د عبدالله الهتاري
New member
- إنضم
- 17/03/2006
- المشاركات
- 159
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
*عبد الله الهتاري.
يسأل بعضهم عن سر الإعجاز في بيان القرآن..؟! فما دامت ألفاظه وتراكيبه من هذا اللسان، فأين الإعجاز.. ؟!
والجواب عن ذلك بسهولة ويسر .. هو أن القرآن عندما يعبر عن معنى بأسلوب معين لإيصال ذلك المعنى..
فإن عمالقة البيان عاجزون عن التعبير عن ذلك المعنى نفسه مع الإيفاء بحقه، بأسلوب أو لفظ غير ما استعمله القرآن.
نعم قد يستعملون تراكيب للدلالة على ذلك المعنى من اللسان، لكنهم لا يستطيعون الإيفاء بحق ذلك المعنى تماما كما قصده القرآن، مع جمال اللفظ، وحسن السبك، ورونق التعبير، وجمال التصوير..
وهذا ما لمسه بلغاء العرب قديما من أصحاب اللسان، فأرخوا له العنان، وجرهم من ألسنتهم إلى الإيمان.
فمثلا عندما نقف عند قوله تعالى : (وَجَعَلُوا للهِشُرَكَاءَ الْجِنَّ )الأنعام 100
فإن المتأمل في تركيب النظم، أنه جاء على هذا النحو العجيب من تقديم شبه الجملة الجار والمجرور (للهِ) وتقديم المفعول به الثاني ( شركاءَ) وتأخير المفعول به الأول (الجنَّ)، وكان حق التركيب بالترتيب أن يكون ( وجعلوا الجنَّ شركاءَ للهِ) ، فعل + فاعل +مفعول به أول + مفعول به ثان + شبه الجملة.
فلو عبر الناس بهذا التركيب، على هذا النحو من الترتيب المتوقع في اللسان العربي، هل سيؤدون المعنى نفسه المقصود في البيان القرآني؟!
يستحيل ذلك ولا يكون!
ذلك أن قولهم : وجعلوا الجنَّ شركاءَ للهِ. على هذا النحو من التركيب والترتيب؛سيولِّد معنى موهما، وهو أن مشركي العرب اتخذوا الجن شركاءَ لله. وأن الاعتراض منصب على جعلهم الجن دون سائر الكائنات!
فلو جعلوا ما هو أعظم من الجن كالملائكة مثلا، لكان مسكوتا عنه وهان الأمر.
وهنا يختل ميزان البيان، ويتولد الوهم في الكلام، وهو غير مراد قطعا من مقصود نظم القرآن..
فلم يكن لهم بد من نظم القرآن فحسب، على هذا النحو البديع الرفيع في النظم والترتيب والبيان، وهنا مكمن الإعجاز بالتحدي، أن يأتوا ببيان يؤدي مقصود القرآن على وجه الدقة، بتعبير مختلف لما ورد في بيان القرآن.
فقوله تعالى : ( وجعلوا للهِ شركاءَ الجنَّ)
انصب فيه الاعتراض واتجه إلى كونهم جعلوا لله شريكا، وحقه ألا يكون له شريك مطلقا لا من الجن ولا من غيرهم.
فقدّم ما حقه التأخير وهو شبه الجملة (لله)؛ لأنها موضع العناية والاهتمام وهي نواة الجملة، وكوكبها التي تدور حوله مجرة الكلمات!
لله! …جعلوا لله! فالاعتراض ابتداء منصب على كونهم جعلوا لله!
ثم قدم المفعول الثاني على الأول فقال:شركاء! فانصب الاعتراض في المرتبة الثانية على جعلهم الشركاء عموما..
ثم أخر ذكر الجن؛ لأنها ليست موضع العناية والاهتمام، وإنما ورد ذكرها من واقع الحال..
هذا هو الإعجاز في النظم المحكم المعبر عن المعنى المقصود بدقة وإحكام.
ولا مناص، لا مناص مطلقا، لبلغاء الكلام، وأمراء البيان، وأساطين الفصاحة، أن يأتوا بنظم مغاير معبر عن المعنى المقصود بدقة نظم القرآن.
وأمعن النظر وأنعم الفكر في قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [سورة النحل 112]
إذيستوقفهذاالبيان المعجز أساطين اللغة، ويشد انتباهم إلىما فيه مندقة النظم والإحكام؛ بما هو مغاير للمتوقع في مألوف الكلام!
