سـحرة كـفرة في أول النهار ... شـهداء بـررة في آخره !

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع شـاكـر
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

شـاكـر

New member
إنضم
22/02/2009
المشاركات
87
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله والحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه.


نخبة من موكب الإيمان الممتد في التاريخ،
ومعلم من معالم الطريق الموصل إلى الله تبارك وتعالى
وفئة شجاعة مقدامة وقفت أمام أعتى قوى الكفر والطغيان حتى اهتز عرش فرعون الذي جاء بها لتكون أهم دعائمه.

نخبة ذكرها الله تعالى في عدة مواقع في قرآن يتلى إلى قيام الساعة ليعتبر بها أولو الألباب فيستخلصون منها العبر والمواعظ ويبنون عليها الأحكام والمبادئ في ميادينها الواسعة من عقيدة وولاء وبراء إلى طرق الدعوة إلى الله تعالى.
قصة هذه الكوكبة على طريق الإيمان لم تحظى ـ في رأي المتواضع ـ بما تستحق من البحث والإسهاب أو الإبراز والاهتمام في مؤلفاتنا المعاصرة .

إنها قصة "سحرة فرعون " رضى الله عنهم وأرضاهم.

وسأذكر قصتهم مختصرة من تفسير الطبري رحمه الله آملا من أساتذتنا الكرام أن لا يبخلوا علينا بما عندهم حولها.

(1)
ما جاء في فضلهم :
قالوا : { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين } قال : كانوا في أول النهار سحرة , وفي آخر النهار شهداء . 11616 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن عبد العزيز بن رفيع , عن عبيد بن عمير , قال : كانت السحرة أول النهار سحرة , وآخر النهار شهداء . 11617 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { وألقي السحرة ساجدين } قال : ذكر لنا أنهم كانوا في أول النهار سحرة , وآخره شهداء . 11618 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين } قال : كانوا أول النهار سحرة , وآخره شهداء .
(تفسير الطبري : الأعراف)


(2)
ما جاء في عددهم :
11595 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق : { أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم } : أي كاثره بالسحرة لعلك أن تجد في السحرة من يأتي بمثل ما جاء به , وقد كان موسى وهارون خرجا من عنده حين أراهم من سلطانه , وبعث فرعون في مملكته , فلم يترك في سلطانه ساحر إلا أتي به . فذكر لي والله أعلم أنه جمع له خمسة عشر ألف ساحر ; فلما اجتمعوا إليه أمرهم أمره , وقال لهم : قد جاءنا ساحر ما رأينا مثله قط , وإنكم إن غلبتموه أكرمتكم وفضلتكم , وقربتكم على أهل مملكتي , قالوا : وإن لنا ذلك إن غلبناه ؟ قال : نعم . 11596 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا الحسين , عن يزيد , عن عكرمة , قال : السحرة كانوا سبعين . قال أبو جعفر : أحسبه أنه قال : ألفا. 11597 - قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا موسى بن عبيدة , عن ابن المنذر , قال : كان السحرة ثمانين ألفا . 11598 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن عبد العزيز بن رفيع , عن خيثمة , عن أبي سودة , عن كعب , قال : كان سحرة فرعون اثني عشر ألفا . (تفسير الطبري: الأعراف)


(3)
ما جاء في مكان اجتماعهم :
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ
وقيل للناس : هل أنتم مجتمعون لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان , ولمن تكون الغلبة , لموسى أو للسحرة ؟ وقيل : إن اجتماعهم للميقات الذي اتعد للاجتماع فيه فرعون وموسى كان بالإسكندرية . ذكر من قال ذلك : 20216 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { وقيل للناس هل أنتم مجتمعون } قال : كانوا بالإسكندرية . (تفسير الطبري : الشعراء)


(4)
ما جاء في قصتهم ومصيرهم
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ

يقول : فلما تبين السحرة أن الذي جاءهم به موسى حق لا سحر , وأنه مما لا يقدر عليه غير الله الذي فطر السموات والأرض من غير أصل , خروا لوجوههم سجدا لله , مذعنين له بالطاعة , مقرين لموسى بالذي أتاهم به من عند الله أنه هو الحق , وأن ما كانوا يعملونه من السحر باطل ,


قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

قائلين : { آمنا برب العالمين } الذي دعانا موسى إلى عبادته دون فرعون وملئه.
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ

قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ

يقول جل ثناؤه : قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا : آمنتم لموسى بأن ما جاء به حق قبل أن آذن لكم في الإيمان به .
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ

يقول : إن موسى لرئيسكم في السحر , وهو الذي علمكموه , ولذلك آمنتم به .
فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ

عند عقابي إياكم وبال ما فعلتم , وخطأ ما صنعتم من الإيمان به .
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ

القول في تأويل قوله تعالى : { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين } يقول { لأقطعن أيديكم وأرجلكم } مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل , وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى , ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى , ونحو ذلك من قطع اليد من جانب , ثم الرجل من الجانب الآخر , وذلك هو القطع من خلاف { ولأصلبنكم أجمعين } فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مستبق منهم أحدا .


قَالُوا لَا ضَيْرَ

يقول تعالى ذكره : قالت السحرة : لا ضير علينا ; وهو مصدر من قول القائل : قد ضار فلان فلانا فهو يضير ضيرا , ومعناه : لا ضرر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 20217 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { لا ضير } قال : يقول : لا يضرنا الذي تقول , وإن صنعته بنا وصلبتنا .
إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ

يقول : إنا إلى ربنا راجعون , وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا , وثباتنا على توحيده , والبراءة من الكفر به .


إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا

القول في تأويل قوله تعالى : { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة : إنا نطمع : إنا نرجو أن يصفح لنا ربنا عن خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا به , فلا يعاقبنا بها . كما : 20218 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } قال : السحر والكفر الذي كانوا فيه.
أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ

يقول : لأن كنا أول من آمن بموسى وصدقه بما جاء به من توحيد الله وتكذيب فرعون في ادعائه الربوبية في دهرنا هذا وزماننا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : * -حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله { أن كنا أول المؤمنين } قال : كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رأوها .
(الشعراء)
فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى
{ قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } قال : فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون { ولأصلبنكم في جذوع النخل } قال : فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون .

قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا

القول في تأويل قوله تعالى : { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يقول تعالى ذكره : قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعدهم به : { لن نؤثرك } فنتبعك ونكذب من أجلك موسى { على ما جاءنا من البينات } يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى . { والذي فطرنا } يقول : قالوا : لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات , وعلى الذي فطرنا . ويعني بقوله : { فطرنا } خلقنا ; فالذي من قوله : { والذي فطرنا } خفض على قوله : { ما جاءنا } , وقد يحتمل أن يكون قوله : { والذي فطرنا } خفضا على القسم , فيكون معنى الكلام : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والله . وقوله : { فاقض ما أنت قاض } يقول : فاصنع ما أنت صانع , واعمل بنا ما بدا لك { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يقول : إنما تقدر أن تعذبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى . ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 18266 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : حدثت عن وهب بن منبه { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا } أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة { فاقض ما أنت قاض } : أي اصنع ما بدا لك { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } أي ليس سلطان إلا فيها , ثم لا سلطان لك بعده .
(طه : 70)


تلك قصتهم ـ رضي الله عنهم ـ مختصرة وسأتبعها ـ بإذن الله ـ بتعليقات لصاحب الظلال رحمه الله، وحبذا أن يقوم الأساتذة الكرام بإضافة ما يفتح الله عليهم بها أو نقل ما ورد في كتب التفسير الأخرى.
 
السلام عليكم
جزاك الله خيرا يا أخ شاكر
نعم إن هؤلاء المؤمنين يمكن أن نصفهم بالآتى
1- عملوا قليلا وأجروا كثيرا
2- كانوا علي الباطل لأنهم لم يكونوا يعلمون الحق ؛فلما جاءهم الحق آمنوا .
3- لقد أُبتلي ايمانهم ابتلاء عظيما وقد ثبتوا
4- قد يصدق عليهم- والله أعلم - وصف الأبرار .
ومازالت هناك أسئلة كثيرة
كيف عرفوا الايمان وقالوا{ أن كنا أول المؤمنين }وكيف عرفوا الاسلام وقالوا { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين }؟
هل آمن من أهل الاجتماع غيرهم ؟
هل هناك آيات تؤكد أن فرعون نفذ وعيده لنقول عنهم أنهم شهداء ؟
 
