[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
كتبت السين صادًا في أربع مواضع في القرآن الكريم [/align]
اثنان منها يجوز فيهما القراءة بالسين والصاد في رواية حفص الذي ضبطت عليها المصاحف، ولكن القراءة بالسين فيهما مقدمة على القراءة بالصاد؛ لذلك كتبت سين صغيرة فوق الصاد(تعذر علينا بيانها) لبيان هذا الترجيح في القراءة؛
وكان الموضع الأول في قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة.
وكان الموضع الثاني في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) الأعراف.
وموضع ثالث يجوز فيه القراءة بالسين والصاد ، والمقدم في الوجهين القراءة بالصاد، لذلك كتبت سين صغيرة تحت الصاد؛
وكان هذا الموضع في قوله تعالى : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) الطور
وموضع رابع يقرأ بالصاد على وجه واحد برواية حفص في قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) الغاشية.
والسر في كتابة حرف السين صادًا يعود على معنى حرف السين والصاد في الاستعمال العربي؛
فالسين في الاستعمال العربي هي للتفلت، والتفلت خروج من أمر كان مستمرًا فيه.
والصاد في الاستعمال العربي هي للامتناع، والامتناع يفيد رفض دخول شيء آخر إلى الشيء أو الخروج منه، ولذلك جاء في رسم الصاد صورة باطن فيها مقفل عليه، من ضمن سبعة حروف من حروف اللغة العربية، وهي؛ حروف الإطباق الأربع ؛ الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، بالإضافة إلى الفاء، والقاف، والواو، وترجع العلة في رسمها بهذه الصورة إلى معانيها في الاستعمال العربي.
وقد جاء القبض والبسط في آية البقرة؛ (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ)، بصيغة العموم وليس بالتخصيص ليشمل ما يعلم وما لا يعلم.
فبعض البسط قد عرفه الإنسان، وما يجهله أكثر، أي ممتنع عن المعرفة لخفاء سره، فإنزال المطر، وإنبات النبات مثلا؛ تتداخل فيهما عوامل كثيرة، عرف الإنسان بعضها، ويجهل كثيرًا منها، وبعضها مما لا يخطر على باله، ولن يدركه حتى يقف عليه إذا فتح له سبيل من الله تعالى لمعرفته.
فكانت صورة السين صادًا في هذا الموضع لبيان أن الوقوف على حدود البسط والقبض؛ فوق قدرة البشر على الإحاطة بها.
ومثل ذلك موضع الأعراف؛ (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) فإن هذه البسطة كانت في خلق غير محدد، هل كانت البسطة في خلق الأرض ومدها؟ أم كان في بسط السماء وتوسيعها، أم في بسط الدواب بزيادة حجمها وعددها، أم البسط كان في كمية الأمطار فأجرت الأنهار من كثرتها؟ أم ... أم ... فالخلق في هذه الآية عام وغير محدد بنوع أو جنس.
فرسم السين صادًا ليدل أن معرفة الإنسان وإحساسه لم يحط ببسط كل الخلق بعد الطوفان؛ فعرف منها أشياء، وجهل باقيها.
أما كتابة السين سينًا في قوله تعالى : (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) البقرة، فقد كان البسط في أمر مخصص ومحدد؛ وهو البسط في العلم والجسم؛ فلم تكتب السين صادًا.
وكذلك البسط في قوله تعالى : (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) العنكبوت. فإن محدد بالرزق دون غيره.
أما كتابة السين صادًا في (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) ، و (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) فإن السيطرة تكون في الإحاطة بالمغلوب، ومنعه من الخروج، فكانت صورة صاد الامتناع بدلا من سين التفلت هو الأمثل في تصوير الواقع.
أما قراءة هذه الكلمات الأربع بالسين والصاد
فقراءتها بالسين وهو الأصل لأن الجذر "سطر" والسطر يقيد كتابة الكلمات عليه، ويقيد رسم الحروف عليه، لكنه يجعل لها هامشًا تتفلت فيه؛ فيكون بعضها تارة فوقه، وتارة تحته، أو عليه.
والحال مع المسيطر بالسين أنه يترك له هامش من الحرية.
أما كتابتها بصاد الامتناع فتكون السيطرة كلية، مقيدة للمسيطر عليه، ليس لها هامش من الحرية. فكانت الصاد أكثر تمثيلا لهذا الواقع ... وأكثر ترجيحًا لقراءتها بالصاد بدل السين.
وبالقراءتين يكون الوصف لحالين تنعدم في أحدها الحرية بالمنع والسيطرة، وفي الثانية فيها بعض الحرية مع غلبة المنع عليها.
فاختلاف الرسم القرآني عن الرسم الإملائي ينبهنا إلى معان نغفل عنها لولا هذا الرسم، وأن صورة الكلمة بحروفها يجب أن تكون مطابقة للمعنى المراد؛ الذي من أجله تم استحضارها، فنتعلم من الرسم ما نتعلم من صريح اللفظ، فهو للمؤمن نور ينتفع به، وللمشكك في صحته فتنة يهلك فيها.
والله تعالى أعلم.