ذلك أنَّ الإذاقة يلائمها الطعم للجوع والخوف؛ فيرد الكلام على نحو: ( فَأَذَ ٰقَهَاٱللهُطعمَٱلۡجُوعِوَٱلۡخَوۡفِ)
وأنَّ اللباس يلائمه لفظ الكساء؛ فيرد التعبير على نحو: ( فَكساهَا ٱللهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ)
لكن البيان المحكم المدهش لأرباب البلاغة ؛ خرج عن المتوقع فكان ( فَأَذَ ٰقَهَاٱللهُلِبَاسَٱلۡجُوعِوَٱلۡخَوۡفِ)
وذلك ليعرج َ البيان الإلهي المعجز، فوق طاقات البشر البيانية في الدقة والإحكام!
إذ استعمل الإذاقة للدلالة على إحساس الألم إحساسا مكينا،كتمكن ذوق الطعام في فم ذائقه.
واستعمل اللباس لبيان أن الجوع والخوف عم أثرهما جميع البدن عموم الملابس؛ فجمع بذلك بين تمكن الإحساس بالألم وعمومه.
ولا يمكن بحال تأدية هذا المعنى بغير ما استعمله بيان القرآن، فلو قيل ( فأذاقها الله طعم الجوع والخوف)
أو ( فكساها الله لباس الجوع والخوف) لخفت بذلك بريق المعنى وانحسر نبع البيان وغار!
وهنا تنحني ناصية البلاغة، وتتوارى ربات الخدور من الكلمات في معاجم اللغة، في عجز واضح أن تحل كلمة،أو تغاير ترتيبها،عما هو في واسطة عقد هذا البيان، المحبوك المسبوك،الفائق في سبكه قلائد العقيان.
ولك أن تنظر بعين البصيرة، وتتأمل بذائقة البيان أرقى بيان بشري عربي قبل نزول القرآن، وهو الشعر الجاهلي الذي ذاع صيته في أمة البيان، التي تفردت من بين أمم الأرض بأن أقامت للكلمة سوقا، إذ كانتالمفاخراتالشعرية،والمبارزاتالبيانيةصورةبارزةواضحةلهذاالسموالبياني،فياللسانالعربي،فبلغوامناللغةمبلغاعظيما،أصابوابهاالشواردوالأوابد،وأبانوابهاعنكلسانحةوبارحة؛حتىإذاأخذتلغتهمزخرفهاوازيَّنت،وظنأهلهاأنهمقادرونعليها؛نزلالقرآنببيانهالمعجزالآسرالذيطوّحبقواهمالبيانية،وانحنتنواصيهمأمامناصيةبيانه،وجرهممنألسنتهموزمامالبيان،إلىمحاريبالإيمان!
وعندمانتحدثعنالإعجازالذيانمازبهالبيانالقرآنيعلىغيرهمنبيانالبشر هنا،وعلو كعبه فيأسلوبهوصورهالبيانيةعلىسائرالبيان العربي ؛فإنأدلشواهدالإعجازعلىذلكهيالموازنةبينصورالمعاني،وكيفعبرالشعراءفيبيانهمالبشريعنمعنىمنالمعاني،وكيفوردتعبيرالقرآنعنالمعنىنفسه؛لنقفعلىسرالتميز؛ونستبصرآفاقالعروجالبيانيفيالتعبيروالإحكام.
وإنهليسحركالبيانالعاليفيقوتهوبراعةنظمهوسبكه؛وينمازعنغيرهببراعتهوقوةتأثيرهوعملهفيالنفوس.
ويمكنناالوقوفأمامموازنةدقيقةلصورالمعانيفيضروبالشعروكيفوردالمعنىنفسهفيالقرآن؛لنستبصرعلوكعبالبيانالقرآنيوأنهخارجعنحولالطاقةالبشرية،وإليكأيهاالقارئالمتذوقدلائلنتلمسهاعلىهذاالبرهان.
وذلك من خلال أرقى بيان عربي وهوالشعرالجاهليالسابقلتنزلالقرآن،فإليكالبيان.
