائل المتاحة اليوم ، من وسائل الاتصالات المختلفة، فبالإمكان الآن أن ترسل أي ملف صوتي أو مرئي إلى أي جهة في العالم، ومن أي جهاز حاسوب كان فالدعوة ليست مقصورة في مكان معين ، أو بطريقة واحدة فقط. إننا اليوم نتمتع ولله الحمد بالبرامج الكثيرة، والكتب الموضوعة في شبكة الإنترنت، والتي اختصرت الكثير من الأوقات في البحث ، والتأصيل ، والتخريج، والتفسير ، والترجمة كل ذلك موجود في البرامج الحاسوبية، والمواقع المنتشرة في الإنترنت.
فلا يعني أبداً أن نيأس من دعوة الكفار ، أو تبليغهم ديننا، وتعاليمنا التي ننعم بها ولله الحمد والمنة، لهذا فحري بنا أن نقوم بكل ما بوسعنا القيام به كي تنتشر الدعوة ، وينتشر الإسلام ، والذي أصبحت صورته اليوم مشوهة، وأخبار الناس عنه غريبة وعجيبة، فلقد اقض مضاجع اليهود ، والنصارى الحاقدين ، انتشار الإسلام ، ومعرفة الناس لأسراره، وروحانية النفس في ظلاله، فأغاظهم ذلك ، وحاربوه أشد المحاربة، وشنوا الحملات تلوا الحملات للقضاء عليه ولكنهم لم ولن يستطيعوا فالله عز وجل هو حافظه.
الوقفات
1- الختم على القلوب نعوذ بالله من ذلك يكون بتجمع الذنوب والمعاصي على القلوب حتى تصبح مغطاة بها تماماً ، فلا تقبل موعظة، ولا تهتدي لهدى الله ، ويكون على الكفار نتيجة إعراضهم وشدة جحودهم وعنادهم للحق. ولكن باب التوبة مفتوح للتائبين و التوبة تجب(1) ما قبلها.
2- وجوب الدعوة إلى الله لإقامة الحجة على المدعوين.
3- يجب على المسلم أن يستمع للمواعظ ، والقرآن فكما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، وجلائها كتاب الله).
4- الله عز وجل يختم على القلوب المعرضة عن سبيله، فيجعلها أشد إعراضاً ثم يعذبها نتيجة لذلك.
_____________
(2) الكفر في اللغة هو الغطاء ، أي مغطاة قلوبهم عن إدراك الحق.
(3) صحيح : مسلم (144) .
(1) أي يتجاوز الله عن جميع الذنوب التي قبل التوبة ، وورد في القرآن أن الله يبدل سيئاتهم حسنات.
____________
آيات ووقفات (الحلقة الثالثة عشرة)
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9)
هذه الآية جاءت تعبر عن نفوس غريبة، وأمزجة عجيبة، ظهرت في الساحة الإسلامية، ظهرت في أروقة المكر والمكيدة للنبي وأصحابه، إنها نفوس المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يظهرون حب الله ورسوله ، ويدفنون البغض لدين الله، ولم يكن هذا الصنف معروفاً في مكة ، فكان هناك إما مسلم وإما كافر، أما النفاق فما عرف عن وجوده النبي صلى اله عليه وسلم إلا بعد نزول هذه الآيات ، لكي يستعد رسول الله لمواجهة الأعداء من داخل الصف المسلم نفسه، فهناك من يدعي الإسلام وقلبه أبعد ما يكون عنه، لهذا أظهر الله صفات هؤلاء ، وبينها أيما تبيين ، فهم يقولون (آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) بل هم منافقين ، قال ابن كثير : النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر ، وهو أنواع : اعتقادي ، وهو الذي يخلد صاحبه في النار وعملي وهو من أكبر الذنوب. وهكذا عرفنا كيف أن هؤلاء كانوا يستترون بلا إله إلا الله كي يحموا أنفسهم من القتل ، وإلا فهم أصلاً كفار (يخادعون الله والذين آمنوا ) قال بن كثير أي بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك وأن ذاك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين قال تعالى ( يوم يبعثهم جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون) ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله (وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) يقول : وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون أنفسهم وما يشعرون) ، هذه بعض أوصاف هؤلاء المتمردون على شريعة الله، المبغضين لدين الله ، ولرسول الله عليه الصلاة والسلام، إنهم يريدون أن يخادعوا رسول الله ويظهروا له الإسلام ولكنهم يبطنون الكفر، فيوصفه الله بجهلهم بأنهم يريدون مخادعة الله، وهو العليم سبحانه بذات الصدور، والعليم سبحانه بما توسوس به النفوس، فكيف يظن هؤلاء بربهم ، كيف لا يعظمون الله خصوصاً بعد نزول هذه الآيات التي فضحت أوارهم، وعرت مكائدهم وخداعهم.
الوقفات
1- تقرير حماية الله لرسوله وكشف أحوال المنافقين.
2- سوء الظن بالله عند المنافقين فيحسبون أن بإمكانهم التخطيط، وضرب الإسلام من داخل الصف بدون علم الرسول ، وتغافلوا عن الوحي الموحى للنبي عن طريق جبريل والذي كان يكشف بالآيات كل ما يحاك لضرب المسلمين.
3- الإيمان لا يكون فقط بالكلام، فمن خالف عمله قوله فلا تنفعه قوله الشهادتين، كمن يشد الرحال إلى غير الأماكن التي يشد الرحال إليها، أو يطوف بمكان لم يرد في القرآن أو السنة ما يتعلق بها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى).
4- فضح الله المنافقين ، وأخبر رسوله بأنهم صنف يجالسون الصحابة، ويخالطونهم ، وهم والعياذ بالله كفار لبسوا لباس الإسلام ، وقلوبهم حاقدة على الدين وأهله.
___________
آيات ووقفات (الحلقة الرابعة عشرة)
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذابٌ أليم بما كانوا يكذبون (10) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12)
يضيف الرب سبحانه وتعالى المزيد من الصفات التي اتصف بها المنافقين ، واتسموا بمعالمها، إنها صفات غريبة الطابع، صفات ليست ظاهرة للعيان، إنها صفات داخلية عميقة، صفات تتعلق بقلوب مريضة، شنت الحرب بالتحريض على محمد وحزبه، وبالحقد على الإسلام لضربه من الداخل قبل العدو الخارجي، ولكن هل يهزم من كان الله معه؟ هل يذل من أعزه الله؟ لا والله فما بالك في نبي الله ، ما بالك في نبي الرحمة للبشرية هل يذل أو يخزى ؟ وهو يكشف الله له مخططات المنافقين، هل يذل وهو الذي قال الله فيه (بالمؤمنين رءوف رحيم) ، ولكن هؤلاء المنافقين كانت قلوبهم مريضة ، وأنفسهم معبأة بالحقد والغل، فماذا كان مرضها ؟ هل كان مرض جسدي ؟ قال ابن عباس : (في قلوبهم مرض ) أي شك (1). قال زيد بن أسلم مرض في الدين وليس مرض في الجسد ، وهم المنافقون والمرض الشك، الذي دخلهم في الإسلام فزادهم الله مرضاً، قال تعالى (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون ، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم). إذاً تلك هي الصفة الأولى التي بينها الله عز وجل للمسلمين كي يكونوا على حذر، ويكونوا على بينة من أمرهم، وأن لا تختلط عليهم الأمور، وتنتشر الثقة بكل البشرية، فأمثال هؤلاء يتحينون الفرصة تلوا الفرصة ، للقضاء على الدعوة، وللحيلولة دون قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، ومع ذلك فتراهم يظهرون التقوى، ويظهرون المسكنة، والخشوع رياءً وسمعة، ثم جاءت الصفة الأخرى المتسمة بالثقة الزائدة بالنفس، وإظهار الصلاح ، والله يرصد ويكشف أسرارهم (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) قال سلمان الفارسي رضي الله عنه إن أصحاب هذه الآية لم يظهروا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم. و قال بن عباس رضي الله عنهما أي إنما نريد أن نصلح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. ولكن حقيقة ما يقومون به هو الإفساد بعينه ولكنهم بجهلهم لا يشعرون. قَالَ اِبْن جَرِير فَأَهْل النِّفَاق مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض بِمَعْصِيَتِهِمْ فِيهَا رَبّهمْ وَرُكُوبهمْ فِيهَا مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبه وَتَضْيِيعهمْ فَرَائِضه وَشَكّهمْ فِي دِينه الَّذِي لَا يُقْبَل مِنْ أَحَد عَمَل إِلَّا بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَالْإِيقَان بِحَقِيقَتِهِ وَكَذِبهمْ الْمُؤْمِنِينَ بِدَعْوَاهُمْ غَيْر مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الشَّكّ وَالرَّيْب وَمُظَاهَرَتهمْ أَهْل التَّكْذِيب بِاَللَّهِ وَكُتُبه وَرُسُله عَلَى أَوْلِيَاء اللَّه إِذَا وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا فَذَلِكَ إِفْسَاد الْمُنَافِقِينَ فِي الْأَرْض وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ مُصْلِحُونَ فِيهَا (2).
الوقفات
1- مرض الشك في الإعتقاد مرض خطير، وداء فاتك بالنفس البشرية، قال الشعراوي رحمه الله ، المسلم مقتنع بدينه، والنصراني مقتنع بدينه كذلك، أما المنافق ففي صراع مع نفسه، ففي قلبه بغض الدين وأهله، وظاهره الصلاح والخير، فيظل في صراع ومخافة أن يفتضح أمره.
2- الإصلاح يكون بنشر الخير والمعرفة، و العلم النافع، وليس بالإفساد في الأرض.
3- كشف الله لنفوس المنافقين وقلوبهم المريضة والتي تتباهى في كل زمان ومكان بالتقوى
والصلاح وهي حقيقة كافرة خارجة عن الدين، ويحسبون أن الله غافلاً عنهم.
_______________
(1) من تفسير ابن كثير.
(2) تفسير ابن كثير.
____________
آيات ووقفات (الحلقة الخامسة عشرة)
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13).