السلام عليكم
جزاك الله خيرا يا أخ شاكر
نعم إن هؤلاء المؤمنين يمكن أن نصفهم بالآتى
1- عملوا قليلا وأجروا كثيرا
2- كانوا علي الباطل لأنهم لم يكونوا يعلمون الحق ؛فلما جاءهم الحق آمنوا .
3- لقد أُبتلي ايمانهم ابتلاء عظيما وقد ثبتوا
4- قد يصدق عليهم- والله أعلم - وصف الأبرار .
ومازالت هناك أسئلة كثيرة
كيف عرفوا الايمان وقالوا{ أن كنا أول المؤمنين }وكيف عرفوا الاسلام وقالوا { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين }؟
هل آمن من أهل الاجتماع غيرهم ؟
هل هناك آيات تؤكد أن فرعون نفذ وعيده لنقول عنهم أنهم شهداء ؟

الأخ الفاضل مصطفى سعيد
أنت تقول "قلما جاءهم الحق آمنوا"
ثم تقول : كيف عرفوا الإيمان؟ فما أدري هل أجبت على نفسك أم تحتاج إلى جواب؟
على أي حال الآيات قالت كيف عرفوا:
(قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) طه (72)
هم يعرفون أنهم كانوا على الباطل فهم سحرة ، وعرفوا أن آية موسى عليه السلام ليست من جنس باطلهم فآمنوا.

أما هل آمن غيرهم ممن حضر الحادثة ؟ القرآن أشار إلى قضية قد توصلك إلى الجواب:
(فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) سورة يونس(83)

أما قولك :هل هناك آيات تؤكد أن فرعون نفذ وعيده لنقول عنهم أنهم شهداء ؟

فنقول فرعون إذا قال فعل ، وهل تظن أنه كان يمزح؟
إن فرعون قد مرغت كرامته وكبرياؤه في التراب وحقر السحرة شأنه فماذا تظن أنه سيفعل ؟ ماذا تنتظر ممن كان يقتل الأطفال ويستحيي النساء؟

* أما قضية عدد السحرة فأنا أظن أن ما ذكرمبالغ فيه ولم يثبت نص صحيح في ذلك فنتوقف ، والقول بالعدد دون دليل تحكم.

وليسامحني أخونا شاكر على التطفل.

وجزا الله الجميع خيرا

والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
السلام عليكم

ومازالت هناك أسئلة كثيرة
كيف عرفوا الايمان وقالوا{ أن كنا أول المؤمنين }وكيف عرفوا الاسلام وقالوا { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين }؟
هل آمن من أهل الاجتماع غيرهم ؟
هل هناك آيات تؤكد أن فرعون نفذ وعيده لنقول عنهم أنهم شهداء ؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

حياك الله أخانا الفاضل وجزاك خيرا على التفاعل.
أما قولهم ( أن كنا أول المؤمنين ) فلأنهم حقا كانوا أول من آمن بموسى عليه السلام لما رأووا البينات.
أما إن كنت تقصد كيف فرّقوا بين مسمى "الإيمان " ومسمى "الإسلام" في قولهم ( وتوفنا مسلمين) فالجواب ـ والله أعلم هو مما هداهم الله و فتح عليهم .
وقد روى الإمام الطبري رحمه الله عن القاسم بن أبي بزة , قال : " فألقي السحرة عند ذلك سجدا . فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلها ." ( تفسير الطبري الأعراف : 117 )

أما من آمن غيرهم فهو ما ذكره أخونا الفاضل محب القرآن والله تعالى أعلم.
وأضيف ماجاء في تفسير قوله تعالى : فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ
الذرية بمعنى الأبناء
والذرية بمعنى العدد القليل.

هل نفذ فرعون تهديده ؟
هذا ما ذكره الطبري رحمه الله في نفس المصدر :
11614 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو داود الحفري وحبوية الرازي , عن يعقوب القمي , عن جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين } قال : أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون .وقال أيضا :
11615 - فحدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط عن السدي : { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } فقتلهم وصلبهم , كما قال عبد الله بن عباس حين قالوا : { ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين } قال : كانوا في أول النهار سحرة , وفي آخر النهار شهداء .

قلت(شاكر) : ومنها اقتبس العبد الفقير عنوان الموضوع أعلاه.


وليسامحني أخونا شاكر على التطفل.

وجزا الله الجميع خيرا

والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.



بل بمثل أفضالكم نستأنس ، ومنهم نستزيد فجزاك الله خيرا وأحسن إليك.
 
