سؤال: من قال بنسخ الآية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}؟

إنضم
23/01/2007
المشاركات
1,211
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
كندا
الموقع الالكتروني
www.muslimdiversity.net
في مقال نشر في هذا الرابط بعنوان (حد الردة .. والإشكال الأصولي)، ذكر الدكتور أحمد الريسوني ما يلي بخصوص الآية الكريمة: (لا إكراه في الدين)

(( من الآيات التي ذهب بعض المفسرين إلى القول بنسخها، الآية الكريمة: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256 ]، مع أن الآية تقرر قضية كلية قاطعة، وحقيقة جلية ساطعة، وهي أن الدين لا يكون ـ ولا يمكن أن يكون ـ بالإكراه. فالدين إيمان واعتقاد يتقبله عقل الإنسان وينشرح له قلبه، وهو التزام وعمل إرادي، والإكراه ينقض كل هذا ويتناقض معه.

فالدين والإكراه لا يمكن اجتماعهما، فمتى ثبت الإكراه بطل الدين. فالإكراه لا ينتج دينا، وإن كان قد ينتج نفاقا وكذبا وخداعا، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة.

وكما أن الإكراه لا ينشئ دينا ولا إيمانا، فإنه كذلك لا ينشئ كفرا ولا ردة، فالمكرَه على الكفر ليس بكافر، والمكره على الردة ليس بمرتد، وهكذا فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم. ولن يكون أحد مؤمنا مسلما إلا بالرضا الحقيقي: "رضيتُ بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا". وإذا كان الإكراه باطلا حتى في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية، حيث إنه لا ينشئ زواجا ولا طلاقا، ولا بيعا، ولا بيعة، فكيف يمكنه أن ينشئ دينا وعقيدة وإيمانا وإسلاما؟!.

فقضية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} هي قضية كلية محكمة، عامة تامة، سارية على أول الزمان وآخره، سارية على المشرك والكتابي، سارية على الرجال والنساء، سارية قبل الدخول في الإسلام، وبعده، أي سارية في الابتداء وفي الإبقاء، فالدين لا يكون بالإكراه ابتداء، كما لا يكون بالإكراه إبقاء.

ولو كان للإكراه أن يتدخل في الدين ويُدخل الناس فيه، أو يبقيهم فيه، لكان هو الإكراه الصادر عن الله عز وجل، فهو سبحانه وحده القادر على الإكراه الحقيقي والمُجْدي، الذي يجعل الكافر مؤمنا والمشرك موحدا والكتابي مسلما، ويجعل جميع الناس مؤمنين مسلمين، ولكنه سبحانه ـ بحكمته ـ أبى ذلك ولم يفعله: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [ يونس: 99 ] {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [ الأنعام: 149 ]، {وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} [ الأنعام: 107] فحكمة الله التي لم تأخذ بالإكراه في الدين، حتى في صورة كونه ممكنا ومجديا وهاديا، لا يمكن أن تقره حيث لا ينتج سوى الكذب والنفاق وكراهية الإسلام وأهله.

وإذا كانت الآية {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} غير منسوخة وغير قابلة للنسخ، فهي أيضا غير مخصصة وغير قابلة للتخصيص. وأقل ما يقال في هذا المقام، هو أن الآية جاءت بصيغة صريحة من صيغ العموم، فلا يمكن تخصيصها إلا بدليل مكافئ ثبوتا ودلالة. قال العلامة ابن عاشور: "وجيء بنفي الجنس [لا إكراه]، لقصد العموم نصا، وهي (أي الآية) دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه...".

إذا تقرر أن هذه الآية محكمة غير منسوخة، وعامة غير مخصوصة، وإذا كان هذا واضحا وصريحا بلفظ الآية ومنطوقها، فلننظر الآن في بعض الاعتراضات والاستشكالات الواردة في الموضوع، وأهمها أمران:

الأول: ما ثبت في عدد من النصوص القرآنية والحديثية وكذلك في السيرة النبوية الفعلية، من قتال للمشركين حتى أسلموا... وهكذا تم "إكراه" معظم مشركي العرب على الدخول في الإسلام، كما يقال.