ثم بين الله تبارك وتعالى لنا صفة أخرى من صفات المنافقين، وفيها تتجلى الصورة الواضحة لبغضهم ، واستخفافهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واعتبارهم لهم بأنهم ضعفاء العقول، أو كما يقال ضعفاء النفوس يصدقون الناس سريعاً ، ولا يعرفون مصالحهم، لكن المعرضين عن شريعة الله، وعن منهج الإسلام ، فهم في نظرهم القاصر حكماء ، ويميزون الخير من الشر، ويعرفون مقادير الأمور هكذا كانت صفات المنافقين، يقول الله سبحانه( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يعني لماذا لا تؤمنون كما آمن أصحاب رسول الله، لماذا لا تسلمون ، وتتبعوا الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير رحمه الله : وَإِذَا قِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس أَيْ كَإِيمَانِ النَّاس بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَالْجَنَّة وَالنَّار وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَعَنْهُ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله فِي اِمْتِثَال الْأَوَامِر وَتَرْك الزَّوَاجِر ." قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء " يَعْنُونَ - لَعَنَهُمْ اللَّهُ - أَصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس (انتهى). إذاً هؤلاء يرون إلى أتباع محمد بأنهم سفهاء ، وأنهم ضعفاء الرأي ، والأوصاف التي لا تليق بمسلم، فما بالك في صحابي، تلك النفوس المريضة، والتي أزدادت عداوة ، وشراسة ضد الإسلام وأهله ، يحذر الله النبي وأصحابه منها لأنها خطيرة، ومن داخل الصف الإسلامي، فيرد الله عز وجل (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) نعم وأي سفه أشد من أناس يعايشون النبي ، ويجالسونه، ويسمعون منه ، ومن أصحابه الكرام، ولا يتبعون الهدى، وقلوبهم معرضة عنه، فأخبر الله نبيه بمكرهم ، وتكذيبهم والعياذ بالله بالرسالة، ورسول الله يصبر ، ويتعلم من ربه مكر هؤلاء ، ولكنه ألتزم الحكمة، والتزم الصبر من أجل نجاح الدعوة، وبناء الدولة الإسلامية في المدينة، وانتشار الإسلام فيها، فرفض فكرة قتل المنافقين، وكان يعرف أعيانهم، وقادتهم، إلا أنه كان يقول : أتريدون أن يقولوا الناس أن محمداً يقتل أصحابة، أنظر إلى الحكمة، والنظرة المستقبلية للدعوة، كيف سيكون مصير الدعوة إذا سعى المرجفون وما أكثرهم بنشر مثل تلك الحقائق إذا حدثت؟، كيف سيكون مصير الدعوة إذا تمت تلك التصفيات لتلك الفئة الدخيلة على المجتمع الإسلامي، ولكنه صلى الله عليه وسلم ، كان يكفيه أن يستقبل الوحي، ويقرأه على أصحابه، ويتدارسونه بينهم، ويكتفي بذلك من أجل الدعوة الإسلامية.
الوقفات
1- ذكر الله المنافقين بتسفيههم لأحلام الصحابة وتكبرهم على الحق.
2- أفضلية الصحابة على جميع الخلق، وأن السفهاء حقاً هم المنافقون.
___________
آيات ووقفات (الحلقة السادسة عشرة)
وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون(14)
لا يزال السياق القرآني يصف لنا أوصاف نفوس المنافقين ، ويخبرنا أنها نفوس ماكرة خبيثة، فإذا لقوا وقابلوا المؤمنين ، قالوا آمنا ، واتبعنا الهدى، ويقومون بالشعائر الدينية مثلهم تماماً ، ولكن إذا واجهوا سادتهم اليهود والمشركين قالوا لهم مطمئنينهم نحن معكم ، وموالينكم، ومؤيدينكم ، ولكننا نستهزأ ، ونجامل أولئك السفهاء ،ولكن لا تخافون فنحن معكم وسنعاضدكم ، ولن نكون في صف هؤلاء أبداً، تلك هي الصورة الجديدة التي فهمها محمد عليه السلام، وفهم منها أنه أمام مواجهة صفاً خطيراً من ألد الأعداء ، والعقبات الكأداء، إذا أنهم في داخل الصف الإسلامي، ويتحدثون بلغة القوم، ويقرأون القرآن، ويؤدون الأعمال تقية من القتل، ولكن كل ذلك كانت تكشفه الآيات البينات.
إن تلك الصفات الغريبة في المجتمع المدني ، فتحت باباً آخر لحرب الدعوة بإسم الإسلام، وهذه والله من الصعوبة بمكان، حيث الرسول صلى الله عليه وسلم تتنزل عليه تلك الآيات ، وهو صابر بحكمة بالغة، فهو لا يريد أن يفتح جبهة مع بني عقيدته، وهذا قد يجر على الأمة الفتنة في دينهم ودنياهم، ويكون عقبة في نشر الدعوة الإسلامية ، فالناس بطبيعتهم لا تقبل الظلم، ولا سفك الدماء خصوصاً في مثل تلك الظروف العصيبة، فكيف لو سمع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أناس من أصحابه ، فهل ذلك سيخدم الدعوة، هل ذلك سيصدقه الناس خصوصاً في عصور الجهل بدين الإسلام ، هل ذلك العمل سيخدم دين الله أم أنه سيجر الويلات على المجتمع ، ويحول دون دخول الناس في الدين ؟ وهذه خطوة خطيرة لو أقدم عليها الداعية الأول محمد صلى الله عليه وسلم، وحاشاه أن يفعل ذلك فلقد كان قائداً للأمة الإسلامية في الحكم، وفي الميدان، وفي حفر الخندق، وفي الشورى ، وفي كل أمور المسلمين كانت له البصيرة الثاقبة لكل ما تحتاجه دعوته، لذلك كان هو الإمام المنصف ، والنبي المرسل، والمقاتل الشجاع، وإن العبارات حقيقة لا أستطيع أن أوفيه عليه الصلاة والسلام حقه في المدح والتبجيل في هذه العجالة.
إن المنافقين كانوا معرضين عن الدعوة متبعين غير هدى الله، وذلك نزولاً لرغباتهم، وشهواتهم، التي حالت دون وصل قلوبهم للحق، فهم يستهزءون بالمؤمنين ، ويقولون آمنا ومن تلك العبارات التي يعتقدون أنها تنطلي على النبي وأصحابه، ونسوا أن الله معز جنده، وهازم أعداء الدعوة في كل زمان ومكان.
الوقفات:
1- المخادعة والمجاملات على حساب الدين صفة من صفات المنافقين.
2- كشفت الآيات تولي المنافقين لأحبار اليهود والمشركين (شياطينهم).
3- الاستهزاء بالدين وأهله ، وتسفيه عقول الصالحين من طبيعة المنافقين.
___________
آيات ووقفات (الحلقة السابعة عشرة)
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13).
ثم بين الله تبارك وتعالى لنا صفة أخرى من صفات المنافقين، وفيها تتجلى الصورة الواضحة لبغضهم ، واستخفافهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واعتبارهم لهم بأنهم ضعفاء العقول، أو كما يقال ضعفاء النفوس يصدقون الناس سريعاً ، ولا يعرفون مصالحهم، لكن المعرضين عن شريعة الله، وعن منهج الإسلام ، فهم في نظرهم القاصر حكماء ، ويميزون الخير من الشر، ويعرفون مقادير الأمور هكذا كانت صفات المنافقين، يقول الله سبحانه( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يعني لماذا لا تؤمنون كما آمن أصحاب رسول الله، لماذا لا تسلمون ، وتتبعوا الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير رحمه الله : وَإِذَا قِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس أَيْ كَإِيمَانِ النَّاس بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَالْجَنَّة وَالنَّار وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَعَنْهُ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله فِي اِمْتِثَال الْأَوَامِر وَتَرْك الزَّوَاجِر ." قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء " يَعْنُونَ - لَعَنَهُمْ اللَّهُ - أَصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس (انتهى). إذاً هؤلاء يرون إلى أتباع محمد بأنهم سفهاء ، وأنهم ضعفاء الرأي ، والأوصاف التي لا تليق بمسلم، فما بالك في صحابي، تلك النفوس المريضة، والتي أزدادت عداوة ، وشراسة ضد الإسلام وأهله ، يحذر الله النبي وأصحابه منها لأنها خطيرة، ومن داخل الصف الإسلامي، فيرد الله عز وجل (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) نعم وأي سفه أشد من أناس يعايشون النبي ، ويجالسونه، ويسمعون منه ، ومن أصحابه الكرام، ولا يتبعون الهدى، وقلوبهم معرضة عنه، فأخبر الله نبيه بمكرهم ، وتكذيبهم والعياذ بالله بالرسالة، ورسول الله يصبر ، ويتعلم من ربه مكر هؤلاء ، ولكنه ألتزم الحكمة، والتزم الصبر من أجل نجاح الدعوة، وبناء الدولة الإسلامية في المدينة، وانتشار الإسلام فيها، فرفض فكرة قتل المنافقين، وكان يعرف أعيانهم، وقادتهم، إلا أنه كان يقول : أتريدون أن يقولوا الناس أن محمداً يقتل أصحابة، أنظر إلى الحكمة، والنظرة المستقبلية للدعوة، كيف سيكون مصير الدعوة إذا سعى المرجفون وما أكثرهم بنشر مثل تلك الحقائق إذا حدثت؟، كيف سيكون مصير الدعوة إذا تمت تلك التصفيات لتلك الفئة الدخيلة على المجتمع الإسلامي، ولكنه صلى الله عليه وسلم ، كان يكفيه أن يستقبل الوحي، ويقرأه على أصحابه، ويتدارسونه بينهم، ويكتفي بذلك من أجل الدعوة الإسلامية.
الوقفات
1- ذكر الله المنافقين بتسفيههم لأحلام الصحابة وتكبرهم على الحق.
2- أفضلية الصحابة على جميع الخلق، وأن السفهاء حقاً هم المنافقون.
_________
آيات ووقفات (الحلقة السابعة عشرة)
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13).
ثم بين الله تبارك وتعالى لنا صفة أخرى من صفات المنافقين، وفيها تتجلى الصورة الواضحة لبغضهم ، واستخفافهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واعتبارهم لهم بأنهم ضعفاء العقول، أو كما يقال ضعفاء النفوس يصدقون الناس سريعاً ، ولا يعرفون مصالحهم، لكن المعرضين عن شريعة الله، وعن منهج الإسلام ، فهم في نظرهم القاصر حكماء ، ويميزون الخير من الشر، ويعرفون مقادير الأمور هكذا كانت صفات المنافقين، يقول الله سبحانه( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يعني لماذا لا تؤمنون كما آمن أصحاب رسول الله، لماذا لا تسلمون ، وتتبعوا الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير رحمه الله : وَإِذَا قِيلَ لِلْمُنَافِقِينَ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاس أَيْ كَإِيمَانِ النَّاس بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْبَعْث بَعْد الْمَوْت وَالْجَنَّة وَالنَّار وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَعَنْهُ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله فِي اِمْتِثَال الْأَوَامِر وَتَرْك الزَّوَاجِر ." قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء " يَعْنُونَ - لَعَنَهُمْ اللَّهُ - أَصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس (انتهى). إذاً هؤلاء يرون إلى أتباع محمد بأنهم سفهاء ، وأنهم ضعفاء الرأي ، والأوصاف التي لا تليق بمسلم، فما بالك في صحابي، تلك النفوس المريضة، والتي أزدادت عداوة ، وشراسة ضد الإسلام وأهله ، يحذر الله النبي وأصحابه منها لأنها خطيرة، ومن داخل الصف الإسلامي، فيرد الله عز وجل (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) نعم وأي سفه أشد من أناس يعايشون النبي ، ويجالسونه، ويسمعون منه ، ومن أصحابه الكرام، ولا يتبعون الهدى، وقلوبهم معرضة عنه، فأخبر الله نبيه بمكرهم ، وتكذيبهم والعياذ بالله بالرسالة، ورسول الله يصبر ، ويتعلم من ربه مكر هؤلاء ، ولكنه ألتزم الحكمة، والتزم الصبر من أجل نجاح الدعوة، وبناء الدولة الإسلامية في المدينة، وانتشار الإسلام فيها، فرفض فكرة قتل المنافقين، وكان يعرف أعيانهم، وقادتهم، إلا أنه كان يقول : أتريدون أن يقولوا الناس أن محمداً يقتل أصحابة، أنظر إلى الحكمة، والنظرة المستقبلية للدعوة، كيف سيكون مصير الدعوة إذا سعى المرجفون وما أكثرهم بنشر مثل تلك الحقائق إذا حدثت؟، كيف سيكون مصير الدعوة إذا تمت تلك التصفيات لتلك الفئة الدخيلة على المجتمع الإسلامي، ولكنه صلى الله عليه وسلم ، كان يكفيه أن يستقبل الوحي، ويقرأه على أصحابه، ويتدارسونه بينهم، ويكتفي بذلك من أجل الدعوة الإسلامية.
