محمد سلامة المصري
Member
بسم الله
- بعضكم يخبرني أن تحريم الخنزير سببه طبي وصحي، في حين أنه الإفطار المفضل للأمريكان، وهم في صحة أفضل من صحتكم، وجنودهم أقوى بدنيا من جنودكم، وامبراطوريتهم تحكمت في بلادكم، ومتوسط أعمارهم أطول من متوسط أعماركم، وإنتاجهم الفكري والصناعي أغزر من إنتاجكم! أطرح على نفسي المعضلة وأفكر في حل مقنع.
- أغوص في الفقه الإسلامي فأجد مسألة عجيبة في موضوع حد الزنا: المحصن عقابه أشد من غير المحصن. أقول لنفسي: ربما يقصدون المتزوج، لأنه عنده بديل حلال لشهوته الجنسية بينما غير المتزوج نلتمس له بعض العذر. لكن يفاجئني ردهم: لا، المحصن يعني من سبق له الزواج ولو ليوم واحد. يظل طول عمره متصفا بصفة الإحصان، حتى لو طلق زوجته، حتى لو ماتت. لو ارتكب الزنا نرجمه حتى الموت، لكن من لم يسبق له الزواج نجلده فقط ونتركه يعيش. أحاول أن أفهم منطق المسألة.. ربما الأعزب عقابه أخف لأنه لم يجرب الجنس، بينما من تزوج - ولو ليوم - جرب على الأقل مرة. لكن أجد الرد صادما مرة أخرى: لا، الخبرة الجنسية لا علاقة لها بالموضوع.. أخبرناك أن المحصن هو من سبق له "الزواج".. أما لو الشخص جرب الجنس عن أي طريق آخر غير الزواج فهو لا يزال - حسب الفقه الإسلامي - غير محصن، وبالتالي عقابه أخف! حتى لو كانت تجربته الجنسية السابقة أنه اغتصب امرأة، أو عنده ألف جارية اشتراها، أو زنا ألف مرة في الماضي! أما الرجل الأرمل الفقير، الذي ماتت زوجته، ولا يستطيع دفع تكاليف زواج ثاني ولا شراء أمة من سوق النخاسة، فلو غلبته شهوته ووقع في الزنا نرجمه ونقتله!
مسألة عويصة. ربما هي اختبار إلهي للطاعة العمياء.. وكأنه يقول لنا: حتى لو الحكم غير منطقي بعقولكم، نفذوه. هل الإله يضع في طريقنا الفخ ثم يتوقع منا ألا نقع فيه؟
أجيب نفسي: أليست الدنيا كلها مجرد ابتلاء واختبار؟ الجنة طريقها مليء بأشياء مكروهة أما النار فطريقها محفوف بأشياء مشتهاة. أليس هو الإله الذي وضع شجرة مثمرة في بستان ومنعنا أن نأكل منها؟ أليس هو الإله الذي أنزل الملائكة كي تعلمنا السحر ثم أخبرنا أن من يتعلمه ملعون؟
- اترك موضوع الإحصان الصعب وأعود للخنازير لعلها تكون أسهل. أجد شرائح البيكون المقلية اللذيذة تعطيها الأم في نيويورك لأبنائها كي تغذيهم قبل المدرسة. أجد على العبوة علامة ضمان الجودة من هيئة الصحة الأمريكية، فأنظر متسائلا لأخي المسلم فيجيبني بثقة: "حيوان يصاب بالديدان ودهونه ثقيله ويجعلك ديوثا مثله لو أكلته". أسكت، وأنتظر الليل حتى أبوح بأفكاري لأوراقي: هل لو طبخناه جيدا وطهرناه من الديدان - كما يفعل الأمريكان - يصبح أكله حلالا؟! كل الحيوانات معرضة للأمراض.. هل إصابة بقرة (أو جمل أو خروف) بالديدان يجعل كل الأبقار السليمة حراما؟! ولو المعيار هو كمية الدهون، فهل جرام دهن خنزير يصبح حلال إن قارناه بألف جرام من دهون الضأن؟ هل الكوليسترول حرام؟ ولو الصفات تورث بمجرد الالتهام، هل يعني هذا أنك تكتسب صفات الأرنب لو أكلته، وصفات الماعز لو أكلته وصفات البقر لو أكلته؟! هل لو أكلت فخذ آينشتاين تصبح عبقريا؟ هل يجب علينا أن ندرس حياة كل ديك ودجاجة قبل أن نشتريها، إذ ربما يكون ديكا يسرق الطعام بالقوة من باقي الديوك.. وحيث أن صفاته تعيش في جثته بعد ذبحه كما تقول فحرام أن نلتهم ديكا سيحولنا إلى لصوص!
- يقول الدارويني أن الحيوان يتاقلم مع بيئته ويتغير وإلا انقرض. الماموث كان يعيش في عصر جليدي وبالتالي عنده فرو غزير، ولما تحسن الجو فقد الشعر وتحول لفيل. لا إشكال. أنظر للاثنين فأرى التشابهات. الشكل العام واحد على الرغم من الاختلافات. البلح فيه مئات الأنواع، والكلاب فيها مئات الأنواع، والأبقار فيها مئات الأنواع. حتى البشر.. هل الصيني والأفريقي والإنجليزي والهندي والمكسيكي كلهم نفس الشكل؟ لا، لكن أصلهم واحد ثم تنوعوا مع مر الزمن. لكنهم كلهم لهم الشكل البشري العام. كيف تريد أن تقنعني أن جدهم الكبير كان سمكة أو سحلية أو أميبا؟! اثبت بتجربة معملية حية أننا لو تركنا سلالة ذباب تتكاثر لملايين الأجيال فإن المحصلة النهائية ستكون كائن مختلف تماما غير ذبابي. هل بعد مليون جيل سنجد التنوعات تراكمت بحيث تتحول لبعوضة أو نملة؟!
كيف أصدق نظرية يعترف أصحابها أنفسهم باستحالة إثباتها معمليا ويتحججون بأن التجربة ستستغرق آلاف السنين؟ ما داموا مقتنعين بصدقها على الرغم من اعترافهم باستحالة تكرارها معمليا إذن عليهم أيضا الاعتراف بأنها مجرد إيمان، لا يختلف كثيرا عن إيمان المسلمين بأن الله خلق آدم من تراب ثم نفخ فيه الروح. المسلم يعجز عن تكرار عملية خلق آدم، والدارويني يعجز عن تكرار تحول الأميبا إلى أوباما. فليعترف كل فريق أنه يؤمن بديانة مستحيل إثباتها معمليا، وعليهم أن يتراجعوا عن التمسح بالعلم التجريبي!
- العلم صنم، كل فريق يقدم له القرابين كي يرضى عنه. الملحد يريد من العلم أن يؤيد إلحاده، بينما العلم عاجز عن خلق ذبابة. والمسلم المودرن يريد من العلم أن يؤيد القرآن، في حين أن القرآن نفسه لم يدعي أصلا أنه كتاب علم تجريبي!
لو كان الهدف من إرسال محمد هو كشف أسرار الطب لكان أخبرنا كيف ننقذ ملايين المسلمات من حمى النفاس التي ماتوا بها، بمجرد غسل الطبيب ليده بالصابون أو الكحول لقتل الجراثيم. هل عالج شلل الأطفال أم ترك المسلمين يعانون منه إلى أن جاء الطب الغربي وأنقذهم بعد قرون طويلة؟ لو فعلا علوم الدنيا مكتوبة بالشفرة في الآيات لأخبرنا بها محمد وإلا كان كاتما للعلم ولم ينجح في تبليغ رسالة ربه. هل يزعم أتباع الإعجاز العلمي أن محمدا كان على علم بكل الاكتشافات العلمية التي يزعمون وجودها في القرآن ثم قرر أن يكتمها ويحجب نفعها عن المسلمين لقرون؟! هل يزعمون أن الله يتكلم بطلاسم، لا بلسان عربي مبين؟! هل يقلدون الفرق الباطنية الشيعية التي تزعم أن المعاني البديهية للآيات مجرد قشور وأن العلم الحقيقي سري في بطن الآية؟
- لو كانت أبسط معارف التكنولوجيا موجودة فعلا في القرآن لما احتاج عمر بن الخطاب للاستعانة بخبرة أبي لؤلؤة المجوسي في تعليم العرب صناعة الطاحونة الهوائية! العلم التجريبي وقتها كان عند الحضارة الفارسية، لا في سورة آل عمران. الرسول نفسه لم يخجل من الاعتراف بأنه نظر للفرس والروم قبل أن يصدر حكما فقهيا في موضوع الغيلة!
- هذا حديث نبوي لن تسمعه كثيرا على المنابر ولا من أفواه دعاة الإعجاز العلمي. البيئة الطبية العربية كانت جاهلة، متخلفة عن الأمم الأجنبية، وكان العربي يعتقد أن الرضيع يصاب بضعف جسدي لو عاشر الزوج الأم في فترة الرضاعة. وحيث أن الرسول كان يعيش في بيئة عربية فقد صدق هذه الفكرة الخاطئة في البداية ونوى أن يصدر تحريما يمنع مضاجعة الزوج للزوجة طوال شهور إرضاعها للوليد! كان هدفه نبيلا، وهو حماية صحة وقوة الأطفال المسلمين، لكنه نظر للمجوس والبيزنطيين فوجدهم لا يحرمون معاشرة الزوجة المرضع ووجد أبناءهم أقوياء أشداء، فقرر أنه لن يصدر حكما بالتحريم. لو كانت المعلومات الطبية فعلا مخفية في القرآن كما يزعمون لما احتاج لأن يدرس الأمم الأجنبية الكافرة كي يصل للحقيقة الطبية التي كان العرب يجهلونها. ما حدث هو أنه أخذ العلم التجريبي من النظر والمشاهدة والفحص، كما يفعل الغربيون اليوم. الطريقة الإسلامية الصحيحة في الوصول للعلم التجريبي هي أن تدرس الواقع وأن تتعلم من الأجانب وأن تستورد التكنولوجيا وتفحصها، أما القرآن فللعلم الشرعي.
- الإسلام يصر على رؤية هلال رمضان بالبصر، حتى لو تناقض هذا مع الحسابات الفلكية. ربما يريد الله منك أن يتعلق قلبك بالسماء وأن تنظر للأعلى بشغف في ترقب، بدلا من أن تنظر في ملل لتقويم فلكي مطبوع يخبرك بموعد بدء كل رمضان لألف سنة قادمة. لا تشغل بالك بالحكمة وراء كل مسألة دينية. اسمع وأطع حتى لو لم تفهم السبب. الجندي في الجيش لا يناقش الجنرال، بل ينفذ الأمر دون جدال.
- لو التطور "الكلي" صحيح، والتطورات الجزئية تتراكم بالتدريج حتى يتحول الكائن لكائن آخر مختلف تماما كما يقول الدارونيون، وأن الدجاج الحالي كان أصله ديناصورات قبل ملايين السنين كما يقول العلم، فالسؤال المنطقي هو: ما المرحلة القادمة للإنسان؟
قصص الكوميكس المصورة تقول أن التطور الطبيعي للبشر سيؤدي لظهور طفرات جينية تحولهم لـ "إكس-من". يقرؤون أفكار البشر العاديين.. يطيرون في السماء ويطلقون الليزر الحارق من عيونهم! فكرة التطور إلى سوبر-إنسان أراها حلما صبيانيا. بل ربما تكون أقدم كذبة في التاريخ وتلعب على رغبة الإنسان في الارتقاء بقدراته لمرتبة خارقة. ألم يستدرج إبليس آدم وحواء للأكل من الشجرة المحرمة عن طريق إقناعهما أنها ستعطيهما الخلود وستحولهما لملائكة؟! نفس الفكرة نجدها في قصص الأطفال عن الأبطال الخارقين: قوة ملائكية رهيبة وقدرة على الطيران في الفضاء!
- أخبرنا الرسول أنه لولا بني إسرائيل ما كانت اللحوم ستفسد، وأنه لولا حواء ما خانت أنثى زوجها. هذا الحديث سبب مشكلة لكثير من الناس لأنهم فهموه خطأ. هل نفهم منه أن بكتيريا تعفن اللحم لم تكن موجودة قبل زمن موسى؟ هل يعني هذا أن اللحوم المذبوحة طوال آلاف السنين السابقة على موسى كانت تبقى صالحة للأكل وطازجة مهما مر عليها الزمن؟! ما سمعنا بهذا في حضارة العراق القديمة ولا في مصر أيام خوفو وخفرع. ثم لو كان هذا هو معنى الحديث فعلا، فهل كانت جثث ملايين الحيوانات النافقة تتكوم على الأرض دون تعفن وتحلل؟! أم هل نفهم من الحديث أن الشعوب القديمة كانت كلها كريمة وتوزع اللحوم فور ذبحها ولا تخزنها، بينما اليهود لخوفهم من انقطاع الرزق ولبخلهم كانوا أول أمة خزنت اللحم؟ هل تريد أن تقنعني أن ملايين البشر القدماء، الذين تقاتلوا على ملكية الأرض والماء والنساء والمناصب وكان فيهم المعاند والمتكبر والحسود واللص وقاطع الطريق والكذاب والمنافق وباقي الصفات البشرية العادية المعروفة في البرديات وعلى جدران المعابد، كل هؤلاء لم يوجد فيهم بخيل واحد خزن قطعة لحم؟!
لا، البكتيريا والبخل كانوا موجودين قبل قوم موسى. الحديث بكل بساطة يتكلم عن أن الله كان يعلم مسبقا ما سيحدث فوضع قوانين الدنيا من البداية بحيث تتيح لهذه الأحداث أن تحدث. فالنص متعلق بموضوع القدر، وأن الله كان في استطاعته ألا يخلق بكتيريا التعفن أصلا، كهدية منه للبشرية بحيث تكون قوانين الطبيعة تحفظ اللحوم تلقائيا، لكنه نظر للمستقبل فرأى البخل اليهودي وعدم ثقتهم في دوام الرزق وشكهم في استمرار نزول المن والسلوى عليهم مجانا بعد خروجهم من مصر، فكانوا يخزنون لحم طيور السلوى على الرغم من أن الله أخبرهم أنه في كل يوم سيعطيهم لحما جديدا وأنهم ليسوا في حاجة للادخار. وبسبب معرفته المسبقة بهذا الموقف المستقبلي قرر أن يجعل اللحوم قابلة للتعفن. أي أنه بسبب معرفة الله للغيب وغضبه مما سيفعله اليهود, أصيبت الأرض كلها - مقدما - بمشكلة تعفن اللحم!
- وكان في استطاعة الله أن يحعل الطباع البشرية الاجتماعية والنفسية مختلفة عما هي عليه، بحيث تصبح نصيحة الزوجة لزوجها - بفعل الخير والابتعاد عن المنكر - شيئا تلقائيا طبيعيا، جزءا من "البرمجة" الفطرية في عقل المرأة.. لكنه نظر للمستقبل قبل أن يخلق الكون وعلم أنه يريد لحواء أن تغري زوجها بالأكل من الشجرة المحرمة وأنها ستنصحه نصيحة مؤذية. وحيث أن هذه الخظيئة ستصبح حدثا محوريا وهاما جدا في التاريخ البشري ومقدمة لإهباطهم للأرض، فقد قرر الله أن يجعل العقلية الأنثوية قادرة على إسداء نصيحة ضارة للزوج. فلولا ذلك الموقف الواحد لكانت علاقة الرجل بالمرأة مختلفة كثيرا عما اعتدناه.
الحديث باختصار يقول أن الله يريد لنا الخير من البداية، ويريد أن يمنحنا حياة أسهل وأسعد، لكننا لم نصدقه ولم نثق في كلامه ووعوده واستجبنا لضعفنا البشري فحرمنا أنفسنا من خير كثير. حواء طمعت في الخلود وأن تنال قدرات ملائكية، واليهود شكوا في استمرار الكرم الإلهي النازل عليهم يوميا واستحابوا لخصلة الشح في نفوسهم وخزنوا اللحم.
- سؤال افتراضي مرح مشهور في الثقافة الغربية: لو عندك آلة زمن، هل من المسموح به أخلاقيا أن تعود للماضي وتقتل الطفل هتلر قبل أن يكبر ويشعل الحرب العالمية الثانية؟
في هذا السيناريو ستكون عالما بالغيب. قد يبدو لك هتلر صبيا بريئا لكنك تعلم أنه بعد سنوات سيصدر قانونا بقتل المشلولين والمتخلفين عقليا لأنهم في نظره عناصر تضعف القوة الألمانية وتضيع مواردها. وتعرف أنه سيدمر البلد وسيعرضها للاحتلال على يد الشيوعيين في الشرق والأمريكان في الغرب، وأنه سيقتل ملايين اليهود والغجر والشواذ جنسيا في معسكرات الاعتقال. وأن اضطهاده لليهود سيؤدي لتعاطف الغرب معهم بعد أن كان الغرب معاديا للسامية لقرون طويلة، وأن التعاطف سيؤدي للدعم الغربي لإنشاء دولة إسرائيل بعد نهاية الحرب بـ 3 سنوات، كرد فعل نفسي وتكفيرا عن عجزهم في حماية اليهود في ألمانيا النازية. ملايين الجنود - المجندين تجنيدا إجباريا - ماتوا أو تشوهوا بسبب رغبة هتلر في احتلال أوروبا. هل هذه المعرفة المسبقة تبيح لك قتله؟ لكن الطفل لم يفعل كل هذا بعد. في قصة الخيال العلمي "تقرير الأقلية" التي كتبها فيليب ك ديك وحولها سبيلبرج لفيلم مع توم كروز تخيل المؤلف مستقبلا خاليا من الجريمة لأن الحكومة عندها القدرة على معرفة نوايا الناس مسبقا، فيلقون القبض على القاتل قبل أن يرتكب جريمته. لكنه مستقبل قد يبدو سعيدا في الظاهر بينما توجد معضلة أخلاقية: ماذا لو كانت أداة التنبؤ مخطئة؟ ثم حتى لو افترضنا أنها معصومة من الخطأ وأن نسبة نجاح توقعاتها 100%، كيف نعاقب شخصا على مجرد النية السيئة في حين أنه لم يرتكب شيئا في الحقيقة؟
ثم ماذا لو كان حذف هتلر من التاريخ سيؤدي لنتائج أسوأ؟ وماذا لو قتلت هتلر الطفل لكن ظهر بديل له قام بنفس الدور، خصوصا وأن الحزب النازي كان نابعا من رغبة الجيش الألماني - والمجتمع الألماني ككل - في الرد على هزيمتهم أمام أوروبا في الحرب العالمية الأولى؟ كيف تبرر لنفسك أخلاقيا قتل الطفل البرئ في حين أن هملر أو رومل سيؤدون نفس الدور ويرتكبون نفس الجرائم؟!
لكن في قصة موسى والخضر ألم يأمر الله الخضر بقتل طفل لأنه لو عاش كان سيكبر ويطغى على والديه بكفره؟
- التوراة مليئة بالتفاصيل التاريخية.. أسماء الشخصيات وسنوات وقوع الأحداث وتفاصيل جغرافية وقوائم طويلة بالأسماء، بينما القرآن على العكس نادر جدا أن يهتم بالتفاصيل التاريخية والجغرافية، وغالبا لا يذكر أسماء الشخصيات الثانوية في القصة بل وأحيانا لا يذكر أسماء الشخصيات الرئيسية! لهذا اضطر المفسرون للعودة لمصادر خارجية - مثل الإسرائيليات - لإشباع فضول من يحبون التفاصيل. ما اسم أبناء آدم، القاتل والقتيل؟ أين وقعت أحداث قصة قوم لوط؟ ما اسم أخت موسى وأمه وامرأة زكريا وامرأة العزيز؟ أين ومتى عاش ذو القرنين؟ في أي قرن خرج اليهود من مصر مع موسى؟ أين عاش إبراهيم؟
البحوث الأكاديمية العلمانية تقول أن القرآن اقتبس قصة ذي القرنين من أسطورة شعبية ملفقة عن الاسكندر المقدوني ظهرت للوجود بعد موته بمئات السنين. لكن ربما القصة الشعبية الفولكلورية نفسها خلطت بين شخصية الاسكندر وبين قصة فاتح عسكري آخر نساه التاريخ. فما الذي يمنع أن يكون ذو القرنين حقيقيا ثم مزج القصاصون بينه وبين الاسكندر الشهير؟ ألم يحدث شيئا مشابها مع قصص جحا الكوميدية، حيث خلط الناس بين اسمه المشهور وبين قصص "أشعب" وقصص مضحكة لقضاة من أيام الأمويين والعباسيين والمماليك؟ ولهذا السبب نجد نكات جحا متعارضة، فهو مرة عبقري ومرة غبي، مرة كريم ومرة بخيل، مرة يتكلم مع خليفة ومرة مع خليفة آخر عاش بعده بمئات السنين.
- قصة أهل الكهف تشبه قصة مسيحية مشهورة تسمى النائمين السبعة. المفسرون الإسلاميون ذهبوا للقساوسة وسألوهم عن تفاصيل القصة الموجودة عندهم فأخبروهم عن اسم المدينة وأسماء الشخصيات. لكن المشكلة أنهم ناموا 300 سنة ثم قاموا فوجدوا دينهم لم يعد مضطهدا بل أصبح الدين الرسمي. السؤال هنا: لو كانت القصة فعلا مسيحية، وكان أهل الكهف مؤمنين برسالة عيسى كما يراها الإسلام، أي أنه مجرد رسول وليس إلها ولا ابنا للرب، فكيف استيقظوا فوجدوا مجتمعا لا يؤمن بالثالوث؟ ألا يخبرنا التاريخ أنه بعد 300 سنة من فترة عيسى كانت المسيحية قد تحولت بشكل رسمي لعبادة يسوع؟! أليس مجمع نيقية كان بعد عيسى بـ 3 قرون؟ لو كانت قصة أهل الكهف تتكلم عن مدينة مسيحية فعلا كما يزعم القساوسة في كتاباتهم لاستيقظ الفتية فوجدوا الصلبان فوق الكنائس وصور يسوع في البيوت وعقيدة الثالوث وعبادة الابن، وهي كلها انحرافات تختلف تماما عن ديانة عيسى! لو قالوا للناس أن عيسى مجرد نبي لقتلوهم بتهمة الهرطقة ولرجموهم بالحجارة وحرقوهم في الكهف، بينما القصة القرآنية تشير لاحترامهم لهم لدرجة أنهم بنوا عليهم مسجدا. هل يوجد دليل تاريخي أن مدينة كاملة في القرن الرابع الميلادي كانت تؤمن أن عيسى مجرد نبي؟ التاريخ الروماني والبيزنطي معروف ومشهور. أين هذه المدينة المفترضة؟!
ما أظنه قد حدث هو أن القساوسة سرقوا قصة يهودية قديمة ونسبوها للمسيحية. كتب التفسير تقول أن سبب نزول سورة الكهف هو أن كفار مكة طلبوا من اليهود أسئلة دينية صعبة يعجز محمد عن الإجابة عليها. سورة الكهف فيها قصة ذي القرنين وقصة الخضر وقصة أهل الكهف. من المنطقي أن يعلم اليهود قصة موسى والخضر، فما الذي يمنع أيضا أن أهل الكهف وذا القرنين قصص مرتبطة بالتاريخ اليهودي؟ أظن أن المفسرين أخطأوا عندما وضعوا ثقتهم في القساوسة وحكاياتهم.
ثم أن النوم مئات السنين ثم الاستيقاظ يعتبر علامة على قدرة الله على إحياء الموتى.. والمسيحية ليس عندها مشكلة أبدا في الإيمان بإحياء الموتى، ولا يحتاجون رؤية المزيد من الأحداث الخارقة للطبيعة كي يقتنعوا. فسيرة عيسى فيها إحياء للموتى، والمسيحية تؤمن أنه هو نفسه مات وعاد للحياة. أما اليهود فكانت عندهم شكوك في مسألة قيامة الموتى هذه، لدرجة أن كهنة الهيكل المنتمين لطائفة الصدوقيين كانوا ينكرون علانية عقيدة البعث في الآخرة، على عكس طائفة الحاخامات الفريسيين. موسى أحيا المقتول في قصة البقرة، والعزير مات 100 عام قم عاد للحياة، ومعجزات عيسى لإقناع اليهود بالبعث كانت أيضا عن إحياء شخص اسمه آلعازر.. فربما كانت أحداث قصة أهل الكهف يهودية أيضا.
- كيف جمع نوح عينات حية من كل حيوانات الأرض في سفينة واحدة؟! هل تعرف المساحة الهائلة لحديقة حيوان لوس أنجيلوس؟ ثم كيف انتشروا مرة أخرى عابرين المحيطات إلى قارات العالم البعيدة عن جبل الجودي؟ هل طارت اللاما من آسيا لأمريكا الجنوبية والكنغر إلى أستراليا؟
فكرة الطوفان المحلي المحدود تحل المشكلة. كل البشر في البداية كانوا قبيلة واحدة، بعد عشر قرون فقط من آدم، وبالتالي يعيشون في منطقة محدودة، لم ينتشروا بعد في الأرض. طوفان محلي يستطيع إغراقهم كلهم. ما فائدة تغطية الصين وأمريكا ونيوزيلندا بالماء في حين أن قوم نوح كانوا في العراق مثلا أو في الشام؟
حيوانات البلاد الأخرى لم تشعر بطوفان، وبالتالي لا حاجة لجمع عينات منها ولا لتبرير وصولها لقارات بعيدة. كل ما كان على نوح فعله هو أن يجمع عينات من حيوانات بيئته المحلية، كي يسهل على المجتمع الجديد استئناف الحياة بعد النزول من السفينة. زوجين من البقر والماعز والخراف، وبعض الطيور فقط. بعد انحسار الماء عن بلدهم ستزورهم حيوانات البلاد المحيطة. فكرة الطوفان العالمي الذي غطى سطح الكرة الأرضية لا دليل عليها في القرآن، لأن كلمة الأرض لها معاني كثيرة حسب السياق. الاعتراض العلمي الوحيد هو كيف استطاع الله حجز الماء في بلد نوح فقط؟ هل كانوا يعيشون في وادي محاط بالجبال مثلا؟ أم أن حجز الماء كان جزء من المعجزة كما حدث مع موسى عندما شق البحر فارتفع الماء رأسيا وكأنه جبل؟
- بعضكم يخبرني أن تحريم الخنزير سببه طبي وصحي، في حين أنه الإفطار المفضل للأمريكان، وهم في صحة أفضل من صحتكم، وجنودهم أقوى بدنيا من جنودكم، وامبراطوريتهم تحكمت في بلادكم، ومتوسط أعمارهم أطول من متوسط أعماركم، وإنتاجهم الفكري والصناعي أغزر من إنتاجكم! أطرح على نفسي المعضلة وأفكر في حل مقنع.
- أغوص في الفقه الإسلامي فأجد مسألة عجيبة في موضوع حد الزنا: المحصن عقابه أشد من غير المحصن. أقول لنفسي: ربما يقصدون المتزوج، لأنه عنده بديل حلال لشهوته الجنسية بينما غير المتزوج نلتمس له بعض العذر. لكن يفاجئني ردهم: لا، المحصن يعني من سبق له الزواج ولو ليوم واحد. يظل طول عمره متصفا بصفة الإحصان، حتى لو طلق زوجته، حتى لو ماتت. لو ارتكب الزنا نرجمه حتى الموت، لكن من لم يسبق له الزواج نجلده فقط ونتركه يعيش. أحاول أن أفهم منطق المسألة.. ربما الأعزب عقابه أخف لأنه لم يجرب الجنس، بينما من تزوج - ولو ليوم - جرب على الأقل مرة. لكن أجد الرد صادما مرة أخرى: لا، الخبرة الجنسية لا علاقة لها بالموضوع.. أخبرناك أن المحصن هو من سبق له "الزواج".. أما لو الشخص جرب الجنس عن أي طريق آخر غير الزواج فهو لا يزال - حسب الفقه الإسلامي - غير محصن، وبالتالي عقابه أخف! حتى لو كانت تجربته الجنسية السابقة أنه اغتصب امرأة، أو عنده ألف جارية اشتراها، أو زنا ألف مرة في الماضي! أما الرجل الأرمل الفقير، الذي ماتت زوجته، ولا يستطيع دفع تكاليف زواج ثاني ولا شراء أمة من سوق النخاسة، فلو غلبته شهوته ووقع في الزنا نرجمه ونقتله!
مسألة عويصة. ربما هي اختبار إلهي للطاعة العمياء.. وكأنه يقول لنا: حتى لو الحكم غير منطقي بعقولكم، نفذوه. هل الإله يضع في طريقنا الفخ ثم يتوقع منا ألا نقع فيه؟
أجيب نفسي: أليست الدنيا كلها مجرد ابتلاء واختبار؟ الجنة طريقها مليء بأشياء مكروهة أما النار فطريقها محفوف بأشياء مشتهاة. أليس هو الإله الذي وضع شجرة مثمرة في بستان ومنعنا أن نأكل منها؟ أليس هو الإله الذي أنزل الملائكة كي تعلمنا السحر ثم أخبرنا أن من يتعلمه ملعون؟
- اترك موضوع الإحصان الصعب وأعود للخنازير لعلها تكون أسهل. أجد شرائح البيكون المقلية اللذيذة تعطيها الأم في نيويورك لأبنائها كي تغذيهم قبل المدرسة. أجد على العبوة علامة ضمان الجودة من هيئة الصحة الأمريكية، فأنظر متسائلا لأخي المسلم فيجيبني بثقة: "حيوان يصاب بالديدان ودهونه ثقيله ويجعلك ديوثا مثله لو أكلته". أسكت، وأنتظر الليل حتى أبوح بأفكاري لأوراقي: هل لو طبخناه جيدا وطهرناه من الديدان - كما يفعل الأمريكان - يصبح أكله حلالا؟! كل الحيوانات معرضة للأمراض.. هل إصابة بقرة (أو جمل أو خروف) بالديدان يجعل كل الأبقار السليمة حراما؟! ولو المعيار هو كمية الدهون، فهل جرام دهن خنزير يصبح حلال إن قارناه بألف جرام من دهون الضأن؟ هل الكوليسترول حرام؟ ولو الصفات تورث بمجرد الالتهام، هل يعني هذا أنك تكتسب صفات الأرنب لو أكلته، وصفات الماعز لو أكلته وصفات البقر لو أكلته؟! هل لو أكلت فخذ آينشتاين تصبح عبقريا؟ هل يجب علينا أن ندرس حياة كل ديك ودجاجة قبل أن نشتريها، إذ ربما يكون ديكا يسرق الطعام بالقوة من باقي الديوك.. وحيث أن صفاته تعيش في جثته بعد ذبحه كما تقول فحرام أن نلتهم ديكا سيحولنا إلى لصوص!
- يقول الدارويني أن الحيوان يتاقلم مع بيئته ويتغير وإلا انقرض. الماموث كان يعيش في عصر جليدي وبالتالي عنده فرو غزير، ولما تحسن الجو فقد الشعر وتحول لفيل. لا إشكال. أنظر للاثنين فأرى التشابهات. الشكل العام واحد على الرغم من الاختلافات. البلح فيه مئات الأنواع، والكلاب فيها مئات الأنواع، والأبقار فيها مئات الأنواع. حتى البشر.. هل الصيني والأفريقي والإنجليزي والهندي والمكسيكي كلهم نفس الشكل؟ لا، لكن أصلهم واحد ثم تنوعوا مع مر الزمن. لكنهم كلهم لهم الشكل البشري العام. كيف تريد أن تقنعني أن جدهم الكبير كان سمكة أو سحلية أو أميبا؟! اثبت بتجربة معملية حية أننا لو تركنا سلالة ذباب تتكاثر لملايين الأجيال فإن المحصلة النهائية ستكون كائن مختلف تماما غير ذبابي. هل بعد مليون جيل سنجد التنوعات تراكمت بحيث تتحول لبعوضة أو نملة؟!
كيف أصدق نظرية يعترف أصحابها أنفسهم باستحالة إثباتها معمليا ويتحججون بأن التجربة ستستغرق آلاف السنين؟ ما داموا مقتنعين بصدقها على الرغم من اعترافهم باستحالة تكرارها معمليا إذن عليهم أيضا الاعتراف بأنها مجرد إيمان، لا يختلف كثيرا عن إيمان المسلمين بأن الله خلق آدم من تراب ثم نفخ فيه الروح. المسلم يعجز عن تكرار عملية خلق آدم، والدارويني يعجز عن تكرار تحول الأميبا إلى أوباما. فليعترف كل فريق أنه يؤمن بديانة مستحيل إثباتها معمليا، وعليهم أن يتراجعوا عن التمسح بالعلم التجريبي!
