بسم الله والحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه.
نخبة من موكب الإيمان الممتد في التاريخ،
ومعلم من معالم الطريق الموصل إلى الله تبارك وتعالى
وفئة شجاعة مقدامة وقفت أمام أعتى قوى الكفر والطغيان حتى اهتز عرش فرعون الذي جاء بها لتكون أهم دعائمه.
نخبة ذكرها الله تعالى في عدة مواقع في قرآن يتلى إلى قيام الساعة ليعتبر بها أولو الألباب فيستخلصون منها العبر والمواعظ ويبنون عليها الأحكام والمبادئ في ميادينها الواسعة من عقيدة وولاء وبراء إلى طرق الدعوة إلى الله تعالى.
قصة هذه الكوكبة على طريق الإيمان لم تحظى ـ في رأي المتواضع ـ بما تستحق من البحث والإسهاب أو الإبراز والاهتمام في مؤلفاتنا المعاصرة .
إنها قصة "سحرة فرعون " رضى الله عنهم وأرضاهم.
وسأذكر قصتهم مختصرة من تفسير الطبري رحمه الله آملا من أساتذتنا الكرام أن لا يبخلوا علينا بما عندهم حولها.
(1)
ما جاء في فضلهم :
قالوا : { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين } قال : كانوا في أول النهار سحرة , وفي آخر النهار شهداء . 11616 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن عبد العزيز بن رفيع , عن عبيد بن عمير , قال : كانت السحرة أول النهار سحرة , وآخر النهار شهداء . 11617 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { وألقي السحرة ساجدين } قال : ذكر لنا أنهم كانوا في أول النهار سحرة , وآخره شهداء . 11618 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين } قال : كانوا أول النهار سحرة , وآخره شهداء .
(تفسير الطبري : الأعراف)
(2)
ما جاء في عددهم :
11595 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق : { أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم } : أي كاثره بالسحرة لعلك أن تجد في السحرة من يأتي بمثل ما جاء به , وقد كان موسى وهارون خرجا من عنده حين أراهم من سلطانه , وبعث فرعون في مملكته , فلم يترك في سلطانه ساحر إلا أتي به . فذكر لي والله أعلم أنه جمع له خمسة عشر ألف ساحر ; فلما اجتمعوا إليه أمرهم أمره , وقال لهم : قد جاءنا ساحر ما رأينا مثله قط , وإنكم إن غلبتموه أكرمتكم وفضلتكم , وقربتكم على أهل مملكتي , قالوا : وإن لنا ذلك إن غلبناه ؟ قال : نعم . 11596 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا الحسين , عن يزيد , عن عكرمة , قال : السحرة كانوا سبعين . قال أبو جعفر : أحسبه أنه قال : ألفا. 11597 - قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا موسى بن عبيدة , عن ابن المنذر , قال : كان السحرة ثمانين ألفا . 11598 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن عبد العزيز بن رفيع , عن خيثمة , عن أبي سودة , عن كعب , قال : كان سحرة فرعون اثني عشر ألفا . (تفسير الطبري: الأعراف)
(3)
ما جاء في مكان اجتماعهم :
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ
وقيل للناس : هل أنتم مجتمعون لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان , ولمن تكون الغلبة , لموسى أو للسحرة ؟ وقيل : إن اجتماعهم للميقات الذي اتعد للاجتماع فيه فرعون وموسى كان بالإسكندرية . ذكر من قال ذلك : 20216 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { وقيل للناس هل أنتم مجتمعون } قال : كانوا بالإسكندرية . (تفسير الطبري : الشعراء)
(4)
ما جاء في قصتهم ومصيرهم
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
يقول : فلما تبين السحرة أن الذي جاءهم به موسى حق لا سحر , وأنه مما لا يقدر عليه غير الله الذي فطر السموات والأرض من غير أصل , خروا لوجوههم سجدا لله , مذعنين له بالطاعة , مقرين لموسى بالذي أتاهم به من عند الله أنه هو الحق , وأن ما كانوا يعملونه من السحر باطل ,
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
قائلين : { آمنا برب العالمين } الذي دعانا موسى إلى عبادته دون فرعون وملئه.
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ
يقول جل ثناؤه : قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا : آمنتم لموسى بأن ما جاء به حق قبل أن آذن لكم في الإيمان به .
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ
يقول : إن موسى لرئيسكم في السحر , وهو الذي علمكموه , ولذلك آمنتم به .
فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
عند عقابي إياكم وبال ما فعلتم , وخطأ ما صنعتم من الإيمان به .
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
القول في تأويل قوله تعالى : { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين } يقول { لأقطعن أيديكم وأرجلكم } مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل , وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى , ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى , ونحو ذلك من قطع اليد من جانب , ثم الرجل من الجانب الآخر , وذلك هو القطع من خلاف { ولأصلبنكم أجمعين } فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مستبق منهم أحدا .