الوقفات
1- ذكر الله المنافقين بتسفيههم لأحلام الصحابة وتكبرهم على الحق.
2- أفضلية الصحابة على جميع الخلق، وأن السفهاء حقاً هم المنافقون.
______________________
آيات ووقفات (الحلقة الثامنة عشرة)
وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون(14)
لا يزال السياق القرآني يصف لنا أوصاف نفوس المنافقين ، ويخبرنا أنها نفوس ماكرة خبيثة، فإذا لقوا وقابلوا المؤمنين ، قالوا آمنا ، واتبعنا الهدى، ويقومون بالشعائر الدينية مثلهم تماماً ، ولكن إذا واجهوا سادتهم اليهود والمشركين قالوا لهم مطمئنيهم نحن معكم ، وموالينكم، ومؤيدينكم ، ولكننا نستهزئ ، ونجامل أولئك السفهاء ،ولكن لا تخافون فنحن معكم وسنعاضدكم ، ولن نكون في صف هؤلاء أبداً، تلك هي الصورة الجديدة التي فهمها محمد عليه السلام، وفهم منها أنه أمام مواجهة صفاً خطيراً من ألد الأعداء ، والعقبات الكأداء، إذا أنهم في داخل الصف الإسلامي، ويتحدثون بلغة القوم، ويقرأون القرآن، ويؤدون الأعمال تقية من القتل، ولكن كل ذلك كانت تكشفه الآيات البينات.
إن تلك الصفات الغريبة في المجتمع المدني ، فتحت باباً آخر لحرب الدعوة بإسم الإسلام، وهذه والله من الصعوبة بمكان، حيث الرسول صلى الله عليه وسلم تتنزل عليه تلك الآيات ، وهو صابر بحكمة بالغة، فهو لا يريد أن يفتح جبهة مع بني عقيدته، وهذا قد يجر على الأمة الفتنة في دينهم ودنياهم، ويكون عقبة في نشر الدعوة الإسلامية ، فالناس بطبيعتهم لا تقبل الظلم، ولا سفك الدماء خصوصاً في مثل تلك الظروف العصيبة، فكيف لو سمع الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أناس من أصحابه ، فهل ذلك سيخدم الدعوة، هل ذلك سيصدقه الناس خصوصاً في عصور الجهل بدين الإسلام ، هل ذلك العمل سيخدم دين الله أم أنه سيجر الويلات على المجتمع ، ويحول دون دخول الناس في الدين ؟ وهذه خطوة خطيرة لو أقدم عليها الداعية الأول محمد صلى الله عليه وسلم، وحاشاه أن يفعل ذلك فلقد كان قائداً للأمة الإسلامية في الحكم، وفي الميدان، وفي حفر الخندق، وفي الشورى ، وفي كل أمور المسلمين كانت له البصيرة الثاقبة لكل ما تحتاجه دعوته، لذلك كان هو الإمام المنصف ، والنبي المرسل، والمقاتل الشجاع، وإن العبارات حقيقة لا أستطيع أن أوفيه عليه الصلاة والسلام حقه في المدح والتبجيل في هذه العجالة.
إن المنافقين كانوا معرضين عن الدعوة متبعين غير هدى الله، وذلك نزولاً لرغباتهم، وشهواتهم، التي حالت دون وصل قلوبهم للحق، فهم يستهزءون بالمؤمنين ، ويقولون آمنا ومن تلك العبارات التي يعتقدون أنها تنطلي على النبي وأصحابه، ونسوا أن الله معز جنده، وهازم أعداء الدعوة في كل زمان ومكان.
الوقفات:
1- المخادعة والمجاملات على حساب الدين صفة من صفات المنافقين.
2- كشفت الآيات تولي المنافقين لأحبار اليهود والمشركين (شياطينهم).
3- الاستهزاء بالدين وأهله ، وتسفيه عقول الصالحين من طبيعة المنافقين.
________________
آيات ووقفات (الحلقة التاسعة عشرة)
الله يستهزئُ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون(15) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16)
بعدما وصف الله عز وجل حال المنافقين، وأن ظاهرهم يخالف باطنهم، وأنهم إذا اجتمعوا مع المؤمنين أظهروا الورع، والتقوى، وإذا اجتمعوا بأشرار اليهود والمشركين وسادتهم المنافقين ، قالوا لهم إننا فقط نجاملهم و نسخر منهم، وإلا فإننا معكم ، ولا تخشوا تزحزحنا عنكم أبداً، تلك النفوس المريضة بمرض الشك، وبغض الحق وأهله، أصبحت غارقة في أوحال الضلال، فلم تعد تنفعهم موعظة، ولا توقظ غفلتهم الآيات، فلأنهم يستهزئون بالمؤمنين الصادقين (الله يستهزئ بهم ) قال السعدي رحمه الله : فمن استهزائه سبحانه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والأحوال الخبيثة حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين نوراً ظاهراً، فإذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين، فما أعظم اليأس بعد الطمع (ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم) ، وقوله (يمدهم) أي يزيدهم (في طغيانهم) أي في فجورهم وكفرهم (يعمهون) أي حائرون انتهى . لقد جازاهم الله عز وجل بأن زين لهم باطلهم، وأعمى بصيرتهم، وأفسد مخططاتهم، وأخفض رايتهم، ومزق شملهم، وكشف زيفهم، وتركهم غارقون في فجورهم، غائضة صدورهم، فللمؤمنين النور التام يوم القيامة، ولهؤلاء الظلام والندامة، للمؤمنين السعادة والحبور، وللمنافقين الشقاء والثبور، جزاء لهم على سوء صنيعهم والعياذ بالله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) هذا هو وصفهم بالخسران المبين، فهو كمن دفع أمواله لشراء شيء ثم وجد ذلك الشيء تالفاً، فهو خاسر ، كمن بذل جوهرة وأخذ عنها درهماً ، فبئست التجارة وبئست الصفقة، هكذا حال المنافقين ، استبدلوا الهداية بالضلال، واستحبوا سوء الخلال. قال الطبري رحمه الله : عَنْ ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود مِنْ تَأْوِيلهمَا قَوْله : { اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى } أَخَذُوا الضَّلَالَة وَتَرَكُوا الْهُدَى . وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ كَافِر بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ مُسْتَبْدِل بِالْإِيمَانِ كُفْرًا بِاكْتِسَابِهِ الْكُفْر الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ بَدَلًا مِنْ الْإِيمَان الَّذِي أُمِرَ بِهِ . أَوْ مَا تَسْمَع اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُول فِيمَنْ اكْتَسَبَ كُفْرًا بِهِ مَكَان الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ : { وَمَنْ يَتَبَدَّل الْكُفْر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل } 2 108 وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الشِّرَاء , لِأَنَّ كُلّ مُشْتَرٍ شَيْئًا فَإِنَّمَا يَسْتَبْدِل مَكَان الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُ مِنْ الْبَدَل آخَر بَدَلًا مِنْهُ , فَكَذَلِكَ الْمُنَافِق وَالْكَافِر اسْتَبْدَلَا بِالْهُدَى الضَّلَالَة وَالنِّفَاق , فَأَضَلَّهُمَا اللَّه وَسَلَبَهُمَا نُور الْهُدَى فَتَرَك جَمِيعهمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ . وعَنْ قَتَادَةَ : { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتهمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } قَدْ وَاَللَّه رَأَيْتُمُوهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْهُدَى إلَى الضَّلَالَة , وَمِنْ الْجَمَاعَة إلَى الْفُرْقَة , وَمِنْ الْأَمْن إلَى الْخَوْف , وَمِنْ السُّنَّة إلَى الْبِدْعَة .
الوقفات
1- بيان أن عدم معاقبة المنافقين حال ظهور نفاقهم كان لزيادة فجورهم وعذابهم في الآخرة.
2- بيان استبدال المنافقين وأخذهم للضلال وترك الهدى وهم أصلاً ليسوا بمؤمنين حتى يستبدلوا الإيمان بالضلال ولكن لعدم أخذهم الهدى أساساً وهو المفترض من الإنسان أخذه اعتبره الله بأن أولئك المنافقون تركوا الهدى واتخذوا الضلال فبئس المكسب.
3- بيان أن تجارة المنافقين خاسرة، وقد ضلوا الطريق القويم.
_________
آيات ووقفات (الحلقة العشرون)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17).صم بكم عمي فهم لا يرجعون (18)
لا يزال الرب سبحانه وتعالى يورد الأوصاف الدونية التي يتصف بها المنافقون، والتي جعلتهم مكشوفين ، مفضوحين أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فشبههم الله في هذه الآية برجل استوقد ناراً لكي يبصر طريقه، ومكانه الذي هو فيه فلما أطمأن لنور ذلك القبس الناري، فإذا به يفقده فجأة ويذهب الله به، فذلك تماماً حال المنافقين الذين رأوا الآيات القرآنية، والبينات والهدى ، فرأوا نور الهداية، ثم انتكسوا وكفروا فعادوا إلى ظلمات الكفر والنفاق(1). أما وصفهم بأنهم (صم بكم عمي ) فكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يسمعون الهدى, ولا يبصرونه ولا يعقلونه. لا حول ولا قوة إلا بالله ، علماً بأن حواسهم موجودة ، ولكن لشدة طغيانهم وتمردهم على أوامر الله ، وبغضهم لما أنزل الله على رسوله، والتآمر على الكيد للرسول وأصحابه ، أفقدهم الله خواص تلك الحواس فلا تسمع الحق ولا تبصره ولا تعقله، مع وجود أدوات الحس ، ولكنهم بسلوكهم المشين استحقوا أن تكتب عليهم الضلالة والعياذ بالله (فهم لا يرجعون ) أي لا يتوبون ولا يعودون إلى الصواب.هذه هي نتيجة الإعراض عن الله، وعن أوامره، والكيد لدين الله أن المرء يحبط الله عمله، ويجعله لا يعد يسمع الحق أو يعقله، إذ إن مدارك الإحساس في عقله تفتقد التمحيص، والتدقيق في الآيات البينات، والهدايات الواضحات ، فلا يستطيع أن يميز ما ينفعه مما يضره، ولا يستطيع أن يعرف أين طريق الحق المبين، إنها والله الحياة المريرة، وخراب السريرة من أولئك المنافقين، فقد حال الله بينهم وبين ادراكاتهم الحسية فلا يستطيعون التوبة ، أو الرجوع إلى الحق ، إلا أن يتوبوا توبة نصوحاً فباب التوبة مفتوح.
