سؤال: ما الحكمة في استعمال الظن بدلا من اليقين في بعض الآيات؟

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1
قال الله تعالى:" وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)-البقرة-، و قال جل و علا:" قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)-البقرة-، و قال جل شأنه:" فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) -الحاقة-، و قال سبحانه:" إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا "-14-الإنشقاق- .
ففي كل هذه الآيات المقصود بالظن اليقين، و أتساءل لماذا استعمل الظن في هذه الآيات بدلا من اليقين، مع أن اليقين يدل على نفسه دلالة مطابقة، بخلاف الظن فإنه من الألفاظ المشتركة، بل إنه من الأضداد حيث يقصد به اليقين كما يراد به ضده أي الشك، كما في قوله تعالى عن الكفار الدهريين:" إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ"-الجاثية-.
و كما هو معلوم أن الله تعالى قد أحكم كتابه و أن كل لفظ بل كل حرف وضع فيه بميزان، كما قال تعالى : " كتاب أحكمت آياته"، فلا بد أن تكون هناك حكمة أوحكم من استعمال الظن بدلا من اليقين في هذه الآيات، و الله أعلم، أرجو الإفادة.
 
الفاضل ناصر عبد الغفور
في القرآن الكريم يطلق اليقين على اليقين ، ويطلق الظن على الظن ولا يقصد به اليقين .
لتوضيح ذلك نعرف كل واحد منهما على حدة .
يقول الراغب الإصفهاني (ت:502ه) في المفردات :
" اليَقِينُ من صفة العلم فوق المعرفة والدّراية وأخواتها ، يقال : علم يَقِينٍ ، ولا يقال : معرفة يَقِينٍ ، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم "
"الظَّنُّ : اسم لما يحصل عن أمارة ، ومتى قويت أدّت إلى العلم ، ومتى ضعفت جدّا لم يتجاوز حدّ التّوهّم ."
فمن خلال التعريفين : يتبين أن (اليقين) يدل على نفسه دلالة ثابتة : " سكون الفهم مع ثبات الحكم "
بينما (الظن) له دلالة متحركة : فهو يمتد من الوهم إلى مقاربة اليقين .
لذلك : إذا وردت في القرآن الكريم مفردة اليقين فهي دلالة مطابقة . أما إذا وردت مفردة الظن فهي نسبية وتستمد دلالتها حسب السياق : إما بمطابقتها للوهم ، وإما بقربها أو بعدها من درجة اليقين .
والله أعلم وأحكم
 
قال ابن جرير: مع أن"الظنّ" إنما استعمله العرب في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهده والمعاينة. فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة، فإنها لا تستعمل فيه"الظن"، لا تكاد تقول:"أظنني حيًّا، وأظنني إنسانًا" ، بمعنى: أعلمني إنسانًا، وأعلمني حيًا.اه‍
إلا أني أظن (على بابها) أن السائل يسأل عن الحكمة من استعمال الظن بدل اليقين، مع أن اللفظ من الألفاظ المشتركة بخلاف اليقين.
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى:
1- هذه شروحات لكلمة الظن من بعض المعاجم اللغوية:
- جاء في المعجم الوسيط:" ( ظن ) الشيء ظنا علمه بغير يقين وقد تأتي بمعنى اليقين وفي التنزيل العزيز:" قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله".
- و جاء في معجم مقاييس اللغة:" (ظن) الظاء والنون أُصَيْل صحيحٌ يدلُّ على معنينِ مختلفين: يقين وشكّ.
فأمَّا اليقين فقولُ القائل: ظننت ظناً، أي أيقنتُ. قال الله تعالى: { قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ مُلاَقُو اللهِ } [البقرة 249] أرادَ، والله أعلم، يوقِنون. والعربُ تقول ذلك وتعرفه. قال شاعرهم:
فقلت لهم ظُنُّوا بأَلَْفَيْ مُدَجَّجٍ سراتُهم في الفارسيِّ المُسَرَّدِ، أراد: أيقِنُوا. وهو في القرآن كثير.والأصل الآخر: الشَّك، يقال ظننتُ الشيءَ، إذا لم تتيقّنْه، ومن ذلك الظِّنَّة: التُّهْمَةَ. والظَّنِين: المُتّهم. ويقال اظَّنَّ".
2- أما بالنسبة لأقوال المفسرين في معنى الظن فأكتفي بنقل كلام بعضهم تفسيرا لقوله تعالى من سورة البقرة:" الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم":
- يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:" { الَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي: يستيقنون { أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ } فيجازيهم بأعمالهم".
- و قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى:" إن قال لنا قائل: وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة، أنه"يظن" أنه ملاقيه، والظن: شك، والشاك في لقاء الله عندك بالله كافر؟
قيل له: إن العرب قد تسمي اليقين"ظنا"، والشك"ظنا"، نظير تسميتهم الظلمة "سدفة"، والضياء"سدفة"، والمغيث"صارخا"، والمستغيث"صارخا"، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمي بها الشيء وضده. ومما يدل على أنه يسمى به اليقين، قول دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج... سراتهم في الفارسي المسرد (1)
يعني بذلك: تيقنوا ألفي مدجج تأتيكم...ثم قال: والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن"الظن" في معنى اليقين أكثر من أن تحصى".
ثم ذكر بعض أقول السلف التي تتفق على أن المراد بالظن في هذه الآية اليقين، و من ذلك:
قول أبي العالية:" في قوله:(يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: إن الظن ههنا يقين."
و عن مجاهد، قال: كل ظن في القرآن يقين،"إني ظننت"،"وظنوا".
و عن السدي:(الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) أما"يظنون" فيستيقنون.
و قال ابن زيد في قوله:(الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: لأنهم لم يعاينوا، فكان ظنهم يقينا، وليس ظنا في شك. وقرأ:(إني ظننت أني ملاق حسابيه)."
- أما الإمام القرطبي فقد قال في جامعه:" والظن هنا في قول الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى" إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ" [الحاقة: 20] وقوله:" فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها" [الكهف: 53]". اهـ.
فهذه بعض أقوال أئمة التفسير يفهم منها أن هناك إجماع أو شبه إجماع على تفسير الظن في هذه الآية- و أمثالها- باليقين، كما تشهد له لغة العرب و أشعارهم، ثم إن اعتقاد لقاء الله تعالى أصل لا يكفي فيه إلا اليقين بل اليقين القطعي، فكل مؤمن موقن حقا أنه سيلاقي ربه و أنه راجع إليه.، و عدم اليقين في ذلك كفر بلا ريب.
و عليه فيبقى السؤال واردا، ما الحكمة في استعمال لفظ الظن بدلا من اليقين مع أنه من الألفاظ المشتركة بل من الأضداد؟؟
و قد ظهر لي وجه لذلك: و هو أن القرآن كما هو معلوم نزل بلغة العرب و بأساليبهم في الكلام و التركيب، و لما كان العرب يستعملون كلمة " الظن" كثيرا -سواء في النثر أو الشعر- قاصدين به "اليقين"، نزل القرآن كذلك، فإنه نزل بلسانهم.
و الله أعلم.
 