السلام عليكم
أنت تقول "قلما جاءهم الحق آمنوا"
ثم تقول : كيف عرفوا الإيمان؟ فما أدري هل أجبت على نفسك أم تحتاج إلى جواب؟
على أي حال الآيات قالت كيف عرفوا:
(قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) طه (72)
هم يعرفون أنهم كانوا على الباطل فهم سحرة ، وعرفوا أن آية موسى عليه السلام ليست من جنس باطلهم فآمنوا.
بل نقول أن موسى أنذرهم بالعذاب إن افتروا الكذب ؛ وأخبرهم أن الله سيبطل سحرهم ؛ودعاهم للايمان والاسلام ومن هنا علموا ؛ أما الآية فقد أقامت الدليل على صدق موسى ولم تنشأ علما بالإيمان والاسلام.
ومن آمن من أهل الاجتماع هم هؤلاء السحرة فقط ؛ أما الذرية من قوم موسى فلم يكونوا فى الاجتماع وما أعلنوا ايمانهم أمام فرعون ؛ولم يكن ماحدث يوم الزينة هو السبب فى ايمانهم لموسى
وكون فرعون أنفذ وعيده ؛لم أقرأ ما ينفيه أو مايثبته ؛ ولكن مؤمن آل فرعون قال الله عنه " فوقاه الله سيئات ما مكروا " ؛ والقاعدة أن الله ينجى المؤمنين؛ على أي حال الحكم بالشهادة يحتاج دليل
 
ومن آمن من أهل الاجتماع هم هؤلاء السحرة فقط ؛ أما الذرية من قوم موسى فلم يكونوا فى الاجتماع وما أعلنوا ايمانهم أمام فرعون ؛ولم يكن ماحدث يوم الزينة هو السبب فى ايمانهم لموسى
وكون فرعون أنفذ وعيده ؛لم أقرأ ما ينفيه أو مايثبته ؛ ولكن مؤمن آل فرعون قال الله عنه " فوقاه الله سيئات ما مكروا " ؛ والقاعدة أن الله ينجى المؤمنين؛ على أي حال الحكم بالشهادة يحتاج دليل

أما قولك أخانا الفاضل أنه لم يؤمن مع السحرة أحد فهو الذي يحتاج إلى دليل وهو خلاف ما جاء في التفاسير ومنها ما نقله الطبري رحمه الله عن ترجمان القرآن رضي الله عنه :
11626- حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا آمَنَتْ السَّحَرَة , اِتَّبَعَ مُوسَى سِتّمِائَةِ أَلْف مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . (الأعراف:128) .


كون فرعون نفذ وعيده فقد ورد أيضا عن ترجمان القرآن وحبر الأمة رضي الله عنه وهو من سماهم شهداء وقد نقلته لك أعلاه،
فإذا كان عندك أخانا الفاضل ما يدفعه فبينه لنا بالدليل بارك الله فيك.


وقولك :
(والقاعدة أن الله ينجي المؤمنين)
أقول : هو حق ومما يدخل في النجاة :
انتصار العقيدة على الحياة ، والثبات على الإيمان مع هول الفتنة كما في حادثة أصحاب الأخدود وهو نوع من أنواع النصر أيضا.
 
(إن هذا لساحر عليم . يريد أن يخرجكم من أرضكم . فماذا تأمرون )(الأعراف :109،110)

واستقر رأيهم على أمر:

(قالوا:أرجه وأخاه , وأرسل في المدائن حاشرين , يأتوك بكل ساحر عليم)

وكانت أرض مصر تموج بالكهنة في شتى المعابد . وكان الكهنة هم الذين يزاولون أعمال السحر . ففي الوثنيات كلها تقريباً يقترن الدين بالسحر ; ويزاول السحر كهنة الديانات وسدنة الآلهة ! وهذه الظاهرة هي التي يلتقطها "علماء الأديان ! " فيتحدث بعضهم عن السحر كمرحلة من مراحل تطور العقيدة ! ويقول الملحدون منهم:إن الدين سيبطل كما بطل السحر ! وإن العلم سينهي عهد الدين كما أنهى عهد السحر ! . . إلى آخر هذا الخبط الذي يسمونه:"العلم" !

وقد استقر رأي الملأ من قوم فرعون , على أن يرجىء فرعون موسى إلى موعد . وأن يرسل في أنحاء البلاد من يجمع له كبار السحرة . ذلك ليواجهوا "سحر موسى " - بزعمهم - بسحر مثله .