الوقفات
1- خطورة النفاق وأنه طريق للهلاك.
2- ضرب الأمثلة والتشبيه في القرآن أسلوب تربوي من الله عز وجل يقرب الفكرة للأذهان.
3- إذا أصبح الإنسان لا يؤمن بالآيات الواضحات والمعجزات البيَّنات، ولا يستطيع أن يميز عقله ويتمعن في تلك الأمور فإن ذلك يعني أن الختم على القلوب قد بلغ مبلغه.
_________
(1) تفسير الطبري
____________
آيات ووقفات (الحلقة الواحدة والعشرون)
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19) يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير(20)
وهذه صورة أخرى يوضح فيها الرب معالم تلك النفوس التي تمردت على دين الله ، وتنكرت للهدي الرباني ، وتنكرت لأمة محمد ، فضلت عن الطريق القويم ، إنها في ترددها ، وشكها. يذكر الله عز وجل المنافقين في هذه الآية كأنهم مجموعة رجال يمشون في ليلة ظلماء ممطرة فالصيب هو المطر، والرعد هو ملك من الملائكة يزجر السحب (1).أما البرق فكما قال الطبري هي مخاريق بأيدي الملائكة يزجرون بها السحب (2). والمقصود أن حال المنافقين حينما يسمعون القرآن يضعون أصابعهم في آذانهم لأنهم ينزعجون من وعده ووعيده، فكأنهم يشبهون الرجل الذي أمطرت السماء وهو يمشي في الظلمات ويضع أصابعه في أذنيه خشية الموت،وإذا أنار البرق له الطريق مشى فيه ، وإذا أظلم عيه وقف فيرجوا السلامة من ذلك ، أما المنافقون فلا يحسبون أنهم ناجون من عذاب الله لأنه سبحانه محيط بهم ، ولا يستطيعون فكاك أنفسهم من عذابه وغضبه، وفي هذه الآية أشد الوعيد للمنافقين ومن سار على دربهم ، بأنهم لن يعجزوا الله ، والله سيحاسبهم في الدنيا والآخرة، فكأن البرق هو الإيمان والإقرار الذي أقروه بألسنتهم بالله وبرسوله ، يخطف أبصارهم يأخذها من شدة لميعة ، كلما أضاء لهم مشوا فيه ، أي إنهم في إيمانهم يراعون مصالحهم فحسب فيريدون النصرة، والغنائم الدنيوية، فكأن قوله يمشون فيه أي البرق أي يواصلون إيمانهم حينما تكون الأمور في مصالحهم ، وإذا أظلم عليهم قاموا أي توقفوا مكانهم كذلك الماشي في ظلمة الليل والمطر ، وفي هذا دلالة على أن المنافقين إذا فقدوا أو توقفت أمورهم ومصالحهم الدنيوية يتوقفون تماماً كذلك الماشي في الظلمة الذي افتقد لميع البرق فهو متحير في طريقه ، وأولئك متحيرون في ضلالتهم وغيهم فيفتقدون المنهج الصحيح الذي ينبغي إتباعه، ثم جاء التهديد في قوله ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ، أي يستطيع الرب سبحانه وتعالى لو شاء أن يفقدهم حواسهم السمعية والبصرية (إن الله على كل شيء قدير ) أي قادر سبحانه على فعل كل شيء ،" وفي هذا رد على القدرية الذين يرون أن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى ، لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله تعالى (إن الله على كل شيء قدير)"(1).
الوقفات
1- تشبيه المنافقين في إيمانهم كأنهم يتتبعون المصالح فقط.
2- إيمان المنافقين يدور حول مصالحهم قال تعالى ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإذا أصابه خير أطمأن به).
3- ذكر الله مثل الماشي في ظلمات الليل والمطر كمثل إيمان المنافق فإذا رأى البرق وهي مصالحه الإيمانية من غنائم وغيرها مشى واتبع، وإذا أظلم وتعارضت أمور الدين مع مصالحه توقف كالماشي فاحتار في أي منهج يسير.
______________
(1) من كلام الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله.
_________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثانية والعشرون)
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون(21) الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون (22).
في هذه الآية أمر عام للناس بعبادة الله الرب العظيم، فذلك المنهج القويم، والصراط المستقيم، فلا تكون العبادة لأحد غيره، ولا لرب سواه، والل ه عز وجل يذكرنا في هذه الآية انه سبحانه وتعالى هو خالقنا، وخالق من قبلنا ، فهذه منة منه سبحانه وتعالى، الذي أوجدنا من العدم، وجعل في أجسادنا ارواح تقر وتعترف بأن خالقها هو الله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه إما يهودانه ، أو يمجسانه ، أو ينصرانه) أي أن الله عز وجل يضع الفطرة في عباده وهي التوحيد، ولكنه ينحرف بانحراف والديه عن الفطرة فوالداه هما اللذان يجعلانه نصرانياً أو يهودياً ، أو مجوسياً ، وإلا فالأصل فهو مسلم، فنحمد الله عز وجل أن خلقنا مسلمين موحدين لله تبارك وتعالى. وجاءت هذه الآيات بعدما ذكر سبحانه الختم على قلوب المنافقين وتشبيههم بالماشي في الظلمة والذي فقد منهجه فتارة يؤمن المنافق كإضاة البرق للماشي في ظلمة الليل والمطر ، وتارة يعود لضلاله وشكه كالماشي حينما يفقد البرق ،فيذكر الله البشرية جمعاء بأن تعبده وحده فهو خالقهم ومن قبلهم ، وهو خالق حجارتهم التي يعبدونها من دون الله ، ولا تضرهم ولا تنفعهم، فكيف يعبدونها ويتركون عبادة الله الواحد الأحد سبحانه وتعالى (لعلكم تتقون) أي تنجون منم عذابه وسخطه. ثم منَّ سبحانه وتعالى على عباده بأنه وحده هو الذي جعل الأرض للبشرية مفروشة ممهدة سهلة وخاصة بالعيش فلا حياة على أي كوكب آخر إلا هي لقوله تعالى (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) وقوله (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) فليت شركة ناسا وغيرها أن يوفروا ملايينهم التي ينفقونها على مشاريع ستبوء بالفشل لأن ليس هناك حياة إلا على هذا الكوكب الأرض ، فلوا صرفوا تلك الأموال لمعالجة المرضى، أو إغاثة الفقراء في العالم لكان أولى من ضياعها في شيء ورد فيه دليل بعدم صحة حياة للبشر في غير الأرض. وقال سبحانه (والسماء بناءً) السماء كل ما علا فوق الإنسان فهو سماء ، وقال المفسرون هي السحاب (وأنزل من السماء ماءً) أي غيثاً ، وإلا فالمطر عادة يذكر مع المصائب كقوله تعالى (فأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين) وعندما نصح نوح عليه السلام قومه قال (يرسل السماء عليكم مدراراً ) فلم يقل تمطر عليكم السماء والله أعلم. (فأخرج به من الثمرات) الحبوب والثمار من النخيل والفواكه وغيرها، وهي من أرزاق الله علينا نحمده سبحانه ونشكره، (فلا تجعلوا لله أنداداً) أي لا تجعلوا له أشباهاً تعبدونهم ، وتتقربون إليهم بالقرابين والعياذ بالله من ذلك، فكم من تلك المشاهد والمزارات في العالم الإسلامي ، حينما انتشرت البدع والضلالات ، فهناك من يستغيث بالأموات ، ويشد الرحال إلى المقابر والمزارات فأشركوا بالله آلهة أخرى وجعلوا له أشباهاً وآلهة أخرى مع الرب سبحانه، فنعوذ بالله من العمى بعد الهدى،(وأنتم تعلمون)" أن ليس لله شريك ولا نظير ، لا في الخلق ، ولا في الرزق، ولا في التدبير ، ولا في العبادة، فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك "؟(1).
الوقفات
1- بيان أن العبادة لا تصرف إلا للرب سبحانه وتعالى.
2- الله عز وجل له الفضل سبحانه بإيجادنا من العدم ، ولكن ذلك لم يكن للعبث بل للعبادة قال تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون).
3- تذكير الله لعباده بالنعم فذلك يجدد الشكر الله على نعمة ويجدد الإيمان في القلب.
__________
(1) من كلام الشيخ السعدي (بتصرف).
_________________________________
آيات ووقفات (الحلقة الثالثة والعشرون)
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24)
يخاطب الله في هذه الآيات الكفار، وهو يذكرهم ويعلمهم أنه سبحانه وتعالى أرسل رسوله محمد إليها، وأنه سيكون في إتباعه الخير الكثير ، ومعصيته سبباً لدخول جهنم والعياذ بالله، وهذا تهديد شديد، ووعد ووعيد، من الحميد المجيد، (وإن كنتم في ريب ) أي هل تشكون في أن ما أنزل على محمد ليس من عند الله، وليس وحي أوحاه الله إليه ، وإن كنتم تدعون أن هذا كلام أكتتبه ، (فأتوا بسورة من مثله) أي اكتبوا من العربية ، فأنتم أهل الشعر والفصاحة، فاجمعوا الحروف وأتوا بسورة واحدة فقط، وهذا تعجيز من الله فلن يستطيعوا ذلك أبداً، وكذلك اجتمعوا مع أعوانكم ، وشهدائكم إن صدقتم أنهم آلهة لكم من دون الله ، قال ابن كثير: " وقال مجاهد وادعوا شهداءكم قال ناس يشهدون به يعني حكام الفصحاء وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن فقال في سورة القصص " قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين " وقال في سورة الإسراء " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " وقال في سورة هود " أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" وقال في سورة يونس " وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " وكل هذه الآيات مكية ثم تحداهم بذلك أيضا في المدينة فقال في هذه الآية " وإن كنتم في ريب " أي شك " مما نزلنا على عبدنا " يعني محمدا صلى الله عليه وسلم " فأتوا بسورة من مثله " يعني من مثل القرآن قاله مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير والطبري والزمخشري والرازي .
ثم قال تعالى ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) وهذا في تحدٍ كبير من الله عز وجل منزل الكتاب لأولئك المكذبين بأنهم لن يستطيعوا الإتيان بسورة مثل هذا القرآن، فإذا كان الحال كذلك (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) وهذه لمحة ربانية رحيمة ، ودعوة لتلك النفوس المتكبرة ، لعلها تعود إلى الرشد، وتتوق إلى الخلد، في جنة الله ، وتخشى نار الله التي حطبها ووقودها الناس ، "والمراد بالحجارة هي هاهنا حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة وهي أشد الأحجار حرا إذا حميت أجارنا الله منها"(1) . هذا هو التخويف القرآني، والآيات المحركة لكوامن الخشية في القلوب ، ومزعزة كبرياء النفوس، والتي يتفكر فيها يدرك مدى خطورة الإعراض عن منهج الله ، ويعلم علم اليقين ان هذا كلام رب العزة والجلال يهدد فيه من أعرض عن منهج الله، فيحدد الله عز وجل أن تلك النار على عظمتها، وهول حرارتها ، معدة ومهيأة للكافرين المعاندين لدين الله.