أخي ناصر عبد الغفور
تقول : " فهذه بعض أقوال أئمة التفسير يفهم منها أن هناك إجماعاً أو شبه إجماع على تفسير الظن في هذه الآية- و أمثالها- باليقين، كما تشهد له لغة العرب و أشعارهم، ثم إن اعتقاد لقاء الله تعالى أصل لا يكفي فيه إلا اليقين بل اليقين القطعي، فكل مؤمن موقن حقا أنه سيلاقي ربه و أنه راجع إليه.، و عدم اليقين في ذلك كفر بلا ريب."
ما قاله المفسرون شيء وحقيقة الأمر شيء آخر ، لأن المسألة ما زالت تحتاج إلى تدقيق .
يقول السامرائي : " ما دلالة الظنّ في قوله تعالى : (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249}) في سورة البقرة؟
قال تعالى (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249}) الظن عند أهل اللغة درجات ويترفع إلى درجة اليقين. والظن هو علم ما لم يُعاين (أي علم ما لا تبصره) ... فالظنّ أبلغ من اليقين هنا . يوقن باليوم الآخر لكن هل يمكن أن يوقن أنه يلقى ربه على ما هو عليه من إيمان. بالطبع لا يمكن."
هذه المفردة القرآنية لم تدرس كما يجب ، فهي ليست من المشترك ولا من الأضداد في القرآن الكريم . فإذا كان الظن درجات ويترفع إلى درجة اليقين إلا أنه لا يصلها . لأن اليقين في القرآن الكريم هو اليقين .

والله أعلم وأحكم
 
فإذا كان الظن درجات ويترفع إلى درجة اليقين إلا أنه لا يصلها . لأن اليقين في القرآن الكريم هو اليقين

ما تريد الوصول إليه واضح أخي عبد الكريم، وهو انطلاقك من أصل الدلالة اللغوية لكلمتي (الظن) و (اليقين)، لكن جزمك بأن الظن لا يصل إلى اليقين هو محل النظر.
فالمعاجم إنما تثبت المعنى الأصلي للكلمة، ولا تتعرض لما يطرأ عليها بسبب السياق من تغيير إلا نزرا، والراغب ممن تميز في هذا الباب، فقد ذكر فيما نقلت عنه أن (ظنَّ) متى قويت أمارته أفاد العلم، وهذا هو اليقين بعينه.
وقد أحسن الإخوة في نقل كلام ابن جرير وغيره من المفسرين واللغويين في هذا، قال ابن عطية: "والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه، وقد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة" وجعل ما حكاه المهدوي من أن الظن هنا على بابه =تعسفًا، ثم نقل تفريق ابن جرير بين الأمور المدركة بالحس والمدركة بالخبر، وبيت دريد السابق. والشاهد أنه أثبت أن الظن يقع موقع اليقين.
وجعل ابن عاشور (الظن) من المشترك، وأن إطلاق الظن في كلام العرب على معنى اليقين كثير جداً.

فهذا أسلوب فصيح وتعبير بليغ يفهمه العربي ولا يقع له فيه شك من خلال السياق الذي ورد فيه..والله أعلم.​
 
أخي محمد ، الإشكال ليس في لغة العرب ، ولا في المفسرين الذين استعملوا إطلاق الظن على معنى اليقين جريا على لغة العرب . وهذه كلها من المسلمات .
الإشكال هو عدم التمييز بين مميزات المفردة في كونها قرآنية أو لغوية .
إن للمفردة القرآنية خصائص تميزها عن اللغوية ، فإذا كان الظن له مجال يتحرك فيه من الشك ابتداء إلى أن يقارب اليقين ، وقد يطلقه العربي على اليقين ، وهذا جائز في لغة الناس . لكن في لسان القرآن الكريم وهو كلام الله المعجز ، اليقين لا يطلق إلا على اليقين . ومفردة الظن ، قوتها وضعفها يتبين من خلال السياق القرآني ولا تطابق اليقين أبدا .
اعتمادا على أن لا ترادف في القرآن الكريم . وهذا واضح في كل الأساليب القرآنية التي جاءت في موضوع الظن .

والله أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى