س 23 / ما حكم الوقف على الوقف على: {من خيرٍ مُّحْضَراً }[ آل عمران: 30 ].
من أطروحة / مشكل الوقف والابتداء دراسة وجمعا لأخيكم الفقير .
من قوله تعالى: {
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30
التوجيه النحوي:
توجيه الوقف يكون بالنظر إلى ما يلي:
1- توجيه (ما) من قوله (وما عملت من سوء تود لو أن بينها ..)
2- عامل (يوم) من قوله ( يوم تجد كل نفس..)
أولا: توجيه ( وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ ) على ثلاثة أقوال:
الأول: معطوفة على جملة الصلة (مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ)
[1]
الثاني: (ما) مرفوعةً بالابتداء، وخبرُها «تود»
[2]
الثالث: جواز العطف، والاستئناف.
الدراسة والمناقشة:
اختار القول الأول: الفراء، والسمرقندي، وابن كثير، والألوسي، ورجحه الزجاج. والواحدي، وأبو السعود، وابن عاشور وغيرهم. رحمهم الله جميعا
[3]
والتقدير: يوم تَجِدُ كل نفس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ محضرا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ كذلك.
وعلى هذا فلا وقف على ( محضرا) لئلا يفصل بين العطف والمعطوف.
وتكون ( تود) إما أن تكون حالا للضمير في ( علمت) ، أو صفة للسوء
[4]
فتقدير الحال: يَوْمَ تَجِدُ مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ مُحْضَرًا حَالَ مَا تَوَدُّ بُعْدَهُ عَنْهَا
وتقدير الصفة: وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ الَّذِي تَوَدُّ أَنْ يَبْعُدَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ،
وَالضَّمِيرُ فِي (وَبَيْنَهُ) يَعُودُ إِلَى اليوم، تود لو أن بينها وبين ذلك اليوم أمدا بعيدا
[5]
واختار القول الثاني: الحسن ، ومقاتل، والسعدي رحمهم الله جميعا.
[6].
وتقدير الكلام: يوم تَجِدُ كل نفس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ محضرا، أي تجد تواب عملهم، أو صحائف أعمالهم، كقوله تعالى: ووجدوا ما عملوا حاضرا.
قال الحسن: (110 هـ
): «وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا قَالَ: يَسُرُّ أَحَدَهُمْ أَنْ لَا يَلْقَى عَمَلَهُ ذَلِكَ أَبَدًا يَكُونُ ذَلِكَ مُنَاهُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ كَانَتْ خَطِيئَتُهُ يَسْتَلِذُّهَا »
[7].
وعلى هذا فيجوز الوقف على ( محضرا) لاستئناف ما بعده
وجوز القول الثالث: مكي، والثعلبي، والبغوي، والزمخشري، والفخر الرازي، والعكبري، والنسفي، وأبو حيان، والسمين الحلبي، والشوكاني رحمهم الله جميعا.
[9].
ثانيا: توجيه الْعَامِلِ فِي: (يَوْمَ) اختلف فيه على خمسة أقوال:
1.
وَيُحَذِّرُكُمْ، وَرَجَّحَه الزَّجَّاجُ.
2.
وإليه الْمَصِيرُ. جوزه الزجاج
3.
تودُّ، قاله الزمخشري.
4.
شيء قَدِيرٌ،[29] جوزه مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
5. فِيهِ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ
اذْكُرْ، أو اذكروا َقَالَه: ابن جرير، وابن جزي، والعكبري
[10].
فعلى التوجيه الأول يكون المعنى: ويحذركم الله نفسه يوم تجد كل نفس ما عملت وعليه فلا وقف على (محضرا) للتعلق اللفظي بين العامل والمعمول، وضعف من جهة اللفظ: طول الفصل بين العامل والمعمول، قاله بن جرير.ومن جهة المعنى: أن تحذير الله للعباد إنما يكون في الدنيا دون الآخرة
قال ابن عاشور: وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ التَّحْذِيرَ حَاصِلٌ مِنْ وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ
[11]
وعلى التوجيه الثاني يكون المعنى: وإليه المصير يوم تجد كل نفس ما عملت ...وعليه فلا وقف على ( محضرا) للتعلق اللفظي بين العامل والمعمول.