الوقفات
1- وجوب اليقين التام بأن هذا القرآن منزل من عند الله عن طريق جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
2- الإعجاز اللغوي البلاغي التام للقرآن واستحالة الإتيان ولو بسورة من مثله لأنه كلام الرب تبارك وتعالى.
3- إثبات وجود نار جهنم أجارنا الله منها، وإعدادها للكافرين كي تكون نزلاً لهم.
_________
(1) من كلام الإمام أبن كثير رحمه الله.
___________
آيات ووقفات (الحلقة الرابعة والعشرون)
وبشر الذين آمنوا أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (25)
عندما ذكر الله عز وجل صفات الكافرين ، والمنافقين ، وأحوالهم ومصيرهم الذي سيئولون إليه ، وتهديدهم بأن مصيرهم للنار إن لم يتبعوا دين الإسلام ، وستكون جهنم المعدَّة لأمثالهم هي دارهم ونزلهم والعياذ بالله من ذلك، تلك الصورة المرعبة لأولئك المتمردين على منهج الله هي ومآلهم زرعت في القلوب المؤمنة مخافة الله، والتعوذ من مصير أولئك الكفار، وحفزت همم المؤمنين للعدول عن كل ما يغضب الله للنجاة من النار، لأن قلوبهم حية تشعر وتستشف وعد الله ووعيده، لذلك فإن الله عز وجل يذكر في كتابه العزيز ، حال الكفار ثم يعقب عليه بحال المؤمنين المتقين، أو العكس، وهذا معنى تسمية القرآن مثاني*، لكي يختار الإنسان السلوك، والعمل الذي يريده (إما شاكراً وإما كفوراً) لذلك أتت هذه الآية لتزيد من يقين وطمع المؤمنين برحمة الله ، والوصول إلى رضاه عز وجل ودخول جنته، فقال سبحانه ( وبشر الذين آمنوا) أي بشرهم يا محمد ، وأخبرهم بطريقة تبشيرية لتفرح بها قلوبهم، وأن أعمالهم لا تضيع عند الله عز وجل (إن الله لا يضيع أجر المحسنين) وأخبرهم بأن الجنة معدَّة ومهيأة للمؤمنين المتبعين لمنهج الله ورسوله، (أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي تجري الأنهار من تحت أشجارها، وهي أنهار الماء ، واللبن، والعسل ، والخمر، وقد جاء في الحديث ( ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) ، ففهيا كل ما تحبه النفس ، وتتوق إليه ، فما يتمنون في هذه الآية سيرونه عياناً بياناً، وصدقاً في الدار الآخرة إن هم رضي الله عنهم ورحمهم، (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) أي يرون الفاكهة التي في الجنة فيعرفون أنها تشابه التي كانت في الدنيا، قال عكرمة : وأتوا به متشابها " قال : يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب ،وقوله تعالى " ولهم فيها أزواج مطهرة " قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس مطهرة من القذر والأذى. وقال مجاهد من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد وقال قتادة مطهرة من الأذى والمأثم (1). وهذا يبين لنا كيف تلك الآلاء العظيمة التي يتمتع بها المسلم في جنة الله ، وكيف أن الله عز وجل يوفر لهم كل ما تشتهيه أنفسهم، سواء الروحية ، أو الجسدية، فجمال الخضرة ، والأنهار ، والفواكه، والزوجات، والمأكل والمشرب، وكل ماتتمناه النفس موجود، فيا من أغرق نفسه في شهوات الدنيا ، يا من نسيت الآخرة ونعيمها، وغرقت في المعاصي والآثام ، يا من أردت حياة قصيرة، وتناسيت حياة دائمة خالدة، متى تستيقظ وتعود إلى رشدك، متى تترك جميع ما يغضب الله من كبائر أو صغائر ، متى تعرف أن الجنة للمعرضين عن الحرام، فهلا صحوت من غفلتك، هلا عرفت أن الحق واضح ناصع وأن الباطل مزين من شياطين الإنس والجن، نسأل الله أن يشملنا برحمته وعفوه، لهذا فإن هذه الآية فيها دعوة عظيمة لإيقاظ القلوب الغافلة عن تلك النعم التي لا يشابهها نعم في الحياة الدنيا فقد جاء في الحديث ( يغمس أنعم أهل الأرض في النار غمسه فيقول له الرب هل ذقن نعيم قط، فقال لا وعزتك يارب ، ويؤتى بأشقى أهل الأرض فيغمس في الجنة غمسه فيقول له الرب هل ذقت شقاءً قط قال لا وعزتك يارب ) ، ثم قال سبحانه وتعالى (وهم فيها خالدون) أي مخلدون إلى الأبد ولا يخرجون منها ويحل عليهم رضا الرب سبحانه فلا يغضب عليهم أبداً.
الوقفات
1- تبشير المؤمنين بالجنة ونعيمها فيه الحث على فعل الصالحات.
2- ما في الجنة لا يشابه الذي في الدنيا إلا بالمسميات فقط وإلا ففي الجنة يختلف كل شيء في جماله وفضله.
3- الخلود التام في الجنة وتذكر ذلك يجعل المسلم يستحقر هذه الدنيا القصيرة فيعرض عنها وعن ارتكاب المعاصي والآثام كي لا يتردى في جهنم أعاذنا الله والمؤمنين منها.
آيات ووقفات (الحلقة الخامسة والعشرون)
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين (26)
إن الله عز وجل يعلمنا في هذه الآية كيف يكون الأسلوب في تعليم الناس، بضرب الأمثلة، وتبسيط الأمور، وشرحها كي يتفهمها الناس، فالله عز وجل يرد في هذه الآية على من أنكر كيف أن الله يذكر ألأمثال في الأشياء قليلة الشأن، وليس الأمر يقتضي الإنكار بل هذا من التربية الربانية، وحسن التعليم الرباني لعباده، فما علينا إلا التسليم والقبول لذلك (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) المؤمنين يقرون، ويعترفون بمراد الله ، ومشيئته ، ويتفهمون مقاصده ، وتعليمه لهم.
وفي المقابل ينكر الله عز وجل على أفعال الكفار، وأقوالهم حيث قالوا (ماذا أراد الله بهذا مثلاً) فيزدادون بذلك الإعتراض كفرا، وبعداً عن منهج الله، والمؤمنين يزدادون إيماناً وقرباً لله. فإن علم المؤمنين ما تضمنته الآيات ، والأمثلة المذكورة فيها ، أزدادوا إيماناً ، وإن لم يعلموا مقصد الله فيها، وخفي عليهم ذلك أيقنوا بأن الله لم يضرب تلك الأمثال عبثاً، بل لحكمة أرادها سبحانه وتعالى.
فعلى العبد أن يسلم لله أموره، ويضبط سلوكياته على المنهج الذي يريده سبحانه وتعالى، وأن يخضع لأوامر الله ، ويجعل في قرارة نفسه أن الله لم يضرب تلك الأمثال إلا لحكمة بالغة، ولكنه سبحانه يضل المعرضين عن منهجه ، المعاندين لشرعه ، وذلك بعدله سبحانه وتعالى(وما يضل به إلا الفاسقين ) المعاندين لله ، والذين صار الفسق صفة من صفاتهم التي يتصفون بها. قال السعدي رحمه الله : الفسق نوعان: مخرج من الدين كالمذكور في هذه الآية، وغير مخرج من الدين كالذي جاء في قوله (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
الوقفات
1- الله يضرب الأمثال لتقريب المعاني في عقول البشر ليفهموا مقاصد الله.
2- وجوب الرضوخ لأوامر الرب تبارك وتعالى.
3- الضلال لا يكون إلا على من استحقه ممن تمرد وعصى أوامر الله ، إلا أن يتوب.
_____________
آيات ووقفات (الحلقة السادسة والعشرون)
الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27)
عندما علمنا ربنا سبحانه وتعالى وجوب التسليم ، والقبول لما يذكره من أمثال، وأنه لم يذكرها عبثاً سواء عرفنا مقاصده فيها ، أم لم نعرف وذلك لحكمة يريدها سبحانه وتعالى، فلعلنا فهمنا كيف نتأدب مع الآيات ، ونقر بأن ربنا سبحانه وتعالى يريد تقريب الأفكار ، والمعاني من أذهاننا كي يزداد إيماننا ، وبذلك تزيد أعمالنا الصالحة، ثم أوضح سبحانه وتعالى كيف يضل الفاسقين ، وفي هذه الآية وصف لأولئك الفاسقين (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) أعوذ بالله ، هذه زلة شنيعة، لأنفس وضيعة، وقلوب معرضة عن الحق ، مقبلة على الباطل، لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً. أولئك القوم ينقضون ما عاهدوا الله عليه سواء كان ميثاقاً بينهم وبين الله سبحانه، أو بينهم وبين الناس، فهم ينقضون عهدهم مع الله بارتكاب الجرائم، والآثام وهم منهيون عن ذلك، وكذلك ينقضون مواثيقهم مع الخلق، وهكذا نعرف كيف أن نقض المواثيق صفة من صفات الفسقة ، وسمة لا يتخلون عنها والعياذ بالله ثم جاءت الصفة الثانية وهي لا تقل عن الأولى وهي (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) هذه لمحة أخرى حول سمات الفسقة أنهم يقطعون صلتهم بكل ما أمر الله بوصاله، فيقطعون صلتهم بالله عز وجل، وصلتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم من إيمان به، ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وكذلك يقطعون صلتهم بوالديهم وأقاربهم، وكان حالهم إلى الخسارة والبوار (أولئك هم الخاسرون) أي في الدنيا والآخرة.
الوقفات
1- الفسق شأنه خطير.
2- تحريم نقض العهد ، وقطع الصلة بين العباد وخالقهم، أو بينهم وبين أقاربهم.
3- تقرير الخسران العظيم لمن خالف أمر الله.