- العلم صنم، كل فريق يقدم له القرابين كي يرضى عنه. الملحد يريد من العلم أن يؤيد إلحاده، بينما العلم عاجز عن خلق ذبابة. والمسلم المودرن يريد من العلم أن يؤيد القرآن، في حين أن القرآن نفسه لم يدعي أصلا أنه كتاب علم تجريبي!
لو كان الهدف من إرسال محمد هو كشف أسرار الطب لكان أخبرنا كيف ننقذ ملايين المسلمات من حمى النفاس التي ماتوا بها، بمجرد غسل الطبيب ليده بالصابون أو الكحول لقتل الجراثيم. هل عالج شلل الأطفال أم ترك المسلمين يعانون منه إلى أن جاء الطب الغربي وأنقذهم بعد قرون طويلة؟ لو فعلا علوم الدنيا مكتوبة بالشفرة في الآيات لأخبرنا بها محمد وإلا كان كاتما للعلم ولم ينجح في تبليغ رسالة ربه. هل يزعم أتباع الإعجاز العلمي أن محمدا كان على علم بكل الاكتشافات العلمية التي يزعمون وجودها في القرآن ثم قرر أن يكتمها ويحجب نفعها عن المسلمين لقرون؟! هل يزعمون أن الله يتكلم بطلاسم، لا بلسان عربي مبين؟! هل يقلدون الفرق الباطنية الشيعية التي تزعم أن المعاني البديهية للآيات مجرد قشور وأن العلم الحقيقي سري في بطن الآية؟
- لو كانت أبسط معارف التكنولوجيا موجودة فعلا في القرآن لما احتاج عمر بن الخطاب للاستعانة بخبرة أبي لؤلؤة المجوسي في تعليم العرب صناعة الطاحونة الهوائية! العلم التجريبي وقتها كان عند الحضارة الفارسية، لا في سورة آل عمران. الرسول نفسه لم يخجل من الاعتراف بأنه نظر للفرس والروم قبل أن يصدر حكما فقهيا في موضوع الغيلة!
- هذا حديث نبوي لن تسمعه كثيرا على المنابر ولا من أفواه دعاة الإعجاز العلمي. البيئة الطبية العربية كانت جاهلة، متخلفة عن الأمم الأجنبية، وكان العربي يعتقد أن الرضيع يصاب بضعف جسدي لو عاشر الزوج الأم في فترة الرضاعة. وحيث أن الرسول كان يعيش في بيئة عربية فقد صدق هذه الفكرة الخاطئة في البداية ونوى أن يصدر تحريما يمنع مضاجعة الزوج للزوجة طوال شهور إرضاعها للوليد! كان هدفه نبيلا، وهو حماية صحة وقوة الأطفال المسلمين، لكنه نظر للمجوس والبيزنطيين فوجدهم لا يحرمون معاشرة الزوجة المرضع ووجد أبناءهم أقوياء أشداء، فقرر أنه لن يصدر حكما بالتحريم. لو كانت المعلومات الطبية فعلا مخفية في القرآن كما يزعمون لما احتاج لأن يدرس الأمم الأجنبية الكافرة كي يصل للحقيقة الطبية التي كان العرب يجهلونها. ما حدث هو أنه أخذ العلم التجريبي من النظر والمشاهدة والفحص، كما يفعل الغربيون اليوم. الطريقة الإسلامية الصحيحة في الوصول للعلم التجريبي هي أن تدرس الواقع وأن تتعلم من الأجانب وأن تستورد التكنولوجيا وتفحصها، أما القرآن فللعلم الشرعي.
- الإسلام يصر على رؤية هلال رمضان بالبصر، حتى لو تناقض هذا مع الحسابات الفلكية. ربما يريد الله منك أن يتعلق قلبك بالسماء وأن تنظر للأعلى بشغف في ترقب، بدلا من أن تنظر في ملل لتقويم فلكي مطبوع يخبرك بموعد بدء كل رمضان لألف سنة قادمة. لا تشغل بالك بالحكمة وراء كل مسألة دينية. اسمع وأطع حتى لو لم تفهم السبب. الجندي في الجيش لا يناقش الجنرال، بل ينفذ الأمر دون جدال.
- لو التطور "الكلي" صحيح، والتطورات الجزئية تتراكم بالتدريج حتى يتحول الكائن لكائن آخر مختلف تماما كما يقول الدارونيون، وأن الدجاج الحالي كان أصله ديناصورات قبل ملايين السنين كما يقول العلم، فالسؤال المنطقي هو: ما المرحلة القادمة للإنسان؟
قصص الكوميكس المصورة تقول أن التطور الطبيعي للبشر سيؤدي لظهور طفرات جينية تحولهم لـ "إكس-من". يقرؤون أفكار البشر العاديين.. يطيرون في السماء ويطلقون الليزر الحارق من عيونهم! فكرة التطور إلى سوبر-إنسان أراها حلما صبيانيا. بل ربما تكون أقدم كذبة في التاريخ وتلعب على رغبة الإنسان في الارتقاء بقدراته لمرتبة خارقة. ألم يستدرج إبليس آدم وحواء للأكل من الشجرة المحرمة عن طريق إقناعهما أنها ستعطيهما الخلود وستحولهما لملائكة؟! نفس الفكرة نجدها في قصص الأطفال عن الأبطال الخارقين: قوة ملائكية رهيبة وقدرة على الطيران في الفضاء!
- أخبرنا الرسول أنه لولا بني إسرائيل ما كانت اللحوم ستفسد، وأنه لولا حواء ما خانت أنثى زوجها. هذا الحديث سبب مشكلة لكثير من الناس لأنهم فهموه خطأ. هل نفهم منه أن بكتيريا تعفن اللحم لم تكن موجودة قبل زمن موسى؟ هل يعني هذا أن اللحوم المذبوحة طوال آلاف السنين السابقة على موسى كانت تبقى صالحة للأكل وطازجة مهما مر عليها الزمن؟! ما سمعنا بهذا في حضارة العراق القديمة ولا في مصر أيام خوفو وخفرع. ثم لو كان هذا هو معنى الحديث فعلا، فهل كانت جثث ملايين الحيوانات النافقة تتكوم على الأرض دون تعفن وتحلل؟! أم هل نفهم من الحديث أن الشعوب القديمة كانت كلها كريمة وتوزع اللحوم فور ذبحها ولا تخزنها، بينما اليهود لخوفهم من انقطاع الرزق ولبخلهم كانوا أول أمة خزنت اللحم؟ هل تريد أن تقنعني أن ملايين البشر القدماء، الذين تقاتلوا على ملكية الأرض والماء والنساء والمناصب وكان فيهم المعاند والمتكبر والحسود واللص وقاطع الطريق والكذاب والمنافق وباقي الصفات البشرية العادية المعروفة في البرديات وعلى جدران المعابد، كل هؤلاء لم يوجد فيهم بخيل واحد خزن قطعة لحم؟!