يقولتأبطشرًا:
ويومٍكيومِالعيكَتَيْنِوعَطْفَةٍ
عطفتُوقدمسَّالقلوبَالحناجرُ
ضعهذابجوارالسبيكةالبيانيةمماوردفيالقرآن( وَبَلَغَتِٱلۡقُلُوبُٱلۡحَنَاجِرَ)
فأمامناصورتانلمعنىواحدفيمقامواحد،وهومقامالخوفالشديدفيالقتال(مسَّالقلوبَالحناجرُ)
و( وَبَلَغَتِٱلۡقُلُوبُٱلۡحَنَاجِرَ)
وتأملفوارقالتعبيروالصورةبينالبيانين؛لتقفبنفسكوتحلقبفكركفيمعارجالبيانالقرآني،وعلوكعبهعلىالبيانالبشري
ذلكأنقولالشاعر: (مسَّ) استعملفعلالمسوهودون( بلغ) فيالدلالة؛علىشدةالخوفوالفزع؛لأن(بلغ) فيهدلالةعلىبلوغالمنتهىفيالفعلوالقصد،وهوكذلكإذبلغتالقلوبأقصىارتفاعهافزعاووجلاوتحركتمنمكانها،اضطراباووجيباوحركة،حتىانتهتإلىالحناجرفيارتفاعها،وهومالانجدهفيقولالشاعرمندلالةالمسفيهذاالمقام،ثمإنالشاعرقلبالصورةالحركية،إذجعلالحناجرهيالتيتنكمشباتجاهالقلوب،فجعلهافاعلالمس،والقلوبثابتةفيمكانهالاتتحرك،فضعفتالصورةالحركيةهنا،عماهيفيالبيانالقرآني،الذيجعلالقلوبهيالمتحركةبخفقانهاواضطرابهاحالشدةالفزعوالخوف،وهذاأنسب؛لأنهامكانالمشاعروالخوف،وهومايجدهالإنسانعلىوجهالحقيقةعندشدةالفزعمناضطرابقلبه،وشدةخفقانه،وانتفاخه؛حتىيعسرعليهالتنفسوالكلام،وهومالايكونفيالصورةالمقلوبةلدىالشاعرمنانكماشالحناجرحتىتمسالقلوب،وهيصورةتناسبحالشدةالظمأمنهاإلىتصويرالفزع!
فظهرلناعلوكعبالبيانالقرآنيودقةإحكامهفيالصورةالموافقةلمقتضىالحال،وذاكلعمريماليسفيطاقةالبشرمنقدراتالبيان!
يسأل بعضهم عن سر الإعجاز في بيان القرآن..؟! فما دامت ألفاظه وتراكيبه من هذا اللسان، فأين الإعجاز.. ؟!
والجواب عن ذلك بسهولة ويسر .. هو أن القرآن عندما يعبر عن معنى بأسلوب معين لإيصال ذلك المعنى..
فإن عمالقة البيان عاجزون عن التعبير عن ذلك المعنى نفسه مع الإيفاء بحقه، بأسلوب أو لفظ غير ما استعمله القرآن.
نعم قد يستعملون تراكيب للدلالة على ذلك المعنى من اللسان، لكنهم لا يستطيعون الإيفاء بحق ذلك المعنى تماما كما قصده القرآن، مع جمال اللفظ، وحسن السبك، ورونق التعبير، وجمال التصوير..
وهذا ما لمسه بلغاء العرب قديما من أصحاب اللسان، فأرخوا له العنان، وجرهم من ألسنتهم إلى الإيمان.
فمثلا عندما نقف عند قوله تعالى : (وَجَعَلُوا للهِشُرَكَاءَ الْجِنَّ )الأنعام 100
فإن المتأمل في تركيب النظم، أنه جاء على هذا النحو العجيب من تقديم شبه الجملة الجار والمجرور (للهِ) وتقديم المفعول به الثاني ( شركاءَ) وتأخير المفعول به الأول (الجنَّ)، وكان حق التركيب بالترتيب أن يكون ( وجعلوا الجنَّ شركاءَ للهِ) ، فعل + فاعل +مفعول به أول + مفعول به ثان + شبه الجملة.
فلو عبر الناس بهذا التركيب، على هذا النحو من الترتيب المتوقع في اللسان العربي، هل سيؤدون المعنى نفسه المقصود في البيان القرآني؟!
يستحيل ذلك ولا يكون!
ذلك أن قولهم : وجعلوا الجنَّ شركاءَ للهِ. على هذا النحو من التركيب والترتيب؛سيولِّد معنى موهما، وهو أن مشركي العرب اتخذوا الجن شركاءَ لله. وأن الاعتراض منصب على جعلهم الجن دون سائر الكائنات!