___________
آيات ووقفات (الحلقة السابعة والعشرون)
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)
يريد الله بهذا الإستفهام ، التوبيخي لهؤلاء الناس أن يضعهم في أمر لا مناص منه، وهو أنه المتصرف في شئون خلقه، فهو الذي خلقهم من العدم، ثم بعد تلك الحياة موت وبعث وحساب، هل بعد هذه الآيات يكفر الناس ،هل بعد هذه الآيات يبقى كفر، وقد بين الله لهم في هذه الآيات أنه هو من أوجدهم، وأطعمهم وسقاهم، وأرسل لهم الرسل تترا، وبين لهم ما ينفعهم مما يضرهم ، ثم بعث بمحمد صلى الله عليه وسلم مبشراً ونذيراً، ومع ذلك يكفرون بالرسالة النبوية ، وكما عرفنا في الآية السابقة كفرهم، ونقضهم للمواثيق الربانية، فكيف بالمواثيق البشرية، إننا اليوم نعاني من الطغمة الصهيونية التي تحاربنا باسم الدين ، ونحن نحارب باسم التراب، وباسم الوطن، وباسم العروبة، فماذا كانت النتيجة، هزمت الأمة ، واستأسد الجبناء ، واحتلت الأراضي، وعندما رفعت شعارات التوحيد في فلسطين، وتحركت الأيدي المتوضئة، والقلوب الخاشعة، والأفئدة المطمئنة بنصر الله، وعندما تغلغلت الروح الإيمانية في أجساد الشعب الفلسطيني، ظهرت الكرامات، وعرفت الأمة الإسلامية مدى جبن وضعف الجندي الصهيوني المجهز بأفتك الأسلحة، والمدرَّب أحسن تدريب ، ولكن الاعتماد في ظروف المواجهات على ثبات القلوب على الإيمان، والصدق مع الله، والرغبة في لقائه، هكذا تربت الأمة المسلمة في فلسطين، وهكذا جاء الجيل المنشود، وتربع على عرش البطولة والسؤدد، وعرفت الجيوش العربية أنها بعيدة كل البعد عما تحمله قلوب ذلك الجيل من التضحية، والفداء ونصرة دين الأمة، والذود عن حياضه.
الوقفات
1- إثبات خلق الله لهذه البشرية.
2- إثبات الحياة بعد الموت.
3- إثبات المآب إلى الله والحساب في يوم القيامة.
_______________
آيات ووقفات (الحلقة الثامنة والعشرون)
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) )
بعدما أنكر الله عز وجل سفه من يكفر به ويجحد وجوده، أو يشرك معه آلهة أخرى ، لا تضر ولا تنفع، ولا تغني عنه شيئاً، وما ذلك كله إلا تنكر للرب سبحانه وتعالى الموجد للجميع من العدم، وبعدما ذكرهم بأن مصير الجميع إليه سبحانه وتعالى ذكرهم في هذه الآية بشيء أعظم من ذلك ، وهو خلق السموات والأرض فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) ويذكرنا بأن كل ما خلقه على هذه الأرض ، هيأه لنا ، ولمصالحنا إلا ما حرمه علينا فهو مستثنى في هذه الآية مثل الخبائث من الشراب والأكل وغيرها، (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) قال ابن كثير رحمه الله : أي قصد إلى السماء والاستواء هاهنا مضمن معنى القصد والإقبال لأنه عدي بإلى فسواهن أي فخلق السماء سبعا والسماء هاهنا اسم جنس (انتهى) ، ثم قال (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي أحاط علمه بكل شيء سبحانه وتعالى.
الوقفات
1- إثبات أن الأرض هي الكوكب الوحيد المهيأ والمعد للحياة الدنيوية.
2- إثبات خلق الله للسموات ، وأنها سبع سموات.
3- إثبات إحاطة علم الله بكل شيء.
_____________________
آيات ووقفات ( الحلقة التاسعة والعشرون)
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) )
يخبرنا الله عز وجل كيف كانت بداية خلق أبينا آدم عليه السلام، وكيف كان استغراب الملائكة من ذلك الأمر ، وهم قد رأوا ما يفعله الجن في الأرض لأنهم سبقوا الإنس في العيش في الأرض بفترات زمنية طويلة، قيل ألفي سنه (1) فرأوا مفاسد الجن ، وسفكهم للدماء فقارنوا هذا الجنس الجديد بأولئك، فرد عليهم الله بأنه يعلم سبحانه ما لا يعلمون ، قال بن كثير رحمه الله : " أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم.وهكذا علمنا أن قوله خليفة أي يخلف من قبله ممن سكن الأرض من الجن، ويأتمر بأمر الله عز وجل ويعيش في ظل شريعة الله، قال الطبري رحمه الله :" فقال : { إني أعلم ما لا تعلمون } يقول : إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره(2) , قال : ثم أمر بتربة آدم فرفعت , فخلق الله آدم من طين لازب - واللازب : اللزج الصلب من حمأ مسنون - منتن . قال : وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب . قال : فخلق منه آدم بيده .قال فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى , فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل - أي فيصوت - قال : فهو قول الله : { من صلصال كالفخار } يقول : كالشيء المنفوخ الذي ليس بمصمت , قال : ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره , ويدخل من دبره ويخرج من فيه , ثم يقول : لست شيئا ! للصلصلة , ولشيء ما خلقت ! لئن سلطت عليك لأهلكنك , ولئن سلطت علي لأعصينك . قال : فلما نفخ الله فيه من روحه , أتت النفخة من قبل رأسه , فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما ودما ، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده, فأعجبه ما رأى من حسنه, فذهب لينهض فلم يقدر, فهو قول الله: { وكان الإنسان عجولا } ، قال: ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء. قال: فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال: الحمد لله رب العالمين, بإلهام من الله تعالى . فقال الله له : يرحمك الله يا آدم . قال : ثم قال الله للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات : اسجدوا لآدم ! فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر لما كان حدث به نفسه من كبره واغتراره , فقال : لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا , خلقتني من نار وخلقته من طين . يقول : إن النار أقوى من الطين . قال : فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله , وآيسه من الخير كله , وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته".
الوقفات
1- إثبات كلام الله عز وجل.
2- إثبات علم الله لغيب السموات والأرض وكل شيء.
3- إثبات حكمة الله عز وجل في الخلق ووجوب التسليم بذلك.
4- إثبات كفر إبليس وتمرده على أوامر الله.
_________________
(1) وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا على بن محمد الطنافسي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال : كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فبعث الله جندا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوا بجزائر البحور فقال الله للملائكة : " إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " قال : إني أعلم ما لا تعلمون . (تفسير ابن كثير).
(2) عندما قاتل هو والملائكة الجن ، أغتر وأطلع الله على كبريائه ، فهو يعلم سبحانه ما لا تعلمه الملائكة.
______________________
آيات ووقفات (الحلقة الثلاثون)
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون(33) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (34)
يخبرنا الله عز وجل في هذه الآيات كيف كانت بدايات تعليم آدم ، وكيف كان إبداع الخالق ، وإحكام صنيعه، كيف جعل له عقلاً يحفظ، ويفهم، ويعرف، ويبصر، ويسمع، ويدرك، كيف كان كل ذلك في جسد خلقه الله من طين، ثم خلق فيه روحاً تحوي كل تلك الحواس، فعلمه الله سبحانه وتعالى الأسماء كلها ، وحفظه إياها ، ثم سأل الملائكة عن أسماء تلك المسميات، فنفوا علمهم بذلك ولم يعرفوها ، فلما أمر الله سبحانه آدم عليه السلام أن يخبرهم بها ، فأخبرهم بأسمائها ، فازدادوا يقيناً وعلماً بإبداع صنيع المولى عز وجل في ذلك المخلوق ، وعظم خلقه، ثم أخبرهم الله بصيغة السؤال ألم أخبركم أنني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تظهرونه من أعمال وأقوال وما تكنه صدوركم، وبعدها جاءت في الآية كيف أن الله عز وجل أمرهم بالسجود لآدم فخروا سجداً إلا إبليس رفض ذلك الأمر كبراً واستعلاء فكفر بذلك العمل والعياذ بالله.
الوقفات
1- بيان أن العلم أساس لكل خير وبه يعرف الإنسان مصالحه.
2- بيان علم الله وأنه أحاط بكل شيء علماً.
3- كفر إبليس ورفضه للسجود كبراً.
___________
آيات ووقفات ( الحلقة الواحدة والثلاثون)
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين (35))
بعدما أمر الله عز وجل الملائكة للسجود لآدم رفض إبليس ذلك، وتبين كفره فغضب الله عليه ولعنه، وأعتبره من الكافرين، سيتبين لنا ذلك في السور التالية إن شاء الله. ذكر الله عز وجل في هذه الآية زوجة آدم وهي حواء ، وقد خلقها الله من أحد أضلاعه لكي يسكن إليها، وتسكن إليه أي يأنسون ببعض، ووضعهما في الجنة ، واخبرهما سبحانه وتعالى أن لهما كمال الحرية في التنعم بما في الجنة إلا شجرة واحدة والله أعلم ما تلك الشجرة؟ أمرهما أن لا يقرباها، وإن فعلا ذلك سيصبحان من الظالمين لأنفسهما المعتدين عليها لعصيانهم لربهم ، مما يستدعي غضبه عليهما، وكان ذلك إختباراً ، وامتحاناً لهما ، ومن هنا يتبين كيف أن الله سن سنة الابتلاء على بني آدم، وجعلها محور أساسي يتبين له من هم الصابرون من عباده، ومن هم الكاذبون قال تعالى (آلم ، أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) فالابتلاء سنة ربانية يمحص فيها الخلق، فمنهم من يثبت إيمانه ، ومنهم من يتزعزع، ومنهم من ينخرط في صفوف أعداء الأمة المحمدية كالباطنيين، والمنافقين، وما هذه الحروب بين ذرية آدم إلا ابتلاءات،وتدافع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر ، هذه الابتلاءت لتمييز الصف الإسلامي، والوقوف بثبات تجاه ثوابت الأمة، والتصدي للمتغيرات الهادمة لكيانها، فهل سينجح آدم وحواء تجاه ذلك الامتحان اليسير الذي منعهما من الاقتراب من تلك الشجرة في الآية التالية سيتبين الأمر إن شاء الله.
الوقفات
1- بيان خلق حواء وسميت حواء لأنها مخلوقة من حي (آدم).
2- الابتلاء لاختبار العباد سنة ربانية.
3- ظلم النفس هو إغراقها بالذنوب المهلكة لها دنيا وآخرة.
____________
آيات ووقفات (الحلقة الثانية والثلاثون)
(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (36))
عندما عصى إبليس ربه بعدم سجوده، وطرده من رحمته، حقد على آدم وحواء ، ونذر نفسه واقسم بالله أنه ليضل آدم وذريته عن صراط الله المستقيم، كما جاء في سورة النساء ، فوسوس لهما وجعلهما يقتربان من تلك الشجرة بعدما أغراهما بتحسين المعصية، فالحق واضحاً ناصعاً طيباً، أما الباطل فيزينه الشيطان للإنسان ، ويجعله في عيون الناس شيئاً عظيماً، وما أهلك الأمم السابقة إلا تنافسها على متاع قليل، فلما دخل حب الدنيا قلوبهم، تقاتلوا من أجلها، وأزهقت الأرواح في حروب اسرت في الواقع إبليس لأنه عدو البشرية، فكانت مثلاً حرب البسوس ، وهي ناقة فازت في سباق، فكانت الحرب بين قبيلتين استمرت أربعين سنة، أرأيت كيف فعل إبليس بذرية آدم ، وغيرها كثير ، ولكن هنا يغوي إبليس أبونا آدم وأمنا حواء ، فيغترا بكلامه ويقتربا من الشجرة ، ويرتكبا الزلل ، وهو الإثم الذي حذرهما الله من فعله، فكانت النتيجة أن أهبطهم جميعاً إلى الأرض ، وأخبرهم بأن لهم في الأرض حياة (1)، ومستقر مؤقت وبعدها سيعودون إلى ربهم ويحاسبهم على أعمالهم.