وعلى كل ما عرف من طغيان فرعون , فقد كان في تصرفه هذا أقل طغياناً من طواغيت كثيرة في القرن العشرين ; في مواجهة دعوة الدعاة إلى ربوبية رب العالمين ! وتهديد السلطان الباطل بهذه الدعوة الخطيرة !

الدرس الثالث:113-114 استعداد السحرة للمبارة

ويطوي السياق القرآني إجراء فرعون وملئه في جمع السحرة من المدائن ; ويسدل الستار على المشهد الأول ,ليرفعه على المشهد التالي . . وذلك من بدائع العرض القرآني للقصص , كأنه واقع منظور , لا حكاية تروى !

(وجاء السحرة فرعون , قالوا:إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين ؟ قال:نعم , وإنكم لمن المقربين)

إنهم محترفون . . . يحترفون السحر كما يحترفون الكهانة ! والأجر هو هدف الاحتراف في هذا وذاك ! وخدمة السلطان الباطل والطاغوت الغالب هي وظيفة المحترفين من رجال الدين ! وكلما انحرفت الأوضاع عن إخلاص العبودية لله , وإفراده - سبحانه - بالحاكمية ; وقام سلطان الطاغوت مقام شريعة الله , احتاج الطاغوت إلى هؤلاء المحترفين , وكافأهم على الاحتراف , وتبادل وإياهم الصفقة:هم يقرون سلطانه باسم الدين ! وهو يعطيهم المال ويجعلهم من المقربين !

ولقد أكد لهم فرعون أنهم مأجورون على حرفتهم , ووعدهم مع الأجر القربى منه , زيادة في الإغراء , وتشجيعاً على بذل غاية الجهد . . وهو وهم لا يعلمون أن الموقف ليس موقف الاحتراف والبراعة والتضليل ; إنما هو موقف المعجزة والرسالة والاتصال بالقوة القاهرة , التي لا يقف لها الساحرون ولا المتجبرون !

الدرس الرابع:115

ولقد اطمأن السحرة على الأجر , واشرأبت أعناقهم إلى القربى من فرعون , واستعدوا للحلبة . . ثم ها هم أولاء يتوجهون إلى موسى - عليه السلام - بالتحدي . . ثم يكون من أمرهم ما قسم الله لهم من الخير الذي لم يكونوا يحتسبون , ومن الأجر الذي لم يكونوا يتوقعون:

(قالوا:يا موسى , إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين . . قال:ألقوا)

ويبدو التحدي واضحاً في تخييرهم لموسى . وتبدو كذلك ثقتهم بسحرهم وقدرتهم على الغلبة . . وفي الجانب الآخر تتجلى ثقة موسى - عليه السلام - واستهانته بالتحدي: قال ألقوا . . فهذه الكلمة الواحدة تبدو فيها قلة المبالاة , وتلقي ظل الثقة الكامنة وراءها في نفس موسى . على طريقة القرآن الكريم في إلقاء الظلال , بالكلمة المفردة في كثير من الأحايين .

ولكن السياق يفاجئنا بما فوجىء به موسى - عليه السلام - وبينما نحن في ظلال الاستهانة وعدم المبالاة , إذا بنا أمام مظهر السحر البارع , الذي يرهب ويخيف:

فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم , وجاءوا بسحر عظيم .

وحسبنا أن يقرر القرآن أنه سحر عظيم , لندرك أي سحر كان . وحسبنا أن نعلم أنهم سحروا (أعين الناس)وأثاروا الرهبة في قلوبهم: (واسترهبوهم)لنتصور أي سحر كان , ولفظ "استرهب" ذاته لفظ مصور . فهم استجاشوا إحساس الرهبة في الناس وقسروهم عليه قسراً . ثم حسبنا أن نعلم من النص القرآني الآخر في سورة طه , أن موسى عليه السلام قد أوجس في نفسه خيفة لنتصور حقيقة ما كان !