فلو جعلوا ما هو أعظم من الجن كالملائكة مثلا، لكان مسكوتا عنه وهان الأمر.
وهنا يختل ميزان البيان، ويتولد الوهم في الكلام، وهو غير مراد قطعا من مقصود نظم القرآن..
فلم يكن لهم بد من نظم القرآن فحسب، على هذا النحو البديع الرفيع في النظم والترتيب والبيان، وهنا مكمن الإعجاز بالتحدي، أن يأتوا ببيان يؤدي مقصود القرآن على وجه الدقة، بتعبير مختلف لما ورد في بيان القرآن.
فقوله تعالى : ( وجعلوا للهِ شركاءَ الجنَّ)
انصب فيه الاعتراض واتجه إلى كونهم جعلوا لله شريكا، وحقه ألا يكون له شريك مطلقا لا من الجن ولا من غيرهم.
فقدّم ما حقه التأخير وهو شبه الجملة (لله)؛ لأنها موضع العناية والاهتمام وهي نواة الجملة، وكوكبها التي تدور حوله مجرة الكلمات!
لله! …جعلوا لله! فالاعتراض ابتداء منصب على كونهم جعلوا لله!
ثم قدم المفعول الثاني على الأول فقال:شركاء! فانصب الاعتراض في المرتبة الثانية على جعلهم الشركاء عموما..
ثم أخر ذكر الجن؛ لأنها ليست موضع العناية والاهتمام، وإنما ورد ذكرها من واقع الحال..
هذا هو الإعجاز في النظم المحكم المعبر عن المعنى المقصود بدقة وإحكام.
ولا مناص، لا مناص مطلقا، لبلغاء الكلام، وأمراء البيان، وأساطين الفصاحة، أن يأتوا بنظم مغاير معبر عن المعنى المقصود بدقة نظم القرآن.
وأمعن النظر وأنعم الفكر في قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [سورة النحل 112]
إذيستوقفهذاالبيان المعجز أساطين اللغة، ويشد انتباهم إلىما فيه مندقة النظم والإحكام؛ بما هو مغاير للمتوقع في مألوف الكلام!
ذلك أنَّ الإذاقة يلائمها الطعم للجوع والخوف؛ فيرد الكلام على نحو: ( فَأَذَ ٰقَهَاٱللهُطعمَٱلۡجُوعِوَٱلۡخَوۡفِ)
وأنَّ اللباس يلائمه لفظ الكساء؛ فيرد التعبير على نحو: ( فَكساهَا ٱللهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ)
لكن البيان المحكم المدهش لأرباب البلاغة ؛ خرج عن المتوقع فكان ( فَأَذَ ٰقَهَاٱللهُلِبَاسَٱلۡجُوعِوَٱلۡخَوۡفِ)
وذلك ليعرج َ البيان الإلهي المعجز، فوق طاقات البشر البيانية في الدقة والإحكام!
إذ استعمل الإذاقة للدلالة على إحساس الألم إحساسا مكينا،كتمكن ذوق الطعام في فم ذائقه.
واستعمل اللباس لبيان أن الجوع والخوف عم أثرهما جميع البدن عموم الملابس؛ فجمع بذلك بين تمكن الإحساس بالألم وعمومه.
ولا يمكن بحال تأدية هذا المعنى بغير ما استعمله بيان القرآن، فلو قيل ( فأذاقها الله طعم الجوع والخوف)
أو ( فكساها الله لباس الجوع والخوف) لخفت بذلك بريق المعنى وانحسر نبع البيان وغار!
وهنا تنحني ناصية البلاغة، وتتوارى ربات الخدور من الكلمات في معاجم اللغة، في عجز واضح أن تحل كلمة،أو تغاير ترتيبها،عما هو في واسطة عقد هذا البيان، المحبوك المسبوك،الفائق في سبكه قلائد العقيان.