الوقفات
1- الشيطان وراء تزيين الإثم عند الإنسان ، وهو مصدر الزلل.
2- إثبات العداوة من إبليس وذريته لآدم وذريته (2).
3- الحياة الدنيوية لا تكون على أي كوكب غير الأرض لأنه هو فقط المهيأ للحياة.
_________________
(1) هذا دليل قاطع على أن الأرض هي الكوكب الوحيد المهيأ للحياة عليه، وليت مؤسسات الفضاء الذين أهدروا المليارات ليثبتوا أن فوق المريخ ، أو غيره حياة يفهموا هذه الآية جيداً ، ويعطوا شعوبهم جزءاً يسيراً من تلك الأموال فهم أحق بها من أن تضيع هدراً على شيء مستحيل.
(2) ورد في كتاب أظنه الصارم البتار ، أن الساحر يتقرب للشيطان ويسجد له، ويأمره الشيطان بالذبح له ، فإن كانت الذبيحة آدمي اشتد سحره ، وزاد قربة لإبليس أعوذ بالله منهم وممن تعاون معهم.
_____________________
آيات ووقفات (الثالثة والثلاثون)
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41). وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42).
ثم أمر الله عز وجل أهل الكتب السماوية التوراة والإنجيل من اليهود وخصهم في هذه الآية لأنهم هم المعنيون بالإيمان التام بما أنزل على محمد وهو القرآن الكريم، ثم حذرهم أن لا يكونوا أول كافر به ، لأنهم ليس لديهم عذر من جهل أو غيره لأن هذا القرآن مصدق لما عندهم من التوراة والإنجيل ، فكيف يتولون عن أوامر الله ، ويكذبون ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك مذكور عندهم في كتبهم ، ثم قال ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً أي لا تستعيضون الدنيا بدلاً من آياتي ، ثم جاء التذكير الآخر في قوله تعالى وإياي فاتقون ، فلا يخيفكم أحد إذا خفتم من الله عز وجل ومن الذي يضع الآمان في القلوب غير الله، ومن الذي يتقرب إليه غير الله، ومن الذي يعبد العباد فيتركون ما ينهى عنه ، ويتقربون إلى ما يرضيه غير الله وذلك يتسق اتساقاً تاماً مع سلوك العباد الصالحين ، وهكذا نعرف أن تلك النفوس الغريبة من بني إسرائيل ، خاطبها الرب سبحانه وتعالى في هذه الآية على اعتبار أنهم أول زمرة من اليهود وكانوا مجتمعين في المدينة المنورة، قبل أن يطردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الجزيرة لنقضهم العهد، فإن لم يؤمنوا في تلك الحقبة الزمنية ، فسيصبحون أول زمرة من الكفار الذين أنكروا مصداقية كتب الله ، واستخفوا بالآيات والرسل ، ثم حذرهم الله من أن يلبسوا على الناس دينهم الباطل بدلاً من الإسلام ، قال الحسن البصري : إن الدين الحق هو الإسلام والنصرانية واليهودية بدعة ليست من عند الله(انتهى) ، لذلك جاءت هذه الآيات لتبعد اللبس الذي يحاول القساوسة أن يزجوا بالمسلمين في أتون الضلال ، والانحراف عن منهج الله القويم الدين الحق.
الوقفات
1- أهل الكتاب هم أولى الناس بالتصديق بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وبالقرآن الكريم لثبوت تبشير الرب بذلك في كتابهم.
2- من باع دينه لكي يكسب من الدنيا فقد خاب وخسر.
3- التقوى هي إتباع أوامر الله واجتناب نهيه.
4- النهي عن التلبيس الذي يتخذه الأعداء لصرف الناس عن الحق.
آيات ووقفات (الرابعة والثلاثون)
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)
ثم جاء الأمر الرباني ، وهو الامتحان العسير في نظر يهود ، وهو أن يمتثلوا لأمر الله سبحانه حيث أمرهم أن يصلوا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أي يصلوا صلاة واحدة جماعة معه، وأن يدفعوا الزكاة له، وفي ذلك اختبار لمدى طاعتهم لله من عدمها، فهل سيستجيبون لذلك الأمر الرباني، أم تأبى أنفسهم المتكبرة على أوامر الله ، المعرضة عن منهجه ، فالله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً حتى يعلمه الخطأ من الصواب وذلك بإرشاده عن طريق الكتب ، والرسل ، وفي هذا أبلغ الحجج ، وأعظم التربية، فهل بعد محمد صلى الله عليه وسلم حجة، وهل بعد القرآن دليل على صحة التنزيل ، وبرهان التدليل، وعظم الحجة ، وقوة الإعجاز. بعد كل ذلك ينكر الله عليهم إذ كيف يأمرون الناس بالدخول في دين محمد ، وهم في أنفسهم لا يرون ذلك ، ولا يأتمرون به في ذواتهم، فذمهم الله عز وجل بأنهم سيهلكون أنفسهم بذلك العمل، ولوا أنهم عرفوا الحق والتبشير بنبوة محمد العربي الذي لا ينتمي لإسرائيل كما توقعت يهود ، فلما بعث على تلك الصفة ، دب الحسد في قلوبهم ، ونسوا أنهم كانوا يتشوقون لبعثة ذلك النبي ، وأنه سيكون من بني إسرائيل كما توهمت نفوسهم، ولكن لأن الحال ليس على أهوائهم تمرد الكثير منهم على أوامر الله ، وأصبح عدواً لدين الإسلام والعياذ بالله، حتى وإن كانوا يتلون الكتاب ، فلم يعد الإيمان له دور في قلوب أكثرهم، بل أن الحقد أعمى أبصارهم ، وبصائرهم، فيقرؤن الكتاب ولكن قلوبهم معرضة عنه لهول المصاب الذي خيب آمالهم.
الوقفات
1- الأمر الرباني يجب طاعته على كل حال.
2- الصلاة والزكاة من أجل الأعمال عند الله عز وجل ففيها إنكسار النفس وخضوعها لله ، والتقرب إلى الله بكسر الشح النفسي المجبول على حب المال.
3- يجب أن يأمر المرء نفسه أولاً ثم يدعوا الآخرين إلى منهج الله.
___________
آيات ووقفات (الخامسة والثلاثون)
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
ثم انتقل السياق إلى صفة من صفات عباد الله الصالحين، صفة عظيمة ، لا يعرف قدرها إلا من ذاقها وعرف حلاوتها، إنها صفة الصبر ويندرج تحت هذا المسمى أربعة أصناف وهي الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله،ثم ذكر الخشوع في الصلاة، إنها الصفة التي تميز المؤمن من المنافق، تميز المحب للصلاة المتقرب إلى الله، والذي سخر جوارحه، في طاعة ربه ، فخشعت الروح ، وخشع الفؤاد، ومن ثم خشعت الجوارح، في رحلة إيمانية إلى الرب سبحانه ، واستشعار السجود والركوع له، وهو الغني عن عبادتانا ، ونحن الفقراء المساكين لفضله وعفوه، إنها صورة واضحة تصف قلوب المؤمنين الخاشعة، ونواياهم الخالصة، وسكون جوارحهم ، وهذه هي الصفة التي يحبها الله عز وجل ، جاء في الحديث (إذا حضر العشاء والعِشاء فقدموا العشاء على العِشاء) وفي ذلك لمحة نبوية مشفقة على حال المؤمن حيال عبادته لربه، فإذا اشتهى الطعام فلا ينبغي أن يذهب للصلاة لأنه سيظل باله مشغول في صلاته بالطعام، وهنا سيفتقد الخشوع، واليوم تعددت المشاغل ، وكثرت الصوارف عن الخشوع نسأل الله العافية. ثم ذكرنا الله سبحانه وتعالى بأن هؤلاء الخاشعون في صلاتهم، ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله وقبوله لأعمالهم، واحتساباً للأجر منه سبحانه، لذلك فهم موقنين بلقاء الله ، ويستشعرون كيف يكون وقوفهم الآن بين يديه في تأدية الفريضة، وكيف سيكون حالهم حينما يقفون بين يدية لمحاسبتهم على العمل، كل ذلك يدور في خلد أولئك الصالحون ، وتلك الصفة من أزكى الصفات للخلص من البشر الذين يؤدون الأعمال الصالحة بإتقان وخلوص نية لله وحده.
الوقفات
1- وجوب الخشوع في الصلاة لورود الحديث الذي يدل على ذلك ، حينما رد الرسول الرجل الذي رأى تسرعه في صلاته ، وقال له صل فإنك لم تصلي ثلاثاً ، ثم أخبره بوجوب الطمأنينة والخشوع في الصلاة.
2- حلاوة مناجاة الرب سبحانه وتعالى ، ولذة الطمأنينة في الصلاة لا يعرفها إلا الخاشعين.
3- الصبر والصلاة هما سلاح المؤمن في معترك الحياة، ولولا الصبر لما كان وصل المسلمون إلا مشارق الأرض ومغاربها ينشرون دين الله ويحاربون من يتصدى لدعوتهم ونشر دينهم، ولولا الصبر لما استطاع الصحابي بلال بن رباح تحمل حرارة الرمضاء ، والصخرة على صدره وهو يقول أحد أحد ، فلما سئل كيف كان صبرك ، فقال امتزجت عنده الآم العذاب مع لذة الطاعة فغلبت لذة الطاعة على ألم العذاب فغلبتها فلم أعد اشعر بالعذاب.
4- وجوب محاسبة النفس واستشعار وقوفها أمام خالقها في الصلاة ، والعلم اليقين بعودتها يوماً من الأيام والوقوف بين يديه يوم العرض عليه يوم القيامة.