لا، البكتيريا والبخل كانوا موجودين قبل قوم موسى. الحديث بكل بساطة يتكلم عن أن الله كان يعلم مسبقا ما سيحدث فوضع قوانين الدنيا من البداية بحيث تتيح لهذه الأحداث أن تحدث. فالنص متعلق بموضوع القدر، وأن الله كان في استطاعته ألا يخلق بكتيريا التعفن أصلا، كهدية منه للبشرية بحيث تكون قوانين الطبيعة تحفظ اللحوم تلقائيا، لكنه نظر للمستقبل فرأى البخل اليهودي وعدم ثقتهم في دوام الرزق وشكهم في استمرار نزول المن والسلوى عليهم مجانا بعد خروجهم من مصر، فكانوا يخزنون لحم طيور السلوى على الرغم من أن الله أخبرهم أنه في كل يوم سيعطيهم لحما جديدا وأنهم ليسوا في حاجة للادخار. وبسبب معرفته المسبقة بهذا الموقف المستقبلي قرر أن يجعل اللحوم قابلة للتعفن. أي أنه بسبب معرفة الله للغيب وغضبه مما سيفعله اليهود, أصيبت الأرض كلها - مقدما - بمشكلة تعفن اللحم!
- وكان في استطاعة الله أن يحعل الطباع البشرية الاجتماعية والنفسية مختلفة عما هي عليه، بحيث تصبح نصيحة الزوجة لزوجها - بفعل الخير والابتعاد عن المنكر - شيئا تلقائيا طبيعيا، جزءا من "البرمجة" الفطرية في عقل المرأة.. لكنه نظر للمستقبل قبل أن يخلق الكون وعلم أنه يريد لحواء أن تغري زوجها بالأكل من الشجرة المحرمة وأنها ستنصحه نصيحة مؤذية. وحيث أن هذه الخظيئة ستصبح حدثا محوريا وهاما جدا في التاريخ البشري ومقدمة لإهباطهم للأرض، فقد قرر الله أن يجعل العقلية الأنثوية قادرة على إسداء نصيحة ضارة للزوج. فلولا ذلك الموقف الواحد لكانت علاقة الرجل بالمرأة مختلفة كثيرا عما اعتدناه.
الحديث باختصار يقول أن الله يريد لنا الخير من البداية، ويريد أن يمنحنا حياة أسهل وأسعد، لكننا لم نصدقه ولم نثق في كلامه ووعوده واستجبنا لضعفنا البشري فحرمنا أنفسنا من خير كثير. حواء طمعت في الخلود وأن تنال قدرات ملائكية، واليهود شكوا في استمرار الكرم الإلهي النازل عليهم يوميا واستحابوا لخصلة الشح في نفوسهم وخزنوا اللحم.
- سؤال افتراضي مرح مشهور في الثقافة الغربية: لو عندك آلة زمن، هل من المسموح به أخلاقيا أن تعود للماضي وتقتل الطفل هتلر قبل أن يكبر ويشعل الحرب العالمية الثانية؟
في هذا السيناريو ستكون عالما بالغيب. قد يبدو لك هتلر صبيا بريئا لكنك تعلم أنه بعد سنوات سيصدر قانونا بقتل المشلولين والمتخلفين عقليا لأنهم في نظره عناصر تضعف القوة الألمانية وتضيع مواردها. وتعرف أنه سيدمر البلد وسيعرضها للاحتلال على يد الشيوعيين في الشرق والأمريكان في الغرب، وأنه سيقتل ملايين اليهود والغجر والشواذ جنسيا في معسكرات الاعتقال. وأن اضطهاده لليهود سيؤدي لتعاطف الغرب معهم بعد أن كان الغرب معاديا للسامية لقرون طويلة، وأن التعاطف سيؤدي للدعم الغربي لإنشاء دولة إسرائيل بعد نهاية الحرب بـ 3 سنوات، كرد فعل نفسي وتكفيرا عن عجزهم في حماية اليهود في ألمانيا النازية. ملايين الجنود - المجندين تجنيدا إجباريا - ماتوا أو تشوهوا بسبب رغبة هتلر في احتلال أوروبا. هل هذه المعرفة المسبقة تبيح لك قتله؟ لكن الطفل لم يفعل كل هذا بعد. في قصة الخيال العلمي "تقرير الأقلية" التي كتبها فيليب ك ديك وحولها سبيلبرج لفيلم مع توم كروز تخيل المؤلف مستقبلا خاليا من الجريمة لأن الحكومة عندها القدرة على معرفة نوايا الناس مسبقا، فيلقون القبض على القاتل قبل أن يرتكب جريمته. لكنه مستقبل قد يبدو سعيدا في الظاهر بينما توجد معضلة أخلاقية: ماذا لو كانت أداة التنبؤ مخطئة؟ ثم حتى لو افترضنا أنها معصومة من الخطأ وأن نسبة نجاح توقعاتها 100%، كيف نعاقب شخصا على مجرد النية السيئة في حين أنه لم يرتكب شيئا في الحقيقة؟
ثم ماذا لو كان حذف هتلر من التاريخ سيؤدي لنتائج أسوأ؟ وماذا لو قتلت هتلر الطفل لكن ظهر بديل له قام بنفس الدور، خصوصا وأن الحزب النازي كان نابعا من رغبة الجيش الألماني - والمجتمع الألماني ككل - في الرد على هزيمتهم أمام أوروبا في الحرب العالمية الأولى؟ كيف تبرر لنفسك أخلاقيا قتل الطفل البرئ في حين أن هملر أو رومل سيؤدون نفس الدور ويرتكبون نفس الجرائم؟!