ولك أن تنظر بعين البصيرة، وتتأمل بذائقة البيان أرقى بيان بشري عربي قبل نزول القرآن، وهو الشعر الجاهلي الذي ذاع صيته في أمة البيان، التي تفردت من بين أمم الأرض بأن أقامت للكلمة سوقا، إذ كانتالمفاخراتالشعرية،والمبارزاتالبيانيةصورةبارزةواضحةلهذاالسموالبياني،فياللسانالعربي،فبلغوامناللغةمبلغاعظيما،أصابوابهاالشواردوالأوابد،وأبانوابهاعنكلسانحةوبارحة؛حتىإذاأخذتلغتهمزخرفهاوازيَّنت،وظنأهلهاأنهمقادرونعليها؛نزلالقرآنببيانهالمعجزالآسرالذيطوّحبقواهمالبيانية،وانحنتنواصيهمأمامناصيةبيانه،وجرهممنألسنتهموزمامالبيان،إلىمحاريبالإيمان!
وعندمانتحدثعنالإعجازالذيانمازبهالبيانالقرآنيعلىغيرهمنبيانالبشر هنا،وعلو كعبه فيأسلوبهوصورهالبيانيةعلىسائرالبيان العربي ؛فإنأدلشواهدالإعجازعلىذلكهيالموازنةبينصورالمعاني،وكيفعبرالشعراءفيبيانهمالبشريعنمعنىمنالمعاني،وكيفوردتعبيرالقرآنعنالمعنىنفسه؛لنقفعلىسرالتميز؛ونستبصرآفاقالعروجالبيانيفيالتعبيروالإحكام.
وإنهليسحركالبيانالعاليفيقوتهوبراعةنظمهوسبكه؛وينمازعنغيرهببراعتهوقوةتأثيرهوعملهفيالنفوس.
ويمكنناالوقوفأمامموازنةدقيقةلصورالمعانيفيضروبالشعروكيفوردالمعنىنفسهفيالقرآن؛لنستبصرعلوكعبالبيانالقرآنيوأنهخارجعنحولالطاقةالبشرية،وإليكأيهاالقارئالمتذوقدلائلنتلمسهاعلىهذاالبرهان.
وذلك من خلال أرقى بيان عربي وهوالشعرالجاهليالسابقلتنزلالقرآن،فإليكالبيان.
يقولتأبطشرًا:
ويومٍكيومِالعيكَتَيْنِوعَطْفَةٍ
عطفتُوقدمسَّالقلوبَالحناجرُ
ضعهذابجوارالسبيكةالبيانيةمماوردفيالقرآن( وَبَلَغَتِٱلۡقُلُوبُٱلۡحَنَاجِرَ)
فأمامناصورتانلمعنىواحدفيمقامواحد،وهومقامالخوفالشديدفيالقتال(مسَّالقلوبَالحناجرُ)
و( وَبَلَغَتِٱلۡقُلُوبُٱلۡحَنَاجِرَ)
وتأملفوارقالتعبيروالصورةبينالبيانين؛لتقفبنفسكوتحلقبفكركفيمعارجالبيانالقرآني،وعلوكعبهعلىالبيانالبشري
ذلكأنقولالشاعر: (مسَّ) استعملفعلالمسوهودون( بلغ) فيالدلالة؛علىشدةالخوفوالفزع؛لأن(بلغ) فيهدلالةعلىبلوغالمنتهىفيالفعلوالقصد،وهوكذلكإذبلغتالقلوبأقصىارتفاعهافزعاووجلاوتحركتمنمكانها،اضطراباووجيباوحركة،حتىانتهتإلىالحناجرفيارتفاعها،وهومالانجدهفيقولالشاعرمندلالةالمسفيهذاالمقام،ثمإنالشاعرقلبالصورةالحركية،إذجعلالحناجرهيالتيتنكمشباتجاهالقلوب،فجعلهافاعلالمس،والقلوبثابتةفيمكانهالاتتحرك،فضعفتالصورةالحركيةهنا،عماهيفيالبيانالقرآني،الذيجعلالقلوبهيالمتحركةبخفقانهاواضطرابهاحالشدةالفزعوالخوف،وهذاأنسب؛لأنهامكانالمشاعروالخوف،وهومايجدهالإنسانعلىوجهالحقيقةعندشدةالفزعمناضطرابقلبه،وشدةخفقانه،وانتفاخه؛حتىيعسرعليهالتنفسوالكلام،وهومالايكونفيالصورةالمقلوبةلدىالشاعرمنانكماشالحناجرحتىتمسالقلوب،وهيصورةتناسبحالشدةالظمأمنهاإلىتصويرالفزع!
فظهرلناعلوكعبالبيانالقرآنيودقةإحكامهفيالصورةالموافقةلمقتضىالحال،وذاكلعمريماليسفيطاقةالبشرمنقدراتالبيان!