ولكن مفاجأة أخرى تطالع فرعون وملأه , وتطالع السحرة الكهنة , وتطالع جماهير الناس في الساحة الكبرى التي شهدت ذلك السحر العظيم:

(وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك , فإذا هي تلقف ما يأفكون . فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون . فغلبوا هنالك , وانقلبوا صاغرين)

إنه الباطل ينتفش , ويسحر العيون , ويسترهب القلوب , ويخيل إلى الكثيرين أنه غالب , وأنه جارف , وأنه مُحيق ! وما هو إلا أن يواجه الحق الهادىء الواثق حتى ينفثىء كالفقاعة , وينكمش كالقنفذ , وينطفئ كشعلة الهشيم ! وإذا الحق راجح الوزن , ثابت القواعد , عميق الجذور . . والتعبير القرآني هنا يلقي هذه الظلال , وهو يصور الحق واقعاً ذا ثقل: (فوقع الحق). . وثبت , واستقر . . وذهب ما عداه فلم يعد له وجود: (وبطل ما كانوا يعملون). . وغلب الباطل والمبطلون وذلوا وصغروا وانكمشوا بعد الزهو الذي كان يبهر العيون:

(فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين). .

ولكن المفاجأة لم تختم بعد . والمشهد ما يزال يحمل مفاجأة أخرى . . مفاجأة كبرى . .


يتبع بإذن الله تعالى
 
(وألقى السحرة ساجدين . قالوا:آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون )

إنها صولة الحق في الضمائر . ونور الحق في المشاعر , ولمسة الحق للقلوب المهيأة لتلقي الحق والنور واليقين . .

إن السحرة هم أعلم الناس بحقيقة فنهم , ومدى ما يمكن أن يبلغ إليه . وهم أعرف الناس بالذي جاء به موسى إن كان من السحر والبشر , أم من القدرة التي وراء مقدور البشر والسحر . والعالم في فنه هو أكثر الناس استعداداً للتسليم بالحقيقة فيه حين تتكشف له , لأنه أقرب إدراكاً لهذه الحقيقة , ممن لا يعرفون في هذا الفن إلا القشور . . ومن هنا تحول السحرة من التحدي السافر إلى التسليم المطلق , الذي يجدون برهانه في أنفسهم عن يقين . .

ولكن الطواغيت المتجبرين لا يدركون كيف يتسرب النور إلى قلوب البشر ; ولا كيف تمازجها بشاشة الإيمان ; ولا كيف تلمسها حرارة اليقين .
فهم لطول ما استعبدوا الناس يحسبون أنهم يملكون تصريف الأرواح وتقليب القلوب - وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء - . .
ومن ثم فوجىء فرعون بهذا الإيمان المفاجىء الذي لم يدرك دبيبه في القلوب ولم يتابع خطاه في النفوس ; ولم يفطن إلى مداخله في شعاب الضمائر . .
ثم هزته المفاجأة الخطيرة التي تزلزل العرش من تحته:مفاجأة استسلام السحرة - وهم من كهنة المعابد - لرب العالمين . رب موسى وهارون . بعد أن كانوا مجموعين لإبطال دعوة موسى وهارون إلى رب العالمين ! . .
والعرش والسلطان هما كل شيء في حياة الطواغيت . . وكل جريمة يمكن أن يرتكبوها بلا تحرج في سبيل المحافظة على الطاغوت:

(قال فرعون:آمنتم به قبل أن آذن لكم ! إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها . فسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف , ثم لأصلبنكم أجمعين). .

هكذا . . (آمنتم به قبل أن آذن لكم !). .
كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن تنتفض قلوبهم للحق - وهم أنفسهم لاسلطان لهم عليها -
أو يستأذنوه في أن ترتعش وجداناتهم - وهم أنفسهم لا يملكون من أمرها شيئاً -
أو يستأذنوه في أن تشرق أرواحهم - وهم أنفسهم لا يمسكون مداخلها .
أو كأنما كان عليهم أن يدفعوا اليقين وهو ينبت من الأعماق .
أو أن يطمسوا الإيمان وهو يترقرق من الأغوار .
أو أن يحجبوا النور وهو ينبعث من شعاب اليقين !

ولكنه الطاغوت جاهل غبي مطموس ; وهو في الوقت ذاته متعجرف متكبر مغرور !

ثم إنه الفزع على العرش المهدد والسلطان المهزوز:
(إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها). .
وفي نص آخر: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر)!