لكن في قصة موسى والخضر ألم يأمر الله الخضر بقتل طفل لأنه لو عاش كان سيكبر ويطغى على والديه بكفره؟
- التوراة مليئة بالتفاصيل التاريخية.. أسماء الشخصيات وسنوات وقوع الأحداث وتفاصيل جغرافية وقوائم طويلة بالأسماء، بينما القرآن على العكس نادر جدا أن يهتم بالتفاصيل التاريخية والجغرافية، وغالبا لا يذكر أسماء الشخصيات الثانوية في القصة بل وأحيانا لا يذكر أسماء الشخصيات الرئيسية! لهذا اضطر المفسرون للعودة لمصادر خارجية - مثل الإسرائيليات - لإشباع فضول من يحبون التفاصيل. ما اسم أبناء آدم، القاتل والقتيل؟ أين وقعت أحداث قصة قوم لوط؟ ما اسم أخت موسى وأمه وامرأة زكريا وامرأة العزيز؟ أين ومتى عاش ذو القرنين؟ في أي قرن خرج اليهود من مصر مع موسى؟ أين عاش إبراهيم؟
البحوث الأكاديمية العلمانية تقول أن القرآن اقتبس قصة ذي القرنين من أسطورة شعبية ملفقة عن الاسكندر المقدوني ظهرت للوجود بعد موته بمئات السنين. لكن ربما القصة الشعبية الفولكلورية نفسها خلطت بين شخصية الاسكندر وبين قصة فاتح عسكري آخر نساه التاريخ. فما الذي يمنع أن يكون ذو القرنين حقيقيا ثم مزج القصاصون بينه وبين الاسكندر الشهير؟ ألم يحدث شيئا مشابها مع قصص جحا الكوميدية، حيث خلط الناس بين اسمه المشهور وبين قصص "أشعب" وقصص مضحكة لقضاة من أيام الأمويين والعباسيين والمماليك؟ ولهذا السبب نجد نكات جحا متعارضة، فهو مرة عبقري ومرة غبي، مرة كريم ومرة بخيل، مرة يتكلم مع خليفة ومرة مع خليفة آخر عاش بعده بمئات السنين.
- قصة أهل الكهف تشبه قصة مسيحية مشهورة تسمى النائمين السبعة. المفسرون الإسلاميون ذهبوا للقساوسة وسألوهم عن تفاصيل القصة الموجودة عندهم فأخبروهم عن اسم المدينة وأسماء الشخصيات. لكن المشكلة أنهم ناموا 300 سنة ثم قاموا فوجدوا دينهم لم يعد مضطهدا بل أصبح الدين الرسمي. السؤال هنا: لو كانت القصة فعلا مسيحية، وكان أهل الكهف مؤمنين برسالة عيسى كما يراها الإسلام، أي أنه مجرد رسول وليس إلها ولا ابنا للرب، فكيف استيقظوا فوجدوا مجتمعا لا يؤمن بالثالوث؟ ألا يخبرنا التاريخ أنه بعد 300 سنة من فترة عيسى كانت المسيحية قد تحولت بشكل رسمي لعبادة يسوع؟! أليس مجمع نيقية كان بعد عيسى بـ 3 قرون؟ لو كانت قصة أهل الكهف تتكلم عن مدينة مسيحية فعلا كما يزعم القساوسة في كتاباتهم لاستيقظ الفتية فوجدوا الصلبان فوق الكنائس وصور يسوع في البيوت وعقيدة الثالوث وعبادة الابن، وهي كلها انحرافات تختلف تماما عن ديانة عيسى! لو قالوا للناس أن عيسى مجرد نبي لقتلوهم بتهمة الهرطقة ولرجموهم بالحجارة وحرقوهم في الكهف، بينما القصة القرآنية تشير لاحترامهم لهم لدرجة أنهم بنوا عليهم مسجدا. هل يوجد دليل تاريخي أن مدينة كاملة في القرن الرابع الميلادي كانت تؤمن أن عيسى مجرد نبي؟ التاريخ الروماني والبيزنطي معروف ومشهور. أين هذه المدينة المفترضة؟!
ما أظنه قد حدث هو أن القساوسة سرقوا قصة يهودية قديمة ونسبوها للمسيحية. كتب التفسير تقول أن سبب نزول سورة الكهف هو أن كفار مكة طلبوا من اليهود أسئلة دينية صعبة يعجز محمد عن الإجابة عليها. سورة الكهف فيها قصة ذي القرنين وقصة الخضر وقصة أهل الكهف. من المنطقي أن يعلم اليهود قصة موسى والخضر، فما الذي يمنع أيضا أن أهل الكهف وذا القرنين قصص مرتبطة بالتاريخ اليهودي؟ أظن أن المفسرين أخطأوا عندما وضعوا ثقتهم في القساوسة وحكاياتهم.
ثم أن النوم مئات السنين ثم الاستيقاظ يعتبر علامة على قدرة الله على إحياء الموتى.. والمسيحية ليس عندها مشكلة أبدا في الإيمان بإحياء الموتى، ولا يحتاجون رؤية المزيد من الأحداث الخارقة للطبيعة كي يقتنعوا. فسيرة عيسى فيها إحياء للموتى، والمسيحية تؤمن أنه هو نفسه مات وعاد للحياة. أما اليهود فكانت عندهم شكوك في مسألة قيامة الموتى هذه، لدرجة أن كهنة الهيكل المنتمين لطائفة الصدوقيين كانوا ينكرون علانية عقيدة البعث في الآخرة، على عكس طائفة الحاخامات الفريسيين. موسى أحيا المقتول في قصة البقرة، والعزير مات 100 عام قم عاد للحياة، ومعجزات عيسى لإقناع اليهود بالبعث كانت أيضا عن إحياء شخص اسمه آلعازر.. فربما كانت أحداث قصة أهل الكهف يهودية أيضا.
- كيف جمع نوح عينات حية من كل حيوانات الأرض في سفينة واحدة؟! هل تعرف المساحة الهائلة لحديقة حيوان لوس أنجيلوس؟ ثم كيف انتشروا مرة أخرى عابرين المحيطات إلى قارات العالم البعيدة عن جبل الجودي؟ هل طارت اللاما من آسيا لأمريكا الجنوبية والكنغر إلى أستراليا؟
فكرة الطوفان المحلي المحدود تحل المشكلة. كل البشر في البداية كانوا قبيلة واحدة، بعد عشر قرون فقط من آدم، وبالتالي يعيشون في منطقة محدودة، لم ينتشروا بعد في الأرض. طوفان محلي يستطيع إغراقهم كلهم. ما فائدة تغطية الصين وأمريكا ونيوزيلندا بالماء في حين أن قوم نوح كانوا في العراق مثلا أو في الشام؟
حيوانات البلاد الأخرى لم تشعر بطوفان، وبالتالي لا حاجة لجمع عينات منها ولا لتبرير وصولها لقارات بعيدة. كل ما كان على نوح فعله هو أن يجمع عينات من حيوانات بيئته المحلية، كي يسهل على المجتمع الجديد استئناف الحياة بعد النزول من السفينة. زوجين من البقر والماعز والخراف، وبعض الطيور فقط. بعد انحسار الماء عن بلدهم ستزورهم حيوانات البلاد المحيطة. فكرة الطوفان العالمي الذي غطى سطح الكرة الأرضية لا دليل عليها في القرآن، لأن كلمة الأرض لها معاني كثيرة حسب السياق. الاعتراض العلمي الوحيد هو كيف استطاع الله حجز الماء في بلد نوح فقط؟ هل كانوا يعيشون في وادي محاط بالجبال مثلا؟ أم أن حجز الماء كان جزء من المعجزة كما حدث مع موسى عندما شق البحر فارتفع الماء رأسيا وكأنه جبل؟