[align=center]أبو مسلم عبد المجيد العرابلي[/align]
كتبت السين صادًا في أربع مواضع في القرآن الكريم [/align]
اثنان منها يجوز فيهما القراءة بالسين والصاد في رواية حفص الذي ضبطت عليها المصاحف، ولكن القراءة بالسين فيهما مقدمة على القراءة بالصاد؛ لذلك كتبت سين صغيرة فوق الصاد(تعذر علينا بيانها) لبيان هذا الترجيح في القراءة؛
وكان الموضع الأول في قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة.
وكان الموضع الثاني في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) الأعراف.
وموضع ثالث يجوز فيه القراءة بالسين والصاد ، والمقدم في الوجهين القراءة بالصاد، لذلك كتبت سين صغيرة تحت الصاد؛
وكان هذا الموضع في قوله تعالى : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) الطور
وموضع رابع يقرأ بالصاد على وجه واحد برواية حفص في قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) الغاشية.
والسر في كتابة حرف السين صادًا يعود على معنى حرف السين والصاد في الاستعمال العربي؛
فالسين في الاستعمال العربي هي للتفلت، والتفلت خروج من أمر كان مستمرًا فيه.
والصاد في الاستعمال العربي هي للامتناع، والامتناع يفيد رفض دخول شيء آخر إلى الشيء أو الخروج منه، ولذلك جاء في رسم الصاد صورة باطن فيها مقفل عليه، من ضمن سبعة حروف من حروف اللغة العربية، وهي؛ حروف الإطباق الأربع ؛ الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، بالإضافة إلى الفاء، والقاف، والواو، وترجع العلة في رسمها بهذه الصورة إلى معانيها في الاستعمال العربي.
وقد جاء القبض والبسط في آية البقرة؛ (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ)، بصيغة العموم وليس بالتخصيص ليشمل ما يعلم وما لا يعلم.
فبعض البسط قد عرفه الإنسان، وما يجهله أكثر، أي ممتنع عن المعرفة لخفاء سره، فإنزال المطر، وإنبات النبات مثلا؛ تتداخل فيهما عوامل كثيرة، عرف الإنسان بعضها، ويجهل كثيرًا منها، وبعضها مما لا يخطر على باله، ولن يدركه حتى يقف عليه إذا فتح له سبيل من الله تعالى لمعرفته.
فكانت صورة السين صادًا في هذا الموضع لبيان أن الوقوف على حدود البسط والقبض؛ فوق قدرة البشر على الإحاطة بها.
ومثل ذلك موضع الأعراف؛ (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) فإن هذه البسطة كانت في خلق غير محدد، هل كانت البسطة في خلق الأرض ومدها؟ أم كان في بسط السماء وتوسيعها، أم في بسط الدواب بزيادة حجمها وعددها، أم البسط كان في كمية الأمطار فأجرت الأنهار من كثرتها؟ أم ... أم ... فالخلق في هذه الآية عام وغير محدد بنوع أو جنس.
فرسم السين صادًا ليدل أن معرفة الإنسان وإحساسه لم يحط ببسط كل الخلق بعد الطوفان؛ فعرف منها أشياء، وجهل باقيها.
أما كتابة السين سينًا في قوله تعالى : (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) البقرة، فقد كان البسط في أمر مخصص ومحدد؛ وهو البسط في العلم والجسم؛ فلم تكتب السين صادًا.
وكذلك البسط في قوله تعالى : (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) العنكبوت. فإن محدد بالرزق دون غيره.
أما كتابة السين صادًا في (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) ، و (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) فإن السيطرة تكون في الإحاطة بالمغلوب، ومنعه من الخروج، فكانت صورة صاد الامتناع بدلا من سين التفلت هو الأمثل في تصوير الواقع.
أما قراءة هذه الكلمات الأربع بالسين والصاد
فقراءتها بالسين وهو الأصل لأن الجذر "سطر" والسطر يقيد كتابة الكلمات عليه، ويقيد رسم الحروف عليه، لكنه يجعل لها هامشًا تتفلت فيه؛ فيكون بعضها تارة فوقه، وتارة تحته، أو عليه.
والحال مع المسيطر بالسين أنه يترك له هامش من الحرية.
أما كتابتها بصاد الامتناع فتكون السيطرة كلية، مقيدة للمسيطر عليه، ليس لها هامش من الحرية. فكانت الصاد أكثر تمثيلا لهذا الواقع ... وأكثر ترجيحًا لقراءتها بالصاد بدل السين.
وبالقراءتين يكون الوصف لحالين تنعدم في أحدها الحرية بالمنع والسيطرة، وفي الثانية فيها بعض الحرية مع غلبة المنع عليها.
فاختلاف الرسم القرآني عن الرسم الإملائي ينبهنا إلى معان نغفل عنها لولا هذا الرسم، وأن صورة الكلمة بحروفها يجب أن تكون مطابقة للمعنى المراد؛ الذي من أجله تم استحضارها، فنتعلم من الرسم ما نتعلم من صريح اللفظ، فهو للمؤمن نور ينتفع به، وللمشكك في صحته فتنة يهلك فيها.
والله تعالى أعلم.
[align=center]أبو مسلم عبد المجيد العرابلي[/align]