والمسألة واضحة المعالم . .
إنها دعوة موسى إلى (رب العالمين). . هي التي تزعج وتخيف . .
إنه لا بقاء ولا قرار لحكم الطواغيت مع الدعوة إلى رب العالمين .
وهم إنما يقوم ملكهم على تنحية ربوبية الله للبشر بتنحية شريعته . وإقامة أنفسهم أرباباً من دون الله يشرعون للناس ما يشاءون , ويعبدون الناس لما يشرعون ! . .
إنهما منهجان لا يجتمعان . . . أو هما دينان لا يجتمعان . . أو هما ربان لا يجتمعان . .
وفرعون كان يعرف وملؤه كانوا يعرفون . . ولقد فزعوا للدعوة من موسى وهارون إلى رب العالمين . فأولى أن يفزعوا الأن وقد ألقي السحرة ساجدين . قالوا:آمنا برب العالمين . رب موسى وهارون !
والسحرة من كهنة الديانة الوثنية التي تؤله فرعون , وتمكنه من رقاب الناس باسم الدين !

وهكذا أطلق فرعون ذلك التوعد الوحشي الفظيع:
(فسوف تعلمون . لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف , ثم لأصلبنكم أجمعين). .

إنه التعذيب والتشوية والتنكيل . . وسيلة الطواغيت في مواجهة الحق , الذي لا يملكون دفعه بالحجة والبرهان . . وعدة الباطل في وجه الحق الصريح . .

ولكن النفس البشرية حين تستعلن فيها حقيقة الإيمان ; تستعلى على قوة الأرض , وتستهين ببأس الطغاة ; وتنتصر فيها العقيدة على الحياة , وتحتقر الفناء الزائل إلى جوار الخلود المقيم .

إنها لا تقف لتسأل:ماذا ستأخذ وماذا ستدع ؟
ماذا ستقبض وماذا ستدفع ؟
ماذا ستخسر وماذا ستكسب ؟
وماذا ستلقى في الطريق من صعاب وأشواك وتضحيات ؟ . .

لأن الأفق المشرق الوضيء أمامها هناك , فهي لا تنظر إلى شيء في الطريق . .
(قالوا:إنا إلى ربنا منقلبون . وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا . ربنا أفرغ علينا صبراً , وتوفنا مسلمين). .

إنه الإيمان الذي لا يفزع ولا يتزعزع . كما أنه لا يخضع أو يخنع .
الإيمان الذي يطمئن إلى النهاية فيرضاها , ويستيقن من الرجعة إلى ربه فيطمئن إلى جواره:
(قالوا:إنا إلى ربنا منقلبون). .

والذي يدرك طبيعة المعركة بينه وبين الطاغوت . . وأنها معركة العقيدة في الصميم . . لا يداهن ولا يناور . . ولا يرجو الصفح والعفو من عدو لن يقبل منه إلا ترك العقيدة , لأنه إنما يحاربه ويطارده على العقيدة:
(وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا). .

والذي يعرف أين يتجه في المعركة , وإلى من يتجه ; لا يطلب من خصمه السلامة والعافية , إنما يطلب من ربه الصبر على الفتنة والوفاة على الإسلام:
(ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين). .

ويقف الطغيان عاجزاً أمام الإيمان , وأمام الوعي , وأمام الاطمئنان . .

يقف الطغيان عاجزاً أمام القلوب التي خيل إليه أنه يملك الولاية عليها كما يملك الولاية على الرقاب ! ويملك التصرف فيها كما يملك التصرف في الأجسام . فإذا هي مستعصية عليه , لأنها من أمر الله , لا يملك أمرها إلا الله . .

وماذا يملك الطغيان إذارغبت القلوب في جوار الله ؟ وماذا يملك الجبروت إذا اعتصمت القلوب بالله ؟ وماذا يملك السلطان إذا رغبت القلوب عما يملك السلطان !


يتبع بإذنه تعالى
 
إنه موقف من المواقف الحاسمة في تاريخ البشرية . هذا الذي كان بين فرعون وملئه , والمؤمنين من السحرة . . السابقين . .

إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية . بانتصار العقيدة على الحياة . وانتصار العزيمة على الألم . وانتصار "الإنسان" على "الشيطان" !

إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية . بإعلان ميلاد الحرية الحقيقية .
فما الحرية إلا الاستعلاء بالعقيدة على جبروت المتجبرين وطغيان الطغاة . والاستهانة بالقوة المادية التي تملك أن تتسلط على الأجسام والرقاب وتعجز عن استذلال القلوب والأرواح . ومتى عجزت القوة المادية عن استذلال القلوب فقد ولدت الحرية الحقيقية في هذه القلوب .

إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية بإعلان إفلاس المادية ! فهذه القلة التي كانت منذ لحظة تسأل فرعون الأجر على الفوز , وتمنى بالقرب من السلطان . . هي ذاتها التي تستعلي على فرعون ; وتستهين بالتهديد والوعيد , وتُقبل صابرة محتسبة على التنكيل والتصليب . وما تغير في حياتها شيء , ولا تغير من حولها شيء - في عالم المادة - إنما وقعت اللمسة الخفية التي تسلك الكوكب المفرد في الدورة الكبرى . وتجمع الذرة التائهة إلى المحور الثابت , وتصل الفرد الفاني بقوة الأزل والأبد . . وقعت اللمسة التي تحوّل الإبرة , فيلتقط القلب إيقاعات القدرة , ويتسمع الضمير أصداء الهداية , وتتلقى البصيرة إشراقات النور . . وقعت اللمسة التي لا تنتظر أي تغيير في الواقع المادي ; ولكنها هي تغير الواقع المادي ; وترفع "الإنسان" في عالم الواقع إلى الآفاق التي لم يكن يطمح إليها الخيال !

ويذهب التهديد . . ويتلاشى الوعيد . . ويمضي الإيمان في طريقه . لا يتلفت , ولا يتردد , ولا يحيد ! ويسدل السياق القرآني الستار على المشهد عند هذا الحد ولا يزيد . . إن روعة الموقف تبلغ ذروتها ; وتنتهي إلى غايتها . وعندئذ يتلاقى الجمال الفني في العرض ; مع الهدف النفسي للقصة , على طريقة القرآن في مخاطبة الوجدان الإيماني بلغة الجمال الفني , في تناسق لا يبلغه إلا القرآن .

تعقيب على الدرس الرابع

ولكننا نحن في هذه الظلال ينبغي أن نقف وقفة قصيرة أمام هذا المشهد الباهر الأخاذ . . .

نقف ابتداء أمام إدراك فرعون وملئه أن إيمان السحرة برب العالمين , رب موسى وهارون , يمثل خطراً على نظام ملكهم وحكمهم ; لتعارض القاعدة التي يقوم عليها هذا الإيمان , مع القاعدة التي يقوم عليها ذلك السلطان . . وقد عرضنا لهذا الأمر من قبل . . ونريد أن نقرر هذه الحقيقة ونؤكدها . . إنه لا يجتمع في قلب واحد , ولا في بلد واحد , ولا في نظام حكم واحد , أن يكون الله رب العالمين , وأن يكون السلطان في حياة الناس لعبد من العبيد , يباشره بتشريع من عنده وقوانين . . فهذا دين وذلك دين . .

ونقف بعد ذلك أمام إدراك السحرة - بعد أن أشرق نور الإيمان في قلوبهم , وجعل لهم فرقاناً في تصورهم - أن المعركة بينهم وبين فرعون وملئه هي معركة العقيدة ; وأنه لا ينقم منهم إلا إيمانهم برب العالمين .فهذا الإيمان على هذا النحو يهدد عرش فرعون وملكه وسلطانه ; ويهدد مراكز الملأ من قومه وسلطانهم المستمد من سلطان فرعون . . أو بتعبير آخر مرادف:من ربوبية فرعون , ويهدد القيم التي يقوم عليها المجتمع الوثني كله . . وهذا الإدراك لطبيعة المعركة ضروري لكل من يتصدى للدعوة إلى ربوبية الله وحده . فهو وحده الذي أهل هؤلاء المؤمنين للاستهانة بما يلقونه في سبيله . . إنهم يقدمون على الموت مستهينين ليقينهم بأنهم هم المؤمنون برب العالمين ; وأن عدوهم على دين غير دينهم ; لأنه بمزاولته للسلطان وتعبيد الناس لأمره ينكر ربوبية رب العالمين . . فهو إذن من الكافرين . . وما يمكن أن يمضي المؤمنون في طريق الدعوة إلى رب العالمين - على ما ينتظرهم فيها من التعذيب والتنكيل - إلا بمثل هذا اليقين بشقيه:أنهم هم المؤمنون , وأن أعداءهم هم الكافرون , وأنهم إنما يحاربونهم على الدين , ولا ينقمون منهم إلا الدين .

ونقف بعد ذلك أمام الروعة الباهرة لانتصار العقيدة على الحياة . وانتصار العزيمة على الألم . وانتصار "الإنسان" على الشيطان . وهو مشهد بالغ الروعة . . نعترف أننا نعجز عن القول فيه . فندعه كما صوره النص القرآني الكريم !


(في ظلال القرآن)
 
عودة
أعلى