___________
آيات ووقفات (الحلقة السادسة والثلاثون)
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48))
يذكَّر الله سبحانه وتعالى أبناء نبي الله إسرائيل (يعقوب) وسلالته ، والذين ينحدرون من البقية الباقية من اليهود والذين كانوا متواجدين في يثرب ، يذكرهم بحال أسلافهم من قبل كيف كانوا من عباد الله الصالحين ، المقتدين بأهل الهدى والصلاح ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، المصلحين لأقوامهم، فيذكرهم بتلك النعم والآلاء ، وتفضيل أولئك الأنبياء وأصحابهم على سائر البشر في تلك الأزمان ، لأن كل زمان له عالم ، فليس المقصود هنا أن اليهود كونهم يهوداً أنهم كما زعموا شعب الله المختار ، وليس لهم أي أفضلية على البشر في وقت نبي الله محمد وما بعده ، بل كان فضل سلالة إسرائيل من الأنبياء في زمانهم الفائت هم خير البشرية. ثم ذكرهم الله سبحانه وتعالى بيوم الحساب ، يوم العرض على الله يوم لا تنفع نفساً نفساً أخرى ، ولا يقبل الله الشفاعات ، ولا يقبل الله الفداء كما قال سبحانه (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم) فتلك الصورة ، وذلك الموقف العصيب، لو تأملها هؤلاء اليهود ، وعرفوا قدر هذه الرسالة التي جاءت تذكرهم ، وتربط تاريخ أسلافهم الصالحين ، بتاريخ الرسالة المحمدية ، وينبثق من ذلك النور الرباني من هذه الآيات الكريمات ، وتعرف البشرية أن هذا القرآن لم يتنزل لبني يعرب فحسب ، وأن هذه الرسالة لم تكن خاصة لقوم محمد عليه السلام فحسب بل لجميع البشرية، وتتحدث الآيات عن ذلك اليوم العصيب الذي تنكشف فيه فضائح الخلائق، وتجثوا البشرية على الركب وتقول كل نفس يارب نفسي نفسي، ثم أخبرهم الله سبحانه وتعالى في آخر الآية أن في ذلك اليوم لا أحد ينصر أحد ، وليس هناك مجال لتكوين جيوش ، أو عصابات ليتناصرون فيما بينهم كما هو حال اليهود في الدنيا، بل في ذلك اليوم كل نفس مشغولة بذاتها لا تعلم كيف الخلاص من أهوال ذلك اليوم.
الوقفات
1- تذكير اليهود بصلاح أسلافهم لإيجاد الإيمان بأن هذا القرآن مصداقاً وتتميم لما سبقه من الكتب السماوية.
2- تحريك الإيمان في القلوب بما سيحدث في الآخرة من حساب وعقاب.
3- الحث على المبادرة بالإيمان بالرسالة المحمدية كي ينجوا اليهود من عذاب الآخرة حيث لا فدية ولا نصرة ولا شفاعة.
________
آيات ووقفات (الحلقة السابعة والثلاثون)
(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(50))
وتأتي هذه الآية تذكر اليهود كيف كان حال أسلافهم حينما تسلط عليهم فرعون ملك مصر ، والذي كان يسومون أصلها (سام ) أي يديمون العذاب عليهم وتمثل ذلك في أن فرعون كان يذبح الأولاد ويبقي النساء أحياء، فيعلمهم الله أن تلك الفتنة كانت من أشد الابتلاء الذي أصاب أسلافهم ، ولكن الله وحده سبحانه ، وبحكمته البالغة، وبسلطانه العظيم ، دكدك رؤوس الطاغوت، وأغرق فرعون وجنوده في اليم ، وأنقذ موسى ومن تبقى من أبناء إسرائيل عليه السلام.
فمَّن الله عز وجل على اليهود في هذه الآيات ، وكأنه يقول إذا نسيتم ذلك، أو جهلتموه فهذا القرآن يقص عليكم ما جهلتموه ، ويذكركم بما جاء في سير الأولين من أسلافكم ،ثم ينتقل السياق على صورة أخرى حينما أنفرق البحر إلى فرقين ، أي انفتح إلى قسمين فعبر موسى عليه السلام وقومه ، وعندما نجوا ووصلوا إلى ضفة البحر لحق بهم فرعون وجنوده ، فأغرقهم الله فهلكوا ، وكان ذلك أمام مرأى موسى وقومه ، ويورد الله هذه الآيات لعل هؤلاء اليهود يتذكروا ويعتبروا ، ويوقنوا بصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي الذي لا يستطيع القراءة ، أو الكتابة، فمن أين جاء له هذا القصص الذي كثير منهم يجهل تفاصيله، أو يعرفه ولكنه ينكر رسالة محمد فتدلل تلك الآيات على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وتخبر البشرية بمصداقية الرسالة ، وعموميتها للبشرية جمعاء ، وبذلك تستبين السبيل الحق من الباطل ، والبصيرة من العمى، والهدى من الضلال.
الوقفات
1- التذكير بقصص أسلاف اليهود.
2- الامتنان من الله على بني إسرائيل بأنه نجاهم من بطش الطاغوت فرعون.
3- إثبات معجزة انشقاق البحر حتى مشى البشر في وسطه.
آيات ووقفات (الحلقة الثامنة والثلاثون)
(وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون(51) ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون(52) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون(53)
لا يزال السياق في ذكر الله وتذكيره لقصص موسى مع قومه ، فقد ذهب موسى إلى ميقات ربه وانقضت أربعين يوماً ، ثم اتخذ قومه العجل رباً يعبدونه وهو عبارة عن حلي نساء بني إسرائيل صاغها السامري في هيئة عجل فعبدوه ، وسيأتي بسط ذلك بالتفصيل في سورة طه إن شاء الله. ويذكر الله سبحانه وتعالى كيف ظلموا أنفسهم بعدما نجاهم الله من فرعون وجنوده، ومن الدكتاتورية الوحشية التي أذلت بني إسرائيل أيما إذلال، وهاهم يعبدون العجل من بعد تلك النعمة بإنقاذهم ، ولكن مع ذلك غفر الله لهم ، وعفا عنهم لعلهم يعودون إليه ويعبدونه وحده لا شريك له، ثم يذكرهم الله بمنته وفضله أنه آتى موسى الكتاب وهو التوراة وهو الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل لعلكم تهتدون.
ويورد الله عز وجل هذه الآيات وفيها التذكير والأحداث التي سبقت في الأسلاف الماضية، وفيها تذكير بما جرى لهم ، وكيف تكون عاقبة الكفر ، وكيف أن الله عز وجل يعفو ويغفر، وكيف تجلى حلمه وعفوه على بني إسرائيل لجهلهم ، ولكن بعدما أتتهم التوراة، والهدى المتألق بين دفتيها ، فليس بعد ذلك عذر لمعتذر فقد أتى البيان الظاهر، والنور الباهر ، وتجلت الحقائق ، فمن أين أتى كل ذلك على محمد صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الوحي السماوي.
الوقفات
1- الشرك بالله ظلم للنفس عظيم.
2- الحث على شكر الله على نعمة العفو والمغفرة.
3- إقرار وجود التوراة في عهد موسى عليه السلام ، وهو كتاب مقدس من الكتب السماوية ، ونحن كمسلمين نؤمن بوجوده على هيئته الحقيقية في عهد موسى ، ولكن ما تتداوله الأيدي الآن فليس بالأصلي وهو محرف.
4- إثبات إقامة الحجة على الناس بعد إرسال الرسول ، وإنزال الكتاب فبهما يتميز الحق من الباطل.
___________
(الحلقة التاسعة والثلاثون)
(وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم (54) )
هذه الآية تعبر عن الحال الذي وصلوا فيه بني إسرائيل من إغضاب الرب سبحانه وتعالى الذي أنعم عليهم ، وأنجاهم من الأعداء ، وأنزل عليهم الكتاب ، وأرسل لهم موسى نبياً منقذاً بالمعجزات، وبالتوراة ، فما السبيل إلى إرضاء الرب ، وما الخلاص من هذا الذنب ، وكيف كانت توبتهم لقد أمر الله نبيه بان يقتل من لم يعبد العجل من عبد العجل لكي تتم التوبة لهم، وهذه والله من الأغلال الثقيلة التي شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأخذوا الخناجر بأيديهم وغشيتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل كل من قُتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي منهم كانت له توبة، فتاب الله عز وجل على حيهم و ميتهم ، وبذلك انتهت قضية عبادة العجل بعد توبة الله عليهم وعودتهم إلى رشدهم.
وفي هذه الآية ذكر الشرك بأنه ظلم للنفس ،فهي مفطورة على توحيد الله بالعبادة، فكيف يجرؤ المرء على اتخاذ الأصنام أرباباً، أو الجمادات، أو الأولياء، أو القبور ،أو الصلبان، أو الرهبان، أو قبورهم، أو المزارات يطوفون بها ، ويبكون عندها ويسجدون لها ويستغيثون بأصحابها، كيف يكون ذلك في قلب مفطور أصلاً على توحيد العبادة لله، وكيف يكون ذلك في قلوبٍ تنتمي إلى الإسلام، وتعتز بالإسلام ، وهي أقرب إلى الشرك والعياذ بالله ، وتشد الرحال إلى المزارات ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى) .
الوقفات
كان التقاتل بين الناس توبة في شريعة موسى عليه السلام.
إثبات الولاء لله وأن عباد الله دائماً وابداً ينفذون أوامر الله مهما كانت شدتها وصعوبتها.
_________________
(الحلقة الأربعون)
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تنظرون (55) ثم بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56))
تدل هذه الآيات على صلف وكبرياء اليهود، والكبر كما علمنا رسول الله بطر الحق أي رفض الحق ، وعدم إتباعه، فهؤلاء اليهود وفي هذه الآية انكشفت كينونة صدورهم، وسوء مقاصدهم، فعندما جاءهم النبي موسى عليه الصلاة والسلام بالكتاب ووصايا الرب فيها ، فرفضوا ذلك وقالوا من أنت حتى يعطيك الرب ذلك، ولماذا يكلمك ولا يكلمنا،فلن نؤمن لك حتى نرى ربك، أي يكشف وجهه سبحانه وتعالى لنا ونراه جهرة، إننا نريد رؤيته ، وهذا بطبيعة الحال محال لأن كليم الله موسى عليه السلام لم يستطع رؤيته عندما تجلى ربه للجبل، فكيف بهؤلاء يقولون ذلك بتلك الصورة المكذبة لرسول الله ، وكيف يقولون ذلك بتلك البذاءة، والعنجهية ،كل ذلك أغضب الرب سبحانه وتعالى ، وأغضب نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، فجاءهم العقاب حيث أرسل الله عليهم صاعقة وهي نار (قالها السدي) تقتل بعضهم ويرى الآخرون ما حل بهم، ثم بعثهم الله فجاء أولئك الصاعقة ثم بعثهم الله، فأحياهم من جديد ، وهو سبحانه الغني عن عبادتهم ، ولكنه سبحانه رءوف رحيم ، يريد سبحانه من عباده أن يتبعوا الحق ويشكروا نعم الله قولاً وعملاً كي ينجوا من عذابه ، فهل استجابوا لربهم؟. وفي هذا تذكير لليهود في المدينة بما حل بأسلافهم حينما تمردوا على نبي من أنبياء الله موسى عليه السلام، وفيها تحذير من عدم متابعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الآيات ، وهذا القصص لم يأت محمداً إلا من عند الله بوحي سماوي.
الوقفات
الكبر هو المهلكة فرفض الحق صفة من أبرز صفات المتكبرين أعاذنا الله.
إثبات غضب الرب سبحانه وتعالى وعقابه لمخالفي أمره.
إثبات الإحياء بعد الممات.
إثبات عدم رؤية الله في هذه الدنيا ولكن في الآخرة سيرى أصحاب الجنة ربهم سبحانه وتعالى (وجوهٌ يومئذٍ ناظرة إلى ربها ناضرة) وقال سبحانه( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى الرب سبحانه وتعالى ، ولا ينكر هذا إلا مكذب بخبر القرآن.
_____________