وضعف أبو حيان تعلق (يوم) بـ (وإليه المصير): قال: وَيَضْعُفُ انْتِصَابُهُ: بِالْمَصِيرِ، لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ،
[12]
وعلى التوجيه الثالث يكون المعنى: تَوَدّ كل نفس لَوْ أنّ بينهَا وَبيْن ما عملت من سوء أمداً بعيداً يومَ تَجِدُ كل نفس مَا عملت من خير مُحْضراً، وعليه فلا وقف على ( محضرا) للتعلق اللفظي بين العامل والمعمول،
وضُعِّف لأنه َيَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ تَقَدُّمُ الْمُضْمَرِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
[13]
وعلى التوجيه الرابع يكون المعنى: والله على كل شيء قدير يوم تجد كل نفس
..
وهذا التقدير لا علاقة له بالوقف على ( محضرا) لأن التعلق هنا بما قبله.
وضعفه أبو حيان: قال: وَيَضْعُفُ نَصْبُهُ: بِقَدِيرٍ، لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ دُونَ يَوْمٍ، بَلْ هُوَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْقُدْرَةِ دَائِمًا
[14]
وقال ابن عاشور: وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُجْعَلَ عَامِلَ الظَّرْفِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ لِعَدَمِ الْتِئَامِ الْكَلَامِ حَقَّ الِالْتِئَامِ
[15]
وعلى التوجيه الخامس يكون المعنى: واذكروا ، واتقوا، واحذروا .. يوم تجد ..
[16]
وبعد هذا العرض يتضح أن القول الراجح في ذلك هو القول الأخير، وهو أن يكون العامل فِيهِ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ
اذْكُرْ: واذكروا يوم تجد، أو واتقوا يوم تجد، أو واحذروا يوم تجد كل ، لأنه الأكثر استعمالا في القرآن الكريم ، وحمل الأية على الأسلوب الكثير هو الأولى،
[17].
قال الطبري: لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ لِلْأَمْرِ وَالذِّكْرِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمُ: اذْكُرُوا كَذَا وَكَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَاتَّقُوا يَوْمَ كَذَا وَحِينَ كَذَا
[18]
وقال ابن جزي: منصوب على الظرفية والعامل فيه مضمر تقديره: اذكروا أو خافوا
[19]
أقوال علماء الوقف والابتداء:
اختلف علماء الوقف والابتداء في الوقف على ( محضرا) على أقوال:
القول الأول: تام، وهو قول نافع
[20].
القول الثاني: التفصيل بين (التام، وعدم الوقف) وهو قول النحاس، والأنصاري والأشموني
[21].
القول الثالث: التفصيل بين (الكافي، وعدم الوقف)، وهو قول الداني، ورجح الوصل
[22].
القول الرابع: التفصيل بين( الحسن، وعدم الوقف) وهو قول.ابن الأنباري
[23]
القول الخامس: جائز، وهو قول السجاوندي، والأجوز الوصل
[24].
القول السادس: لا وقف: وهو قول الأخفش
[25].
وتوجيه التام: على استئناف ما بعد ( محضرا) واختلاف المعنى فالأول عن الخير والثاني عن السوء، وهو قول نافع وجوزه النحاس، والأنصاري والأشموني.
وتوجيه الكافي: إن كان ما بعده مستأنف مبتدأ وخبر، والمعنى متصل عن حال النفس يوم القيامة عندما تجد عملها من خير ، ومن شر وهو قول الداني.
وتوجيه الجائز: باعتبار جواز الاستنئاف والعطف وهو قول السجاوندي.
وتوجيه عدم الوقف باعتبار عطف (ما) الثانية على ( ما عملت) الأولى، ولا يفصل بين العطف والمعطوف، وهو قول الأخفش، ورجح الوصل: الداني، والسجاوندي.
ترجيح الأقوال:
وبعد استعراض أقوال النحاة والمفسرين والوقف والابتداء ، يظهر أن الراجح هو العطف، على تقدير واذكروا يوم تَجِدُ كل نفس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ لما يلي:
1. أن الوقف على (محضرا) يعني حضور الخير، وعدم حضور الشر، ولا معنى لحضورالخير دون الشر.
2.أن إحضار الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية
[26]
3. أنه تقرر فيما سبق أن الأرجح عدم تعلق (يوم تجد) بـ ( ويحذركم الله نفسه) أو ( وإلى الله المصير) ، أو (تود) .
4.أنه قول أكثر النحاة والمفسرين وأهل الوقف والابتداء.
5.موافقته لأكثر المصاحف فلم تشر بعلامة وقف دليل على ترجيح العطف. سوى مصحف التهجد أشار بالرمز (ج)
6.الذي أره أن يكون علامة الوقف هي (صلى) والتي تعني أولوية الوصل.
7. قال الفراء207هـ: « (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) فإنك تردّه أيضا على (ما) فتجعل (عملت) صلة لها فِي مذهب رفع لقوله (تودّ لو أنّ بينها)، ولو استأنفتها فلم توقع عليها (تجد) جاز الجزاء.
[27]
[1] انظر: فتح القدير 1/ 381 ، الجدول: 3/154،
[2] وقد تكونَ وما عملت من سوء شرطا، منقطعة، على قراءة ابن مسعود «من سوء ودت» وكذلك قرأ ابن أبي عبلة،
وهي قراءة شاذة، قال ابن عطية: ولا يجوز ذلك على قراءة «تود» لأن الفعل مستقبل مرفوع والشرط يقتضي جزمه اللهم إلا أن يقدر في الكلام محذوف «فهي تود» وفي ذلك ضعف، انظر: المحرر الوجيز: 1 / 421. والبحر المحيط: 3/ 99
[3] انظر: معاني للفراء: فراء: 1/206. معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 397 التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 5/ 178 وابن كثير: 2/ 31 اتفسير أبو السعود:2/ 24، تفسير ابن عاشور:3 / 223
[4] انظر: مفاتح الغيب: 8/ 196
[5] انظر: تفسير ابن عاشور:3 / 223
[6] انظر: تفسير الطبري: 6/321 تفسير مقاتل: 270 السعدي: 128
[7] تفسير الطبري: 6/321
[8] تفسير مقاتل: 270
[9] [1] انظر: مشكل إعراب القرآن: 155 ، الكشف والبيان: 2/ 50 ، معالم التنزيل : 429، والدر المصون: 3 /117، مفاتح الغيب : 8/ 196، العكبري :1/ 252، فتح القدير 1/ 381
[10] انظر: تفسر الطبري: 5/322، والعكبري:1/ 252
[11] اتفسير ابن عاشور:3 / 223
[12] البحر المحيط: 3/ 97- 99
[13] انظر: البحر المحيط: 3/ 97- 99
[14] البحر المحيط:: 3/ 101، والدر المصون: 3/ 122
[15] تفسير ابن عاشور: 3 / 223
[16] انظر: ما لم ينشر من الأمالي الشجرية: 1/ 51
[17] انظر: ترجيحات ابن جزي د. عبد العزيز اليحى: 127.
[18] الطبري: 5/322
[19] التسهيل لعلوم التنزيل: 1/149.
[20] انظر: القطع والإتناف: 131: 132
[21] انظر: القطع والإتناف: 131: 132 المنار مع المقصد: 163
[22] انظر: المكتفى: 199
[23] انظر: إيضاح الوقف والابتداء:2/ 574
[24] انظر: علل الوقوف: 368.
[25] انظر: القطع والإتناف: 131: 132
[26] انظر: روح المعاني: 4/ 301 .
[27] معاني القراء: فراء: 1/206.
[28] معاني القرآن وإعرابه للزجاج: 397
[29] المكتفى: 199
[30] التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 5/ 178
[31] علل الوقوف: 368.
[32] ابن كثير: 2/ 31
[33] اتفسير ابن عاشور:3 / 223