الثاني: حد الردة، فإنه "إكراه" على البقاء في الإسلام، وبذلك اعتبر هذا الوجه من وجوه الإكراه خارجا عن مقتضى الآية وعمومها....))

وسؤالي: مَن مِن المفسرين ذهب إلى أن الآية منسوخة؟
 
القول بأن الآية محكمة رجحه أكثر العلماء كأبي عبيد في الناسخ والمنسوخ ص282، والنحاس في الناسخ والمنسوخ 2/101 ، والطبري في جامع البيان 4/553 ، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص194، وغيرهم .

وهناك من يرى أن الآية منسوخة بآيات القتال كقوله تعالى: ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ... ) الآية ( التوبة: 5] ، وقوله تعالى: (ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ...) الآية [ التوبة : 73 ] ،
وهذا القول مـروي عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في معالم التنزيل للبغوي ص160، وعكرمة كما في تفسير ابن أبي حاتم 2/494 ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وابنه عبد الرحمن ، كما أخرج ذلك عنهم ابن جرير في جامع البيان 4/ 549 ـ 553 ، وسليمان بن موسى كما في الناسخ والمنسوخ للنحاس 2/ 99 ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي 1/300 ، ونسبه الشوكاني في فتح القدير 1/275 إلى كثير من المفسرين ، واحتمله الشنقيطي في دفع إيهام الاضطراب ص 33 ، فقال : « وعلى كل حال ، فآيات السيف نزلت بعد نزول السورة التي فيها ( لاإكراه في الدين  ) الآية ، والمتأخر أولى من المتقدم ، والعلم عند الله تعالى ».
 
هذا رأي الشيخ بن باز رحمه الله تعالى رحمة واسعة .

السؤال :
يقول بعض الزملاء: من لم يدخل الإسلام يعتبر حرا لا يكره على الإسلام ويستدل بقوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، وقوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فما رأي سماحتكم في هذا؟

الجواب :
هاتان الآيتان الكريمتان والآيات الأخرى التي في معناهما بين العلماء أنها في حق من تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى والمجوس، لا يكرهون، بل يخيرون بين الإسلام وبين بذل الجزية. وقال آخرون من أهل العلم: إنها كانت في أول الأمر ثم نسخت بأمر الله سبحانه بالقتال والجهاد، فمن أبى الدخول في الإسلام وجب جهاده مع القدرة حتى يدخل في الإسلام أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها، فالواجب إلزام الكفار بالإسلام إذا كانوا لا تؤخذ منهم الجزية؛ لأن إسلامهم فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فإلزام الإنسان بالحق الذي فيه الهدى والسعادة خير له من الباطل، كما يلزم الإنسان بالحق الذي عليه لبني آدم ولو بالسجن أو بالضرب، فإلزام الكفار بتوحيد الله والدخول في دين الإسلام أولى وأوجب؛ لأن فيه سعادتهم في العاجل والآجـل إلا إذا كانوا من أهل الكتاب كاليهود والنصارى أو المجوس، فهذه الطوائف الثلاث جاء الشرع بأنهم يخيرون. فإما أن يدخلوا في الإسلام وإما أن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وذهب بعض أهل العلم إلى إلحاق غيرهم بهم في التخيير بين الإسلام والجزية، والأرجح أنه لا يلحق بهم غيرهم، بل هؤلاء الطوائف الثلاث هم الذين يخيرون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل الكفار في الجزيرة ولم يقبل منهم إلا الإسلام، قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[1] ولم يقل: أو أدوا الجزية، فاليهود والنصارى والمجوس يطالبون بالإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا وجب على أهل الإسلام قتالهم، إن استطاعوا ذلك، يقول عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[2].
ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من المجوس، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم أخذوا الجزية من غير الطوائف الثلاث المذكورة، والأصل في هذا قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[3]، وقوله سبحانه: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[4] وهذه الآية تسمى آية السيف.
وهي وأمثالها هي الناسخة للآيات التي فيها عدم الإكراه على الإسلام. والله الموفق.


