جرى عمل الأئمّة على تقديم قراءة أهل الحجاز على غيرهم وتقديم قراءة أهل المدينة على غيرهم أيضاً لأنّ أكثر القرءان نزل بالمدينة وقُرئ في المدينة بداية لذا قُدّمت قراءة نافع المدني على قراءة ابن الكثير المكّي, وما قدّمت قراءة قالون عن ورش إلاّ لأنّ قالون مدني وورش مصري فكان قراءة المدني على المدني مقدّمة على قراءة المصري على المدني. فالصحيح المعمول به تقديم قراءة أهل الحجاز على قراءة أهل الكوفة خلافاً لترتيب مكي القيسي الذي قدّم قراءة عاصم على قراءة المكي.
قال العلامة المارغني في توضيحاته وتعليقاته على رسالة العلامة بن يالوشة والمسماة " الأوجه المقدّمة عند القراء : " وجه تقديم التسهيل لهشام على التحقيق في { ءأنذرتهم } مع أنّه – أي ابن عامر – من أهل التحقيق في غالب أحواله هو أنّ التسهيل لمّا كان المقصود منه التخفيف صعوبة الهمز ودفع مشقّته استحقّ التقديم. ومن هنا سمّي تسهيلاً ، وممّا يرجع تقديم التسهيل له أيضاً ، أنّه قراءة أهل المدينة ، ومكة ، والبصرة ، ولا جرم أنّ قراءتهم تقدّم على قراءة أهل الكوفة أداءً وجمعاً حسبما يرشد لذلك صنيع الإمام الشاطبيّ تبعاً لصاحب التيسير وصنيع الحافظ ابن الجزريّ ، وصاحب غيث النفع رضي الله عنهم وأرضاهم ، فإنّهم قدّموا أهل سما في الذكر والرتبة على الكوفيين ، وإنما وسطوا الشامي بينهما مع أنّه أحقّ بالتقديم من البصري ، إذ مرتبة الشام تلي مرتبة الحرمين الشريفين ، وذلك لما قلناه من أحقيّة تقديم أهل التسهيل على أهل التحقيق. وحيث أنّ الشاميّ شاركهما ، ناسب ذكره وسطا بينهما ، لأنّه من رواية ابن ذكوان وافق أهل التحقيق ، ومن رواية هشام وافق أهل التحقيق تارة وأهل التسهيل تارة أخرى ، فيجمع بين اللغتين فيقرأ له بهما. ومقتضاه أن يقدّم له التحقيق ، ولكن قدّم له التسهيل لما قررناه تبعاً لجدّنا ، وبذلك قرأنا على شيخنا الوالد عن الجدّ رضوان الله عليهما ، وبه أقرئ متبعاً للأثر ، ومتمسّكاً بسندنا الأغر ، والحقّ أحقّ أن يتّبع ، والله أعلم " انتهى كلامه عليه رحمة الله.