قَالُوا لَا ضَيْرَ
يقول تعالى ذكره : قالت السحرة : لا ضير علينا ; وهو مصدر من قول القائل : قد ضار فلان فلانا فهو يضير ضيرا , ومعناه : لا ضرر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 20217 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { لا ضير } قال : يقول : لا يضرنا الذي تقول , وإن صنعته بنا وصلبتنا .
إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ
يقول : إنا إلى ربنا راجعون , وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا , وثباتنا على توحيده , والبراءة من الكفر به .
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا
القول في تأويل قوله تعالى : { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة : إنا نطمع : إنا نرجو أن يصفح لنا ربنا عن خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا به , فلا يعاقبنا بها . كما : 20218 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } قال : السحر والكفر الذي كانوا فيه.
أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ
يقول : لأن كنا أول من آمن بموسى وصدقه بما جاء به من توحيد الله وتكذيب فرعون في ادعائه الربوبية في دهرنا هذا وزماننا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : * -حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله { أن كنا أول المؤمنين } قال : كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رأوها .
(الشعراء)
فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى
{ قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } قال : فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون { ولأصلبنكم في جذوع النخل } قال : فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون .
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
القول في تأويل قوله تعالى : { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يقول تعالى ذكره : قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعدهم به : { لن نؤثرك } فنتبعك ونكذب من أجلك موسى { على ما جاءنا من البينات } يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى . { والذي فطرنا } يقول : قالوا : لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات , وعلى الذي فطرنا . ويعني بقوله : { فطرنا } خلقنا ; فالذي من قوله : { والذي فطرنا } خفض على قوله : { ما جاءنا } , وقد يحتمل أن يكون قوله : { والذي فطرنا } خفضا على القسم , فيكون معنى الكلام : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والله . وقوله : { فاقض ما أنت قاض } يقول : فاصنع ما أنت صانع , واعمل بنا ما بدا لك { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يقول : إنما تقدر أن تعذبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى . ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 18266 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : حدثت عن وهب بن منبه { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا } أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة { فاقض ما أنت قاض } : أي اصنع ما بدا لك { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } أي ليس سلطان إلا فيها , ثم لا سلطان لك بعده .
(طه : 70)
تلك قصتهم ـ رضي الله عنهم ـ مختصرة وسأتبعها ـ بإذن الله ـ بتعليقات لصاحب الظلال رحمه الله، وحبذا أن يقوم الأساتذة الكرام بإضافة ما يفتح الله عليهم بها أو نقل ما ورد في كتب التفسير الأخرى.
والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه.
نخبة من موكب الإيمان الممتد في التاريخ،
ومعلم من معالم الطريق الموصل إلى الله تبارك وتعالى
وفئة شجاعة مقدامة وقفت أمام أعتى قوى الكفر والطغيان حتى اهتز عرش فرعون الذي جاء بها لتكون أهم دعائمه.
نخبة ذكرها الله تعالى في عدة مواقع في قرآن يتلى إلى قيام الساعة ليعتبر بها أولو الألباب فيستخلصون منها العبر والمواعظ ويبنون عليها الأحكام والمبادئ في ميادينها الواسعة من عقيدة وولاء وبراء إلى طرق الدعوة إلى الله تعالى.
قصة هذه الكوكبة على طريق الإيمان لم تحظى ـ في رأي المتواضع ـ بما تستحق من البحث والإسهاب أو الإبراز والاهتمام في مؤلفاتنا المعاصرة .
إنها قصة "سحرة فرعون " رضى الله عنهم وأرضاهم.
وسأذكر قصتهم مختصرة من تفسير الطبري رحمه الله آملا من أساتذتنا الكرام أن لا يبخلوا علينا بما عندهم حولها.
(1)
ما جاء في فضلهم :
قالوا : { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين } قال : كانوا في أول النهار سحرة , وفي آخر النهار شهداء . 11616 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن عبد العزيز بن رفيع , عن عبيد بن عمير , قال : كانت السحرة أول النهار سحرة , وآخر النهار شهداء . 11617 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { وألقي السحرة ساجدين } قال : ذكر لنا أنهم كانوا في أول النهار سحرة , وآخره شهداء . 11618 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين } قال : كانوا أول النهار سحرة , وآخره شهداء .