المصدر موقع الشيخ بن باز
 
إذا تقرر أن هذه الآية محكمة غير منسوخة، وعامة غير مخصوصة، وإذا كان هذا واضحا وصريحا بلفظ الآية ومنطوقها، فلننظر الآن في بعض الاعتراضات والاستشكالات الواردة في الموضوع، وأهمها أمران:

الأول: ما ثبت في عدد من النصوص القرآنية والحديثية وكذلك في السيرة النبوية الفعلية، من قتال للمشركين حتى أسلموا... وهكذا تم "إكراه" معظم مشركي العرب على الدخول في الإسلام، كما يقال.
وقد درست هذا الموضع من موهم التعارض بين القرآن والسنة في رسالتي الماجستير ، فيطيب لي أن ارفق هذا المبحث بملف مرفق رجاء افادتكم وملحوظاتكم ودعواتكم .
 
أحسن الله إليك أخي عبد الرحمن المحيميد، واسمح لي ببعض الملاحظات رجاء استيضاح الأمر:
1- أجد صعوبة في فهم السبب الذي دعا بعض العلماء إلى القول بتخصيص آية اللا إكراه بأهل الكتاب، رغم عموم لفظها. فهل مفهوم اللا إكراه مرتبط بالطبيعة الإنسانية عموما؟ أم أنه منحة (رخصة) إلهية لأهل الكتاب دون باقي الخلق؟ وإن كان الأمر رخصة إلهية فما الداعي لها، وما الذي فعله أهل الكتاب حتى يحصلوا على هذا الرخصة رغم وضوح انحرافهم عن الدين الحق، ورغم أن انحرافهم هذا لا يقل درجة على الانحرافات العقائدية لغيرهم؟
ألا يعتبر استدلال الدكتور الريسوني على أن اللا إكراه يشكل قضية كلية قاطعة غير مخصوصة بأهل الكتاب، أقرب إلى تحقيق (العدل الإلهي بين البشر)؟
2- نقلت عن ابن جرير قوله: "... وكان المسلمون جميعاً قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوماً ، فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام ، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه ، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب ، وكالمرتد عن دينه ، دين الحق إلى الكفر ، ومن أشبههم ، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه ، وإقراره على دينه الباطل ؛ وذلك كأهل الكتابين والمجوس ومن أشبههم.. ،كان بينا بذلك أن معنى قوله : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ إنما هو لا إكراه في الدين لأحدٍ ممن حل قبول الجزية منه ، بأدائه الجزية ، ورضاه بحكم الإسلام ..."
وسؤالي: لم لا يفهم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من زاوية المصلحة الظرفية في السياسة الشرعية وليس من زاوية التفريق المبدئي في التعامل مع الطوائف حسب درجة انحراف معتقداتهم. وأحيل هنا إلى أقوال عدد من العلماء في تصنيف تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم، وردت في سياق نقاش علمي بين الدكتور سعد الدين العثماني والدكتور الشريف حاتم العوني في موقع (الإسلام اليوم):
http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_content.cfm?id=71&catid=73&artid=7994
http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_content.cfm?id=71&catid=73&artid=9595
3- كأني ببعض العلماء والسلف يستسهلون اللجوء إلى القول بالنسخ كلما وجدوا صعوبة في فهم وجه التعارض الظاهري في النصوص الشرعية، وعجزوا أن يدفعوه بوجه من الوجوه. وأتساءل: أما كان الأولى بهم، في مثل هذه الحالات، أن يتوقفوا في الأمر؟
 
عودة
أعلى