نور الدين قوطيط
New member
طُرح سؤال : لماذا نسجد مرتين فى الركعة الواحدة .؟!
فأجبت : الأمر فيه دلالة رمزية خلاصتها : يا إنسان أنت كل لحظة محتاج إلى الله في شأنك كله , فمهما تلبست بملابسات الحياة لا تنس مطلقاً الحقيقة .. حقيقة أنك بدون الله لست بشئ و لا تقدر على شئ .. فالإنسان قد أتى عليه حين من الدهر لم يكُ شيئًا مذكوراً , بل كان هنالك .. متواريًّا في مجاهل العدم و أطواء الفناء , حتّى أدركته الرّحمة الإلهيّة , فخرج إلى فضاء الحريّة الخالدة و آفاق الفضيلة الجميلة , فإذا هو قد تمثّل بشراً سويّاً .. " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1} إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً {2} إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً {3} " [الإنسان] .. ليقوم بمهمة معيّنة في هذا العالم .. مهمة العبودية .. استعدادا لولوج عالم الأبدية الخالد . فالسجود ثم الرفع منه ثم السجود مرة ثانية يشير إلى أنك يا إنسان مهما ذهبت بعيداً جراء ملابسات الحياة و مقتضيات الإجتماع لابد لك من العودة إلى مصدر وجودك .. الله .. إنه لابد لك من هذه العودة بين الفينة و الأخرى للتزود بالطاقة اللازمة لك لمتابعة المسير و إحسان التفاعل مع مكونات العالم من حولك : أشخاصاً و اشياءاً و أحداثاً , الطاقة التي تفتق في أعماقك معاني الإنسانية الكريمة و تثور في أبعادك جماليات الفضيلة السامية , الطاقة التي تدفع بك إلى التسامي على هواتف الأرض و جواذب الجسم لتعيش بمعاني الروح و في معاني الروح .. و الإنسان حينما يصل هذا المستوى الفائق الذي يرمز إليه السجود مرتين و الفصل بينهما , رمز الخضوع و الدخول في السلم كافة : فكراً و شعوراً و سلوكاً , لاجرم يستشعر الإنسان عمق التماهي و روعته الساحرة مع حقائق الوجود و شتى علاقاته و مكوناته و بالتالي استشعار جمال التناسق و روعة التناسب بين شخصيته الذاتية و بين هذه المكونات المبثوتة في العالم الظاهر و الباطن .
ثم الخلاصة الثانية : يا إنسان جل مقام الألوهية العظيمة أن تقدر على تمليه طويلا و الكينونة في جنابه كثيرا , فإن طاقة الروح البشري مهما صفت و شفت و سمت ليس لها المُكنة في تلقي دفقات الأنوار الألهية بصورة مستمرة , فحقائق الألوهية المطلقة بجمالها و جلالها و كمالها تتسامى على طاقات الإنسان المخلوق الفاني , فمن أجل ذلك قيل للمسلم : " و الذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم و في طرقكم . و لكن يا حنظلة ساعة و ساعة " ثلاث مرات .
رواه مسلم في صحيحه .. و حتى في عالم الخلد حين تتفتق طاقات العقل الإنساني و تتكشف قوى الروح البشري كأقصى ما يمكنه من التفتق و الإنكشاف في عملية مستمرة مع سير الأبدية , لا يؤذن للإنسان و هو في أقصى منازل القرب إلا بزيارة الله تعالى و الإنضواء في النور الإلهي إلا فترة و فترة تتخللها انشغالاته بالجنة و معانيها .. إن الفاني لا يحيط أبدا بالباقي . " لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " ..
و الله أعلم
فأجبت : الأمر فيه دلالة رمزية خلاصتها : يا إنسان أنت كل لحظة محتاج إلى الله في شأنك كله , فمهما تلبست بملابسات الحياة لا تنس مطلقاً الحقيقة .. حقيقة أنك بدون الله لست بشئ و لا تقدر على شئ .. فالإنسان قد أتى عليه حين من الدهر لم يكُ شيئًا مذكوراً , بل كان هنالك .. متواريًّا في مجاهل العدم و أطواء الفناء , حتّى أدركته الرّحمة الإلهيّة , فخرج إلى فضاء الحريّة الخالدة و آفاق الفضيلة الجميلة , فإذا هو قد تمثّل بشراً سويّاً .. " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1} إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً {2} إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً {3} " [الإنسان] .. ليقوم بمهمة معيّنة في هذا العالم .. مهمة العبودية .. استعدادا لولوج عالم الأبدية الخالد . فالسجود ثم الرفع منه ثم السجود مرة ثانية يشير إلى أنك يا إنسان مهما ذهبت بعيداً جراء ملابسات الحياة و مقتضيات الإجتماع لابد لك من العودة إلى مصدر وجودك .. الله .. إنه لابد لك من هذه العودة بين الفينة و الأخرى للتزود بالطاقة اللازمة لك لمتابعة المسير و إحسان التفاعل مع مكونات العالم من حولك : أشخاصاً و اشياءاً و أحداثاً , الطاقة التي تفتق في أعماقك معاني الإنسانية الكريمة و تثور في أبعادك جماليات الفضيلة السامية , الطاقة التي تدفع بك إلى التسامي على هواتف الأرض و جواذب الجسم لتعيش بمعاني الروح و في معاني الروح .. و الإنسان حينما يصل هذا المستوى الفائق الذي يرمز إليه السجود مرتين و الفصل بينهما , رمز الخضوع و الدخول في السلم كافة : فكراً و شعوراً و سلوكاً , لاجرم يستشعر الإنسان عمق التماهي و روعته الساحرة مع حقائق الوجود و شتى علاقاته و مكوناته و بالتالي استشعار جمال التناسق و روعة التناسب بين شخصيته الذاتية و بين هذه المكونات المبثوتة في العالم الظاهر و الباطن .
ثم الخلاصة الثانية : يا إنسان جل مقام الألوهية العظيمة أن تقدر على تمليه طويلا و الكينونة في جنابه كثيرا , فإن طاقة الروح البشري مهما صفت و شفت و سمت ليس لها المُكنة في تلقي دفقات الأنوار الألهية بصورة مستمرة , فحقائق الألوهية المطلقة بجمالها و جلالها و كمالها تتسامى على طاقات الإنسان المخلوق الفاني , فمن أجل ذلك قيل للمسلم : " و الذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم و في طرقكم . و لكن يا حنظلة ساعة و ساعة " ثلاث مرات .
رواه مسلم في صحيحه .. و حتى في عالم الخلد حين تتفتق طاقات العقل الإنساني و تتكشف قوى الروح البشري كأقصى ما يمكنه من التفتق و الإنكشاف في عملية مستمرة مع سير الأبدية , لا يؤذن للإنسان و هو في أقصى منازل القرب إلا بزيارة الله تعالى و الإنضواء في النور الإلهي إلا فترة و فترة تتخللها انشغالاته بالجنة و معانيها .. إن الفاني لا يحيط أبدا بالباقي . " لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " ..
و الله أعلم