(تفسير الطبري : الأعراف)
(2)
ما جاء في عددهم :
11595 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق : { أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم } : أي كاثره بالسحرة لعلك أن تجد في السحرة من يأتي بمثل ما جاء به , وقد كان موسى وهارون خرجا من عنده حين أراهم من سلطانه , وبعث فرعون في مملكته , فلم يترك في سلطانه ساحر إلا أتي به . فذكر لي والله أعلم أنه جمع له خمسة عشر ألف ساحر ; فلما اجتمعوا إليه أمرهم أمره , وقال لهم : قد جاءنا ساحر ما رأينا مثله قط , وإنكم إن غلبتموه أكرمتكم وفضلتكم , وقربتكم على أهل مملكتي , قالوا : وإن لنا ذلك إن غلبناه ؟ قال : نعم . 11596 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا الحسين , عن يزيد , عن عكرمة , قال : السحرة كانوا سبعين . قال أبو جعفر : أحسبه أنه قال : ألفا. 11597 - قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا موسى بن عبيدة , عن ابن المنذر , قال : كان السحرة ثمانين ألفا . 11598 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن عبد العزيز بن رفيع , عن خيثمة , عن أبي سودة , عن كعب , قال : كان سحرة فرعون اثني عشر ألفا . (تفسير الطبري: الأعراف)
(3)
ما جاء في مكان اجتماعهم :
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ
وقيل للناس : هل أنتم مجتمعون لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان , ولمن تكون الغلبة , لموسى أو للسحرة ؟ وقيل : إن اجتماعهم للميقات الذي اتعد للاجتماع فيه فرعون وموسى كان بالإسكندرية . ذكر من قال ذلك : 20216 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { وقيل للناس هل أنتم مجتمعون } قال : كانوا بالإسكندرية . (تفسير الطبري : الشعراء)
(4)
ما جاء في قصتهم ومصيرهم
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
يقول : فلما تبين السحرة أن الذي جاءهم به موسى حق لا سحر , وأنه مما لا يقدر عليه غير الله الذي فطر السموات والأرض من غير أصل , خروا لوجوههم سجدا لله , مذعنين له بالطاعة , مقرين لموسى بالذي أتاهم به من عند الله أنه هو الحق , وأن ما كانوا يعملونه من السحر باطل ,
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
قائلين : { آمنا برب العالمين } الذي دعانا موسى إلى عبادته دون فرعون وملئه.
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ
يقول جل ثناؤه : قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا : آمنتم لموسى بأن ما جاء به حق قبل أن آذن لكم في الإيمان به .
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ
يقول : إن موسى لرئيسكم في السحر , وهو الذي علمكموه , ولذلك آمنتم به .
فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
عند عقابي إياكم وبال ما فعلتم , وخطأ ما صنعتم من الإيمان به .
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
القول في تأويل قوله تعالى : { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين } يقول { لأقطعن أيديكم وأرجلكم } مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل , وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى , ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى , ونحو ذلك من قطع اليد من جانب , ثم الرجل من الجانب الآخر , وذلك هو القطع من خلاف { ولأصلبنكم أجمعين } فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مستبق منهم أحدا .
قَالُوا لَا ضَيْرَ
يقول تعالى ذكره : قالت السحرة : لا ضير علينا ; وهو مصدر من قول القائل : قد ضار فلان فلانا فهو يضير ضيرا , ومعناه : لا ضرر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 20217 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { لا ضير } قال : يقول : لا يضرنا الذي تقول , وإن صنعته بنا وصلبتنا .
إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ
يقول : إنا إلى ربنا راجعون , وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا , وثباتنا على توحيده , والبراءة من الكفر به .
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا
القول في تأويل قوله تعالى : { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة : إنا نطمع : إنا نرجو أن يصفح لنا ربنا عن خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا به , فلا يعاقبنا بها . كما : 20218 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } قال : السحر والكفر الذي كانوا فيه.
أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ
يقول : لأن كنا أول من آمن بموسى وصدقه بما جاء به من توحيد الله وتكذيب فرعون في ادعائه الربوبية في دهرنا هذا وزماننا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : * -حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله { أن كنا أول المؤمنين } قال : كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رأوها .
(الشعراء)
فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى
{ قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } قال : فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون { ولأصلبنكم في جذوع النخل } قال : فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون .
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
القول في تأويل قوله تعالى : { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يقول تعالى ذكره : قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعدهم به : { لن نؤثرك } فنتبعك ونكذب من أجلك موسى { على ما جاءنا من البينات } يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى . { والذي فطرنا } يقول : قالوا : لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات , وعلى الذي فطرنا . ويعني بقوله : { فطرنا } خلقنا ; فالذي من قوله : { والذي فطرنا } خفض على قوله : { ما جاءنا } , وقد يحتمل أن يكون قوله : { والذي فطرنا } خفضا على القسم , فيكون معنى الكلام : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والله . وقوله : { فاقض ما أنت قاض } يقول : فاصنع ما أنت صانع , واعمل بنا ما بدا لك { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يقول : إنما تقدر أن تعذبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى . ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 18266 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : حدثت عن وهب بن منبه { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا } أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة { فاقض ما أنت قاض } : أي اصنع ما بدا لك { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } أي ليس سلطان إلا فيها , ثم لا سلطان لك بعده .
(طه : 70)
تلك قصتهم ـ رضي الله عنهم ـ مختصرة وسأتبعها ـ بإذن الله ـ بتعليقات لصاحب الظلال رحمه الله، وحبذا أن يقوم الأساتذة الكرام بإضافة ما يفتح الله عليهم بها أو نقل ما ورد في كتب التفسير الأخرى.