سرُ القرآن

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قال في تفسير المنار :
أَمَا - وَسِرِّ الْقُرْآنِ - لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اسْتَقَامُوا عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، لَمَا فَسَدَتْ أَخْلَاقُهُمْ وَآدَابُهُمْ ، وَلَمَا ظَلَمَ وَاسْتَبَدَّ حُكَّامُهُمْ ، وَلَمَا زَالَ مُلْكُهُمْ وَسُلْطَانُهُمْ ، وَلَمَا صَارُوا عَالَةً فِي مَعَايِشِهِمْ وَأَسْبَابِهَا عَلَى سِوَاهُمْ .
وقال رحمه الله :
أَمَا وَسِرِّ الْحَقِّ لَوْلَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَبَّسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَلْبَسُونَ ، وَحَكَّمُوا فِيهِ آرَاءَ مَنْ يُقَلِّدُونَ لَكَانَ نُورُ بَيَانِهِ مُشْرِقًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ ، كَالشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ، وَلَكِنَّهُمْ أَبَوْا إِلَّا أَنْ يَتَّبِعُوا سَنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، وَيَضَعُوا كُتُبًا فِي الدِّينِ يَزْعُمُونَ أَنَّ بَيَانَهَا أَجْلَى ، وَالِاهْتِدَاءَ بِهَا أَوْلَى ; لِأَنَّهَا بِزَعْمِهِمْ أَبْيَنُ حُكْمًا ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْأَذْهَانِ فَهْمًا .

قُلْنَا : إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ هَذَا الشَّهْرِ بِخُصُوصِهِ ، تَذْكِيرًا بِنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ فِيهِ لِنَصُومَهُ شُكْرًا لَهُ عَلَيْهَا ، وَمِنَ الشُّكْرِ أَنْ تَكُونَ هِدَايَتُنَا بِالْقُرْآنِ فِي مِثْلِ وَقْتِ نُزُولِهِ أَكْمَلَ ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الصِّيَامُ مُوَصِّلًا إِلَى حَقِيقَةِ التَّقْوَى ، فَإِذَا لَمْ نَنْتَفِعْ بِالصِّيَامِ فِي أَخْلَاقِنَا وَأَعْمَالِنَا ، وَلَمْ نَهْتَدِ بِالْقُرْآنِ فِي عَامَّةِ أَحْوَالِنَا ، فَأَيْنَ الِانْتِفَاعُ بِالنِّعْمَةِ وَأَيْنَ الشُّكْرُ عَلَيْهَا ؟ كَانَ جِبْرِيلُ يُدَارِسُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ ، وَلِذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ يَتَدَارَسُونَهُ فِيهِ وَيَقُومُونَ لَيْلَهُ بِهِ لِزِيَادَةِ الِاهْتِدَاءِ وَالِاعْتِبَارِ ، فَمَاذَا كَانَ مِنِ اقْتِدَاءِ الْخَلَفِ بِهِمْ ؟
 
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في مَجمُوعِ الفَتَاوَي : قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ: لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا مِنْهُ نَهَى عَنْ تَدَبُّرِهِ. وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ إنَّمَا ذَمَّ مَنْ اتَّبَعَ الْمُتَشَابِهَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ فَأَمَّا مَنْ تَدَبَّرَ الْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَطَلَبَ فَهْمَهُ وَمَعْرِفَةَ مَعْنَاهُ فَلَمْ يَذُمَّهُ اللَّهُ بَلْ أَمَرَ بِذَلِكَ وَمَدَحَ عَلَيْهِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ- في الفَتَاوى الْكُبْرَى:وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَهْمُ مَعَانِيهِ دُونَ مُجَرَّدِ أَلْفَاظِهِ ,فَالْقُرْآنُ أَوْلَى بِذَلِكَ.وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ كِتَابًا فِي فَنٍّ مِنْ الْعِلْمِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَلَا يستشرحوه فَكَيْفَ بِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِصْمَتُهُمْ وَبِهِ نَجَاتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ في الفَتَاوَى الْكُبْرَى:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى في سُورَةِ الْجُمُعَةِ: -هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ - وَأَسْوَأُ أَحْوَالِ الْعَامَّةِ أَنْ يَكُونُوا أُمِّيِّينَ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى أَنْ يُتْلَى عَلَى الْأُمِّيِّينَ آيَاتُ اللَّهِ , أَوْ عَنْ أَنْ يُعَلِّمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ الرَّسُولُ مِنْ الْعَرَبِ كَانُوا قَبْلَ مَعْرِفَةِ الرِّسَالَةِ أَجْهَلَ مِنْ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ , فَهَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَمْنُوعًا مِنْ تِلَاوَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ إيَّاهُ , أَوَ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ؟
والمُرادُ مِن كَلامِ الشَيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُأنَّ اللهَ أنزَلَ هَذَا القُرآنَ على نَبيِّهِ مُخاطبا به وقتئذٍ مُجتَمعا أُميَّا وألزمَهم به عِلما وعَملا .
 
عودة
أعلى